Ads by Google X

رواية حلم الفصل الواحد و العشرون والاخير 21 - بقلم سارة مجدي

الصفحة الرئيسية

  رواية حلم كاملة بقلم سارة مجدي عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية حلم الفصل الواحد و العشرون والاخير 21

 

خاتمه (( حلم ))

بعد مرور سته اشهر

كانت تدلف من بوابه المؤسسه الكبير لراعيه كبار السن و المشردين .. بعد ان اصبحت المديره .. فمنذ ما حدث معها و مع اخوتها و هى تأخذ خطوات ثابته لمستقبلها دون التفكير فى الماضي و كل ما يحمله من الم و خيبات و ساعدها فى هذا طبيبها الذي اصبح صديقها .. دلفت الى غرفه مكتبها و خلفها المساعد الخاص يخبرها بكل المستجدات

– لسه فى قافله واحده مرجعتش .. بس احنى متابعينها

نظرت اليه ثم أومأت بنعم و قالت بهدوء اعتادت عليه مع التدريب مع طبيبها النفسي

– و الناس اللي وصلت كل امورهم تمام و مش ناقصهم حاجه

ابتسم عاصم و هو يقول بأقرار

– متقلقيش حضرتك كل اوامرك و اوامر الوزاره بتتنفذ بالحرف و بدون تهاون

ابتسمت براحه و هي تشير له بالانصراف بعد ان قالت

– اول ما القافله الاخيره توصل عرفني

– أوامر حضرتك

اجابها و غادر الغرفه و اغلق الباب خلفه بهدوء .. اخرجت هاتفها من الحقيبه حتى تتصل بنوار تطمئن عليها كعادتها اليوميه .. بعد عده ثوان وصلها صوت اختها السعيد منذ انشأت تلك الحضانه

– سياده المديره المهمه عامله ايه ؟

لتضحك حلم بصوت عالى و هى تقول بمرح

– انا حلوه اهو زى كل يوم أنتِ بقا عامله ايه ؟

– زى الفل بس مش فاضيه دلوقتي علشان بنفخ البلالين .. هبقا اكلمك بليل او اشوفك بقا انت وحشتيني

اجابتها نوار بمرح مشابه .. و قبل ان تعلق على قصه البلالين اكملت نوار قائله

– اتصلى بعائشه اطمني عليها شكلها خلاص هتعملها و نبقا خالات

اتسعت ابتسامه حلم و هى تقول

– حاضر .. و انا يمكن اجي النهارده فعلا .. بس عايزه افهم حكايه البلالين

لتضحك نوار بمرح و قالت بسعاده

– ده عيد ميلاد آدم . يلا بقا علشان الحق اخلص

و اغلقت الهاتف سريعا .. لتنظر حلم الى الهاتف بأندهاش لكنها ابتسمت براحه .. ان اختها و اخيرا استطاعت ان تحصل على السلام النفسي و التوازن من جديد بعد كل ما حدث مع غسان

اعادت راسها الى الخلف و هى تتذكر كل ما حدث منذ سته اشهر فى ذلك الاجتماع الاخير الذى جمع عائله بركات كامله و لاخر مره

حين انهت جنه كلماتها التى تفهمتها و لا تلومها عليها فجميعهم مخطئون فى حق جنه ..هي ايضا ساهمت فى جرح قلب صديقتها .. وافقت على ان يتزوجها راغب و هي تعلم جيدا انه يحبها و انها تسكن قلبه و ان لا يوجد مكان بقلبه لجنه و رغم ذلك ذهبت بنفسها لها و اخبرتها برغبه راغب فى الزواج منها

حين تركتهم جنه يشعرون بالصدمه من موقفها و خاصه راغب و رقيه الذان كانا يراهنان على حب جنه الكبير له .. كانت تصعد درجات السلم تغشي عيونها الدموع .. لتشعر بدوار و فى ثوان كانت ممده ارضا اسفل الدرج و اسفلها بركه كبيره من الدماء و كأن القدر يقف معها فى معركتها الجديده و يعطيها اول المفاتيح .. للخروج منها دون ذيول .. او و كأن القدر يؤيد قرارها و يريد ان يصفع راغب و رقيه صفعه اخيره لم يتوقعوها اي منهم

حملها راغب سريعا و غادر المنزل تاركا و الدته و الجميع و التى لحقت به كانت حلم .. لكن عائشه اوقفتها و هى تقول بحيره

– رايحه فين يا حلم ؟

– مقدرش اسيب جنه يا عائشه

اجابتها حلم بأقرار ثم نظرت الى يوسف و قالت

– هبقا اكلمك .

حاوط يوسف كتف عائشه و هو يقول

– روحي يا حلم بسرعه جنه محتجالك .. و متقلقيش .

