رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات
رواية الحب اولا الفصل السادس و العشرون 26
بدأت تأخذ انفاسها وهي تلهث بسرعة قصوى…. وكانها عادت للتو من سباق، جبينها يضخ بقطرات العرق وجسدها العاري اسفل الغطاء متخدرًا من
شدة الذات….
كانت في حالة مزاجية جيدة لممارسة الحب عندما عادت للبيت فورًا تبادلا القبل والاحضان بلوعة واشتياق جعل كلاهما يكملا الباقي من الليلة على الفراش بأجساد ملتحمة منصهرة وقلوب ثملة بمشاعرٍ منتشية ويبدو ان مشهد رقص العرسان الشاعري دفعهما لتجربة الحب على طريقتهما الخاصة !….
لكم هو ممتع هذا الشعور ان تكون بين يدي من تحب يمارس الحب القوة والسيطرة عليك…أحاسيس غريبة جميلة متعبة تستشعرها بين يداه ومع ذلك التناغم بينهما يفوق الوصف وكانهما زوجين منذ
زمن بعيد…
تنهدت وهي تبتسم لترفع راسها وتضعها على صدره العاري تداعب باصابعها النحيلة الشعرات السوداء الصغيرة في صدره العريض…بينما يعانقها هو بذراعه وباصابعه يلامس كتفها العاري وبشرتها الناعمة ناظرا لسقف الغرفة شاردًا ينظم أنفاسه العالية بتدريج…
تسيل لعابه تلك المدلله من نظرة واحده تغوية ماذا ان بادلته العناق والقبلات بشوقًا وشراسة تضاهيه كاليوم مثلا…شهية المذاق هي بطعم (الخوخ..)حلوٍ ولاذع بجسد انثوي فاتن ناعم كالحرير….
“سلطن…..”
عند نداؤها ابتسم وكان رده همهمات خشنة
وعيناه معلقة على السقف…..
مطت شفتيها بدلال وهي تمسك ذقنه وتسحب وجهه
لعندها فنظر لها عاقدًا الحاجبين فقالت….
“انت ليه لحد دلوقتي مسألتنيش اذا كنت بحبك ولا لا…”
اجاب بثقة وهو يغمز لها….
“مش محتاج اسأل الجواب باين من عنوانه…”
رفعت حاجبها مستنكرة….
“ازاي بقا….”
اخبرها بثقة دون النظر لعيناها…..
“قولتي قبل كده ان مينفعش المسك إلا لو كنتي
بتحبيني….وأكيد اللي حصل الأيام اللي فاتت
بينا والنهاردة بذات أكد انك بتموتي فيا….”
ضحكت ضحكة خجولة وهي ترفع راسها عن صدره سانده على كفها المرفوع….ناظرة اليه بشقاوة….
“وليه النهاردة بذات اتأكدت…..”
“كان باين عليكي اني وحشك أوي…”سحبها من عنقها بكفه قاضمًا شفتيها بشراسة…فضحكت داليدا وهي تبعده عنها…
“مش حقيقي مكنتش وحشني….”
نظر لها بوقاحة قائلا ببال رائق….
“كدابة كل حته فيكي وقتها كانت بتنادي عليا….تبقي بتموتي فيا ولا لا…..”
تنهدت معترفة وهي تميل عليه وتطبع قبلة سطحية
على شفتيه الغليظة…
“بموت فيك اوي….ياسلطان…..”
ارجع شعرها الناعم خلف اذنها وعيناه تاسرها
بالحب سائلا بلهفة… “واي تاني يادودا…..”
طبعت قبلة أخرى قائلة بلوعة….
“بحبك ياحبيبي….بحبك أوي ياسلـطـ……”
ماتت حروف اسمه على شفتيها بعدما طل عليها بهيئته الرجولية يشبعها قبلات وهمسات جعلها تئن بين يداه بضعف مطالبة بالمزيد ، وكل جزءًا بجسدها يذوب معترف بالهوى بالانتماء لهذا الحبيب يسلم حصونه من لمسة واحدة…..
يرتوي من سقاء الحب ، فزهرة الحب تحتاج للروي باستمرار !..
دخلت بعد لحظات تسير بتغنج حافية القدمين بقميصها الأزرق القصير وبين يداها طبق زجاجي كبير به معلقتين…..جلست على حافة الفراش لتجده جالسا على الفراش عاري الصدر ببنطال قطني ينفث من سجارته بشراهة….
سحبت منه السجارة والقتها في المرمدة قائلة
بضيق بالغ..
“امتى تخف السجاير دي…. بتخنقني….”
ابتسم لعيناها الحانقة ثم مد يده وتحسس وجنتها
بحنو قائلا بصوتٍ أجش…
“طالما بتخنقك مش هشربها قدامك….”
زمت شفتيها الشهية مستهجنة…
“ولا من ورايا….عشان صحتك ياحبيبي….”
خفق قلبه بشدة جراء هذا اللحن المتناغم المنساب
من كلمة واحده (حبيبي)!….لذا عقب بمرح
غامزا…..
“حبيبي؟!…انا كده قلبي هيدخل الانعاش…انتي
ناويه على إيه ياداليدا….”
قالت بتنغج وهي تعانق كفه بيدها….
“ولا حاجة بدلعك وبحب فيك مش انت حبيبي وجوزي… وبلاش انعاش والكلام ده بعد الشر عليك….ربنا يخليك ليا…..”
“ويخليكي ليا يادودا…..اي اللي جيباه ده.. “سالها
مشيرًا بعيناه على الطبق التي وضعته جانبًا….
تناولته بين يداها قائلة بابتسامه
حلوة….
“سلطة فواكه….عملتهالك بايدي…..”
سالها وهو ينظر في الطبق….. “فيها خوخ….”
اومات براسها ضاحكة…فاسترسل هو
بلؤم…. “طب ماتجيبي حته ولا انتي بخيلة….”
ابتسمت وهي تاخذ الطبق وتبدأ باطعامه بالمعلقة بيدها قائلة بحماس…..
“انا عملاه عشانك… قولي اي رايك….”
عندما أكل ما في المعلقة تضاربة الاطعمة في
فمه و بين الحلو ولاذع أخبرها بعبث…
“حلوة اوي بس نقصها حاجة مهمة…..”
ابتسمت داليدا عندما قبلها فجأة ثم عاد يمضغ الطعام…مبتعدًا عنها مضيفا بتلذذ….
“كده بقا أحلى….”
ضحكت وهي تتشارك معه من نفس الطبق
وتسامره قائلة…
“سلطان انت نفسك في ولد ولا بنت….”
“انتي نفسك في إيه….”سالها وهو ياكل باستمتاع…
فبرقت عينا داليدا كالنجوم وقالت بحماسية…
“نفسي اجيب توأم بنتين…. وتوأم ولدين… وتوأم تاني ولد وبنت…..”
فغر شفتاه معقبا باستنكار….
“انتي دخله جمعيه بروحين أهدي مالك…..”
ضحكت داليدا قائلة بحرارة….
“مش عارفه هو انا نفسي اجيب توائم ورا بعض…”
لوى شفتيه بتهكم قائلا بسخرية….
“فكرتيني بواحده جارتنا ربنا كرمها بتوأم من هنا…راحت
العباسية من هنا…..”
انعقد حاجبا داليدا بفضول…
“ليه يعني هما كانوا اشقيه….”
اخبرها سلطان بطرافة….
“هما ملحقوش يبقوا اشقيه….قلة النوم جننتها ياولداه..”
قالت داليدا باستهانة وهي تنظر إليه…
“عادي على فكرة انا بحب السهر وبعدين مانت هتساعدني ياسلطن انا واحد وانت واحد…..”
نظر اليها قليلا ثم استبعد الفكرة قائلا
بتملك….
“بس انا مش عايز عيال دلوقتي انا لسه
مشبعتش منك..”
قالت داليدا بانتشاء وعيناها تضوي
بلهفة…
“انا نفسي اجيبهم شبهك كلهم…حلوين كده
واقوية..”
ابتسم وهو يرسم معها الاحلام…..
“والبنات تطلع حلوة زيك وصغننة…..”
قالت بتورد…. “يعني انت شايفني حلوة….”
وضعت داليدا طبق الفواكه جانبا بعض ان انتهيا منه…
فاخبرها سلطان بعيون تلمع بالحب….
“امتى شوفتك وحشة يادودا…طول عمرك حلوة من أول يوم شلتك فيه على ايدي……وانا متنبأ انك هتبقي عفريته صغيرة وهتتعبي الكل معاكي…بس مكنتش اعرف اني من ضمن اللي هيتعبوا معاكي…”
انحنى حاجبيها بحزن قائلة باندفاع….
“تعرف أوقات بتمنى لو كنت حبيتك من زمان
ساعتها مكنتش هتردد لحظة واحده اطلب ايدك
من أبوك..”
عبس وجه سلطان فقال بتجهم….
“إزاي تطالبي ايدي من أبويا ؟!….انا في ناس
متكلمه عليا…. ”
لكزته داليدا قائلة بتبرم…..
“بتكلم بجد ياسلطان….يارتنا كنا مع بعض من
الأول.. ”
سالها باستفهام وهو ينظر لعيناها السوداء المموجة
بالكثير من المشاعر…..
“ليه بتفتحي في القديم ياداليدا مش المهم النتيجة وان احنا في الاخر بقينا مع بعض….”
تاففت بنزق قائلة بغيرة شديدة……
“بصراحه انا غيرة اوي لما شوفت شهد وعريسها في الفرح مش غيرانه منها طبعا بس يعني اتمنيت اوي لو كنا في فرحنا كده….انا فكرة اوي انا احنا مكناش طايقين بعض وقتها…..”
أكد وهو يضرب على ركبته مستعيد الذكريات
الغير مرحب بها هنا والان !…..
“حصل انا كان نفسي اطبق في ذمارة رقبتك….”
هتفت داليدا بشراسة وهي ترفع قبضتاها الاثنين
امامها…..
“وانا كان نفسي اطلع مصارينك بسناني….”
جفل سلطان وأرجع راسه للخلف
هازئا…
“ياسلام على الرقه والحب…..”
فور جملته جزت على اسنانها قائلة بتذمر…
“مش بقولك غيرانه…كان نفسي نحب في بعض
كده ونرقص سوا على اغنية حلوة…”
اقترح سلطان بلؤم…..
“انا مستعد اتجوزك من تاني واعملك فرح محصلش….بس انا مش مسئول عن الكلام اللي هيتقال علينا… ”
قالت داليدا بلا مبالاة….
“هيقولوا اي يعني….مجانين مثلا…..”
ابتسم بسخرية معقبًا…..
“انتي بنسبالك طبعا دي مش شتيمه دا أسلوب حياة….”
هتفت مستهجنة وهي تلكزة في
صدره….
“اي الرخامة دي انت شايفني مجنونه….”
رفع احد حاجباه ثم رد غامزًا بخبث….
“دا انتي ست العاقلين…سيبك من الفرح اللي عدى
عدى احنا نعمل دخله جديده وعوضك عن الأولى.”
عندما اقترب منها حاولت ابعاده قائلة
بخجلا…. “بس بقا…..”
اصر وهو يميل عليها اكثر مسيطرا عليها يمنعها
من الفرار…. “والله ابدا لازم اعوضك…..”
مالى عليها وبد يدغدغ عنقها باسنانه واصابعه
من عند الخصر واسفل ذراعيها حتى بدأت تضحك بهيسترية وهي تحاول ان توقفه…لكن دون جدوى فظلت تضحك بقوة وهو معها يشاركها الصخب والمرح بقلب يهوى ويذوب عشقا في الأميرة المدللة…..
…………………………………………………………….
بد المطبخ وكانه مهجور دون رفيقته ينقصه شيء
مهم ، فلو كانت الحوائط تنطق لقامت بالنداء عليها
(شـهـد..)
اين هي؟!.. مقلاتها المفضلة بانتظارها معلقتها الخشبية تنتظر مسكت يدها…كل ركنا هنا يفتقد سيدته الطاهية البارعة…..
ليس المطبخ فقط من يفتقد روحها العطرة وبارعتها
في الطاهي بل هناك أشخاص لم يعتادُ بعض على هذا الهجر…
فهي لم تبتعد يومًا…. كما ابتعدت الآن
مسحت كيان دمعه فارة من عيناها وهي تقطع الخيار
على القطاعه لاعداد السلطه بينما قمر تطهو الطعام
على الموقد…..
يقفا الإثنين صامتين محدقين فيما يفعلوا لكن عقولهن شاردة في مكانا اخر وكلتاهما يحملا نفس
الإحساس…
الفقد ؟!..
