Ads by Google X

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل التاسع و الاربعون 49 - بقلم سارة علي

الصفحة الرئيسية

  رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل التاسع و الاربعون 49

 
 
جلس نديم أمام عمار بهدوء أثار إستهجان الجميع وأولهم شقيقته التي هدأت فجأة وهي تتأمل ما يحدث بعدم إستيعاب …
بدا كل شيء غريبا وشعرت إنها مشوشة فإستجابت لصوت ابنة عمها نرمين وهي تطلب منها الجلوس فجلست على الكرسي جانبها بسرعة وهي بالكاد تتمالك نفسها …
أشار نديم لزوجته الواقفة تتابع ما يحدث بقلق واضح :-
” أخبري الخادمة أن تأتي بالقهوة يا حياة …”
ثم أشار الى عمار بدوره :-
” عمار أتى لتأدية الواجب لذا يجب أن نقوم بضيافته على أكمل وجه …”
تابع عمار نديم بنبرته الهادئة وذلك السكون الذي يسيطر عليه كليا …
كانت هادئا بحق .. صلبا ومتماسكا تماما عكس ما توقع …
كان هذا شيء جديد لم يتوقعه ..
شيء جعله يستوعب ما يحدث …
نديم تغير بشكل يوحي باختلافه الجذري …
إختلاف بات واضحا عليه ..
نديم يتبع إسلوبا جديدا يضمر وراءه الكثير ..
وضع قدما فوق الأخرى مرددا بإستخفاف :-
” أي ضيافة يا نديم ..؟! أنا هنا في منزلي …”
ابتسم نديم بهدوء وهو يردد متجاهلا نظرات الجميع المتوترة رغم صمتها :-
” بالطبع يا عمار … في النهاية هذا منزل والدي ووالدك ….”
وقفت غالية من مكانها وشعورها بالإختناق يتزايد مما جعلها ولأول مرة تقرر الهرب …
خرجت دون أن تنتظر سؤال أحد عائدة الى غرفتها بملامح متشنجة …
بينما سأل عمار وسام ببرود :-
” كيف حالك يا وسام ..؟!”
رد وسام بإقتضاب لا يخلو من النفور :-
” بخير …”
تقدمت الخادمة تتبعها حياة ليتأملها عمار للحظات قبل أن يشير إليها :-
” البقية في حياتك أنت الأخرى …”
ردت حياة بخفوت وهي تجلس جوار نجاة زوجة عمهما :-
” أشكرك …”
مال نديم ببصره نحو حياة ليجد الخوف فيها ..
خوف لم يرضيه فأشاح بوجهه بعيدا متجها ببصره من جديد نحو ذلك الذي يجلس أمامه يتناول قهوته بهدوء وملامح عادية تماما لا توحي بشيء …
أنهى عمار قهوته ونهض من مكانه مرددا بخفة :-
” يجب أن أذهب الآن … لقد أتيت فقط لتأدية الواجب … ”
نهض نديم مرددا بجدية :-
” يمكنك البقاء وتناول العشاء معنا .. لا يجوز أن تخرج من هنا في هذا الوقت المتأخر دون أن تتناول عشائك ..”
فرغت حياة شفتيها مما يحدث بينما لم يستطع عمار كبح إبتسامته وهو يتأمل نديم من جديد للحظات قبل أن يميل نحوه مرددا :-
” أخبرتك إنني لست ضيفا هنا .. انا في منزلي يا نديم …”
ثم أشار الى الموجودين بسلاسة :-
” أراكم لاحقا .. مع السلامة جميعا …”
وغادر بعدها تاركا نديم يتابع آثره لثواني معدودة قبل أن يلتفت نحو الجميع فيتجاهل نظرات الدهشة في عيونهم وهو يردد ببرود :-
” هيا لنتناول العشاء …”
ليستجيب الجميع له وينهضون لتناول العشاء الذي تم إعداده قبل وصول عمار بقليل …
انتهى نديم تناول الطعام لينهض من مكانه بعدما همس لزوجته :-
” سأرى غالية …”
ثم تحرك خارج المكان حيث صعد درجات السلم ومنه الى غرفتها …
وقف للحظات يأخذ أنفاسه مفكرا إن ما يحدث معه يفوق قدرته على التحمل لكنه مضطر للثبات …
مضطر أن يحافظ على إتزانه وهدوءه كما قرر …!
من الآن فصاعدا كل شيء سوف يتغير ..
هو نفسه يجب أن يتغير كي يستطيع أن يواجه عمار وينتقم منه كما أراد …
لقد خسر الكثير وليس مستعدا لخسارة جديدة …
عمار لن يتركه وشأنه وعليه هو سيتحرك بسرعة لينال منه و يتخلص من وجوده في حياته الى الأبد …
طرق الى باب الغرفة قبل أن يدخل فيجد شقيقته تجلس فوق سريرها بملامح جامدة تماما ترفع قدميها نحو صدرها وتحطيمها بذراعيها …
تقدم نحو ببطأ وجلس جانبها بصمت امتد للحظات …
صمت كان ثقيلا عليه وعليها لكنه تحدث في النهاية قائلا بصدق :-
” لستِ وحدك من أحزنها .. انا كذلك .. على الأقل أنت تحدثت معها قبل موتها .. كنتِ معها في لحظاتها الأخيرة …”
تشنجت ملامحها وهو يضيف بهدوء :
” نحن أخطأنا يا غالية وهي أيضا أخطأت .. هي أخطأت كثيرا ونحن وحدنا من دفعنا ثمن أخطاؤها..:”
سألته بنبرة خرجت واهنة دون أن تنظر إليه :-
” أنت لم تغفر لها بعد ولن تفعل ، أليس كذلك ..؟!”
أخذ نفسا عميقا ثم قال بصدق :-
” لقد منحتها الغفران منذ أن صعدت روحها الى السماء ولكن ….”
توقف لوهلة قبل أن يضيف بصوت محتقن تماما :-
” ولكنني ما زلت عاجزا عن التخطي … لا يمكنني تخطي حقيقة ما عرفته ولا نسيان ما عشته بسببها ولا تجاهل كافة الحقائق التي عرفتها عنها …”
ارتعشت شفتيها ببكاء صامت وهي تغمغم :-
” معك حق … لا يمكنني لومك أبدا ..”
هتف نديم بجدية :-
” وأنت لا تفعلي أيضا .. لا تلومي نفسك يا غالية …”
همست ببكاء خافت :-
” لا أستطيع … لا أستطيع التوقف عن لوم نفسي ولا أستطيع تجاوز ما عرفته في نفس الوقت ..: ”
تساقطت دموعها فوق وجنتيها وهي تبوح بألم :-
” صدمتني حقيقتها كما صدمتني الكثير من الأشياء .. هي وما فعلته بعمار ووالدته .. وما حدث لك بسببها .. هناك الكثير يا نديم .. الكثير مما لا يمكنني تجاوزه والمضي قدما والأهم حقيقة إنني قسوت عليها لدرجة كبيرة .. درجة جعلتها تموت في حسرتها ..”
أخذت نفسا عميقا ثم أكملت :-
” مشاعري مختلطة ما بين حزني عليها وتأنيب ضميري إتجاهها وما بين حقيقة عدم تقبلي لما فعلته في ديانا وغيرها …”
تمتم بثقة :-
” ستتجاوزين يا غالية … انت قوية وسوف تتجاوزين ما حدث .. ”
سألته بتردد وهي تنظر إليه :-
” هل تعتقد ذلك حقا …؟!”
