رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات
رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الواحد و الخمسون 51
بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر
تقف بجانب النافذة الخارجية المطلة على الحديقة تتأمل غروب الشمس بشرود …
مرت ثلاثة أشهر ووضع أبيها كما هو دون تغيير …
أعضاءه الحيوية سليمة و وظائفها مستقرة ورغم ذلك ما زال يرفض الاستيقاظ وعلى ما يبدو إنه متمسك بتلك الغيبوبة بشدة …
رفعت كوبها الضخم ترتشف المزيد من القهوة علها تساعد في تخفيف ذلك الصداع المؤلم …
ثلاثة أشهر مرت بسرعة غريبة …
ثلاثة أشهر تضاعفت مسؤولياتها ما بين العمل ورعاية أخويها ومتابعة حالة والدها …
ثلاثة أشهر لم يتركها خلالها زوجها أبدا بل كان داعما لها وقدم لها الكثير سواء من خلال مساعدتها في عمل الشركة حيث لم يتوانى للحظة عن دعمها بل ساعدها في تسيير العمل المتفاقم ومنحها الكثير مما تحتاجه من خبرته الواسعة …
شقيقتها بدورها قررت دخول ميدان العمل بشكل فاجئها لكنها تفهمت رغبتها في دعمها بعدما أدركت سوء الوضع فوالدها راقد في غيبوبة لا نهاية لها والشركة ستنهار لا محالة خاصة بسبب الديون التي تفاقمت عليها فلم يكن بوسعها سوى المسارعة لدعمها والبدء في العمل معها محاولة الاستفادة مما تعلمته لسنوات في الجامعة ..
في بداية الأمر لم تأخذ تصرف مريم على محمل الجد ..
ربما لإنها تعرف شقيقتها ولم تتوقع منها أن تمنح شيئا مفيدا لكنها تفهمت رغبتها في المساعدة في هذا الوضع المتأزم ومنحتها الفرصة لتدخل الى الشركة وتبدأ العمل فيها رغم عدم قناعتها بهذه الخطوة لكن ما حدث فاجئها فمريم رغم كل شيء إستطاعت التعامل مع عمل الشركة وبدأت تدير الأعمال المنسوبة إليها بشكل لا بأس به مبدئيا ومع مرور الوقت أخذت تثبت إمكانياتها في إدارة أمور الشركة مما دفع كنان لمساعدتها بشكلٍ جدي وتقديم النصح لها وهي بدورها بدأت تستغل خبرته الواسعة فتستفيد منها بشدة …
تنهدت ليلى مفكرة إن شقيقتها تمتلك عقلا تجاريا جيدا كما قال كنان لكنها تحتاج الى الدعم و والمساعدة والخبرة الكافية لصقل ما تمتلكه من عقلية تجارية جيدة مبدئيًا كما قال زوجها والذي أثنى إعجابه بعقل شقيقتها التجاري كما وصفه …
لا تنكر إن هذا منحها شعورا من الراحة عندما أدركت إن مريم لديها الفرصة لتتحمل مسؤولية العمل بعد بضعة أعوام تكتسب منها الخبرة اللازمة والتي تحتاجها بشدة …
عادت ترتشف من قهوتها عندما وجدت مريم تدخل الى الغرفة دون استئذان كعادتها وهي تحمل ملفا يبدو إنها كانت تعمل عليه …
تقدمت مريم نحوها وهي ما زالت تنظر الى الملف لتقول بعدما وصلت إليها :-
” أعتقد إننا نحتاج الى توسيع نطاق العمل قليلا كي يرتفع نسبة المردود لدينا وبالتالي نستطيع إيفاء ديوننا بأسرع وقت …”
ثم نظرت الى شقيقتها التي قالت بأختصار متجاهلة طريقة دخولها رغم تحفظها عليها :-
” معك حق ….”
تأملت مريم شقيقتها التي كانت ترتدي روب الإستحمام خاصتها بينما صففت شعرها بطريقة أنيقة فتسائلت باستغراب:-
” هل ستخرجين الليلة ..؟!”
اتجهت ليلى نحو الطاولة ووضعت كوبها عليها ثم أجابت :-
” نعم .. سأذهب أنا وكنان الى حفلة لأحد أصدقائه ..”
أكملت وهي تجلس على الكنبة خلفها بتعب :-
” الصداع يلازمني منذ الصباح …”
قالت مريم بسرعة :-
” يمكنك ألا تذهبي طالما أنت متعبة الى هذا الحد …”
أكملت وهي تسير نحوها :-
” لست مجبرة على الذهاب …”
قالت ليلى بسرعة :-
” لقد وعدته أن أذهب ….”
عارضتها مريم :-
” لكنك متعبة ….”
تمتمت ليلى بجدية :-
” لا يمكنني التراجع … هذه المرة الأولى التي يطلب بها شيئا مني لشخصه … ”
توقفت قليلا ثم أكملت :-
” أنت تعلمين إنني طوال الثلاثة الأشهر الفائتة لم أخرج معه أو ألتقيه خارج جدران الشركة وحتى في المرات التي أتى بها الى هنا أحاديثنا كلها كانت تخص العمل ..”
” حسنا ولكن هذا لا يعني أن تجبري نفسك على الذهاب معه بسبب ذلك … لماذا تتصرفين وكأنك تحاولين رد جميله عليك ..؟!”
قالت ليلى بسرعة :-
” الأمر ليس كذلك بالضبط …”
قاطعتها مريم :-
” بل هو كذلك …”
توقفت للحظات قبل أن تكمل بجدية :-
” أصبحت أشعر إنك تفعلين ما تفعلينه فقط بدافع الواجب …”
اتسعت عينا ليلى برفض تجاهلته مريم وهي تضيف :-
” كنان قدم لنا الكثير .. أنقذ عبد الرحمن ومصطفى وعاد بهما سالمين إلينا وتصرف مع سهام بالشكل الذي تستحقه وأبعدها عن طريقنا الى الأبد … ساعدنا في موضوع بابا وتولى مسؤولية متابعة وضعه الصحي بشكلٍ كامل ناهيك عن دوره المستمر في دعم الشركة ومتابعته العمل معنا …. أنا أتفهم مقدار ما قدمه من معروف لنا وأتفهم إنك تحاولين تقديم ولو شيء بسيط مقابل ما فعله ..”
شحبت ملامح ليلى كليا بينما أكملت مريم بتروي :-
” لكن من فضلك لا تضغطي على نفسك الى هذه الدرجة … ”
هتفت ليلى بخفوت :-
” أنا لا أفعل …”
سألت مريم :-
” متى ستتزوجان ..؟!”
أجفلت ليلى من السؤال الذي بدا مفاجئا فنظرت مريم لها مضيفة بجدية :-
” ما بالك يا ليلى ..؟! هذا أكثر سؤال منطقي حاليا .. مرت عدة أشهر على عقد قرانكما … من المتوقع أن يقرر كنان إقامة الزفاف في أقرب وقت خاصة إن وضع والدي ثابت لا تغيير فيه …”
نهضت ليلى من مكانها تردد بخفوت :-
” نتزوج قبل أن يصحو والدي من غيبوبته …”
نهضت مريم بدورها تردد بدهشة :-
” هل تعتقدين إن كنان سينتظر ذلك …؟! أنت تعلمين إنه لا أحد يعلم متى سوف يستيقظ بابا من تلك الغيبوبة ….”
توقفت للحظة ثم أكملت بحشرجة :-
” ربما لن يستيقظ أبدا …”
هتفت ليلى تؤنبها :-
” لا تقولي هذا من فضلك …”
مسحت مريم على وجهها بتعب قبل أن تقول :-
” عليك أن تستوعبي ما هو قادم يا ليلى … أنا خائفة عليك … أشعر إنك لست مستعدة لخوض هذه التجربة حاليا والاسوء شعوري بإنك سوف تخوضين هذه التجربة بدافع الامتنان …”
هتفت ليلى بتردد :-
” انا وكنان تزوجنا يا مريم … تم عقد قرانا منذ ثلاثة أشهر..”
توقفت قليلا ثم أكملت :-
” كنان ساعدني كثيرا .. قدم لي الكثير دون أن يطلب مقابل …”
قاطعتها مريم :-
” ربما يعتبرك أنتِ المقابل ….”
تطلعت ليلى إليها بصمت لثواني قبل أن تهتف بحيادية :-
” ربما ذلك بالفعل …”
قالت مريم بعدم تصديق :-
” وأنت بدورك تتزوجينه بسبب ما فعله وقدمه لنا جميعا … هل تعتقدين إن هذا تصرف منطقي ومناسب ..؟!”
قاطعتها ليلى معترضة :-
” أنا لم أقل ذلك … أساسا انا وافقت على الزواج منه قبل أن يحدث كل هذا …”
” حقا ..؟! ألم تكن شراكتنا معه ومساعدته الصريحة لشركتنا بوضعها المتأزم هو أحد الأسباب الذي دفعتك لقبول عرض زواجه …؟! هل تستطيع أن تنكرين إن هذا كان أحد الأسباب ..؟!”
قالت ليلى بجدية :-
” معك حق ولكن هناك أسباب أخرى بالطبع …”
” دعك من الماضي … حدثيني عن الحاضر .. هل أنت مستعدة للزواج منه ..؟! هل ترضين بذلك لإنك تريدينه حقا وتريدين تأسيس حياة معه أم فقط كنوع من رد الجميل والتعويض ..؟! ”
لم تجب ليلى فأضافت مريم بإصرار :-
” لو لم يفعل كنان ما فعله طوال الأشهر الثلاثة الفائتة ، هل كنت سترغمين نفسك على مرافقته الليلة وتعتبرين زواجك منه أمر واجب جاري تنفيذه ..؟!”
تطلعت ليلى اليها لثواني دون تعبير واضح قبل أن تهز رأسها نفيا ثم تقول :-
” كلا ، الوضع سيكون مختلفا ولكن هذا لا يعني إنني كنت سأرفض إتمام الزواج …”
” ولكنك كنتِ سوف تراجعين نفسك على الأقل والأهم إنك كنتِ قادرة أن تحصلي على الوقت الكافي للتعرف على كنان جيدا وعن قرب …”
قالتها مريم بثقة وهي التي بات تدرك ما يدور في رأس شقيقتها لتهز ليلى رأسها بصمت مؤكدة كل ما تفوهت به مريم التي أنهت حديثها بحزم :-
” الزواج لا يقوم على هذه الأسباب يا ليلى وتضحيتك الآن ستندمين عليها لاحقا … لا تتصرفي بحماقة وتنجرفي خلف تضحية جديدة غير واضحة المعالم كما حدث مسبقا … حاولي أن تستفيدي من تجربتك السابقة وتضعيها نصب عينيك عندما تقررين إتخاذ أي خطوة جديدة في حياتك …”
خرجت من غرفتها بعدما أنهت كلماتها تاركة شقيقتها تتابع آثرها بصمت وعقلها أخذ يفكر في كلام شقيقتها فتعود وتؤنب نفسها بشدة فهي أخذت عهدا على نفسها أن تتوقف عن حماقة الماضي وتتخذ قراراتها بعيدا عن العواطف التي ما زالت على ما يبدو تؤثر بها بل وتحركها أيضا ..
