Ads by Google X

رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الرابع و العشرون 24 - بقلم نهال مصطفي

الصفحة الرئيسية

  رواية غوي بعصيانه قلبي كاملة بقلم نهال مصطفي عبر مدونة دليل الروايات


 رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الرابع و العشرون 24

   
” رسائل لن تصل لـ صاحبها ”
كنت أخشى أن تلمع عيني أثناء حديثي عنك ، أو يبتسم وجهي عندما يثني أحدهم عليك ويرتعش قلبي عندما يمر صوتك على مسامعي ، كنت أخاف من براءة مشاعري وعفوية ملامحي ، كنت أخاف أن يلمحك أحدهم في تفاصيلي دون أن أدري .. أنا التي دثرتك بروحي كي لا يراك أحد ولن يرى طوفان الحب الثائر لأجلك بصدري !
••••••••
” العين بالعين ، والسنُ بالسنِ ، والبادي أظلم ”
أقسى طباع يمكن أن يملكه الإنسان هو التَجبُر ، وبسط أسلاك القوة الشائكة على كتفي الضعيف ، تَختلي برأسك وتتساءل ما الذنب الذي فُعل كي استحق عليه كل ما حدث ، الأمر أشبه بأنثى العنكبوت التي استوطنت في أحد زوايا غُرفتك ، ونسجت خيوط عشها ، وآمنت لك ظنًا منها أنك صديقها وونيسها ، وفي لحظة استعراض للقوة تهد لها كل آمالها بجرة عصا !
العاقبة هنا لم تكف عند هدم منزل شخص أو كسر قلبه بل للشخص الذي ينتج عن تلك المساوئ ، عن التحرش بمخالب الشر المدفونة داخل كل منا وقتـل نسائم الخير للأبد ، عن تلك الصورة الموحشة التي يتحول إليها دون رغبة منه !
دنت ” عبلة ” من نوران وهي تضع حدًا لتلك التمردات التي تُهدد عرشها بقصر دويدار وقالت :
-هااه ! سمعيني كده كُنت بتقولي أيه !
ضبابة الظُلم والقسوة التي تعرضت لها نوران بسبب تلك السيدة لم تُرعبها شمسها الحارقة هذه المرة ، جلست نوران ووضعت ساق فوق الأخرى وقالت بـ ثقة عارمة متعمدة إثارة غضب عبلة :
-لو سمحتي يا عبلة هانم ، شايفة أن جو المطبخ وجو ستات البيوت ده مش لايق بيكي ! فـ أنا هعفيكي من المهمة دي لانها مش مناسبة لنا بصراحة .
-اسمعيني يابنت أنتِ ، مش حتة عيلة صغيرة زيك هي اللي هتديني أوامر ! أنا برنة جرس ارميكي أنتِ وأختك بره !
كانت كلمات عبلة حادة ، ثائرة ، محاولة وضع حدًا لتلك المهزلة التي تهدد مجدها ، تدخلت شمس آنذاك وقالت بهدوء :
-وكمان نظام البيت مش عاجبنا ! معلش يا طنت عروسة جديدة بقا ولازم يبقى ليا متطلبات !
شهقت عبلة بصوت مندهش ، معترض عمـا قالته شمس وهي تلوح لها بكفها :
-طنت مين يا بنت أنتِ ! اسمعك تاني تقولى طنت دي هقطع لك لسانك فاهمة !
كتمت نوران ضحكتها مستمتعة بتلك الحرب الباردة التي أعلنتها أختها ، أكملت شمس ومازالت محتفظة بوقارها :
-مش حضرتك مراة أبو جوزي ! وكمان هتبقى في مقام جدة ولادي ! عايزاني أقولك أيه بقا !
-أنا هنا اسمي عبلة هانم ، فاهمة ! ولو فكرتي تتعدي حدودك هوريكي وشي التاني !
أطبقت عبلةوتدخلت نوران حينها تقف بينهم بخفة وتقول :
-يعني طنت بتزعلك ! خلاص يا شمس مش عايزين نزعلها ، دي بردو ست كبيرة وفي مقام تيتا الله يرحمها ! تحبي نقولك يا ناناه !
