Ads by Google X

رواية حجر الشيطان الفصل الثالث عشر 13 - بقلم ندي ممدوح

الصفحة الرئيسية

  رواية حجر الشيطان كاملة بقلم ندي ممدوح عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية حجر الشيطان الفصل الثالث عشر 13

« إختفاء»
في مصنعٌ خالي من كل شيءٌ، ما عدا شاب مذود بمدفع يروح ويجيء أمام ( آجار، والفتاة) اللذان جالسا في خشوع مقيدان الأيدي خلفهم.

مالت الفتاة قليلًا علي آجار وهمست : 

- ماذا سنفعل؟

غمز لها (آجار) قائلًا بعبث :

- ليس الآن يا حلوة، سترين!

لم يمهلها فرصة الحديث مجددًا إذ أشار للراجل الذي يحرسهما في برود وغمغم :

- إنت !

إلتفت له الشاب، فـ أشار لهُ (آجار) برأسه ليقترب، فحدجه في مقت ودنا منه، فتطلع إليه ( آجار) وسئله :

- من مديرك يا هذا أخبرني؟ من أمركم بخطفي!

ألقى عليه الشاب نظرة هازئه وهو يقول بلا اهتمام :

- وما دخلك يا هذا؟

فطن ( آجار) من لهجة الشاب وابتعاده انه لن يحصل منه على اي معلومة، ولن يبوح ابدًا، فـ أطرق مفكرًا مليًا قبل ان يرفع رأسه هامسًا في حزن مصتنع وحسرة للفتاة :

- تدرين؟ أنني اكثر الناس حظًا تعس بسببك، فـ لولاكِ لكنت الآن أتجول وأعبث وليس مكتف هكذا!

صرت الفتاة على أسنانه وهي تجيبه في استنكار :

- أنا ؟ مَن مِن المفترض ان يلوم الآخر؟.. انت السبب في أسري في هذا المكان .. والآن كيف سننجو؟.

ابتسم في مكر وبساطة، سألها :

- ما إسمك؟

- مِنة

تأمل ملامحها قليلاً، وقال في لطف :

- إذن يا منة أنتِ مسؤلة مني وعليَّ أخراجك من هنا وهذا سهلًا ولكن ستفعلي ما أقوله دون اسئلة ، حسنًا؟

اومأت برأسه وهي تسئله في عند :

- وستقبل أن أعمل معك حوار؟

فغر فاه من فرط دهشته، فيمَ تفكر تلك وهو لا يدري هل سِخرجان أحياء ام جثتان، رمش بأهدابه مغمغمًا في حنق :

- يا لكِ من غبية ومعتوهة فيمَ تفكرين أنتِ؟

قالت منفعلة :

- ستوافق ام لا؟

تنهد في غضب بيَّن وقال من بين اسنانة :

- اوافق يا منة أوافق.

ابتسمت في راحة فزم شفتيه حنقًا، تحمحم قبل أن يُنادي للشاب فـ ألتفت إليه، فهتف ( آجار) فيه بوجه محتقن :

- أريد ان أشرب يا بُني، ام ليس لديكم ماء؟

وقف الشاب ساكنًا يحدجه في غضب قبل أن يدمدم وهو يبتعد عنهما.

فحرك ( آجار) بحذر كفيه وجذبَ بأنامله نصلٌ من بين أكمام كفه الأيسر، وفي يسر كان يحركة على الحبال المعقودة حول مرفقية حتى حلّت العقدة، فتهدل منكباه في آون ذلك وصل الشاب وانحنى بفوهة القرورة إلى فم آجار، الذي مال بفمه ولكن قبل ان يلمسها حرر كفه ليضرب الزجاجة في وجه الشاب الذي تقهقر للخلف وكانت الزحاجة تلقائيًا تنسكب ارضًا، وثب آجار وركل الزجاجة بقدمة، وقبل أن يستعب الشاب اندفع آجار نحوه وصوب له لكمه صدره تلاها آخرى في معدته، وانهال عليه ضربًا، فدفعه الشاب بغته للخلف وابتعدا ثُم ألتحما ودارت بينهما معركة شرسة، ومنة تشاهد بأعيُن منبهرة متسعة وفاه فاغر من فرط الزهول، سدد الشاب لكمة في بطن آجار الذي مال متأوهًا لثوانٍ كانت كفيلة ان يخرج الشاب نصلٍ ويغرزة في ذراع آجار مع صيحة منه الفزعة المحذرة، تفادى آجار النصل الذي كاد يُغرز في جنبه إذ مال لجانبه فمر في الهواء وأمسك بذراع الشاب وطفق يضربه جتى انزلق من كفه وثنى ذراعه خلفه ثم دفعه على الجدار وأمسك بمؤخرة رأسه ودفعه على الحائط مرة والآخرى وكان الشاب يفقد وعيه منهارًا ... فتركه وهرول نحو منة وفك قيدها وامسك بكفها وخرج بها من المصنع، كادت تثرثر حين رمقها بنظرة كانت كفيلة أن تبتلع كلماتها وتلزم الصمت، التفت حوله.يفحص الطريق فوجد سيارة بدا له انها تابعه لصاحب المصنع، فنظر من النافذة فوجد المفتاح فيها فامر منه ان تصعد.

دار محركها وقاد في سرعة، بعد فترة وجيزة تنبه لسيارات تتبعه مجددًا فضرب بكفه عجلة القيادة ناظرًا لـ منة بنظرة حارقة فوجودها شاردة ، ويخشى ان يصيبها شيء ويكون بسببه، تنبهت لـ نظراته التي أصابتها بحرج شديد فغضت الطرف وهمست بخجل :

- أسفه.

لم يعيرها انتباهه بل صب جُل تركيزه على الطريق وذاد من سرعة القيادة فجأة كان الرصاص يخترق عجلات السيارة التي راحت تدور حول نفسها قبل أن تقف، فترجل سريعًا وهو يصيح فيها أن تنزل وأمسك بمرفقها في عنف وركض في سرعة تجاه الغابة فلحق به الرجل، وقفا وراء شجرة وأخذ يتابع الرجال، بحدقتين حادتين كـ الصقر قبل ان يزمجر كنمر متوحش ... ألتقط حجرًا وألقاه بعيدًا لجهة اخرى فركض الرجال جميعًا خلف الصوت الذي اصدره الحجر وفلح في تشتيتهم.

نظر لـ ( منة) الساكنة امامه وقال :

- اتعرفين كيف تتسلقي؟

نظرة له دون فهم وهزت رأسها فأعطاها ظهره وهو يغمغم :

- إذن ستعرفين يا فتاة، تشبثي.

تردت قليلًا قبل ان تضع كفيها على منكبيه ولفت ساقيها حول جذعة في سرعة كان يتسلق بها الشجرة في خفة وقد ساعده نحافتها وجسدها الهزيل، تركها متعلقه على جذع نخلة وقفز هو فورًا وراح يسير في حذر خلف الرجال الذين كان يتبعه فسار العكس وبات هو يتبعهم، لمح طيف احدهم فتوارى وتربص به حتى هم ان يمر فوضع ساقاه فتعثر فيها الآخر وقبل ان يصيح كانَ (آجار ) يلتقط سلاحه الذي وقع منه حين تعثره وأطلق على جبهته فسقط صريعًا في الحال، إلتفت حوله والسلاح في يده على وضع الأستعداد تربص بأخر وهوى بمؤخرة السلاح على رأسه ففقد وعيه ودفعه لِنطرح ارضًا، برز امامه إحداهم فـ القى السلاح بعيدًا وتفرس ملامحه وانقضا على بعضهما، كاد ان يركله لكنه صد ركلته وأمسك بقدمه ولواها ودفع الشاب ليسقطا ارضًا وثب و وثب الآخر صوب له لكمة فـ امسك ( آجار ) بقبضته وهو يتراجع برأسه وكال له الضربات بقبضته الآخرى، داره و اطبق ذراعه على عنقة وسئله في حِده :

- من خلفك يا هذا؟

ازرق وجه الشاب وشحب لونه وهو يهمس بانفاس متقطعة بصعوبة :

- الـ ... السفاح.

