رواية وختامهم مسك كاملة بقلم نور زيزو عبر مدونة دليل الروايات
رواية وختامهم مسك الفصل الرابع و العشرون 24
علمت “مسك” بمرضها من الطبيب وبلحظة علمها فقدت كل طاقتها، يتعايش الإنسان مع المرض دون أن يعلم بما يحدث داخله لكن فور علمه يتملك من الخوف ويبدأ الضعف يحتله ويهزم كل قواه، سألت بقلق:-
-تيام فين؟
-أنتِ بتفكري فى أيه؟ دا وقته يعنى يا مسك، المفروض تستعدي للعملية
قالها “غريب” بحزم والخوف يتملكه من هذا المرض والورم الذي يضغط على أنسجة وخلايا عقلها، تحدث “مسك” بجدية صارمة:-
-فين تيام!! برا صح؟ أنا متأكدة أنه مسبنيش هنا ومشي، أمرت رجالتك يمنعوه يدخل ليا صح ولا منعته يدخل المستشفي كلها؟؟
لم يجيب عليها فتأففت بغضب ونزعت الكانولا الطبية من يدها بحزم رغم ضعفها على وشك مغادرة المستشفي ليوقفها “غريب” بصدمة ألجمته من محاولة ابنته لمغادرة المستشفي فصرخت “مسك” بألم يمزقها من الداخل قائلة:-
-أنا مش هعمل العملية، خليني أموت وارتاح، أساسًا أنت حكمت عليا بالموت
أندهش والدها من كلماتها وهل ستعاقبه على رفضه لزواجها من هذا المُحب بمرضها، تحدث “غريب” بقسوة نابعة من خوفه على ابنته:-
-عشان رفضت تتجوزي واحد صايع زيه
فتح باب الغرفة ودلف “تيام” إلى الغرفة بعد أن سمع صوت صراخها من الخارج، رأها ترجلت من الفراش وتقف أمام والدها وتتحداه بقوة رغم ضعفها وجسدها الهزيل، تحدثت “مسك” بعنادٍ وتحدٍ:-
-تيام مش صايع، وأنا مش هتجوزه زى ما أنت طلبت عشان مش هتجوزه من غير موافقتك
أتسعت عيني “تيام” على مصراعيها من كلماتها ليُدهش من جراءتها وقوتها الهزيلة عندما تابعت الحديث:-
-لكن متحلمش أنى أدخل أوضة العمليات نهائيًا وروح حضر ليا كفني يلا
مسكها “غريب” من ذراعها قبل أن ترحل من أمامه وقال بدهشة قاتل:-
-كل دا عشان تيام، هتختاري الموت عشانه، بتمسكينى من أيدي اللى بتوجعني
دمعت عينيها بحزن شديد من ألم قلبها وما زالت عينيه الباكية محفورة فى ذاكرته، ما زال خوفه عندما ترجاها بألا تتركه ورجفته تغتصب عقلها وتمزقه لإشلاء وتحدثت بنبرة واهنة ودموعها تتساقط وسط بكاءها:-
-أساسًا أنا ميتة من غيره، ولو على الأيد اللى ممسوكة فأنت اللى مسكتنى من أيدي وكتفتني وقت ما خيرتني بين الحياة والموت، لما خيرتني بين قُربي منه وبعدي عنه، والله بعده هو موتي
-مش هتجوزيه يا مسك
قالها “غريب” بغضب سافر لتضرب “مسك” قدمها بالأرض غيظًا وقالت صارخة:-
-وأنا مش هدخل أوضة العمليات غير وأنا مراته ايه رأيك بقي، اختار زى ما خيرتني
ألتفت لكي تغادر فرأت “تيام” واقفًا أمام باب الغرفة وسارت نحوه لتأخذه من يده وغادرت المكان، تاركة القرار بين يدي والدها هو من سيختار الحياة أو الموت لأبنته؟، تشبث “تيام” بيدي “مسك” التى اصطنعت القوة أمام والدها لأجله وقال بقلق:-
-مسك!!
