رواية بلا حب (كاملة جميع الفصول) حصريا عبر دليل الروايات بقلم سوكه
رواية بلا حب الفصل الثامن عشر 18
ما كانت تتخيل انه عندما يطير فلن يستطيع احد ان يلاحق خطواته
كانت مطمئنة تماما انه لن يذهب لاي مكان حتى ياتي حسن، ربما لانها رافقته لمدة طويلة اثناء اصابته واحتباسه في البيت، فصار عقلها يتوهم انه لن يبتعد،
لكنه فص ملح وذاب، قال الكلمة واختفى من امامها في لحظة فخرجت تجري خلفه تبحث عنه في كل اتجاه ولم تجد له اثر، سالت عنه الفتية الذين يلعبون الكرة، لم يره احد
غلبها الرعب فسارت في كل اتجاه تجري كالمجانين، تحمل في عقلها ذكريات مرعبة للحادثة السابقة التي لم يمر عليها وقت طويل، ما كانت تستطيع مواجهة حقيقة انه قد يصاب من جديد، او يحدث له مكروه
ولا ان تتخيل مجرد تخيل ان تفقده للابد، كان قلبها ينخلع من مكانه لمجرد التفكير في ذلك الخاطر، كانت على استعداد للتضحية باي شيء في سبيل ان تعثر عليه سليما
هو الان اقدام تتحرك بلا عقل، ولا احد يمكن ان يستنتج الى اين سيذهب او ماذا سيفعل
اخيرا وصل حسن ليجد نجاة تقف على الطريق حائرة تتلفت في كل اتجاه، وبمجرد ان اخبرته باختفاء حسين كاد ان يجن، فما هي الا دقائق قليلة ما بين وصوله واختفاء حسين
وعندما تمالك اعصابه انتبه على فزع نجاة وخوفها على حسين، مما ابقى على الامل حيا بداخله ان حسين ونجاة لن تنتهي قصتهم بالسهولة التي بدات بها، واخذ يفكر الى اين يمكن ان يكون قد ذهب، فقالت نجاة: انت اللي ممكن تعرف هو راح فين، لما كان صغير وبيختفي كنتوا بتلاقوه فين
صمت حسن تماما وغاص في ذكرياته البعيدة للحظات، وتوقعت نجاة ان حسن سيخبرها بانه كان يهرب الى بيت عم او خال او جار او صديق طفولة، لكنه رفع راسه ونظر بعيدا، ثم تركها واقفه على الطريق وسار يجر رجله، في البداية ظنت نجاة انه يتجه لبيتها، لكنه مر من جانبه واستمر بالسير حتى وصل للمسجد الصغير الذي يبعد بامتار قليلة عن بيتها، وعندما دخل حسن المسجد كانت صلاة العشاء انقضت وانصرف الناس الا اثنين يصليان السنن
اخذ يبحث في اركان المسجد حتى وجد حسين مكوما على جانبه في الزاوية بما يشبه وضع الجنين يغطي راسه بذراعيه، فحمد الله كثيرا واتصل بنجاة يطمئنها عليه
ثم جلس بجوار راسه وارتكن للجدار
لم يكن يدري ماذا يمكن ان يقول له ليهدئ من روعه، ولا يعلم هل سيسمعه حسين ام ان عقله تائه في ملكوته، لكنه ترك العنان للسانه يحركه سيل الذكريات والمشاعر التي تثيرها :فكرتني بزمان، لما كنت تهرب من علقة ابوك وتروح تستخبى عند الشيخ بدر في الجامع
تذكر حسن كم كان حسين يحب الشيخ بدر، فقرر ان يشعل شمعة صغيرة في ذكرياته تخرجه من ظلام افكاره: كان بيحبك اوي ودايما يقعدك جمبه حتى وانت بتجيله مش حافظ، يرجع يحفظك تاني بنفسه، ولما كنت اقف مع ابوك وهو بيكلمه بعد الصلاة ويقوله: شد على حسين.. اضربه عشان يحفظ
كان يرد عليه: حسين كويس، بس محتاج حد يصبر عليه، وقتها مكنتش فاهم ازاى الشيخ يقول عليك كويس وانت مبتحفظش ولا حتى بتقعد، بس لما كبرت فهمت
فهمت ليه لما كنت بتهرب من ابويا كنت تروح تستخبى في الجامع