نطق بأحرف متقطة، فشدد آجار على عنقه حتى خرجت روحه وتركه وهو ينفض كفيه ويعود لـ منة، لينزلها من فوق الشجرة، كانت ساهمة .. مرتعدة الأطراف ترتعش وتنتفض تأملها وهم ان يسألها إذا بخير لكن بدلًا عن ذلك دفعها في هلع للجانب الآخرى وقفز هو لتخترق رصاصة الشجرة، وثب منطلقًا إلى الشاب الذي اطلقها وركل يده ليقع السلاح منه، ودفعه الشاب فسقط فضرب آجار ساقا الشاب فوقع على ظهره فتدحرج ملتقطًا السلاح وقبع بركبته على صدره وأطلق رصاصة في وسط جبهته اعقبها صرخة منة الفزعة فـ أعتدل واستدار لها، فراحت تتراجع في خوف وهي تهز رأسها والدموع تتلالأ في اهدابها، اطبق جفنية لفترة قصيرة وبتروي همس :

- منة ، كان يجب ان افعل هذا وفعلت، كان ام ان نموت أو يموتون.

وقفت ساكنة وسالت دموعها تهوى إلى وجنتيها فـ أضناه التعب وزراعه النازف، تقدم إليها في تريث شديد وقال في تنهيدة :

- منة لو سمحتِ أنا...

هزت رأسها وهي تشهق قائلة بصوت مختنق :

- لن اخبر احد لا تقتلني!

اوجعته كلماتها كانت كالجمر ينقذف لفؤاده دون ذرة رحمة، فقال بصوت مرتجف :

- ماذا تقولين؟

دمدمت قائلة :

- لا تقتلني رجاءًا.

أمسك بكتفيها وهزها في عنف صارخًا لتفوق وكان لا بُد من ذلك :

- منة أنا لن أأوذيكِ ويستحيل ان اجعل احد يأذيكِ بسببي!

طرفت قليلًا وأجفلت من كلماته ونظرت له وفجأة ارتمت بين يديه باكية بقوة، فتخشب قليلًا وهو يربت على ظهرها برفق مغمغمًا :

- لا بأس .. لا بأس لم يحدث شي أنتِ بخير ستعودين إلى أمك.

هُنا وذاد بكاءها أكثر وتشبثت اكثر في ثيابه، فغمغم قائلًا وقد فقه انها فقدت والدتها حين بدات تهمس بذلك فـ أشفق عليها ورحلا من هذا المكان، كان يقود احد سيارات هولاء الرجال الذين كانوا يتبعوه وهو يختلس النظر إليها، إنطفاءها فجأة ارعبه، ضحكتها الغائبة هالته، ألتقى بها منذُ دقائق وكانت كتلة من الحماس والحيوية والحياة، وأنطفئت بسببه ..

كانت ساكنة تسند رأسها للنافذة شاردة، أوقف السيارة بجوار منزله هو ... حتى تستعيد رباطة جأشها...

فدلفت معه وتعرفت على اخته هنا التي اخذتها معها لغرفتها وراحت تهدأها بكلماتها المرحة وغسلت لها وجهها واهداتها ملابس اخرى، وغادرت بعد ان صارتا رفيقتان، اوصلها آجار بنفسه ورَ منزلها ولمح والدها الذي كاد يجن من فرط قلقه عليه وأخذها في عناق طويل ليطمئن قلبه إنها بخير ، لم ينصرف إلا بعد ان توارت وراء الباب وهي ما زالت تتشبث في والدها...


🌹 اللهم إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين 🌹


أوقف دراجته وتأمل سكونها قليلًا قبل أن يخطو إليها ، كانت تقف تتأمل امواج البحر المتلاطمة، تعقد ذراعيها، وشعرها يتطاير مع كل نسمة هواء تداعبه، وكذا كان فستانها الرقيق الذي ترتديه، تواثبت دقات قلبها فعلمت فورًا بحضوره فـ أستدارت مستنيرة الوجه وهي تهمس بصوتٍ رقيق :

- جان.

حل الزعر على ملامحها وهي تشخص نظرها في ذراعه المجروح بشق غريب وامسكت كفه تقلب فيه بلهفة و وجل :

- جان ما هذ كيف جرحت؟ متى جرحت؟

هز كتفاه للأعلى وهو يجيبها في هدوء:

- لا ادري!

رفعت نظرها إليه قائلة في غيظ :

- كيف لا تدري يا جان، إلى متى ستظل مهمل؟

- سأسافر غدًا لدي حفلة مهمة!

أجفلت منتفضة للخلف وفلتت ذراعه، تنظر في خوف وقالت :

- أنت تمزح .. أليس كذلك؟

طالعها هُنيهة في صمت قبل ان يدنو واقفًا أمامها، ورفع ذقنها بسبابته، وثبت عيناه في عينيها وهو يقول بلطف :

- لن أغيب فور أنتهاء الحفل سأعود.

هزت رأسها نفيًا تودُ ان يستنكر لها ما يقول فضمها بحنو مغمغمًا بقلبٌ متفطر :

- سأعود يا ناردين أنتِ كل عائلتي يا فتاة لن اتخلى عنك ليس ليّ غيرك يا قرةُ عيني.

راقت له كلماته وطابت نفسها فغمغمت :

- كم ستغيب ؟

لم يود اخبرها إنه سيغيب لأن لديه الكثير من الحفلات فتجاهل سؤالها عن عمد وقال :

- سأتيكِ بفيويوهان الحفل كاملة لتشبعي منها.

توهجت نظراتها وقالت في حبور :

- ولن تغيب.

هز رأسه لها نفيًا:

- لن أغيب.

- ستذهب كل الفرقة معك؟

- بالطبع.

جلسا على الشط وضم كتفها وراحت رأسها على كتفه، يتأملا معًا البحر في جوٍ بديع مبهج للروح.

كانت حاضره معه وغائبة في ذاك الوقت، ما زال خبر سفره يؤلمها، تخشى أن يغيب عن عينيها كم حدث بالسابق، ولكن ان غاب هذه المرة ستموت حتمًا لن استطع فراقه او اكمال حياتها بدونه.

كان يقبل رأسها وكفه يُداعب خصلاتها يُطمئنها وكأنه يبث لها أن هذه المرة لن يغيب في السابق كان شيء والآن شيءٌ أخر، في الماضي كان لا بُد له أن يهرب من الملجأ.....


🌈اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ. 🌈


صباحُ يوم الجمعة، اليوم المميز للجميع.. وخاصةً لقلبُ خديجة ، ففي هذا اليوم ستعطي محاضرة للبنات في المسجد.

في الصباح الباكر كان الشباب يتدربون في الحديقة فيما بينهم وتراقبهم لمار ببسمة فخر لم تفارق ثغرها حتى أنتهوا.