أشتاقا لها جدًا رغم انه لم يمر على زواجها إلا ليله
واحده، لكنهما اعتادا وجودها ان يروها صباحًا هنا
في المطبخ تعد الفطور مبتسمة بصفاء روحٍ و برقة
وحنان تحتويهم جميعًا…..
أُمًا هي رغم صغر سنها ، رقيقة هي وحانية رغم قسوة الحياة عليها….تأسر الجميع بحبها من عدة كلمات متبادلة ماذا عن اخوة عاشا حياتهما معًا ومرا بظروف عدة اغلبها صعبةٍ ولا تحتمل…..
العائلة مثل تروس الساعة لكلا منهم اهمية في
بقاءه مع الأخرى وان اختلى ترسٍ واحد تتوقف الباقية عن المتابعة ؟!…..
فلتة شهقة بكاء من بين شفتي كيان.. فنظرت لها
قمر بهلع واقتربت منها سريعًا بعطف تسالها…
“مالك ياحبيبتي…. السكينة عورتك….”
مسحت كيان دموعها وهي تترك السكين جانبا قائلة
بصوتٍ باكٍ…..
“انا عايزه اكلم شهد…..شهد وحشتني اوي… انا خايفه
تسافر من غير ما أشوفها….”
ربتت قمر على كتفها قائلة بهدوء….
“اهدي ياكيان…. زمانها دلوقتي نايمه…احنا كدا كده
هنروح لها على المطار عشان نسلم عليها… كلها ساعتين اصبري…..”
قالت بنشيج متهدج….
“انا مش عارفه ليه اتجوزت ماكانت فضلت قاعده
معانا….”
ابتسمت قمر وهي تضيق عينيها بلؤم…
“ياسلام ما انتي كمان كلها كام شهر وتجوزي…وكنتي
هتسبيها برضو لوحدها….”
اسبلت كيان اهدابها ولم ترد…فمسكت قمر
كتفها قائلة بحنو….
“دي سنة الحياة ياكيان مفيش حد بيختار يسيب أهله…. وبعدين هي مش مهاجره.. هتقضي شهر عسل
مع جوزها وهترجع تاني على اسكندريه ابقي روحي
زوريها في شقتها لم ترجع بالسلامة….”
قالت كيان بشجن…
“انا مش متعوده اصحى من النوم ملقهاش…”
لم تزول ابتسامة قمر بل قرصة وجنة كيان
قائلة بمودة….
“انا كمان اتعودت على وجودها أوي… بس هنعمل إيه
ادعيلها ان ربنا يسعدها ويهدي سرها مع جوزها…
ويعوضها خير…. هي شافت كتير وتستحق تعيش
زي اي بنت في سنها تحب وتجوز وتجيب ولاد
حلوين يقولولك ياخالتو….”
ابتسمت كيان عند تلك الخاطرة فقالت
بمرح طفيف….
“انا مبحبش خالتو دي.. هخليهم يقولولي ياكوكي..”
سالتها قمر بمناغشة…
“هتبقي خالة فرفوشة يعني….”
أكدت كيان بغمزة شقية…
“وهبقا عمة فرفوشة برضو….”
احمرت وجنتا قمر بخجلا إلا انها قالت
بمحبة….
“هتبقي أحلى خالة وعمة ولا تزعلي….”
بللت كيان شفتيها وهي تسالها بتردد…
“قمر انتي لسه شايله مني من ساعة طقم
الالماظ…”
نظرت لها قمر بقنوط….
“بلاش تفتحي السيرة دي احنا خلاص قفلناها…”
سحبت كيان نفسًا طويلًا تشجع نفسها على تلك الخطوة ثم قالت معتذرة….
“سامحيني ياقمر انا ظنيت فيكي ظن وحش… بس
انا مكنتش قربت منك اوي زي دلوقتي… انا لما عرفتك اكتر حبيتك وبقيتي عندي من غلاوة شهد
وحمزة…فبلاش تزعلي وسمحيني على الموقف البايخ ده انا كنت رخمه اوي وقتها….”
هزت قمر راسها قائلة بصفاء…
“حصل خير والله انا مش زعلانه…. انتي برضو
اختي الصغيرة…..”
ابتسمت كيان وهي تفتح ذراعيها لتعانقها فبدلتها
قمر العناق بمحبة وهي تربت على ظهرها بحنو فرفعت عيناها عند باب المطبخ لتراه يقف عنده
يتابع ما يحدث منذ البداية بابتسامة رغم نقاءها
حزينة جدًا……
هو ايضًا اشتاق لتؤامه،تعلم دون ان يعبر عن هذا
ولو بنظرة…تعلم فهي على دراية بان علاقته باخته تخطت الأخوة والصداقة بل هي شيءٍ اخر اكثر
عمقًا وصلابة ترابط امتن وأكبر من صلة الدم…
انهما كالحياة لبعضهما !…
“هنقضيها اعتذرات واحضان…فين الغدا انا
جعان….”
قالها حمزة وهو يمط شفتيه بملل…ففصل الفتاتان
العناق وقالت قمر وهي تمسح عيناها….
“هغرف الأكل خلاص…حضري السفرة ياكيان…”
اومات كيان براسها وهي تحضر الاطباق….
بعد لحظات قليلة تجمع ثلاثتهم على السفرة
ومقعد شهد فارغ والذي يجاور حمزة…
بدا حمزة في الاكل والجميع بصمت..وعندما اعجبه
مذاق الصنف الذي ياكله قال وهو شارد في الاكل…
“شهد بتحب الاكل دي اوي…. ابقوا شلولها منها…”
توقفا الفتاتان عن الأكل لبرهة وهم ينظروا اليه
فتوقف عن الاكل وهو ينظر اليهن وقد انتبه
للتو بما نطق به….لذا كان رده ابتسامة بسيطه
قائلا…..
“واضح اني مخدتش كفيتي في النوم…بقالنا
اسبوع بنام متاخر ونصحى بدري….”
جارته كيان في الحديث في سهوةٍ….
“بس كانت ليلتها حلوة…والقاعة جميلة…سليم
قرر يعمل الفرح فيها…”
اوما حمزة براسه وهو ياكل….
“ومالوا عرفيه اني هدفع معاه بالنص طالما ليلتنا
هتبقا سوا….”
قالت كيان بتردد….
“وهتجيب الفلوس منين ياحمزة….دا مبلغ برضو..”
لوى شفتيه بسخرية….
“البركة في ابوكي…..هيساعدني….”
نغزها قلبها بعد حديثه الذي يقطر مرارة…فانكمشت
تحني راسها وهي تتابع مضغ الطعام بصعوبة وكانها
تمضغ حصى….
لكم هو مؤلم ان تدعي العمى رغم انك بصيرًا؟!…
علقت كيان متعجبة….. “معقولة…”
اكد حمزة دون دخول في التفاصيل….
“معقولة اوي…..امال انتي كنتي عايزة خطيبك
يجبي عليا ولا إيه….”
رمشت كيان باهدابها
بحرج…
“مش قصدي بس….”
قاطعها حمزة بصرامة…..
“مفيش بس.. يوم مايجي يحجز هبقا معاه…وهدفع
زي زيه…..اتفقنا.. ”
هزت كيان كتفها بانصياع…. “زي ما تحب…..”
اوما حمزة براسه ناهضًا وهو يقول
بفتور…
“انا شبعت تسلم ايديكم….”
بعد ان غسل يداه اتجه الى الشرفة يشعل سجارته
وهو ينظر الى المارة بالاسفل وتتخلل رئتاه عبير
البحر المنعش البارد…..
مع عبير البحر ابتسم وعقله تنشط بذكرةٍ بعيدة
في طفولته مع الغالية رفيقة دربه في الأوجاع
فبل الأفراح…….
ضحكت بصخب عالٍ وهي تركض على الشاطئ
وهو خلفها وكانت حينها في عمر الثالثة عشر
وهو يكبرها بعامين فقط…..
(تعالي ياشهد بقولك والله ما اسيبك….)
صاح بها حمزة بغضب وهو يركض خلفها بسرعة قصوى……
ادارة وجهها لها واخرجت لسانها بعناد…لتجد نفسها
فجاه تتعرقل وتقع على وجهها…..
صرخة من كاحلها قائلة بوجع….
(آآآآي رجلي…رجلي…..)
انحنى حمزة بخوفًا جوارها يسالها بلهفة وهو يتفحص كاحلها…..
(مالها رجلك…وريني…)
راها تنزف دم ويبدو انها داست على شيءٍ حاد…
جففه لها بمنديلا ورقي على عجله قائلا…
(خلينا نروح نعالج رجلك في البيت….هي تعويره
بسيطه عايزة مطهر وشاش تتلف بيه…..تقدري تدوسي عليها؟..)
اومات براسها وهي تتحمل لكنها صرخة عندما حاولت وضعها على الرمال الباردة…..
أولاها حمزة ظهره قائلا باستياء…
“أمري لله اطلعي ياسنجابه ياصغيرة خلينا نوصل
البيت قبل مالدنيا تليل…..”
ضحكت شهد وهي تقفز على ظهره برشاقة لتعناق
عنقه من الخلف بكلتا يداها وساقيها على خصره
يدعمهما هو بيداه….
سار بها على الشاطئ وقد بدا المغيب يسدل
ستائره الذهبيه على سطح المياة في مشهد
رائع… قالت شهد بدلال…..
(حمزة غنيلي….)
زمجر حمزة بحنق شديد….
(كمان انتي خدتي عليا اوي يابت انتي….)
قرصته شهد من وجنته قائلة….
(غني بقا ياحمزة….بالله عليك…حاجة لمنير…)
صمت قليلا يبحث عن اغنية يحبا سماعها
معا لهذا المغني المفضل عند اخته…
يغني بصوتٍ خشن قليلا لكنه مرهف
الإحساس….
(ساعات احب حاجات مايحبهاش غيري…)
تابعت شهد مبتسمة….
(في الريحة والجاية… بغني مع طيري…)
تابع حمزة وهو يتابع السير وهي على
كاهله….
(طمني اطمن…. في القلب راح أسكن… وطول
هواكي معايا ادفى واطمن…..)
قالت شهد بتزمر…..
(الاغنية حلوة من الاول قولها من الأول….)
قال بغلاظة…..(انا بحب الحته دي بس….)
شدته من اذنه قائلة بتحكم…..
(اسمع الكلام بقا لحسان اعضك….تعالي نغني
سوا….)
اوما براسه بنفاذ صبر وبدأت اصواتهما تمتزج مع
كلمات الاغنية……
(ياما في زمانا قلوب راسماها أعمارنا زي النجوم حواديت على ضل شباكنا..دي مركبة فضة وفرحي لو قضى حبيبتي تبقى معايا من غيرها مش هرضى….)
سكتت شهد تبتلع ريقها فتابع بحمزة مستمرًا
بنفسًا طويل…..
(ساعات أتوه مرات ألقى القمر هدى يسقي النسيم شربات في ليل طويل عدى…لصعب راح ولا الحب
ده أحلى لو وقفت الساعات صوتي أكيد أعلى…)
هتفت شهد تغني معه بلهفة…..
(والحلم ويايا والذكرى جوايا من بين كتير حكايات حكايتنا دي حكاية…)
ضحكا سويا وهما يتابعا طريقهما على الشاطئ
يرددُ كلمات الاغنية من جديد بروح طفولية
متوهجة بالحياة بالحب بالأمل رغم كل شيءٍ
يتعرضا اليه من تعنيف وترهيب وقسوة…
“عملتلك شاي بدل القهوة…شاي بالقرنفل هيعجبك…”
قالتها قمر بهدوء والتي اقتحمت خلوته دون سابق
إنذار…..
اخذه حمزة منها قائلا
بفتور….”تسلم ايدك….”
وقفت قمر جواره تساله
باهتمام….
“انت كويس ياحمزة….”
نظر لبنيتاها قائلا….. “انتي شايفه إيه…..”
اشاحت بوجهها وهي تقول
بحرج…
“حاسه انك مش مبسوط…..”
أكد وهو يشيح وجهه للامام كذلك…..
“مش متعود ملقهاش في البيت….مش متعود تبعد
عني أصلا….شهد بنسبالي بنتي مش بس اختي….”
ترقرق الدمع في عينا قمر فابتسمت وهي تنظر
إليه….
“عارفه بس دي سنة الحياة وكان مسيرها
تجوز وتبعد….”
لكم يأسرها حبه لشقيقتاه وانتماؤه لهن…..