لم يكن واثقا بان حسين يسمعه، فربت على كتفه وقال: يالله نصلي العشا قبل ما يقفلوا الجامع
استطاع حسن أن يأخذ بيده ويخرجه من دائرة الظلام عندما قام معه وتوضأ ووقف معه يصلي، وكان يسمع نشيجه ونحيبه وهو يناجي ربه
كان خادم المسجد صبورا فلم يتعجلهما ليغلق المسجد وتركهما يجلسان في الزاوية بعد الصلاة، فقد ادرك انهما ضيفان على القرية التي يعرف اهلها بعضهم البعض
ساله حسن: انا بس مش فاهم، ليه كل ما تواجه مشكله تهرب
انفعل حسين رغما عنه: لاني بخربها، بدل ما اصلح ببوظ وغيري اللي بيشيل الليلة، لحد امتى هتفضل تستحمل مشاكلى وتدفع تمن كل مصيبة بعملها
قال حسن: لحد ما تفوق وتقدر بنفسك انك تصلح اخطاءك
قال حسين: قص. قصدك اني لازم اتعالج
قال حسن بهدوء: لو محتاج علاج اتعالج، الموضوع مش كميا، الطريق الصح اوله انك تعرف اصل المشكلة فين وتدور على حلول ليها وهتلاقي اكيد
نفض حسين راسه بتوتر: لا.. لا مش هعرف.. هفشل.. اكيد هفشل، انا مريض عنديش اي سيطرة على تصرفاتي
صمت حسن لحظة ينظر لاخيه المحطم، ثم قال: حتى لو كنت مريض، هتتعالج وتخف
قلتلك قبل كدة متبتديش حاجة وانت متوقع الفشل من اولها، انت مش فاشل، انت بيتهيألك انك هتفشل ومع اول مشكلة بتفتكر انك فشلت ومبتحاولش حتى تقف ولا تحل، بتديها ضهرك وتهرب منها، مع انك لو حاولت تحل المشاكل هتلاقيها بتتحل عادي، حتى جوازك من نجاة كان ممكن تروحلها وتصلح علاقتك بيها وتكمل جوازك صح، لكن انت محاولتش اصلا
قال بالم ودمعة تنزل من ركن عينه: اروحلها بعد ايه، بعد ما دمرت حياتها وخلتها تسيب شغلها والقاهرة كلها وترجع بلدها!!
قال: ليه دايما عندك احساس بعدم الجدارة، وانك سبب في خراب حياة الناس
قال بألم شديد: لأن دي الحقيقة، نجاة كانت حياتها كويسة جدا من قبل ما تعرفني، دخلت حياتها فشلت في كل حاجة
وانت.. انت..
نظر لساقه لحظات وسالت دموعه ولم يستطع ان يكمل، بل اشاح بوجهه بعيدا ثم لف ذراعيه على ركبتيه ودفن وجهه فيهم واخذ يبكي
فهم حسن ما يقصده، فتنهد بصوت مسموع واسند راسه للجدار وسرح بعينيه وهو يستعيد الماضي: عارف يا حسين، انا مرت عليا سنين طويلة كنت غضبان جدا لحد ما قدرت اتقبل اقدار الله، لكن اللي وصلني لمرحلة التسليم والرضا التام
سرح ببصره وابتسم بحنين وهو يكمل: لما ربنا رزقني بآسر، تعرف انه شبهك اوي، من ساعتها وانا اخدت عهد على نفسي اعمل معاه زي ما الشيخ بدر كان بيعمل معاك، اصبر عليه، ومعاملوش بعنف زي ابوك مكان بيعاملك، لاول مرة هقولهالك، اللي حصل في اليوم ده ابوك مشارك بجزء منه، مكنش لازم يوصلك لدرجة الخوف دي ولا يعمل فيك اللي عمله يومها
رفع حسين وجهه واحتضن اخيه يبكي على كتفه
سمع حسن صوت موبايله، فابتسم وقال لحسين: نجاة بتطمن عليك
رد على الاتصال فسمعها تقول: آستاذ حسن من فضلك هات حسين وتعالوا على البيت، مستنياكم
اغلق المكالمة وقال لحسين: مراتك مستنياك، قوم روحلها وصلح امورك معاها
راى في عينيه خوف وقلق من الرفض، فقال: لا، المرة دي اوعى تهرب من المشكلة، لازم تواجه وتحل مشاكلك مع نجاة، لو هربت هتخسر اغلى حاجة في حياتك
قال بياس: نجاة مش عاوزاني