خرجوا جميعهم وتوزعوا في السيارات التي ستقلهم للمسجد،

وبعد أداء صلاة الجمعة، وإستماع الخطبة بقلبٌ مفروغ من كل شيء، طاردًا الحياة الدنيا حتى لا تشغله وهي في رحاب الإيمان، مع صوتُ الشيخُ الرخيم الذي ينفذ إلى القلوب السليمة مباشرةً، تربعت خديجة في أحد زوايا المسجد مسندة ظهرها إلى جداره في راحة تامة، وفؤادٌ مطمئن، عامرٌ بذكرُ الله، وروحًا تحلق في فضاءه، تربع الفتيات حولها في حلقةٌ دائرية، أقارب وغرباء، في إنتظار ما تقصه لهم، مما طلبوا وكما اردوا.

قالت وعيناها تجوب في سكينة في الوجوة المتعلقة في وجهها في أهتمام :

- جاهزون أنتم لنحلق معًا في رحاب الحبيب، ربما نروي ظمأ الفؤاد من عبق أريجه، ونقتنص لحظات طمأنينة معه، نحلق في سماءه ونلتحف من سيرته برداء يلهمنا على السير قدمًا ، ونطمئن الفؤاد ان اللقاء قريب عند كوثره، لنهدأ من أشتياقنا إليه فنتخيل هلموا نحلق معًا بأرواحنا نُسرى مع الرسول إلى المسجد الأقصى ونعرج معه إلى السماء.

صمتت هُنيهة وإذ بالوجوه إذادات تعمقًا، لهفتًا، شوقًا والآطذان تترقب والأعيُن تتلألأ كأنها نجومٌ ثاقبة، تابعت في تنهيدة مستكينة كأنها تحلق حقًا، وكيف لا؟! وهي تتحدث عن الحبيب المصطفى :

- كان العام العاشر للبعثه، حيثُ خيم الحزن على قلب الحبيب وألقى رداءه بظلال ثقيلة في ثناياه، عُرف بعام الحزن فقد مات عم الحبيب ابو طالب وماتت زوجته خديجة التي كانت تسانده وتزيح عنه الأذى أول من آمنت به واول من واسته، فقد الحبيب حبيبان في عامًا واحد، وإذداد أذى المشركين له، وتأذى بسببهم كثيرًا، كان يدعوهم لعبادة الله الواحد الأحد فيعرضون قلوبهم صماءٌ قاسية، يأذونه فيدعوا لهم، يغيبون عن إيذاءه فيسئل، يمرض احدهم فيعوده، وحين أضناه أذى المشركين وظل يدعوا الله، فعرض عليه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين، فأبى الحبيب وراح يدعوا لهم ويسئل الله أن يُخرج من أصلابهم من يوحد بالله لا شريك له.

سكتت للحظات والدموع تترقرق بين جفنيها، تتأمل كيف كانوا المشركين يأذون الحبيب وهو يدعوا لهم بقلب مسامح لا يحمل لأحد شيء، كيف تحمل ؟

تابعت خديجة ساهمة أو غائبة محلقة :

- وجاءت البشرى، وفرحة الحبيب، وتضميد الجروح، أنها الإسراء والمعراج ..

الإسراء هو ذهاب الرسول ﷺ من مكة إلى المسجد الأقصى بالشام وصلى بالأنبياء حميعهم ثُم عرج إلى السماء.

وقد قال الله تعالى في سورة الإسراء { سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }

أما المعراج فهو رحلة سماوية عرج فيها الرسول مع جبريل إلى السماء...

وتبدأ القصّة عندما نزل جبريل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بصحبة ملكين آخَريْن ، فأخذوه وشقّوا صدره ، ثم انتزعوا قلبه وغسلوه بماء زمزم ، ثم قاموا بملء قلبه إيماناً وحكمة ، وأعادوه إلى موضعه .

ثم جاء جبريل عليه السلام بالبراق ، وهي دابّة عجيبة تضع حافرها عند منتهى بصرها ، فركبه النبي - صلى الله عليه وسلم – وانطلقا معاً ، إلى بيت المقدس .

وفي هذه المدينة المباركة كان للنبي - صلى الله عليه وسلم – موعدٌ للقاء بإخوانه من الأنبياء عليهم السلام ، فقد اصطحبه جبريل عليه السلام إلى المسجد الأقصى ، وعند الباب ربط جبريل البراق بالحلقة التي يربط بها الأنبياء جميعاً ، ثم دخلا إلى المسجد ، فصلّى النبي – صلى الله عليه وسلم – بالأنبياء إماماً ، وكانت صلاته تلك دليلاً على مدى الارتباط بين دعوة الأنبياء جميعاً من جهة ، وأفضليّته عليهم من جهة أخرى .

ثم بدأ الجزء الثاني من الرّحلة ، وهو الصعود في الفضاء وتجاوز السماوات السبع ، وكان جبريل عليه السلام يطلب الإذن بالدخول عند الوصول إلى كلّ سماءٍ ، فيؤذن له وسط ترحيب شديد من الملائكة بقدوم سيد الخلق وإمام الأنبياء – صلى الله عليه وسلم - .

وفي السماء الدنيا ، التقى – صلى الله عليه وسلم – بآدم عليه السلام ، فتبادلا السلام والتحيّة ، ثم دعا آدم له بخيرٍ ، وقد رآه النبي – صلى الله عليه وسلم – جالساً وعن يمينه وشماله أرواح ذريّته ، فإذا التفت عن يمينه ضحك ، وإذا التفت عن شماله بكى ، فسأل النبي – صلى الله عليه وسلم – جبريل عن الذي رآه ، فذكر له أنّ أولئك الذين كانوا عن يمينه هم أهل الجنّة من ذرّيّته فيسعد برؤيتهم ، والذين عن شماله هم أهل النار فيحزن لرؤيتهم .

اللهم فـ أجرنا من النار...

ثم صعد النبي– صلى الله عليه وسلم – السماء الثانية ليلتقي بـ عيسى و يحيى عليهما السلام ، فاستقبلاهُ أحسن استقبالٍ وقالا : " مرحباً بالأخ الصالح والنبيّ الصالح " .

وفي السماء الثالثة ، رأى النبي– صلى الله عليه وسلم – أخاه يوسف عليه السلام وسلّم عليه ، وقد وصفه عليه الصلاة والسلام بقوله : ( ..وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ) رواه مسلم .

ثم التقى بأخيه إدريس عليه السلام في السماء الرابعة ، وبعده هارون عليه السلام في السماء الخامسة .

ثم صعد جبريل بالنبي– صلى الله عليه وسلم – إلى السماء السادسة لرؤية أخيه موسى عليه السلام ، وبعد السلام عليه بكى موسى فقيل له : " ما يبكيك ؟ " ، فقال : " أبكي ؛ لأن غلاماً بُعث بعدي ، يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي " .

ثمّ كان اللقاء بخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام في السماء السابعة ، حيث رآه مُسنِداً ظهره إلى البيت المعمور - كعبة أهل السماء - الذي يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة لا يعودون إليه أبداً ، وهناك استقبل إبراهيم عليه السلام النبي – صلى الله عليه وسلم – ودعا له ، ثم قال : ( يا محمد ، أقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان ، وأن غراسها : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ) رواه الترمذي .

« سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، كيف تعلمي ان هذه الكلمات غراس الجنة ولا ترطبي لسانك بهم في كل حين و وقت ؟ كيف لاتروي ظمأ قلبك بهما مهما كان فيه من أحزان واوجاع وآهات وزكريات أليمة؟ كيف تعلمي ان الموت آت لا محالة وتهجري غراس الجنة ؟ الموت آتٍ يا رفاق لا محالة والجنة بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أسرعن إليها قبل فوات الآوان أسرعن قبل أن تعضن الأصابع ندمًا،فـ الوقت لا يعود والعمر يمضي والموت آت.»

وبعد هذه السلسلة من اللقاءات المباركة ، صعد جبريل عليه السلام بالنبي– صلى الله عليه وسلم – إلى سدرة المنتهى ، وهي شجرةٌ عظيمة القدر كبيرة الحجم ، ثمارها تُشبه الجرار الكبيرة ، وأوراقها مثل آذان الفيلة ، ومن تحتها تجري الأنهار ، وهناك رأى النبي– صلى الله عليه وسلم – جبريل عليه السلام على صورته الملائكيّة وله ستمائة جناح ، يتساقط منها الدرّ والياقوت .

ثم حانت أسعد اللحظات إلى قلب النبي – صلى الله عليه وسلم - ، حينما تشرّف بلقاء الله والوقوف بين يديه ومناجاته ، لتتصاغر أمام عينيه كل الأهوال التي عايشها ، وكل المصاعب التي مرّت به ، وهناك أوحى الله إلى عبده ما أوحى ، وكان مما أعطاه خواتيم سورة البقرة ، وغفران كبائر الذنوب لأهل التوحيد الذين لم يخلطوا إيمانهم بشرك ، ثم فَرَض عليه وعلى أمّته خمسين صلاة في اليوم والليلة .

وعندما انتهى – صلى الله عليه وسلم – من اللقاء الإلهيّ مرّ في طريقه بموسى عليه السلام ، فلما رآه سأله : ( بم أمرك ؟ ) ، فقال له : ( بخمسين صلاة كل يوم ) ، فقال موسى عليه السلام : ( أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم ، وإني والله قد جربت الناس قبلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ) ، فعاد النبي صلى الله عليه وسلم – إلى ربّه يستأذنه في التخفيف فأسقط عنه بعض الصلوات ، فرجع إلى موسى عليه السلام وأخبره ، فأشار عليه بالعودة وطلب التخفيف مرّةً أخرى ، وتكرّر المشهد عدّة مرّات حتى وصل العدد إلى خمس صلواتٍ في اليوم والليلة ، واستحى النبي – صلى الله عليه وسلّم أن يسأل ربّه أكثر من ذلك ، ثم أمضى الله عزّ وجل الأمر بهذه الصلوات وجعلها بأجر خمسين صلاة .

« الصلاة عبادة، تظنها ربما ثقيلة، تأخرها لفعل شيءٌ أخر شيء غير مهم وتنسى نداء الأذان ( الله أكبر) وتهمس لنفسك بعدما سأنتهي سأصلي، سأنهي مكالمتي وأصلي، سافعل كذا واصلي، سأذهب لكذا واصلي، أضمنت أن تحيا لدقيقة بعد هذا العمل الهام؟ ربما خرج ملك الموت، هل سينفعك هذا العمل، المكالمة، المشوار، هذه دنيا فانية ولا شيء دائم، الصلاة راحة وسكينة والصلة بين العبد وربه، أن قطعتها قطعه رب العباد، حين تسمعين الأذان أتركي كل شيء خلفك، ولتتذكري انه ربما هذه اخر وقفة بين يدي الله، تذكري انه ربما خرج ملك الموت واخذ روحك، تذكري انه لا شيء اهم من صلاتك، خشوعك وقوفك بين يدي الله، لا تقلقي سترفعي رأسك مجبورة القلب، مرتاحة النفس، مستكينة الروح، مرتاحة يقول الرسول عنها ( أرحنا يا بلال) ألا تحبي أن تشعري بالراحة.».

وقد شاهد النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذه الرحلة الجنّة ونعيمها ، وأراه جبريل عليه السلام الكوثر ، وهو نهرٌ أعطاه الله لنبيّه إكراماً له ، حافّتاه والحصى الذي في قعره من اللؤلؤ ، وتربته من المسك ، وكان عليه الصلاة والسلام كلما مرّ بملأ من الملائكة قالوا له : " يا محمد ، مر أمتك بالحجامة " .

وفي المقابل ، وقف النبي – صلى الله عليه وسلم – على أحوال الذين يعذّبون في نار جهنّم ، فرأى أقواماً لهم أظفار من نحاس يجرحون بها وجوههم وصدورهم ، فسأل جبريل عنهم فقال : " هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم " ، ورأى أيضاً أقواماً تقطّع ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار ، فقال له جبريل عليه السلام : " هؤلاء خطباء أمتك من أهل الدنيا ، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب ، أفلا يعقلون ؟ " .

ورأى شجرة الزّقوم التي وصفها الله تعالى بقوله : { والشجرة الملعونة في القرآن } ( الإسراء : 60 ) ، وقوله : { إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ، طلعها كأنه رءوس الشياطين } ( الصافات : 64 – 65 ) .

ورأى مالكاً خازن النار ، ورأى المرأة المؤمنة التي كانت تمشط شعر ابنة فرعون ، ورفضت أن تكفر بالله فأحرقها فرعون بالنار ، ورأى الدجّال على صورته ، أجعد الشعر ، أعور العين ، عظيم الجثّة ، أحمر البشرة ، مكتوب بين عينيه " كافر " .

وفي تلك الرحلة جاءه جبريل عليه السلام بثلاثة آنية ، الأوّل مملوء بالخمر ، والثاني بالعسل ، والثالث باللبن ، فاختار النبي – صلى الله عليه وسلم – إناء اللبن فأصاب الفطرة ، ولهذا قال له جبريل عليه السلام : " أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك " رواه البخاري


كانت رحلة الإسراءوالمعراج لتطيب قلب الحبيب، وادخال السرور لروحه.... وسنتابع الرحلة في محاضرة أخرى فـ الوقت يداهمنا.

قاطعتها فتاةٌ تسئل في حيرة :

- لدي سؤال إذ الرسول صلى الله عليه وسلم قد صلى بالأنبياء جميعًا فلماذا سئل عنهم جبريل ولم يعرفهم ؟

أجابة خديجة في نبرة تنبض حبًا :

- سؤال مميز، وإجابته بسيطة للغاية، فـ الرسول قد صلى بهم لكنه لم يتعرف عليهم في حين لقاهم في السموات سئل سيدنا جبريل عن اسماءهم وتعرف عليهم...

أحبتي أستعيذوا بالله من نار جهنم واسئلوه الجنة فيها الحبيب محمد، تقربوا إلى الله قبل ان يقترب ملك الموت فوالله انها دنيا زائلة لن تدوم مهما أشرقت عليك الشمس وانبلجت ومهما طال العمر بكِ فـ الموت آت تذكري هذا، تذكريه دائمًا......

