Ads by Google X

رواية و التقينا الفصل العاشر 10 - بقلم ندي ممدوح

الصفحة الرئيسية

  رواية و التقينا كاملة بقلم ندي ممدوح عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية و التقينا الفصل العاشر 10

عزومة


"بلال، تشتغل عندي؟"


توقف (بلال) حينذاك متجمد الأطراف، وطلَّت مِن عينيه نظرة نارية استطاع حجبِها في بارعة، وهو يلتفت إليها في بطء، مغمغمًا بصوتٍ أجش:

_نعم! أشتغل عندك؟! أنتِ واعية بتقولي إيه؟

تلاحقت دقَّات قلب (إسراء) في سرعة عجيبة، وهي متسعت العينين، فاغرة فاه إزاء ما قالت من حماقة لن يمررها هو مرور الكرام، فازدردت لعابها تهتف بصدق مسَّ قلبه:

_مش أأقصد والله، أنا مش بعرف أأقول كلمتين على بعض، صدقني مش ده قصدي، أنا كان قصدي تشتغل معايا...

صمتت تكتم فمها بكفيها في ذهول مما تتفوه به، وأطرقت سريعًا كأنما تخشى عيناها ملاقاة عيناه، وحانت منها نظرة إليه، فرأته يتأملها في صمت، ولم تكد عيونهما تلتقي، حتى حوَّل بصره عنها، فأسرعت تقول:

_يووه بجد أنا مش عارفة أطلب، متفهمنيش غلط، أنا أأقصد إني...

_إسراء، مين ده؟ وبيعمل إيه هنا؟

انطلقت هذه العبارة من بين شفتي (ندى) وهي تكد تدخل إلى الحجرة، فاستدار لها (بلال) ورمقها بنظرة سريعة وعبر من جوارها منصرفًا، فدلفت (ندى) إلى الداخل مندهشة، وهي لا تزل تنظر إلى أثر (بلال) في تعجب، وتمط شفتيها بعبوس، وتتساءل لنفسها بصوتٍ مسموع:

_إيه اللي جابه تاني هنا؟!

وإلتفتت إلى (إسراء)، قائلة:

_أنتِ تعرفي الشاب إللي يلا خارج ده؟

فإنبلج ثُغر (إسراء) ببسمة حالمة، وقالت مأخوذة:

_وهل يخفَّ القمر؟

رفعت (ندى) حاجبها، فاستدركت إسراء بضحكة مفتعلة:

_ دا بلال إللي كلمتك عنه، فاكرة؟!

دنت (ندى) منها، وهي تقول بوجهٍ باش، وصدرٍ منشرح:

_فاكرة! إلا فاكرة طبعًا، وبعدين هو نفسه إللي إتبرع لك بالدم.

تطلَّعت (إسراء) إليها طويلًا، ثُمَّ استلقت على الفراش وتدثرت بالملاءة البيضاء، وقالت مشدوهة:

_إتبرع ليّ! يعني دم بلال دلوقتي في جسمي؟!

وضمت جسدها بكفيها، وأحسَّت بدفءٍ غريب يسرِي في كامل أوردتها.

بينما رمقتها (ندى) بذهول، وأزاحت خصلة من شعرها، تهدَّلت فوق جبينها، وهي تقول:

_بس شكله كده بيحبك.

ولم تستمع (إسراء) لقولها، كانت غائبة بذهنها، بعيدة كل البعد عن الحاضر والماضي والمستقبل، كانت تتأمل فقط صورته..

صورته التي تجسَّدت في خُلدها..

أترى هل يشعر بما تشعر به..

هل خامره شعور الدفء الذي سرى في أوردتها الآن ما أن علمت إنها تملك جزءًا منه..

هل علم إنه موطنها وإنها لن ترتحل عنه؟!

ستظل كما قالت له يومًا كالعلكة لا تُنزع إلا قُسرًا.


