Ads by Google X

رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الرابع 4 - بقلم نهال مصطفي

الصفحة الرئيسية

  رواية غوي بعصيانه قلبي كاملة بقلم نهال مصطفي عبر مدونة دليل الروايات


 رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الرابع 4

 

” رسائل لن تصل لـ صاحبها ”

(4)

يقول نزار قباني :

-الحب ليس روايةً شرقيةً بختامها يتزوج الأبطال ، لكنه الإبحار دون سفينةٍ وشعورنا أن الوصول مُحال !

-ولكني ملكت السفينة ورفعت شراعها وأعلنت عليه حُبي ، وأبحرت إليك على أملٍ بأن عيونك مرساي ، وبدلاً من أن أموت غرقًا في بحر حبك العميق بقلبي ، مت عطشًا لرؤياك وغيابك والأيام التي قضيتها بدونك باحثة عنك ، لِمَ أوهمتني بأن الطريق إليك سهلًا ، وهو فخٌ !

#نهال_مصطفى ✨

••••••••••••••

كل منا يركض في اتجاهه لتحقيق أهدافه ، منا من يسلك طريق الخير مستندًا على عكاز الصبر ومنا من يقطع طريق الشر والوساطة ليصل أولًا ، والعبرة هنا ليست بأولوية الوصول ولكنه بمصدقية الرحلة !

وصلت ” نوران ” بصُحبة ” كريم ” إلى قسم الشرطة مستقلين عربة أجرة وتقدمت بسرعة أشبه بالركض متجهه نحو أحد الأمناء وطلبت :

-لو سمحت عايزه أقدم بلاغ !

وثب الأمين لاستقبالها وإعداد أوراق الطلب وظلت تراقبه بكفها المرتعش على البار وهي تأخذ أنفاسها بصوت مسموع ، وبعد دقيقة عاد إليها قائلًا :

-بلاغ في مين يا ست !

بللت حلقها وشرعت في رواية الحدث الدرامي الذي أخذ به ” عاصي ” أختها من قلب حارتهم ، فختم الأمين قصتها ساخطًا :

-هو فاكر البلد مفيهاش قانون ولا أيه ؟!

تدخل ” كريم ” مؤيدًا لجملته بثقة :

-أصله راجل مفتري أوي ، ومحدش بيقدر يقف قدامه .

سأله الأمين بتلقائية :

-أنت تقرب لهم أيه ؟!

توترت الكلمات في حلق كريم ، فأجابته نوران بسرعة :

-قريبنا من البلد ، المهم أختي هترجع بيتها النهاردة ؟!

الأمين برسمية وهو يستعد لكتابة البيانات :

-اسمه أيه الجدع دا !

-عاصي ، عاصي دويدار .

كانت إجابة نوران بحماس وأمل شديد ولكن هنا توقف حبر القلم ، ويد الأمين بمجرد سماعه الاسم ، انكمشت ملامح وجهه وهو يكرر سؤاله :

-قُلتي مين !

-عاصي دويدار حضرتك !

بدا عليه الارتباك والخوف ، وقال متحججًا وهو يتأهب للذهاب من أمامها :

-طيب خليكي هنا هشوف بس سيادة المأمور وأرجع لك حالًا !

•••••••

يسري بثقة عارمة وهو يضع ساق على الأخرى :

-لقيت الحل اللي هيمسكك عقد الإدارة ، ويخرجك من دماغ عبلة هانم للأبد وكمان من غير ما يأثر على رفاهية معاليك !

تلك كانت أخر جُملة أردفها يسري على أذان عاصي مما جعله يصغي إليه متجاهلًا رنين هاتفه ، وقطب حاجبيه متسائلًا :

-أنت دماغك راحت فين ؟!

ابتسامة خبيثة ارتسمت على وجهه يسري وقال :

-راحت شُبرا !

بدا الغضب يكسو ملامحه ، فسأله بنبرة حادة :

-مش فاهم !

تحمحم يسري بخفوت ، وبنبرة مُغلفة بحماس الشـر قال :

-البنت الـ أحنا جبناها من شُبرا .

-قصدك الدكتورة شمس ؟!

أومأ يسري مؤيدًا تساؤله وأكمل :

-هنلفق لها قضية مترتبة ، متعرفش تخرج منها ، غير بطريقة واحدة!

بات حماس عاصي يبهت لما يبدو عليه رافضًا لاقتراح يسري الذي أكمل تقديم وجبة الشر الدسمة :

-هنتفق معاها ، ونقول أنها حُب قديم لمعاليك ، وعشان كدا جبتها القصر ، وتتجوزها كدا وكدا ، لحد ما تاخد الأوكيه من الهانم ، نقطع الورقة ويا دار ما دخلك شر ونراضي البنت بكام مليم ، والموضوع ينتهي !

تمددت ملامح عاصي تدريجيًا لما يدل على أن الحديث راق واستطاب إليه وأخذ يُقلب الفكرة برأسه حتى عادت أنظاره إلى يسري الذي يُغلف له أفكاره السوداوية بشريط هدايا وقال :

-وأنا سألت عليهم زي ما قلت لي ، البنت دخلت الجامعة بمنحة دراسية ولانها فعلا مجتهدة ، وهتبقى وجهة كويسة لمعاليك ، عايزه بس شوية تلميع سيبهم عليا .. قلت أيه !

ضــرب الأرض بمشط حذائه اللامع بخفوت وهو يفكر في الأمر ، ولكنه لم يستغرق وقتًا طويلًا حتى رن هاتفه مرة أخرى ، فقبل ما يجيبه قال ليسري :

-سيبني أقلب الموضوع في دماغي وبعد الاجتماع هقولك تعمل أيه !.