بقت ( خديجة) لفترة مع الفتيات الذين انهالوا عليها ببعض الأسئلة وكانت تجيبهم بكل رفق حتى أنتهن، وخرجت مع الفتيات متعلقون بها يتأبطون أذرع بعضهم، وخلفهن يسير كبار العائلة يتسامرون، كان الشباب في انتظارهم بجوار السيارات، رفعت أروى عيناها باغتة تمشط الوجوه عن وجه والدها فتلاقت عيناها في عينا حمزة الذي أسرع في أبعادهم والتصنع بالتشاغل بالحديث مع خالد، لكن تلك النظرة لم تمر مرور الكرام، كان لها وقع على القلوب فقد ذاد الوجيب وفاض ألمًا وكل منهما يتعذب بداء الحب، طرفت بعيناها مستغفرة لكنها ليس لها سلطان على القلب العاشق الذي أُغرم به منذُ نعومة أظافرها، لكن ذاك الحب لم يهدها إلا الوجع، فـحمزة لم ولن يلتفت لها يومًا، وقد تأكد حدسها بعد ظهور أخرى معه شرطيه، تراه كيف يعاملها، انتشلها من صراعها القائم في نفسها اصوات الفتيات وكفوفهن فأنتزعت بسمةٌ مصتنعة رسمتها ببراعة مخلفها وراءها فؤاد مكلوم وندوب لا تبرأ، ربما يلفت لها حمزة يومًا..

أمتقع وجه اروى ما أن وقعت عيناها فجأة على الفتاة ( ريتاج) رأت خطواته نحوها، راقبة كيف أبتسم ودعاها ليوصلوها معهم، حسنًا ريتاج تبدو انضج منها، ناجحة في كل مهمة تقوم بها، جميلة عنها، غلبها الحزن ولم تشعر إلا وهن يتوزعن في السيارات ورأت ( ريتاج) تستقل السيارة التي هي بها بعدما جاءت بها سمر وأنتلقت السيارت إلى المنزل، كان الجميع موجود إلا ( شيماء) التي انزوت بعيدًا عن العائلة وشملها.

تجمع الشباب في الحديقة يتسامرون وقد ألتفواحول الطاولة،

زفر "مالك" بملل وجال ببصرهُ في الشباب وتمتم في حنق :

- هنفضل قاعدين كدا ؟ أنا زهقان!.

رمقهُ "خالد" بنظره هازئه، وقال وهو يلوى فمه متهكمًا :

- زهقان ؟ ومش عجباك قعدتنا؟ عايز تعمل إيه يعني؟ ولا حابب خديجة تعلم عليك؟!

زمّ "مالك" شفتية في حُزنٍ مُصتنع، وقال:

- أنتَ دايمًا كاسر بنفسي كدا يا بني ؟ طب وربنا ما ينفع قعدتنا كدا.

طاف ببصره بالشباب وقال وهو يمد أناملة على الطاولة ويبدأ في الدق بتناغم :

-وربنا لهغني، خديجة طلعت هي والبنات اصلا مش هتسمعني.

أنهى جملته مصحوبًا بدويّ صوته وهو يدندن ويحرك كتفيه:

- أنا جدع، ايوه أنا جدع، ولا مرة حد مني توجع، ولا لساني نطق بكلمة ورجع....

أخذ مالك يدندن وشاركه باقي الشباب بالتصفيق والترديد خلفه ما عدا خالد، أنتبه "خالد" لقدوم "ديجا" بوجهًا لا يُفسر بينما أحتدت عينيها في غضب قد يحرقهم حرقًا، استوى واقفًا وهو يزدرد ريقه في توتر جليّ، نكز مالك عدت مرات في كتفة، لكنه لم ينتبه له وأستمر في الغناء، صمت الشباب بخوف وهم يحملقون في خديجة في رعب ملأ أفئدتهما، نظر مالك لهم في بهَت لتوقفهم عن الترديد، وما هم أن يتسائل حتى جاءه الرد من خديجة التي دوىّ صوتها كـالرعد :

- بتغني يا مالك ؟ هاااا، طب أنا هوريك.

أتسعت حدقتي مالك على إخرهما و وقف في تلكؤ وهو يستدير ببطئ شديد فما كاد أن يُبرر فعلته، حتى كانت خديجة تميل لتلتقط نعلها في ثانية، وتلقيه عليه فـ صاح مالك في رهبة فما هم بالركض حتى تعثرت قدمة في المقعد المجاور له وكاد أن يسقط على وجهه، ولكنه لحق ذاته فـ تلقائيًا تمسك بكفه في الطاولة، ركض بكل ما أُتي من قوة وهو يصيح ويستغيث بأحد وخديجة تركض خلفة وهي ترغد وتزبد، لذا وقع الشباب أرضً من فرط الضحك ومنظر مالك وخديجة. وتعالت ضحكات الفتيات وهم يتخذن بقعةً للجلوس في الحديقة وانضمت لهن خديجة، ران فجأة عليهن خالد وطلب اروى لثوان فنهضت فورًا و وقفت أمامه في مكان قريب عنهم ولكن اصواتهم لا تصل للحاضرين، باغتها متسائلًا في قلق :

- مالك يا اروى انتِ كويسة؟ من لما خرجتِ من الجامع وأنتِ زعلانة في حاجه حصلت؟

نفت برأسها وقالت في حبور :

- لا يا خالد اطمن مفيش حاجة

- متأكدة؟ متأكد بأنك مخبيه حاجة!!

غابت ابتسامتها لثوانٍ شاردة ثم قالت :

- مفيش بجد مجرد أرهاق ممكن.

ارتطمت في ظهرها كورة جعلتها تئن في صمت وهي تمسد ظهرها في ألم وقد احتقن وجهها وهي تنظر لأخيها الضاحك المنبسط، في حين جز خالد على اسنانة وركض خلفه قائلًا :

- ولا انا مش قُلت تبطل العادة دي؟ أفتراض حصلها حاجة!

ركض يوسف ضاحكًا وخلفة خالد وشاركهم الشباب وأخذ يلهون كرة القدم وأخذن الفتيات في مشاهدتهم ببسمة.

ابتسمت أروى فقد رُزقت بـ اخ يتمثل في خالد منذُ الطفولة وهو يشاركها كل شئ ألعابه خباياه و أسراره، يخاف عليها ويهتم بها وكأنه أبيها الثاني.

أم ملك فكانت ولم تكن، فهي حاضرة لكن غائبة ليس بعالمهم، لم تمكث طويلًا وصعدت غرفتها وجلست فوق فراشها تحملق في الفراغ بضياع وربما تيه....

ارتمى الشباب على المقاعد يلتقطوا أنفاسهم، قبل أن يفجر مالك قنبلته قائلًا :

- أنا أحتمال أسافر...أتصل بيا مدير مستشفى للأمراض العقلية وعرض عليا الشغل معاها بعد ما اطلع على كل الحالات اللي عالجتها وبفكر أسافر وأغيب لفترة...

غشاهم الصمت للحظات قبل ان يهتف معاذ مستنكرًا :

- بتفكر إيه؟ تسافر!

في هدوء اجاب مالك في بساطة :

- ايوه هناك أفضل؟

لكزه خالد في صدره مغمغمًا في ضيق :

- أنت عايز تقولي إنك عايز تاخد علمك وتقدمه لغير بلدك؟!

هي المستسفى هنا قصرت معاك في حاجة طب سيبك منها العيادة.

أطبق مالك جفناه وفتحهم مجيبًا وهو يهز كتفاه للأعلى :

- أنا شايف فين مصلحتي ومستقبلي وحاسس أن هناك هكمل حلمي اللي مبدأتهوش وهتابع وهبحث أكتر وهطور....

في سَورة من الغضب قاطعه معاذ منفعلًا وهو يضرب بقبضته سطح المكتب:

- يعني إيه تسافر؟ طب وأختك مفكرتيش فيها؟ ولا هتعمل ايه بعد ما تمشي، أنتِ اناني للدرجة دي.