هز راسه وهو يقول بصوتٍ اجوف….
“عارف ربنا يسعدها….أكيد هتعود…بس كل حاجه
في وقتها بتبقى صعبه….”
ثم استرسل وهو ينظر إليها….
“صحيح بكرة باذن الله هنروح نشوف شقتنا…حضري
نفسك زي النهاردة كده هنبقا هناك….عايزك تشوفيها
قبل مالصنايعيه يشتغلوا فيها….”
هذا الفتور يقتلني…..يقلع الامل من الجدور….يالهي
أشفق علي رجاءا….هذا الفتور يقتلني….
اومات براسها منسحبة… “ان شاء الله….”
مسك يدها قبل ان تبتعد…
“راحه فين خليكي معايا شوية….خدي.. ”
راتجف قلبها بين اضلعها وهي تنظر للكوب الذي
يقدمه لها فـبتلقائية سألته..”إيه مش عجبك….”
اخبرها بابتسامة جذابة غامزًا….
“لا عجبني طبعا…بس اشربي معايا اهو نخمس
فيه سوا…..ولا انتي بتقرفي….”
هزت راسها بنفي وهي تاخذ منه الكوب على استحياء…. “لا عادي…..”
وقفا معا عند سور الشرفة يتبادلا اطراف الحديث
وهم يتشارك معًا نفس كوب الشاي……
……………………………………………………..
كيف للانسان ان يحيا في الجنة قبل الموت !…
ان يتلذذ في النعيم الأبدي دون حساب مسبق !…
أيهما اقرب للقلب نعيم أبدي ام لذة مؤقته ؟!…
لم تكن لذة مؤقته كل ماحدث بينهما أمس يؤكد انه
النعيم الأبدي ، الجنة التي رزقه الله بها في الدنيا
لكم هو رائع هذا الشعور الذي يتوغل للاعماقه الآن
مذيج دافئا حلو بألوان براقة ، انهُ امتلكها أصبحت
(سيدة الحُسن والجمال..)بين يداه دون حواجز
او قيود بين ذراعيه مسالمة مرحبة بالعاطفة
الجارفة التي اغرقها بها أمس…
وكانها كانت ترتوي بقدر ظمأها لتلك المشاعر الدافئه
والاحتواء منه…..
كانت خجولة ترتجف بين يداه عذراء في شدة حياؤها تئن بتعب من شدة اللذة والوجع…سالها
اكثر من مرة وهو يلهث مقبلا وجنتاها وصولا الى شفتيها الحمراوان المنفرجتان بالآهات…..
“تحبي ابعد……لو تعبتي خلاص….”
وقتها أخفت وجهها الأحمر في عنقه النافر بالعروق
والمتعرق كذلك وهي تئن برفضٍ….غير قادرة على قولها صريحة لكن تشبثها به كان دلالة صريحة بانها تستمتع أيضًا معه رغم الوجع……
حاول كثيرًا ان يكون اكثر تعقلا معها في تلك اللحظة لكن احيانا يذوب من شدة اللذة متنعما في اللحظة اكثر من المستطاع بجموح ، فتئن هي متوجعه فتجد المقابل قبلات حانية على حنايا وجهها وهمسات معتذرة تداعب اذنها…
حينها تبتسم محاولة ان تستجمع أكبر قدر من
تحملها وصبرها معه….حتى يرضا وتروي هي
ظمىء مشاعرها معه !…
وعندما إنتهى الأمر وقتها كانت انفاسه العالية المتحشرجة وتأوها الخافت هما العزف المأسور في تلك اللحظة….وقتها سحبها الى احضانه مقبل وجهها الأحمر بنهم معتذرًا و معترفًا بعشقه لها للمرة المائة…
فهو لم يتوقف عن قولها في لحظاتهما الخاصة ابدًا….وكانه كان يسيطر على خوفها ورجفتها العذراء بهذا الاعتراف الذي بمثابة معزوفة متناغمة مقتبسة من لحنًا جميل لن يشبه في جماله أحد…..
حينها ساعدها في الاغتسال وتبديل ملابسها بل وتناولا معًا وجبة العشاء كذلك ثم استلقى الاثنين على الفراش متعانقا متحدثا عن احداث حفل الزفاف وبعض الاقارب الذين حضروا الحفل… وترتيبات التي كانت قبل هذا اليوم حتى تسلل شعاع الشمس عبر ستائر الشرفة وقتها قد غطا في نومًا عميق بعد ليلة حافلة بالكثير من الأحداث والمشاعر المستجدة بينهما……
ركز عيناه العاشقة على وجهها الجميل الملائكي وهي ترتاح على الوسادة وشعرها الناعم جوارها منسدل بانسيابية ويداها تضعهما على بطنها اسفل الغطاء في نومه مهذبة راقية كانت في تلك اللحظة تحديدًا تشبه الأميرة النائمة التي تنتظر قبلة الامير حتى تستيقظ من غفوتها التي طالت عن حدها ، ونفذ صبره في انتظارها ؟!…
فهو منذ ساعة ونصف يجلس هكذا منتظر استيقاظها تارة يشرد في ليلة أمس ومشاعرهما الحميمية وقتها.. وتارة يتأمل سيدة الحُسن في نومتها العميقة فكم كانت جميلة شهيه في نومها وكانها لوحة أثرية خلقت لتأمل تفاصيلها وخطوطها العريقة الفنية……
مالى عاصم عليها يداعب وجنتها باصابعه بحنان…انكمشت ملامح شهد في نومها وابدت ازعاجها وهي تميل براسها للناحية الأخرى دون ان تحرك جسدها…..فابتسم عاصم بوسامة وهو يميل عليها طابع القبل على شفتيها واحده تلو الاخرى…
ظنها ستزمجر وتبعده حانقها….لكن كان ردها جميلًا شجعه على اخذ قبلة عميقة من بين شفتيها الشهية….
فقط عندما ابتسمت دون ان تفتح عينيها اغرقها
في قبلة عميقة مليئة بالمشاعر جياشة…..
عندما ابتعد عنها فتحت عيناها اليه وها هي شمسه تشرق أخيرًا تضوي بالكهرمان الناصع…قالت بهمسًا رقيق…
“صباح الخير…..”
طبع قبل على جبينها ثم ظهر كفها قائلا بحب…
“صباح الشهد….والورود والياسمين…..على احلى
عروسة في الدنيا…..”
تلك القصيدة تختلف عن كل ما سبق فنظرت عيناه صريحة تضوي بشيء جديد هل هي السعادة….
هي أيضًا سعيدة جدًا ولم تتوقع ان تلامس النجوم بيداها ويزورها الفرح والحب بعد كل تلك السنوات المؤلمة من حياتها….والتي قضتها بين الضرب والاهانة والكره الى العمل والاجتهاد والسعي خلف الحلم…..
لم تتوقع ان تعيش تلك المشاعر الدافئة في احضان رجلا تكن له حبًا تعجز عن التعبير عنه حتى بينها وبين نفسها وكانه احد المعضلات الصعبة التي كانت ترسب بها في الصغر لعدم استيعابها رغم ان الحل بسيط !….
والان أيضًا الامر بسيط في التعبير عن ما يعتمل صدرها من مشاعر تخص رجلا واحد اجتاح حياتها ومشاعرها في فترة قصيرة وأصبح يمثل لها شيءٍ كبير…..الأمر يحتاج فقط الى عفوية الحب وستنطلق الكلمات عابرة سجنها المشدد المظلم……
لكن هيهات عاجزة عن فعلها…وترى ان الوقت مزال مبكرًا على قولها…
لكن عاصم لم ينتظر كثيرًا بل كان اكثر كرما وروعة منها كعادته امطرها بالحب قولًا وفعلًا حتى ظنت
انه حلمًا جميل سيفارقها عندما تستيقظ في اليوم الثاني….
والان استيقظت صباحًا والحلم واقع ملموس ينام بجوارها الان يجتاح شفتيها بقبلة صباحية عميقة ملقي بعدها تحية الصباح المعتادة وعيناه تحتويها بقصائد غرامية…
لم يكن حلمًا ياشهد….انه الواقع…الواقع الأجمل على الإطلاق…..
ليت الواقع كله يمتثل في صباحًا غرامي مزدهر بالقبل همسات حانية من الغزل…
“روحتي فين ياست الحُسن….”
توردت وجنتيها وهي تنظر لعيناه الحبيبتان لقلبها فظلام عيناه ينير عتمة قلبها !…..
“ولا حاجة…..انت صاحي من امتى…..”
اخبرها وهو مزال يميل عليها واصابعه تداعب خصلاتها الناعمة…. “يعني من ساعة ونص كده….”
سالته بنبضات متسرعة…
“وليه مصحتنيش وقتها…..”
زم شفتاه وهو ينظر لعيناها….
“قولت يمكن تصحي لوحدك…بس فقدت الامل في ده فصحيتك….”
عضت على شفتيها السفلى قائلة بتورد…
“عشان بس نمنا متأخر….المفروض ان احنا هنسافر
النهاردة؟….”
أومأ براسه مؤكدًا…..
“كمان ساعتين….انا اتصلت بيهم تحت يطلعولنا الفطار زمانهم طالعين…..”
حرر شفتها السفلى من تحت اسنانها باصبع
الإبهام وهو يسالها بحنو… “انتي كويسة ولا لسه تعبانه….”
ازازد خجلها فقالت بتلعثم هاربة من محور
عيناه…..
“الحمدلله أحسن….تعرف اني جعانه اوي… ”
لمعة عينا عاصم ببريق أخذ وهو ينظر لشفتيها ومفاتنها من خلال هذا القميص الحريري….
“انا كمان جعان أوي….متاكدة انك كويسة… ”
اومات براسها بحياءٍ وهي تعلم أبعاد هذا
السؤال….فاقترب من شفتيها على بعد شعرة
سائلاً……”يعني ممكن ا……”
قطع اللحظة رنين جرس باب الجناح واتى صوت العامل من خلفه بعملية وتهذيب يعرف عن حالة وبوصول وجبة الإفطار الذي أمر بها عاصم…
ابتعد عاصم عنها متاففا وقال
بضيق..
“كان المفروض أأخر الفطار شوية….”
القى نظرة أخيرة عليها ثم ابتعد عنها على مضض…فنهضت شهد فورًا متجهة الى الحمام كي تغتسل وعلى محياها اجمل إبتسامة صباحية مشرقة……
………………………………
بعد ساعة تقريبًا جلست امام مقعد الزينة تضع اللمسات الاخيرة على وجهها الناضر دون اي إضافة ومع ذلك وضعت زينة بسيطه تليق بها كعروس ذاهبه خارج البلاد لقضاء شهر عسل مع زوجها….
كانت تتأنق بطاقم كلاسيكي انيق من ضمن الاشياء التي اتباعتها في اشياؤها كاي عروس….رفعت شعرها على شكل ذيل حصان يتناثر منه بعض الخصل قاصدة إخفاء سماعة اذنيها بقدر المستطاع….
قد اعتادت ان تخفي اعاقتها حتى امام نفسها في المرآة.. تعرف ان ثقتها مهزوزه في تلك النقطة تحديدًا لكن الاوجاع الناتجة خلف هذا الحادث
كانت اشد بشاعة من تحملها….
حانت منها نظرة على العلبة القطيفة المتواجدة جوارها…فمدت يدها لتاخذها وتفتحها من جديد..
طاقم من الالماس الحُر مصمم بريشة فنان به من الدقة والبراعة ما يجعل المرء يقف امامه مبهورًا متأملًا كل جزءًا به بتأني واعجاب…..
انه يشبه الطقم الذي سرقه والدها منها لكنه عدل في تصميمه قليلا مضيفًا بعض التفاصيل الرائعة التي اعطات لكل قطعة ماسية رونق اخر يختلف…..قدمه لها أمس حتى ترتديه على ثوب الزفاف الملكي وكان يلائمها بشدة لرقة التصميم والفخامة المتحدثة عنه..
تتذكر ان بعض المدعوات في الحفل انبهارا بطاقم وتصميم وبداوا يتسائلون عن المصمم المبدع الذي صممه لها…وعندما علموا انه(عاصم) بدأت تاوهات الدهشة والغيرة تتناثر من حولها مسببه صدع
مؤلم داخلها…..
لانه يفعل المستحيل حتى ينال رضاها ويسعدها بكل الطرق الممكنة وماذا تقدم هي له ؟!….في الحقيقة
لا شيء…عتمة قلبها شديدة السواد والظلم تخشى
ان تؤذيه في غمرة الانتقام…ويكن انتقامها أداة حادة تذبح بها نفسها قبله !…
انه لا يستحق انه شخصٍ رائع ويستحق كل ماهو
رائع…..
