رواية وختامهم مسك كاملة بقلم نور زيزو عبر مدونة دليل الروايات
رواية وختامهم مسك الفصل السادس عشر 16
فتحت “بثينة” باب الشقة ودلفت أولًا ثم “مسك” مُتكئة على ذراع “تيام” بحرج من وجود والدتها وبسبب مرضها وجسدها المُنهك من الجراحة، تحدثت “بثينة” بنبرة خافتة:-
-حمد الله على السلامة يا حبيبتى، نورتي بيتك
أومأت “مسك” لها بنعم وبسمة خافتة، جلست على الأريكة بمساعدة “تيام” ودلفت “بثينة” إلى غرفته، أخبرها “تيام” بتحرك المباحث للقبض على “بكر” فأومأت إليه بنعم ثم قالت:-
-شكرًا.. تيام
نظر إليها بأهتمام من ذكر أسمه، أخذت نفس عميق قبل أن تتحدث عن هذا الماضي وحدق بعينيه بشجاعة وأخبرته بما قاله “إيهاب” وأنهت حديثها بسؤال ولهجة صارمة:-
-أنت عملت كدة فعلًا؟
أتسعت عينيه على مصراعيها وهو يستمع إلى حديثها من البداية حتى توقفت بعد سؤاله ليرفع نظره إليها بغضب سافر لا يصدق هذا السؤال وقال بحدة:-
-أنا فيا كل العبر وعيوب محدش يتقبلها لكن عمرى ما دخلت فى علاقة مع واحدة غصب عنها، وبعدين ما انتِ أهو مراتي وحلال ليا أعمل معاكي اللى عاوزه لكن لمستك.. لا يا مسك، أنا بروح للى شبههى فى نجاستي و مستحيل أعملها مع واحدة بالغصب لأن وقتها مش هبقي نسوانجي وفلتان هبقي مغتصب وبنتهك عروض البنات،
تنحنحت بحرج من كلماته وتحاشت النظر له بتذمر وغضب مما تسمعه وهو يحكي عن نزواته بفخر كونه يفعلها مع فتيات وكأنه يخشي أن يكن مُغتصب لكن لا مشكلة لديه فى ان يكون زني ثم قالت بضيق:-
-أنا كنت عارفة
-بعدين البنت اللى بتحكي عنها دى كانت بتشتغل جرسونة فى الكازينو عندنا فى القرية وكل ناس عارفة حكايتها وأنها كانت ميالة للرجالة الكبيرة ومتحبش غير الرجل اللى قد أبوها … وعارفين حكايتها لما لاقوها مقتولة فى البحر روحي اسألي اى حد فى القرية لو مش مصدقاني وبعدين واحدة ميولها للعواجيز هتغير ميولها فجأة وتمشي معايا وكمان أكون أخر واحد شافها، طب ليه عشان سوداء عيوني مثلًا.. أه انا شوفتها ليلة ما أختفت بس دا عشان كنت عايز منها مخدرات وبقولها قصادك من غير خوف عشان رغم كل القرف اللى فيا أنا مبنكرش حاجة أنا عملتها
قالها بجدية صارمة ووجه عابس مُتحاشي النظر إلى “مسك” فظلت تحدق بوجهه فى صمت دون أن تتفوه بكلمة واحدة، لا تعرف أهذه ميزة به أم نقطة لا تري وسط بحر العيوب الذي يغرق به، وقفت لكى تدخل غرفتها ليقف “تيام” قبلها مُسرعًا ومسك أكتافها يساعدها فى الوقوف لتتقابل عيونهما معًا رغم غضبه لكن عينيه كانت تحمل بريق ضئيل من الدفء لمساعدتها ورؤيتها، تنحنحت “مسك” بحرج وتحاشت النظر إليه فتركها قبل أن تغضب من لمسه لها….