🌺الحمد لله 🌺


(طيب بما إنك هترجعي مع ندى، فهسبقك على البيت، هخليهم يحضرولك كل الأكل إللي بتحبيه.)

قال تلك العبارة، والد (إسراء) بعدما رفضت أن يوصلها هو، فتبسَّمت له، قائلة:

_تسلم ليّ يا بابا، ربنا ميحرمنيش منك يا حبيبي.

فوضع أبيها كفيه على كتفيها، وغمغم في حنان نادرًا ما تراه:

_ولا يحرمني منك يا حبيبتي، أنا مليش غيرك، واللي عمل فيكِ كده، هندمه على اليوم اللي تولد فيه.

فمسدت (إسراء) على ذراعيه، وقالت:

_بلاش تفكرني يا بابا، يلا بقا روح اسبقنا وإحنا هنلحقك.

قبل أبيها جبهتها وغادر، وخرجت هي مع ندى، وقَبل خروجهن من باب المستشفىٰ، توقفت (إسراء) وهي ترى (بلال) يتكأ بظهره على جانب السيارة، منشغلًا في هاتفه، وخفق قلبها في عنف وهي تتأمله في وَجْد، قائلة ببسمة بزغت على محياها:

_جه.

فتوقفت (ندى) واستدارت لها، قائلة:

_مالك وقفتِ ليه؟

فأشارت (إسراء) برأسها شَطر (بلال)، فرمقته (ندى) بنظرة سريعة، وقالت:

_آه فهمت، وبعدين؟!

نهرتها (إسراء) بنظرة زاجرة وهي ترى (بلال) مُقبِل نحوهن، وتبسمت في وجهه وهي تخطو نحوه، فبادر قائلًا:

_جيت أوصلك.

لم تحر (إسراء) جوابًا، فظلَّتْ تتأمله في وَلهٍ، حتىٰ لكزتها (ندى)، مغمغمة في حَنق بصوتٍ هامس:

_أنتِ يا بنتي قولي حاجة.

فرمقتها (إسراء) بنظرة سريعة، قبل أن تُحيَّد ببصرها إلىٰ (بِلال)، تقول ببسمة خِجلة:

_هتوصلني أنا؟! معنديش مانع طبعًا.

والتفتت تمد يدها إلىٰ (ندىٰ) لِتأخُذ مِنها الحقيّبة، قائلة:

_هاتِ أنتِ الشنطة يا ندى، وروحي وأنا هاجي مع بلال.

فنفت (ندى) قائلة وهي تغمزها بمرح:

_لا، لا روحي أنتِ وأنا الشنطة هجيبها معايا، يلا مع السلامة.

صعدت (إسراء) في سيارة (بلال) وانطلق هو بعدما أملته العنوان، وخلال الطريق لم ينبس أيهما ببنت شَفة، إلا من نظرات مختلسة كانا يتبادلَها عَبر مرآة السيارة الأمامية، أمَّا (إسراء) فكانت مُتردِّدة أتشكره أم لَا؟!

ها هو ذا فعل ما كانت تبغاه!

وما لم تدرك كيف تقوله عندما جاءها!

للحب مشاعر قد لا تدرُكها الأبصار، لكن تدرُكها القلوب لا ريب.

رفعت بصرها إلىٰ المرآة فتلاقت أعْيُنهما، لكنه أخفضهُما سريعًا، متحاشيًا النظر إليها...

فودت لو تسألُه، لِمَ يوارى وطنها عنها؟!

ألا يدرُك أن في عيناه مسكنها؟!

في عينيه ترى سعادتُها

ترى قدرها

وترى عمرها

فاقت (إسراء) من غمرة شرودها على صوته، الحاني وهو يُردِّد:

_إنهاردة إرتاحي وبكرة محتاجك في موضوع ضروري.

فهتفت في إنفعال:

_محتاجني أنا؟!

رد (بلال) مغمغمًا في استخفاف:

_ايوا محتاجك أنتِ أكيد مش خيالك يعني.