جاورته في سيارته بصمت تتابع الطريق من نافذة السيارة بذهن شارد وعقلها رغما عنه يراجع حديث شقيقتها مرارا …
كانت شارة تماما عندما شعرت بكفه تضغط فوق كفها لتجفل لا أراديا وهي تنظر إليه فتجده يمنحها إبتسامة جذابة وهو يسألها بإهتمام :-
” هل أنت بخير ..؟!”
حاولت أن تخفي حيرتها وتشوشها الواضح وهي تجيبه :-
” نعم ، بخير ….”
عاد يركز ببصره على الطريق أمامه بينما يحدثها :-
” تبدين العكس ….”
سألته بحيرة :-
” لماذا تقول هذا ..؟!”
أطلق تنهيدة بطيئة ثم قال بعدما منحها نظرة سريعة :-
” مالذي يؤرقك يا ليلى …؟!”
أشاحت وجهها نحو النافذة مجددا وهي تجيب بخفوت :-
” لا شيء …”
قال بإيجاز :-
” أعلم إن هناك ما يؤرقك … لا يمكنك أن تكذبي علي ..”
سألته بعفوية :-
” هل أبدو شفافة الى هذا الحد ..؟!”
ابتسم بهدوء ثم أجاب :-
” أنت شفافة بالفعل … طبيعية ولا تجيدين التمثيل او المراوغة …”
ثم مال نحوها قليلا يضيف بخفة :-
” وهذا أجمل ما فيك …”
قابلت إبتسامته الجذابة بإرتباك أزعجها فأشاحت بوجهها مجددا وهي تتمتم :-
” أنا بخير … فقط متعبة …”
هتف بجدية :-
” لن أضغط عليك … لن أجبرك على قول ما لا تريدين ولكن تذكري متى ما إحتجتني ستجديني أمامك وكلي آذان صاغية لك …”
كانت تود أن تسأله عن السبب الذي يجعله مهتما الى هذا الحد ويرغب في مساعدتها الى هذه الدرجة ..
الكثير من الأسئلة تعتمل داخلها ولا تعتقد إنها ستجد جوابا وافيا لها يوما ما …
توقفت عن أفكارها عندما وجدته يصف سيارته في كراج المكان قبل أن يخرج من السيارة ويتجه نحوها حيث يفتح لها الباب ثم يمد كفه لها لتضع كفها في كفه ورغما عنها يزاولها ذلك الشعور الغريب مجددا ..
مزيج من الأمان والثقة .. هي باتت تشعر بالأمان في وجوده وتلك حقيقة لا مفر منها …!
تحركت جانبه ويدها ما زالت داخل يده حيث توجها الى الداخل ليستقبلها صديقه الذي رحب بهما بحرارة ومعه زوجته الجميلة التي رحبت بها خصيصا وهي تخبرها عن سعادتها بالتعرف عليها وهي التي تراها لأول مرة ثم ما لبثت أن إعتذرت لها على عدم قدومها حفل الخطبة بسبب سفرها هي وزوجها خارج البلاد وقتها مع تأكيدها إنها ستتواجد في حفل الزفاف بكل تأكيد غير مدركة إنها عادت تمنحها التردد والخوف من جديد ..
حاولت أن تتجاهل مشاعرها المضطربة وهي تندمج في أجواء الحفل وقد نجحت في ذلك فمر الوقت بشكل جيد عليها عموما حتى مرت أكثر من ساعة ونصف سريعا دون أن تنتبه ..!
كانت تقف بجانب كنان يتحدثان مع صديق له عندما تقدمت حسناء جميلة عرفتها ليلى على الفور فهي نفسها الفتاة التي تقدمت لتهنئتها يوم الخطبة مع والدتها …!
سارعت الفتاة تعانق كنان وتقبله بحميمية ذكرتها بيوم الحفلة ولم تغفل ليلى عن تشنج كنان الواضح وهو يبادلها تحيتها قبل أن تمنحها الفتاة نظرة مبهمة تتبعها تحية عابرة قابلتها ليلى بهزة سريعة من رأسها ولا مبالاة مشابهه …
نظرت ليلى الى كنان تسأله بعد رحيل الفتاة :-
” هل كان هناك شيء يجمعك بها سابقا ..؟!”
هتف بسرعة وصدق :-
” بالطبع لا …”
أضاف بجدية :-
” مايسة صديقة مقربة للعائلة .. أعرفها منذ الطفولة … ”
تنهد ثم قال :-
” هي تميل إلي قليلا …”
رفعت حاجبها بطريقة ساخرة فأكمل بنفس الجدية :-
” لكنني لم أكن كذلك …”
سألته بجدية :-
” لماذا …؟! هي فتاة جميلة للغاية …”
قاطعها بهدوء :-
” الفتيات الجميلات لا يوجد أكثر منهن …الأمر لا يتعلق بالجمال … انا فقط لم أرها كزوجة مستقبلية لي … هكذا فقط …”
كان يتحدث بسلاسة وصدق واضح وهي بدورها أرادت أن تجادله قليلا لكنها لم تكن تمتلك المزاج الكافي لذلك …
لحظات ووجدته يستأذن منها ليتحدث مع أحد رجال الأعمال الذي يجمعه به عمل مهم فتأملت ترحيب الرجل كبير السن به واندماج كنان بالحديث معه …
رفعت كأس عصيرها ترتشف منه القليل وهي تتأمل المكان حولها بوجوم ..
فجأة شعرت بنفسها غريبة وسط هذا الجمع من الناس وكأنها لا تنتمي الى هذا الجمع بكل ما فيه …
سيطر شعور الغربة عليها وشعرت برغبة كبيرة داخلها بالهرب ..
يبدو إن كلام شقيقتها ترك آثرا واضحا داخلها وهاهي تشعر بمدى التشتت الذي سببتها كلماتها لها فهي تائهة ما بين رغبتها في إتمام هذه الزيجة ورغبة مخالفة تماما تدفعها للهرب بعيدا …
شعرت بعينين مسلطتين عليها بإهتمام جعل وجوم ملامحها يزداد …
تجاهلت إبتسامة رحبة تشكلت على ثغره وهو يهز رأسه بتحية لم تبالِ بها عندما تحركت بعدم إهتمام متجهة الى بوفيه الطعام تبحث عن مشروبا ترتشفه بعدما إنتهى مشروبها الحالي ..
وقفت تتأمل أنواع العصائر المختلفة بنفس الوجوم عندما سمعت صوتا خلفها يتفوه بخفة :-
” لم أكن أعتقد إن إختيار نوع العصير الذي نتناوله محير الى هذا الحد …”
إلتفتت نحوه ترمقه بحدة ناقضت ملامحها الرقيقة ليحافظ على إبتسامته وهو يردد ببرود :-
” مرحبا …”
هتفت بحدة :-
” نعم …!!”
سحب كأس عصير وهو يخبرها بجدية :-
” يمكنني مساعدتك في الإختيار …”
كادت أن تصيح به بطريقة غير لائقة عندما وجدته يضيف بتروي :-
” حسنا أعتذر .. لست من النوع المتطفل ولكن …”
توقف قليلا ثم أضاف :-
” شاهدتك وأنت تقفين لوحدك والحزن واضح في عينيك …”
أكمل وهو يحاوط وجهها الصبوح بعينيه الهادئتين :-
” ملامح وجهك الجميلة لا تستحق أن يسيطر عليها الحزن أبدا …”
شعرت بإن حديثه صادق وعفوي وليس بدافع المغازلة الفعليه المشوبة بالوقاحة …
همت بقول شيءٍ عندما سمعته يضيف بنفس البساطة :-
” لم نتعرف بعد …”
رفعت حاجبها تتأمله بنظرة لا مبالية وهي تخبره بترفع مقصود :-
” ليلى … ”
” فقط ..!”
قالها وهو يبتسم ببرود لتتسائل بإستخفاف :-
” هل تريد هويتي أيضا …؟! ”
ابتسم بخفة مرددا :-
” أليس هناك إسم عائلة يتبع إسمك ..؟!”
سألته بتحفز وقد بدأ صبرها ينفذ :-
” من أنت ..؟! ”
أكملت وهي ترمقه بنظرة باردة :-
” هل أتيت هنا بدافع التعرف على فتيات المكان ..؟!”
رد ببساطة :-
” بل لأجل معالجتهم ..”
” نعم ..!!”
رددتها بعدم إستيعاب ليكتم ضحكته وهو يقول :-
” بالمناسبة … انا طبيب .. طبيب نفسي …”
مطت شفتيها تعلق :-
” حقا ..؟! وماذا تفعل هنا أيها الطبيب ..؟! هل أخطأت في عنوان المشفى ..؟!”
قال ببرود مماثل :-
” أنا ضيف هنا .. مثلي مثلك ..”
أكمل وعيناه تدوران في المكان بعدم إهتمام :-
” وأنا لدي عيادة خاصة بي .. يمكنكِ أن تزوريني فيها …”
أضاف عن قصد يكتم إبتسامة خبيثة :-
” بناء على نظرتي الأولى تبدين بحاجة الى علاج نفسي .. لكن لا تقلقي مشاكلك بسيطة .. بضعة جلسات مع بعض المهدئات تفي بالغرض ..”
بدا لها هذه المرة مستفزا كريها أكثر من اللازم عندما همت بقول شيء لا يليق بها لكن قدوم أحدهم مناديا عليه من الخلف :-
” عادل ….”
إلتفت عادل نحو الشخص المنادي له وكذلك فعلت ليلى لتتسع عيناها بعدم إستيعاب مرددة بتجهم :-
” هذا ما كان ينقصني …”
بينما نقل القادم بصره بينهما للحظة قبل أن يهتف به :-
” ماذا تفعل هنا يا عادل ..؟! أنا أبحث عنك منذ مدة …”
أضاف وهو ينظر نحوها متسائلا بجدية :-
” أعتقد إننا إلتقينا مسبقا .. أليس كذلك ..؟!”