بالفعل صعدت سريعا بجانب جنه حين ابتعد راغب بعد ان وضعها فى الكرسي الخلفي للسياره ..طوال الطريق الى المستشفى كان الصمت سيد الموقف .. فلا كلام يشفع .. و لا تبرير يمحي ما حدث

تكفى نظرات الندم داخل عيون راغب .. ليس لكل ما حدث و لكن لظلم وقع على جنه دون ذنب او سبب سوا غروره او انانيته

حين وصلا الى المستشفى سريعا اخذ الاطباء جنه و بدأوا فى عمل الازم لها و الازم لانقاذها جلست حلم فى ابعد مكان عن راغب الذي وقف بجانب باب الغرفه التى تضم جنه .. تلك الفتاه الرقيقه التى عشقته واحبته بكل كيانها .. وروحها

لم تبخل عليه بشئ فى وقت كان هو لا يراها بل يحاول نسيان حلم بها و بأسوء الطرق و اخسها

رفع عيونه ينظر الى حلم التى تجلس بهدوء واضح عليها التوتر و القلق لكنها اكثر ثباتا .. انها تغيرت اصبحت اقوى متصالحه مع نفسها و مع الجميع .. تعلم الان ماذا تريد و هذا واضح فى عيونها خاصه خلال تلك المواجهه المريره التي كشفت كل الحقائق و كشفت من الجاني الحقيقي .. و انه لم يكن فقط عمه و لكن والدته هى اليد الخفيه لكل ما حدث

كانت تعلم جيدا انه ينظر اليها تعلم ايضا بماذا يفكر .. فحديثها مع الطبيب النفسي جعلها تستطيع استيعاب و فهم حتى النظرات .. و لذلك و من قبل ان تكتشف مذكرات والدتها كانت تدرك نظرات زوجه عمها جيدا و تفهم المعنى الحقيقي خلفها لذلك لم تعد تهتم لها و لا لحديثها او افعالها

مر الوقت حتى خرج الطبيب من الغرفه بوجه غير مفسر لتقف سريعا امامه جوار راغب الذى ينظر اليه بترقب حين قال

– انا اسف جدا مدام جنه لازم تدخل العمليات لانها بتفقد الجنين واى تأخير فى خطر على حياتها

شهقت حلم بصوت عالي لكنها تداركت نفسها سريعا و قالت

– و مستني ايه ؟ اتصرف بسرعه و اعمل الازم

ليقول الطبيب بهدوء

– محتاج الزوج يمضي على الاقرار ده

ليأخذ راغب الورقه من الطبيب و وقع بصمت .. ليأخذها الطبيب منه .. و عاد الى الغرفه سريعا .. لتعود حلم تجلس مكانها من جديد .. ظل راغب على وقفته عده ثوان ثم نظر اليها بنظرات حاده لم تهتم لها

اقترب منها و وقف امامها و قال بغضب مكتوب

– طبعا شمتانه فيا مش كده .. امي اطلقت و مراتي طالبه مني الطلاق و خسرت ابني .. خسرت كل حاجه يا حلم و انت بتتعالجي دلوقتي و ابويا واقف فى صفك و يوسف كمان .. أنتِ اللى كسبتي يا حلم رغم كل العذاب اللى عشته بسببك أنتِ اللى كسبتي

رفعت عيونها تنظر اليه بوجه خالي من التعابير .. و ظلت تستمع الى كلماته الحاقده و الغاضبه بهدوء شديد … هى ترى تلك النار الحارقه داخله … لقد خسر بالفعل كل شيء .. لم يبقا له شيء فى الحقيقه هى لم تكن السبب فى كل هذا .. لكن هو يريد الان شماعه يعلق عليها اخطائه ، انانيته و غبائه

وقفت امامه عيونها تنظر الى عمق عينيه و قالت بهدوء

– انا مش هكون الشماعه اللى تعلق عليها اخطائك .. و انانيتك .. و لا هكون السبب اللى انت هتمسك فيه علشان تنيم ضميرك عن اخطائك كل اللى حصل نتيجه افعالك .. انت اللى قررت تدخل جنه دايره انتقامك مني وفى النقطه دي انا مش بخلي مسؤليتي تجاه صديقه عمري و جاهزه لاي عقاب منها .. و هكون انا الخسرانه لو قررت تبعد عني للابد .. لكن انت ذنبك ملوش غفران .. و لو هي خسرت ابنها دلوقتي .. دى فرصه هايله ليها انها تبعد عنك و للابد .. لانها خساره فيك

كان ينظر اليها بغضب عارم يجتاح كل كيانه يود لو يصفعها او يحطم راسها .. او يضمها الى صدره يروي عطش قلبه لها .. هو حقا لا يفهم نفسه كيف يفكر بها بذلك الشكل و زوجته اكثر من حبته فى تلك الحياه تصارع الموت و الفقد و الخساره … بعد ان طلبت منه الطلاق .. كيف بهذا الوقت يفكر فى حلم .. اذا كل ما قالته حلم حقيقه هو اناني لا يفكر سوا بنفسه و فقط .. هو حقًا لا يستحق جنه حقًا لا يستحق

ابتعد عنها سريعا و وقف فى مكان بعيد عنها و مر الوقت بطئ .. كان يصل اليه صوتها و هى تتحدث فى الهاتف مره مع عائشه و مره مع يوسف .. و مره اخرى مع شخص لا يعلم من هو .. لكن ابتسامتها الواسعه و هى تتحدث جعلته يشعر بالغضب من جديد و زاد بداخله الرغبة فى تحطيم راسها

حين خرج الطبيب من غرفه العمليات … وقفت امام الطبيب الصامت كراغب الذى ينظر اليه ثم قال بعد عده لحظات