ابتسم مرغما وهو يردد :-
” بالطبع .. ”
أخذ نفسا عميقا ثم أضاف :-
” هذه الفترة صعبة علينا جميعا … تحمليها فقط حتى تنتهي وبعدها كل شيء سيبدأ من جديد …”
سألته بتوجس :-
” ماذا تقصد …؟!”
شرد بعينيه للحظات يرى المستقبل القادم بناء لما يخطط له فمنحها بسمة خفيفة وهو يجيب :-
” كلها أشهر قليلة وينتهي كل شيء ونصل جميعنا الى راحتنا المنشودة …”
هتفت بجدية :-
” انت تخطط لشيء ما … أعلم ذلك ..”
أكملت تخبره بقلق :-
” انا قلقة عليك يا نديم .. انت كل ما تبقي لي … لا أريد أن يصيبك مكروه أنت الآخر .. انا لم يعد لدي سواك …”
أنهت كلماتها وهي تشهق باكية ليجذبها نديم نحوه مرددا بصلابة :-
” لا تقلقي يا غالية .. لن يصيبني أي مكروه بإذن الله … ”
أكمل وهو يربت على كتفها :-
” أنا سأفعل المستحيل كي نصل جميعنا الى راحتنا .. كي تستقر حياتنا جميعا .. أنا وأنت وحياة وطفلنا القادم …”
رفعت وجهها نحوه تخبره برجاء :-
” عدني إنك لن تتهور وتتصرف بأي طريقة قد تسبب الأذى لك … أعلم جيدا إن وراء صمتك هذا بركان من الغضب والوعيد …”
عاد يبتسم مرغما رغم ألمه ويربت فوق وجنتها مرددا :-
” أعدك يا غالية .. بإذن الله كل شيء سيتغير نحو الأفضل .. ثقي بي …”
تمتمت بضعف يراها عليه للمرة الأولى :-
” أنا أثق بك يا نديم ولكنني لا أثق بعمار وما يضمره لك …لا أثق بشيطانه الذي يسيطر عليه تماما …”
اختنق حلقه للحظات فقال بصدق :-
” لا تعتقدي إن عمار قوي لهذه الدرجة يا غالية .. نعم هو قوي لا أنكر هذا لكنني الآخر لست ضعيفا والأهم إن الحق معي ومن معه الحق ينصره الله لا محالة …”
تمتمت بخفوت :-
” ونعم بالله يا نديم …”
طبع قبلة فوق جبينها ثم نهض من مكانه يخبرها بحزم :-
” سأرسل لك الطعام لتتناوليه ولا مجال للرفض …”
هزت رأسها بصمت ليمنحها إبتسامة هادئة قبل أن يغادر الغرفة فتغمض غالية عينيها بوهن قبل أن تفتحها على صوت رنين هاتفها فجذبته لتجده يتصل بها وعلى ما يبدو إنه علم أخيرا بما حدث ..
تجاهلت إتصاله وهي تعاود وضع هاتفها جانبا بتعب لتسمع صوت يدل على وصول رسالة هذه المرة فجذبت الهاتف تقرأ رسالته والتي كتب فيها :-
” البقاء لله يا غالية .. علمت قبل قليل بما حدث .. رحمها الله وجعل مثواها الجنة …”
عادت دموعها تتساقط فوق وجنتيها بصمت للحظات قبل أن تدخل في نوبة بكاء جديدة ..
دلف الى غرفته مغلقا الباب خلفه بعنف ….
أحاط خصره بكفيه وهو يتحرك بعشوائية داخل غرفة نومه …
ذلك الحقير أتى بجرأته المعتادة ليشمت به …
كان يتوقع تلك الزيارة فهو بات يعرف كيف يفكر عمار وكيف يتصرف …
لذا هيأ نفسه لتلك الزيارة التي تأخرت لثلاثة أيام …
الله وحده يعلم كما جاهد ليضبط أعصابه ويستقبله ببرود متعمد …
برود لا يشبه تلك النيران المشتعلة داخل صدره …
عمار خصما قويا وهو يعلم ذلك لكنه اتخذ قراره ..
من الآن فصاعدا سيلاعبه بالطريقة التي تلائم من مثله …
لا بأس أن يتخلى عن مبادئه ويضعها أسفل قديمه في سبيل تحقيق انتقامه واسترجاع حقه ..
أساسا لا يوجد حل آخر أمامه فالحياة التي يحياها لا يناسبها غير ذلك …
هو عليه أن يغير نظرته السابقة للحياة ..
عليه أن يفهم إن الحياة لا تتناسب مع أفكاره القديمة …
الحياة تحتاج لشخص قوي وقاسي بشكل يجعله يقف في وجه الجميع وينال حقه من بين أنيابهم بأي وسيلة كانت ..
سيترك الفضيلة جانبا ويتحلى بالقسوة المطلوبة لتخطي ما هو قادم والنجاة منه بسلام …
يعلم إنه سيخسر إنسانيته في خضم صراعه المنتظر لكنه لا يهتم …
لقد تجمدت مشاعره ولم يعد يهتم سوى بشيء واحد ..
مصلحته ومصلحة من يحبهم فقط لا غير ….
عمار هو من بدأ ولعب معه بطريقة قذرة لذا يستحق ما سيحدث معه …
توقف عن أفكاره ليأخذ نفسا عميقا قبل أن يتجه الى الحمام …
أخذ حماما باردا عله يساعد في تخفيف نيران روحه …
خرج من الحمام مرتديا بيجامة بيتية مريحة وهو يجفف شعره بالمنشفة عندما وجد حياة تدلف الى الداخل بملامحها الهادئة فسألها بإهتمام :-
” هل تناولت غالية الطعام ..؟!”
أومأت برأسها وهي تتذكر غالية التي بالكاد تناولت القليل من الطعام ولكن يبقى هذا أفضل من عدم تناولها أي شيء كالأيام السابقة …
تقدمت نحوه ووقفت جواره تسأله وهي تضع كفها فوق صدره :-
” كيف تشعر الآن ..؟!”