أومأت برأسها وهي تخبره بنبرة جافة :-
” مرتين أو ثلاثة على ما أعتقد …”
لقد تذكرته على الفور … ذلك المغرور .. ابن الوزير …لكنها لم تتذكر إسمه …
سأله عادل بإهتمام :-
” هل تعرف الهانم يا أثير …؟!”
أجاب أثير وهو ينظر لصديقه هذه المرة :-
” نعم .. جمعتنا الصدفة مسبقا …”
قطع حديثه وهو يرى كنان يتقدم نحوهم ليعرفه أثير على الفور فيرحب به وهو يسأله :-
” كيف حالك يا بك ..؟!”
رد كنان وهو يبتسم له برزانة :-
” بخير أثير بك …”
أكمل وهو يسأله بإهتمام :-
” كيف حال سيادة الوزير …؟! ”
” بخير الحمد لله …”
قالها أثير بجدية قبل أن يعرف كنان على صديقه عادل والذي عرف كنان والده على الفور قبل أن يتبادل معهما أحاديث سريعة ثم يخبرهما بجدية مشيرا الى ليلى :-
” ليلى خطيبتي …”
ابتسم أثير بلباقة وهو يردد :-
” تشرفت بمعرفتك يا هانم …”
وفعل عادل المثل عندما تحركت بعدها ليلى بعيدا مع كنان وبقي عادل مع صديقه الذي سأله :-
” ماذا كنت تفعل معها …؟! ”
رد عادل بجدية :-
” حسنا ، كانت تقف لوحدها وملامحها يسيطر عليها الحزن أو ربما الضياع … ”
رفع أثير حاجبه مرددا بتهكم :-
” هل أتيت الى هنا لتطبق على الموجودين ما درسته في علم النفس ..”
ضحك عادل مرددا بصدق :-
” والله أبدا .. الفتاة جذبت إنتباهي لا أكثر …”
هتف أثير بجدية :-
” إنها خطيبة كنان نعمان ولا داعي أن أخبرك من يكون كنان نعمان …”
هتف عادل بسرعة وصدق :-
” أقسم لك إن الأمر ليس كما تعتقد …”
أضاف بجدية :-
” أنت تعرف إنني لا أفكر في موضوع الارتباط حاليا …”
تمتم أثير :-
” أعلم ..”
ثم أضاف ببرود:-
” إذاً كنت تبحث عن مريض جديد … ”
أضاف بسخرية لاذعة :-
” لم أكن أعلم إن وضع عيادتك متردي الى هذا الحد …”
منحه عادل إبتسامة باردة وهو يخبره بدوره :-
” يمكنك أن تأتي وترى وضع العيادة بنفسك يا باشا …”
غمغم أثير ببطأ :-
” شكرا ولكنني لست مريضا نفسي لأحتاج الى طبيب نفسي…”
هتف عادل بصدق :-
” جميعنا مرضى نفسيين بشكل او بآخر يا عادل … لا أحد منا سليم بشكل كامل …. ”
ثم حمل كأس عصيره يرتشف منه القليل وهو يكمل ثرثرته مع صديقه …
في صباح اليوم التالي ..
وقفت أمام المرآة تتأمل بطنها ذات الانتفاخ الضئيل قليلا مقارنة بشهور حملها التي تجاوزت الستة أشهر عندما شعرت بذراعه تحيط جسدها وهو يسألها :-
” هل جاهزة للمغادرة ..؟!”
أومأت برأسها وهي تبتسم له قبل أن تتجه وتسحب حقيبتها ليقبض على كفها ويخرجان سويا من غرفتهما …
لقد مرت الأشهر سريعا ما بين حزن وألم وغضب وتوتر كان لا بد أن يختفي في النهاية …
وهاهي الآن تنتظر قدوم طفلتها بسعادة لا يمكن وصفها …
سعادة سيطرت على نديم رغم الألم الكامن داخله والذي يظهر عليه في بعض الاوقات رغما عن محاولاته لإخفاء حزنه ووجعه بمهارة …!
هبطت درجات السلم معه لتجد غالية تهم بالمغادرة الى الشركة عندما توقفت وهي تمنحهما التحية قبل أن تهتف بإبتسامة :-
” ستذهبين الى الطبيبة اليوم إذا …”
أكملت وهي تلمس بروز بطنها برقة :-
” حبيبة عمتها ستكون بصحة جيدة بإذن الله ….”
سألها نديم بجدية :-
” هل ستتأخرين اليوم …؟!”
ردت بسرعة وهي تتذكر موعدها مع فادي :-
” في الحقيقة سأتناول العشاء في الخارج اليوم …”
هزت رأسه بتفهم متجاهلا التساؤلات الملحة داخله فهو إرتاح قليلا بعدما وجد وضعها النفسي يتحسن لتتحرر تدريجيا من حالة الإنغلاق التي سيطرت عليها وتتعايش مع حقيقة خسارتها لوالدتهما ….
واليوم يجدها تعايشت مع الوضع وعادت لحياتها السابقة بشكل يبث الراحة في نفسه وإن أدرك داخله إن ما حدث ترك آثرا داخلها ليس محببا على الإطلاق لكنه يأمل أن تختفي آثاره مع مرور الزمن …
تحرك بعدها مع حياة حيث ركبا سيارته متجهين الى الطبيب …
التفت نحوها يتأمل إبتسامتها الفرحة وهي تضع كفها فوق بطنها ونظراتها شاردة بنفس السعادة …
ابتسم وهو يخبرها :-
” كالعادة … الإبتسامة لا تترك شفتيك لحظة واحدة في يوم موعدنا مع الطبيبة …”
نظرت له وقالت بعفوية :-
” اليوم سأرى إبنتي لذا من الطبيعي أن أفرح ..”
أضافت بصدق وهي تميل نحوه :-
” كما إنني سعيدة بك فأنت تبدلت في الشهر الأخير رغم عدم معرفتي سبب هذا التبديل …”
تجاهل حديثها الأخير وهو يراوغها قائلا :-
” أنت لا تفرحين عندما تريني كما تفرحين عندما ترين ابنتك … ”
أضاف بخفة :-
” شمس هانم لم تأتِ بعد وبدأت تستحوذ عليكِ كليا …”
رمقته بنظراتها وهي تردد :-
” كلا منكما له مكانته …”
قاطعها بخبث :-
” لا تنكري إن مكانتها مختلفة …”
أحاطت بطنها بكفيها وهي تخبره :-
” لن أنكر …”
ثم تنهدت بصوت مسموع وهي تضيف :-
” إنها طفلتي … قطعة من روحي …”
رفع حاجبه يسألها :-
” وأنا …”
التفتت له تطوقه بنظرة عاشقة وهي تخبره بصدق سلبه كيانه كله :-
” أنت توأم روحي ….”
ابتسم لها بصدق قبل أن يجذب كفها من فوق بطنها ويقبله بينما عينيه تتابعان الطريق بتركيز …
وصلا بعدها الى الطبيبة التي بدأت الفحص المعتاد ككل شهر حيث طمأنتهما على صحة الطفلة التي تنمو بشكل رائع كما قالت …
غادرا بعدها بملامح سعيدة عندما أخبرها إنه سيأخذها لتناول الطعام في أحد المطاعم حيث إختار مطعما يطل على البحر وطلب لها العديد من الأطعمة فسألته بدهشة بعدما غادر النادل :-
” لمَ كل هذه الأطعمة الكثيرة …؟!”
هتف بجدية :-
” أنت حامل وتحتاجين الى تغذية …”
هتفت مبتسمة :-
” أنا أتناول ما أحتاجه من الطعام ولا أقصر أبدا …”
أضافت وهي ترمقه بحب :-
” وأنت بدورك لا تتوقف عن رعايتي بل تطعمني بنفسك في كثير من الأحيان وكأنني طفلة صغيرة …”
قال وهو يبتسم لها بصدق :-
” طالما أنا حي سأسعى دائما لرعايتك وتدليلك …”
مازحته مرددة :-
” في العادة النساء مطلوب منهن تدليل الرجال ….”
تمتم بخفة :-
” نحن نختلف عن البقية …”
هتفت بصدق :-
” أنت بالفعل تختلف عن البقية …”
مازحها بدوره :-
” حديثك هذا يضاعف من غروري ….”
ابتسمت بهدوء ثم مدت كفها تقبض على كفها تخبره بما يدور في رأسها :-
” هناك شيء ما يؤرقك ترفض الإفصاح عنه ولكنني أشعر بذلك …”
بادلها نظرات صامتة لتضيف وهي ما زالت تحتفظ بإبتسامتها:-
” أخبرني ماذا هناك … مالذي يشغلك لهذه الدرجة …؟!”
رفع كفه ووضعه فوق كفها قائلا بجدية :-
” ستعرفين كل شيء قريبا … ”
أضاف وهو يشدد من قبضته على كفها :-
” ولكن عليكِ أن تدركي دائما إنني سأفعل المستحيل لأجل أن نحيا ثلاثتنا الحياة التي نستحقها مهما كلفني ذلك …”
نطقت بتروي :-
” عن نفسي أحيا الحياة التي أستحقها بوجودك معي يا نديم وبقدوم صغيرتنا ستكتمل حياتنا بإذن الله فقدوم شمس سيتمم سعادتنا …”
ابتسم على ذكر إسم طفلته ثم قال بجدية :-
” أنا سأمنح طفلتي الحياة التي تستحقها وتليق بها وأنت عليك أن تسعدي لذلك …”
همست دون تردد :-
” جميع ما تقوله ليس مهما بقدر وجودك معنا … عليك أن تعلم إن وجودك معنا كافيا لكلينا وبدونك كل شيء سيصبح ناقصا يا نديم …”
شرد في كلماتها لوهلة قبل أن يهز رأسه بصمت وهو يبتسم لها ويقول :-
” كوني على ثقة إنني سأفعل المستحيل لذلك .. فقط ثقي بي ولا تقلقي …”
هتفت بصدق :-
” أنا أثق بك أكثر من نفسي حتى يا نديم …”
أتى بعدها النادل بالطعام ليتناولان طعامهما سويا قبل أن يطلب نديم بعدها من النادل أن يأتي بالقهوة له والعصير لها عندما هتفت بعدما غادر النادل :-
” الامتحانات النصفية بعد اسبوعين … انا قلقة جدا …”
هتف بجدية :-
” لا تقلقي … انا معك …”
سألته بجدية :-
” هل سوف تساعدني في الدراسة ..:؟!”