– طمني

اخفض الطبيب راسه و قال

– انا اسف مقدرناش ننقذ الطفل .. ربنا يعوض عليكم

وقبل ان يخرج السؤال منه .. سألت حلم بقلق

– المهم جنه

– مدام جنه كويسه بس الفتره الجايه هتكون محتاجه دعم نفسي قوي .. الستات بعد عمليات الاجهاض بيكونوا محتاجين كل اللى بيحبوهم جمبهم خصوصا حضرتك يا استاذ راغب .. و ان شاء الله تعوضوا الطفل ده .. الف سلامه على المدام

قال الطبيب كلمات .. دون ان يعلم انه يصفع راغب عده صفعات دون ان يدري .. لتخرج حلم هاتفها و هى تقول

– هتصل بأهلها اكيد هتكون محتجاهم

عادت من افكارها حين سمعت صوت طرقات على الباب و دخول عاصم الذى قال ببعض التوتر

– القافله فيها مشكله

وقفت سريعا و هى تقول بقلق

– مشكله ايه ؟ و مين قائد القافله دي ؟

اقترب عاصم و مد يده بالهاتف لتأخذه حلم سريعا و اجابت بهدوء ليصلها صوت محسن و هو يقول

– الحاله رافضه تماما انها تيجي معانا .. و للاسف عماله تحكي فى قصص و حكايات و مش عارفين نتعامل معاها خالص

ظلت حلم صامته لعده ثوان .. فهذه المره ليست المره الاولى الذى تتعرض فيه احدى القوافل الى هذا الموقف الكثير من الناس التى اعتادت العيش فى الشارع .. و خاصه اذا تعرضت لازاء نفسي فى بيتها او من اقربائها تفضل البقاء فى العراء على ان تتعرض من جديد الى هذا النوع من الالم

– طيب يا محسن هبعتلك دكتور إلياس حالا .. بس ابعت شير لوكشن لعاصم

مدت يدها بالهاتف لعاصم و هى تقول

– ابعت اللوكيشن لدكتور الياس و انا هكلمه

اومئ عاصم بنعم و تحرك عائدا الى مكتبه .. اخرجت هاتفها حتى تتصل بالطبيب إلياس و حين اجابها قالت بأبتسامه ناعمه

– محتاجه لخدماتك يا دكتور

– و الدكتور تحت امرك

اجابها سريعا .. لتصمت لثوان حين تلونت وجنتيها بخجل اصبحت تشعر به كثيرا .. خاصه و هى تتحدث معه .. رغم انه كان سبب تحولها و شفائها من كل امراض الماضي و اخطائه .. و يعلم عنها كل شيء .. حتى انه يعلم ما خجلت ان تخبر به اخوتها الا ان ذلك لم يكن سبب خجلها هناك سبب اخر و قوي و تخشى ان تعترف به و لكنها ايضا تعلم امكانياته كطبيب نفسي و تعلم جيدا انه يستطيع ان يجعلها تعترف بكل ما تشعر به بسهوله و دون اى مجهود لكنه يترك لها الفرصه كامله .. يريدها ان تعترف بكامل رغبتها .. و هى راضيه عن نفسها و عن اعترافها

– عاصم هيبعت ليك اللوكيشن ..و هنتظر ابداعاتك

– تمام يا مديره … اوامرك

كلماته الرقيقه .. استخدامه لكلمه يا مديره و التى تجعل الحديث رسمي رغم انه يبدوا حميمي اكثر من العادي و ذلك و رغم كل شيء يسعدها بشده

اغلقت الهاتف .. بعد ان اخبرها بوصول رساله من عاصم .. و انه سوف يتحرك الى المكان فورا

*********************

وصل الياس الى المكان ليقترب منه محسن و شرح له الامر سريعا ليقترب منها بهدوء و جلس بجانبها ارضا دون ان يهتم بملابسه الانيقه .. و لا حزائه الرياضي الابيض .. ابتسمت له حين نظرت اليه ليقول لها برفق

– ايه يا امي مالك ؟ ليه مش عايزه تيجي معانا الدار ؟

– هخربها .. و ادمرها و اخسر كل اللى فيها بعد ما هحبهم

اجابته سريعا ليقطب جبينه دون ان تغادر الابتسامه وجهه و قال بهدوء

– متقلقيش احنى مش هنسمح ابدا اننا نخسرك او انك تخسرينا .. فى بيتنا الكبير هتلاقي اصحاب و اولاد و احفاد

– كان عندى ولاد كتير .. كان عندى حفيدين جايني فى الطريق .. بس

اجابته وعيونها تلمع من الدموع ليمسك يديها بحنان و هو يقول

– انسي اللى حصل كله … و لما نروح الدار هناك تحكيلي كل حاجه و وعد مني .. اني احاول بكل طاقتي اجمعك بولادك و احفادك

دون ان تشعر و عيونها متعلقه بعينيه التي تحمل الكثير من الحنان و الحب وقفت معه و سارت برفق جواره .. كان من داخله يشعر بالاندهاش .. ان ملابسها تشير انها من عائله ميسوره الحال .. و ايضا ملامح وجهها و طريقه حديثها

كان عقله سارح فى ما قد يكون حدث بيها و بين اولادها حتى يصبح هذا حالها

اجلسها فى سيارته .. بعد ان اشار لمحسن و باقي القافله بالحاق به .. و قبل ان يصعد الى السياره ارسل رساله لحلم يخبرها انه فى الطريق مع القافله .