أضافت بحذر :-
” أعلم جيدا كم كنت تقاوم وتجاهد للحفاظ على هدوئك وثباتك أمامه …”
أخذ نفسا عميقا وزفره ببطأ قبل أن يردد بجدية :-
” ونجحت مثلما سأنجح بكل ما هو قادم …”
تمتمت بصدق :-
” أنا خائفة يا نديم .. خائفة عليك …”
هتف بتردد :-
” لا تخافي يا حياة … ”
أكمل وهو يضع كفيه فوق كتفيها يضغط عليهما :-
” ولا تفكري بأي شيء سوى بنفسك وطفلنا القادم …”
سألته بقلق :-
” وأنت يا نديم .. ألا يجب أن أفكر بك …”
تمتم ببرود :-
” انا بخير …”
هتفت بجدية :-
” كلا أنت لست كذلك .. يمكنك أن تكذب على الجميع .. يمكنك أن تخدعهم جميعا بصبرك وثباتك لكن لا يمكنك أن تخدعني أنا …”
مدت كفها نحو وجهه تلمس لحيته وهي تضيف :-
” أنا أعلم جيدا ما يعتمل داخلك .. ما تشعر به وما يجيش به صدرك … أعلم مقدار الجهد الذي تبذله لتظهر بهذه الصلابة … لتحافظ على ثباتك أمام الجميع حتى غالية …. ”
تمتم بخفوت :-
” أنا بالفعل أجاهد مع نفسي لذلك …”
ابتسمت برقة وهي تضيف بينما كفها ما زال فوق وجنته :-
” أعلم ذلك … وسعيدة حقا لإنك تلتزم بهدوئك وثباتك يا نديم خاصة وغالية منهارة تماما … ”
أكملت وهي تهبط بكفها نحو الأسفل حيث موضع قلبه :-
” لكن لا داعي لأن تجاهد نفسك أمامي يا نديم .. لا داعي لأن تدعي عكس ما تشعر به عندما نكون لوحدنا .. انا زوجتك وأقرب الشخص إليك وأنت الأقرب لروحي … شاركني أحزانك وهمومك يا نديم .. فضفض لي بكل ما يعتمل داخلك .. انا معك وجانبك يا حبيبي وأنت تحتاج أن تتحدث .. تحتاج أن تحرر أحزانك فالكتمان بهذه الطريقة ليس حلا … لا بأس حتى أن تنهار أمامي وتبكي بين أحضاني … لا تكابر أكثر يا نديم فأنا أدرك مدى عذابك الذي يزداد تدريجيا طالما أنت تكتمه داخلك …”
فرك جبينه بتعب قبل أن يرفع عينيه المحتقنتين بدموع نحوها يهمس بصوت متحشرج :-
” أنا متعب يا حياة …”
ابتسمت بحنو تخبره بنبرة دافئة :-
” أنا هنا يا نديم .. انا معك دائما لنتشارك تعبك سويا وحتى وجعك …”
رفعت جسدها قليلا تضمه نحوها بعناق دافئ إستجاب له على الفور وهو يعانقها بقوة متشبثا بها بكل ما يملك ودموعه تساقطت فوق وجنته رغما عنه …

شددت هي الأخرى من عناقه تمنحه دفئا وحنانا يحتاجه أكثر من أي شيء في هذه اللحظة …
أغمضت عينيها تجاهد بدورها لمنع عبراتها من التساقط فوق وجنتيها …
شعرت بصوت أنينه الخافت فهمست بصوتها الرقيق :-
” لا بأس .. إبكي يا نديم .. حرر حزنك على فراق والدتك ..”
أكملت وهي ما زالت تضمه بقوة داخل جسدها النحيل :-
” رحمة الله عليها .. بإذن الله ستكون في مكان افضل الآن .. تذكر دائما إنها ستبقى معك في قلبك حتى لو رحلت … ”
أغمض عينيه وهو يردد بصوته الباكي :-
” سأشتاق لها كثيرا يا حياة … ”
تساقطت دمعة رغما عنها من عينها فهمست تهادنه :-
” بالطبع ستشتاق لها وكثيرا أيضا لكن تذكر إنه هذا حال الجميع وفي النهاية جميعنا سنغادر هذه الحياة يوما ما … إدعِ لها بالرحمة كثيرا وتصدق بالكثير على روحها .. صلي وإقرأ القرآن لها … هذا ما تحتاجه حاليا منك يا نديم …القرآن والدعاء والصدقات كل ما تحتاجه الآن …”
إبتعد قليلا من بين أحضانها ينظر لها بعينيه الحمراوين يهمس بوجع شديد :-
” سأفعل ..بإذن الله سأفعل لكن …”
أخذ نفسا عميقا ثم أكمل :-
” أنا حتى هذه اللحظة لم أستوعب بعد كيف رحلت بهذه السرعة …”
قالت بجدية :-
” معك حق .. ما حدث كان مفاجئا وصادما لنا …”
ألقى جسده بتعب فوق السرير وقال بأسى :-
” رحلت وأنا أخاصمها … أرفض رؤيتها وحتى الحديث معها .. رحلت وآخر ما سمعته مني إنني لا أريدها في حياتي بعد الآن …”
سارعت تجلس جواره تخبره محاولة التخفيف عنه :-
” أنت كنت مصدوما وقتها بما سمعته … أي شخص سمع ما تقوله سيفعل نفس الشيء في البداية … ”
مدت كفها تحتضن كفه وهي تخبره :-
” لا تقسو على نفسك أكثر يا نديم فأنت الآخر عانيت كثيرا ومررت بالكثير من الأحداث القاسية …”
هز رأسه بصمت وعقله يشرد في والدته مجددا ..
من جهة حزنه الشديد على رحيلها ومن جهة ضميره الذي يؤنبه بشدة لأجلها ..
وفوق كل هذا عقله لا يتوقف عن التفكير فيما فعلته سابقا في شبابها …
فيما تسببت به من أذى لزوجة والده تحديدا ..
يحزن على فراقها ويخشى عليها من عقاب آخرة لا بد منه …
نظر الى السقف بعينين ساهمتين وهو يشعر بإن ما يحدث يفوق قدرته على التحمل بمراحل ..
يتسائل عن مدى قدرته على الصمود أكثر …
يخشى من لحظة ينهار فيها ثباته الذي بالكاد يسيطر عليه …
شعر بكفها يمتد فوق كفه يربت فوقه ليقبض عليه بدوره مفكرا إنها باتت الشيء الوحيد الصادق في عالمه ..
النقطة البيضاء الوحيدة في حياته …
سمعها تواسيه مجددا بنبرتها الناعمة فإبتسم داخله بسخرية مفكرا إنه منذ قليل كان يواسي غالية مدعيا الثبات والقوة أمامها والآن هو يستمع لمن تواسيه وهو يعترف داخله إنه في أمس حاجته لها …
همس وهو يغمض عينيه :-
” أحتاج الى النوم ..”
قالت بسرعة :-
” كنت سأقول ذلك .. هيا نام وارتاح وأنا سأطفئ الضوء ثم أتركك تنام دون إزعاج ..”
قبض على كفها يمنعها من النهوض مرددا بجدية :-
” أحتاجك أنت أيضا … أحتاج النوم داخل أحضانك …”
ابتسمت بحنو قبل أن تهز رأسها بصمت وهي تنهض من مكانها تغلق الضوء ثم تعود إليه ليتمدد هو على السرير ويجذبها داخل أحضانه فتخبره بخفة :-
” ألم تكن تريد النوم داخل أحضاني ..؟! أرى إنك فعلت العكس …”
أغمض عينيه مستمتعا بوجودها بين ذراعيه ..
ذلك الوجود الذي يمنح روحه السكينة التي تحتاجها فيخبرها بصدق :-
” لا فرق .. المهم أن تكوني معي وجانبي … أن يلتحم جسدك بجسدي وأشعر بأنفاسك قريبة مني …”
رفعت وجهها تطبع قبلة فوق وجنته تخبره :-
” أنا أحبك …”
تمتم وهو يقبل جبينها بدوره :-
” أحبك أكثر من أي شيء …”
ثم تنهد بخفوت وقلبه يتمنى أن تنتهي الحياة عند هذه اللحظة ..
هو وهي ولا شيء عداهما ..
تابعت هايدي الخادمة وهي تضع القهوة أمام شقيقها بعد والدتها لتزم شفتيها بقلق وهي تتابع شقيقها الذي يحادث والدتها مثرثرا معها في عدة أمور لم تهتم بسماعها وهي التي ما زالت قلقة بسبب عودته المفاجئة في هذا الوقت من العام الدراسي …
نهضت من مكانها بعدما سيطر عليها الملل تخبرهما :-
” أنا سأخلد للنوم .. تصبحان على خير ..”
لكنها فوجئت بكرم يخبرها :-
” إنتظري قليلا .. سأتحدث معك بعدما أنتهى من شرب القهوة ..”
أضاف وهو يرمقها بنظرات جامدة :-
” يمكنكِ أن تنتظريني في غرفتك لنتحدث هناك إذا أردت …”
نقلت والدتها بصرها بينهما بحيرة قبل أن تسأل بتوجس :-
” هل هناك ما يحدث بينكما وأنا لا أعرفه ..؟!”