_______________________
كان “زين ” يقود سيارته بسرعة جنونية إلى الغردقة بعد أن تلقي خبر من “جابر” بما تخطط له “زينة”، نظرت “ورد” إليه بقلق من سرعته وخوف شديد ثم تحدثت بنبرة هادئة:-
-اهدأ يا زين
نظر “زين” لها وكان وجهه مُلتهبًا من الغضب وحاجبه يعقدهما بحدة وظهرت خطوط عريضة فى جبينه وقال بنبرة حادة:-
-أنا تعمل فيا كدة، أختى اللى من لحمى ودمي تغدر بيا.. بتستغل فرصة غيابي عشان تطمع فى مالي
ربتت “ورد” بلطف على ذراعه وقالت بحنان تحاول ألتماس العذر إلى “زينة”:-
-برضو اهدأ الثروة كبيرة والقرية تقدر بمليارات ممكن يكن وسوس لها الشيطان ولا حاجة، لكن أكيد أول ما تتكلم معاها هترجع لوعيها، زينة بتحبك وواقفة فى ظهرك
تأفف بغضب شديد من كلمات “ورد” التى تلتمس العذر لأخته التى تحاول سرقة منصبه منه وقال:-
-واقفة فى ظهري عشان تطعني فيه من غير ما أحس وأنا مأمن ليها
-أكيد لا يا حبيبي، أكيد لا
قالتها بثقة قوية فى “زينة” وكأن براءة هذا الفتاة وعقلي النقي لم يستوعب ما يحدث وما تخطط له “زينة” بمكرها بعد أن تمكن أبليس من عقلها وزرع الطمع فى عينيها، نظر “زين ” إلى “ورد” بحزن قوي يخيم عليه من تعرضه للغدر من أخته وقال:-
-متثقيش فى حد يا ورد، أنتِ طيبة زيادة عن اللزوم وسط الديايب اللى إحنا عايشين فيها، الثقة هتأذيكي بس
تبسمت “ورد” إلى عينيه التى ترمقها تارة والطريق تارة، ثم وضعت يدها على يسار صدره حيث قلبه وقالت بدفء:-
-أنا بثق فى دا يا حبيبي
وضع يده فوق يدها مُتشبثًا بها ربما تستطيع كبح غضبه السيطرة عليه قبل أن يصل للقرية ويقتل “زينة” على خيانته..
________________________
دق باب غرفة “مسك” ودلفت والدتها مع مجموعة من الأطباء زملائها فى المستشفي وقالت بلطف:-
-مسك يا حبيبتي صحابك جم
تبسمت “مسك” بلطف إليهم وهى بفراشها وجلست معهم لنصف ساعة يتحدثون ويتسامرون عن مرضها والمستشفي، عاد “تيام” من الخارج ووجد “بثينة” تحمل صينية بها الكثير من أكواب العصير والكعك فسأل بخفوت:-
-أيه كل دا؟
تبسمت “بثينة” بلطف وقالت:-
-صحاب مسك جوا
أخذ الصينية منها بعفوية دون أذن مُبتسمًا حتى يستغل الفرصة وقال برحب:-
-طب عنك يا حماتي
تبسمت إليه بلطف ودلف “تيام” ليجدها مُبتسمة بإشراقة وبسمتها تحتل وجهها وتملأ الضحكات غرفتها، تقدم للأمام خطوة لكنه توقف عندما سمع شاب يقول:-
-أنا ماليش فى الورد اللى بيدبل دا… أنا راجل عملي جبتلك الشيكولاتة اللى بتحبيها
تبسم “مسك” على داعبته ونظرت إلى علبة الشيكولاتة وقالت:-
-ميرسي تعبت نفسك
أستشاط “تيام” غيظًا من هذه البسمة التى تهديها إلى هذا الرجل وأنفجرت قنبلة مُميتة بداخلها تدمر صدره وقلبه من الغيرة التى أكلته، وضع الصينية ببسمة مزيفة وقال:-
-أتاخرت عليكي يا روحي