قال: لو مش عاوزاك مكنتش تتصل ولا تقولك تعالى على البيت، نجاة زي الشيخ بدر، شافت الحاجة الكويسه اللي جواك ومش عاوزه تخسرك
نهض مستندا على كتفه: ياله ياله نقوم الراجل عاوز يقفل الجامع ويروح
سار الى جواره فقال حسين: هاتيجي معايا
دفعه في كتفه وصاح بغيظ: يابني روح لمراتك الله لا يسيئك انا عندي عيال عاوز اروحلهم
قال: طب.. طب والشغل
قال: عندك اجازة مفتوحة لحد ما تحل مشاكلك وترجع وانت فايق، وخد موبايلك معاك وابقى اتصل بيا طمني عليك
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
عندما تلقت نجاة اتصال حسن، واطمانت ان حسين في كنف اخيه، عادت الى البيت وجلست تستريح، وعقلها يعود للتفكير الهادئ المنظم، كان عليها حسم أمرها واتخاذ قرار صحيح في حياتها
دارت عيناها في البيت الخالي، ثم دخلت الى المطبخ، منذ بضع ساعات قليلة عافت نفسها صنع طبق من الحلوى لن يشاركها في تناوله احد، والان هي ربة بيت وعليها ان تحضر عشاء لزوجها وأخيه، تدفق الحماس في عروقها، فقضت الوقت تعد عشاء فاخرا، ثم ملات المائدة بالأطباق الشهية وارتدت الاسدال وجلست تنتظر، حتى سمعت صوت العصفور يغرد ففتحت الباب لتجده امامها بوجه حزين مرهق منهك يحمل الدنيا على كاهليه كجندي جريح خرج مهزوما من كل المعارك، كان ينظر في عينيها عله يجد بعض الامان
سالته: فين اخوك
قال بتردد: مشي
قالت بغير رضا: مكنش لازم تسيبه يمشي
ثم اكملت كربة بيت خبيرة: نعوضهاله بعزومة
كان ينظر لها بترقب، ينتظر منها صياح، غضب، لوم، تقريع، عتاب، لكنه فوجئ بها تجذبه من ذراعه الداخل وتغلق الباب، ثم تقوده للحمام وتضيء النور وتدفعه للداخل: خد حمام سريع عشان تفوق وتعرف تتعشى، اغلقت الباب وتركته مع الحيرة والدهشة
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بالفعل ساعده الحمام على الاسترخاء واستعاد بعضا من هدوئه، وخرج من الحمام مرتديا جلباب أبيها الراحل، قادته الى المائدة فجلس طائعا بهدوء، نظرت الى كتفيه فوجدت قطرات الماء تسيل من شعره على كتفيه وتبلل ملابسه، فشعرت بالغيظ وسحبت الفوطة ووقفت خلفه واخذت تجفف شعره وهي تقول بلوم: ازاى تخرج من الحمام من غير ما تنشف شعرك، هتاخد نزلة برد
كان مستسلما لها لكن بداخله شعور غريب، هو مزيج من التعجب والدهشه وعدم الفهم، ثم تحولت مشاعره لانفعال آخذ يتطور بسرعة فعلا صوت انفاسه وشعر بالغضب، فأبعد الفوطة عن رأسه والتفت اليها وقال بانفعال: انا.. انا مش فاهمك، انت بتعملى كده ليه
قالت بهدوء وهي تضع طبق الطعام امامه: حسين، الوقت اتاخر، والنهاردة كان يوم صعب جدا، اتفضل اتعشى ونام وبكرة الصبح هنتكلم ونتناقش ونتعاتب ونتخانق ونجاوب على كل الاسئلة
ترك المائدة واخذ يدور في الغرفة كعادته عندما يغلبه التوتر، فنظرت اليه بغيظ، فهي اكثر من يعلم ماذا يحدث عندما يسيطر عليه القلق والتوتر ويبلغ الارهاق منه مبلغا، قالت بضيق: يادي الليلة اللي مش فايتة
قال: انا مش فاهم انت هادية كدة ازاى وبتتعاملي عادي، خدي حقك، امسكي في خناقي، اقتليني حتى
فتحت فمها بدهشة: انت يا جدع انت بتقول شكل للبيع!! عاوز تتخانق وخلاص، اتفضل اقعد كل وخش نام
قال : اكل وانام ازاي بعد ما ظلمتك معايا وبوظتلك حياتك!!