هزت هايدي كتفيها دلالة على عدم معرفتها وهي تجيب :-
” من ناحيتي لا يوجد أي شيء …”
هتف كرم وهو يبتسم لوالدته :-
” أحتاج هايدي في أمر يخصني … لا تقلقي أنت … مجرد شيء عادي لا يحتاج الى القلق …”
هزت تهاني رأسها بصمت بينما غادرت هايدي المكان صاعدة الى غرفتها لتدخل الى هناك وتغلق الباب خلفها وقلبها ما زال متوجسا مما يريده شقيقها منها …
جلست فوق السرير تهز قدمها بتوتر عندما حملت هاتفها تتأمل مكالمة نانسي التي رفضتها قبل قليل فسارعت تتصل بها ليأتيها صوت نانسي تتتسائل بقلق :-
” ماذا حدث يا هايدي ..؟! لماذا لا تجيبين على مكالمتي ..؟!”
أجابت هايدي كاذبة :-
” كنت مع ماما .. كانت تتحدث معي في أمر هام ولم أستطع مقاطعة حديثها ..”
سألتها نانسي بإهتمام :-
” هل هناك مشكلة ما ..؟!”
ردت هايدي بسرعة :-
” أبدا … كانت تحدثني عن حفل زفاف ابن صديقتها .. تريدني حضور الحفل معها …”
” حسنا .. ”
قالتها نانسي بإطمئنان قبل أن تضيف :-
” كان شريف عندي وغادر قبل قليل …”
هتفت هايدي :-
” حقا ..؟! وماذا قال ..؟! هل هناك شيء جديد ..؟! هل إستطاع الوصول لشقيقه المبجل …؟!”
ردت نانسي بصوت مرهق :-
” لقد تحدث صلاح معه وأخبره إنه سيعترف بالطفلين عندما يولدان بإذن الله …”
تمتمت هايدي من بين أسنانها :-
” هذا أمر معروف ولا مفر له منه .. هو سيعترف بالطفلين إجبارا عنه ..”
قالت نانسي بجدية :-
” لا أريد أن يحدث ذلك بالإجبار … لا أريد آية فضائح يا هايدي …”
سألتها هادي تتجاهل ما قالته :-
” وماذا قال بعد ..؟!”
هتفت نانسي بصوت حزين :-
” غالبا لن يكون لصلاح آية علاقة بالطفلين بعدما يمنحهما إسمه …”
سألتها هايدي بحدة :-
” شريف من أخبرك بهذا ..؟!”
أجابت نانسي بضعف :-
” لم يقلها مباشرة ولكنني استنتجت هذا من حديثه …”
زفرت هايدي أنفاسها مرددة بحنق :-
” لعنة الله عليه .. ذلك الحقير …”
ردت نانسي بصوتها المتعب :-
” هكذا أفضل .. بكل الأحوال وجوده من عدمه سيكون واحد ..”
” لا تحزني من فضلك …”
قالتها هايدي برجاء لتهمس نانسي بخفوت :-
” لست حزينة… أساسا كنت أنتظر هذا منه …”
تنهدت بصوت مسموع ثم قالت :-
” سأخلد الى النوم … تصبحين على خير …”
” وأنت من أهل الخير ..”
قالتها هايدي ثم أغلقت هاتفها لتزفر أنفاسها بغضب من صلاح وتصرفاته التي لا تطاق ….
أخذت تلعنه عدة مرات داخلها حتى سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فنهضت من مكانها لا إراديا وتنطق بتردد :-
” تفضل ..”
دلف كرم الى الداخل ليتأمل ملامحها التي تنطق بالتساؤل فهتف بهدوء :-
” أريد أن نتحدث قليلا بخصوص نانسي …”
اضطربت ملامحها للحظات لكنها سرعان ما سيطرت عليها وهي تسأله بإستغراب مقصود :-
” ما بها نانسي لنتحدث عنها ..؟!”
اتجه نحو الكنبة المقابلة له ليجلس عليها وهو يسألها بإهتمام :-
” هل تتواصلين معها ..؟!”
ردت هايدي بسرعة :-
” بالطبع أتواصل ..”
سألها ببرود :-
” يوميا …؟!”
جلست جواره تخبره بنبرة متوازنة :-
” تقريبا …”
سألها من جديد :-
” ألم تخبرك متى ستعود الى البلاد …؟!”
ردت بخفوت :-
” غالبا لن تعود قبل عام على الأقل ..”
رفع حاجبه يتسائل :-
” كيف يعني ..؟! لم أكن أعلم إنها قررت الإستقرار خارجا …”
قالت هايدي بسرعة :-
” ولا حتى هي كانت تعلم بذلك … لقد فاجئها صلاح برغبته في البقاء قليلا هناك …”
” ولماذا يريد صلاح البقاء هناك ..؟!”
سألها بصوت جاد لتجيب :-
” لقد وجد عملا بناسيه هناك في احدى الشركات التابعة لوالد صديقه … ”
صمت كرم لوهلة يتأملها بشكل أربكها لا إراديا عندما نطق أخيرا :-
” ألا تلاحظين إن كذبتك ساذجة لدرجة تجعل أي شخص يمتلك القليل من الذكاء يكشفها ..؟!”
هتفت بسرعة وهي تنظر في وجهه بقوة مصطنعة :-
” ماذا تقصد يا كرم ..؟! أي كذبة تلك ..؟! ”
أضافت وهي تنهض من مكانه وتواجهه بصلابة :-
” انا لا أكذب .. لماذا سأكذب أساسا …؟!”
انتفض من مكانه يردد بدوره :-
” وهذا ما أريد معرفته .. أريد معرفة ما تتخطين له مع شقيقتك.. ما يحدث من خلف ظهري …”
هتفت معترضة :-
” مالذي تقوله يا كرم …؟! نانسي في الخارج مع زوجها وأنا …”
قاطعها يصيح بها :-
” توقفي عن هذا الكذب … صلاح ما زال في البلاد … لم يغادرها …”
توقفت عن الحديث وأخذت تنظر له بأنفاس مقطوعة ليضيف بتهكم :-
” لقد أخبرني أحدهم بذلك بعدما رآه في أحد النوادي الليلة يسهر مع مجموعة من الشباب الغير مريحين على الإطلاق …”
” مستحيل …”
قالتها بملامح شاحبة ليعقد كرم ذراعيه أمام صدره مرددا :-
” هذا ما حدث … منذ أن علمت بذلك وأنا أكاد أجن من غضبي …!! لم أشعر بنفسي إلا وأنا أحجز أول تذكرة الى البلاد .. راجعت ما حدث في الفترة السابقة .. إختفاء نانسي الغريب بعد الزواج والحجج والأعذار التي أسمعها منك ومنها برسائل نصية مقتضبة ترسلها بين الحين والآخر وهي التي كانت تتحدث معي بشكل شبه يومي ناهيك عن ضيق والدتي من قضائك أغلب يومك خارج المنزل بحجة العمل وما شابه … فهمت حينها كم كنت أحمقا وأنا أصدق كذبك وكذبها … ”
أخفضت هايدي رأسها أرضا ليقبض كرم على ذراعها يسألها بعصبية :-
” ارفعي رأسك و أخبريني عما يحدث مع شقيقتك بالضبط .. أنا لم أقتنع أساسا بتلك الزيجة السريعة … أخبريني هيا .. ماذا حدث بينهما قبل الزواج وجعلها تسارع للزواج منه ..؟! ”
تمتمت هايدي بخفوت :-
” لقد حدث ما حدث ..”