فزمت شفتيها بعبوس، ورددت في اهتمام:

_طب ما تقولي دلوقتي؟

فرد عليها (بلال) بضيق:

_قُلت بكرة لما تستريحي، وخلاص.

_طيب.

رنت إليه بغتة، تقول في شغف:

_تعرف حد بيحفظ قرآن ويعلمني الصلاة عن الرسول والعلوم الشرعية؟!

فتجمد بصره على ملامحها في المرآة بصدمة، قبل أن يصك أذنه بوق سيارة من الخلف تحثه على التنحي، فتنبه صابًا جام اهتمامه على الطريق، وهو يقول:

_معرفش حد معين، بس هسألك سهير إن شاء الله وأميرة.

لم يعرف ما الذي خامر نفسه تلك اللحظة بالذات، أهو شعور فرح باهتمامها بأمور دينها؟! أمَّا إنَّه حُبِّها الذي حَل في السويداء من القلب دون أدنى إنذار؟!

انتزعه سؤالها في إلحاح:

_بلال .. بلال بكلمك روحت فين؟

فسألها دون أن ينظر إليها:

_بتقولي حاجة؟

فهزت كتفيها، وهي تقول:

_كُنت بسألك سهير عاملة إيه؟

رد بإيماءة من رأسه:

_بخير الحمد لله.

فتنهدت بصوتٍ عميق، وهي تقول بنبرة فيها رجاء:

_ممكن بكرة توديني عندها عشان نفسي أشوفها اوي، واطمن عليها.

أراد بِشدة أن يرفض!

أن يصرخ في وجهها بـ لا.

لكن نبرتها الرقيقة لامسَّت شِغاف قلبه، فقال باستسلام:

_حاضر.

ووصلا، وتوقف بسيارته على جانب الطريق المواجهة للبناية الساكنة فيها، وقال:

'وصلنا، هديكِ رقمي عشان لو احتجتي حاجة او روحتي أي حتة تكلميني.

تلاحقت دقَّات قلبها في عنف، حتىٰ شعرت إنها مسموعة، وأملَها الرقم على مهلٍ لرغبةٍ في نفسه، وغادرة السيارة وهي تلوح له مودعة، وظلت واقفة ببصرٍ متعلق بسيارته التي انطلقت مبتعدة حتى غابت عن الأنظار.

لم تكد (إسراء) تدخل إلى المنزل، حتى أوقفها أبيها وهو يقف وراء النافذة، يقول بنبرة غامضة:

_هو دا بلال إللي وصلك؟! باين عليه إبن حلال.

فالتفتت إليه وكأنما شعر هو فحل عقدة كفيه من وراء ظهره وهو يستدير إليها، ولم يخف عن عينيه شحوب ابنته، التي تسمَّرت أمام عيناه في وجل، واكتست ملامحها بالخوف والاضطراب، لكنه تبسم وهو يقترب واقفًا أمامها، وسألها في هدوء:

_ بتحبيه؟

فرفعت إليه عينان زائغتين، متحيرتان، وغمغمت في تردد:

_بحبه آه.. لا..

كادت تستأنف حديثًا متلعثمًا، ألا إنَّه سبقها، قائلًا:

_ربنا يقدم لك إللي فيه الخير، ادخلي استريحي يا حبيبتي لحد الأكل ما يجهز عشان نأكل سوا، ندى ادتني شنطة هدومك هتلاقيها جوة على سريرك.

وفرَّت من أمامه، لِتتمدَّد علىٰ فراشها، وتعقد ساعديها أسفل رأسها، وتنخرط في التفكير المتحيَّر إزاء تصرف أبيها المثير للشك!