انهارت جبال القوة لديها عندما اتحدا الأختان عليها ، تشبثت برأسها صارخة :
-سيدة اعمليلي قهوة !
ثم عاودت النظر إليهما وقالت بصرامة :
-ومش عايزة تغيير واحد في الجدول ، أظن كلامي مفهوم !
توقفت شمس أمامها وأفصحت بتجبر لا تعلم من أين تسرب إليها :
-أهل الحارة جايين يباركوا لبنتهم ، يا ريت تكوني لطيفة معاهم !
-كمان !! أنا هسيب أمر للحرس بره أن أي حد يقرب من القصر يضرٰبوه بالنـار .
ما كادت أن تلقي جُملتها حتى فوجئت بـ ” كريم ” يظهر من باب المطبخ قائلًا بحماس :
-وحشتيني يا لبلبة !
التفت الجميع إلى نبرة صوته المُشاكسة ، وما أن تم تبادل النظرات بين نوران وكريم التي استقبلت لقائه رافعه حاجبها الأيسر وهي تفحصه من رأسه للكاحل ، تقدمت عبلة وربتت على كتفه بكفها المنتفض وقالت بحزمٍ :
-كريم ، كويس إنك جيت ، تعالى عايزاك !
غادرت المطبخ على الفور بعد ما أردفت جُملتها الأخيرة ، ثم أتبعت شمس خُطاها قائلة بخفوت لاختها :
-هروح أدي تميم الدوا .
هرت نوران رأسها وما زالت عيونها اللامعة بالمكر مُعلقة بعيني كريم الذي لم يزيده رؤيتها إلا توجس ، اقتربت نوران منه بخطوات سُلحفية حتى وقفت بقُربه قائلةً بسخرية :
-هما سواقين القصر مسموح لهم عادي يدخلوا المطبخ ! أممم ولا هما مش سواقين أصلًا !
لم تمنحه الفرصة لتبرير موقفه ، بل ألقت جمر سخريتها واكتشافها لكذبه متأهبة للذهاب ، تلقى كريم سُخريتها بضحكة إعجاب ارتسمت على ثغره وهو يهمس لها بعد ما وقف أمامها ليعوق طريقها:
-يااه الدنيا دي صغيرة أوي !
ردت نوران بجزل طفولي ثم رحلت بعدها :
-أوي أوي .
تاه كريم في كينونة شقاوتها وسحرها متمتمًا :
-فعلاً الكذب ملوش رجلين ! ولا حتي وش علشان يبرر عملته !
صعدت عبلة للطابق العلوي وهي تبحث عن هاتفها بجنون حتى وجدته أخيرًا ، أول ما فعلته هاتفت جيهان أختها وهي ترمي جسدها على الأريكة وتنفث دخان الغضب منتظرة ردها ، أجابت جيهان بخفوت :
-لسه فاكرة أن عندك أختك يا عبلة !
-يوه بقى يا جيهان مش وقت عتاب خالص ، أنا حاسة أني هتجنن، تعالي شوفي المصايب اللي حلت فوق دماغي !
اعتدلت جيهان من نومتها وهي تستفهم منها :
-هو يا حبيبتي مفيش مصيبة أكبر من اللي عملها ابنك ، بس خير مالك !
عبثت في شعرها بفوضى وقالت :
-عاصي بيه خد البنت الملونة بتاعته وسافرو ، ولا التاني اللي جايب لي حربايتين في البيت عشان يشلوني ! جيهان أنتِ لازم ترجعي ، أنا مش هقدر على الأشكال دي لوحدي !
أردفت جيهان بغرابة :
-بجد يا عبلة أنا مستغربة ! أنا لو منك كنت طردت تميم واللي معاه !
-ما أنتِ عارفة اللي اسمه تميم ده معرفش ماسك علي ايه بالضبط ! بس أنا مش ها يهدأ لي بال غير لما اوصل للي يعرفه !
ثم مدت يدها لتناول عُلبة سيجارتها ، وأشعلت واحدة ثم اكملت :
-الولد شكله ماسك حقة إلى تودينا كلنا ورا الشمس يا جهان مش عايزة اتصرف بغباء ألقى نفسي خسرت كل حاجة.