تبسمت بلطف رغم مرضها وقالت بغمغمة خافتة:-
-متخافش يا تيام، ساعة وهيجي موافق وأنا ورمي حميد والدكتور طمني أن العملية كبيرة بس نسبة نجحها كبيرة…
التفت إليه بعد أن توقفت عن السير ورفعت يدها إلي وجنته تلمس لحيته بلطف وعينيها المُنطفئة من الألم تسكنهما لامعة خافتة بالعشق وهمست بحب:-
-أنا قولتلك أنى مش هسيبك
أومأ إليها بنعم وأخذها من المستشفي للخارج ورحل……
__________________________
دق جرس الباب لتفتح “بثينة” ووجدت “مسك” تقف أمامها، دلفت للداخل بتعب شديد ثم قالت:-
-تعالي يا مسك، كنتِ فين من الصبح؟
-بثينة
قالتها بنبرة هادئة، أستدارت “بثينة” بصدمة الجمتها وعينيها تحدق بوجه أبنتها وتمتمت بتلعثم شديد:-
-غزل!!
تبسمت “غزل” بعفوية ورفعت القبعة عن رأسها وأسرعت نحو والدتها تعانقها بقوة، ضمتها “بثينة” بصدمة ولا تصدق وما زالت لا تستوعب رؤية أبنتها المتوفية حية أمامها الآن، جلست “غزل” مع والدتها تُحدثها بالكثير والكثير فتساءلت “غزل” عن أختها بقلق بعد أن علمت بمرضها من “غريب”:-
-فين مسك؟
-خرجت من الصبح
قالتها “بثينة” بقلق على أبنتها المريضة، رنت “غزل” على هاتف “مسك” ولم تجيب عليها…
____________________________
أخذها “تيام” إلى بناية على النيل وصعد إلى الطابق العاشر، تمتمت “مسك” بهدوء قائلة:-
-لو تفهمني بس أنت جايبني علي فين
سار بها فى الرواق حتى وصل إلى باب الشقة وفتحها بالمفتاح لتُدهش من جمال الشقة وأثاثها بينما يتبسم “تيام” بعفوية وقال:-
-عجبتك
-دى جميلة أوى
قالتها “مسك” بنبرة واهنة من مرضها الذي أنهكها من التعب ثم نظرت إليه بإعجاب ليقول بحب:-
-أنا جبتها عشانك، كنت خايف والدك يرفضني عشان عايش فى الغردقة، خليت جابر يجهزها كلها عشان لما أجي له
تبسمت “مسك” إليه بسعادة وقالت:-
-هتشوف يا تيام، أنا وعدتك مش هسيبك
هز رأسه إليها ورحل الأثنين معًا، عاد إلى منزل والدها وبعد أن أوصلها رحل رغم قلبه المرتجف خوفًا من مرضها هذه القنبلة التى تحملها بداخلها، خصيصًا أنها الآن ترفض علاجها والخضوع للجراحة بسببه ولأجله، ظلت جالسة على الفراش بتعب لا تصدق كيف تحول حالها، كان الجميع يتحدث عن قوتها والآن أصبحت ضعيفة هزيلة لا تقوي على رفع قبضتها، فتح باب الغرفة ودلف “غريب” غاضبًا من تصرف ابنته قائلًا:-
-يستاهل تيام اللى بتعمليه دا؟
-اه يستاهل
قالتها بتحدٍ وغيظٍ من هذا الحديث وعناد والدها وتمسكه برفضه القاطع ولا يقبل الجدال، وقف أمامها مُندهشًا من حُب ابنته لهذا الرجل وتمسكها بيه، قال بإعجاب:-
-حبيتيه أمتى يا مسك الحب دا كله، فى التسع شهور دول
أخذت نفس عميق من داخلها ثم تحدثت بجدية:-