“اي حكايتك كل شوية تسافري بعيد…بتروحي
فين وانا هنا…..”
هذا كان صوته الحنون بسؤالاً عفوي يشع عتابا وغيرة فلو كان بيده لاخترق هذا الحاجز الصلب وعلم بكل شيءٍ تخفيه عنه بعناد……
ابتسمت وهي تنظر اليه عبر المرآة فقد تأنق بحلة انيق دون ربطة عنق حتى يكون أقل رسمية….
وسيمًا هو وسامة تخطف انفاسها بطوله الفارع وجسده الصلب الرجولي وملامحه الخشنة الجذابة لحيته السوداء الدالة على الشكيمة.. وشعره الاسود الناعم الذي يصففه للخلف بجاذبية مهلكة….
انه الوسامة المهلكة لاية أمرأه تقع عيناها عليه ماذا عن زوجة كل هذا ملكا لها وحدها ؟!….
توردت وجنتاها وهي تنهض من مكانها بكامل اناقتها
كذلك لتضع علبة المجوهرات في حقيبة السفر حتى
لا تنساها ثم اقتربت منه وكاي زوجة اصيلة حنونة
بدأت تهندم سترة الحلة عليه وعيناها مركزة على
عيناه……
“انتي حطى حاجة تفتح وشك….”
هزت راسها بنفي وظللت عيناها البراءة….فاضاف
بلؤم….
“عشان كده بيقوله الجواز بينور الوش….عشان تعرفي بس….”
زمت شفتيها وهي تسحب يدها بعيدًا
عنه… “مش متأكده اوي….”
أخبرها بشقاوة بعد ان اولته ظهرها….
“بكرة أأكدلك احنا قدمنا شهر عسل طويل…والايام بينا ياست الحُسن…..”
عقد حاجباه عندما رآها ترفع الهاتف على
اذنها فسألها… “بتعملي إيه….”
استدارت اليه قائلة بهدوء…
“بتصل بكيان عشان اقولهم يسبقونا على المطار….عايزه اسلم عليهم قبل مانسافر….”
“اصبري شوية نبقا نكلمهم واحنا نزلين…تعالي.. ”
اشار لها بان تتقدم منه بعد ان جلس على حافة
الفراش….ففعلت وجلست بجواره….فرفع عاصم
الورقة امام مرأى عيناها….
سالته وهي تاخذها منه…. “اي ده……”
اخذ نفسًا عميق ثم اخبرها بجدية شديدة…
“دا مهرك ياشـهـد…..الشقة بتاعتنا كتبتها بأسمك…..”
قطبة جبينها وهي تنزل الورقة الى حجرها
ناظرة إليه باستنكار….
“وليه عملت كده…وبعدين انت دفعت مهري لبابا…
وكان مبلغ كبير و…..”
قاطعها عاصم قائلا بحزم….
“اللي ادفع لابوكي حاجة ومهرك اللي بتاخديه ده حاجة تانيه….”
خفق قلبها بوجع فقالت بوهن….
“بس ده كتير ياعاصم…… كتير اوي…..”
مسك يدها وقبض عليها بكفه بتملك قائلا
بصدق العالم….
“مفيش حاجه كتيرة عليكي ياشهد انتي مراتي…”
رفعت عيناها الحزينة إليه مستفسرة
بحيرة…..
“ليه اختارت الشقة بتاعتنا تكون مهري….”
نظر لعيناها قليلا ثم اجاب بصيغة
العاشق….
“عشان ده اللي انتي محتجاه شقة باسمك…تبقا بتاعتك و لو حصل اي خلاف بينا لا قدر الله مضطرتيش تسيبي البيت وتفضلي فيه وانا
اللي أخرج…..”
انها في قصة خيالية فان كان هذا ليس حلما فانه خيالا فمن سيحبها بهذا القدر ويقدم لها كل هذا
إلا اذا كان خيالًا !…..
اتكأت على يده التي تمسك يدها بتملك محاولة التأكد انهُ ليس حلمًا….فترقرق الدمع في عيناها
عندما تاكدت بانه حقيقة ملموسة واقع تحياه
الآن فازداد الصدع داخلها وجعًا…..
هذا كثير….والله كثير……
قطع صراعها الداخلي صوت عاصم الحاني
وهو يعطيها القلم….
“امضي ياشهد عشان الاورق دي تروح للمحامي ويسجلها رسمي في شهر العقاري……”
رفضت وهي تنظر للقلم ثم لعيناه
المنتظرة…
“مش هقدر اقبل حاجة زي دي….مش هينفع…”
انكمشت ملامح عاصم بعدم رضا….
“بس دا مهرك حقك عليا…ولازم تاخديه….”
رفضت شهد بكبرياء والدموع تتجع في مقلتاها
تحرقها كقلبها الان…..
“مش عايزة انا مسامحه فيه…أرجوك بلاش نبدأها كده…..انا قبلت اخد طقم الالماظ إمبارح عشان متضايقش في يوم زي ده…..بس صدقني الحاجات
دي كلها مش في دماغي ولا بسعى اخدها عن طريقك….”
عقب على جملتها مستهجنًا…
“لو ماخدتهاش عن طريقي انا هتاخديها عن
طريق مين ؟!….. ”
هزت راسها متنهدة بأسى….
“انت مش فاهمني ياعاصم انـ…..”
قاطعها وهو يجيبها بمنتهى الثبات وعيناه كانت
مهيمنة على عسليتاها الغارقة في الدموع…
“فاهمك…اطمني انتي مش بتفرضي نفسك عليا ولا دي حاجات فوق طاقتي…الطقم هدية فرحنا.. والشقة مهرك اللي من حقك تاخديه مني وكل ده في استطاعتي اعمله وفي النهاية انتي مراتي وبقيتي مسئوله مني فملهاش لازمه خالص الحساسية الزيادة دي….”
رمشت باهدابها المبللة بدموع وقد ماتت الكلمات
على شفتيها بعد حديثه….
مد عاصم يده ومسح دموعها بيده ثم قبل وجنتها
قائلاً بترفق…..
“ليه الدموع دي ياست الحُسن….دا كل اللي بعمله عشان اشوف ضحكتك الحلوة مش دموعك….”
نظرت اليه وعقلها يصرخ
بجنون….
(انت ازاي كده….إزاي….)
قرص وجنتها بخفة وهو يحتوي كتفيها بكلتا
يداه قائلا بصبرٍ…..
“يا حبيبتي يانور عيني دا حقك… وانا بدهولك وانا في كامل قوايه العقلية…. فبلاش تأزميها وامضي على الورق خلينا نلاحق الطيارة وتلحقي تسلمي
على اخواتك في المطار…”
مسكت القلم ومضت على الورق وهي تجفف دموعها
وبعد ان انتهت اخذ منها الورق مقبلا جبينها بحنان اذاب مفاصلها من جمال مشاعره ونقاءها.. ابتعد عنها قليلا ناظرًا لعسليتاها للحظات…ثم نهضا معًا فاخبرها وهو يحتوي خصرها بذراعه….
“يلا بينا عشان نلحق الطيارة….”
اومات براسها برقة ثم أتجها معًا للخارج تاركين الحقائب يأتوا خلفهما مع المخصصين لهذا العمل
في الفندق….
بعد ان جلسا معا في المقعد الخلفي بقلب السيارة التي ستوصلهما للمطار…..انزلت شهد الهاتف قائلة وهي تنظر إليه….
“بيقولوا انهم مستنينا في المطار…..”
“كلها عشر دقايق ونوصل…..”قالها عاصم وهو يسحبها لاحضانه لترتاح براسها على صدره وذراعه تلفها باحتواء هامسا بتوله…
” ازاي بتوحشيني وانتي جمبي كده…اي سرك؟…”
ردت ردها المعتاد مبتسمة وهي تضع يدها على صدره النابض بقوة في قربها….
“لو عرفته مش هيبقا سر….”
ظلا متعانقا طوال تلك الرحلة القصيرة مستمتعين برعونة مشاعرهما والحب الذي يضوي في اعينهما..
…………………………………………………………..
كانت تسير في قلب المطار وجوارها عاصم الذي يدفع عربة الحقائب للأمام وهما يبحثا باعينهما
عن شقيقيها…
وعندما ابصرتهما شهد من بعيد اشارت اليه فأخبرها عاصم وهو يتقدم لأحد الزوايا عند سير الحقائب لفحصها….
“روحي طيب سلمي عليهم وانا هحط الشنط
وهاجي وراكي…لسه قدامنا وقت…..”
اومات براسها مبتسمة وهي تتقدم منهما بخطوت سريعة متلهفة وكانها غابت عنهما لسنوات وليس ليوم واحد !..
أول واحده تقدمت منها كانت كيان التي القت نفسها في احضانها وهي تئن بشوقًا….
“شهد وحشتيني…..”
“وكانها غايبه بقالها سنة بطلي أفورة يأوفر…”قالها حمزة بجمود وهو ينظر اليهن محاولا إلا يتأثر ببكاء كيان….
زمت كيان شفتيها وهي في أحضان أختها….
“على اساس انك مش متأثر يعني…بيقاوح كالعادة….”
خرجت من احضان شهد قائلة بتبرم…
“النهاردة على الغدا واحنا بناكل كنا عملين سمك
صياديه ورز تعرفي قال إيه…شيلوا لشهد منه دي
بتحب الاكلة دي أوي…..”
تافف حمزة بوجوم وهو ينظر لها…
“اه بدانا بقا وصلت الأخبار….اي حاجة هتحصل هتجري تقوليها مش كده….”
أكدت كيان بنظرة شرسة….
“طبعا انت مفكر انها عشان اتجوزت مش هتعرف حاجة عننا دا انا هبلغها بكل جديد…..”
امتقع وجه حمزة بسأم.. “ماشي يافتانة……”
ثم نظر الى شهد قائلا بابتسامة واسعة
مشاكسة…
“المهم العروسه عامله إيه عيني عليكي باردة
بدر منور….”
تدخلت قمر قائلة بقنوط….
“قول بسم الله ماشاء….هتحسدها….”ثم ابتسمت لشهد بمحبة قائلة….
” عاملة إيه ياشهد وحشتيني اكتر منهم كلهم…. ”
بادلتها شهد البسمة بصفاء…
“انتي كمان ياقمر… عقبالك…..”
سألتها كيام باهتمام…. “هتغيبي كتير ياشهد….”
قالت بوجنتي متوردة…. “عاصم بيقول شهر……”
امتقع وجه حمزة متبرمًا….
“شوية المفروض شهرين تلاته عشان توحشينا حتى..”
ضاقت عسليتاها وهي تنظر اليه
بتشكيك…
“مانا وحشاك من أول يوم يابكاش…”
اتى عليهم عاصم قائلا
بحبور…..
“ازيكم ياجماعة…..”
رحب به حمزة بحفاوة وهو يمد يده
مصافحًا… “مبروك ياعريس….”
بادله عاصم المصافحة بتودد….
“الله يبارك فيك ياحمزة عقبالك…عقبالكم كلكم
مش فرحكم سوا…..”
اكتفى الفتيات بالتبسم ورد حمزة مؤكدًا
بفتور…. “آه…. ان شاء الله…..”ثم اضاف بنحنحة
خشنة…..”عاصم ثواني عايزك….”
اوما عاصم براسه وتنحى جانبا هو وحمزة وظل الفتيات مكانهن يتحدثون…..
نظر حمزة الى عاصم قليلا ثم وصاه
بحنان أخوي…
“عايزك تاخد بالك من شهد…..حطها في عينك…..”
وضع عاصم يده على كتف حمزة قائلا
بتفهم….
“بلاش الرسميات دي ياحمزة…شهد مراتي وهي كل حاجة ليا دلوقتي…وكل اللي هقدر اطمنك بيه اني هراعي ربنا فيها…. أختك في عنيا أطمن…..”
ابتسم حمزة قائلا بلين….
“دا العشم ياعاصم….وده اللي مستنيه منك….شهد جدعة وبنت حلال ومش هتلاقي اطيب من قلبها… ”
شرد عاصم قليلا وهو ينظر اليها وهي على بعد
خطواتٍ منه مندمجة بعيدًا عنه وابتسامتها
السعيدة تزين وجهها المتورد….