قبل جبينها أمام الجميع وجلس جوارها، نظروا إليه بأندهاش وجزت “مسك” على أسنانها بحرج من تصرفه أمام زملائها وقالت ببسمة أضطرارية:-
-لا…أعرفكم تيام جوزي
تبسمت فتاة بعفوية وعينيها تحدق به بإعجاب ثم قالت:-
-شوفته معاكي فى المستشفي كان هيموت من القلق عليكي
نظرت “مسك” إليه بحرج من ألتصقه به وتشير له بعينيها بأن يبتعد ليرفع ذراعه ويحيط بأكتافها مُتجاهلًا نظراتها ثم قال بنبرة دافئة:-
-طبعًا مش روحي
همست فى أذنه بغيظ قاتل يمزقها من الداخل وهو يستغل أى فرصة لتقرب منها وتمثيل دور الزوج العاشق:-
-طلعت روحك يا بعيد… أبعد عني
قهقه ضاحكًا بصوت مرتفع ورمق هذا الشاب بعيني ثاقبة وقال:-
-بتموت فيا
-يا بختك بمسك
قالها الشاب بعفوية ليُصدم “تيام” من حديثه وقال بوجه عابس وحدة:-
-مسك!! حاف كدة من غير دكتورة ولا مدام ولا أى حاجة
-تيام
قالتها “مسك” برفق شديد وتنكزه فى خصره حتى يتوقف لكنه تابع بغيظ شديد قائلًا:-
-مفيش تيام لازم يتعلم يحترم اللى قدامه وأيه يا بختك دى .. حضرتك بتعاكس مراتي قصادي يا بجاحتك والله
نظر الشاب إلى “مسك” وأصدقائه بحرج من حديث “تيام” ثم وقف بغضب وقال:-
-أنا ماشي
-فى ستين داهية
قالها “تيام” بضيق شديد وهو يقف من مكانه ليغادر الشاب وخلفه الجميع فصرخت “مسك” بغضب سافر يمزق عقلها للتو من تصرفه الذي لم تفهمه ولا تدرك سببه قائلة:-
-أيه اللى عملته دا، أنت مجنون مين اللى أديك الحق تتدخل فى حياتي كدة
ألتف “تيام” إليها وهو يقف فى منتصف الغرفة مُشتعلًا من نيران الغيرة التى تحرقت قلبه وتصاعدت الآن إلى عقله وقال بانفعال:-
-أنتِ تسكتي خالص، دا راجل مش محترم قاعد يعاكس فيكي وأنا قاعد بكل بجاحة وكمان أنتِ اللى زعلانة، ليه شايفني مركب قرون قصادك
أندهشت “مسك” من انفعاله ونبرته المرتفعة التى تكاد تجزم أن والدتها سمعتها من الخارج، تمتمت بصدمة ألجمتها من تحوله المفاجئ أمامها:-
-قرون!! أنت بتكلمني أنا كدة؟
أشار بيده نحو باب الغرفة وعينيه تحدق بها بنظرات يتطاير معها الغيظ ورائحة رماد قلبه وتحدث بغضب شديد قائلًا:-
-أيوة أنتِ مش محترمة وجودي قصادك وقاعد تضحكي معهم وكمان زعلانة أنى طردته وبتتخانقي معايا عشانهم
وضعت يدها على جرحها الذي بدأ يؤلمها من الأنفعال وقالت بحزم ونبرة غليظة:-
-أيه دا أنت بتزعق ليه؟ وبصفتك أيه تطرد صحابي
كان مُستشاطًا غضبًا منها بعد رؤية هذا الرجل زميلها بالعمل يُحدثها بلطف وهى تبتسم إليه حتى قتلت بسمتها قلبه وأشعلت النيران بداخله فقال صارخًا:-
-بصفتى جوزك.. بقيت بتنسي كتير يا مسك ولعلمك لو اللى حصل دا أتكرر تاني هيكون لى تصرف غير معاكي
رفعت رأسها بشموخ غاضبة منه ثم قالت:-
-أنت عبيط يا تيام هو حصل ايه؟ الناس جايبين ورد وجايين يطمنوا عليا فيها ايه دى
أقترب منها مُشتعلًا من الغيرة وسبابته تقرص وجنتها بأغتياظ قائلًا:-