كان غاضبًا يهتف في سخط .. جعل الجميع ينهدشون من غضبه الغير مبررر فما زال يتناقشون، حرك مالك رأسه وهو ينهض متسائلًا :

- في ايه يا بني انا مش هقوم أسافر دلوقتي!

وبعدين مالها أختي؟

حدجة معاذ بنظرة مقيتة قبل ان يشوح له ويبتعد من امامهم.

فتبادلوا الشباب النظر في بهت شديد ..

أرتقى معاذ الدرج بوهجًا محتقن من الغضب، و ولج للشقة ومنه إلى غرفته وصفع الباب خلفه في عنف جعله يصدر صوتًا عال، جاب الغرفة ذهابًا وايابًا وهو يتنفس في إختناق، يبدوا ان مالك نسي تمامًا حالة ملك، وإنها بحاجة لرعاية خاصة فهي ما زالت تُعاني من الخوف، يتملكها رهاب من كل شيء، منهم ومن الجميع تخشى ان تحب احد ويهجرها، فمنذ اختلاف والديها وهو عائق في طريقها .. تظن أن الجميع يخدعها وقد يهجرها ويتركها تُعاني كما فعل والدها وترك والدتها ثم عاد .. ما زالت تملك رهاب من الدم أن رأته.... ما زال اثر الحادث تاركًا أثر في فؤادها لا يبرأ جعلها تتقوقع في نفسها وتنزوي، ظن أن مالك سيعالجها فورًا لكنه يبدوا انه تناسى تمامًا ولم يستطع ان يحادث احد بهذا الموضوع خشية ان يظنوها مجنونة.

أنتشله طرق خفيف على الباب .. وقبل ان يسمح للطارق بالدخول، طل مالك من فرجته مغمغمًا :

- ولا ممكن ادخل؟

أشار له معاذ .. فدخل مالك وجلسا متجاورين على الفراش، سكنا قليلًا قبل ان يقول مالك موضحًا :

- أنا منستش ملك يا معاذ دي أختي.

رفع معاذ عينية إليه مندهشًا وما هم بالأستفسار حتى بادر مالك مشيرًا له :

- أنا اخترت اكون طبيب نفسي بس عشانها ، و بديها العلاج في الخفى عشان متحسش بحاجة هي رافضة تعترف انها مريضة نفسية بتعاني.

ابتسم هزاءًا وقال في مرارة :

- إحنا ما زلنا مجتمع جاهل بنفكر في كلام الناس اللي حوالينا حتى على حساب حياتنا في حين ان الناس مش بتهتم بمشاعرنا بتأزينا بس بإستمناع ، مجتمع جاهل بيفكر إن اللي بيعاني من اضطرابات نفسية مجنون، برغم ان المجانين دول اكتر الناس ذكاء، دول عالم توجعت وربما طُعنت من اقرب قريب او فقدت وبدال ما نساعد بنحطمهم اكتر ونموتهم بالبطيء.

فاضت عيناه بالدمع وهو يكور كفت يده قائلًا بحزن :

- ما زلت فكر يوم ما ملك حاولة تنتحر، لما كانت جثة ما بين إيدينا انا وأنت..

ربت معاذ على كتفه مقاطعًا حديثه، وقال :

- مالك إنت لازم تقنعها تسيب الشركة اللي بتدرب فيها دي!

أُندهش مالك وهو يتساءل عن السبب فروى له معاذ ما يُقال عن المدير وبانه فقط ينتظر الدليل ليودعه في السجن على افعاله الدنيئة.


🍃 اللهم مصرف القلوب صرف قلبي على دينك 🍃


صاح أراس في فزع وهو ينتفض واقفًا :

- سافر ؟! تقولها ليّ بكل بساطة يا نجيب؟ لماذا لم تخبرني!

غض نجيب بصره في حرج وتمتم أسفًا :

- أنت تدري اوامر أبيك يا أراس.

أشار له أراس بعد دقائق أن يغادر، وجلس واضعًا رأسه بين كفيه مغتم الوجه ودمدم محدثًا نفسه :

- ماذا لو قتل لمار، يا إلهي .. أو جمع رجاله وقتل كل العائلة... خديجة !

ومضت صورة خديجة فورًا في خلده، وعند هذا الخاطر كان يوثب واقفًا ويخرج عازمًا على السفر فورًا...

تجمع الفتيات جوار لمار في غرفتها مع غياب أدهم بالخارج..

جالت لمار عينيها في وجوههم وهي تتسائل :

- امال فين ملك؟

هزت لمياء كتفيها مجيبة :

- اكيد في أوضة الرسم

شُردت لمار قليلًا قبل أن تحثهم :

- حاولوا تخلوها تقعد معاكم يا بنات متخلوهاش تتحبس وسط لوحاتها.

اومأت الفتيات لها في حين قالت أروى وهي تعقد ذراعيها :

- يلا كمليلنا عن جدو يوسف وفيكتور.

أتسعت ابتسامة لمار وتهلل وجهها وبدأت أن تقص لهم عن الأحبة الذين رحلوا وذكراهم لم تراحل ما زالت تسكن شغاف القلب كما يسكنوا سويداءه.

- الحبايب متجمعين في اوضتي بيعملوا إيه؟

قاطع حديثهم صوت أدهم وهو يدخل فركضت الفتيات مرحبين به وساندُه على الجلوس في ارتياح بينما ذهبت إحداهما لتحضر له كوبًا من الماء وظل الباقيات يدردشون معه عن يوسف وفيكتور.

في حين ذلك كانت لمار غائبة عنهم، تضيق عينيها في حيرة شديدة وهي تقرأ الرسالة التي أُرسلت لها أنفًا :

- سيدة لمار معك جومالي جيهانغير تتذكريني؟ أعلم إنك ما زلتِ تتذكريني جيدًا، أودُ مقابلتك لشيءٌ هام أريد إراحة ضميري وأخبارك بأشيئاء كثيرة، اتمنى أن تحددي موعد والمكان لنتقابل الموضوع لا يقبل الإنتظار.

تبسمت ساخرة وهي تُرسل له في تهكم :

« أوه سيد جومالي، أراك ما زلت تتذكرني؟ ماذا هل قررت بعد بكل هذه السنوات الإنتقام يا رجل ام ماذا، ما رأيك في المفجأة التي تركتها لك قبل رحيلي»

قطبت جبينها زاهلة ما أن جاءها الرد في سرعة لم تتوقعها وكأنه كان في إنتظار رسالتها :

« سيدة لمار رغم سخرية حديثك والتي سأتجنبها تمامًا فـ الأمر هام وبالأخير انتِ الخاسرة اردت فقط أن اخبرك بما أعلمه باشياء ربما تغير حياتك .. بخصوص مفجأتك ليّ فهي راقت ليّ صدقيني سيدتي كنت في حاجة لهذا السجن وأنتِ لم تفعلي إلا واجبك، أنا لم اتي لشن حرب بيننا ولا إراقة دماء ولا إثارت كره وانتقام اريد فقط أخبارك بعدت إسرار مخبوءة منذُ سنون»

أعادة قراءة الرسالة عدت مرات، وتقلب كلماته في ذهنها، ماذا يريد ان يخبرها؟

وما هي الأسرار التي يقصدها؟

أنتبهت من شرودها على أصوات البنات لتندمج معهم متناسية امره تمامًا.....