انتفض كرم من مكانه يهدر بعصبية :-
” الحقيرة .. كيف فعلت هذا ..؟! كيف تجرأت على ذلك ..؟!! لا يمكنني التصديق حقا .. لقد أضاعت شرفها بل شرفنا جميعا …”
قالت هايدي بسرعة ووجل :-
” إهدأ أرجوك يا كرم .. نانسي لم تقصد ما حدث .. هي لم تكن بوعيها والحقير إستغل ذلك ….”
قبض على ذراعها بقوة جعلتها تصيح آلما وهو يصرخ بها :-
” أنت إخرسي ولا تدافعي عنها … ”
أكمل وهو يشدد من ضغطه على ذراعها :-
” أخبريني عن مكانها ..؟! أين هي الآن …؟؟”
حاولت تحرير ذراعها من قبضته وهي تخبره :-
” لا أعلم … هي لم اخبرني بشيء …”
” كاذبة .. تكذبين كالعادة …”
هتف بها من بين أسنانه لتهمس بتوسل :-
” أرجوك لا تفعل يا كرم … نحن فعلنا ما بوسعنا لتجنب الفضائح وأنت بما تفعله ستدمر جميع ما فعلناه …”
ضحك مرددا بعدم تصديق :-
” وهل تعتقدين إنكما نجحتما في هذا ..؟!”
أرخى قبضته فوق ذراعها فسارعت تبتعد عنه وهي تردد :-
” نعم نجحنا والدليل إن زيجتهما تمت دون أن يكتشف أحد ما حدث ..”
” هذا لن يشفي غليلي منها .. الحمقاء .. لقد دمرت حياتها ودمرتنا معها …”
كانت يتحدث بغضب مخيف جعلها تصيح به بتعب :-
” يكفي يا كرم .. انت لا تعرف ما مرت به نانسي حتى اليوم . لا تعرف مدى معاناتها ..”
هز رأسه مرددا بعدم تصديق :-
” أي معاناة تلك ..؟! أيا كان ما مرت به فهو نتيجة أفعالها وقلة تربيتها …”
صرخت به :-
” أخبرتك إنها لم تكن بوعيها .. ألا تفهم ..:؟! ذلك الحقير استغلها .. ”
سألها بعينين جامدتين :-
” هل إغتصبها أم نالها دون مقاومة منها ..؟!”
تيبست الكلمات على رأسها وهي تسمع سؤاله الذي سيغير جوابها عليه الكثير لتنطق بخفوت :-
” كانت فاقدة للوعي تماما عندما فعل ما فعله .. يعني إستغل غيابها عن الوعي تماما …”
تأملت الجمود الذي ما زال يكسي ملامحه لتضيف بألم :-
” ماذا كنت تعتقد إذا ..؟! لو لم يكن مذنبا في حقها ما كان ليتزوجها …”
ثم أضافت بتردد :-
” نانسي عانت كثيرا بعد زواجها من ذلك الحقير .. كادت أن تخسر حياتها …”
طالعها بدهشة حقيقة لتهز رأسها وهي تسترسل بدموع :-
” لقد صدمتها سيارة .. كادت أن تموت لولا رحمة الله بها .. بقيت لأيام طويلة غارقة في غيبوبتها .. كانت تحتاج الى معجزة لتستيقظ … لكن الحمد لله نجت من الحديث هي وطفليها ..”
تمتم مذهولا :-
” طفلاها …؟!!”
هزت هايدي برأسها وهي تعلم إنها فجرت قنبلة في وجه شقيقها بعدما قالت لتؤكد ما نطقت به لتوها :-
” نانسي حامل يا كرم .. حامل من صلاح بتوأم …”
في صباح اليوم التالي ..
خرجت ليلى من غرفتها ترتدي ملابس عملية مكونة من بنطال جينز فوقه قميص حريري أخضر اللون وفي قدميها ترتدي حذاء رياضي …
وجهها خالي تماما من مساحيق التجميل بينما رفعت خصلاتها الشقراء عاليا بشكل كعكة ضخمة قليلا …
لم تكن تظهر بتلك الملابس عادة فرغم بساطتها إلا إنها دائما ما تنتقي ملابس معينة تحمل رقيا وأناقة خاصة بقدر بساطتها المعهودة ..
لكن اليوم لم يكن لديها طاقة لفعل أي شيء فالبارحة قضت ليلتها تبكي على ما أصاب والدها وقلبها ينتفض رعبا بين الحين والآخر من إحتمالية خسارته قبل أن تغرق في نومها الذي كان مليئا بالكوابيس لتستيقظ أخيرا بعد ليلة من أصعب ما تكون فتجد نفسها في إنتظار مواجهة صعبة للغاية .. مواجهة لا بد منها .. مواجهة والدتها وشقيقتها بآخر تطورات صحة والدها .. بحقيقة الغيبوبة التي دخلها ولا أحد يعلم إذا ما سوف يستيقظ منها أم لا ..!!
كتمت دموع عادت تتشكل داخل عينيها وهي تتجه نحو غرفة والدتها لتطرق على الباب بخفة قبل أن تدخل إليها لتجد والدتها مستيقظة كما توقعت تجلس فوق سريرها بملامح تدل على بكائها وآثار الدموع ما زالت ظاهرة فوق وجهها ..
تأملت ملابسها السوداء بألم على حال والدتها التي لم تعد تعرف على أي مصاب تبكي بالضبط ..
مصاب رحيل شقيقتها أم مرض زوجها …
تقدمت ليلى نحوها ثم جلست جانبها وهي تهتف بنبرة خرجت باهتة خالية من الحياة :-
” صباح الخير …”
ردت فاتن بخفوت :-
” صباح النور حبيبتي …”
قالت ليلى بجدية :-
” ستذهبين الى منزل خالتي اليوم .. أليس كذلك ..؟!”
هزت رأسها وهي تجيب :-
” نعم ، يجب أن يذهب اليوم وأرى غالية ونديم …”
ثم أشارت لإبنتها تسألها :-
” لكن سأذهب الى والدك أولا .. سأبقى معه حتى الظهر ثم أغادر الى بيت خالتك …”
تمتمت ليلى بتردد :-
” حسنا .. يجب أن تدركي شيئا هاما قبل أن تذهبي …”
سألت فاتن بخوف :-
” هل أصاب والدك مكروه ما ..؟! هل تدهورت حالته ..؟!”
قاطعتها ليلى بسرعة :-
” كلا لم تتدهور …”
هتفت فاتن بصوت باكي :-
” لا تكذبي علي يا ليلى … هناك شيء ما حدث … شيءٍ سيء للغاية وهذا واضح من ملامح وجهك …”
همست ليلى محاولة التماسك قدر المستطاع أمام والدتها :-
” أبلغني الطبيب البارحة إن والدي دخل في غيبوبة …”
صاحت فاتن بعدم تصديق :-
” ماذا تقولين يا ليلى ..؟! ماذا تعنين ..؟! ماذا يعني دخل في غيبوبه …؟”
ثم نهضت من مكانها تسألها بدموع تساقطت فوق وجهها بغزارة :-
” هذا يعني إننا فقدنا والدك حقا ..؟! والدك سيبقى على حاله هذه ..؟! سيبقى فاقدا للوعي … ”
قالت ليلى محاولة تهدئتها :-
” سوف يستيقظ باذن الله … الطبيب قال إن سبب الغيبوبة هو نفسي .. حالته النفسية السيئة جعلته يرفض الإستيقاظ مجددا ..”