-والضحكة اللى من الودن للودن دى ايه، دا أنا كنت فاكرك مبتعرفيش تضحكي ولا نازل عليكي لعنة ضد الضحك تيجي أول ما تشوفهم تسيحي على نفسك… وبعدين مين الأخ اللى جايب لك شيكولاتة اصلك بتحبها… حبك برص من النهاردة مفيش شيكولاتة، أنا هكرهك فى كل الشيكولاتات ولو لمحتك بتأكلى شيكولاتة واحدة هطفحهالك
تمتمت “مسك” بنبرة خافتة مُندهشة من انفعاله وغضبه قائلة:-
-أنت شارب حاجة… ما أنت لو مش شارب حاجة تبقي غيران ودى متتصدقش
أقترب أكثر منها ويجز على أسنانه لتضع يدها على صدره تمنعه من الأقتراب الأكثر لتشعر بشيء صلب أسفل يدها،رفعت يدها عن صدره وأتسعت عيني “مسك” على مصراعيها وهى تنظر إلى صدره العاري من فتحة أزرار قميصه السماوي مُندهشة مما تراه، قربت يدها ببطي إلى صدره ومسكت القلادة بأناملها الذي تحمل الرصاصة التى أعطتها له وقالت بخفوت:-
-تيام
-تميمة حظي
قالها ببسمة عافية متنازلًا عن دوامة غضبه وقسوته لتبتسم “مسك” بعفوية على صنعه لقلادة من طلقة نارية مزقت جسدها وأحشائها وبسببها هى طريحة الفراش هنا، سحبته من القلادة بقوة إليها وما زالت لم تتخطي الغضب الذي بداخلها وعينيها تحدق بعينيه عن قرب وتشعر بأنفاسه الدافئة ثم قالت:-
-أياك تاني مرة تتخطي حدودك معايا يا تيام، فاهم!!
تطلع بها عن قرب وأنفه تلامس أنفها وعينيها تلمعان ببريق الغضب لكنه يزيدهما جمالًا ليبتلع لعابه بحرج من قربهما وهذه المرة هو من فر بعيدًا عنها بعد أن شعر بدقة جديدة تصيب قلبه وخفقان يحمل مشاعر لا يعرف ماهيتها من قربه من “مسك”، أرتجف عقله فزعًا مما يشعر به لذا هرب من أمامها، أندهشت من هروبه المفاجئ منها ولم تفهم شيء من تصرفاته…
___________________________
(المدينة الزرقاء blue city)
كانت “زينة” تجلس مع المدراء التنفذيين فى غرفة الأجتماعات ثم قال “متولي” بجدية:-
-اللى موافق على عزل الرئيس زين من منصبه المؤقت يرفع أيده خلونا نأخد التصويب بالأغلبية
رفع القليل يديهم والبقية نظروا ألى بعضهم بقلق من اتخاذ قرار حاسم كهذا، فتح باب الغرفة ودلف “زين” وخلفه “جابر” الذي أقتحم المكان للتو وحدق بهم ثم قال:-
-جابر
-أمرك
قالها بعيني ثاقبة يحدق بعيني “زينة” التى لم يتحرك لها ساكنًا من مكانها فتابع “زين” بنبرة قوية صارمة:-
-كل واحد رفع أيده مفصول من وظيفته
أرتعب الجميع من كلمته ووقفوا من مقاعدهم ثم قال:-
-زين بيه!!
صرخ “زين” بهم بغيظ شديد ثم قال:-
-أخرسوا.. بتتأمروا عليا ومن وراء ظهري … بكرة الصبح ملاقيش واحد فيهم فى مكتبه ولا فى وظيفته أما بالنسبة لأنسة زينة زعيمتهم تفصل من وظيفتها الإدارية ما هى قدوة ليهم وتكتفي بنسبتها فى الأسهم
أتسعت عيني “زينة” على مصراعيها بصدمة ألجمتها ووقفت من مقعدها تضرب الطاولة بيديها وقالت:-
-زين!