” بالطبع …”
قالها بجدية وهو يضيف :-
“ستكونين الاولى هذه السنة ايضا باذن الله …”
همست بخفوت :-
” لا أعتقد ذلك …”
ابتسم مرددا :-
“ستفعلين وأنا معك …”
تمتمت بصدق :-
” أنا أحبك …”
ربت على كفها ثم قال :-
” هدية تخرجك ستكون مفاجئة لك …”
تمتمت ضاحكة :-
” أحب تشجيعك الدائم لي ….”
تنهد وهو يقول :-
” أنا يهمني كثيرا مستقبلك يا حياة خاصة وأنا أعلم جيدا إنك تطمحين للكثير في مجال دراستك ….”
تأملته بحب باتت لا تتردد في الإفصاح عنه سواء بالحديث او النظرات .. حب لرجل يستحق … رجل كل يوم يمر عليها معه ترى نفسها الاكثر حظا في هذا العالم لإنه كان نصيبها هي …
جلست جانبه تتأمل المكان حولها بإهتمام لا يخلو من القليل من الدهشة …
كانت قد تركت نفسها له اليوم كعادتها حيث سيأخذها الى مكان على ذوقه ….
ما زالت تتذكر المرات التي خرجت بهما معه تارة على ذوقها وتارة على ذوقه واليوم طلبت منه أن يختار مكانا على ذوقه وهاهو جلبها الى سهرة مسائية في مكان لا يمكن وصفه مطعم بالمعنى الفعلي ولكنه عبارة عن مكان واسع مفتوح تتوزع داخله الطاولات التي تختلف مساحتها ما بين طاولات تتسع لأربعة أشخاص او ثمانية وأخرى عشرة حيث جلست قباله على طاولة تتسع لأربعة أشخاص والأجواء حولها بدت مختلفة تماما بدءا من ديكور المكان وطبيعة الطاولات المنخفضة قليلا والتي تحيط بها مقاعد عريضة ذات مخدات واسعة مريحة فبدت تشبه الجلسات العربية القديمة بشكل أكثر حداثة ….
وهناك في مقدمة المكان فرقة موسيقية تعزف وتغني مجموعة من الأغاني القديمة الشهيرة في جو مميز ..
حتى الطعام كان مختلفا فقائمة الطعام لا تحتوي سوى على بضعة أكلات شرقية فطلب لهما الأرز مع اللحم المشوي واللبن الرائب والمقبلات والسلطات ..
كان الجو في المكان رائعا بقدر ما هو غريبا قليلا فأخذت تتأمل الفرقة الإستعراضية التي حضرت الى المكان تؤدي بعض الرقصات الشهيرة على أنغام الموسيقى وتدريجيا إندمجت مع المكان وأجواءه الصاخبة رغم إختلافها كما إعتادت أن تفعل في كل مكان جديد يأخذها إليه ….
مر الوقت سريعة وغادرا المكان وهي تشعر بالسعادة وقد بدلت أجواء السهرة المختلفة مزاجها اليوم والذي تبدل كليا بعدما تشاجرت مع عمار كعادتها في الفترة الأخيرة …
جلست بجانبه في سيارته ليسألها بجدية :-
” هل تريدين العودة الآن ..؟!”
سألته :-
” أين ستأخذني إذا رفضت العودة الآن ..؟!”
هز كتفيه مجيبا ببساطة :-
” الى المكان الذي تريدينه …”
ابتسمت له ثم أخبرته عن رغبتها في الذهاب الى البحر والجلوس أمامه في الهواء الطلق وقد فعل ما أرادت حيث أخذها الى البحر وطلب لها الذرة المسلوقة بعدما رفضت أن تتناول المشوية مثله …
بعد قليل كانت تجلس بجانبه تتناول من قدح الذرة خاصتها بينما نسمات الرياح العالية تحرك خصلات شعرها الناعمة عندما رددت وهي تحرك الملعقة البلاستيكية الصغيرة داخل القدح :-
” أنت دائما ما تأخذني الى أماكن غريبة … يوما مطعم شعبي ويوم آخر في سوق شعبي لم أدخله يوما واليوم في سهرة غريبة و …”
صمتت قليلا ثم تسائلت وهي تضيق عينيها :-
” هل تتعمد أخذي إلى هذه الأماكن لغاية ما ..؟!”
ضحك مرددا بخفة :-
” أية غاية بالله عليك .. ثانيا أين المشكلة في هذه الأماكن..؟! على العموم لا تتضايقي .. المرة القادمة سآخذك الى أحد الأماكن الراقية التي تعتادين على إرتيادها..”
زمت شفتيها تردد :-
” الفكرة ليست هنا .. انا بالفعل مستمعة بذهابي الى تلك الأماكن الجديدة علي وإكتشاف أشياء أراها لأول مرة ولكن ..”
توقفت فسألها بإهتمام :-
” ولكن ماذا ..؟!”
رددت مبتسمة بخفة :-
” أحب أن نذهب سويا الى مكان هادئ يمنحنا الفرصة للتحدث والإستمتاع بهدوء المكان ورقيه ..”
هتف ممازحا :-
” ها نحن نجلس أمام البحر والمكان حولنا هادئ للغاية فلا نسمع سوى صوت أمواج البحر و ..”
قاطعته وهي تضع قدح الذرة جانبا :-
” هذه الذرة ليست لذيذة ..”
رفع حاجبه يردد :-
” حقا ..؟!”
هزت رأسها فيسألها مبتسما :-
” ماذا تريدين أن تتناولي إذا ..؟!”
أجابت بدلال :-
” أريد من تلك الذرة المشوية التي تناولتها قبل قليل .. ألم تقل إنها لذيذة ..؟!”
رفع حاجبه مجددا يرد بدهشة :-
” ألم أعرض عليك شراء واحدة لك معي ورفضتِ ..؟!”
مطت شفتيها تردد :-
” والآن أريد منها ..لم أعهدك بخيلا يا سيادة المقدم ..”
” تعرفين إنني لست كذلك …!!”
أضاف وعيناه ترمقانها بنظرة باتت تحبها أكثر من أي شيء :
” أنتِ فقط تتدللين علي يا غالية ..”
سألته وهي ترفع ذقنها بكبرياء :-
” ألا يحق لي ..؟!”
ردد مبتسما وهو يتأملها بحب لم يعد يخفيه :-
” بل أنتِ وحدك من يحق لها الدلال …”
نهض من مكانه متجها نحو بائع الذرة بينما تتأمله هي بسعادة غامرة …
عاد إليها وهو يحمل قطعة الذرة المشوية لتأخذها منه وتتناولها بصمت عندما سألها بإهتمام :-
” إذا … ”
نظرت له وهي تسأله بدورها :-
” ماذا ..؟!”
هنف مبتسما :-
” الجو لطيف جدا ..”
رمقته بنظراتها وهي تردد بخفة :-
” جدا … ”
أكملت وهي تتسائل بمشاكسة :-
” أتسائل الى المكان الذي ستأخذني إليه المرة القادمة ..؟!”
ابتسم مرددا بعبث :-
” الى المحكمة ..؟!”
سعلت مرددة بصدمة مصطنعة :-
” سوف تسجنني يا فادي …”
همس وهو يغمز لها :-
” نعم سوف أسجنك ولكن في منزلي ومعي …”
إحتقنت ملامحها كليا فحاولت الحفاظ على رباطة جأشها عندما قالت :-
” أصبحت تمزح كثيرا على غير العادة ..”
نظر لها مرددا بجدية :-
” انا لا أمزح يا غالية .. أظن إنك تدركين جيدا إنني رجل واضح وصريح ولا أحب اللف والدوران .. مثلما تدركين جيدا إن هذا الوضع يجب أن ينتهي بالنهاية التي تناسبه …”
بللت شفتيها بلسانها وهي تردد :-
” معك حق ….”
هم بالتحدث عندما قالت بسرعة :-
” ولكن قبلها لدي طلب بسيط ..”
” قولي ما تريدينه ..”
قالها بإهتمام وترقب لتسأله مبتسمة :-
” أريد قطعة زلابية من ذلك البائع …”
كح مرددا بعدم إستيعاب :-
” هذا هو الطلب يا غالية ..؟!”
هزت رأسها وهي تبتسم بتثاقل ليردد مازحا :-
” شهيتك دائما مفتوحة هكذا أم إنه تأثير وجودي …”
رددت ببرود :-
” بل هو تأثير البحر وهواءه يا فادي … أنت لا دخل لك بالأمر من الأساس …”
كظم غيظه وهو ينهض من مكانه يسألها :-
” هل تريدين شيئا آخر فأنا لن أنهض من مكاني مجددا بعدما أعود ..؟!”
حركت بصرها حول المكان قبل أن تجيب :
” حاليا لا أريد ..”
هتف بصرامة :-
” فكري جيدا لإنني لن أنهض مجددا …”
همت بالتحدث عندما ظهر الضيق على ملامحها فجأة فسألها مستغربا :-
” ماذا حدث …؟!”
تفاجئ بها تجذبه من ذراعه ليجلس جانبه فيسألها بدهشة :-
” ماذا تفعلين يا غالية ..؟!”
هم بالنظر حيث تنظر فمنعته وهي تردد :-
” لا تفعل ..”
سألها مدهوشا بتصرفاتها :-
” ماذا هناك يا غالية ..؟!”
ثم أدار وجهه نحو الجهة التي تنظر إليها ليجد فتاة شقراء تتأمله بنظرات غير مريحة بل الفتاة نفسها بدت غير مريحة بملابسها المكشوفة تماما ..
إستدار نحوها يبتسم لها بخبث فتتجهم ملامحها كليا عندما همس لها بخفة :-
” تغارين إذا ..”
ظن إنها ستنكر ذلك لكنها فاجئته كما تفعل دائما وهي تجيب ببرود :-
” نعم أغار وهذا أمر طبيعي ..”
أكملت بخبث :-
” لست وحدي من أفعل أم نسيت تصرفك الأخير مع شريف ابن عمي …”
رد بملامح واجمة :-
” لا تذكري إسمه على لسانك ..”
” هل تغار علي لهذه الدرجة ..؟!”
سألته وهي تبتسم بخفوت لينحني نحوها مرددا بنظرات مشتعلة :-
” هل يعقل أن تسأليني سؤال كهذا يا غالية …؟!”