🌺 الحمد لله رب العالمين 🌺


في اليوم التالي، أرسل إليها رسالة؛ فحواها إنه بانتظارها أمام البناية، فهبَّت من فورها وارتدت ملابسها على عجلٍ، وَوقفت أمام المرآة تصفف شعرها، وتلِف خمارها وتخرج من غرفتها، ببسَّمة مرتسمة على وجهها في أجلىٰ صورها، لم تلبث إن تلاشت مع صوت والدها الجاف:

_رايحة فين؟

فرفعت بصرًا خائف إليه، فنزع هو عويناته وطوى الصحيفة وركنها جانبًا، ونهض من مكانه ببطء، وسار نحوها حتى وقف قبالتها، وقال بنبرة مبهمة سَرَت قشعريرة في بدنها:

_مع بلال صح؟ هو مستنيكِ تحت!؟

فتلبكت وتحيَّر بصرها، وقالت في تردد:

_ايوا هو عايزني في مشوار وكمان هيوديني معهد بيحفظ قرآن.

حاولت أن تستشف ما يعتمل في صدر أبيها، أن تسبر أغواره وتتوغل بداخله، لكنه كان داهية ما يجيش به صدره لا يطفح على ملامحه قط، ولم تفتأ ملامحه عن الجمود، وإمعان النظر فيها، حتىٰ تبسَّم فجأة في هدوء، وافتعل ضحكة قصيرة، وهو يقول خلالها:

_طيب روحي يا حبيبتي، وأبقي اعزميه على العشاء انهاردة حابب اتعرف عليه جدًا.

ثُمَّ غمز لها بعينه، وغمعم:

_وكمان عشان نقرب البعيد، ولا إيه؟

فارتسمت بسمة خائفة على وجهها، وأطل من عينيها نظرة شاحبة، وهي تتساءل في نفسها: تُرى ما الذي ينويه أبي؟! ما الذي يبغى الوصول إليه؟! يا إلهي كم تخاف ذاك الرجل برغم إنه أبيها.

ودعت أبيها بعد ذاك، وهبطت درجات السُّلُم كفراشة ترفرفُ بجناحيها، وقد تناست لحظات القلق والاضطراب مع أبيها، وكل ما يشغلها إلا بلال..

بلال فقط..

الذي كان يجلس داخل سيارته، يطرق بسبابته على نافذة السيارة في حركة رتيبة مستمرة شاردة، حتى تسلل صوتها إلى أذنه وهي تجلس في المقعد الخلفي:

_صباح الخير.

فردد دون أن يلتفت إليها:

_صباح النور.

كانت عينيها مرهقتين من قلة النوم بسبب التفكير في هذا اللقاء، الذي سلبها عقلها، وأسرعت فورًا تسأله:

_ها موضوع إيه اللي محتجني فيه؟

فرد عليها بإيجاز وهو ينطلق بالسيارة:

_نقعد في أي مطعم ونتكلم.

ثم أردف يقول بنبرة لينة حنونة:

_بس عاملة إيه دلوقتي؟

أدهشتها نبرته التي تبدلت في ثوانٍ معدودات، فتبسمت تجيبه في هدوء:

_الحمد لله.

توقف بسيارته أمام مطعم نائي قليل الرواد، بل شبه منعدم في ذلك الوقت من الظهيرة، والشَّمس تتكبَّد عِنان السَّماء، وحرارتها مُلتهبة تلسع الأجساد، وهبط هو من السيارة ودار حول مقدمتها، وبدورها ترجلت هي، وسارت إلى جواره، إلى داخل المطعم، وجلسا على طاولة منفصلة بعيدة، وطلب له قهوة وعصيرٌ لها، ثم سألها فجأة وهو يميل بجذعه على الطاولة، مشبكًا كفيه أمام وجهه:

_مين اللي عايز يقتلك بالضبط!

أدهشها سؤاله، وتراجعت في مقعدها في حِده، و وجدت نفسها تتطلع إليه في صمت عجيب، وهي متسعت العينين..

وقد أصابها الإحباط، ربما من صدمة السؤال..

أو لدهشته..

او لاهتمامه لهذا الموضوع..

أو لإنها لم تتوقعه!