أمسكت قفاها بتعب وأغمضت عينيها بإرهاق وصاحت بصبر ينفد: مسمحاك
صرخ غاضبا: لا، انت كده هتجننيني.. مش فاهمك ولا مصدقك.. بعد كل اللي حصل ده وتقولى مسمحاك.. ليه!!!
فتحت عينيها وقالت ببساطة عجيبة: جايز عشان بحبك
اكمل بلا توقف: مفيش ست مش هتقلب الدنيا وتغضب لكرامتها لما تلاقي.......
ابتسمت وكبرت الابتسامة الى ضحكة صغيرة وقالت لنفسها متعجبة: واضح انك مش سامعني اصلا
ارتمت على الأريكة تريح ساقيها من طول الوقوف في المطبخ وتركته يتكلم كثيرا ويفرغ غضبه وحيرته وخوفه والمه وهي تنظر اليه بابتسامة هادئة، وتفكر في ذلك الكائن الذي لا يملك سوى قلب ومشاعر فائرة، قد يكون هذا هو اكبر عيوبه، لكن في نظرها هو ايضا اكبر مميزاته التي تحتاجها بشدة
تذكرت كلام د. ميرفت (حسين بكل مشاكله وعيوبه وجنانه هو الوحيد اللي حسسك انك عايشة)
انتبهت من شرودها على صوته المنفعل: ازاى.. ازاى بالبساطة دي تقولي مسامحاك، وكأن محصلش حاجة
أدركت انه سيبقى على تلك الحال لساعات ان لم يجد اجابات على أسئلته
قالت بهدوء: بنفس البساطة اللي وافقت بيها على الجواز من راجل مكنتش اعرفه قبل كدة
انا بعتبر انك لما جيتلي لحد هنا معناها انك بتتقدملى من اول وجديد وبنفتح صفحة جديدة ننسى كل اللي حصل قبلها، وانا وافقت
كان ينظر لها غير مصدق، لا يستطيع ان يفهمها، فصاح: انت بتراضيني بتاخديني على قد عقلي
لو.. لو اي واحدة في مكانك كانت.. كانت
نظرت له بقوة وقالت وهي تضغط حروف كلماتها: مفيش حد في مكاني.. مفيش
واللي كانت عاوزه تبقي في مكاني.. وبعتتلى صورك عشان تخليني اغضب واسيب مكاني، كان بينك وبينها خطوتين، وكانت قدامك لو كنت عاوزها كنت روحتلها، لكن انت سبتها، وجيتلي انا.. سافرت طريق طويل وجيتلي مش مرة واحدة، لا.. مرتين، وده كفاية جدا بالنسبة لي عشان اسامحك واقبل نفتح صفحة جديدة
سرح بعينيه قليلا ثم قال: يعنى.. يعنى انت مش زعلانه
صمتت قليلا، وقلبها يخفق بقوة وانقبضت عضلات وجهها وضغطت اسنانها حتى آلمتها، ثم تركت العنان لمشاعرها تنسكب امامه من دون خجل او ندم: لا، زعلانه.. زعلانه اوي
أخذت عيناها تدر دموعا غزيرة لا تدري من اين اتت
من زمان وانا زعلانة اوي، ونفسي افرح
جلس بجوارها على الاريكة وقلبه يعتصره الالم وهو يلمس دموعها بأنامله: نجاة، انت بتعيطي!! اول.. اول مرة اشوفك بتعيطي
كان من السهل عليها ان تفتح قلبها له ان تبكي وتنتحب على كتفه، ان تشاركه المها، ان تفضي اليه بمشاعرها السجينة في قبو مظلم لم يفتحه أحد غيره
فهو يحمل قلبا نقيا وروحا سمحة وضمير واضح تعرف اوله واخره
الان صارت تثق بانه كما احزنها يوما سيفرحها أياما
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
•تابع الفصل التالي "رواية بلا حب" اضغط على اسم الرواية