**************************

عادت الى البيت بعد ان انتهت حفله آدم و هى تحمل بعض البلالين و الابتسامه ترتسم على وجهها بسعاده كبيره صعدت مباشره الى غرفه اختها حتى تطمئن عليها

و كانت هي فى ذلك الوقت تحاول مغادره السرير .. اليوم تشعر بالم حاد اسفل معدتها و ظهرها .. تعلم جيدا انها اعراض الولاده لذلك تريد الاستعداد لكن ذلك الالم شديد يجعلها لا تستطيع التحرك بمفردها ابتسمت حين سمعت طرقات على باب غرفتها و دخول نوار .. التي قالت

– اخبارك ايه النهارده ؟

– تعبانه

كلمه واحده جعلت نوار تنتفض و تترك من يدها البالونات و اقتربت منها سريعا .. و قالت بلهفه

– مالك فى ايه ؟ هتصل بيوسف علشان تروحي المستشفى

امسكت عائشه يد اختها و هى تقول بهدوء فهى تحتاج تركيز نوار لا ان تشعر بالخوف و التوتر و لا تستطيع التصرف

– متقلقيش لسه شويه .. دلوقتي عايزه منك تطلعي الشنطه اللى احنى جهزناها من الدولاب

أومئت نوار بنعم و تحركت سريعا الى الخزانه و اخرجت الحقيبه و وضعتها جوار الباب و نظرت الى عائشه و قالت

– ايه تاني ؟

ابتسمت عائشه بألم ثم قالت

– جهزيلي هدوم علشان اخد دوش

اومئت نوار من جديد بنعم .. و تحركت سريعا لتخرج الملابس حين صرخت عائشه بألم ليسقط ما بيد نوار و هى تركض الى اختها تمسك يديها و هى تقول بخوف

– مالك

– بووووووولد ….. اااااااااااااااه

قالت عائشه بصوت صارخ .. لتبكي نوار و هى تقول

– التلفون .. يوسف

مسكت عائشه فى يديها و هى تقول بالم

– مش هنلحق .. اعملى اللى هقولك عليه … ااااااااااااااااااااااااه

صوت صراخها جعل نوار تنتفض سريعا تنفذ كلمات اختها و تعليماتها التي تقولها من بين صرخاتها و لكنها ايضا و دون ايراده منها يدها المرتعشه اتصلت بيوسف الذى وصله صوت الصراخ ليغادر المستشفي و هو يمسك بيد طبيب النسا الذي غادر غرفه العمليات منذ قليل حتى لم يكمل تبديل ملابسه

كل ما يحدث الان ضرب من الجنون .. اذا اخبرها احد انها ستقوم بتوليد اختها … لاتهتمه بالجنون و الخرف

كانت تتبع نصائح اختها و قلبها يرتجف خوفها و يدها ترتعش .. عيونها تبكي تأثرا و خوفا .. تدعوا الله سرا و بصوت عالي ان يعينها و يقوي قلبها حتى تستطيع انقاذ اختها .. بعد ما حدث و رغم ان ثلاثتهم كانوا قريبين من بعضهم متماسكين .. لكن زاد هذا التماسك و القرب .. و اصبحوا اخوه و اصدقاء امهات بالتناوب لبعضهم البعض .. سند و قوه .. و ناصح امين .. وهى الكبيره هي الام التي احتاجت دعم اخوتها حتى حصلت على الطلاق و وصلت للمعادله الصعبه فى التوازن النفسي .. بين حبها الكبير لغسان الذى يتملكها بالكامل و بين حبها لذاتها و كرامتها .. و بين ذلك الجرح الكبير الذى وشمه بيديه داخل قلبها … واحساسها حين وقف امامها يرجوها ان تتراجع عن قرار الطلاق

– نوار انا عارف اني غلطت و غلطي كبيره و مينفعش تسامحيني عليه .. بس انا عملت ده من خوفي .. خوفت انى اخسرك خوفت انك تسبيني و انا بتنفس هواكي .. و من غيرك اموت .. انا بحبك يا نوار ارجوكي اديني فرصه عارف ان من حقك تعيشي حياتك و تكوني ام .. و اني اناني لما اطلب منك انك تكملي معايا .. بس انا مليش غيرك يا نوار .. مليش غيرك

ظلت صامته تستمع الى كلماته المكرره .. وبداخلها نار حارقه .. و حرب بين حبها له و بين كرامتها .. و بين ما فعله و بين احساسها القوي بالامومه و رغبتها الجارفه لذلك .. رغم انها لبضع لحظات فكرت لو كان اخبرها الحقيقه كانت ستكتفي به لكن ما فعله بما يحمل من انانيه يجعلها هي ايضا تفكر بأنانيه

– انت اناني اوي يا غسان .. و انا معنديش استعداد اعيش عمري كله و اضيع حلمي علشان خاطر واحد اناني زيك .. مفكرتش غير فى نفسك و انت بتوجعني و بتكسرني علشان افضل جمبك .. انا مش عايزاك .. و اللى انت عملته خلاني انا كمان انانيه ومش هفكر غير فى نفسي و بس