وعاد يكرر السؤال على مسامعها في عصبية:

_ما تنطقي يا بنتي في إيه؟

ران عليهما الصمت والسكون طويلًا، و(إسراء) تتطلع إلى (بلال) في دهشة، وتوتر، وحيْرة.. ودون أن تنبس ببنت شَفة، حتىٰ طرقع بإصبعيه أمام وجهها، وغمغم في حيرة:

_أنتِ يا بنتي، في إيه؟

فتيقظت من شرودها، وهتفت وهي تهز رأسها:

_أنت بتسأل ليه؟

فغمغم (بلال) بنبرة جافة:

_عادي يعني عاوز اساعدك.

فتنهدت في عمقٍ، وهي ترتشف من كوب العصير على مهلٍ، ولم تُزايلها دهشتها، وتمتمت:

_أنا معرفش اصلًا، ومليش عداوة مع حد، ومقدرش أشك في حد معين.

فأعاد (بلال) فنجان قهوته مكانه، وتراجع في مقعده في تراخٍ، وأسدل جفنيه لوهلة، قبل أن ينظر إليها، قائلًا باهتمام:

_إسراء.. أنتِ حد حاول يقتلك في استديو تصوير، عارفة ده معناه إيه؟

هزت رأسها نفيًا، فزفر على مضض، وأضاف:

_معناه إن الشخص ده حد من فريق العمل، له حرية التنقل في المكان من دون ما يثير الشكوك عليه.

ثم أردف يقول بعد هنيهة من الصمت:

_فكري مين ممكن يعمل كده حد تعرفيه ويعرفك!

زمت (إسراء) شفتيها، وترقرقت دمعة حزينة في مقلتيها، وقالت بهمسٍ حزين:

_صدقني معرفش، مش هقدر أشك في حد معين، كل الفريق دون إستثناء مميز وكلهم ناس طيبة.

اومأ (بلال) ولم ينبس طويلًا، وأطل الحنان من عينيه إزاء تلألأ الدمعات في حدقتيها، وقال بحنوٍ ورفق:

_عمومًا أنا جنبك لحد ما نعرف مين بيحاول يقتلك.

حنان عيناه له دفءٌ غريب يُعانق روحها..

يتسلل إلى قلبها بضمة حنونة..

يحتويها كوطن رحل عنه الأحبة والأغراب وظلت هي.

وقال باسم الثغر وهو ينهض:

_يلا تعالي هوصلك عشان تشوفي سهير، هي عندنا انهاردة وبعدين اوديكِ المعهد وارجعك البيت.

في بساطة يستطيع هو إخراجها من أعتى الأحزان..

وبكلمة بسيطة رقيقة يرسم البسمة على وجهها.

وببسمة من شفتيه يمحو كل مُر مَر على قلبها الهَش.

وراقبته وهو يُخرج من جيبه المال ويضعه على الطاولة ثم يشير إليها بالانصراف، فلحقت به واستقرت بجانبه في السيارة وفي أعماقها ودت لو تقول له ( في غربتي لم أجد إلا عيناك وطنًا)


🌺 الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا فيه🌺


الفؤاد نادرًا ما يفرح، نادرًا ما تطفو بسمته على الشفاه، وتسفر سعادته في العيُون، هو لُمامًا ما يُخامره السرور

وهي لأوِّل مرة تعرف معنى سرور القلب..

بهجة حناياه

وسكينة سويداءه

ودفء القلب شيءٌ مميز لا يحياه المرء دائمًا..

وها هي ذي يغمُرُها دفءٍ رائع ما أن حَلَّتْ في بيته، ووسط عائلته، لقاؤها مع سُهير كان عامِر بالعاطفة.

_أنا ليه حاسة إن بلال شاف حلقة البرنامج بتاعتك، وعارف إنك بتحبيه!

قالتها (سُهير) بلهجة مبهمة، وهي شاردة النظرات.