في صباح يومًا جديد قضته لمار في التفكير بأمر جومالي وطلبه بالمقابلة أنتهى بها الحال إلى الموافقة وارسلت له رسالة بانها ستقابله في احدى المطاعم في نهار اليوم التاني.

ما أن جال في ذهنها خاطر إنه ربما يودُ أخبارها شيء بخصوص ماهر!؟

بينما استيقظ جومالي على اراس فوق رأسه هائجًا ثائرًا يصرخ فيه بإنفعال :

-ماذا تريد من لمار يا أبي؟

أعتدل جومالي جالسًا ومسح بكفه وجهه وهو يكظم غيظه وقال :

- ما هذه الحالة يا بني هل يوجد ابن يحادث ابيه هكذا؟

صرخ فيه أراس في غضب يتفاقهم :

- يوجد يا ابي يوجد، ماذا تريد بالتحديد من لمار لن اسمح لك ان تأزيها أو تأذى خ........

أزاح جومالي الغطاء ونهض وهو يقاطعه في برود :

- خديجة حبيبتك لا تقلق لن أأذيها ولن اسمح لأحد ان يأذيها ما دمت حيًا لا تنسى يا هذا اني أنا الذي كان يحميها من كل شخص اراد ازية لمار فيها ولم انسى أنك تحبها.

كانت نظرته الثاقبة ونبرته الحادة قادرة على لجم أراس الذي أرتبك لدقائق وهو يطرق برأسه، يسمع والده كـ المخطئ، في حين تابع جومالي وهو يلكزه :

- لم أتي إلى هنا للأنتقام وان اردت كنت فعلتها منذُ سنوات فور أن ادخلتني السجن وانت اعلم بهذا، ما بيننا شيءٌ آخر ذنب يقبع في صدري أود أن أتوب عنه.

نظر أراس في عيناه وهو يسئل في بهت :

- ذنب ؟! ما هو هذا الذنب الذي سيكون بينك وبين لمار؟

ولاه جومالي ظهره ينهي النقاش في إيجاز :

- هذا أمر بيننا يا بني لا استطع إخبارك به حتى أبوحه لها وهي تقرر ما تفعله ... وتستفعله بيّ حتى أن اردت قتلي فسأرحب استحق ذلك.

خرج أراس من عند والده مفكرًا بذهنٌ شارد وهو يتجه إلى الشرفة يتتطلع لمنزل خديجة ويراقبه بشوق كان يعلم انها بهذا الوقت تكون بالمشفى لكنه لم يفقد الأمل بأن يرآها، ربما تقر عيناه المشتاقة، ويرتوي فؤاده الذي فاض حنينًا.

علا رنين هاتفة بغتة، أبتسم وهو يرَ إسم آجار يضيء الشاشة وأسرع بالرد عليه، لكنه سرعان ما ابتلع حروفه حين وصله صراخ آجار الذي كاد ان يصم أذنيه :

- كيـــــــــــــــف تفعل هذا يا أراس ، تنزل مصر دون إخباري، ليس هذا فقط ومعك عمي جومالي يا بني فيما تختطون لماذا لم تخبروني، سأجهز واكون عندك في أقرب وقت، ما زلت لا اصدق انك بالفعل سافر.....

كان اراس قد ابعد الهاتف عن اذنه قليلًا قبل ان يصرخ بدوره ليسكته وغمغم :

- ما هذا يا معتوه متى أصبحت ثرثارًا يا بني؟ اعطني فرصة الرد يا هذا.

سكت لهُنيهة وأسترسل وهو ينقر بسبابته على سياج الشرفة بينما عيناه معلقة على منزل آل الشرقاوي :

- نحن كلها يومين وسنكون لديك فلا داعي ان تأتي فليكن أحد منا موجود بالوسط وحتى من اجل هنا لا تبقى بمفردها.

في برود رد آجار قبل ان يغلق الهاتف في عند :

- ساعات وستجدني عندك يا أراس هذا أخر ما لدي.


🍃 سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر 🍃


بعد ساعات كان آجار يترجل من سيارة أجرة أمام بوابة المطار على موعد الحجز الذي حجزه أنفًا، سار في تمهل للداخل ولكن قبل أن يجتاز البوابة كانَ هتاف ( منة) بأسمه يوقفه فـ أستدار وهو يخفض يده الممسكة بالحقيبة لترتخي تمامًا كانت قد وقفت أمامه تثرثر دون إنقطاع رغم لهاثها :

- يا سيد آجار ما هذه السرعة يا رجل؟ هذه ثاني مرة ألحق بك من المنزل! اين تذهب قبل المقابلة، لن اتركك قبل ان أجريها معك لا يمكنك الهرب مني.......

صاح فيها في لهجة أجفلتها :

- كفي عن الثرثرة يا فتاة.

تقهقرت للخلف ما ان علا صوته غاضبًا :

- لماذا تلحقين بيّ؟ ماذا تريدين مني؟ اغربي عن وجهي وألا لا ادري ما قد افعله بكِ ان خرجتِ امامي مجددًا! لذلك لا تُريني وجهك مجددًا مهما كلفك الأمر.

كانت عيناه متسعة على اخرهما يشعُ الغضب منهما، عروقه نافرة وملامحه بدت مخيفة جعلها ترتعش، ودب الخوف منه في اوصالها،

تجمعت الدموع في مقلتاها اللاتين انخفضتا وقالت في توجس متلعثمة :

- أنا .. أنا اسفة لن أخرج أمامك مرة أخرى اعتذر.

همت أن تبتعد فرق قلبه ما ان ألتمس رنة البكاء في نبرتها وغمغم بصوت أكثر رفقًا :

- إنتظري.

توقفت دون أن تلتفت كـ إشارة ليتابع ما يريد فدار حتى وقف أمامها وهمس :

- اعتذر لكِ عن فضاظتي معك يا منة.

رفعت إليه حدقتين مندهشتين فقال في مرح :

- أنا رجل لا اجيد التعامل مع الجنس اللطيف الرقيق مثلك.

ضحكت في خفوت فـ أبتسم وقال في جدية :

- كيف حالك بعد ما حدث؟

ردت وهي تتحاشا النظر إليه :

- بأفضل حال الحمد لله.

فهز رأسه قائلًا في عجل :

- حمدًا لله لقد قلقت عليكِ، ما أن اعود من السفر إن شاء الله سأجري معك المقابلة.

قالت في لهفة لم تستطع مدارتها :

- ستسافر؟! هل ستغيب!

أبتسم في هدوء وهو يرد :

- لن أغيبُ يا منة كما اننا سنتقابل كثيرًا.

فركت كفيها في أرتباك وهمست وهي مطرقة الرأس :

- تعود سالمًا يا سيد آجار إن شاء الله .. إلى اللقاء.

غمز لها بعينه مغمغمًا قبل أن يُلقي بحقيبته على كتفه ليبتعد :

- إلى اللقاء يا منة.

توقف بعد خطوتين ساكنًا للحظة فرفعت نظرها إليه في ترقب فـ أستدار وخطاهما مجددًا وقال في إهتمام :

- منة كفاكِ ما تفعلينه تصرفاتك ستلقيكِ في مأزقك يا بنت أنتبهي بعض البشر لا يعرفون الرحمة فلا تُلقي بنفسك في جحورهم.