أكمل وعيناه تحاوطان وجهها بقوة :-
” أنا أغار عليك من الجميع يا غالية .. أغار عليك من أي رجل يراك … ”
أكمل وملامحه تتجهم أكثر :
” وشريف هذا لن تذكري إسمه على لسانك مجددا ولا تقولي إنه إبن عمي .. هذا رجل يحبك بل أراد الزواج منك يعني الأمر منتهي بالنسبة لي ولا مجال للنقاش فيه . أنا غيور جدا يا غالية .. عليك أن تستوعبي ذلك من فضلك ..”
وجمت ملامحها كليا وهي تخبره بضراوة :-
” أخبرتك إنني لا أحب تحكماتك المبالغ فيها يا فادي … شريف ابن عمي يعني فرد من عائلتي وعليك أن تعتاد على وجوده حولي في التجمعات والمناسبات العائلة وغير ذلك .. لماذا تجعلني أندم على إخباري لك برغبته السابقة في الزواج مني ..؟!”
وهي بالفعل تلعن نفسها لإنها أخبرته بذلك بعدما تحدثت معه قبل ثلاثة أشهر وأنبته على ما قاله أمام شريف ودون قصد نطقت بتلك المعلومة التي جعلت فادي يرفض ذلك المدعو دون أن يتعرف عليه حتى. …
نطق فادي بجدية :-
” أنت تعرفيني يا غالية … لا تتوقعي مني أن أتقبل أن يجمعك أكثر من سلام مع رجل أرادك زوجة له مسبقا …”
احتدت ملامحها وهي تخبره :-
” لقد مر وقت طويل على هذا الأمر … هو خطبني وأنا رفضت وهو بدوره احترم رفضي ولم يكرر طلبه … ”
قاطعها بقوة :-
” لا تحاولي إقناعي إنك لم تلاحظي نظراته نحوك .. مرة واحدة فقط رأيتكما فيها من بعيد وأدركت بما يحمله ذلك الرجل لك …”
” ما بالك تنظر الى الجميع بعين المحقق ..؟!”
سألته بنزق ليخبرها ببرود :-
” ربما لإنني كذلك بالفعل …”
همست عن قصد :-
” أتسائل عما ستفعله بعد خطبتنا وأنا أتعامل مع شقيقك عن قرب ويوما ما كان خطيبي …”
توقفت عن حديثها وهي تلاحظ جمود ملامحه الكلي لكنها لم تشعر بالندم او التردد فهي عليها أن تضع القواعد المبدئية لهذه العلاقة وهو عليه أن يفهم الوضع برمته ويتعامل بقليل من المرونة …
همس بصلابة وهو ينهض من مكانه :-
” لقد تأخرنا … لنغادر ..”
نظرت له بعدم تصديق وهي التي كانت تنتظر منه أي ردة فعل غير ذلك …
لقد تعمدت التطرق الى تلك النقطة التي باتت تؤرقها رغما عنها ….
تجاهلت أفكارها وهي تنهض من مكانها تخبره ببرود :-
” معك حق .. لقد تأخرنا …”
ثم سارت جانبه بملامح جامدة هي الأخرى وعقلها يتسائل رغما عنها اذا ما كانت هذه البداية فقط لمطبات حقيقية ستمر بها علاقتهما ..؟!
في صباح اليوم التالي ..
هبطت درجات السلم بخطوات سريعة قليلا جعلته يلتفت نحوها وهو الذي كان يتجه نحو غرفة الطعام بعدما أعد لنفسه قهوة بديلة عن طعام الفطور ليهتف بصدمة لا إرادية :-
” ماذا تفعلين يا حياة …؟!”
اتسعت ابتسامتها وهي تتقدم نحوه مرددة بمرح :-
” صباح الخير …”
ثم قبلته من وجنتيه ليخبرها بجدية بعدها :-
” هل نسيت إنك تحملين طفلا داخلك يا حياة …؟! كيف تتحركين بهذه السرعة ..؟!”
نطقت بسرعة وعفوية :-
” لم أنتبه حقا … كنت أريد اللحاق بك قبل مغادرتك …”
أحاطها بذراعيه وهو يتقدم معها الى غرفة الطعام بينما يسألها :-
” ولماذا تريدين اللحاق بي …؟!”
أجابته بجدية :-
” بسبب بعض المحاضرات التي أحتاج أن تشرحها لي …”
سحب لها الكرسي لتجلس عليه بينما اتجه هو ليجلس على الكرسي الرئيسي للمائدة يخبرها بجدية :-
” أخبرتك إنني سأشرح لك ما تريدين … هل ستذهبين اليوم الى الجامعة ..؟!”
هزت رأسها بينما حمل هو كوب الحليب ووضعه أمامها لتبتسم وهي تشكره قبل أن تجيب على سؤاله :-
” نعم ، مي تنتظرني هناك … ”
أكملت بتردد :-
” هل يمكنني أن أطلب منك شيء …؟!”
رفع حاجبه مرددا بدهشة :-
” هل تستأذنين حقا يا حياة …؟!”
ارتشفت قليل من الحليب ثم وضعته امامها مجددا قبل أن تخبره :-
” مي صديقتي …. تعاني من نفس المواد التي أعاني منها و …”
أكمل نيابه عنها :-
” أنت تريدين أن أشرح لها معك ، أليس كذلك ..؟؟”
هزت رأسها بصمت لا يخلو من الإحراج ليهتف وهو يبتسم بصدق :-
” وما المشكلة في ذلك ..؟! ”
هتفت بسعادة :-
” كنت أعلم إنك لن ترفض …”
أكملت بعدها :-
” في الحقيقة أنا و مي سندرس كافة المواد سويا … في السنوات السابقة كنا نقضي بضعة أيام عندي والعكس عندها ما عدا المبيت طبعا حيث نقضي اليوم كله فالدراسة …”
هتف بجدية :-
” هذا منزلك يا حياة ولا داعي أن أخبرك بهذا وأتمنى حقا ألا تكوني تتحدثين بدافع الاستئذان …”
همست بصدق :-
” الأمر ليس كذلك ولكن وددت أن تعرف ذلك … يعني انا سوف أنشغل معها طوال الأسابيع القادمة وحتى نهاية الامتحانات وهذا يعني إنني لن أتواجد حولك أغلب اليوم و …”
قاطعها بسرعة :-
” لا يهم يا حياة .. المهم أن تجتازي امتحاناتك على خير وبالشكل الذي تتمينه …”
أضاف بعدها :-
” ولكن أنا أفضل ألا تذهبي أنت الى منزل مي وتقضي هي جميع الأيام هنا معك لإنك حامل وربما لن ترتاحي كثيرا خارج المنزل خاصة إنك سوف تقضين اليوم اكمله معها للدراسة …”
قالت موافقة إياه :-
” معك حق …. سأخبر مي أن ندرس هنا يوميا ولا داعي لتقسيم الأيام بيننا …”
” هذا رائع ..”
قالها وهو يسحب كوبه ويرتشف منه القهوة لتسأله بضيق :-
” لماذا لا تتناول طعامك ..؟!”
رد بجدية :-
“لا أشعر بالشهية لتناول اي شيء …”
أكمل يتسائل :-
” هل تريدين أن أخذك الى الجامعة في طريقي ..؟!”
سألته بإهتمام :-
“هل سوف تلتقي بوسام اليوم …؟! أنت لم تخبرني عما يحدث هذه الفترة بشأن عملكما سويا …”
تمتم بأختصار رغبة في عدم الخوض في هذا الحديث :-
” كل شيء سوف يسير على ما يرام …”
تأملته لوهلة قبل أن تقول وهي تهم بتناول الحليب مجددا :-
” لا بأس يا نديم ..لن أجبرك على قول ما لا تريده ولكن عدني أن تنتبه على نفسك …”
ابتسم دون رد ليجد الخادمة تتقدم منهما وتسألهما إذا ما كانا يريدان شيئا آخر ليسألها نديم بدوره :-
” هل غادرت غالية اليوم مبكرا ..؟!”
أجابته الخادمة :-
” غالية هانم لم تنزل من غرفتها حتى الآن …”
هتف نديم بدهشة :-
” لم تنزل حتى الآن …”
أشار الى الخادمة :-
” حسنا إذهبي أنت فنحن لا نحتاج شيئا بعد …”
غادرت الخادمة بينما هتف نديم بحيرة :-
” من الغريب ألا تنزل غالية من غرفتها حتى الآن … هي في العادة لا تتأخر عن موعد العمل …”
قالت حياة بجدية :-
” ربما لن تذهب الى العمل اليوم …”
نهض نديم من مكانه مرددا :-
” سأذهب لأراها … تناولي فطورك جيدا ريثما أراها وأطمئن عليها كي أوصلك الى الجامعة بعدها ..”
ثم تحرك متجها الى الطابق العلوي حيث غرفة شقيقته …
طرق على لباب مرتين ولم يسمع ردا فشعر بالقلق لا إراديا عليها فسارع يفتح الباب ويدخل الى الغرفة ليجدها تجلس على سريرها وبيدها هاتفها تتأمل صورة والدتها بينما آثار البكاء تظهر على وجهها بوضوح …
جلس جانبها يقبض على الهاتف ويغلقه قبل أن يجذبها نحو صدره بصمت وهي تقبلت ذلك بكل رحابة ….
كان يعلم إنها تبكي باستمرار لوحدها خاصة في الليل مثلما يعلم إنها تتعمد إخفاء حزنها عنه هو تحديدا …!!
لحظات قليلة وابتعدت عنه حيث مسحت وجهها يكفيها وهي تخبره :-
” أنا بخير … لا تقلق …”
هتف بجدية وكفه تربت على ظهرها :-
” لا تخفي حزنك عني يا غالية … لا تنسي إننا نتشارك هذا الحزن سويا … نتشارك حقيقة خسارتنا لها سويا فهي والدتنا …”
تراكمت الدموع داخل عينيها وهي تخبره :-
” متى سينتهي ألمي يا نديم …؟! ماما رحلت وتركت داخلي وجعا لا ينضب …”
استرسلت والدموع عادت تأخذ مسارها فوق وجنتيها :-
” من جهة ألمي على فقدانها ومن جهة حقيقية ما جرى قبل رحيلها وما تصرفته معها …”
تنهد وقال :-
” وأنا أيضا تصرفت معها بشكل سيء …. ولكننا كنا مجبرين يا غالية … الحقيقة كانت صادمة .. صادمة جدا …”
هتفت بصدق :-
” وهذه مشكلة أخرى .. انا لا يمكنني التصديق إنها فعلت كل هذا …”
توقفت لوهلة ثم اكملت بحسرة :-
” انا لم أتقبل حقيقة إنها تزوجت والدي رغما عنه وتسبب بدمار عائلته فكيف سأتقبل حقيقة إنها تسببت بموت ديانا …؟! حقيقة ماما صدمتني .. لا يمكنني تحمل حقيقة إنها تسببت بكل هذا الأذى للمرأة المسكينة …”
مسح على وجهه مرددا بتعب :-
” للأسف هذه الحقيقة يا غالية ولا مفر منها …”
حاوط كتفيها بذراعيه مرددا :-
” حاولي أن تتناسي يا غالية … نعم الحقيقة كانت صادمة لكن ما حدث قد حدث … نحن لا ذنب لنا في كل هذا … تذكري هذا جيدا …”
هزت رأسها بصمت دون رد ليتنهد مجددا قبل أن يسألها :-
” صحيح … هل تلتقين بسيادة المقدم ..؟!”