ثم أجاب على هاتفه قائلًا :

-ممدوح باشا ، اخبار معاليـك !

ظل يسري يراقب تبدل ملامح عاصي المُتقلبة هو يتحدث في الهاتف حتى أنهي جُملته بفظاظه وقال :

-لالا ، نفذ اللي طلبته وكملوا إجراءات البلاغ .

يبدو أن الرجل كاد أن ينافشه في الأمر ولكنه أجزم قائلًا :

-مفيش كلمة تعلى فوق القانون سيادتك ، وهو كذلك ، شاكرين لأفضال معاليك .

بمجرد ما أنهي المكالمة سأله يسري بفضول :

-في حاجة يا بُص ؟!

ألقى هاتفه بجواره وقال بهدوء :

-البنت أخت شمس ، مقدمة بلاغ فيا !

-دا ايه الورطة دي بقا ؟! البنت دي لازم تتربي .

عاصي برزانةٍ وهو يضع ساق فوق الأخرى :

-لا ورطة ولا حاجة ، محلولة !!

••••••••••

‏في حياة كل منا يوم قديم أو حدث حزين ما زال يمتد في كل الأيام ويقاسمها ، أحيانًا يكمُن في نظرة شاردة أو دمعة حارة أو كغضبك الشديد على أشياء سخيفة .. تشاركا تـميـم وشمس في الشرود ، كل منهما شـرد إلى موضع ألمه الذي لم تخدره السنوات .

كانت شمس تطالع الأشجار حولها والطبيعة بصمت يحمل أثقال من الصخب ، تذكرت أمها وأبيها وتلك الصرخة التي اندلعت من صميم قلبها إثر سماع خبر فقدانهم الأبدي ، ترقرقت العبرات من عيونها فتعمدت أن تخفيهم عنه وهي تطالع بتشتت فوضى العمال على الجهة الآخرى .

انغمس تميم في قراءة كتابه وذلك لا يمنعه من اختلاس نظرة كل فترة والثانية من تلك الملاك الثائر ، حيث استمدت صفاتها من اسمها ، كالشمس تشرق لتنير عالمك وفجاة تختفي فلا ترى منها إلا الظلام ، كان مصيرها من اسمها لكل شيء نهاية حتمية ، لا تعلم من أين ابتدى ولأين سينتهي ؟! كانت إمرأة بنكهة اللغز المحير للعقل ومثير للفضول ولكنه كان يخشى أن يقترب منها لتحـرقه !

حاولت أن تُشتت رأسها عن أحزانها والتفتت للكتاب الذي بيده فقالت بإعجاب :

-end of love ?!


كأن ثمة حوار فُتح ليدور بينهم ، استغل تميم الفرصة ليتعرف أكثر عليها ويحل شفرة ألغازه حولها ، قفل الكتاب وقال بتنهيدة :

-لكُل حاجة نهاية حتى الحُب !

رمقته شمس بنظرات مُعارضة :

-أي حاجة في الدنيا وليها نهاية ، حتى الإنسان مننا بينتهي ، لكن الحُب الحاجة الوحيدة اللي ما ينفعش تنتهي !

-قرأتيها ؟!

أصدرت صوتًا نافيًا لسؤاله وقالت بحزن :

-قرأت نصها ، وكالعادة مكملتش !

أسبل عيونه مستفهمًا حول ردها الغريب :

-أزاي ؟! قصدك مش حلوة !

ردت بعفوية :

-إطلاقـا ، بس دي عادتي ما بحبش النهايات حتى ولو سعيدة ، ما بحبش أكمل الرواية واتعلق بأبطالها وفي الأخر يفارقوني ! أو افتكر إنهم مش موجودين معانا ، أنا مش بعرف أمشي الطريق لأخره ! لازم اسيب باب للفضول والحنين ، يديني الفرصة إني أرجع له وقت ما أحب ! دي حياتي .

شرد في كلامها المغلف بأسى ينافس مأسي أيامه، ولكنها أتبعت بشكٍ :

-بس الحب الحاجة الوحيدة اللي ما ينفعش تنتهي ، الحب الصادق يولد ولا يموت ، له نقطة بداية ، بس ملهوش نهاية مهما تجاهلنا الأمر !

ظل يستمع إليها بإعجاب ، يبدو إنها لامست نقطة في عقله لم يوصل لها أحد من قبل ، تأمل شرودها وهي تُنمق الكلمات وتحشو أوجاعها بجوف العبارات لتنطقها بصورة فلسفية وأكملت :

-عارف مشكلة الحُب أيه ؟!

لمعت عيونه بإثارة لاستماع المزيد منها وقالت :

-إنه بيختار الشخص المستحيل ، الشخص السهل المُتاح ليك أبدًا مش بيغريه ، يعني مثلًا الرواية دي ، ضابط في الجيش الروسي ، وقع في حب بنت عادية ، بس جمالها اللي مكنش عادي ، ورغم الحروب والصراعات ما بين جيشه وسكان المدينة إلا أنه تخلى عن كل دا ودخل بيتهم علي إنه شخص فقير ، عشان يكون جمبها .. لو كُنت مكان الكاتب ، كنت هتخلي النهاية أيه ؟!

تضرمها عيناه إعجابًا بفطنتها ، فكر لدقيقتين قبل أن يُجيبها وقال

-أنا لسه معرفش الكاتب رأيه أيه ، بس شايف أن الحُب لازم ينتصر !

-انتصار الحُب الحقيقي في استمراره حتى ولو مش هينفع نكمل مع بعض ؟!

