رواية بلا حب (كاملة جميع الفصول) حصريا عبر دليل الروايات بقلم سوكه
رواية بلا حب الفصل التاسع 9
تشعر بفراغ شديد وبان الزمن توقف في حياتها، فامس مثل اليوم مثل غدا، روتين يتكرر بنفس النظام والتفاصيل
كان كلامها يقل يوما بعد يوم تتحرك بنصف عقل، وتعمل اطرافها بشكل روتيني تماما ودون تفكير
تشعر بعقلها يكاد يحترق، فهو يمتلئ بافكار وكلمات لا تستطيع ان تبوح بها، فلا احد سيسمعها، فحديثها مع حسين لا يتجاوز الاوامر منها والطلبات منه
مما فرض على عقلها سؤال ازعجها، لماذا تتحمل النساء حياة روتينية كتلك!!
من اجل زوج تحبه او اطفال يملئون حياتها محبة وصخب، اما هي من دون النساء حرمت من الاثنين
فألى متى تستطيع ان تصبر وتتحمل حياة كئيبه كتلك!! الى متى ستعيش سجينة الواجب خائفة من لسان الناس
ما يصبرها على هذا الوضع هو الاتفاق الذي بينهما، اتفاق شفوي لكنها اتخذته عهدا على نفسها، لازال هناك شهرين على نهاية الاتفاق، لهذا فهي ملزمة ان تمثل دور الزوجة وتقوم بواجباتها امام الناس
لكنها في البيت ليست زوجة، بل ممرضة وخادمة
كل يوم تزداد نقمتها على نفسها وحياتها، لا يمنعها من الثورة الا انها تبتغي الاجر من الله وتخشى ان تكون مقصرة او تتركه وحده فيؤذي نفسه فتتحمل هي الذنب، تشعر بالشفقة لأجله فقد فرغت الحياة من حوله وصار هو وهي منقطعان عن العالم بين اربع جدران، حتى الشارع لم تعد تخرج اليه، بل تقضي احتياجات البيت بخدمة توصيل الطلبات
كانت تجلس على كرسي المائدة في الصالة شاردة ممتلئة بالضيق المكبوت، وسمعت صوت اشعارات الرسائل في الموبيل فتحته، فوجدت مجموعة من الصور على جروب المدرسة، ومعهم فيديو قصير للطلبة والطالبات في المعسكر وهم يحملون لوحات كتبوا عليها كلمات كل كلمة في لوحة مستقلة شكلت جملة عرضها الطلبة والطالبات امام الكاميرا بشكل فني منظم جميل وعندما قراتها اهتز قلبها من التاثر
We miss you, Miss Najat
القت بالموبايل على المائدة واخذت تدلك وجهها بكفيها تحاول ان تسيطر على ذلك الحريق الذي شب في قلبها
ابتعادها عن طلبتها كان يقتلها، فالتدريس بالنسبة لها ليس دروس تزيد من دخلها ولا عمل روتيني تقوم به لتثبت انها ناجحة ومحترفة في مهنة ما، لكن التدريس بالنسبة لها هو حياة، عمل ترضي به ربها ورسالة انسانية، التدريس هو الصلة بينها وبين البشر يشعرها بانها لازالت انسانة تشعر وتتفاعل وتعرف كيف تتواصل مع الناس
كانت الانشطة الصيفية هي مساحة الترفيه الوحيدة في حياتها، ففيها تكون على طبيعتها مع الطلبة بدون رسميات، فيها تستطيع ان تضحك
نظرت لجدران الصالة وهاجمها شعور رهيب بانها سجينة وتريد الخلاص من سجنها، شعرت بالاختناق الشديد واخذت تتنفس بصعوبة، وبدأت آلام منتصف صدرها تعاودها بشدة، فتناولت دوائها قبل ان تشتد الازمة وتسوء حالتها، ثم ذهبت للحمام وغسلت وجهها بالماء عدة مرات حتى هدات قليلا وعادت تجلس الى المائدة، اهتز هاتفها طويلا فهي تكتم صوته حتى لا يزعج حسين، فردت على المكالمة التي كانت من اخيها
قالت بود: ازيك يا محمد، اخبارك ايه، واخبار البلد ايه
طوال المكالمة واخوها يلح عليها ان تعود للبلد لتحضر فرحه، وهي تعتذر عن الحضور بسبب اصابة زوجها فلازال حبيس البيت ملازما للفراش بامر الاطباء ولا يمكنها تركه وحده