تمتمت بخفوت :-
” هل تعرف ..؟!”
هتف ببساطة :-
” الأمر لا يحتاج الى ذكاء يا غالية …”
أكمل بتروي :-
” انا أجلت الحديث في هذا الموضوع عن قصد.. الوضع عموما ووضعك أنت تحديدا لم يكن ليسمح بفتح موضوع كهذا ولكن …”
تنهد وقال :-
” أريد أن أفهم علام تنويان … صحيح أنا أثق بك كثيرا ولكنك شقيقتي الوحيدة التي رغم كل شيء ، رغم قوتها وذكائها لا يمكنني منع نفسي من القلق عليها …”
ابتسمت مرددة بضعف :-
” لا تقلق يا نديم … انا قوية بما يكفي لمواجهة أي شيء من الممكن أن يحدث …”
أضافت تخبره:-
” فادي يحبني وانا كذلك لكن الموضوع معقد قليلا …”
” بل كثيرا …”
قالها بجدية وهو يضيف :-
” أنت كنت خطيبة شقيقه .:.”
هتفت بجدية :-
” حسنا أنت معك حق ولكن أنا وفراس لم يكن بيننا أكثر من إعجاب عندما تمت تلك الخطبة … يعني لم تنشأ أية مشاعر حقيقية بيننا و …”
قاطعها نديم بتعقل :-
” ما تقولينه يعتمد على شخصية فادي نفسه ومدى قدرته على تقبل وجود رابط كان يجمعكِ بشقيقه … البعض مثلا لا يهتم طالما تلك العلاقة انتهت حتى لو تطورت تلك العلاقة الى زواج وما شابه وهذا نتيجة تفكيره ونظرته لهذه الحالة والبعض لا يقبل بذلك حتى لو كان ما يجمع بينهما سابقا مجرد إعجاب لحظي دون إرتباط حتى …”
تنهدت وهي تقول :-
” لا أعلم يا نديم … أنت معك حق ولكن إذا كان يحبني بحق سيتنازل قليلا و ..”
سألها بحذر :-
” وماذا ..؟! لماذا توقفتِ ..؟!”
” أبدا … لم أجد ما أقوله … سأترك كل شيء لوقته …”
قالتها بخفوت قبل أن تضيف وهي تبتسم له :-
” وأنت كما أخبرتك .. لا تقلقي بشأني … فأنا قادرة على مواجهة كافة الظروف …”
ابتسم لها بمحبة وهو يعانقها بخفة بينما أغمضت هي عينيها داخل أحضانه تجاهد مع نفسها لكبح دموع عادت تتراكم داخل مقلتيها ..
انتهت من تجهيز نفسها إستعدادا لمغادرة المنزل فاليوم موعدها مع طبيبتها لفحصها والاطمئنان على حالة جنينها …
سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فسمحت للطارق بالدخول وهي تضع بعض الأشياء داخل حقيبتها قبل أن تغلقها لتجد وليد يتقدم نحوها متسائلا :-
” صباح الخير ..”
تمتمت وهي تحمل حقيبتها :-
” صباح النور ..”
” هل يمكننا التحدث قليلا ..؟!”
سألها بجدية لتهز رأسها بصمت عندما جلس على الكرسي المقابل السرير وأشار الى الكرسي الآخر لتجلس عليه فجلست جانبه وهي تسأله بدورها :-
” ماذا هناك يا وليد ..؟!”
هتف بجدية :-
” هناك أنت يا شيرين …”
أكمل متجاهلا وجوم ملامحها :-
” ألم تتخذِ قرارك بعد …؟! أعتقد إنني تغاضيت لمدة طويلة عما يحدث .. تفهمت صمتك ورغبتك بعدم الخوض في هذا الموضوع … أردت إلتزام الصمت تنتظرين منه أن يخطو هو الخطوة الاولى ويطلقك رسميا دون أن أجدد سببا مقنعا لما تفعلينه لكني قررت التزام الصمت وعدم التدخل .. هل تعلمين لماذا ..؟!”
نظرت له بتوتر ليضيف بصدق :-
” لإنني أخشى أن أتدخل ثم أندم فيما بعد لإنني حتى هذه اللحظة لا أضمن تصرفك القادم ولست مقتنعا بما قلتيه عن رغبتك الجدية بالانفصال عنه …”
قالت بسرعة :-
” انا بالفعل أريد الانفصال ..”
سأل بنفاذ صبر :-
” ماذا تنتظرين إذا …؟! ولادتك خلال ثلاثة أشهر … أتيت هنا في بداية حملك والآن انت أكملتِ منتصفه بينما ما زلت تراوحين مكانك رافضة إتخاذ موقف حقيقي مكتفية ببقائك هنا ويمين الطلاق الذي ألقاه عليه وحضرته لم يتحرك خطوة هو الآخر ولم نرَ حتى الآن وجهه ولا حتى سمعنا صوته … ”
قالت بخفوت :-
” وليد افهمني … الأمر ليس سهلا .. انا أحمل طفله …”
زفر أنفاسه ثم قال :-
” لاحظي إنك من أردت الإنفصال عنه نهائيا يا شيرين … أتيت هنا وقلت بكل وضوح إنه طلقكِ وإنك بدورك لا نية عندك للعودة اليه …”
أكمل بجدية :-
” إلا إذا كنت تنتظرين خطوة منه … او لأكن أكثر دقة تتأملين أن يحدث شيئا ويغيره … هل ما زلت تريدين العودة إليه ..؟!”
هتفت بثبات :-
” نعم ، لكن بشرط أن يتغير … ”
أضافت برجاء :-
” انت يجب ان تفهمني يا وليد .. عمار والد طفلي القادم … مهما حدث سيبقى هو كذلك .. نعم انا قلت إنني لن اعود اليه وكنت أعنيها حقا ولكن رغما عني ما زال هناك أمل صغير داخلي أن يتغير خاصة عندما يرى طفله … ”
” وأين هو عمار بك …؟! هو حتى لا يعرف أي شيء عن طفله … ”
قالها بغضب مكتوم لتهتف بثقة :-
” رغم كل شيء عليك ان تعلم إن عمار لا يتخلى عن طفله .. انا لا أبرر له ولكن بالطبع هناك سبب يجعله لا يتصل بي نهائيا وأنا أحمل طفله …”
سألها بجدية :-
” هل تعلمين شيئا لا أعلمه ..؟!”
أزاحت خصلة من شعرها خلف أذنها وأجابت :-
” أعتقد إنه يتواصل مع طبيبتي ويطمئن منها على صحة الولد …”
سألها مجددا عن قصد :-
” أنت لا تلتقين به او تتواصلين معه سرا ، أليس كذلك ..؟!”
أجابت بسرعة وصدق :-
” أبدًا والله … ”
تنهد ثم قال :-
” حسنا يا شيرين … عليك أن تفهمي شيئا واحدا فقط … عمار لن يتغير مهما حدث .. لذا من فضلك توقفي عن تأمل شيء كهذا …”
نهض بعدها وغادر الغرفة تاركا إياها شاردة في كلماته التي تدرك بكل أسف صدقها ..
رفعت عينيها نحو الأعلى تدعو الله داخلها أن يهديه ويبعد عنه شيطانه ..
هي رغما عنها ما زالت تأمل أن يتغير …. تتأمل أن يغيره قدوم طفله …. تتأمل كثيرا وكم تخشى أن تخيب كل آمالها..!
نهضت بعدها وهي تحمل حقيبتها حيث تحركت تغادر المنزل ومنه الى طبيبتها …
وصلت الى الطبيبة التي قامت بالفحوصات المعتادة وطمأنتها على صحة الطفل …
غادرت عيادة الطبيبة بعدها وقررت أن تسير قليلا في الشارع المليء بالمحلات الراقية وكذلك المطاعم والمقاهي …
سارت قليلا في الشارع تنظر الى المحلات دون أن تدخل إليها وعقلها رغما عنه شاردا فيه …
جلست بعد قليل عند محل لبيع المثلجات حيث طلبت قدحا من المثلجات بطعم الحليب والشوكولاتة ….
كانت تجلس بعدها على طاولة صغيرة موضوعة في الساحة الخارجية للمحل تتناول المثلجات بتلذذ غافلة عن عينيه اللتين تراقبانها بتمهل …
يتأمل ملامحها التي ازدادت جمالا بل هي كلها باتت أجمل خاصة ببطنها البارزة والتي تمنحها هيئة رائعة ..
لم يكن يعلم إن الحمل يليق بها الى هذا الحد …
كان يتابعها شهريا دون أن تعلم ويتواصل مع طبيبتها سرا حيث ترسل له تقريرا شاملا عن حالة طفله مع صور السونار خاصته بل وفيديو يحمل تسجيلا صوتيا لدقات قلبه …
لقد علم إنه صبي ووفرح رغم رغبته الشديدة في الحصول على فتاة يمنحها اسم والدته …
عاد يتأملها مجددا وهي تتناول المثلجات بتلذذ وقد بدت في جلستها تلك وبطنها البارزة مع فستانها القصير لطيفة للغاية .. لطيفة وجذابة بشكل مزعج …
وأخيرا قرر التقدم نحوها فهو اكتفى من المتابعة سرا ..
كانت منهمكة بتناول مثلجاتها عندما وجدت ظلا يتكون امامها فرفعت عينيها بسرعة لتنصدم من وجوده أمامها رغم إنها توقعت قدومه في أي لحظة لرؤيتها والأهم إنها توقعت إنه يراقبها بالفعل ..