أبت ملامح وجهه كلامها وقال :

-دي يبقي اسمه قـ تل نفس ، ليه الإنسان يعمل في نفسه كدا ! أحنا من حقنا نحب ونلاقي مُقابل للحُب دا ؟! وإلا يبقى زي اللي بيزرع في أرض بور ! الحياة مليانة فُرص يا شمس ، متوقفيش نفسك عند محطة واحدة لمجرد أن القطر فاتك ؟!

أيدت كلامه بعقلانية وقالت :

-دا رد منطقي وواقعي لأي حد جاي الدنيا عشان يعيش أيامه ويمشي ، أه مجبر على طوي اللي فات ، بس حد زيي بيتعامل مع الحُب على إنه هواء وميه ، كل لحظة بنستخدمهم ، بس مش كل لحظة بنقول إننا بنحبهم ، دا الفرق ، الحُب بيجي مرة واحدة وبيعيش فينا بصرف النظر عن حياتك هتكملها مع مين بعدين ؟!

ثم أطلقت تنهيدة وأكملت


-كل واحد جوه قلبه أوضة مقفولة مكتوب عليها ممنوع الإقتراب !

ظن أن بالحديث سيكتشف هويتها ولكن لم يزيدها الكلام إلا غموضًا ، طالعها بتطفل شديدٍ إثر تلك العواصف التي هاجت ببدنه من زوبعة أوجاع امرأة رأت من الدنيا ما رأت ولكنها مازالت صامدة كالجبل .

ركضت ” تاليا و داليـا “إلى عمهم وعانقوه بحب ، فقالت تاليا بمرحٍ:

-أخيرًا نزلت الجنينة يا أونكل تميم !

ابتسم تميـم بامتنانٍ:

-اشكروا الدكتورة شمس بقا.

تدخلت داليا بجزل طفولي وسألتها :

-حضرتك الدكتورة شمس ، تاليا قالتلي إنك طيبه أوي .

ثم اقتربت منها وربتت بكفها الصغير على كفها وأكملت :

-ممكن متزعليش من بابي ؟! هو دايمًا عصبي وبيزعق ، نانا دايمًا بتقول إنه مشغول ، عشان كدا هو عصبي .

كغيث انهمر على جروح شمس وهي تطالع رقة ولُطف الصغار وهما يتحاورن معها ، والكثير من المرح الذي جعلها تنسى أوجاعها للحظات مسروقة من الزمن ، إلا أن هبت عاصفة من نوع أخر لتفسد مجلسهم ، فـبمجرد دخول ” عبلة ” التي اشتعلت النيران من ملامحها وهي تزمجر بغضب عارمٍ:

-مين نزل تميم هنا ؟!

رفع تميـم رأسه إليها بعد ما سـر.ق نظرة سريعة من وجه شمس التي بدا عليها القلق وقال :

-أنا طلبت من الدكتورة شمس .

جثت ” عبلة ” على ركبتيها أمامها ولكن سِهام الشر تحاصر عيونها وقالت بزيف :

-تميم حبيبي أنا خايفة عليك ، الدنيا مش تمام ، ودربكة الحفلة والجو مش هيبقى لطيف ، لو سمحت متزعلش مني .

ثم صوبت أنظارها الثاقبة لشمس وقالت :

-هنا مفيش حركة بتتم غير بعد رأيي ، اتمنى الدكتورة تعرف أن القصر دا له قواعد ، مش زي الخرابة اللي جاية منها !

احتدت نظرة تميـم إليها فابتلعت عبلة ما تبقى من إهانات ، وطلبت من الفتيات قائلة :

-وصلو أونكل تميـم لأوضته يا حلوين .

وهنا تعالت أصوات صاخبة من الخارج ، وأحد الحراس قادمًا إليهم ، وبمجرد ما سألته عبلة :

-أيه الدوشة اللي بره دي !

طأطأ رأسه وقال:

-دي الشرطة بره ، وبيسألوا على الدكتورة !

رمقتها عبلة بسخرية :

-دكتورة ! أنا عارفة عاصي حدفها علينـا من أي داهية ، اتصل لي به حالًا .

توترت شمس وهي تضم يد دالـيا بقلق ، خاصة بعد وتيرة الإهانات التي سُددت إليها ، ونظرة أخيرة كانت من نصيب تمـيم التي أومأ إليها راجيًا أن تهدأ ، ولا تُفاقم الأمر ، كأنه يريد أن يُخبرها بطريقة ما أن هذا هو الجو المعتاد لقصر آل دويدار .

جذبت عبلة الهاتف من الحارس وقالت بلهفة :

-أيوه يا عاصي ، شوفت المصيبة اللي أنت حدفتها علينا ؟!

خرج عاصي من اجتماعه بعد ما أنهاه بأفضل العروض لصالح شركاته وأخذ يخطو بفظاظة في دهليز المكان ويتبعه يسري ، فقال عاصي بهدوء:

-اديها التليفون !

زفرت عبلة بضيق لعدم تمالكها زمام الأمر ومدت لها الهاتف قائلة :

-كلمي !

بأنامل مرتعشة وصوت لا يقل إنش عن ارتجاف يدها وضعت الهاتف على اذنها وقالت بصوت خافت :

-ألو !

خاض بالأمر بدون مقدمات وأردفت بحدة غير قابلة للنقاش :


-بصي يا شاطرة ، هتخرجي للظابط اللي بره وتقوليله انك هنـا بتشتغلي ، ومش مخـ طوفه ولا حاجة !

تلجلجت معترضة :

-بس!