انتهت المكالمة على تأثر اخيها واسفه انها لن تحضر فرحه، ووعد منها انها ستزوره هو وعروسه في بيتهم بعد ان يمن الله بالشفاء على زوجها
القت بالموبايل على المائده وعقدت ذراعيها على المنضدة واسندت راسها عليهما وزفرت بضيق ونما في عقلها سؤال عجيب، لماذا يظهر الطعام الشهي امام الصائم
الان هي لا تستطيع التحرك لاي مكان، فياتيها كل ما يغريها للخروج ويتزين امام عينيها
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
كان حسين يقلب في موبايله في الفيسبوك، وجد امامه اعلان ممول عن فيلم كارتوني قصير تم اصداره حديثا وسيعرض على احدى المنصات الالكترونية المدفوعة
ما كان ليهتم بالاعلان لولا ان الفيديو يحوي شخصيات يعرفها جيدا، بل رسمها بيده خطا خطا، ومهما غيروا في عناصرها الخارجية، لن يعرفها احد اكثر منه
اتصل على الفور بعبد الرحمن، لكنه لم يرد، فاتصل بداليا وصاح فيها: انتوا ازاى تعملوا كده!! ازاى تاخدوا شغلي وتحطوا عليه اللوجو بتاع الشركة بعد ما خرجتوني منها!!
قالت :يا حسين انت لسه في الشركة مخرجتش، وشغلك ده انت عامله للفيلم اللي بتنتجه الشركة، يعنى شغل خاص بالشركة مش شغل خاص بيك
صاح غاضبا: انتوا عملتوا عليه تعديلات وانا مش موافق على التعديلات دي
قالت: يا حسين الشغل بقى ملك الشركة طالما كنت بتعمله جوه الشركة وللفيلم اللي هتنتجوا الشركة، وال..
اغلق الموبايل وهو يكاد ينفجر غيظا، واخذ يضرب راسه في السرير ويعصر عينيه عصرا
نظر بحسرة الى يده اليمنى المسجونة بالجبس، وتحطمت روحه، وانتهت كل احلامه وفشل مشروعه وفقد كل امل في ان يرسم مرة اخرى
فحتى لو شفيت يده، فلن تشفى روحه ابدا
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
سمعت صوته يناديها صارخا، فرفعت رأسها وزفرت غاضبة: تعبت، تعبت مش قادرة استحمل
اجبرت نفسها على القيام وذهبت ايه فقال بانفعال: بنادي عليكي، مبترديش ليه
كشرت وهي تنظر في وجهه الغاضب: نعم، عاوز ايه
كان يتنفس بسرعه ويحرك يده وساقه السليمة وهو يحاول ان يتذكر شيئا يقوله لها، فقد تبعثرت افكاره في كل اتجاه، ثم صاح بانفعال: الاكل، فين الاكل؟
قالت بصرامة: متزعقش، هجيبهولك
وقفت في المطبخ تجهز العشاء وتعمدت ان تبطئ في تجهيزه، ففي كل الاحوال لازال الوقت مبكرا ولم يحن موعد العشاء ولا وقت الدواء
لكنه لم يكف عن الصراخ باسمها كل دقيقة، حتى امتلأ جسدها بشحنة توتر عاليه، واخذت تتحرك بغضب شديد، وكلما سمعت صوته يصرخ تسد اذنيها لحظات وتنفخ بغضب شديد، ثم تصرخ: جاية، جاية اصبر
وضعت اطباق العشاء امامه، وهو يحاول جاهدا السيطرة على البركان الذي يغلي بداخله وتنطلق حممه من جوفه في كل اتجاه، ولم يكن هناك غيرها في المكان لتسقط فوق راسها: الاكل دلع، فين الملح
قالت: انت لسه مدوقتوش عشان تقول دلع
صرخ غاضبا: فين الملح
كانت اقدامها تدب الارض من الغضب وهي تاتي له بما يريد، لكنه لم يضع شيء منه على الطعام
لم يعد له القدرة على السيطرة على نبرة صوته الصارخة :الاكل بارد
نفد صبرها: انت بتلكك!!! الاكل سخن، انت اللي عاوز تتخانق وخلاص
صرخ بجنون: مش واكل
دفع طاولة السرير بيده اليسري من عليه بعنف شديد، فسقطت على الارض وتبعثر الطعام في كل كل اتجاه وتناثر على السجادة وجزء من الدولاب
اطبقت قبضتيها بغيظ شديد وهي تصرخ: انت اتجننت!! ازاي تعمل كده!!