‏هزت جيهان رأسها بتفيكرٍ وقالت ناصحة:
-لا حرصي يا عبلة احنا مش حمل غلطة واحدة تهد كل اللي بنيناه ، عيلة دويدار مستنين غلطة واحدة علينا !
-المهم هتيجي أمتى !
-وأبنك عاصي؟!
-سيبك من عاصي يا جيهان أنا هعرف أتعامل معاه ، وبعدين ما تقلقي شكل البنت اللي معه وكلة عقله ومش مخلياه واعي لأي حاجة .
فَتح مُراد باب غُرفة أمه ، تلجلجت جيهان قائلة :
-طيب أقفلي أنتِ دلوقتي يا عبلة وبعدين نكمل كلامنا !
‏دخل مراد وجلس بجوار أمه ، طالعته بفضول
-راجع بدري يعني !
‏رد مراد مبررا لـ سؤالها:
– لا أبدا بس مكانش عندي حاجة مهم.
‏رمقته جيهان بعدم تصديق وقالت بنبرة شك لا تخلو من الاتهام :
-ملاحظة أنك أهملت في شغلك اليومين دول يا مراد يا ابني ركز كده عشان شغلك هو اللي هيخليك فوق أو ينزلك تحت !
-سيبك من الكلام ده دلوقتي المهم أنت صحتك عاملة ايه؟؟
-أنا بخير ، مراتك اللي ما تتسمى حتى ما فكرت تبص عليا ، ولا تشوفني عايشة ولا حتى ميتة !
‏تعمد ألا يطيل الحديث بخصوص هذا الأمر مع أمه وسرعان ما غير مجرى الحديث متسائلا:
-هدير فين ؟!
-اختك يا حبيبي مسافرة يومين تبع الشغل أنت عارف أن هي بتعمل إعلانات لأكبر المنتجات يعني مش هي كمان مش فاضية لي !
‏هز رأسه متقبلا الأمر ثم سألها :
-تأمري بحاجة !
-لا مش عايزة غير إنك تخلي بالك من العقربة الـ اسمها “عليا” البنت دي مش سهلة يا مراد يا ابني لسعتها والقبر زي أخواتها وأبوها !
لم يقتنع بتحذير أمه التي تذعن بمعرفتها الجيدة لنوايا الفتاة الخبيثة وعليه أن يتخذ الحيطة والحذر منها ، وثب قائمًا حتى غادر الغرفة ثم تراجع خطوتين في الممر ليتناول الحقيبة البلاستيكية من فوق حافظة الأحذية الخشبية وتسلل ببطء إلى غُرفته قبل أن تراه أمه وهو يحضر الحلوى للأفعى التي تُحذره من لدغتها .. طرق بخفوت على الباب حتى سمحت له بالدخول .
كانت تقف أمام المراة تُصفف شعرها البني حتى لملمته سريعًا على هيئة ذيل حصان ، مجرد دخوله الغُرفة أول شيء صادفه كانت عيناها ثم فستانها الذي يصل إلى تحت ركبتها ، أزاحت خُصلة من شعرها للوراء ثم أردفت بجدية :
-اتفضل !
تعمدت ألا تخلق معه أي أحاديث ، متحاشية النظر إليه ، مرت من جوار كمرور النسيم حتى أوقفها بغتة :
-رايحة فين ؟!
ظلت ترمقه بنظرات خرساء حتى افتعلت حجة لتُنجيها من اتهاماته السخيفة وقالت :
-هاروح اعمل كوباية قهوة ولا حاجة لأني حاسة بصداع !
اقترب منها أكثر ثم قال بلهفة :
-أجيب لك دكتور ؟!
-لا لا ، أنا كويسة !
ما كادت أن تخطو خطوة ، فتحرك معها لتجده يقف أمامها بهيئته الجذابة ويمنع خُطاها ، رفعت جفونها المُتسائلة حد عيونه المتحججة ، هزت رأسها بخفة حتى تلقى حيرتها مُوضحًا بشموخ وهيبة يبذل مجهودًا ملحوظًا للحفاظ عليهم ، لم يجد ما يقوله ، فقام بتقديم ما بيده مباشرة :
-دول عشانك !