ارتفعت نبرة صوته بصرامة :

-حرف تاني غير كدا ، هتلاقي نفسك متهمة بسر قة حاجات لو اتباعتي أعضاء مش هتجيبي نص تمنها !

هنا أغلق هاتفه ومده ليسري وواصل طريقه نحو سيارته بفظاظة ، لحق يسري بخُطاه مسرعًا وهو يسأله :

-معاليك مصمم على البنت دي ليه ! افهم من كدا وافقت على كلامنا ؟!

فكر عاصي للحظات ثم قال :

-البنت لسانها طويل وعايزه تتربي !

يسري بعدم فهم :

-وده أيه علاقته ؟!

-فيها من نفس طينة تمـيم ، فـ هي أكتر حد هيعرف يتفاهم معاه !

فتح له يسري باب السيارة وهو يقول :

-نفسي أفهم أيه في دماغ معاليك !

صعد عاصي سيارته الفارهة بالمقعد الخلفي ثم لحق به يسري فأنطلق السائق عائدًا إلي القرية ، وهنا أردف سؤاله الأخير :

-فكرت في كلامنا بتاع الصبح !

انتهى عاصي من إشعال سيجارته وقال

-فكرت ، والفكرة عجبتني !

تحمس يسري للمغامرة الجديدة التي سيخوضها رئيسه وقال بشغفٍ

-هو دا الكلام ! خطط يسري متُخرش المية !

أخذ نفسًا طويلًا من سيجارته ودار برأسه يطالع الطريق من النافذة وقال بمكـر :

-بس مش شمس !

“عودة إلى القصر ”

تُراقب ” نوران ” أختها بذهول شديد بعد ما نفت كل الاتهامات الموجهة لعاصٍ ، فنهرتها أختها معترضة :

-شمس ، أنتِ بتقولي أيه ؟!

ضغطت شمس على كف أختها ثم أكملت حديثها إلى الضابط :

-أختي بس فهمت الموضوع غلط ، وأنا موجودة في القصر هنا بصفتي الدكتورة شمس ، وبقوم برعاية مريض !

أطرق الضابط باحترام ونادي على العساكر كي يتأهبوا للرحيل ، ثم سحبت شمس أختها جنبًا وقالت بحذر

-نوران ، أنا هنا بشتغل ، وصلي لفوفا الكلام دا !

نهرتها نوران بعنف :

-أنت ازاي تقولي كدا علي المُجـ رم دا ؟! شمس أنت واعية لتصرفاتك!

ربتت على كتف أختها بتفهم :

-أنتِ مش فاهمة حاجة ، بصي هو هيجي بكرة وهتكلم معاه ولازم هيكون في حل ، المهم دلوقتِ تخلي بالك من فوفا وادويتها ، وطمنيها أنا كويسة أهو .

ثم مسحت بعيونها ساحة القصر لتطمئن اختها حتى ولو كذبًا :

-وأديكي شايفة المكان ، وليا أوضة لوحدي وبتعامل باحترام ، أنتِ اطمني !

أسبلت نوران عيونها بعدم تصديق :

-مع أن قلبي مش مطمن ، بس هصدقك يا شمس .

مسحت شمس على شعر أختها وقبلت جبهتها بحنان :

-متقلقيش ، ويلا عشان تطمني جدتك ، وأنا هكلمك على طول !

أدخلت نوران يديها بجوف حقيبتها وأعطتها سلة سوداء بداخلها بعض النقود وقالت :

-خدي ارمي له فلوسه في وشه واخلصي من الرعب دا ، المكان دا مش مريح ياشمس أنا خايفة عليكِ !

أخذت النقود من اختها وقالت بهدوء:

-هحاول ، يلا روحي أمشي أنتِ دلوقتِ .


تقف جيهان بصحبة عبلة في أحد زوايا القصر يراقبان الحدث بعيون الشر ، حتى تفوهت جيهان قائلة :

-عبلة اسمعي كلامي البنت دي مش هيجي من وراها غير المشاكل ، قلبي مش مرتاح لها !

عقدت عبلة ذراعيها وهي تحدج نظراتها القوية جهة شمس وتقول:

-لا ومكلف نفسه عاصي وجايب دكتورة تراعي اخوه ، من أمتى بيهتم تميم اصلا !

مالت جيهان على أذان أختها وقالت بصوت يشبه فحيح الأفاعي :

-ياخوفي يكون عاصي ابنك عينه منها ، وجايبها القصر وحجته تميم !

هزت رأسها نافية وهي تقول بثقة :

-مش ذوق ولا مستوى عاصي ، اطمني !

بثت الاطمئنان بقلب جيهان ثم سألتها :

-عبلة ، أحنا لازم نظبط جوازة عاصي من هدير ، دي البنت اطلقت عشان بتحبه !

يبدو أن الجملة لم ترق لمُخطط عبلة ولكنها تجاهلتها سريعًا وهي تغادرتها متجهة نحو شمس العائدة إلى مدخل المنزل ، فـ عاقت طريقها وقالت بشموخ :

-شكلك عوج و بتاعت مشاكل !

فاض صبرها حتى تأفف شمس بضيق ثم قالت :

-آه ، أنا فعلًا كدا والأحسن تتقي شري ، عشان أنا عوج ومش بيهمني حد !

كانت تلك أخر جُملة ألقتها شمس على مسامع عبلة وتركتها وغادرت وهى تلعن الصدفة التي قادتها إلى هنا ، حيث باتت نيران غضبها لا ترى أحد ، بل تلسع كل من يقترب منها ، ذهلت ” عبلة” من وقاحتها الزائدة وأخذت تضـ رب كف على الأخر وهي تتوعد لها بأن تحول حياتها لجحيم .