ألتف وغادر الغرفة دون أن يستمع لها أو إلى حديثها فتبسم “جابر” إلى “متولي” بسخرية من هزيمته وغادر خلف “زين”، خرج الجميع من الغرفة وتبقي “متولي” بصحبتها فقال بمكر شديد:-
-صدقتينى بقي لما قولتلك أنه عايز كل حاجة له
جلست “زينة” على مقعدها بصدمة ألجمتها من خسارة كل شيء الآن، فقط تمتلك حصة ضئيلة فى هذا المكان لتغلق قبضتها بأحكام تسيطر على غضبها ….
__________________________
ذهب “تيام” إلى ملهي ليلي وأرتشف الكثير من الشراب والخمر غاضبًا من هذا الشعور الذي أصابه، حاولت فتاة تعمل بالمكان التقرب منه فتبسم إليه وحاول مبادلتها الرحب فى الحديث لكنه لم يشعر بضربات قلبه التى أزعجته سابقًا، بل شعر بوخزات فى قلبه تفتك بـ صدره كأنه يعاقبه على خيانة “مسك”، أبعد يد الفتاة عنه بأغتياظ وغادر المكان شاردًا ويسير فى الطرقات وحيدًا مُستمتعًا بنسيم الليل ربما يقتل ثمالته ويعيده إلى وعيه، يتأرجح جسده من السُكر لكنه ما زال يفكر فى غضبه عندما رأها تبتسم إلى أخر وخفقان قلبه من قربهما والنظر إليها والشعور بأنفاسها كاد أن يفقده صوابه، جلس على الرصيف قرب النيل مُستسلمًا لهذا الشرود حتى سمع صوت سيدة عابرة من جواره:-
-محتار ليه يا ولدي
فتح عينيه وكانت سيدة مُسنة تتكئ على عصا من جذع شجرة وتسير بطريقة فوضوية، جلست جواره فقال “تيام” بعبوس:-
-محتار من نفسي، مبقتش عارف هى عايزة منى أيه؟
تبسمت السيدة إليه وقالت:-
-هو العشق كدة يا ولدي يحير ويتعب القلب
أعتدل فى جلسته بأندهاش من كلمتها الأولى وحدق بها بذهول ثم قال:-
-العشق!!
أخذت السيدة راحة يده ونظرت إلى باطنها ثم قالت بخفوت ونبرة هادئة:-
-طريقك صعب ومليان مخاطر بس هى واقفة فى ظهرك وهي بس اللى هتأخدك لبر الأمان
-هى مين؟
سألها بفضول شديد وعينيه تنظر فى باطن يده ولا يري شيء مما تتحدث عنه فقالت بحدة:-
-اللى غلبتك، واحدة بينك وبينها هيكون في رباط قوي مهيقدرش الكون كله على كسره، بس مستهونش بالرباط دا يا ولدي ..دا مهيقوهوش غير الفراق.. والفراق مكتوب عليك من زمان واللى مكتوب على الجبين لازمة تشوفه العين
أبتلع لعابه بخوف مما تتفوه به هذه السيدة الغجرية رغم كبر سنها لكنها تحدثه بوعي وحدة ، سألها بقلق:-
-هتفارقني.. مسك؟
-محدش بيوصل لمسك الختام غير بعد معافرة وصبر … وأنت وصلت بدري لكن اللى جاي صعب، صعب اوي محتاج منك قلبك من حديد وصبر من نار، نار أول ضحاياها هو قلبك اللى دخله العشق وخلاك عشقان والعشق نار يا ولدي تولع لكن متحرقش، بس أنت قدرك تتحرق بالنار وتعيش لحالك.. عاشق بعيد عن المعشوق