أطرقت بحيرة :
-أيه دول ؟!
-افتحي وشوفي !
‏اخذت الحقيبة من يده ونظرت بداخلها فوجدت العديد من حلوى ” اللوليتا ” مختلفة الألوان ، والكثير من ” الشكولاتة ” الفاخرة ، قطع انبهارها الطفولي وقال بخجل من تصرفاته :
-انا بعتذر يا عالية على طريقتي البايخة بتاعت الصبح !
تفقد لمعان عيونها الذي يشيع ببريق الغفران ، تاه في سحرهم مستمعًا لصوت قلبها الذي يترجى براءة معالمها ” لا يجد أن تكوني جميلة بهذا القدر ” ، عاد لوعيه عندما هتفت بفرحة :
-لوليتا ! كل ده عشاني ؟!
عقد حاجبيه قائلًا :
-حاجة بسيطة كده .
-بجد ميرسي ، كان نفسي فيها أوي ..
كادت أن تخطو لتجلس على أقرب أريكة ولكنه تمسك بيدها ليوقفها ،شعرت بجفاف حلقها إثر أنفاسه الساخنة التي أشعلت النار بجوفه لشدة جاذبيتها ، تسارعت ضربات قلبها وهي تهمس بنبرة مبحوحة :
-في حاجة !
في تلك اللحظة ؛ رفع كفها لمستوى شدقه لطبع فوقه ختم اعتذاره بقُبلة رقيقة ولكنها عصفت بكيانها الواهن ، وأشعلت بداخلها ثورة احتجاج لا تخمد ، سحبت كفها المرتعش بعد ما أردف كلمته ” آسف ” ، تلك المشاعر التي جعلتها تتخبط بين مطالب قلبها والواقع ، عيناه الساطعة التي تريد الأقدام نحوها بدون حواجز ، قاومت كي لا تظهر انتفاضة روحها وقالت محتجة :
-هاكل اللوليتا قبل ما تفك !
هز رأسه كأنه لم يفعل أي شيء ، وأن ما اقترفه لم يترك ساكنًا بداخله إلا وزلزله ! لكنه ارتدى ثوب الرجل الشرقي الذي يعز عليه الإفصاح عن حقيقة اشتهاء إمراة راقت له ، انشغل في مزع ملابسه ، وانغمست ” عالية ” في فرز أطعمة اللوليتا حتى أخذت ما بطعم الفراولة وشرعت في امتصاصه ، محاولة فاشلة منها كي تهدأ ، ويهدأ قلبها الذي لم يكف عن الصخب ..
خدشت قُبلته وجهها الملائكي ، ظل يُراقبها بالمرآة هو يقفل أزرار منامته الزرقاء ، يُطالع شعرها الحرير الذي يتدلى على عينيها وكأنه أراد أن يُغازل أنظاره المُعاكسة ، تنهد بخفوت وهو يراقب حركة خصلاتها وتهتف روحه مُتسائلة ” بـ كم خصلة تنوين الليلة لتشدين بها قلبي إليك! ”
تطرقت عيونه لأسفل وهي تمتص ” اللوليتا ” كطفلة لم يتعدى عمرها السبع سنوات ، ووجنتها الاتي لطخن بحُمرة الخجل والحلوى معًا ، استدار نحوها وأخذ يُراقبها بإعجاب شديد حتى أثارت مشاعره بطريقة تناولها للحلوى ، حاول تجاهل الصوت قدر الأماكن وهذا العبث الذي تقوم به تلك الصغيرة التي لا تعلم عاقبة تصرفاتها البريئة وتأثيرها على رجل يافع مثله !
كل ما بها كان شهيًا للتقبيل ، لم يتحمل أكثر من تلك الأفعال التي ثارت مراجل ذكوريته واقترب منها بحزم :
-كفاية !
تجاهلت طلبه مستمتعة بمذاق الحلوى وقالت :
-ليه ، طعمها جميل أوي ..
زفر بضيق حتى احتدت نبرته التي تكظم مشاعره المدفونة وقال بضجر :
-كفاية زورك هيوجعك !!
ترجته بعينيها المعبئة بالـبن وتبسمت موضحة :
-باقي شوية أهو اخلصهم بس .