•••••••

تتقوس حول نفسها كحمامة تحت المطر لا تعلم إلى أين ستذهب بعد ما هُدم عشها ! إلى أين تتجه وهي ضعيفة هكذا كالـيرقة ! يبدو أن شعور أُلف واحتضان ذاتها معتادة عليه ! أحست بأنها ليست المرة الاولى التي ترمم فيها نفسها بنفسها ! يبدو أن حياتها القديمة لم تكن بفارق عن حياتها الآن، ربما مـاتت من قبل ألف مرة ! تقاسم الحيرة قلبها ! لِمَ ألقاها المُوج إلى هنا ؟! ما هو المصير الذي ذرفها إليه ؟!

كان مذاق التيه بالنسبة لها كالماء والهواء ، ليست بشعور مخيف تهابه وتخشاه ، رُبما كانوا من قبل أصدقاء ، تتقلب في فراشهم كل ليلة ؟! ولكن توقفت دموعها حائرة ، كحيرة الرمش ، هل يحضن الدمعة أم يتخلى عنها ؟! وسألتها نفسها السؤال الأصعب !

-‏”هل لا يستحق الإنسان أن يشعر ولو لمرّة واحدة فـ العُمر بأنهُ في المكان الصحيح الذي لا شك به ولا حيرة ! ما هو الذنب الذي يعاقب المرء عليه بتلك القسوة ! أهل من العدلِ أن نسدد دينًا لم نقترضه ؟؟

مسحت “رسيل” عبراتها المترقرقة وهي تدفن وجهها بالوسادة ، حيث بتر خيط أفكارها جُملة المُمرضة :

-لازم تاكلي ! مش هينفع كدا !

صرخت بها رسيل :

-قُلت سيبيني لوحدي !

لبت الممرضة طلبها وجذبت الباب الزجاجي لحديقة غرفتها وانصرفت كي تهاتف الطبيب وتروي له حالة المريض .

وعلى الجهة الأخرى من الحديقة يجلس عاصي ويتناول وجبة غدائه على البحر بأشهى أنواع الأسماك التي يُفضلها ، ارتشف رشفة من كأس النبيذ فـ تقدم إليه يسري بوجه عابث لاحظه عاصي ، وما أن وضع لقمية صغيرة بفمه سأله :

-مالك !

أخفض يسري وجهه بالأرض وقال بأسف :

-لما تخلص أكلك معاليـك !

ترك الشوكة والسكيـن من يده والتفت إليه منتبهًا :

-اخلص يا يسري ؟

خيم الخذلان على وجهه وقال بحزن :

-خسرنا مزاد العلمين .

يعلم يسري بأهمية هذا المزاد بالنسبة لعاصٍ لذلك أردف جملته بأسفٍ شديد ، ولكن رد فعل عاصي كانت غير متوقعه فسأله :

-ورسي على مين !

-على شركة ماريو .

زفر بضيق ثم نهض جاهرًا بغضب واشار إليه محذرًا بسبابته :

-دول زودوها أوي .. يُسري ، تجيب لي قرار الشركة دي وصحابها ومين الممولين بتوعها ، كل حاجة يا يسري ، أنت فاهم !

أومأ يسري بطاعة :

-فاهم ، فاهم معاليك ؟! اهدا بس .

ثم لقمت أعينه تلك الممرضة التي تتحدث في الهاتف ، فعاد إلى هدوئه العاصف مرة أخرى ، وسأله بعيون ماكرة لا يفصح عن خباياها :

-البنت اللي جوه دي فاقت !

تشتت تركيز يسري قليلًا وسأله بحماقة :

-أي بنت معاليك !

حدجه بأنظاره الحادة :

-يسري !

انتبه يسري أخيرًا :

-اه قصد معاليك البنت بتاعت البحر ! اه فاقت وبعت لها الغدا .

ثم اقترب منه وسأله ناصحًا :

-أحنا مش هنخلص منها بقا ؟!

طالع عاصي البحر بعيونه المراوغة ووضع يده في جيب بنطاله الأبيض وقال شاردًا :

-عايزك تعرف أصلها وفصلها !

أحس يسري بالعجز إثر صعوبة طلبه وقال معارضًا وبنبرة مغلفة بالسخرية :

-معاليك أنا خدامك آه ، بس مش بنجم هنا عشان أعرف أصل واحدة هي نفسها مش عارفه هي مين !

لقنه بنظرة حادة أخرسته وجعلته ينسحب من أمامه مُلبيًا لطلبه بدون كلمة زائدة .

••••••

” في جنوب الغردقة ”

ضجيج تفجر بجميع أرجاء البيت أخذ يُكسر كل ما يقابله ، كُرة ملتهبة من الغضب تأكل كل ما تلقاه ، هشم ” فريد ” غُرفته جاهرًا

-يعني أيه تروحي مني !

دخلت ” فريال” جهة مصدر الصوت ونهرت أخيها معترضة :

-أنت اتجننت ، سايب عزاء المعلم قنديل وقاعد تكسر هنا ؟

دار إليها بعيونه المحمرة وشعره المُنسدل على جبهته أزاحه للوراء وقال بجنون :

-قلبت البحر عليها حتة حتة ، فوق وتحت ، يعني أيه البحر يغدر بيها ، دول كانوا صحاب ، ويوم ما القاها ياخدها مني ؟!