“عارف ودا اللي خلاني أحبها شوفت في عنيها حاجة مقدرتش اشوفها في عين اي واحده قبلتها…عشان كده اتشديتلها من أول يوم
وتقدمتلها علطول…. ”
تنهد حمزة بارتياح بعد هذا الحديث المرهف وتلك
النظرة المعبرة عن الكثير والذي يفهم معناها جيدًا
كرجلا مثله وقع في الحب سابقًا…
“ربنا يسعدكم…..ويعوضكم ببعض…..”
“عقبالك يابو نسب……”ربت على كتفه ثم
ابتعد عنه متقدم من شهد قائلا بهدوء….
“مش يلا بينا بقا ياشهد كده هنتأخر على الطيارة…”
اومات شهد براسها مبتعدة عن احضان قمر وهي تجفف دموعها….
فزم عاصم شفتيه بقنوط مؤنبًا…
“والله ماخطفك هرجعك ليهم تاني.. اطمني….”
ضحكت وهي تمسح دموعها بالمنديل… فحانت منها نظرة على اخيها قبل ان ترحل وبعد ان ودعت شقيقتها وابنة عمتها…..
وقفت أمام هذا الشقي الذي يدعي اللامبالة ببراعة
وحتى الان لم يقترب منها او يعانقها وكانه لم يشتاق
لها ؟!…..
نظرت لعيناه وعاصم خلفها ينتظرها…فقالت لاخيها بعينين تلمع بدموع…..
“هتوحشني ياميزو…..”
ابتسم حمزة بغلاظة….
“انتي بقا مش هتوحشيني خالص…..”
لكزته في صدره… ” ياغلس….. “ثم القت نفسها في احضانه….فبادلها حمزة العناق بقوة معبرًا عن مدى افتقاده لها بعد يومًا واحد من زواجها…..
قبل قمة راسها قائلا بمداعبة اخوية….
“كبرتي ياسنجابة…. واتجوزتي وبعدتي عني…”
قالت بقنوط وهي بين احضانه تأبى
الإبتعاد…
“مانت كمان بكرة تجوز وتنساني…..”
ابعدها عنه وهو يقرصها من انفها…
“مقدرش في حد ينسى توأمه انتي توأمي ياشوشه..”
قالت بلوعة وهي تنظر اليهم….
“هتوحشوني اوي…ابقوا اتصلوا بيا بلاش ندالة…”
اكتفى حمزة بايماءة بسيطة وهو يوصيها
بمحبة….
“انبسطي ياحبيبتي….على قد ماتقدري افرحي وعوضي اللي فاتك..وخدي بالك من جوزك
واسمعي الكلام ….”
هزت راسها بخجلا وهي تلوح لهما بيدها
مبتعدة…..
فصاحت كيان من خلفها بلهفة….
“هكلمك على النت اول ماتوصلي…..”
ابتعدت شهد عنهما برفقة عاصم الذي أحاط كتفها بذراعه متجهين الى الطائرة التي على وشك الاقلاع….
…………………………………………..
اغمضت عيناها بقوة وهي جالسة على المقعد بجواره
بقلب الطائرة التي بدأت بالاقلاع وعند تحركها شعرت بان جسدها يرتفع معها رغم ثبوتها في مقعدها….
مسك عاصم يدها يطمئنها دون كلاما…ففتحت
عيناها ونظرت لعيناه قائلة بحرج….
“أول مرة أركب طيارة….”
“خايفه…”سالها وهو يستشف الاجابة منها فقالت بوجهٍ شاحب قليلا….”شوية….وانت….”
رد بهدوء وهو يأسر عيناها…..
“انا متعود سفرت اكتر من مرة بيها عشان الشغل.. ”
عند صمتها استرسل بحنو…..
“غمضي عينك ونسي كل حاجة…وافتكري بس
ان احنا كمان كام ساعة هنبقا مع بعض…بعيد
عن الناس كلها….”
ابتسمت فطبع قبلة على وجنتها
قائلا بشغف… “بحبك ياشـهـد…….”
اغمضت عيناها وهي ترتاح على كتفه بنعومة
متنهدة بارتياح….
بعد ساعات كانا يجلسا معًا في المقعد الخلفي في
سيارة أجرة تتولى وصولهما الى حيثُ المنزل الذي
استأجرة عاصم لقضاء شهر العسل به….
كانت بلد اوربية رائعة تتميز بالجبال الشامخة التي
تكسوها خضرة الطبيعة الرائعة…..ظلت تتأمل المدينة
من خلال نافذة السيارة بانبهار…..
تعرف تلك البلد جيدًا ودرست مطبخها العريق واكلاتها المميزة وكان من ضمن خطط الأحلام المستقبلية في فترة المراهقة ان تسافر اليها في زيارة سياحية….
وقد فعلت اليوم بعد ان تناست هذا الحلم المرفه
لطالما كان لديها احلامًا كثيرة وردية مرفهة الى
ان سقطة واحدة تلو الأخرى في كل سنة ومرحلة
صعبة وجادة تمر من عمرها….
حتى تمسكت بحلمًا واحد كان اكثرهم واقعية ونسبة
نجاحه مضمونة لكن في لحظة ثقة خذلها وهوى من بين يداها على أرض الواقع الصلبة القاسية منكسرًا..
فمن غباؤها نست بانه يظل حلمًا يلوح في الافاق !….
توقفت السيارة وترجلا منها معًا…مسكت بيد عاصم
وهي تطلع الى هذا المكان الخرافي…وكانه مقتبسًا
من حكاية خيالية تروى قبل النوم….
للوهلة الأول وهم بسيارة ظنت انهما سيذهبا الى فندق او الى شقة في قلب المدينة لم تتوقع أبدًا
ان تاتي الى هنا….
في كوخ خشبي عصري الشكل ورغم البساطه الظاهره به يبدو عليه الفخامة ….
كان موقع الكوخ في أرضٍ ساحرة حيثُ الريف الأوربيّ الرائع… والطبيعة الخلابة بحيرة بعيدة
نسيبًا متوسطة الحجم اعلاها شلال صغير
تخرج من بين ثناياه المياة باللون الزمرد البراق
ينساب جاريا صادرًا صوت خرير المياة المنعش كسبائك فضية عند الهبوط تتجمع في تلك البحيرة العذبة بلونها الزمردي المميز…..
يحيط هذا المكان الرائع الجبال ولاشجار العالية الخضراء والحشائش التي تغطي الأرض وكذلك الشلال الصغير وكانها قطعًا من الجنة….
“سبحان الله…..ولا حول ولا قوة إلا بالله….”
قالتها شهد بتلقائية وهي تتأمل المكان بعينين
مبهورتين…..سعيدتين……
إبتسم عاصم بظفر عندما راى سعادتها تطل من عيناها فقال وهو يحيط كتفها متأملا روعة المكان الواقفين فيه والخاص جدًا كما أمر مؤجره….
“اي رأيك عجبك المكان…..”
قالت بعفوية قريبة من القلب
“مينفعش تسأل السؤال ده المكان يجنن…معقول
هنقضي هنا شهر…. ”
غمز لها قائلا بنشوة…..
“لو تحبي نفضل هنا العمر كله.. انا معنديش اعتراض…..”
ضحكت بحرج وهي تتأمل المكان بعينين
عاشقة لكل ماينتمي للطبيعة…
“مش لدرجادي بس بجد المكان حلو اوي…تفتكر
هزهق منه….حتى لو قعدت فيه العمر كله…”
“تعالي نشوف الكوخ من جوه…هيعجبك أوي…”
دلفا معًا يدٍ بيد الى داخل الكوخ الذي لا يقل روعة
عن موقعه المميز كان رائع وعصري مصمم ومنسق
بريشة فنان…. كل شيء موجود لا ينقصه شيء
إلا عاشقان يقضيان به وقتا خاص ومميز بعيدًا
عن البشر والزحام….
وكم هي بحاجة لهذا معه جدًا…
احتوى عاصم خصرها عندما وصلا لغرفة النوم
والتي بدور العلوي وتطل نافذتها على هذا المنظر
الساحري حيثُ البحيرة والشلال الزمردي
وطبيعة الخلابة…..
ابتسمت شهد وهي تنظر لعيناه بظفرٍ
جميلا….
“مش مصدقة انك عملت ده كل عشاني…”
صحح المعلومة وهو يقربها منه أكثر….
“عشانا.. عشان نبقا مع بعض…ومتعرفيش
تهربي مني ابدًا….”
سالته ببراءة….. “امتى هربت منك….”
اخبرها وهو يداعب انفها بانفه بعد ان التصقت
بجسده…..
“من يوم ماعرفتك وانتي بتهربي….بس خلاص
فات وقت الهروب…..”
تسارع نبض قلبها وهي تنظر اليه بضعف متأثره بهذا القرب الحميمي وحديثه المتملك…فتابع بجرأة..
“الجاي كله بتاعي ياست الحُسن….وكله اللي عملتيه
هيطلع عليكي من دلوقتي….”
حملها على ذراعيه فجأه فشهقة بخجلا وهي
تخبره بتمنع ..
“عاصم احنا لسه راجعين من سفر…..انا لسه متفرجتش على الكوخ كويس….”
لم يعقب على حديثها بل وضعها على الفراش وانضم إليها ثم مالى عليها يسحب السماعة من اذنها برفق ثم نزع السترة عنها وبدا يعبث في ازرار بلوزتها فقالت شهد بوجنتين متوردتين…
“عـ…..عـاصـم….”
“هشش ساعديني بسوكات…..”
امرها بانفاسٍ متحشرجة وعيناه على شفتيها الشهية بينما اصابعه تشير على ازرار قميصه المغلق..فمدت شهد يدها بخجلا تساعده في التخلص منه كم أمرها….
وعند تلك النقطة لم يقاوم اكثر فمالى عليها يأخذ شفتيها في قبلة عميقة مشتعلة بالمشاعر المتقدة
بينهما……
فلفتهما عاصفة الحميمية وسلما الحصون للهوى
مستمتعين بهذا الاجتياح العاطفي الناتج عنه لذة
ليس لها مثيل…..
……………………………………………………….
زمت شفتيها بحنق وهي تحاول ربط الصمولة الحديديّة بالمفك لكن دون جدوى…
آتى عليها البواب واضعًا صندوق العدة قائلا…
“العدة اهي ياستاذة كيان فيها كل المفاتيح اللي هتحتاجيها…تحبي اساعد سيادتك… ”
رفضت كيان وعيناها مركزة على ما تفعله…
“لا.. لا خليك ياعم عوض كتر خيرك انا متعوده
على كده…..”
زم الرجل شفتاه معقبًا باستهجان وهو يراها منحنية قليلاً في جلستها على المقعد تحاول إصلاح جزءا
معين في دراجتها الهوائية…
“انا من رايي تبيعي العجلة دي يا أستاذة…وتجبليك
موتسيكل اشيك…..”
رمقته كيان بعدائية مجيبة….
“بلاش تفتح السيرة دي تاني عشان منخسرش بعض ياعم عوض…”
تراجع عوض عن حديثه موضحًا بتململ..
“انا مش قصدي حاجة والله انا بس شايفك شقيانه
وتعبانه بيها وكل شوية تصليح وهات العدة ياعوض وودي العدة ياعوض…وخد بالك من عزيزة ياعوض
يعني كده كتير والله يا أستاذة امال لو كانت موديل
السنة كنتي عملتي إيه….”
رفعت كيان حاجبها واشارت له باصبع التحذير…
“فرمل مكانك انت زودتها أوي….الا عزيزة…مالها
مش عجباك بصلها كويس شايف إيه…”
رد الرجلا ببلادة…… “عجلة….”
برقة بعيناها تشير على الدراجة مجددًا
مُصرة….. “لا…. بص كويس…..”
أكد الرجل جافلًا وهو ينظر الى الدراجة
بقوة… “والله العظيم عجلة يا أستاذة…..”
مطت كيان شفتيها بتبرمًا قائلة…
” غلط دي مرسيدس أحدث موديل تعرف ليه انا شيفاها مرسيدس ياعم عوض….”
نظر لها الرجل بارتياع كمن ينظر الى مختلة
عقليًا….. “ليه….”
اضافت كيان بابتسامة واسعة وهي تنظر الى
دراجتها الحبيبة بفخر….
“عشان انا ببص على الجوهر الداخلي… وعزيزة اللي مش عجباك دي تلف العالم في نص ساعة…”
عقب الرجل ببلادة وهو ينظر اليها…
“ماشاءالله يأستاذة.. دي على كده اسرع من الكوتكوت.. ”
رددت كيان الكلمة باستفهام..
“كوتكوت ؟!….دا نزل امتى دا كمان…..”