عادت لألتهامها مرة أخرى وبطريقة فجرت ينبوع طبيعته ، لم يتحمل المزيد بل شد الحلوى منها بإصرار وجهر :
-كفاية كده بقولك !
ترنحت أمامه كطفلة تدلل على أبيها وهي تحاول أن تسرق منه حلوتها المفضلة ، خبأها وراء ظهره كي لا تنالها يدها ، وبعد محاولات كثرة منها ألقتها تحديدًا بين ذراعيه وهي لا تشعر بعاقبة فعلها ، طاب له مذاق اللعب معها وملاطفتها وضحكاتها التي تندلع منها في كل مرة ينتصر عليها ، فاض به الأمر حتى رفع يده لأعلى كي يعجزها ، قفزت عدة مرات ولكن بدون جدوى حتى صعدت فوق الأريكة وقالت بنبرة تحدي :
-هاخدها يعني هاخدها !
ما لبثت أن كرست كل تركيزها للفوز ببقايا الحلوى حتى اختل اتزانها وسقطت بين يديه ومنها وقع الثنائي على مخدعه ،حينما طوق خصرها النحيل بذراعه شعرت بأن جَميع أطرافها من فرط الإنشراح توهجَت .. تبادلت الأعين وعلقت على مرسى الصدفة التي ‏جمعت اثنين غريّبين
يتشاركان النفس ، الملابس ، الضحكات وحتى المشاجرات ثُم ، ومن دونِ إدراك يُصّبحان ، لُب فؤاد بعضيّهِما لبعض بدون سعي أحدهم لهذا .
ساد الصمت للحظات كل منهم شاردًا بقاع الكارثة التي ألقتهم بـ جُب تلك الدائرة البنية من عيونهم ومنها انفرط زمام الخيال ، تمتم مُراد متنهدًا :
-أنتِ كويسة !
يصدح صوت عقلها بالفرار من بوابة المهالك التي سقطت فيها بسبب حماقتها ، رضخ قلبها و انسابت أطراف جسدها حتى لا تملك القدرة للقيام ، غرقت في ملامحه الذكورية الجذابة و تقاسيم وجهه ، شعره الاسود ، حدّة عينيه ، حتى ارتعش الفؤاد مُتسائلاً :” المعذرة هل انت احد الملوك السومرية؟.”
حينما رأها يهذا القُرب ،‏انتابته رغبة قوية ‏في أن يتخطى جميع الحواجز التي تمنعها عنه و يمسك وجهها المُلطخ بحُمرة الفراولة ويقوم بتقبيله ، اعتدل مراد في نومته ليعلوها وامتدت أنامله ليُداعب شعرها الذي لم يكف عن مغازلة عينيه طوال الوقت وقال مشيدًا :
-أنتِ حلوة ازاي كده !
ألقَى على وجهها قميصَ شهيته كي لا يرى غيرها حتى تغاضى عن جميع المحظورات ، لم تفق من صدمة قُربه ، فـ ذابت في كارثة تقبيله ، عيونها البراقة المشدوهة ، جسدها الذي أصيب بالصقيع حتى شُل إثر لمساته ، أطلق عنان مشاعره وكأنه أذعن بقبوله لمفاوضة لطيفة بينهم وكان محتواها أن تمنحه قُربها وسيقوم بقراءة مائة قصيدة على معالمها !
-يا مراد ؟!
جاء صوت جيهان في تلك اللحظة وهي تطرق على الباب منادية على ابنها ليفيق من وجد مشاعره التي ساقته لشط بحرها ، افترق عنها عنوة هو يلعن الحظ الذي فرقهم ووثب قائمًا من ملاذ ” لوليته ” متحمحمًا كي يسترد نبرة صوته التي فقدها على ملامحها الحادة وفتح الباب لأمه التي تفقدت ملامحه بدقة سربت الشكوك إلى قلبها وقالت بتردد :
-نسيت موبايلك يا حبيبي ومش مبطل رن !
لاحظت جيهان طيف مرور “عالية” من ورائه ثم صوت قفل باب الحمام الذي ركضت إليه لتحتمي به من تلك العاصفة القوية التي أصابتها .