يبدو أن البحر من معشر الرجال ، إذا غار جُن ، التقم حبيبته كي لا يشاركه أحد فيها ، ربما أراد لها قصة جديدة ومغامرة جديدة سيشهد عليها ، ربما اعتبرها شخص غير عادي ، فلابد من قصة مثيرة لتعيشها ، العادي لا يليق بـ فتاة مثلها ! أو ربما أحس البحر برفضها فتولى مهمة انقاذها من شخص لم تتمناه لساعة أن يقاسم قلبها !

حاولت فريال أن تهدأ من بركان أخيها الثائر وقالت :

-قضاء ربنا يا فريد ، هتكفر !

بعدم تصديق :

-لا ماهي مش دي النهاية ! مش دي النهاية اللي تليق بصبري وحبي ليها السنين دي كلها !

ثم تناول بدلة الغطس وغادر هائمًا :

-هقلب عليها الدنيا يا فريال !

صرخة أخته بخوف عليه من غدر البحر الذي سبق وغدر بابنة عمها ، حاولت أن تلحق بها بسرعة ولكن بدون فائدة ، اندفع هائمًا على وجهه في مهب رياح الحُب والتمرد على أعرافه !

•••••••

يخطو نحو غرفتها بثقة عارمة ظنًا منه بأن كل ما على الأرض خاضعًا لقوانينه ، لأوامره ، طرق على باب غُرفتها ثم دخل قبل أن تأذن له بالدخول ، فزعت من مرقدها بتوتر وهي تضم ساقيها إلى صدرها وتوبيخه قائلة :

-أنتَ أزاي تدخل قبل ما اسمح لك !

جر المقعد الخشبي المُخصص لتسريحة غرفتها وجلس عليه وأخذ يثني في أكمام قميصه تحت عيونها المُرتعدة صامتًا ، لا يهزه انتفاضة صوتها .. سحبت الغطاء إليها ظنًا منها بأنه سيحميها منه وقالت :

-بكلمك ولا مابتسمعش !

تحمحم بخفوت ثم أجاب ببرود غير متناهٍ :

-مستني تحسني أسلوبك معايا عشان أرد !

علمت بأنها أمام رجل قوي ، ليس بالسهل خديعته ولا التفاهم معه ، أخرج سيجارة من جيبه وسألها بهدوء مرعبٍ :

-هتضايقي لو شغلتها !

ألتزمت الصمت ولكن عيونها أعلنت الرفض ، ولكنه عقيم في قراءة عيون النساء تجاهل ما أفصحت به عيونها وأخذ نفسًا من سيجارته وقال برتابة :

-أسف ياااا ، نسيت أنك مش فاكرة حتى اسمك ، بس أنا عايزك تحطي نفسك مكاني .

بللت حلقها الذي جف من هيبته وهي ترمقه بعيونها السماوية الواسعة التي تحتكر نصف مخزون العالم من النبيذ وقالت :

-مش فاهمة !

قرب مقعده منها وقال بنبرة يكسوها المـكر والخديعة :

-بصي أنا راجل مش متجوز ، وليا سُمعتي اللي عشت بحافظ عليها عُمري كله ، مش حلوة في تاريخي دا كله يقولوا عاصي دويدار عنده بنت في الجناح بتاعه !

لمعت نظرات السخرية على وجهه مقارنة بمـا رأته صباحًا ، وبما تسمعه الآن ، ابتسمت باستهزاء وقالت

-اه منا واخدة بالي .

تجاهل سخريتها التي يدرك سببها جيدًا وقال :

-جميل ، نبقي متفقين ، أنا كلها ساعة وراجع القاهرة ، وأنت ما ينفعش تبقي هنا !

اندفعت بدون تفكير :

-ومين قالك إني عايزة أقعد هنا أصلًا !

مثل التأثر الشديد على حالتها وقال معاتبًا :

-هو خير تعمل شر تلقى الزمان دا !

رمت الغطاء من فوقها ولامست الأرض أقدامها العارية التي يغطي الفستان منتصفها ، شيء ما جذبه ليطالع ساقيها الاشبه بأعمدة رُخام مثيرة للمس ، ولكنه سيطر على أهواه مكملًا مسرحيته مُلتفًا لحديثها :

-أكيد أهلي بيدوروا عليا ، أنا هنزل من هنا على أقرب قسم وهبلغ !

وقف أمامها بهيئته المُتناسقة وهو يطرق أنظاره لمستوى أنظارها وقال بنبرة تحدٍ:

-معنديش مانع بس بعد ما تقدمي البلاغ ، هترجعي هنا مش هتلاقي مكان تنامي فيه ، شوفي بقا ممكن تقعدي فين لحد ما البوليس يلاقي أهلك دا إن عرفوا يوصلوا لحاجة !

رفعت عينيها المُقمرتين بوميضٍ خافت من الرعب ولكنها أبت الخضوع لكلامه الذي يفوح منه رائحة الدخان ، قالت متحدية

-هقعد على الرصيف ولا إني اقعد في مكان يخص واحد مغرور زيك !

-هو في حل واحد !

علم أنها امرأة لا تُقتــل بسهولة ، ما كادت أن تخطو خطوتين توقفت إثر جملته الأخيرة التي جعلتها تلتفت إليه منتظرة أن يكمل جملته ، أكمل عاصي بصوته الخفيض وبتردد مزيف :

-مش عارف إذا كنتي هتوافقي ولا لا ، بس الخيار في الأول والأخر ليكِ !

يطوف الفضول بملامحها وهي تناظره :

-سمعني !

أخذ يتحرك في الغُرفة بعشوائية ليكمل مسرحيته على أتم وجه ، لانت معالم وجهه مما يجعلها تحس بحاجته لمساعدتها ، وقف يتأمل البحر من وراء الزجاج للحظات طويلة مازالت تنتظره فيها على مراجل متقدة ، حتى قال بفظاظته المعهودة :

-أنا محتاج مساعدتك زي ما أنت محتاجة مساعدتي !