كانت تحدثه وعينيها تحدق براحة يده فسحب يده منها بخوف مما تتفوه به لتربت على رأسه وغادرت من أمامه، ظل يرمقها حتى غابت عن نظره ليقف من مكانه ويعود للمنزل بقلق وخوف تملك من قلبه من حديثها الذي إعادته لصوابه كاملًا وتخلص من ثمالته، دلف إلى غرفة “مسك” وكانت نائمة فى فراشها والساعة بلغت الثالثة فجرًا، لم يبدل ثيابه وتسلل إلى الفراش خلفها ينظر إليها بخوف من وحدته، وتساءل هل سيعود ساكن فى أحدى غرف الفندق وحيدًا بعد أن أعتاد على عودته للمنزل و”مسك” به، دمعت عينيه من الرعب الذي أصابه بسبب الفراق والوحدة، طوقها بذراعيه بدفء ووضع رأسه على كتفها، شعرت “مسك” بيديه لتفتح عينيها وقبل أن تصرخ به أو تضربه كعادتها سمعت صوت بكاءه وشعرت بدموعه الحارة تذرف على عنقها، تجمد جسدها محله وتوقف عقلها عن التفكير من الصدمة التى حلت بها لأول مرة تراه يبكي حتى بعد وفاة جده لم تنزل دمعة واحدة منه، لا تعرف ماذا حدث حتى بكي كطفل صغير هكذا فى صمت؟ يكبح صوت أنينه وشهقاته بحذر حتى لا يقظها من النوم وتبعده عنها، أغمضت عينيها من جديد لكنها لم تعود لنومها بل ظل تستمع إلى صوت أنينه المكتوم ودموعه تتسلل على عنقها، كان “تيام” يبكي بخوف من الفراق والوحدة.. لا يعلم ماذا أصابه يبكي دون توقف مهما حاول التوقف عن البكاء؟ أنهى هذه النوبة من الوجع الذي أصابه بلا سبب لم يستطيع، لا يعلم شيء سوى أنه لا يقوى على الفراق بعد أن أعتاد عليها وحديث هذه المرأة عن العشق أخبره بحقيقة مشاعره وسبب غضبه منه اليوم وهربه من أمامها، وهذا الألم لا سبب له إلا لأنه يملك المشاعر لها، أخبرته هذه العرافة أنه عاشق حتى ولو لم ينتبه لهذا العشق والمشاعر التى بداخله ….
شعرت “مسك” بثقل على كتفه لتعلم أنه غاص فى نومه من التعب، تحركت ببطيء شديد حتى لا تقظه وأستدارت له وتضع يدها على حرجها فتنهدت بتعب وبيدها الأخري مسكت رأسه قبل أن تسقط، ظلت تحدق به بأندهاش وعقلها يتساءل عن سبب حزنه وبكاءه المفاجئ، رفعت يدها إلى وجنته كي تجفف دموعه لكنها توقفت بحزم قبل أن تلمسه وظلت عينيها ترمقه ويدها أمام وجهه معلقة فى العدم لا تقوي على لمسه ولا ترغب بأبعادها، عالقة بالمنتصف كحرف الواو بين السماء والأرض، كان يطوقها مُتشبثًا بها كطفل صغير مُتشبث بوالدته من الخوف، أبعدت “مسك” يدها بعيدًا عنه رافضة لمسه وأستسلمت للنوم بين ذراعيه حتى لا تتحرك وتقظه ويعود للبكاء والحزن من جديد….
أستيقظت “مسك” صباحًا لتجده غادر الفراش والغرفة كامة، ترجلت من فراشها بتعب وخرجت إلى الخارج ويدها لا تفارق خصرها المُصاب ووجدت والدتها تجهز الإفطار، بحثت عنه فى أرجاء الشقة بنظرها ولم تجد له أثر وقبل أن تسأل أجابتها “بثينة” بجدية قائلة:-
-تيام نزل من بدري قال عنده شغل فى الغردقة ومحبش يصحيكي من النوم
أتسعت عينيها على مصراعيها بصدمة ألجمته من رحيله دون أن يخبرها أو يودعها وقالت بتلعثم:-
-رجع الغردقة!!