جيهان بشكٍ :
-في أيه يا مراد ! مالك مش على بعضك كده ؟!
-هااه مالي يعني ! ما أنا زي الفل أهو ، بس مُرهق من الشغل شوية ، هنام بقا !
حدجته بـ ريبة ثم قالت بمكرٍ :
-نام ، وطلع البنت اللي جوه دي عشان تعرف تنام كويس !
انصرفت جيهان وهي تضرب أخماس الشك في أسداس اليقين وتغمغم :
-شكل هدير هيطلع عندها حق !
وقف مُراد وراء الباب بعد ما قفله شاردًا بمذاق اللوليتا خاصته التي استطعمها لأول مرة بحياته ، اتجه ناحية الفراش وهناك صوت داخله يصدح بأحساسه معترفًا
” يبدو أن الشيء الأهم الذي نتقاسمه غير الغُرفة هو الرغبة الشديدة في أنكِ يجب أن تكوني هنا، وأن وجهكِ ينبغي أن يكون في مكان أقرب ما يكون إلى وجهي ”
مدد على فراشه بعد ما تجرع سُكر القُبل التي لم يعهده على إمراة من قبل ، شخص مثله يُقدس حُرمة مشاعره وجسده ، لا يدع لتلك الوصمات الدنيئة أن تندسه ، فلم يسمح لحواء من قبل أن تتخطى حدود حصنه المنيع ، ولكن عندها إنهال الحصن ورضخت جميع مبادئه لقُربه المنشود .
كان وجهها مُشرقًا كـ بهجة الأطفالِ عندما يَمر بجانبهم بائع الحلوى ..تقف وراء الباب تتخذ أنفاسها ، تتذكر تلك اللحظات المسروقة من الزمن التي جاءت على سهوة ، اقتربت من الصنبور وأخذت تذيت آثار قبلات ظنًا منها بأنها هكذا ستعود لرشدها ، انتفض قلبها بقوة عندما تذكرت وهي تحت ظل خيمته وحصاره ثم أمسكت به كي يهدأ فأنه تراقصه يُهلكها وصدح عقلها مُتسائلًا حول من خدش حيائها : “كيف سأتعافى من قدر إقبالك المُهيب عليّ ”
•••••••••
” مساءً ”
-يعني أيه هرب يا يسري !
تلك الجُملة التي أردفها عاصي منفعلًا وهو يجري مكالمته التليفونية في شُرفة غُرفته ثم تذكر تلك النائمة بالداخل فانخفضت نبرة صوته قائلًا :
-اللي اسمه قاسم لو مظهرش لبكرة الصبح يبقى أنت الجاني على نفسك يا يسري !
وثبت ” حياة ” بهزلٍ شديد إثر صوته الصاخب بالخارج ، ظلت تتفقد المكان حولها حتى تذكرت ما صدر منه ، ومدى تجاوزه لحدوده ، تناولت شالها ووضعته على كتفيها ثم نهضت ملامسة الأرض بقدميها العارية وهى تجر ذيول شعرها و خيبتها وتسير اتجاهه ، شدت الستار ووقفت تستنشق الهواء بارتياح كأنها أرادت تتخلص من عطره المكدس بصدرها وتستبدله برائحة البحر ..
قفل هاتفه وولى نحوها فلم يبذ قطع خلوتها مع نسمات الخريف ، اتكئ على سور الشُرفة الحديدي عاقدًا ذراعيه أمام صدره وهو يتأملها بتمعن ، هي غرقت في الليل وهو غرق في ظُلمة شعرها الذي نام الليل فوقه ، أطلقت زفير مُعاناتها ثم قالت بهدوء :
-أنت عايز مني أيه !
كانت نبرتها مليئة بالعجز والحزن ، حاول إيجاد ردًا على سؤالها ولكنه مغرورًا للحد الذي يخنق قلبه ولا أنه يفصح عما يستوطن ، هزت رأسها بهزل ثم قالت :
-هسهلها عليك ..
خطت خطوة ثم وقفت بمحاذاته وصوت البحر ينافس صوت ضربات قلبها حتى أفصحت للبشري الوحيد الذي جعلته الصدفة محورًا لحياتها وأكملت :
-يعني أصريت أنك تتجوزني باسم مزيف ، وكانت حجتك حمايتي ، وعديتها ، ده لأنك عاهدتني أنها هتكون جوازة على الورق وبس .. أنت عايزني أزاي أثق فيك بعد كُل اللي عملته !