إتساعت حدقتا عوض متفاجئا وهو ينظر
خلفها….قائلا بحفاوة….
“اهاه الأستاذ سليم وصل…أهلا ياستاذنا….”
صف سليم سيارته الفارهة امامهما وترجل منها
بكامل اناقته المعتادة بحلة رسمية أنيقة مصفف شعره الغزير للخلف..يظلل عيناه بنظارة سوداء
فخمة…واخيرا يضع عطره الرائع القوي الذي زكم
انفها فور اقتربه منهما مردد التحية للبواب امرًا…
“ازيك ياعوض….. طلع الشنطة دي فوق وافتح
المكتب…..”
“من عنيا يا أستاذنا… “اخذ منه عوض حقيبة العمل وهرول الى الداخل….
بينما نظر سليم لعيناها الفيروزية قائلا بتحية
صباحية فاترة…..
“صباح الخير…اي اللي موقفك كده.. مطلعتيش ليه…
عندنا اجتماع مهم النهاردة….”
“صباح النور الأول…..”قالتها كيان بابتسامة
صافية ثم اشارة على الدرجة…..
“عزيزة تقيلة حبتين في المشي…فكنت بربط الصوميل….وبشحمها… ”
رمق سليم ما تقوم به بعدم رضا….فقالت
هي بهدوء….
“اطلع انت وانا خمس دقايق وهاجي وراك…. ”
امتقع وجه سليم معترضًا بقنوط….
“مينفعش ياكيان سبيها ونبقا نوديها عند اي حد
يصلحها…”
رفضت بتعنت كالعادة….
“لا طبعًا هي فاضل فيها حاجات بسيطه وهخلصها اطلع انت…..”
عندما ابتعدت عنه جلست مكانها على المقعد الخشبي وامامها الدراجة تقف أرضا منقلبة على رأسها..
عند مراقبته لها بدأت له وكانها تعافر لربط الصمولة الحديدية بالمفك الصلب بيداها الصغيرة….
نظر سليم للسماء بنفاذ صبر ثم تنهد بضيق
وهو يتجه إليها…..قائلا بغلاظة…
“اي رأيك تبيعي عزيزة بتاعتك دي…واجبلك
عربية هدية مكانها….”
اشرف عليها بطوله الفارع واقفا جوارها مما جعلها ترفع عيناها الى مستوى عيناه الحانقة منها…لتقول
بعدها بالامبالاة….
“والله دي هدية محدش يرفضها…بس انا ليه ابيع
عزيزة…”
أوغر صدره بالغيظ فقال بهيجان مكتوم….
“عشان اخلص من الفرشة اللي انتي فرشاهالي كل
يومين تحت المكتب…ماهو ده مش منظر محامية
مثقفة ودماغها توزن بلد…لا وبتشتغل معايا في المكتب كمان….”
رفعت كيان راسها بكبرياء…
“اي اللي يقلل مني يامتر لما أصلح عجلتي بأيدي..”
رفعت يداها اليه بفخرٍ ليرى يداها المتسخة
بالشحم الأسود اثار التصليح لذا لوى شفتيه
ممعتضًا مشيح بعيناه عنها ففعلت المثل وهي
تغلق كفيها بضجر….
خلع سليم السترة عنه بحنق شديد ووضعها في نافذة السيارة المفتوحة ثم عكف كم ساعديه
قائلا…
“فاضل ايه في تصلحيها يافيلسوفه هانم..”
ردت باقتضاب… “الصمولة بس وزيت الجنزير….”
نظر للسماء بجزع…..”الصبر…..”ثم اقترب منها
واخذ المفك من بين يدها وقام هو باكمال تلك
المهمة بسهولة….
نظرت له كيان بطرف عيناها….
“انت مضايق اوي كدا ليه….اي اللي حصل لده كله..”
اخبرها بوجه محتقن بالغضب وهو يتابع التصليح دون توقف…
“ولا حاجة… ولا اي حاجة عندنا اجتماع بس مهم وفي اي لحظة ممكن يوصلوا الوكلا وانا وانتي سايبين المكتب وبنزيت جنزير عزيزة تحت المكتب…..هو في حاجة هتحصل اكتر من كدة…”
زفرت كيان منزعجة….
“على فكرة بقا انا قولتلك اطلع وانا جايه وراك…”
زأر كالاسد وهو ينظر لعيناها بسطوة خطرة…..
“واسيبك في الشارع بالمنظر ده تبقي فرجه للرايح والجاي…ااه منك ياكيان….اااه…..”
قالت كيان بتململا…
“يووو بقا اللي حصل..كنت هزيت الجنزير واطلع علطول..”
رمقها سليم بطرف عيناه بسخط وهو يمسح جبينه بظهر يده مزيح قطرة العرق التي تجمعة فوقة…..
فلتة ضحكة من بين شفتي كيان كتمتها سريعًا بعد
ان نظر لها سليم بقوة مستفسرًا….
“بتضحكي على إيه….”
بللت شفتيها وهي تشير على
جبهته بتردد… “وشك عليه شحم….”
عض على شفتيه بغضب وهو ينظر اليها شزرًا….فازدردت كيان ريقها بخوف….
“عادي بيطلع بالمايه والصابون مالك…ما انا ايدي
زيك…وبعدين انت اللي عرضت المساعدة…مترجعش
تبص وتكلم….”
سالها سليم بتجهم….
“انتي ليه متمسكة بالعجل دي اوي كده….”
لمعة عيناها فجأة وهي تخبره بظفر…
“دي اول حاجة اشترتها من مرتبي….فعشان كده
غالية عليا بينا ذكريات حلوة….اصلي من النوع اللي بيقدس وبيحترم كل حاجه حلوه في حياته…حتى
لو كانت عجلة….”
أشاح سليم بوجهه عنها قائلا بفظاظة…
“سامحيني حاولت اتأثر بس مش عارف….لسه عند وعدي بعيها واجبلك مكانها عربية هدية مني ليكي…”
انكمشت ملامحها بضجر…
“طول مانت بتحسبها كده…عمرك ما هتحب
عزيزة….”
اجابها سليم بوجوم…
“كفاية انتي بتحبيها ومطلعه عيني معاكي
عشانها….”
“اي دا بقا…مش وقته خالص… “اتى صوت كيان مصعوقًا خارج حدود النص….
مما جعله ينظر اليها بعدم فهم….
“في إيه…..”سالها سليم وهو ينظر الى السيارة الفارهة التي وقفت امام باب البنية وقد ترجل
منها الوكلاء المهمين الذين اتخذوا معاد منذ أيام قليلة للحضور واقامة اجتماع مهم معهم يحدد
مسار القضية الكبيرة التي يترافع عنها….
جز سليم على اسنانه وهو ينظر لها بغضب من مظهره الآن فكانت يداه ملطخة بالشحم وكذلك جبهته وجالسًا امام دراجة هوائية مقلوبة وبيده مفكا
حديدي….مظهرٍ لا يوحي أبدًا بانه (سليم الجندي.)
رجل القانون والمحامي المعروف في مجالة والذي
لديه وكلاء اثرياء من كافة المجالات المهمة ولا
يثقوا إلا به….
هذا الموقف الآن كارثي بكل المقاييس وكل هذا
من خلف راسها هي وتلك الدرجة العجيبة…سحبها سليم سريعًا وفي لحظة خاطفة خلف سيارته حتى
لا يراهما رجال الأعمال بهذا الشكل المخزي…فيكملا طريقهما الى المكتب للأعلى وهما يلحقا بهما دون ان يتعرضا لموقف سخيف يقلل من شأنهما…
قالت كيان بضيق وهي تخفي رأسها خلف
السيارة….
“اي اللي بتعمله ده….يقول علينا إيه…عيال…”
زمجر سليم من بين اسنانه دون النظر
إليها….
“احسن ما يقوله متسولين…اسكتي لحد ما
يطلعوا….”
قالت كيان باستخفاف….
“انا مش عارفه انت مكبر الموضوع ليه..مفهاش
حاجة تحرج على فكره…..اكيد لم عربيتهم بتعطل
في نص الطريق بيضطره يصلحوها…. ”
اخبرها بتشنج مكتوم…
“بس دي مش عربية دي عجلة….”
رفعت حاجباها باستنكار…..
“ومالك بتقولها بقرف كده ليه ما تشبهش يعني
عربيتكم….”
أكد ببرود… “لا والله… ماتشبهش…..”
قالت بتحذلق وانفها يعلو في السماء….
“دا عشان مش بتبص للجوهر الداخلي…”
“إتنيلي ووطي صوتك….”تافف سليم وهو يتأكد من دخولهما الى البنية المنشودة…..
بينما قالت كيان بترفع…..
“لا عندك مش دي الطريقه خالص اللي تسكتني
بيها….”
نظر لها سليم ثم أبتسم بعصبية
قائلا…
“ممكن تسكتي يانسة كيان….”
اومات براسها بغرور…. “اذا كان كده ماشي…”
فخرجا معًا من خلف السيارة متجهين الى الداخل
بمظهرٍ مزري….
“استاذ سليم…..”
توقف سليم مكانه وهو يعلم صاحب الصوت جيدًا
انه السكرتير الخاص لأحد الوكلاء الذين سبقوهما
للأعلى….
يجب ان يستدير فلن يقلل من نفسه مرتين
يكفي هذا….
ادار وجهه الى الرجل مدعي الدهشة وهو
يبتسم بترحيب….
“اهلا ازي حضرتك يافريد بيه….”
لم يمد الرجل يده بعد ان راى يد سليم الملطخة
بالشحم ومظهره الغير مهندم اطلاقًا وهذه أول
مرة يراهُ هكذا…
“هو حضرتك مش في المكتب ليه دا البهوات
لسه طالعين لحضرتك…”
ابتسم سليم بحرج معتذرًا….
“اه اصلي لسه جاي والعربية كانت عطلانه فكنت
بشوفها….”
اوما الرجل براسه بتفهم وبدأت بوادر الارتياح
تظهر على محياه…..
“اه…..تمام طب يلا بينا….لان انت عارف وقت البهوات ضيق وعندهم اجتماع في الشركة كمان ساعة..”
اخبره سليم بنفس الإبتسامة الدبلوماسية…
“تمام اتفضل هجيب چاكت البدلة واطالع وراك… ”
عندما ابتعد الرجل عنهما أخبرها سليم
بجدية…..
“اعملي حسابك الاجتماع ده انتي هتحضريه معايا وهتقدمي المُذكرة اللي بقالك اكتر من شهر بتكتبيها…وهتشرحي كل حاجة فوق بتفاصيل… ”
خفق قلب كيان بتخوف…
“ما بلاش المرادي ياسليم….انا مش جاهزة….”
نظر لها بجدية وهم يستقلا المصعد معًا..
“دي فرصتك…أمال الشهادة اللي خدتيها لزمتها
إيه….وشغلك معايا أكتر من سنة بحالها فين ثمارة
يااستاذة…”
صمتت بتردد وهي تنظر الى الأرقام المضيئة امامها…فوجدته يمسك كفها بين يده قائلا
بنظرة ونبرة مشجعة….
“انا واثق فيكي ياكيان….وعارف انك قدها….”
……………..
تنوعها خطير وكانه يقف امام عدة شخصيات نسائية الشيء الوحيد الذي يجمع بينهن اسمٍ مشترك (كـيـان…)
احيانا يراها شابة جميلة رقيقة مفعمة بالحب والحياة شقية مرحة….واحيانا يراها في بعض الأوقات شابة شرسة حادة مزاجها متعكر طوال الوقت تمقت على جميع من حولها دون سبب مقنع….واحيانا ايضًا يراها طفلة بائسة مسكينة تحتاج بعد التدليل والعطف حتى ترضى….
ومن بين كل التناقضات اليوم يراها أمرأه قوية تقف
على ارضًا صلب وامام كبار رجال الأعمال تتحدث
ببلاغة وثقة جذبت الانظار اليها….
كان يراقبها من خلف مكتبه يسمع كل شيءٍ تقوم
بشرحة من ملابسات القضية وكيفية تقديم مرافعة
ودلائل قوية تخضع لها النيابة والقضاء……
بد الجميع مرتاح بعد هذا الاجتماع والنتائج المثمرة
من خلفه…..
فقال أحد رجال الأعمال معبرًا عن امتنانه لمجهودهما الجبار في تلك القضية الكبيرة…..
“انا مش عارف اشكرك ازاي يامتر…بس بعد الاجتماع ده انا بقيت ضامن اني هكسب القضية….خصوصًا ان الاستاذة عملت مجهود جبار عشان توصل لحلول قانونية مدهشة…”
ثم استرسل وهو يصافح كيان
بحرارة….