-اه يا بابا، حبيته.. التسع شهور دول فضلت أحميه فيهم، عالجته وأهتمت به زى ابني، طبطب عليا وقت ما قولتلي غزل ماتت، أعتذرلي عن العالم كله يا بابا عشان دموعي بس نزلت، بيخاف عليا ومستعد يعمل أى حاجة عشاني، بيحبنى وبيخاف من غيري، أنا قوته وسنده يا بابا.. مش هو راجل بشنبات بس بيستقوي بيا وأتغلب على شيطانيه عشاني، مستعد يعمل أى حاجة عشان بس أكون له… أنا قولتله مش هتجوز من غير موافقتك عشان مهانش عليا زعلك منى مرة تانية بس أنت مخوفتش على زعلي ولا هان عليك قلبي، أنت أكتر واحد يا بابا شوفتني فى بُعده، أنا كنت ميتة من غيره .. أترميت فى حضنك من ضعفي وغلبي ، وقفت قصاد قلبي عاجزة عن علاجه
تنهد “غريب” بهدوء عاجزًا عن الحديث أمامها ثم قال:-
-ماشي يا مسك أتجوزيه بس نعمل العملية
-لا! أنا مش هدخل أوضة العمليات غير وأنا مراته
قالتها بتذمر شديد ليتأفف “غريب” من ذكاء ابنته وقال:-
-مش واثقة فى كلامي، خايفة بعد ما تخرجي أغير رأي
لم تجيب عليه فظلت صامتة تمامًا أمامه لا تجرأ على الموافقة على حديثه ليتنهد بجدية ووافق على الزواج وتحدث قائلًا:-
-ماشي أتجوزيه بس بسرعة عشان العملية يا مسك….
غادر الغرفة لتبتسم بعفوية وسعادة غير متزانة من الألم، لا تعلم إذا كان الزواج منه بمرضها هو الأفضل أم هجره لكونها مريضة …..
________________________
صُدم “زين” مما سمعه عن حالتها من “جابر”، لم يستوعب شيء وعقله لا يفهم هذا القدر الذي يلعب معهما، وذهب إلى القاهرة مع “ورد” لأجلها، أوصلهم “جابر” إلى شقة “تيام” وكان ينتظر وصول “زين” ليقول:-
-كل دا
-هو بأيدي يعنى
قالها “زين” بتذمر شديد، رن هاتف “تيام” بأسمها ليقول بهدوء:-
-ألو
صرخت “مسك” فى أذنه بالهاتف رغم مرضها تقول:-
-أنت فين يا تيام؟ أتاخرت
سألها بهدوء ويديه تعقد رابطة عنقه بتعجل شديد قائلًا:-
-أتأخرت على أيه بس؟
-هتستعبط أنت مش جاي تطلبنى من بابا، والله يا تيام لو أتأخرت على نص ساعة لأغير رأي
قالتها “مسك” بنبرة قوية غاضبة من تأخره على موعده مع والدها، وقفت خلف باب غرفتها تنظر على والدها الجالس فى الصالون غاضبًا من تأخر “تيام” عن موعد وصوله لكنه لا يملك شيء أمام مرض ابنته فقالت بهمس شديد:-
-يا تيام الله يخليك بابا مش محتاج تضغط على أعصابه أكثر من كدة، والله لأقتلك لو أتأخرت أكتر من كدة على طلبي
خرج ركضًا من الشقة مع “زين” الذي يسحبه من يده بخوف من غضب محبوبته وقال:-
-أستعجل يا زين
ضحكت “ورد” وهى تنزل وراءهم بهدوء، أنطلق بسيارته إلى حيث منزل “غريب”، وجده مُستشاطًا غضبًا من تأخيره بسبب “زين” ورغم هذه اللحظة السعيدة لكن الجميع كان يسكنهم الخوف والقلق عليها، كان “تيام” يُحدث والدها وعينيه عليها تراقبها أثناء جلوسها مع “غزل” و “ورد” و”بثينة”، يقتله الخوف وهكذا القلق ربما يُسعد القلب بموافقة والدها لكن كيف يخمد نيران قلقه وهو يعلم بأن داخل رأسها الصغير مرضًا يكاد يقتلها بأى لحظة، تمني أن يحقق لها ما لم يفعله سابقًا فى زواجهما، أن ترتدي لأجله فستانًا أبيض وحفل زفاف ويحقق لها كل طقوس الزواج لكن للقدر رأيٍ أخر ومن جديد عقد قرآنه عليها دون أى ترتيبات أو تخطيطات لأسعادها، تحدث “غريب” بجدية وخوفه يزداد كلما مر الوقت عليها:-