أومأت “بثينة” إلى ابنتها بنعم بلا مبالاة ولا تعرف بقرار رحيله دون أن يخبر زوجته، جلست “مسك” على الأريكة بتعب وقالت بحزن لا تعرف سبب رحيله:-
-من غير ما يقولي..
فتحت هاتفها بحزن خيم على قلبها وعقلها لا تعرف سببهما، رأت رسالة من رقم مجهول لكن فور فتحها علمت أنها منه وكان محتواها
(صباح الخير يا مسك
أنا محبتش أصحكي وأزعجك أو نتخانق من جديد قبل ما أمشي بس أنا عندي شغل وأنتِ عارفة أنى معنديش وقت كثير لازم أكون مستعد للى جاي، أنا كنت عايز أشكرك على كل حاجة حلوة أو وحشة حصلت بينا… شكرًا يا مسك على كل حاجة عملتيها عشاني وأنك قبلتي تتجوزي واحد زي بمكانتك وعلمك ونقاءك وعلى كل مرة أنقذتي حياتي فيها وكل مرة وقفتي لزين عشاني، وأسف على كل مرة عرضت حياتك للخطر بسببي وأسف أنك مريضة دلوقت بسببي بس لحد هنا وكفاية يا مسك ،كفاية كل أذي ليكي بسببي وكفاية هجر والدك ليكي بسببي.. أقبلي أعتذاري وشكري وأوعدك ميحصلش أى اذي ليكي من تانى بسببي)
تنهدت “مسك” بغضب سافر من حديثه، راسلته بضيق شديد:-
-مش مقبول .. أسفك مش مقبول
أغلقت الهاتف بضيق شديد وتركته على الأريكة ثم ذهبت إلى غرفتها غاضبة أوقفتها “بثينة” بعفوية تقول:-
-مش هتفطري يا مسك
-لا
قالتها بحدة صارمة ثم دلفت إلى غرفته غاضبة وأخبأت فى فراشها ..
__________________________
(المدينة الزرقاء blue city)
كان “تيام” جالسًا فى مكتب الرئيس فى مقدمة الطاولة الزجاجية و”زين” فى المقدمة الأخري مقابلًا له و”جابر” يجلس فى المنتصف معهم يحجز بينهم وهذا الأجتماع يشبه الحرب بين كلا الطرفين ، قذف “تيام” الأوراق على الطاولة بغضب سافر وقال بأختناق:-
-وأنا مش هعمل دا…
تحدث “زين” ببرود شديد ونبرة أستفزازية أكثر:-
-والله هو دا اللى موجود ولا أنت فاكر أن يوم ما تتكرم وتتنازل وتقرر تشتغل هتقعد فى التكييف وتشرب فنجان القهوة وتقضيها تليفونات
وقف “تيام” من مكانه وهو على وشك ضرب هذا الرجل بقوة لكن اوقفه “جابر” عندما تشبث بذراعه وقال بزمجرة من هذان الأثنان:-
-أهدا يا تيام بيه، مش كدة يا أستاذ زين دا مش أسلوب نقاش ولا شغل يا جماعة، انتوا فى صف واحد أمال لو منافسين هتعملوا أيه؟
وقف “زين” من مقعده وأقترب هو الأخر نحوهما وقال بسخرية:-
-دا فاكر أنه جاي يدلع مش يشتغل
رفع “تيام” ذراعه يحاول دفع “جابر” عن طريقه من الغيظ الذي يتملكه الآن من “زين” وقال:-
-اوعي يا جابر خلينى أضربه، هو عايز يضرب
-تصدق خوفت، وسع له يا جابر والنبي
قالها “زين” بسخرية وبرود سافر مُستفزًا يثير غضب “تيام” أكثر، دفعه “جابر” بعيدًا بضيق شديد من هذه الحرب المُميتة بينهم وقال بحدة صارمة:-
-خلاص بقي إحنا ناس كبيرة، وبعدين يا تيام بيه محدش بيبدأ كبير، ما أنت لازم تبدأ كموظف صغير وتتعلم كل حاجة من تحت وتطلع السلم واحدة واحدة