سألتها فاتن بحيرة :-
” ماذا يعني هذا ..؟!”
أكملت وهي تقبض على ذراعها بترجي :-
” هل يعني إنه سوف يستيقظ يوما ما …؟! هناك أمل أليس كذلك ..؟!”
قالت ليلى بنبرة مختنقة :-
” بإذن الله سوف يستيقظ .. أنا سأفعل كل ما بوسعي كي يستيقظ … ”
جذبتها فاتن تعانقها لا إراديا وكأنها تستنجد بها فسارعت ليلى تضمها لها والدموع طفرت من عينيها رغما عنها …
ابتعدت فاتن عنها بعد لحظات وجلست فوق السرير تمسح وجهها مرددة بتجيب :-
” يا إلهي ماذا أفعل ..؟! لماذا يحدث هذا معنا …؟!”
ربتت ليلى فوق كتفها تخبرها برجاء :-
” من فضلك لا تفعلي هذا الآن .. أنا أحتاجك يا ماما .. أحتاج قوتك وثباتك خاصة في المرحلة القادمة .. أحتاج لمن يساعدني فأنا لوحدي … ”
نظرت لها فاتن بحزن فهي تتحمل الكثير ..
حاولت أن تسيطر على دموعها وهي تردد بجدية :-
” معك حق يا ليلى … أنا يجب أن أكون أكثر قوة وصلابة في وضع كهذا …”
ابتسمت ليلى وهي تردد :-
” بالضبط … يجب أن نتحلى بالصبر والثبات …”
أضافت وهي تفرك جبهتها بتعب :-
” ما زال هناك مريم .. لا تنسيها .. انا لا أضمن كيف ستكون ردة فعلها عندما تعلم بما حدث …”
توقفت عن إكمال حديثها وهي تسمع صوت طرقات الباب يتبعه دخول الخادمة تخبرها ؛-
” الصغير يبكي يا ليلى هانم منذ وقت ليس بقليل دون توقف … ”
سألتها ليلى :-
” ماذا تفعل المربية إذا ..؟!”
قالت الخادمة بحيرة :-
” هي لا ذنب لها .. الصغير يبكي فقط وهي لا تفهم سبب هذا البكاء …”
” سآتي أنا ..”
قالتها ليلى بصوت مرهق لتتفاجئ بوالدتها تنهض من مكانها تردد :-
” بل سأذهب أنا إليه …”
هتفت ليلى بدهشة :-
” أنت ..؟!”
هزت فاتن رأسها بإيماءة مختصرة وتحركت خلف الخادمة متجهة الى غرفة الصغير لتبقى ليلى مكانها لدقيقتين قبل أن تتحرك خلفهما متجهة الى غرفة الصغير لتجد والدتها تحمله وتحاول تهدئه …
تأملت ليلى والدتها التي أخذت تهز الصغير بين ذراعيه وتحاول تهدئته بعدم تصديق مما يحدث ..
بدأ بكاء الصغير يخفت تدريجيا حتى إستكان بين ذراعي والدتها وغرق في نومه لتجد والدتها تتأمله بصمت امتد للحظات قبل أن تضعه بحذر شديد في سريره الصغير …
أخذت ليلى نفسا عميقا غير مستوعبة بعد للمشهد الماثل أمامها قبل أن تتحرك بسرعة بعيدا عن المكان وقلبها ينتفض بين أضلعها بطريقة لم تفهم سببها ..!
طرقت الخادمة على باب جناحها لتسمح لها جيلان بالدخول …
تقدمت الخادمة نحوها وهي تحمل معها صينية الطعام لتضعها على السرير جانبها وهي تخبرها :-
” الطعام يا جيلان هانم .. هل تريدين شيئا اخر ..؟!”
هزت جيلان رأسها نفيا عندما وجدت همسة تتقدم نحوها وهي تبتسم لها برقة قبل أن تسألها بعدما صرفت الخادمة :-
” صباح الخير عزيزتي … كيف حالك اليوم ..؟!”
ردت جيلان بخفوت :-
” أنا بخير …”
جلست همسة فوق السرير قريبا منها وقد ظهر بروز بطنها الصغير لتتأمله جيلان للحظات عندما سمعت همسة تقول :-
” إشتقت لك حقا يا جيلان بل جميعنا إشتقنا لك …”
تمتمت جيلان بخفوت :-
” وأنا كذلك .. إشتقت لكم …”
هتفت همسة وهي تشير نحو طعامها :-
” تناولي طعامك هيا … ”
ثم قربت الصينية منها لتجذب جيلان قطعة من التوست المحمص وتدهنها بمربى الفراولة ثم تقضم قطعة صغيرة منها قبل أن تعاود النظر الى همسة وهي تسألها بحذر:-
” أنت أيضا حامل مثلي … كم شهر مر على حملك ..؟!”
ابتسمت همسة ونص تضع كفها فوق بطنها تجيب :-
” خمسة أشهر … مثلك تقريبا …”
سألتها جيلان بتردد :-
” هل بدأ يتحرك ..؟!”
أجابت همسة وهي ما زالت محتفظة بابتسامتها الرقيقة :-
” قليلا …”
ثم سألتها بحذر :-
” وأنت ..؟! هل شعرتِ بحركته ..؟!”
ردت جيلان وهي تهز كتفيها :-
” لا أعلم .. ربما تحرك ولم أشعر … ”
” الحركة عموما تبدأ بين الشهرين الرابع والخامس ..”
قالها همسة بجدية لتهز جيلان رأسها بتفهم قبل أن تعاود تناول طعامها عندما أخبرتها همسة بجدية :-
” يمكنك سؤالي عما تريدين يا جيلان ومتى ما أردت ..!!”
نظرت جيلان نحوها بتردد قبل أن تسألها :-
” هل الولادة مؤلمة …؟!”
هتفت همسة تطمأنها :-
” كلا .. يعني ستتألمين قليلا بعدما ينتهي مفعول المخدر لكن ليس ألما شديدا …”
أضافت محاولة قدر المستطاع التخفيف من قلقها :-
” سيهتم الأطباء بك جيدا ويعطونك مسكنات تجعلك لا تشعرين بأي ألم …”
عادت جيلان تهز رأسها بصمت وهي تعاود إكمال تناول طعامها عندما نهضت همسة بعد لحظات تخبرها :-
“‘سأذهب الى جناحي ثم أعود بعد قليل .. أريد منك إنهاء الطعام كله .. حسنا …”
ثم تحركت خارج الجناح حيث ذهبت الى جناحها لتجد زوجها يقف أمام المرآة يغلق آخر أزرار قميصه عندما نظر لها متسائلا :-
” هل إستيقظت جيلان …؟!”
ردت وهي تسير نحو السرير :-
” نعم وتتناول فطورها أيضا ..”
أكملت وهي تجلس فوق السرير :-
” هذه الفتاة مسكينة حقا .. هي صغيرة جدا على كل ما يحدث معها …”
تمتم بخفوت :-
” للأسف …”
سألته بتردد :-
” هل تحدثت مع مهند …؟!”
استدار نحوها يجيبها :-
” كلا ، لم أتحدث معه بعد ..”