خرجت من الغرفة قبل ان تفقد اخر برج في عقلها وابتعدت عنه وذهبت للمطبخ تحاول ان تسيطر على اعصابها، ثم ضربت بكفيها على رخام المطبخ عدة مرات حتى آلمتها فتوقفت واخذت تتنفس بصعوبة
لم تمض دقيقه حتى سمعت صوته يصرخ باسمها
سدت اذنيها بكفيها واخذت تدب باقدامها في الارض، كان الموقف كله فوق قدرتها على التحمل
استمر يناديها بلا توقف، واضطرت هي ان تذهب اليه عندما قال:تعالى وديني الحمام
فكرت تلك اللحظة ان تكسر نظام الدواء الذي تحافظ عليه وتعطيه الدواء ليهدا رغم انه لازال ساعة ونصف حتى يحين وقته، فعادت له ودون ان ترد عليه اخذت الدواء من جوار سريره واخذت تجهز الحقنة ويدها ترتعش وعينها ترمش تحاول التركيز بصعوبة وصوته يصرخ في اذنيها: اما اكلمك تردي عليا
سيطرت على صوتها المرتعش بصعوبة والتفتت له: حاضر، ممكن بقى تاخد الدوا والحقنة
صرخ : مش واخد ادوية، وديني الحمام
زمت شفتيها وكشرت : مش هتروح في اي حتة قبل ما تاخد الدوا، ومتزعقش فيا
ضرب الدواء من على الكومودينو المجاور لسريره :مش واخد زفت، وديني الحمام
ضربت كفيها في وجهها واخذت تستغفر، ثم فركت وجهها بكفيها واطبقت اسنانها بقوة كي لا تخرج منها كلمة او صرخة تحرق البيت بمن فيه
انحنت بصمت تساعده على الوقوف وسارت به نحو الحمام وذراعه تلتف حول كتفيها، تلك المرة شعرت بثقل ذراعه شديدا غير كل مرة، اقوى من تحمل كتفيها، وبنبضات قلبه تدوي بعنف وانفاثه تخرج من انفه عنيفة ساخنة كما لو كان تنين ينفث نارا
عاد للصراخ: امشي بالراحة متسبقنيش
انتفضت بانزعاج شديد فقربه منها جعل صراخه كالقنابل في اذنيها ورج جسدها رجا، فانفجرت فيه: قلتلك متزعقليش، انا مش خدامة عندك
خرج الغضب من صدره في وجهها عنيفا : انا ازعق زي ما انا عاوز في بيتي، ولو مش عاجبك امشي
صمتت لحظه، ثم دفعته بكفيها في صدره بكل ما في قلبها من نقمة وغضب، فاختل توازنه وسقط على الارض
لم تدرك حجم ما فعلته الا عندما افاقت على صوته وهو يتاوه وراته ممدا امامها على الارض بجسده المصاب
تراجعت للخلف وهي تنظر لكفيها بذهول وندم شديد
لم تستطع ان تنظر في وجهه فهربت بسرعة وخرجت من باب الشقة وتركته على الارض يناديها
نزلت عدة درجات ثم انهارت جالسة على السلم، ووضعت كفيها على اذنيها وضغطت بقوة تحاول ان لا تسمع صوت صراخه المتتالي باسمها، وعندما انقلب صوته الى بكاء مسموع، هاجمتها الازمة بشدة بالم لا يحتمل في منتصف صدرها، وكان من المستحيل في تلك اللحظة ان تعود للشقة لتاخذ الدواء وهما على تلك الحالة من الجنون ، فتحاملت على نفسها وبقيت على السلم تتاوه وتتلوى من الالم الفظيع، وصوت صراخه الباكي يزيد من همها ويمزق قلبها
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
•تابع الفصل التالي "رواية بلا حب" اضغط على اسم الرواية