تأفف “تيام” بأختناق شديد ثم أخذ الورق الذي قذفه على الطاولة و قال بأزدراء:-
-أنا راجل وس***خ أني حطت أيدي فى أيدك وربنا
غادر الغرفة غاضبًا من هذا الحديث ليبتسم “زين” بسعادة على انتصاره فنظر “جابر” إليه بزمجرة وقال:-
-ارتاحت كدة
اومأ “زين” له بنعم ثم قال:-
-تعال يا جابر سيبك من الهم دا
خرج الأثنين معًا على المكان الذي يعتقل فيه “جابر” الرجلان اللذان هجم على “تيام” من فترة ولم يتفوه أحدهما بكلمة واحدة ليُصدم عندما رأي المكان فارغًا وقد هرب الرجلين من هذا المكان المغلق ولا يعرف كيف فعلاها أو هل ساعدهما أحد فى الهرب، تحدث “زين” بغضب شديد قائلًا:-
-هم فين؟
هز “جابر” رأسه بالنفي بصدمة ألجمته لا يستوعب هذا الشيء ثم قال:-
-معرفش، أكيد فى حاجة غلط
خرج “زين” من المكان غاضبًا وقال بغضب من فقده لطرف الخيط الذي سيصله إلى مرتكب جريمة “ورد”:-
-أكيد طبعًا.
..
_______________________
أعتنت “بثينة” بابنتها طيلة الليالي من أجل شفاءها ووضعت “مُسك” رقم “تيام” فى قائمة الحظر بسبب غضبها من طريقة رحيله ولم تتواصل معه لمدة شهرًا كاملًا، وبدأت تستعيد سلامتها وصحتها وشفي جرحها كليًا طيلة الشهر الذي ظلت به حبيسة فى بيتها، وعادت إلى عملها من جديد فى المستشفي وسمعت من “ورد” أن “تيام” منهكًا فى العمل وبدأ بالفعل فى الأهتمام بالعمل رغم أنه مجبورًا على تنفيذ أوامر “زين” بالإكراه وكل مرة بعد افتعال شجار، سعدت “مسك” كثيرًا لتقدمه خطوة للأمام لكنها ما زالت غاضبة منه ولا تريد محادثته …
دق باب الشقة فجرًا بطريقة همجية وقوية، خرجت “بثينة” من غرفتها وهكذا “مسك” التى فزعت من نومها من صوت الطرق، فتحت “بثينة” الباب ووجدت “سراج” أمامها لتقول بذعر من قدومه فى الفجر:-
-فى أيه يا سراج؟
تطلع “سراج” بوجه “مسك” وهى شبه نائمة وتحدق به وكان القلق والخوف يحتل وجهه، أبتلعت لعابها بخوف من قدومه إليها، جعلها تبدل ملابسها بسبب وجود حالة حرجة وأرتدت بنطلون أزرق وقميص نسائي أبيض بأكمام وتدخله من الأمام فى البنطلون وذهبت معه، أخذها إلى طريق المنزل لتقول بقلق:-
-دا مش طريق المستشفي
لم يجيب عليها وأخذها إلى منزل والدها السري وفتح الباب لها، نظرت “مسك” إلى المنزل الذي لا تعرف لمن هو؟ ولماذا هى هنا بحيرة؟ ثم دلفت إلى المنزل وقاد “سراج” الطريق إلى الغرفة التى بها “غزل” ووقف بتوتر وخوف من رد فعلها عندما ترى أختها بالداخل حية ولم تمت، أزدردت “مسك” لعابها بخوف من نظرات “سراج” كأنها سترى بالداخل شيء لا يجب أن تراه فى حياتها ووجهه المُرتبك زاد من خوفها ، فتح لها الباب ودلفت “مسك” لتُصدم مما تراه امامها …….
للحكــــــايــة بقيــــة…..
يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية وختامهم مسك ) اسم الرواية