نطقت بهدوء :-
” لقد تحدث مع عمي مساء البارحة … لم تكن موجودا حينها … ”
قاطعها بجدية :-
” أخبرني والدني بذلك وأنا طلبت منه أن يتجاهل كلامه الأخرق فمهند هذا مجنون حقا ولا يجيد التصرف …”
قالت بتروي :-
” لكن تفكير مهند به جزء منطقي … زيجتهما واقعيا مستحيلة …”
عاد راغب يتأمل قميصه مرددا :-
” أشعر بوجود خلل ما في هذا القميص لا أدرك ماهيته …”
نهضت من مكانها متجهة الى الخزانة تبحث له عن قميص مناسب للون بذلته لتتقدم نحوه بعد لحظات وهي تخبره :-
” هذا القميص يناسب البذلة التي ترتديها …”
أخذ القميص منها بعدما شكرها لتسأله مجددا :-
” ماذا ستفعل مع جيلان يا راغب ..؟! الفتاة المسكينة لا يمكن أن تتحمل البقاء مع مهند من جديد وخاصة بعدما حدث …”
هتف راغب بجدية :-
” هي ليست مجبرة على البقاء معه ولكن هذا لا يعني أن يتطلقان .. بعدما حدث لا مجال للطلاق بينهما ..”
هتفت بعدم تصديق :-
” أنت تمزح بالطبع …”
رد ببروده المغيظ :-
” لمَ سأمزح …؟! الطفل يحتاج لرعاية أبويه … ”
إسترسل وهو يستدير نحوها بينما يفك أزرار قميصه ببطأ :-
” إذا كان مهند لا يعي ذلك فهذا لا يعني أن ندعمه في قراره الأهوج …”
” دعك من مهند الآن .. ماذا عن جيلان ..؟! ألا تفكر بها …؟!”
سألته بنبرة مشحونة ليرد بجدية :-
” جيلان ستندم ندم عمرها إذا تخلت عن طفلها الآن … هي ما زالت صغيرة ولا تعي ما تفعله …”
غمغمت بسخرية :-
” لكنك تعي كل شيء لذا ستقرر نيابة عنهما وتجبرهما على البقاء سويا لأجل الطفل …”
أجاب متجاهلا سخريتها :-
” بالطبع .. مصلحة الطفل فوق الجميع …”
هتفت من بين أسنانها :-
” ألم تتعظ من فعلتك السابقة وما أدت إليه فتحاول مجددا أن تتحكم في حياتهما ..؟!”
تمتم ببرود وهو يتقدم نحوها بعدما خلع قميصه :-
” كلا يا همسة .. لإن فعلتي كانت لأجلهما وسيأتي يوم ويدركان إنني ساعدتهما في تصحيح أخطائهما ..”
هتفت بإقتضاب :-
” أنت مستبد …”
ابتسم ببرود مرددا :-
” أعلم … أعلم ذلك جيدا يا همسة … ”
ثم مال نحوها يضيف بتهكم :-
” وأنت تعلمين ذلك جيدا و مع هذا ما زلت تفشلين في الإعتياد على ذلك …!!”
عقدت ذراعيها تخبره بتحدي :-
” ولن أعتاد لإنني أرفض طريقتك هذه يا راغب ولا أحبها ..”
سألها متهكما :-
” ومالذي تحبينه بي أساسا يا همسة …؟!”
رمشت بعينيها بإرتباك ليهمس ببرود :-
” أنت تكرهين كل شيء بي … ”
قاطعته بجدية :-
” ليس تماما لكنني أكره الكثير من صفاتك ولن أنكر هذا …”
ابتسم ببطأ قبل أن يقول :-
” تكرهين صفاتي التي لا تتناسب مع شخصيتك وطريقة تفكيرك … ”
تنهد ثم قال :-
” كان معك حق … نحن مختلفان تماما كإختلاف السماء عن الأرض او الشمس عن القمر …”
أضاف وهو يلوي فمه ببؤس مقصود :-
” ولكن للأسف لقد تورطنا ولم يعد هناك مجال للخروج من هذه الورطة .. لدينا طفلين والثالث في الطريق .. لذا نحن مجبورين على الإستمرار معا رغم كل إختلافاتنا …”
تأملته بجمود امتد للحظات قبل أن تهتف به :-
” سابقا كان قرار إرتباطنا لك واليوم قرار إستمرارنا من عدمه لك .. أتسائل متى سيأتي اليوم الذي تكون فيه قرارات حياة كلينا مشتركا بيننا يا راغب ..؟!”
أجاب بجدية :-
” أنت من وضعت نفسك في هذا الموقف يا همسة .. أنت من تباعدت تماما وتركت لي حرية القيادة لوحدي فلا تأتي الآن وتستنكري ما يحدث …”
هزت رأسها ببطأ تخبره بصدق :-
” معك حق … انا السبب … ”
ثم شمخت برأسها تنظر له وهي تضيف بقوة :-
” لكن عليك أن تعلم إنني لست نادمة على ما فعلته سابقا ولو عاد بي الزمن لكررته من جديد ..”
همت بالتحرك بعيدا لتجده يقبض على ذراعها يخبرها من بين أسنانه :-
” لا تنسي إن حتى تباعدك عني ليس قرارك وحدك … أنا من سمحت لك بهذا التباعد … أنا من منحتك الحرية الكاملة في الكثير من الأشياء …”
أخبرته ببرود وعيناها تناظرانه بجمود :-
” لإنك تعلم جيدا إنك تستحق ذلك .. ”
ثم دفعته بعيدا وهي تخبره بصلابة :-
” لا داعي لنبش ذكريات الماضي بكل ما فيها يا راغب .. لقد تعمدت أن ألغي الماضي من عقلي تماما وهذا فقط ما جعلني أتعايش معك حتى اليوم …”
قاطعها بجدية :-
” الماضي ما زال حيا داخلك يا مدام وإلا ما كان هذا حالنا أنت وأنت ..”
رمقه بنظرات رافضة وهي تؤكد :-
” أنت مخطأ إذا لإنني لو تذكرت الماضي ما كنت لأحيا معك ثانية واحدة…”
ثم تحركت تغادر الجناح بسرعة تهرب منه ومن ماضي ما زال حيا داخلها مهما أنكرت ..
كان تجلس في الحديقة تتأمل المكان حولها بشرود تام ..
لقد غادرت غرفتها أخيرا بعدما قضت الأيام السابقة في غرفتها معتزلة كل شيء لا تظهر الا وقت العزاء حيث تستقبل المعزين بثبات سرعان ما يختفي وهي تعود الى غرفتها مساءا تنفرد بنفسها فتنهار باكية بنحيب لا نهاية له …
عقلها لا يكف عن التفكير بوالدتها وكلماتها الأخيرة تتردد داخل أذنها و ووجها وتوسلاتها للغفران في لحظاتها الأخيرة لا تغيب لحظة عن بالها ونبرة صوتها ما زالت ترن في أذنيها ..
سارعت تمسح دموعا طفرت داخل عينيها عندما سمعت صوته الرجولي الرخيم يردد :-
” مرحبا يا غالية …”
رفعت وجهها نحوه تتأمله للحظات وهي تجيب :-
” أهلا شريف …”
جلس على الكرسي المقابل لها مرددا :-
” لم أركِ بعد الجنازة … أخبريني كيف حالك الآن ..؟!”