” عمار …”
تمتمت بها بدهشة بينما سحب هو الكرسي المقابل لها وجلس عليه يخبرها بتجهم :-
” أليس الجو باردا على تناول المثلجات …؟!”
ابتلعت دهشتها سريعا وهي تجذب منديلا تمسح به فمها بينما تجاهد للسيطرة على اضطرابها الشديد من رؤيتها له بعد كل هذه المدة ..
تمتمت أخيرا محاولة اخفاء توترها بل وشوقها اللعين له :-
” ماذا تفعل هنا …؟!”
أكملت بتهكم مقصود :-
” وأخيرا تذكرت إنك لديك ابن لا تعلم عنه شيئا وإن كان ما زال جنينا ..”
هتف ببروده المستفز :-
” أنا أتابع وضع ابني شهريا من طبيبته يا شيرين … لا أحتاج الى توصية بهذا الأمر تحديدا وانت تعلمين ذلك …”
هتفت بسخط :-
” نعم فأنت لا يمكن أن تهمل متابعة طفلك مهما حدث ومهما بلغت مشاغلك ….”
” هذا صحيح …”
قالها بحزم وهو يضيف بصلابة :-
” إنه طفلي .. طفلي الذي لن أنشغل عنه مهما حدث …”
هتفت عن قصد :-
” ليتك إذا تتوقف عن أفعالك لأجله وتستوعب إن طفلك مسكين لا ذنب له أن يدفع ثمن أخطاء والده …”
هتف بحدة خافتة :-
” ألن تتوقفي عن طريقتك هذه ..؟! ما زلت تتحدثين بنفس الطريقة بعد مرور عدة أشهر ….”
” ولن أتوقف حتى تدرك مقدار سوء ما تفعله … ”
قالتها بتحدي بدا جديدا عليها ليبتسم ساخرا مرددا :-
” متى سوف تتغيرين يا شيرين ..؟! لا أفهم حقا لماذا تصرين على التفكير بهذه الطريقة الغير منطقية …؟! أخبرتك إنني قادر على حماية الجميع و …”
قاطعته :-
” وماذا عن جيلان ..؟! لماذا فشلت في حمايتها إذا ..؟!”
تجمدت ملامحه كليا وهو يتذكر أخته التي لم يرها منذ ذلك اليوم الذي أخبرها بحملها لترفض بعدها رؤيته وهي تخبره بوضوح إنها طردته من حياتها دون رجعة …
راقبت جمود ملامحه فهمست بثبات :-
” لا تمتلك جوابا … ألا يوجد لديك شعور ولو بنسبة واحد بالمئة إن ما يحدث مع شقيقتك نتيجة أفعالك المؤذية بل جرائمك في حق من حولك …؟! ألا تفكر لوهلة إنه ربما ما يحدث نوع من العقاب على جرائمك يا عمار …؟!”
توقفت عن حديثها تتأمل ملامحه التي ما زالت جامدة كليا وعينيه المشتعلين بلهيب حارق مهيب لتقرر المغادرة فورا وتركه لضميره الذي تتمنى أن تحرك به كلماتها ولو شيئا بسيطا …
فتحت عينيها على صوت منبه هاتفها فتأففت بضيق وهي تبعد خصلات شعرها المتناثرة فوق جبينها الى الجانب قبل أن تستند على السرير وهي تعتدل في جلستها …
سحبت الهاتف وسارعت تطفئ المنبه وهي تشعر بعدم الرغبة بالنهوض من سريرها أساسا لكنها مضطرة فاليوم وتحديدا بعد نصف ساعة موعد محاضرة الكيمياء …
نهضت من فوق سريرها وتحركت بتثاقل لتغير بيجامتها حيث إرتدت فستانا فضفاضا مناسبا لحملها المتقدم قبل أن تزم شفتيها بعدم رضا وهي تتطلع الى وزنها الذي إزداد كليا بسبب الحمل لتعاود طمأنة نفسها وهي تذكرها إن ولادتها تقترب بالفعل ..
سمعت صوت طرقات على الباب فسمحت الطارق بالدخول ليتبعها دخول همسة وهي تهتف بجدية :-
” صباح الخير جيلان …”
أكملت وهي تتأمل ملابسها :-
” لديك محاضرة بعد قليل ، أليس كذلك ..؟!”
هزت جيلان رأسها وهي تجيبها بتجهم :-
” نعم ، الكيمياء اللعينة …”
ضحكت همسة مرددة بخفة :-
” كيف ستدخلين الصيدلة إذا وأنت تكرهين الكيمياء ..؟!”
تنهدت جيلان بتعب ثم أجابتها :-
” لا أحب أستاذ المادة لإن اسلوبه في التعامل صعب جدا…”
اتجهت وجلست بعدها فوق السرير مضيفة بحسرة :-
” كما لا أعتقد إنني سوف أستطيع دخول كلية الصيدلة من الاساس …”
اتجهت همسة نحوها وجلست جانبها تخبرها بجدية :-
” سوف تستطيعين باذن الله …”
أكملت بجدية:-
” ولادتك اقتربت أساسا .. يعني بعد شهر بالكثير سوف تتفرغين لدراستك بعدما تنجبين طفلتك على خير …”
زمت جيلان شفتيها مرددة :-
” ومن سيعتني بالطفلة ..؟!”
قالت همسة بجدية :-
” ما بالك يا جيلان ..؟! سنجلب لها مربية تعتني بها و …”
تمتمت جيلان بتردد :-
” أنا لا أريد أن أتركها … هي لا ذنب لها لتحيا بدوني …”
ابتسمت همسة بحنو مرددة :-
” معك حق … اسمعيني يا جيلان .. نعم الأمر صعب في البداية ولكن مع مرور الوقت ستعتادين عليه … لست الوحيدة من أصبحت أما في سن كهذا …”
أضافت بتمهل :-
“انا أعلم مدى قلقك بشأن امتحاناتك ولكن لا داعي للقلق … بعدما تنجبين الطفلة على خير ستأتي مربية تتولي مسؤوليتها ونحن معها ولن نتركها أبدا وأنت يمكنك التركيز في دراستك حتى تنهين الامتحانات على خير ثم يمكنك بعدها الاهتمام بها جيدا …”
هزت جيلان رأسها بصمت لتقول همسة بجدية :-
” والآن تعالي لتناول القليل من الطعام قبل وصول استاذك ..”
” حسنا …”
قالتها جيلان بإذعان وهي تنهض من فوق السرير وتأخذ هاتفها معها لتسير مع همسة خارج الجناح ومنه الى الطابق السفلي حيث دخلتا الى المطبخ لتطلب همسة من الخادمة أن تعد الطعام لجيلان بينما جلست جيلان تتحدث مع همسة عندما سألتها بفضول :-
” هل قررتما اسم الصبي ..؟!”
تنهدت همسة وقالت :-
” في الحقيقة بعد …. ”
تذكرت رغبة زوجها في منح طفله الثالث اسم والدها ورفضها الغير مفهوم منها وما زال الجدال قائما بسبب ذلك …
تمتمت همسة بخفوت :-
” كنت أريدها فتاة … أمنحها اسم والدتي …”
هتفت جيلان بعفوية :-
” المرة القادمة ستكون فتاة باذن الله …”
اتسعت عينا همسة مرددة بعدم تصديق :-
” المرة القادمة … لا يكفيني الثلاثة … حفظهم الله لي …”
” ولكن الفتيات جميلات ..”
قالتها جيلان مبتسمة وهي تضيف :-
” أنا كنت سوف أحزن حقا لو تبين إني حامل بصبي … ”
ضحكت همسة مرددة :-
” إذا الحمد إنه حدث ما أردتِ وستحصلين على فتاة رائعة باذن الله …”
ثم سألتها بجدية :-
” هل اخترتما أنت ومهند اسما لها …؟!”
جذبت جيلان كأس الحليب بالفراولة الذي وضعته الخادمة أمامها مع بعض الأطعمة الصحية اللذيذة لترتشف منه القليل ثم تردد :-
” انا اخترت الاسم بدونه .. هذا الأمر لا يخصه أساسا ….”
كتمت همسة ضحكتها على طريقه جيلان وهي تتحدث عن مهند قبل أن تضيف جيلان بعينين لامعتين :-
” سوف أسميها ديانا على اسم ماما …”
تمتمت همسة بصدق :-
” اسم رائع حقا .. يكفي انه اسم والدتك رحمها الله …”
أضافت جيلان بيقين تشوبه الفرحة :-
” عمار سيغضب بالتأكيد لإنني سبقته ومنحت طفلتي اسم ماما فهو كان يريد فتاة يمنحها الاسم …”
ابتسمت همسة قائلة :-
” يمكنه ان ينجب فتاة في المرة القادمة ويمنحها الاسم الذي يريده ..”
احتقنت ملامح جيلان وهي تردد برفض طفولي :-
” كلا لا يمكنه .. انه اسم طفلتي أنا ولن أسمح له بذلك …”
توقفت عن حديثها لتسمع صوت وصول رسالة الى هاتفها فسارعت تفتحها وتقرأ ما فيها لتجده استاذها يعتذر عن محاضرة اليوم فصاحت بسعادة :-
” المحاضرة ألغيت اليوم …”
ثم نهضت من مكانها تهتف بحماس :-
” سأنام مجددا ….”
لتتحرك خارج المطبخ بسرعة تراقبها همسة بإبتسامة هادئة متنهدة بقليل من الراحة فجيلان تتأقلم تدريجيا مع حقيقة كونها ستصبح أم بعد مدة قصيرة بل وتقبلت الأمر نوعا ما وهذا شيء مبشر بالخير …
كان يجلس في مكتبه في الشركة يراقب بعض الملفات بتذمر عندما وجد السكرتيرة تتقدم نحوه تخبره بتردد وهي تضع مجموعة من الملفات أمامه :-
” راغب بك أرسل هذه الملفات …”
وقبل أن تنهي حديثها كان ينتفض من مكانه مرددا بعصبيته المعتادة :-
” هذا يكفي حقا .. أخبري راغب بك إنني لست عاملا عنده …”
تمتمت السكرتيرة بسرعة :-
” أخبره انت مهند بك ….”
ثم أضافت بتوتر :-
” هو شقيقك و …”
قاطعها بحنق :-
” حسنا توقفي .. ”
ثم أضاف ساخرا وهو يحمل الملفات :-
” سأخبره بنفسي … لا تقلقي …”
ثم تحرك خارج المكان وهو يردد بسخط :-
” جبانة ….”