بللت شفتيها بنفاذ صبر وهي تخطو نحوه بفضول

-وبعدين !

تطرفت بخيالها لأبعد مدى كي تُخمن ما يشغل تفكيره ولكنها فشلت ، رجل مثله لا يكشف كل أوراقه مرة واحدة ، أخذ يطوف حولها كما يطوف الدبور حول الزهرة وقال :

-أنت مشكلتك الوقت وأنا كمان ، محتاجة وقت عشان تعرفي أهلك ، وقت عشان تفتكري انتِ مين ، وكل دا عشان يحصل لازم تكوني في مكان آمن !

ارتاد فكرها ساحات الحيرة وهي تراقبه ،حيث أكمل :

-وأنا محتاجك في حياتي فترة مؤقتة ، هوصل فيهم لهدفي ، والمُقابل متحلميش بيه ، أولهم هدور على أهلك ، هتعيشي في مكان متحلميش بيه ، شيك علي بياض تكتبي المبلغ اللي عايزاه وأنا هنفذ !

دب الرعب في قلبها فأخذت تقبض على ياقة فستانها كي تحمي نفسها من نظراته المريبة وتقوس أصابع أقدامها من شدة الخوف ، وقالت

-قصدك أيه ؟!

-هنلعب لعبة بسيطة أوي ، النهاردة فـ القاهرة في حفل عملاق ، هيكون فيه كبار رجال الأعمال ، أجانب وعرب .

صمت للحظة يراقب تلك الملامح التي استمدت جمالها من صخب البحر ، تثير العواصف وتصنع الدوامات لتغرق أمهر السباحين بهما ، صف أمامها بشموخ وقال

-هقدمك في الحفلة على أنك خطيبتي .. خطيبة عاصي دويدار !

ذهول ، عيون متسعة صامدة ثم ضحك ملء فمها وهي تحاول استيعاب ما سمعت ، حتى تفوهت بسخرية

-أنت مش مغرور وبس ! لا كمان مجنون !

نظر في ساعته بهيبة ثم قال

-قدامك بالظبط ٤٠ دقيقة ، تفكري وتاخدي قرارك ، أكون غيرت هدومي .

وكأن السماء أهطلت فوق رأسها جمرًا ، فالمــوت والحياة الاثنان تآمرا عليها ، وقفت أمامه لتعيق طريقه معلنة رفضها القاطع :

-مش مضطر تستنى الوقت دا كله عشان تعرف ردي ، تقدر تأجر ألف واحدة من اللي تعرفهم يلعبوا معاك اللعبة الرخيصة دي يااا عاصي بيه دويدار !

أفحمته بسخريتها وتقليلها منه ، تعمد أن يحافظ على ثباته لأخر لحظة حتى وهو يراها تغادره وترحل كفراشة لم يرق لها مذاق الصبار فـفر هاربة .

••••••••

” عودة للقـاهرة .. قصـر آل دويدار ”

بدأ الحفل وبدأت عبلة في استقبال الضيوف ، التجول بين المقاعد والترحيب بالجميع ، وكانت تُرافق خُطاها ” هدير” كي تصنع أكبر عدد من العلاقات والمصالح الشخصية ، باتت تتعرف على بنات وأبناء الضيوف وتمازحهم بخفة وتهتم بتقديم المشاريب إليهم وتعمد الكثير الاقتراب منها لما تملكه من عدد المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي الهشة .

أجبرت ” عبلة ” ابنتها على حضور الحفل ، ارتدت الفستان الذي احضرته إليها ولكنها تعمدت أن تغطي ذراعيها بـ شال حريري وهي تجلس في مكان هادئ تُراقب الأكاذيب المتحركة ، وكل منهما يعرض أثمن ما لديه .

دلفت ” جيهان ” إلى ساحة القصر وأخذت تبحث عن أولادها إلى أنها تصادمت بـ ” كريم ” فجذبته بقوة وسألته :

-أنت مختفي من أول الصبح ليه ؟!

هندم كريم سترته وهو يراقب المحيطين حوله ويهمس لامه خلف أسنانه المُنطبقة ويقول :

-مصالح عُليا يا جيهان هانم ! وبعدين المسكة دي هضيع برستيج ابنك !

زفرت جيهان بإمتعاض :

-أنتَ هتجنني ، بقولك شوفت أخوك مراد ؟!

ذهل كريم من سؤالها :

-هو مُراد جاي ؟!

-قال لي إنه جاي ، ومأكد عليا !

تحمس كريم بعفوية :

-دي الليلة هتبقى دمـار ! دا له ١٠ سنين مدخلش القصر دا ؟

جيهان بتخابث

-ماهو لازم يحضر ، مش أنت لوحدك اللي عندك مصالح عُليـا .

ضحك كريم على سخرية والدته منه ، حيث مال على آذانها وقال

-جي جي ، أنا مُشفق على عاصي ، هو المفروض يختار واحدة بس من كل البنات دي ؟! ما اختار معاه أنا كمان !

لكزته أمه بغلٍ :

-انتيل أفلح في دراستك الاول بدل ما أنت عمال تسقط كدا .

-منا مش هتعدل غير لما اتجوز ، جربي كدا مش هتخسري حاجة .

هنا طل ” مُراد ” بفخامته وفخامة هيئته وبدلته الأنيقة فكان كالبدر في ليلة تمامه يسطع أمام الجميع ، اندفعت جيهان إليه وعانقته بانتصار وشوشت له :

-كنت متأكدة إنك مش هتخيب أملي ، تعالي تعالي سلم على خالتك .