عادت من افكارها على صوت صرخات اختها المتتاليه المتوسله لله ان يرحمها من ذلك الالم و لا تعلم كيف وجدت نفسها تمسك بين يديها ذلك الكائن الملائكي الصغير و هو يصرخ بصوته الرقيق الذي يخطف الانفاس و القلب و الروح

نظرت الى عائشه التى اغمضت عيونها بأرهاق وصدرها يعلو و يهبط سريعا فى محاوله منها لالتقاط انفاسها .. لتقول نوار بصوتها الباكي

– اعمل ايه يا عائشه

فتحت عائشه عينيها و قالت بأرهاق

– هاتى البطنيه بتاعته و لفيه فيها و اتصلي بيوسف

لم تكمل كلماتها لتجد يوسف يقتحم الغرفه و الخوف يرتسم على ملامحه ليهوله المنظر اكثر حين وجدتها تتصبب عرقا و بين ساقيها الصغير يلتف بالغطاء الخاص به .. و دون ان ينتبه انحدرت تلك الدمعه التى تحمل الكثير من الخوف ، الراحه ، الصدمه و سعاده كبيره لا توصف

انتبه من صدمته و هو يقول

– اتفضل يا دكتور شريف

دلف الطبيب ليصدم هو الاخر و لكنه تحرك سريعا يكمل ما قامت به نوار و لكن قبل ان يبدء قال لنوار

– لو سمحتي عايز مايه سخنه

اومئن نوار بنعم و غادرت الغرفه سريعا تحضر ما طلبه .. و بعد اكثر من نصف ساعه كانت عائشه تحتضن طفلها بين ذراعيها و يحاوطها يوسف بين ذراعيه

كانت نوار تنظر اليهم بأبتسامه سعاده ثم قالت

– ها هتسموا القمر حبيب خالتو ده ايه ؟

نظرت عائشه الى يوسف الذى قال

– خالتو هى اللى هتسميه

تجمعت الدموع فى عيون نوار و هتى تقترب منهم تمد يدها لاختها حتى تحمل الصغير بين ذراعيها و هى تبتسم بحنان ثم قالت

– أيه رأيكم فى حمزه ؟

نظرت عائشه ليوسف الذى قال بابتسامه واسعه

– حمزه يوسف مصطفى بركات

لتضم نوار الصغير الى صدرها و هى تشم رائحته المميزه و على فمها اجمل ابتسامه .. و بعيونها دمعه فرح و تمني

*********************

حين وصلت القافله الى الدار كانت حلم فى استقبالها .. كعادتها مع كل الحالات التى تحضر الى الدار فى وجودها .. تحب ان تشرف على الامر بنفسها .. حتى تطمئنهم ان الجميع هنا من اكبر مسؤل فى الدار حتى اصغر عامل سيكون فى خدمتهم

لكنها وقفت مكانها تشعر بالصدمه و هى ترى رقيه تجلس جوار إلياس … وقفت مكانها تشعر بالصدمه و عدم التصديق ماذا حدث لتصل الى هذا الحال و اين راغب و كيف يتركها هكذا حتى تصل لهذا الحال

اقتربت خطوه و تاكدت من هندامها حين ترجل إلياس من السياره و نظر اليها بأبتسامته المعهوده لتلاحظ اتساخ بنطاله و حذائه لتتسع ابتسامته و هو يتوجه الى الباب الاخر و فتح الباب و مد يده لتضع رقيه يدها بين يديه و ترجلت من السياره لتزداد صدمه حلم من ملابسها الرثه و الممزقه من بعض الاماكن

دار عقلها فى دوائر الانتقام لثوان .. و هى تراها على تلك الحاله و بين منظر والدتها يوم وفاتها اسفل قدمي والدها بعد ان ضربها بقسوه و اسمعها ما اهان كرامتها

و بين احساسها بالشفقه فرغم كل شيء رقيه كانت و لفتره طويله ام لها و لاخوتها .. صحيح كل ما حدث لهم كان لها اليد العليا فيه الا انها لا تستطيع نسيان تلك الضمه و تلك البسمه و الربته التى كانت تدعمها

عادت من افكارها على اقتراب إلياس الذى يدعم رقيه فى سيرها رسمت تلك البسمه المرحبه على محياها تنتظر ان ترفع رقيه عيونها لها

لن تنكر ارتجافه قلبها … و تلك النبضه المرتعشه و لن تنكر ذلك الخوف الذى يسري فى اوردتها .. لكنه هنا جوارها .. لن تخزله اليوم سوف يرا بعينيه مجهوده معها طوال ثمان اشهر كامله

وقف إلياس امامها مباشره و قال بهدوئه المعتاد

– اعرفك يا أمي بمديره الدار

رفعت رقيه عيونها .. و ارتسمت الصدمه فى عيونها و تراجع جسدها الى الخلف دون اراده منها … و اذا لم يكن إلياس ياحاوط كتفيها من المحتمل ان تقع ارضا لكن حلم قررت ان تنهى الامر و توئد كل مخاوف رقيه فقالت بعمليه

– اهلا بيكي فى الدار .. هنا كلنا تحت امرك .. و كل الموظفين اللى فى المكان موجودين علشان راحتك