-أديني عملت اللى عايزاه، بكرة الصبح تكوني فى المستشفي
نظرت “مسك” إليه وهى تقف جوار “تيام” وقالت:-
-ماشي، أنا عايزة أقعد مع تيام شوية ممكن
نظر “تيام” إليها بقلق من طلبها، أومأ “غريب” إليها بنعم ليأخذها “تيام” إلى شقته بعد أن أتفق مع والدها أن يحضرها غدًا للمستشفي بنفسه، جلس معها على الأريكة بهدوء ويحدق فى وجهها لتقول بهمس وعينيها ترمقه بحُب شديد ولا تعلم أن كانت ستتكرر هذه اللحظة أم لا:-
-تيام، مُتيمي العاشق
لمست وجنته بأناملها الصغيرة وعينيها تبتسم إليه أكثر من شفتيها لتتابع بحُب:-
-أنا بحبك وندمانة والله على كل الوقت اللى ضيعته فى عنادي وكبريائي بعيد عنك
أخذ يدها بلطف فى يده ويكبح ألمه بداخله فقال بدفء:-
-هنعوض يا مسك، هنعوض كل حاجة يا روحي.. أنتِ هتعملي العملية وهترجعيلي ونعوض كل حاجة
أومأت إليه بنعم لتضع رأسها على كتفه بتعب من يومها الطويل، حملها على ذراعيه برفق وأدخلها إلى غرفة النوم ثم أنزلها على الفراش أعطاها العلاج يسكن ألمها قليلًا ووضع الغطاء على جسدها النحيل ثم قال بلطف:-
-هشوف لك حاجة تأكليها يا حبيبتي
خرج من الغرفة ودلف للمطبخ، جهش باكيًا وأطلق العنان لأوجاعه والدمع ينهمر من عينيه دون توقف، لم يتحمل قلبه هذا الألم أكثر من هذا لكنه يجب أن يكن قويًا وصامدًا لأجلها…
ترجلت من الفراش وسارت فى أرجاء الغرفة تتفحصها بأعجاب ثم بدلت ملابسها إلى بيجامة قطنية مُريحة أكثر وخرجت تبحث عنه بعد ان تأخر لتسمع صوت شهقاته المكتومة من داخل المطبخ، وقفت بالخارج تستمع لألمه الذي يكبحها بداخله لأجلها ودمعت عينيها مع بكاءه ثم عادت للغرفة بحزن وجلست على الفراش تفكر في مستقبلها وقدمها على الحافة، فتح باب الغرفة ودلف “تيام” بطبق من الفاكهة وقال مُبتسمًا يخفي ألمه:-
-ملاقتش حاجة غير دي
-تيام
قالتها بصوت خافت ليستدير بعد أن وضع طبق الفاكهة على الطاولة فرأها تشير له على الفراش بأن يجلس جوارها، أقترب بقلق ثم جلس جوارها وعينيه لا تفارقها، ظلت تنظر إلي وجهه الباكي وتساءلت كيف أخفي أوجاعه عنها بهذه المهارة، صوت شقهاته ما زالت يخترق أذنيها لكنه الآن أمامها يبتسم بأشراق مُصطنع، تمتمت بنبرة دافئة:-
-نفسك فى أيه يا تيام؟ معايا يعنى حاجة أعرف أعملهالك
أخذ يدها فى يده بدفء وقلبه الحائر يمزقه من الداخل، حائرًا بين السعادة والخوف، القلق والحُب.. تبسم “تيام” إليه وقال:-
-أنتِ يا حبيبة قلبي وعمري كله، أنتِ نفسك فى ايه يا مسك؟ والله لأحقق لك كل اللى بتتمنيه