أجاب ببرود :
-و أنتِ عايزاني أزاي أثق فيكي وأنتِ رايحة برجلك عند واحد غريب في نص الليل !
-بس أنا عندي أسبابي !
أجابها بنفس نبرتها الفظة :
-وأنا كمان عندي أسبابي ! أسبابي اللي تديني الحق أعمل اللي أنا عايزه لما الست المكتوبة على اسمي تروح أوضة راجل غريب في وقت زي ده !
دنى منها ثم سألها بجدية :
-أقدر أعرف ليه خبيتي عليا !
رفعت جفونها بتحدٍ :
-زي ما أنت كمان خبيت عليـا أنك وصلت لأهلي !
لم تمنحه الفرصة ليُبرر حتى أكملت :
-أنا هقول لك رُحت له ليه ! وقت ما قابلني في المطعم نداني بالاسم اللي وصل على موبايلك لما كُنا على اليخت ، وكان واضح انه يعرفني ..
داعب الهواء شعرها حتى لملمته بمللٍ وبيأسٍ وهى تُطالع البحر هذه المرة وتشكو إليه همها بدون وعي لما ترويه :
-أنا عاملة زي الغريق ، بتعلق في قشاية تنقذني من التوهان ده ، أنا جسد بس بيتنفس مفيهوش أي روح ، مع الأسف مكنش قدامي غيراثق فيك ، زي ما وثقت في البني آدم الحقير ده ، واستغلني ، وحاول يتعدى عليـا ، واضح أن كلكم صنف واحد !
جذبها بعُنف إليه وهو يستجوبها :
-بصي لي هنا ، الز*فت ده عمل فيكي أيه ؟!
أردفت بخزى ويأسٍ :
-نفس اللي أنت عملته !
••••••••
دخلت ” شمس ” الغُرفة بعد يأست من تلقيها ردًا يسمح لها بالدخول ، فتحت الباب برفق ثم أشاحت بنظرها في جميع أرجاء الغرفة ، فلم تجده ، تعمقت للداخل حتى لمحته جالسًا برفقة أختها في شُرفة الغرفة ، اقتربت منهم بهدوء حتى توقفت على أعتاب الغرفة وهي تراقبه أثناء شرحه لمادة ” الفيزياء ” وتوصيل المعلومة بسهولة إليها حتى ختم شرحه الهاديء المُنمق :
-فهمتي !
طالعت نوران أختها بسعادة وقالت بتحمس :
-شمس ، متتصوريش تميم أنقذني ازاي فـ الفيزيا ، أنا كنت بضيع !
دخلت شمس وجلست بجوارهم محافظة على ابتسامتها وقالت بإحراج :
-يابنتي أنتِ مش بترحمي ! استغلالية طول عمرك !
تدخل تميم في حوارهم وقال مُرحبًا :
-على فكرة أنا اللي قُلت لها ، لأني بحب المادة دي أوي وبكون مستمتع بيها وأنا بذاكرها !
صاحت نوران بحماس :
-كده ضمنت الفيزياء والأحياء طبعا بمساعدتك أنتِ وتيمو ، فاضل بقا الكيمياء حد يتبرع ويشرح لي وتبقى مشكلة الثانوية العامة اتحلت .
-يابنتي بقا اعتمدي على نفسك مرة واحدة !
أطرق تميم بعد ضحك على مداعبتهم وقال :
-بكرة أحسن مدرس كيميا هيكون عندك ! أنتِ تؤمري بس !
شرعت نوران في لملمت كُتبها وقالت بعرفان :
-بجد أنا مش عارفة أشكرك أزاي يا تيمو على وقفتك معانا أنا وشمس ، أنت هدية لربنا لينا .
أحس بقدر المسئولية المُلقاه على عاتقه عندما أعلنت التزامهما منه ، وأنه طريق النور الذي أنقذهم من عتمة حياتهم ، انحسبت نوران بخفة وهي تقول :
-اسيبكم بقا ، انتوا اتنين عرسان ومش عايزة أبقى عازول .