“حقيقي انا ممتن لحضرِتك…..”
بادلته كيان المصافحة بابتسامة عملية….
“انا معملتش غير شغلي ان شاء الله نتقابل في المحكمة ونسمع اخبار حلوة….”
اكد الرجل بحبور….. “باذن الله يأستاذة….”
اخبره سليم بتذكر…..
“بس بلاش تنسى الاوراق اللي اتفقنا عليها دي هتفيدنا اوي في المرفعة…..”
اوما الرجل وهو يشير الى السكرتير الخاص بتلك
الشؤون….
“طبعا يامتر….فريد هيتواصل معاكم وكل اللي تطلبوه هو هينفذة….وان شاء الله نتقابل في المحكمة..وزي ما الاستاذة قالت نسمع الاخبار
الحلوة هناك…”
“باذن الله شرفتونا…..”
اصطحبهما سليم للخارج تارك كيان خلفه تقفز بسعادة طفولية بعد ان قدمت مرافعة قوية
أمامهم…
عندما عاد سليم اليها نظر لها مبتسمًا معقبا
بحنان…
“برافو ياعصفورة….واضح ان التلميذة اتفوقت
على أستاذها….”
قالت كيان بابتسامة واسعة….
“طبعًا مقدرش هتفضل انت الاستاذ ورئيس
القسم كمان…”
اوما براسه مستأنف بحزم…
“عايزين نشتغل كويس اوي على القضية دي….”
قالت كيان بتفاني….
“انا معاك شوف انت عايز إيه…وانا اعمله….”
نظر لشفتيها الشهية قليلا معقبًا
بنبرة وقحة…
“ياريت هترضي ياعصفورة….”
تخضبة وجنتيها فقالت بحزم….
“بلاش تخرج عن النص احنا بنتكلم في الشغل….”
“طب هاتي الكرسي بتاعك ويلا عشان نبدأ نشتغل….”
اومات براسها وهي تجلب مقعدها لتضعه بجواره
فسحبها سليم فجأه لتقع جالسة على ساقيه ثم قيدها بذراعيه قائلا بوقاحة…
“فيها اي لو نختصر المسافات وتقعدي هنا….”
حاولت التملص منه بعنفًا وهي تصيح بتشنج…
“فيها سفالة وقلة آدب ابعد ايدك ياسليم لو سمحت….”
حل سليم ذراعيه عنها سريعًا عندما وجدها تعافر بين
يداه بتلك القوة الجادة…
“هو انتي ليه مش قادره تنسي…..”
“انت اللي بتتعمد تفكرني بحركاتك دي….”كانت صريحة جدًا في اجابتها فقد نطقت بها بعصبية
وهي تنهض من على ساقيه….
صرح سليم بعصبية…..
“كيان انا زهقت……انا هكلم والدك نقدم معاد فراحنا….”
رفضت بعناد وهي تنظر اليه…
“لا طبعا…. احنا اتفقنا ان فرحي هيبقا مع أخويا…..”
احتدم الأمر اكثر بينهما عندما قال بوجه
مكفهر…..
“إتفاق جاي على هواكي مش كده…. ”
امتنعت عن الرد وهي تشيح بعيناها عنه….فأمرها بقوة جبارة……
“ارجعي على مكتبك….. سبيني لوحدي….”
نظرت اليه بدهشة وعندما امتنع عن النظر اليها وبدأت بوادر الغضب والجدية الشديدة تظهر بخطوط عريضة على وجهه انسحبت فورًا
بخطوات متسرعة بعصبية وكبرياء…
وهي عاجزة عن فهم تلك العلاقة ومدى تأثيرها على مشاعرها وافكارها….
……………………………………………………………..
سحبت نفسًا مضطرب الى صدرها الذي يموج الان
بمشاعر عديدة مابين قمة السعادة و…الرهبة من الانزلاق من اعلاها…
وقفت امام باب شقتها (العش الزوجي..)المقدر الإقامة بها بعد الزواج…..
كانت بصحبة حمزة حينما وضع المفتاح في الباب
ودفعه للدخول….
ارتجف قلبها بين اضلعها وهي تأنب نفسها للمرة المائة على الذهاب الى هنا بمفردهما…كان من المفترض ان ترافقهما (كيان)لكنها اعتذرت
بسبب العمل المتراكم عليها….
“ادخلي ياقمراية وقفه كدا ليه….”
اوقف سيل الأفكار وصخب المشاعر صوته العابث
بعدما دلف الى الشقة قبلها منتظرها على عتبة
الباب من الداخل…..
نظرت اليه قليلًا بتردد….فغمز هو لها قائلًا بشقاوة..
“اوعي تكوني خايفه مني…انا مش بعض…انا باكل
علطول….”
مزحة سخيفة جعلتها تبرم شفتيها بتقزز…. فضحك
هو مشيرًا لها بان تدخل بقلة صبر…..
بلعت ريقها وهي تسمي الله متخطيه عتبة الباب بقدمها اليمنى….. قائلة بعد ذلك بهدوء….
“بلاش تقفل الباب.. سيبه مفتوح….”
اوما حمزة براسه بانصياع وعندما خطت خطوتين للداخل وجدت الباب يغلق من خلفها بصوتٍ عالٍ
مما جعلها تنتفض في وقفتها ناظرة اليه بغضب
رفع حاجباه ببراءة قائلا…
“الهوا قفله….”
زمت شفتيها وهي تدور بحدقتاها حول زوايا الشقة
التي كانت عبارة عن جدران بيضاء….
تقدم حمزة منها وسار جوارها قائلا…
“اي رايك في الشقة واسعة وحلو….وبطل على البحر…”
قالها وهو يتجه لأحد النوافذ وفتحها امام عيناها لتجد البحر أمامها مباشرةٍ في منظر ساحري افتنها
فتلونت شفتيها في ابتسامة حلوة كجمال بنيتاها
الان…..
اقتربت من النافذة وتأملت الشارع الرئيسي والسيارات السريعة التي تمر من عليه يليه البحر
مباشرةٍ وزرقة المياة الصافية والنسيم البارد
المعطر بالمياة المالحة…..
“المكان حلو أوي..كفاية انها بطل على البحر فعلاً.. ”
اخبرها بغرورٍ ذكوري لعين….
“قوام كده وقعتي في غرام بحرنا… انا فاكر انك عندك حساسية من البحر أصلا….”
قالت بجدية ووجهها يشع براءةٍ….
“ولسه عندي حساسية…. بشرتي حساسة على
فكرة وبتتاثر من اقل حاجة…انت مش مصدقني..”
شملها بنظرة وقحة معقبًا بلؤم…..
“مش محتاج اصدقك او اكدبك….بكرة أتأكد
بنفسي….”
توهجة وجنتاها كشعلتين صغيريتين من اللهب فور
التعبير الصريح في عسليتاه الوقحة….
مما جعلها تشير بعشوائية مضطربة الى جدار ساقط
نصفه ارضًا تتناثر منه اجزاء صغيرة من الحجار…
“هي الحيطه دي وقعه ليه….”
اجابها بهدوء وهو يقترب من الجدار الواقع
نصفه…..
“ماهم دول شقتين مفتوحين على بعض….”
وكانه لطمها بقوة على وجهها فوقفت للحظات متسمرة مكانها مبهوتة تسمعه وهو يتابع بفتورٍ
“ان شاء الله العمال هيبداو يشتغلوا فيها من اول
بكرة… عشان كده جبتك النهارده تشوفيها عشان
لو في اي حاجة عايزة تغيريها..دي شقتك
برضو قبل ما تكون شقتي….و…. ”
كانت تراقبه بصمتٍ واهتمام لكن عقلها كان بعيدًا
اذنيها كانت تسمع صوتٍ آخر صوت شهد عندما
كانا يتبادلا أطراف الحديث حول علاقته بــ(نجلاء)
اخبرتها شهد يومها ان الشرط الذي عجز حمزة
عن اتمام الزواج قبل ان تخونه مع المدعو سامح
زوجها الحالي… ان امها طلبت شقتين من عمارة
ابيه يضمهم حمزة الى بعض ويتم تسجيلهم بأسم
ابنتها….
فعلمت ايضًا ان ابيه لم يوافق حتى على استئجار شقة واحده من أحد العمارتين بل امتنع ووقف امامه بالمرصاد فخسر الفتاة واختارت هي بدورها من يدفع اكثر ويوفر لها احتياجاتها هي وامها…..
لماذا كل شيءٍ موجع ومتعب في هذه العلاقة وكانها
المرأة الوحيدة التي ترتبط برجلًا سبق له الارتباط
الرسمي بغيرها ؟!..
لماذا تتعرقل في سيرها كلما اقتربت منه خطوة تجد
نفسها تقع بقسوة على ارضًا صلبة ذو اسلاك شائكة !…
اشار لها حمزة بان تتبعه من خلال فتحت هذا الجدار
الواقع حتى ترى الجزء الاخر من الشقة…..
فأومات براسها بمنتهى الصلابة دون ان تكشف
عن الحرب الشعواء التي تقام داخلها الآن…بينما
الأسئلة تقفز في عقلها كالناقوس بالحاح مزمن…
(لماذا…..لماذا تحقق هذا الشرط الآن رغم انكم انفصلتما ولم يعد هناك شيءٍ يجمعكما؟….ماذا تريد
ان تثبت؟…..وماذا عني انا؟!….انا لا افهم شيءٍ ؟….)
تعرقلت في أحد الأحجار الصغير وهي تتخطى
هذا الجدار وكادت ان تسقط على وجهها لولا
ذراع حمزة التي امتدت امامها تمنع سقوطها
ومنه لامس صدرها الذي ارتطم في ذراعه.
تشبثت في سور الجدار بيدها وهي تنظر اليه
بصدمة فسحب هو ذراعه بحرج قائلا
بغلاظة…
“حاسبي…مش عارفه تقعي ولا إيه….”
لم تبتسم بل مزالت تحت تاثير الصدمتين الأولى مفاجأة الشقتين المفتوحين على بعضهما والثانية
تعرقلها وذراعه على……
اغضمت عيناها بحرج شديد بينما سرى في جسد
حمزة نشوة غريبة فور ملامسة هذا الجزء الانثوي
الطري جدًا…..
ارجعت قمر خصلة من شعرها خلف اذنيها
قائلة….
“مخدتش بالي…..”
اخبرها حمزة بنظرة عابثة…..
“ولا يهمك انا موجود….اقعي انتي بس وملكيش دعوة بالباقي….”
اختلج قلبها فرمشت بعيناها عدة مرات وهي تتخطاه داخله الى الشقة الثانية والتي كانت ايضًا تحتاج الى الكثير من العمل حتى تجهز كشقة عريس…..
أشار لها حمزة على أحد الغرف قائلا….
“دي بقى هتبقا اوضة أطفال…اي رايك مساحتها كويسة…”
رق قلبها وعيناها وهي تدلف الى تلك الغرفة ذات
الحوائط البيضاء….قالت وهي تطلع على كل ركنا
بها…..
“تعرف ان دي هتكون أحلى اوضة في الشقة
كلها…. ”
سالها حمزة بحاجب معقود وهو يقف
خلفها…”واشمعنا بقا…..”
قالت بصوتٍ دافئ وهي تتأملها ببنيتان لامعة….
“إحساسي بيقول كده….انا بحب الاطفال أوي..وطول
عمري نفسي لما أتجوز اجيب اكتر من طفل عشان
ميبقاش وحيد زيي….”
نظرت لعيناه مصرحة….
“تعرف اني اتخيلت شكلهم وصوتهم وملامحهم…”
سالها حمزة وهو يستند على الجدار خلفه ناظرا
اليها باستمتاع…..
“دا عشان احنا اتخطبنا ولا الكلام ده من قبل ما تشوفيني أصلا……”
قالت بتورد ممزوج بالحياء… “الإتنين بصراحة….”
“هما أهلك كان عندهم مشكلة في الخلفة بعد ما جبوكي…..”
سالها حمزة وهو يتأمل تفاصيلها المليحة من أول
شعرها الغجري المتأرجح خلف ظهرها بدلال حتى
ثوبها الصيفي الطويل بألوانُ الداكنة…
شردت قمر في تلك الذكرى الجميلة والمؤلمة
لكونها باتت مجرد ذكرى تحفظها على ظهر
قلبها المشتاق…..
فقالت بحنين وهي تنظر للبعيد مستعيدة
الذكريات….