ثم اشارت الى ملك و اكملت كلماتها

– ملك هتكون المسؤله عنك .. و متقلقيش احنى هنا فى الدار بنحاول بكل طاقتنا نجمعكم بأهلكم

ظلت رقيه صامته امام كلمات حلم التى لم تتوقعها .. لم تكن تتخيل ان يكون لقائها بها بعد كل هذا الوقت و بعد كل ما حدث يكون بهذا الشكل .. و هى على تلك الحاله المزريه

سارت مع ملك بصمت لترفع حلم عيونها الى إلياس الذي ينظر اليها بأندهاش و استفهام لتقول هى بأستسلام

– تعالى نروح على المكتب نتكلم هناك

سار خلفها قلب عاشق و عقل طبيب يستعد ليستمع اليها بكل حرفيه .. فبداخله يشعر انها تحتاجه الان كطبيب اكثر من اى شيء اخر

حين دلفت الى مكتبها اخرجت هاتفها و اتصلت بيوسف الذى اجابها سريعا قائلا

– اهلا خالتو .. حمزه مستنيكي عايز يلعب معاكي

لتقول بصدمه

– عائشه ولدت .. امتى؟

– لسه من ساعه بس .. خلصي شغلك و تعالي فورا

اجابها بصوت يحمل الكثير من السعاده و الفرح .. لتقرر التراجع عن اخباره الان بأمر والدته

اغلقت الهاتف و التفتت تنظر الى إلياس الذى ينظر اليها بتفحص صامت ثم قال

– مبروك دكتور عائشه ولدت ؟

اومئت بنعم و قالت بسعاده

– جابت حمزه

اختفت الابتسامه عن وجهها و تحركت لتجلس على الكرسي المواجه له و قالت بعد عده ثوان من الصمت

– مرات عمي

قطب إلياس حاجبيه بحيره لتكمل هى كلماتها

– صحيح حسيت براحه كبيره لما شفتها فى الحاله دي .. و كأن ربنا حب يخليني اشوف حق امي بيرجع تاني بشكل تاني .. لكن صعبت عليا جدا .. قلبي وجعني .. هى رغم كل شيء كانت ليا ام .. بعد الام حتى لو كان بالكذب و النفاق .. و لاغراض مريضه

اندهش الياس من تلك الصدفه لكن هناك سؤال مهم

– هى ازاى تكون بالحال ده .. فين ولادها

حركت كتفيها بمعنى لا اعلم ثم قالت

– من وقت اللى حصل بين غسان و نوار و محدش عارف عنه حاجه .. اخر حاجه يوسف قالها عنه .. انه مش قادر يعيش فى نفس البلد اللى فيها نوار و ميكنش له الحق انه يقرب منها او يتعامل معاها .. و انه هيسافر لاي مكان بعيد

صمتت لثوان ثم اكملت

– و بالنسبه لعمي هو بيرفض بأى شكل من الاشكال سيرتها تيجي فى البيت لكن يوسف كان على تواصل دايم مع راغب .. و كان ديما بيطمن عليها .. معرفش ازاى حصل ليها كده مش قادره افهم

رفعت عيونها له و قالت بأقرار

– لما اشوف يوسف اكيد هعرف منه كل حاجه

اومئ بنعم ثم قال بأبتسامه

– بس انا حابب اسجل اعجابي الشديد بموقفك و ثباتك و قدرتك على التعامل معاها

ابتسمت ابتسامه صغيره و قالت بوضوح

– انا كنت خايفه جدا يا إلياس حسيت انى عايزه اهرب من قدامها و من المواجهه و من كل الموقف .. خوفت يبان عليا شماته او فرح على الحاله اللى هي فيها

صمتت لا تستطيع شرح ما بداخلها لكنه فهمها .. و فهم كل ما دار داخل عقلها .. فقال بأبتسامه واثقه

– قدرتي توقفي كل الحقد و الغضب القديم .. قدرتي تحكمي عقلك و قلبك و كمان انسانيتك .. وده نجاح كبير و حقيقي انا فخور بيكي

كانت تنظر اليه بأبتسامه صغيره ثم قالت

– الفضل للدكتور النفسي بتاعي .. دكتور شاطر خالص على فكره انصحك تروح له

ليضحك بصوت عالي ..و كانت هي تغرق فى تفاصيل وجهه البشوش دائما المريح للنفس من اول لحظه ذهبت اليه فى العياده بتوصيه من يوسف

حين انتهى من الضحك قال ببعض المرح

– طيب ده الدكتور و بالنسبه للحبيب العاشق امتى هيسمع بقا الكلمه اللى نفسه فيها ؟

اخفضت عيونها ارضا لعده ثوان ثم قالت كل ما تفكر فيه

– انا قلبي اتعلق بيك .. ارتاح جمبك .. عارف ليه علشان انت قادر تفهمني ، تستوعبني و تحس بقلبي … مش بتحكم عليا من تصرفاتي اللى بداري بيها خوفي و قلقي .. انا كنت عارفه ان راغب بيحبني و حبه كان باين فى عنيه .. بس حبه كان أناني حب تملك .. حب مسلم بيه و كأنه امر واقع و مضمون .. كان شايفني ملكه متخيلش للحظه انى ممكن ارفضه و ارفض حبه .. عارف هو مقدرش يطمني .. بس معاك انت

صمتت لثوان كان هو يتأملها بسعاده .. هو يعلم صدق كلماتها .. يستشعرها بكل كيانه … بعيدا تماما عن كونه طبيبها و يفهم حالتها و مشكلتها

رفعت عيونها اليه و اكملت كلماتها الصادقه و النابعه من القلب

– معاك انت انا مطمنه ، مرتاحه و واثقه .. انت صديقي ، الغريب اللى اقدر احكيله كل اللى فى قلبي و انسى انى حكيت و انت الانسان الوحيد اللى قلبي ارتاح جمب قلبه .. و

صمتت تنظر اليه بتحدي ليقول بأستفهام

– و ؟!