تبسمت “مسك” بوجهها الشاحب رغم مساحيق التجميل التى تضعها وتزيين به وجهها الذي يحتله المرض، يخيم على عينيها كالمُحتل، مُنذ أن أكتشفت مرضها وظهر المرض على جسدها… باتت أضعف وشاحبة فرمقته ببسمتها المُنطفئة وقالت:-
-أنا مش عايزة حاجة يا تيام، أنت نفسك فى ايه أعملهولك
لمس وجنتها بيده الباردة وعينيه تحدق بكل أنش فى وجهها وتأملها كأنه يحفر ملامحها فى قلبه المُرتجف من الخوف، يخف من فقدها بأى لحظة بسبب هذا المرض الذي يأكل رأسها من الداخل، تحدث بحب قائلًا:-
-أنا عمري ما أتمنت حاجة قدك يا مسك
زادت بسمتها الواهنة مُدركة أنه يتألم وخائفًا من داخله رغم صموده القوي أمامها لتقول بحنان:-
-وأنا ملكك يا تيام
تبسم إليها بخفة فرفعت يدها إلى وجنته تلمس شعيرات لحيته الناعمة وقلبها ينبض من الداخل كالمجنون، لا تصدق بأنها الآن بين ذراعيه وعلى وشك مفارقته بسبب هذا الورم اللعين الذي سيفرقهما عن بعضهما، وضعت جبينها على جبينه تستند عليه فتمنى لو تستطيع أن يمتص هذا الورم من رأسها وأخذه هو ليخفف من وجعها قليلًا، شعرت بأنفاسه تختلط مع أنفاسها ويديها تحيط بوجنتيه بدفئها فتمتمت بنبرة هامسة:-
-بحبك، أنا بحبك يا مُتيمي العاشق
تساقطت دموعه رغمًا عنه بخوف بعد هذا القدر، غمغم بضعف شديد:-
-متسبنيش يا مسك، أنتِ وعدتني يا قلب مُتيمك
أقتربت “مسك” أكثر منه لتقبل دموعه التى شقت طريقها على وجنتيه حتى ينتهي طريقها بين شعيرات لحيته البنية، شعر بأنفاسها ونعومة شفتيها لتزداد دموعه أكثر بألم من قلبه كان يحلم بهذه اللحظة كثيرًا أن يُضمها ويقبلها بحُب لكنه لم يتخيل لبرهةٍ من العمر أن يفعل ذلك فى ألم وقسوة الفراق الوشيك وبلحظة الخوف التى تمزقه من داخله، لا يعرف أيسعد لوجود حبيبته بين ذراعيه أم يبكي خوفًا من الفقد الذي يقترب منهما، تمتمت “مسك” بنبرة هامسة:-
-متخافش يا تيام
أومأ إليها بنعم وسرق أنفاسها الضعيفة بقبلته الناعمة لتتشبث “مسك” بقميصه بأناملها الضعيفة ولأول مرة تظهر خوفها من المرض فى رعشة يديها وتشعر بيديه تحيط بظهرها ويجذبها إليه أكثر وأكثر لم تكن القبلات والحُب وحدهم الذين يلمسون قلوبهم بهذه اللحظة بل الدموع كانت سيدة الوقت ولحظتهما معًا…
____________________________
خرج “غريب” فجرًا من غرفته بوجه شاحب لم يغفو له جفن وأبنته المريضة بعيدة لا يعرف ماذا يحدث لها؟ هل تتألم أم سكن مرضها وتوقف لبرهةٍ من الوقت عن تمزيقها من الألم، رأى “بثينة” راكعة على سجادة الصلاة وتبكي خوفًا وتترجي خالقها ورب الكون بأن يُشفي طفلتها ولا يُصيبها شيء، دمعت عينيه من حالة الخوف المُخيمة على قلوب الجميع… جاءت “غزل” من خلفه وقالت:-
-أنت كمان منمتش يا بابا، أنا لسه قافلة مع تيام وقالي أن مسك كويسة
-يارب يا غزل وأنا هعوز أيه أكتر من أنها تكون كويسة
قالها بحزن شديد ودلف من جديد إلى غرفته لتنظر “غزل” على والدتها بهدوء ثم عادت لغرفتها دون أن تقاطعها ….