هزت كتفيها وهي تجيبه بنبرة تنبضُ بالحماس :

- لم استطع فعل هذا، أبي ايضًا يحذرني دائمًا لكني لا أستطيع هذا عملي وانا احبه وأحب المخاطرة وخاصةً مساعدة الشرطة في الأمساك بالذين يستترون خلف قناع الشرف والخلُق وهم يرتكبون أبشع مما نتخيل.

أذدرد لعابه وهو يسعل باختناق وأمتقع وجهه وأغتصب بسمة وأردف :

- الله يوفقك فيمَ تفعلين ولكن خذي حذرك فـ في بعض الحماس والمخاطر قد نفقد أرواحنا.

أبتسمت مبتهجة و ودعها بتلويحه وهو يسير بظهره قبل ان يستدير ليتخفي من امامها، فمالت بوجهها قليلًا واذدادت أبتسامتها وهي تراقبه قائلة :

- يبدوا إنك اسرت قلبي يا سيد آجار، حفظك الله.

أبتعد عنها ناقصًا شيء.. شيءٌ قد علق معها هنالك حيثُ تقف، شيء لا يدرك كنهه بعد، لكن كلماتها الأخيرة كانت كالمطرقة تضرب أذنه بلا هوادة فتشتت تفكيره وتبدد أفكاره فيها، ضُرب في جسدٍ ما اثناء شرود فتنبه سريعًا وتلقائيًا كانَ يمسك بخصر الفتاة التي كادت ان تقع، هم ان يعتذر لها، لكنها فجاءته حين صرخة فيه :

- يا أعمى اين تظن نفسك تسير يا هذا، لا ادري كيف يتركون المعتوهين يسيرون هكذا بيننا.

صر آجار على أسنانه وأمسك ذراعها في قسوة وغمغم :

- هل تسمع أذنيكِ ما تتفوه به شفتاكِ.

جذبت الفتاة ذراعها في حدة وصرخة فيه :

- اجل تسمع يا هذا، لم يبقَ إلا أنت.

رمقته بنظرةٌ ساخرة قبل ان تنصرف مبتعدة في غمضة عين فوقف آجار مكانه مصدومًا وما استوعب إهانتها له وألتفت حوله كانت قد أختفت.. فكور قبضة يده وذهب جالسًا على مقاعد الإنتظار وهو يغلي.

على الطرف الآخر كانت الفتاة ترغي وتذبد، قبل ان يسألها ضياء :

- دارين ما بكِ لماذا تحدثين نفسك بهذه الطريقة، هل احد ضايقك؟

نفت دارين وهي تحرك كفيها في سخط :

-وهل يوجد احد يستطيع أن يضايقني؟

أنا أأكله بأسناني.

قالتها وهي تعصر كفها وتكشف عن أسنانها وهي تصر في سخط، أغمضت عينيها وراحت تهدأ نفسها قبل أن تُرسم بسمتها ببراعة لتزين ثغرها وتقول في هدوء :

- اوه لا اصدق أني أخيرًا سأنزل مصر سأرَ الفتيات يا الله كم أشتقت لهم، ستكون زيارتي هذه المرة جد مفجأه.

- لا شك في هذا جميعهم يحبوكِ وسيفرحون.

ثُم تابع وهو يهم بالمغادرة :

- سأجري اتصال على عمتك وأأتي حالًا حسنًا؟ إن أعلنت المضيفة عن الصعُود إلى الطائرة فأفعلي وسألحق بكِ.

اومات دارين دون أكتراث وهي تجلس تهز في قدميها، بينما ابتعد ضياء تمامًا عنها، لم يمض طويلًا وانساب صوت المضيفة تطلب من المسافرون إلى مصر بالتوجه للطائرة.

فوثبت واقفة والتقطت حقيبتها في عجل وتسير شبه راكضة إلى الطائرة وأتخذت مقعدها وهي تتنهد في إرتياح فما هي إلا ساعات وستلتقي بهم كان الفؤاد مترقبًا في لهفة إلى الأحبه وخاصةً والدتها الأخرى سجى.

ارتفع صوت المضيفة مرة أخرى تطلب من الجميع ربط حزام الأمان لأن الطائرة ستقلع، ففتحت عينيها وربطته وما كادت أن تريح رأسها لظهر المقعد حتى فُغرت فاه من شدة الدهشة وهي تصيح في غضب :

- هذا أنت يا أبله؟

لم يعيرها آجار اي اهتمام لدقيقة قبل ان يتمتم في تهكم :

- يظن المعتوهين ان الجميع معتوهين مثله.

اتسعت حدقتاها وهي تهمس في عدم تصديق:

-معتوهين، أنتِ تقصدني اليس كذلك.

هز رأسه يؤكد ظنها بينما تتابع :

- أنا معتوهة يا هذا؟ أنا؟! أنت مجنون أكيد ولن اعدي هذا الامر على خير.

اغمض عيناه وأسند رأسه إلى الخلف دون ذرة إهتمام، فظلت ترغي وتذبد قبل ان تريح رأسها هي الأخرة في غيظ.

مع إستقرار الطائرة في الفضاء فكا رباط الأحزمة، وراحت دارين تنظر كـ الطفلة عبر النافذة إلى السحاب تكاد تلصق وجهها بالنافذة، فكتم آجار ضحكته عليها... بعد وقتٍ طويل سمع آجار صوت شاب يُناديه من الخلف فـ أجفل مستغربًا وإلتفت للوراء في إندهاش، قبل ان يقف متسمرًا من الصدمة ما ان رَ الشاب مبعدًا عن طرفا معطفه ليسفر عن قنبلة يرتديها، ضحك الشاب وهو ينظر إليه يه في شماتة متمتمًا في زهو :

- السفاح يُرسل لك سلامه و وداعه يا آجار.

أنتفض آجار مزعورًا يهز رأسه في صدمة بينما هاج الركاب وعلت الهمهمات ممزوجة ببكاء الصغار، دارت مقلتي آجار في الأطفال حتى استقرتا على دارين التي نهضت واقفة بجواره تكتم فمها بأناملها في خوف جلي ، ردد آجار بنبرة يهددها القلق والخوف :

- ثمة اطفال على متن الطائرة يا هذا.. لا تفعلها اعدك ما أن تستقر الطائرة ساسلم لك نفسي افعل بها ما تشاء لكن لا تأذى احد.

بسمة الشاب المتهكمة أكدت له انه لم يتأثر فتابع وعيناه تجري في خوف على الصغار :

- ثمة ارواح كثيرة هنا يا هذا.

أرتجت الطائرة فجأة فأرتج الجميع وسقطوا ارضًا، يعلو الصراخ في زعر، بكت دارين وهي ترتعش لم تتخيل أن الموت قريب للغاية بل وياتي قبل ان ترَ أحبتها، ذاد نحيبها وهي تتذكر الجميع وطفولتها معهم، وسرعان ما راحت تذكر كلمات خديجة عن الحوقلة فحوقلت وذكرت الله تدريجيًا كان صوتها يعلا فعلا معها صوت الركاب يقولون كما تقول.

في تلك اللحظة كان جسد آجار يتهاوى على أحدى الركاب سرعان ما استجمع ثباته وانقض على الشاب ليشل حركته دارت بينهما تشابك بالأيدي كان خلالها آجار يتعامل معه بحذر قبل ان يقفز خلفه ويباغته بحافة كفه على عنقه في وريد محدد فسقط متهاويًا فاقدًا الوعي وذاد ارتجاج الطائرة بصورة غير طبيعية جعلت ق عرض أقل

google-playkhamsatmostaqltradent