اتجه نحو مكتب راغب متجاهلا سكرتيرته الاخرى وهو يدفع الباب ويدلف اليه لينهض راغب من مكانه يصيح به بحدة :-
” كيف تدخل بهذه الطريقة ..؟! أين تعتقد نفسك أنت ..؟!”
تجاهله مهند وهو يضع الملفات فوق مكتبه ثم أخبره بغلظة :-
” ما هذا يا راغب …؟! هل هناك ملفات أخرى متبقية في الشركة علي مراجعتها أم إنك ستخترع لي عملا مختلفا هذه المرة …؟!”
هتف راغب متهكما :-
” هل تعتبر عملك الحالي عملا شاقا حقا ..؟! يا رجل … انت لم تر شيئا بعد …”
زفر مهند انفاسه مرددا بحنق :-
” انت تستغل صبري الطويل يا راغب …”
ضحك راغب مرددا بعدم تصديق :-
” منذ متى وكان لديك صبرا طويلا على شيء يا مهند …؟؟ انت لا تمتلك صبرا من الاساس …”
هتف مهند من بين أسنانه :-
” اسمعني يا هذا … لا تتصرف معي بهذه الطريقة … ستجعلني أندم حقا لإنني سمعت كلامك وبدأت العمل في الشركة …”
عاد راغب يجلس على كرسيه مرددا بصلابة :-
” توقف عن حماقاتك يا مهند … قريبا جدا ستصبح أب … هل ستأتي طفلتك وأنت لم تستقر في عمل حقيقي بعد …؟!”
” ما علاقة هذا بهذا الآن …؟!”
قالها مهند بتجهم قبل أن يضيف ببرود :-
” ثانيا متى ستتوقف عن القاء نصائحك على مسامعي وكأنك الأب الوحيد في هذا العالم والمثالي في أبوته ….؟!”
تنهد راغب مرددا بملل :-
” انت لا فائدة منك .. أيها الاحمق … انا أحاول مساعدتك ….”
تنهد مهند مرددا :-
” انا بخير يا راغب ولا تقلق على الطفلة القادمة … إنها طفلتي ولا أحد سيحبها بقدري او يعتني بها مثلي …”
قال راغب بجدية :-
” ما تقوله صحيح ولكن عليك أن تتغير قليلا … يجب أن تخفف من عصبيتك وحدتك الدائمة …. انت مضطر لذلك لأجل طفلتك على أقل … ولأجل جيلان ايضا …جيلان ايضا صغيرة وتحتاج الى رعايتك وصبرك ..”
تمتم مهند بانزعاج :-
” من الجيد إنك تعلم إنها طفلة وانا سعيد الحظ الذي تورطت بها …”
” لا حل آخر أمامك … عليك أن تعتني بكلتيهما وتتغير لأجل كلتيهما …”
قالها راغب بحزم وهو يضيف :-
” من الواضح أن جيلان أحبت الطفلة قبل ولادتها وهذا يعني إنها لن تتخلى عنها …”
هز مهند رأسه بصمت ليضيف راغب :-
” ولهذا أنت عليك أن تكسبها في صفك وإلا …”
تسائل مهند بحيرة :-
” وإلا ماذا ..؟!”
” وإلا سوف تطلب الانفصال عنك فيما بعد ولا أحد يستطيع منعها من ذلك …”
قال مهند بصدق :-
” حقها طبعا …”
رفع راغب حاجبه مرددا :-
” وحقها أيضا أن تعيش حياتها فيما بعد وربما تلتقي بشخص مناسب وتتزوجه بعد سنوات قليلة …”
تغضن جبين مهند قائلا :-
” وتأخذ ابنتي معها ..؟!”
ابتسم راغب بمكر :-
” نعم ويربيها زوج والدتها بدلا منك …”
احتج مهند على الفور :-
” مستحيل … ابنتي لن يربيها احد غيري ….”
ابتسم راغب داخله بانتصار خفي وهو الذي يعرف طبيعة شقيقه المتملكة وغيرته المهلكة فقال بهدوء :-
” لذا قلت إن عليك أن تكسبها في صفك بدلا من خسارتها وهذا يعني خسارة طفلتك ايضا لإنك بالطبع لن تحرم الصغيرة من أمها …”
تمتم مهند على مضض :-
” سأحاول ذلك …”
” جيلان صغيرة ورقيقة يا مهند … يمكنك أن تكسبها بقليل من اللطف …”
قالها راغب بتروي ليعقد مهند حاجبيه مرددا برفض :-
” انا لست لطيفا يا راغب ولن أكون …”
ثم أضاف بتجهم :-
” ولكنني سأحاول تصنع اللطف لأجل حضرتها …”
تنهد راغب بقليل من الرحلة متمنيا أن يستوعب شقيقه حديثه بحق بينما تحرك مهند خارج المكتب بشرود متسائلا عن الطريقة التي يستطيع بها أن يبدو لطيفا أمام جيلان كي لا يخسرها وبالتالي يخسر طفلته القادمة ..
كانت نانسي تتأمل طفليها بحنو وهي لا تصدق بعد إن رغم كل شيء حدث معها حصلت على طفلين غاية في الروعة …
طفلان امتلكا قلبها ما إن وقع نظرها عليهما لأول مرة فتعلقت روحها بهما دون أن تستوعب كيف حدث ذلك وكيف يمكن لكائن صغير أن يمتلك قلبك بل روحك كلها ويعلقك به للأبد ..
مالت نحويهما تتأمل وجنة الصغيرة الممتلئة بحب طغا عليها فتمتمت بصوت خافت للغاية :-
” كاميليا طفلتي …”
تنهدت بحرارة وهي تلمس وجنتها الناعمة بحنو ثم اتجهت ببصرها بعد نحو الصغير المشاكس الذي لا يمنحها الفرصة للنوم ولو قليلا فهو يبكي دون توقف طوال الليل عكس شقيقته الهادئة …
مالت أكثر نحوه تبتسم له بحب وهي تردد :-
” كريم … صغيري المشاكس …”
في كل مرة تنظر إليهما تنسى كافة همومها فهذين الصغيرين يستحوذان على مشاعرها كلها وتفكيرها كاملا …
تنهدت بسعادة أتخمت قلبها منذ قدومها قبل أن تتحرك ببطأ خارج المكان لتجد شقيقها ينتظرها فعاد التوتر يغزوها وهي تفكر إن قدومه هنا هذة المرة لأجل حديث أجله طويلا ….
شقيقها الذي قدم لها كافة ما تحتاجه منذ قدومها الى هنا وهي حامل في شهورها الأخيرة حيث جهز لها شقة متكاملة من جميع النواحي وجلب لها جليسة منزل تعتني بها رافضا أن تبقى لوحدها وهو الذي منع صلاح من الاقامة معها …
ثم سارع يجهز متطلبات الولادة ويجلب لها بدل المربية اثنتين للعناية في الطفلين وهو يؤكد لها في كل مرة إنه لا يفعل هذا لأجلها بل لأجلهما خاصة وهو يدرك ظروف ولادتها الصعبة قليلا وعدم قدرتهما على رعايتهما في بادئ الأمر …
جلست قباله في تحفظ ليسألها بهدوء :-
” كيف حال الطفلين ..؟!”
أجابته مبتسمة :-
” الحمد لله … كلاهما بخير …”
تمتم بالحمد قبل أن يقول :-
” ماذا سيحدث بشأن صلاح ..؟!”
تجهمت ملامحها وهي تتذكر ذلك الذي لم يكلف نفسه ليراها ولا مرة واحدة طوال فترة مكوثها هنا حيث اكتفى فقط بقدومه يوم ولادة الطفلين لتسجيلهما على اسمه بعدما أخبره كرم بذلك ….
كان لديها أمل صغير أن تحرك داخله ولادة طفليه شيئا ما لكنها أدركت إنه لا يهتم مهما حدث بل هو تجاهل حقيقةً قدوم طفلين من صلبه بطريقة مؤلمة للغاية لكنها أصرت على تجاهل ألمها من تصرفه والمضي قدما في حياتها القادمة مع طفليها فهو لا يستحق أن تفكر فيه أبدًا …
” ماذا سيحدث يعني …؟! ”
قالتها بحيرة وهي تضيف :-
” انا لا أريد منه شيئا …”
تمتم كرم بقسوة :-
” وهو لا ينوي أن يمنح شيئا من الاساس ..”
قالت نانسي بوجوم :-
” أعلم وانا لم أكن أنتظر منه غير ذلك …”
قال كرم :-
” إذا تطلقي … ماذا تنتظرين ..؟!”
قالت نانسي بتردد :-
” فورا ..؟! أليس من المفترض أن ننتظر قليلا …؟!”
هتف كريم ببرود:-
” صلاح لا يريد الانتظار اكثر .. يريد العودة الى البلاد في اقرب وقت ..”
اضاف بعدها :-
” اساسا بعد شهر بالكثير سنعلن خبر ولادتك ….”
” صلاح سيعود الى هناك قبل أن نعلن الخبر ..”
قالتها بإستنكار ليقول كرم بصلابة :-
” نعم ، سيخبر عائلته عن خلافات حادة بينكما .. يعني يمهد لهما قرار الانفصال …”
ظهر الحزن في عينيها فقال كرم ملاحظا ذلك :-
” انت بالطبع لم تنتظري منه موقفا مختلفا ….”
هزت رأسها بنفي والحزن ما زال يملأ عينيها لتخبره بحشرجة :-
” أريد رؤيته … أحتاج الى التحدث معه لآخر مرة قبل سفره …”
أضاف بجدية :-
” لكن نصيحة مني يا نانسي ، لا تبقي على ذمته … تطلقي منه افضل لك …”
همست بصعوبة :-
” ولكن الطفلين ….”
قال كرم ببرود :-
” هو لا ينوي التواجد في حياتهما اساسا … مالذي يجعلك تبقين على ذمته طالما هو لا ينوي القيام بأبسط واجباته ..؟؟”
هتفت بصدق مؤلم :-
” إنهما صغيران … لا ذنب لهما في ذلك … لا ذنب لهما أن يعيشان حياة كهذه …”
ردد كرم بجدية :-
” هذا قدرهما يا نانسي …. عليك أن ترضي بذلك وتتعايشي معه … ”
هزت رأسها بصمت وهي تكتم دموع القهر داخل عينيها مذكرة نفسها إنه خطأها منذ البداية وعليها أن تتحمل نتائج هذا الخطأ أيًا كانت …
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حبيسة قلبه المظلم ) اسم الرواية