_________________________
دلف “تيام” إلى الغرفة بعد أن أنهي الأتصال مع “غزل” ورمقها وهى نائمة وسط الفراش، جلس جوارها يتأملها ويده تمسح على رأسها بلطف ووجهها الشاحب وجسدها باردًا، رفع “تيام” الغطاء ليخفي ذراعيها العاريين بسبب برودتها وقبل جبينها، فتحت “مسك” عينيها صباحًا وشعرت بثقل على رأسها فحركت رأسها قليلًا، رأته جالسًا جوارها ورأسه مُتكئة على رأسها بعد أن غلبه النوم فى ليله الطويل، تبسمت عليه وظلت محلها حتى لا تقظه تتأمل ملامحه البريئة فى نومه، تمتمة بلطف إليه:-
-مش هسيبك يا مُتيمي، أوعدك أنى هفضل قوية عشانك
لمست وجنته بأناملها الدافئة ووضعت قبلة على جبينه ثم تسللت من الفراش وهى تسرق روبها من أسفل قدمه وتهرب للخارج برفق حتى لا تقظه، ارتدت الروب ودلفت للمطبخ تعد له الإفطار بسعادة وقلب يضع حُبه فى كل شيء تفعله، خرجت تجهز السفرة وترتب الأطباق عليها لتشعر بيديه تحيط بخصرها ورأسه تتكأ على كتفه بلطف وهمس إليها:-
-صباحية مباركة يا حبيبة قلبي
تبسمت إليه بلطف وخجل شديد جعل وجنتيها تتورد ويزداد أحمرارها كحبة طماطم ثم قالت بخجل وتلعثم:-
-يلا عشان تفطر
جلس على السفرة وهى جواره ليتناول طعامه ووجده مالحًا كأنها وضعت كل الملح الموجود فى المنزل فى طبقه، رفع نظره إليها ليراها تبتسم إليه بسعادة فأبتلع لقمته سريعًا رغمًا عنه لاجل بسمتها فقط، نظرت إلى الطعام وقبل أن تأكل من هذا الطبق وضع لها القليل من الجبن الرومي وقال:-
-كُلي بسرعة عشان نلحقهم فى المستشفي مش عايزين نتأخر
منعها من تناول طعامها السيء أو تذوقه بطريقة غير مباشرة وأستعدا معًا لأجل الذهاب إلي المستشفي وكان والدها و”بثينة” فى أنتظارها، ذهبت “مسك” مع الأطباء لفحصها والخضوع إلى الأشاعات والتحاليل من أجل التحضير إلى الجراحة وعادت من جديد إلى منزل “تيام”، دلف “غريب” إلى طبيبها المتخصص فى الأورام وسأله:-
-طمني يا دكتور
-متقلقش دكتورة مسك صحتها كويسة والورم حميد وبعيد عن منطقة الخطر، إحنا هنستئصله بس عشان متضغطش أكثر على الأنسجة ونسبة نجاح العملية فوق الـ 70% وعمومًا إحنا حددنا ميعاد العملية أخر الأسبوع
نظر “غريب” إليه بقلق وقال مُتمتمًا:-
-يعنى فى 30% خطر
صمت الطبيب ولم يُجيب علي كلمته ليغادر “غريب” بقلق شديد…
________________________
تحدثت “غزل” مع “زين” بجدية وقالت:-
-طلع مسك من الموضوع، محدش يعرف بكر قدي وأنا هساعدك فى دا
نظر “زين” إليها بحيرة لكنه لا يملك خيار سوى الثقة بها، أومأ إليها بنعم وقال بجدية:-
-نطمن بس على عملية مسك وبعدين نشوف هنعمل أيه؟
أومأت “غزل” إليه بنعم موافقة على هذا الرأي….