“من قبل كمان ما اجي الدنيا….كانت ماما عندها مشكلة في الخلفة ومع ذلك بابا فضل معاها ومسبهاش ورضي بقضاء ربنا…فجيت الدنيا في لحظة يأس زي ما بابا كان بيقولي دايما…..جيتي
في لحظة يأس ياقمري نورتي حياتنا…عشان
كده سمناكي قمر…. ”
ردد حمزة الكلمة وهو يمط زواية شفتيه
الجانبية…. “قمري ؟!….”
لسعة الدموع عينيها وهي تتبسم قائلة
بصوتٍ متحشرج…..
“بابا مكنش بيناديلي غير بيها….”
“واضح انكم كنتوا قريبين اوي من بعض..”سألها حمزة بصعوبة وكانه يمضغ حصى قاسٍ ..
فاي شيءٍ له علاقة بمشاعر الابوة يهتز معها قلبه
رغمًا عنه وكانه مزال صغيرٍ ينتظر عطفٍ او نظرة
اهتمام من أبيه ؟!…
انسابت دمعة حزينة على وجنتاها وهي
تخبره بحرارة….
“جدًا….كنا صحاب اوي كانت ماما احيانا بتغير
مني على بابا……مع ان علاقتهم مع بعض كانت
جميلة أوي…كنت تشوفهم كده نفسك تتفتح
على الجواز والحب….كان حبهم احلى من
اي رواية حب قراتها……كنت بشوف كل واحد
في عين التاني…..بنظرة حب عمري ما شوفتها
في عيون حد بعضهم…..”
أبتسم حمزة بسخرية وهو يقارن هذا بطفولته
المأساوية وعلاقة والديه الكارثية المليئة
بالكره والبغض……والاهانة والضرب…
فقالت قمر بنبرة حزينة وعينين مليئتان
بالدموع….
“من كتر ماهم متعلقين ببعض ماتوا ورا بعض ماما
قعدت سنين عايشة على الذكريات وبعد كده سبتني
ومشت بعيد……”
إضافة قمر وهي تنظر اليه….
“عشان كده نفسي اوي اجيب اكتر من طفل عشان يبقوا مع بعض سند وضهر….زيك انت واخواتك
كده…..”
لم يعقب حمزة فقالت قمر بحرج….
“مش بحسد طبعًا بس انا بحب اشوفكم مع بعض
بحس بدف العيلة واللمه اللي اتحرمت منها
سنين….”
ابتعد حمزة عن الجدار متقدمًا منها…
“بتكلمي كده على أساس إنك مش فرد مهم في العيلة دي….”
سالته بتيه…… “تفتكر ياحمزة…”
رق قلبه لها فمسك يدها قائلا بعطف…
“ولسه بتسألي انتي بنت عمتنا ياهبلة…وقريب
قوي هتبقي مراتي…..مراتي ياقمراية…..”
تبادلا النظر قليلًا فمد حمزة يده يمسح الدموع من على وجنتاها وهو يأسر بُنيتاها بنظرات….
تخللت انفاسه الرجولية المنكهة بالقهوة المُرة رئتاها لقربه الشديد منها فاغمضت عيناها لثانية ضائعة في جمال اللحظة تاركة كل شيءٍ خلف ظهرها يصرخ بان تتوخى الحذر فتلك العلاقة سامة بكل المقاييس..
تأمل قسمات وجهها المليحة بيده وكانه يرسم تفاصيلها بابهامة…..وعندما وصل كفه لشفتيها وفي غمرة النشوة طبعت هي قبلة حانية بداخل كفه….
من خلالها اهتز قلبه معها من رقة التعبير عن حبها
له….حب عاجز ان يبادلها إياه…حبٍ بحث عنه داخل قلبه ولم يجده فهو ممحى مع أخرى اتت قبلها مدمرة
كل شيءٍ حلوٍ متبقي داخله وتركت خلفها ركام رجلًا يحيا على الهامش ؟!…
وكانه أصأب بماس كهربائيّ نزع يده عنها فجأة محاولًا ان يفيق من تلك الحالة الغريبة….
رجعت قمر خطوة للخلف بحرج وهي ترجع خصلة
زغبية من شعرها خلف اذنها….فاخذ حمزة نفسًا متهدج اثار حرارة المشاعر المتقدة بينهما الآن….
“يلا بينا ياقمر….لو قعدنا اكتر من كده سوا
متلومنيش على اللي هيحصلك….”
قالها بنبرة شقية مصرحًا عن ضعفة امام جمالها لكن في قرارة نفسه هو يهرب من الحب…وهي صورة متكاملة للحب النقي الذي اتى بعد فوات الأوان….
اخبرها والدها انها اتت الى الدنيا في أكثر لحظاتهما يئسٍ وأنارة الدنيا بوجودها…..وها هي الان تاتي
اليه بالحب بعد ان مات قلبه من شدة اليأس !…
فكيف لكِ ان تنعشي قلبًا مات من قسوة الحيآة ؟!..
……………………………………………………
صعدا على السلالم معًا في رحلة قصيرة الى الدور
السابع فقد اخبرهما البواب بان المصعد في الصيانة
اثناء صعودهما معًا كانت تمسك قمر علبة ورقية
تحتوي على ثمار اشبه بالطمام بحجم حبة العنب من اللون البرتقالي تقبع داخل قشرة ورقية جافة يسهل
إزالتها….فاكهة استوائيّة تدعى (حرنكش..)…
تلذذت في طعمه الاذع القوي وهي تنظر الى
حمزة قائلة….
“برضو مش عايز تاخد واحده…..”
مط حمزة شفتيه وهو ينظر الى الحبة البرتقالية
بين اصابعها بامتناع…..”قولتلك مش عايز…..”
مضغتها بتلذذ قائلة…. “على فكرة طعمها حلو…..”
رفض حمزة مجددًا…. “مززه مش عايز….”
مطت قمر شفتيها بسخرية….
“بتكلم على المزازة وانت مدمن قهوة سادة…”
اخبرها بصلف…. “على الريحة مش سادة….”
قالت بجدال….
“رشت السكر اللي بتحطها دي ولا بتعمل اي
حاجة…”
رد بغلاظة وهو ينظر الى الحبات البرتقالية…
“بنسبالي انا بتعمل كتير….وخليكي في الحرنكش بتاعك….”
بعد ان تخطى معًا ثلاثة طوابق كاملين قالت قمر بتافف وهي تبدي ازعجها من الأمر….
“انا مش عارف اي حكاية الاسانسير اللي كل شوية
يعطل ده…على اساس ان احنا ساكنين في دور الاول
يعني….”
نظر لها حمزة بوقاحة قائلا…
“لو تعبتي انا ممكن اشيلك ”
امتقع وجه قمر فقالت بحزم…. “احترم نفسك….”
رفع حاجبٍ بريء….. “انا غرضي شريف….”
رمقته بطرف عيناها قائلة….
“اوي بصراحة باين عليك….”
“اي ده…..”قالها حمزة وهو يتوقف عند أحد الأدوار
مشدوهًا بعد ان رأى امرأة واقعه أرضا في منتصف
الطريق ويبدو انها في حالة اغماء…..
اقتربت منها قمر مهرولة بهلع وكذلك حمزة وبعد ان جثى على ركبته اتضح ان تلك المرأه هي….نجلاء
نهضت قمر من مكانها بصدمة وهي تنظر اليها ثم
الى علامات الضرب على وجهها والى حمزة الان
الذي مزال مكانه لم يبتعد مثلها بل كان يحاول افاقته بتعابير وجه غير مقروءة..
اهو شعور انسانيًا يخص به اي شخصًا في هذا الموقف ام انه شعورٍ خاص يحمله لكونها
الحبيبة السابقة له ؟!….
تخبطت بين السؤالين بقسوة وكانها اللطمة الثانية
لها على التوالي…..
نظر لها حمزة قائلا بخشونة….
“مش بتفوق…..بس في نبض….انا هطلعها شقتها
مش هينفع نسبها كده….”
وقبل ان ينتظر ردها حمل نجلاء على ذراعيه بخفة
وكانها لا تزن شيءٍ ثم أكمل طريقة وهو يأمرها
بخشونة….”تعالي ورايا…..”
مكانها مصعوقة من هذا المشهد وقلبها يئن
وجعًا وكانه يعتصر بين يداه الآن وهي تراه حاملا
على ذراعيه أخرى يتخطى بها الدرج بينما يأمرها
بان تلحق به بمنتهى التجبر….
تركت العلبة الورقية تقع ارضًا وتناثرت الحبات البرتقالية في كل مكان حول حذاؤها وهي تراه
بعيناها الجاحظة يتابع طريقه للأعلى دون
الالتفات إليها ولو بنظرة عابرة !….
فلسعة الدموع عيناها بقسوة وهي تأخذ اللطمة الثالثة بروح مهشمة……
عندما فتح الباب نظرت والدة نجلاء الى ابنتها المحمولة على ذراع حمزة فاقدة الوعي صرخت
فورًا وهي تصيح بولولة….
“يالهوي يالهوووي بنتي….عملت اي في بنتي…”
صاح حمزة مزمجر بوجهًا محتقن…
“وسعي ياولية خلينا احطهالك في اي حته دراع
امي اتخلع…..”
ابتعدت المرأة عن الطريق وهي تتابع بولولة…
“عملت اي في بنتي ياحمزة مالك ومالها..احنا مش فضناها سيره وكل واحد راح لحاله وبنتي اتجوزت وانت خطبة غيرها مالك ومالها…..”
وضع حمزة نجلاء على اقرب اريكة قابلته فأستقام
واقفًا وهو يدلك ذراعيه فقد صعد بها ثلاثة ادوار
كاملة……
بينما صرخة والدة نجلاء بعد ان رأت وجه ابنتها مليء بكدمات ارجوانية اللون وكان من عنفها
بتلك القسوة يتدرب على وجهها كـكيس ملاكمة..
مما جعل والدتها تشهق عدة مرات وهي تضرب
على صدرها بقوة…..
“ياضنايا يابنتي….مين اللي عمل فيكي كده…”
فرفعت عيناها سريعًا الى حمزة وانقضت
عليه تمسكه من ياقة قميصة صائحة باتهام…
“انت مديت ايدك عليها….دا انا هوديك في ستين داهيه….انت اتهبلت ياواد..”
نزع حمزة يداها عنه بقرف وهو يزم شفتيه
بازدراء….
“انتوا هترموا بلاويكم عليا بقا ولا إيه…بنتك اهيه فوقيها واساليها اذا كنت انا اللي ضربتها ولا النطع اللي متجوزاه….”
“سامح ميعملهاش…..” قالتها وهي تذهب الى غرفتها
في لحظة ثم عادت وبين يداها زجاجة عطر فتحتها ورشت القليل على يدها وقربته من انف ابنتها….
بينما يقف حمزة يتابع الأمر ببرود وتشفي واضعًا يداه في جيب بنطالة بملامح جافية….
انتفضت نجلاء وهي تفتح عيناها بصعوبة وأول
شيءٍ راته كانتا عينا حمزة المتوهجة بنيران
الضيق والمقت…..
بلعت ريقها وهي تنظر الى امها بعدم فهم… فقالت
امها بغضب….
“اكلمي يانجلاء ياحبيبتي متخفيش… هو اللي مد
ايده عليكي كده.. صح وجاي وعملي فيها شهم وشايلك على دراعه…”قالت اخر جملة وهي ترمقه
باحتقار….
انفجرت نجلاء في البكاء وهي تهز راسها
بنفي…
“حمزة معملش حاجة ياماما…انا وقعت من
طولي وانا طلعالك….”
قالت امها بصدمة وهي تنظر الى كدمة
وجهها…
“امال مين اللي عمل في وشك كده….”
ازداد بكاؤها حرقة مما جعل حمزة يمط شفتيه
بملل قائلا ببرود….
“اسيبكم انا بقا تحلو اموركم العائلية…طالما اتاكدتي
ان مش انا اللي ضربتها….”
“ماهو كتر خيري فعلا بس بعيد عنكم….”
أغلق الباب خلفه بقوة وغضب وهو يتمتم عدة
سبات بذيئة نافضًا قميصة بيده وكانه يتخلص
من اي آثر لها بعد ان حملها بين ذراعيه ثلاثة
طوابق كاملة….
فتوقف بصدمة وهو ينظر الى الفراغ أمامه…اين
هي….لماذا لم تصعد خلفه كما أمرها….
ضرب على مقدمة رأسه بكف يده متافف بجزع
فهذا الأمر لن يمر مرور الكرام بينهما ؟!…
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية الحب اولا ) اسم الرواية