ففغرت (إسراء) فاه، واتسعت عينيها حتىٰ بلغتا الذروة، وطالعتها في صمت ذاهِل، وقد أدهشتها عبارتها، وودت لو إنها فقط تهذي، ونطقت عندما استردت قدرتها على الكلام:

_مش بلال مبيسمعش على التلفزيون؟

قالت (سهير) مؤكدة:

_ايوا فعلًا .. بس عندي إحساس إنه سمع حلقتك دي.

ازدردت (إسراء) لُعابها، وأطل الوجل والجزع من عينيها، وهي تُردد في شحوب:

_إيه اللي خلاكي تقولي كده؟

هزت (سهير) كتفيها، وغمغمت في بساطة:

_بسيطة؛ لإنه جالك المستشفى، واليومين اللي فاتوا مكنش على بعضه حتى إنه مكنش بيطمن عليَّ زي ما كان بيعمل.

أسدلت (إسراء) جفنيها في وهن، وهي تقول:

_عايزة أشوف الحلقة.

لم تفهم (سهير) سِر ذاك الشحوب الذي اعترَى (إسراء)، ولا سبب إصرارها على مطالعة الحلقة، وهي تلتقط هاتفها، آتية بها وتسمعها في اهتمام، حتى جاء المقطع التي اعترفت فيه بحبها لـ (بلال)، فلطمت خدها وهي تهتف في شحوب:

_يلهوي يلهوي إيه اللي أنا عملته ده؟! يلهوي أنا اعترفت إني بحبه قدام الناس كلها، علنًا على الملأ، قدام التلفزيون والكاميرات...

لم تستعب (إسراء) ما اقترفته في حق نفسها، بدت كأنها أحدٌ آخر وليست ذي التي اعترفت له بحبها علىٰ الملأ، وتضرَّج وجهها بلون الخجل، وهي تتأهب للمغادرة برفقته ومن كثرة توترها وارتباكها، طفقت تُمسِد على ذراعها بدفءٍ رغم حرارة الجو الساخنة، في هذا الشهر من الصيف، لكنها كانت تلك عادتها كلما توترت.

ولم تكد تعبر الباب إلى الخارج وهي في غمرة شرودها، وتحت وطأت إحراجها، توقفت عندما تلاقت مع (عِماد) الذي كاد يدخل فتوقف بدوره، وصاح في حماس بنبرة تثير الإشمئزاز:

_ الممثلة إسراء الشهاوي هنا بنفسها مرة واحدة، واللاه ولعبة معاك يا اض يا بلال يا بن المحظوظة، يا أهلًا يا أهلًا.

وصد عليها طريق الخروج، وهو يبتسم بسماجة، مضيفًا:

_رايحة فين يا ست الكل ما خليكِ مشرفانا!

تلجلجت (إسراء) في الكلام، لم تدرك بما تجيب، وقد توغل الخزى إلىٰ نفسها، وهي تسترق نظرة إلى بلال المنشغل في إدارة محرك السيارة، فأعادة بصرها إلىٰ (عماد) الذي لم ينتظر إجابتها، بل مال عليها بصورة مُفاجئة أدهشتها وجعلتها تتراجع للخلف تلقائيًا وتزجره بنظرة حادة، بينما هو يقول في تودد:

_بقولك بما إنك حبيبة العيلة وكده وأنا من العيلة، ما تشوفولي شغل كده اكسب منه ..

وحرك إبهامه فوق إصبعيه أمام وجهها بطريقة تعني المال، فلم تحر جوابًا وهي تطلع إليه ذاهلة، قبل أن تؤمأ ببطء، قائلة بشحوب:

_تـ.. تمام.

فسألها:

_نتقابل أمتى يا قمر عشان تقوليلي على الشغل.

أملته (إسراء) رقمها سريعًا، وهي تنظر إلى (بلال) المقبل عليهما، وعلى وجهه إمارات الضيق جلية، وأمرها في حدة أن تصعد السيارة.

google-playkhamsatmostaqltradent