تذكرت إنها لم تستطع رؤيته سوى وقت الجنازة عندما قام بتعزيتها وتقبلت هي تعازيه بصمت ليغيب بعدها تماما حيث كان يتواجد في عزاء الرجال فقط ثم يغادر الى المشفى ما إن ينتهي وقت العزاء فلا يعود الى المنزل مع بقية رجال العائلة مساءا …
أجابته بصوت مبحوح :-
” أحاول أن أكون بخير …”
قال بجدية :-
” ستكونين بخير قريبا ان شاءالله …”
أضاف بثقة :-
” أنت قوية يا غالية وأنا أثق بقدرتك على تقبل رحيلها …”
همست تسأله بنبرة ضعيفة :-
” هل تعتقد ذلك ..؟! ”
أضافت بنبرة يغلفها اليأس :-
” لماذا أصبحت أشعر العكس إذا ..؟! أصبحت أرى نفسي ضعيفة ولا قدرة لي على التخطي …”
انحنى بجسده نحوها بحركة عفوية يردد بصدق :-
” هذا ليس صحيح أبدا .. أنت قوية يا غالية بل قوية جدا … أنت فقط مشوشة بسبب ما تعيشينه حاليا … ما حدث ليس سهلا ويحتاج وقت كبير لتخطيه لكنني كما قلت قبل قليل أثق بك وبقوتك …”
تمتمت برجاء والدموع عادت تملأ مقلتيها :-
” أتمنى ذلك حقا يا شريف ..”
ثم أخذت دموعها تتساقط فوق وجنتيها ليزفر أنفاسه وهو يردد :-
” بالله عليك لا تفعلي يا غالية .. توقفي عن البكاء لأجل والدتك على الأقل فهي بالطبع لا تريد أن تكوني حزينة أبدا …”
مسحت وجنتيها يكفيها ثم أخذت نفسا عميقا عدة مرات قبل أن تهمس بوجع :-
” أشعر بوجع كبير … كل شيء حولي يخنقني …”
أكملت بصوت باكي :-
” أصبحت لا أطيق الفيلا .. كل مكان فيها يذكرني بها …”
تنهد وهو يقول :-
” لا بأس … هذا طبيعي جدا في البداية .. الجميع يمر بهذه الحالة .. ستأخذين وقتا حتى تعتادين على الوضع الجديد …”
نهضت من مكانها تقول :-
” سأخرج قليلا ..”
نهض بسرعة هو الآخر يسألها :-
” إلى أين ستذهبين ..؟!”
هزت كتفيها دلالة على عدم معرفتها وهي تجيبه :-
” لا أعلم .. سأذهب إلى أول مكان يخطر على بالي ..فقط أريد الخروج وحالا ….”
سألها بتردد :-
” هل يمكنني الذهاب معك ..؟!”
أرادت أن ترفض فهي تريد البقاء لوحدها لكنها لم تستطع فإضطرت أن تهز رأسها بصمت ليقول شريف وهو يبتسم بهدوء :-
” تعالي معي في سيارتي إذا … ”
سارت جانيه حيث خرجت معه الى الكراج وركبت سيارته بعدما فتح الباب لها بينما اتجه هو يركب في الجانب الآخر غير منتبها لذلك الذي كان يهم بالدخول الى الفيلا بعدما حسم أمره وقرر تعزيتها بنفسه ….
تابع فادي ما يحدث بجبين متغضن قبل أن يسارع ويركب سيارته ويتبعهما دون وعي عندما وجده يتوقف قرب البحر فتهبط هي بسرعة من سيارتها وتتجه نحو البحر وتقف مواجهة له بينما بقي الشاب الآخر في سيارته قبل أن يهبط بعد قليل ويتقدم نحوها ..
سألها شريف بحذر وهو يقف جوارها :-
” هل تشعرين إنك أفضل قليلا ..؟!”
أجابت بتعب :-
” أشعر بالكثير يا شريف .. أشعر بوجع كبير لا نهاية له … أشعر بيأس بات يتملكني … أشعر بالإختناق الشديد والرغبة في البكاء والصراخ دون توقف ..”
” لا بأس .. جميع ما تشعرينه طبيعي جدا .. مع مرور الأيام ألمك سيخف … لا بد أن تبدئين بالنسيان وتتعايشين …”
سألته بصوت متلهف :-
” هل تعتقد ذلك يا شريف ..؟!”
تنهد وهو يجيب بينما عقله شرد في ماضي بعيد عندما فقد والده :-
” لا بد أن تتجاوزي يا غالية … هذه سنة الحياة …”
أضاف بتمهل :-
” الفراق أمر محتوم لا بد منه .. مهما طال الزمن سنفقد أحبائنا تدريجيا كما سيأتي يوم ونلحق بهم ….”
همست بعينيها الدامعتين :-
” ولكن حتى النسيان يحتاج وقت … ”
أضافت بمرارة :-
” وحتى لو تناسيت خسارة والدتي مع مرور الوقت وتقبلتها ، كيف سأنسى حقيقة إنها توفيت قبل أن أنهي خلافي معها ..؟! كيف أنسى تصرفاتي معها قبيل وفاتها …؟!”
شهقت بعدها باكية فتجمد مكانه وعقله يرفض التصديق إن من تبكي أمامه بتلك الطريقة المؤلمة هي نفسها غالية ابنة عمه التي أحبها لسنوات …
تأملها بعجز وهو لا يعرف ماذا يفعل ولا يستطيع أن يتصرف بأي طريقة ستبدو غير ملائمة ..
لحظات وتمكنت مشاعره منه في لحظة غير محسوبة فقبض على ذراعها يهمس لها بتوسل :-
” غالية اهدئي .. توقفي عن البكاء من فضلك ..”
ثم رفع وجهها بأنامله مرددا برجاء غير منتبها لذلك الذي كان يتابعه وتجمد مكانه وهو يراه قريبا منها لهذه الدرجة :-
” ارجوك اهدئي … لا بد أن تهدئي …”
وقبل أن تتحدث كان صوت فادي الحاد يصدح بإسمها بشكل جعلها تنتفض من مكانها لا إراديا بفزع …
التفتت غالية تطالعه بدهشة وهي تردد بعدم تصديق :-
” فادي … ماذا تفعل هنا ..؟!”
بالكاد سيطر فادي على نبرة صوته التي خرجت حادة دون وعي منه فتقدم نحوها يخبرها وهو يتجاهل ذلك الذي يقف جانبها عن قصد :-
” رأيتك صدفة ووجدتها فرصة مناسبة لتعزيتك وجها لوجه ..”
غزت الدموع عينيها بشكلٍ أكبر عندما غمغم وهو يمد كفه نحوها :-
” البقاء لله يا غالية …. ”
ردت غالية بنبرتها المبحوحة وهي تضع كفها داخل :-
” شكرا يا فادي …”
سأل شريف بنبرة خرجت جامدة :-
” من السيد يا غالية ..؟!”
همت غالية بالرد عندما نظر له فادي بثبات معرفا عن نفسه :-
” فادي خليل .. مقدم في الداخلية ..”
هتف شريف بنفس البرود :-
نقلت غالية بصرها بينهما وقد إنتبهت أخيرا للموقف الذي وُضعت به لقول بسرعة :-
” سيادة المقدم صديق لي …”
لكن فادي أكمل عنها :-
” في الحقيقة لم أكن أريد التصريح بذلك الآن ولكن لا بأس … أنت يجب أن تعرف … انا لست صديقها فقط .. انا وغالية بيننا مشروع إرتباط كان سيتم قريبا لولا ما حدث …”
تصلبت ملامح شريف كليا بينما نظرت لها غالية بدهشة ممزوجة بالإستنكار وهمت بالحديث عندما أوقفها فادي بنظراته المحذرة التي جمدتها كليا وهو يضيف بخشونة :-
” لا بأس يا غالية .. كان لا بد أن يفهم سبب قدومي إليك وتحدثي معك بهذه البساطة … ”
ثم أكمل بنبرة متثاقلة :-
” والآن أخبريني يا غالية ، من يكون السيد ..؟؟ “

google-playkhamsatmostaqltradent