لُطخ وجه شمس بحمرة الحياء من تلقائية أختها الغير مقصودة ، تلاقت أعينهم فأُصيب بعدوى بشاشته ووجهه الضاحك ، انتفضت ملامحها كأنها تود أن تقول شيئًا ولكنه منحها وسام الأمان قائلًا :
-حابة تقولي أيه ! قولي على طول .
أطرقت شمس بامتنان :
-كنت حابه اشكرك على وقفتك جمبي ، وواجبك مع أهل الحارة ، حاجات كتير أوي ، بجد أنا مش عارفة أشكرك أزاي !
-لأجلك عين ، تُكرم ألف عين يا شمس .
تلك الجملة التي رجت قلبها ، وأتبعها بشروده تاركًا لفؤاده ريشة مشاعره ليُدون بدلًا منه ما يتجول بخاطره ، غاص بسحرها بعد ما أردف كلماته العذبة ، تطرق خاطره هامسًا ” لكنهم لم يروا عيناكِ عندما ضٰربوا هذا العدد الشحيح ، فـ لأجلك ولأجل عيونك ألف شخصًا ، ومليون عينًا ، ومليار رمشًا يكُرم ”
-بجد جميلك ده عمري ما هنساه يا تميم !
أردفت جملتها برتابة وانتفاضة ، حتى أحس بتوترها ، وتعمد أن يثيره حتى يتحول لعاصفة تهز الغصن من تحت أقدام العصفور ، رفع حاجبه مرتسمًا الجدية :
-أنتِ ممكن ترديه عادي !
-لو في ايدي مش هتأخر طبعًا .
طالع ساعة يده ثم قال :
-بصراحة ده وقت الشاور بتاعي ، ومش لطيفة أنادي على عثمان عشان يحميني ومراتي موجودة !
توقف عقلها عن الاستيعاب ، ثم سألته مذعورة:
-مش فاهمة ! يعني … أنت قصدك أيه !
-قصدي أقولك تعالي ساعديني وأنا باخد الحمام بتاعي يا شمس !
فزعت كمن كان هبوب الرياح من تحت قدميه وهي تتجلجل في الكلمات المُبعثرة التي كانت سببًا في رسم ابتسامة الانتصار على وجهه وقالت :
-نعم ! لا طبعا حضرتك ، ده مستحيل ! أنا افتكرت حاجة ، أنا هروح تحت .. لالا أنا هنام ، هنام عشان تعبانة تصبح على خير ..
-عاصي ، هفضل أمشي وراك كتير !
توقف عاصي إثر ملاحقة سارة له المتكررة ، وركضها خلفه ، توقف مرغمًا وهو يهتف بضيق :
-سارة أنا عفاريت الدنيا بتنطط قدامي ، ومش متحمل كلمة !ابعدي عن طريقي الساعة دي
وقفت سارة أمامه وتشبثت بيده راجية :
-عشان كده أنا هنا ، قلبي حس بيك ! حتى ولو أنت ناسيه ، هو فاكرك !
زفر بنفاذ صبر :
-مش فاضي لدلعك دلوقتِ ! لو سمحتِ امشي .
-عشان خاطري ، نشرب فنجان قهوة سوا ، وتحكي لي يمكن تلاقي عندي الحل ، وافق بقى ! ده فنجان قهوة بس .
في أحد الطوابق العلوية طرق الباب غُرفة عاصي التي توجد بها حياة وهى تهذى بهواجس الماضي والحاضر ، وثبت قائمة بكلل وهي تزفر
-آكيد نسى الكارت بتاعه !
اقتربت حياة من الباب حتى فتحته بصفي نية منها ، وما كادت أن توبخه حتى فوجئت بأحد موظفي الفندق قائلًا :
-العشا يا فندم !
سمحت له بالدخول حتى تأكد من خلاء الغرفة أمامه ثم استدار نحوها تلك الشاردة في عوالمها المبهمة ، نزع الرجل كمامته حتى ظهرت ملامح فريد وهو يُقر مُعترفًا :
-كُنت متأكد أنك لسه عايشة يا رسيل ! 

google-playkhamsatmostaqltradent