– وبحبك .

لم يتكلم ..لم تنتظر كلماته .. فالعيون قالت كل ما يريدون .. و عدها ان يظل لها كل ما تحتاجه .. طبيبها ، صديقها ، والدها و حبيبها الذى يخبرها كل يوم كم هو محظوظ بوجودها فى حياته

وقالت عيونها كم هى تثق به … و هو كرجل يعلم جيدا معنى ان تثق فيه انثى و لن يخون ثقتها يوما

************************

يقف امام البحر كعادته منذ وصل تلك المدينه الساحليه .. لا يجد طاقه للقيام بأي شيء .. يجلس فى تلك الشقه التى استجأرها منذ وصوله ليلا .. و طوال النهار يجلس اما البحر .. حتى انه حفظ كل رواد ذلك الكورنيش .. و بدء يعرف ايضا قصصهم

لكن قصته هى ما تقتله و هو يتنفس .. نوار حب حياته و كل ذكرايته .. رفيقه طفولته حب الصبى و عشق الشباب.. و الهواء الذى يتنفسه و القلب الذى ينبض داخل صدره منذ تزوجها .. و الان يعيش دون كل هذا .. الان هو مجرد جسد بلا روح و لا قلب ينبض .. و يشك ايضا انه يتنفس

لم يعد يتحمل ذلك الالم لذلك اخذ هذا القرار .. بعد تفكير طويل و وضع الحقيقه كامله امام عينيه .. لقد اخطئ و كان اناني .. الحب لا يعني الانانيه لا يعني ان تتملك من تحب و تجعله أسير ذلك الحب … العصفور حين يكون حر طليق تسمع منه فوق اغصان الاشجار العاليه اجمل الالحان .. و لكن حبه لنوار قتل روحها و خنقها .. لقد ظلمها كيف يفكر بكل تلك الانانيه .. كيف يقول انه يحبها و هو قد جرحها بل قتلها … كسر روحها و شوه انوثتها .. افقدها الثقه فى نفسها و الحب و ان كرهته لا يستطيع لومها .. فمعها كل الحق هو اخطئ و الان يدفع الثمن

نظر الى ساعه يديه ثم وقف على قدميه و هو قد قرر عدم تفويت موعد الطبيب هذه المره .. سوف يذهب اليه .. عله يريح قلبه المتألم و يستطيع التأقلم مع فكره انها قد رحلت عنه الى الابد و ايضا احتماليه ان تكون لغيره فى يوم من الايام

*******************

وصلت حلم الي البيت الكبير لتجد عمها يجلس فى مكانه المعتاد على ذلك الكرسي الذى كان لجدها يوما ما .. يجلس عيله الان دائما بين يديه كتاب الله ..لكن اليوم وحين دلفت من الباب رفع عيونه اليها و قال بأبتسامه

– عائشه ولدت .. اول حفيد لعيله بركات نور الدنيا يا حلم

– مبروك يا عمي .. يتربا فى عزك

اخفض عينيه و هو يعود لكتاب الله يقرأ بهدوء دون ان يرد على كلماتها .. لتغادر هى قاصده غرفه عائشه و قبل ان تصل اليها وجدت يوسف يقف هناك و كانه ينتظرها

اقتربت منه لترى توتره و قلقه الواضح على ملامحه لتشعر بالخوف على اختها لكنه قال

– راغب كلمني و بيقول انه مش لاقي ماما

هدأت دقات قلبها قليلا و لكنها قالت بهدوء

– تعالى نبعد شويه علشان عايزاك فى موضوع مهم

شعر بالاندهاش من كلماتها و كاد ان ينهرها لبرودها و عدم اهتمامها لكنها قالت ما جعله يسير معها بصمت

– انا عارفه هي فين

وصلوا الى تلك الشرفه الموجده فى اخر رواق الغرف و التى تطل على الحديقه الخلفيه و تكلمت هى مباشره

– قافله من قوافل الدار لاقيتها فى بلد صغيره .. هدومها مقطعه و بقالها فتره طويله قاعده فى الشارع

كان ينظر اليها بصدمه وعدم استيعاب و قال بغضب

– انت بتقولي ايه ؟ مين دي اللى كانت قاعده فى الشارع ؟ ازاى ؟ ده راغب لسه قايلي النهارده

اخفضت راسها فهي تقدر تلك الحاله و تقدر حجم الصدمه .. تركها على وقفتها و غادر الشرفه و نزل سريعا الى مكان جلوس والده لم تلحق به لكنها تعلم جيدا ما سيحدث و يصلها الان صوته و هو يخبر والده انه سوف يحضرها الى هنا .. و سوف يقوم بتجهيز الملحق لها حتى لا تلتقي بأحد او تضايق أحد .. حل الصمت من جديد .. ثم صوت خطواته التى تقترب منها .. التفتت اليه ليقول هو بأمر