” في الطابق العلوي ”

يجلس تميـم على مقعده المتحرك يُراقب الحاضرين من خلف السور ، يراقب تلك الملايين المتحركة أمامه ، الفتيات يعرضن جمالهن بطريقة مقززة ، صخب عارم هنا وهناك ، أحضان وتلامس بين بعضهم لبعض بحجة الصداقة ، سيدات تتباهى بما لديها من مجوهرات ، ورجال يعرفون أين يدسون أعينهم !

اقتربت شمس منه بخطوات هادئه وأخذت تشاهد الصرح الضخم من الحاضرين وقالت بهدوء :

-ليه منزلتش !

أجابها تميم بدون ما ينظر لها :

-دا عالم مزيف ، عالم مش شبهي ، لو فكرت اتكلم مع شاب من الواقفين دول ، مش هلاقي في عقله ذرة نضج ، كلهم عالم الشو والكذب والفلوس !

ثم أخذ نفسًا بارتياح وأكمل :

-محتوى حياتهم هنصيف فين النهاردة ! مين مُعجب بمين ! تؤ جو مغبر بالكذب ، مش لوني !

عقدت شمس ذراعيها وسألته بفضول :

-طيب وليه أنت مش زيهم !

امتنع “تميـم” عن الرد وعاد لمشاهدة المسرحية التي نعلم جميعنا بأكأذيبها ولكنا مازلنا نشاهدها ، أحست شمس بأنها لامست جرح ما بقلبه تعمد السكوت عنه ، وتعمدت هي الأخرى ألا تغوص في الحديث .

ركضت عبلة إلى ابنتها التي تعبث في شاشة هاتفها ونهرتها معاتبة :

-سيبي الزفت دا وقومي رحبي بالناس !

زفرت عالية باعتراض

-مامي أنا قلت لك مش عايزه انزل واجبرتيني ، متجبرنيش كمان اسلم على ناس غريبة !

بدا التوتر على ملامح عبلة ، فلحظتها عاليـه ، فوقفت وسألتها

-مامي حضرتك تعبانة ؟!

أجابت ” عبلة ” باختناق :

-الساعة داخلة على ١٢ والبيه أخوكي مجاش ! وبكلمه مش بيرد .

ربتت على كتفها وقالت :

-طيب اهدي ، هروح اشحن موبايلي واكلمه .

ترجتها عبلة بأمل

-حاولي يمكن يرد عليكِ يا عالية ، انا حاسة هتجرالي حاجة لو أخوكي نشف دماغه ومجاش .

رفعت ” عالية ” ذيل فستانها الطويل وانصرف جهة المنزل وهي تعاود الاتصال بأخيها مرارًا وتكرارًا ، ولكن بدون فائدة ، قفزت في رأسها فكرة كتابة رسالة نصية له ، ظلت تخطو بعبث وهي تجمع تركيزها كله في ترتيب الكلمات ، فاللحظة التي انشغلت فيها ” عالية ” بهاتفها كان مُراد يتحدث هو الأخر بهاتفه باحثًا عن مكانٍ هادئ وفي تلك اللحظة تصادم الثنائي ببعضهم فـ سُكب كأس العصير الذي بيد “مراد” على فستان ” عالية ” ، التي فزعت صارخة بوجهه

-مش تفتح ؟!

-ومش مفتحة أنتِ ليه ؟!

أخذت عالية تثرثر بكلمات غير مُبهمة حتى قالت معترضة :

-وقليل ذوق كمان !

ثم انشغلت في تنظيف فستانها وهي تدفعه بقوة من أمامها مما أثار إعجاب مُراد بها الذي لم يتعرف على هويتها بعد ، ابتسم ابتسامة خفيفة ثم قال لنفسه :

-غزالة ، بس بتعض !

في تلك اللحظة التي ينتظرها جميع الفتيات لتوقيع عاصي دويدار في حبهم ، دخل بفخامته وخلفه عدد كبير من الحرس أشبه بموكب ملكي ، صُوبت نحوه جميع الأعين ، من يطالعه بإعجاب ، ومن يحدجه بنظرات التمنى ، ومن يطلق صفير انبهاره علنًا ، رجل تجمعت به وسامة وفخامة رجال الأرض ، ولكن كل هذا انطفىء بمجرد وقوفه جمب فتاة أشبه بحوريات البحر ، ترتدي فستانًا فخمًا باللون الازرق استمد لونه من عيونها ، مرتديه حذاء بكعب مرتفع مما جعلتها تُنافس قامته في الطول ، شعرها المموج الذي ينسدل بطوله ليُغطي أسفل ظهرها ، مُلفتة لانتباه الجميع كالعطر من غير صخب .

تحاشي الجميع موكب” عاصي “الفخم وصُوبت أسهم نظراتهم الثاقبة نحو ” رسيل ” الواقفه على يساره ، اقبلت عبلة إلى ابنها كإقبال العطشان على بُحيرة ماء وعانقته هامسة بعتب :

-كل دا تأخير ؟!

ربت عاصي على ظهرها وقال :

-كان عندي شغل !

ابتعدت عبلة عنه وهي تراقب ” رسيل ” بنظرات حارقة وسألته بهمس :

-مين دي ؟!

اتسعت ابتسامة ” عاصي ” وهو يطوق خصر الفتاة ويجذبها إليه أكثر ويجهر بصوته معلنًا :

-حياة ، حياة مراتي !

google-playkhamsatmostaqltradent