__________________________
دلفت إلى غرفة العمليات وقد مر الأسبوع سريعًا، كان على وشك الموت دونها ولا يعلم ماذا سيحدث بالداخل؟ وقف “تيام” فى مسجد المستشفي وبدأ فى الصلاة وعينيه تبكي بخوف بل رعب يحتله من الساعات القادمة التى تمر وهى بين أيدي الأطباء، دعي كثير ولم يجد له نجاة سوى الدعاء لها والرجاء من الله بأن يرحم ضعفه وقلة حيلته، ألا يصيبه فى قلبه ويعاقبه على كل ما فعله فى حياته بها، تمتم بدموع غارقة لم يعد يرى شيء من كثرة:-
-يارب أنا ماليش غيرك، متعاقنيش فيها، عاقبني لو مقبلتش توبتي أنا راضي بأى عقاب بس مش فى مسك، أرحم ضعفي وقلة حيلتى
أنهي صلاته وذهب رغم مرور الساعات لكن لم يخرج لهما أحد ولم يطمئنهما الطبيب، كان الوقت يمر على الجميع ببطيء يقتلهم من الأنتظار الممزوج بالخوف من الفقد أو حدوث شيء أخر غير متوقع، ربتت “ورد” على يدي “بثينة” بقلق يحتلها هى الأخري وقالت:-
-إن شاء الله خير
أومأت “بثينة” لها بنعم وجلست تقرأ فى المصحف لأجل ابنتها حتى مر الوقت المُتبقي وفتح باب الغرفة وخرج الممرضين بها على التروالي فهرع “تيام” إليها ورأي رأسها مُحاطة بشاش طبي وهى مُغمضة العينين، لمس يدها بلطف وقال:-
-مسك
نظرت “بثينة” إلى ابنتها وعينيها تبكي بألم على رؤيتها هكذا لكنها لم تتوقف عن قول (الحمد لله) لخروج أبنتها حية، أخذوها إلى غرفة كبار الشخصيات ووضعوها على الأجهزة، صُدم “تيام” والجميع عندما علموا بأن لا تستجيب للإفاقة وقد غابت عن الوعي لأجل غير مسمي….
مر الوقت وقد فقد “تيام” كل قوته وطاقته بسبب خوفه من حديث العرافة رغم أنه لم يُصدق بهذا التنجيم والخرافات من قبل، لكنه فارقها وأيامه تشدد صعوبة معها، مُنذ صغره وهو وحيد كأن الوحدة كُتبت عليه حتى مماته، كان يراقبها يومًا بعد يوم والأطباء يفحصوها دومًا ويأخذوها للأشعة ليطمئنوا عليها ويعيدوها للغرفة من جديد، وقف الطبيب أمام “تيام” و”غريب” بقلق واضح، سأله “غريب” بخوف من أن يكن هناك شيء أصاب أبنته أسوء:-
-فى أيه؟ مسك فيها حاجة؟
أعطاه الطبيب تحليل الدم الخاص بأبنته التى أجرته أمس ثم قال بجدية:-
-دكتورة مسك حامل
أتسعت أعين “تيام” بصدمة ألجمته من وجود قلبًا أخر بداخلها منه، قطعة من روحه نشأت بداخل أحشائها ، لم يكن الرباط القوي هذا العشق الكامن بداخلهما كما قالت هذه العرافة بل أراد الخالق أن يكن هذا الرباط طفله منه وقلبًا صغيرًا ينبض بداخلها يمدها بالقوة لكى تصمد من أجله..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية وختامهم مسك ) اسم الرواية