– يلا نروح لها

ظلت واقفه مكانها .. و قالت بهدوء

– اهدى يا يوسف متقلقش عليها .. دلوقتي بيتم الكشف الطبي عليها .. و فى اكثر من خمس اشخاص فى خدمتها

– انا عايز اشوفها و اطمن بنفسي و اجبها هنا مش هسيب امي فى دار رعايه

صرخ بها بغضب و عصبيه لتقول هي بهدوء

– و مين قال انك هتسيبها .. بس قبل ما تروح لها جهز الملحق مش هتروح تشوفها و بعدين تمشي و تقولها هبقا اجي اخدك .. و لا ايه رايك ؟

صمت قليلا ثم اومئ بنعم .. ولانت نظراته و هو يقول باستفهام

– هى عامله ايه ؟

ابتسمت ابتسامه صغيره حتى تطمئه و قالت

– متقلقش هى كويسه .. و انا موصيه عليها كل اللى فى الدار .. و انت اصلا عارف الدار عندنا بتتعامل ازاى مع كل نزلائها ما بالك بقا بيها هى

اومئ بنعم ثم قال

– بكره الصبح هروح اجبها

– اكيد

اكدت له بهدوء .. لتعود ملامحه تترسم عليها معالم الغضب و هو يتوعد راغب باسوء عقاب

*************************

اغلق الهاتف مع اخيه و هو ينظر فى جميع ارجاء ذلك المنزل الصغير الذى يسكن فيه هو و والدته بعد كل ما حدث .. يلوم نفسه انه لم يخبر اخوته من قبل .. كيف قصر فى حقها كل ذلك الوقت .. هو قرر ان يتحمل مسؤليتها .. وقف امام والده يصرخ فيه بصوت عالى دون احترام .. انه سلبي و هو سبب جبروت والدته .. و اليوم تدفع هى الثمن بمفردها لذلك قرر انه لن يكون جزء من هذه العائله .. و بعد ذلك الموقف بقليل من الوقت اتصل بيوسف يخبره انه هو الوحيد الخاسر فى كل ما حدث و انه يحمله ذلك الذنب الكبير .. و انه لن يعتبره اخيه من تلك اللحظه

اغمض عينيه يتذكر ما حدث مع جنه حين عاد اليها وعيها فى المستشفى و علمت بما حدث .. زاد اصرارها على الطلاق و رفضت بشده ان تستمع اليه او ان تعطيه فرصه اخرى .. و رغم رفضها لوجود حلم الا انه ايضا كان يهرب من ذنبه الكبير و يلقيه على حلم .. اذا لم ترفض حبه لها .. لو لم تبتعد عنه لم ادخل جنه دائره انتفام لا دخل لها بها .. و لم يكن كل ما حدث قد حدث

الان يعترف .. هو اخطئ .. هو المذنب .. هو ذلك الشيطان الذي تسبب فى حدوث كل هذا

بدأ يضحك بصوت عالي .. و كأنه لم يكن يبكي منذ ثوان قليله

ثم جلس ارضا يبكي بصوت عالي كالاطفال وهو يقول و كأنه يتحدث لشخص اخر غيره

– انت بتضحك على مين انت الغلطان .. انت اللى عملت كده فى نفسك انت الغلطان .. انت الغلطان

*******************

كانت تعمل بتكيز شديد عليها ان تنهي هذه الاوراق قبل رحيلها فمديرها شخص صعب الطباع و لا يقبل بالتقصير فى العمل

وهي ايضا لا تحب ان يقال عنها انها مقصره .. ان هذا العمل كان من اكثر الاشياء التى ساعدتها على التخلص من ذلك الاحساس البغيض التي كانت تشعر به بعد الطلاق

رغم محاولات راغب الكثيره معها ان يجعلها تتراجع عن امر الطلاق الا انها ظلت مصره على ذلك من داخلها تشعر ان ما يقوم به مجرد كلام لا ينبع من قلبه يمكن انه يشعر بالذنب او لا يريد خساره كل شيء

ان جرح قلبها الذى احبه بكل ذره فيه .. روحها التى كانت تهفوا الى كلمه حب صادقه منه كانت قد اكتفت من الانتظار الذى لا يوجد فى اخره امل او اى فرصه للنجاح

كانت تعمل بتركيز شديد رغم تلك الدوامات التي يدور فيها عقلها و لم تلاحظ ان هناك عيون تنظر اليها بابتسامه رقيقه تختفي و تتحول الى تكشيره كبيره حين ترفع عيونها و تلتقي بهم

انهت ما كانت تقوم به .. و قبل ان تغادر مكتبها وقف امامها زميلها فى الشركه يخبرها بعض الملعلومات .. و يعطيها بعض الاوراق و من وسط حديثه قال بأبتسامه

– معلش بقا بتقل عليكي .. بس بصراحه مش هثق في حد غيرك يخلصلي الورق و بدقه

ابتسمت بخجل و لكنها حقا سعيده بتلك الكلمات .. انها كلمات تمتدح عملها التي اصبحت تعشقه بشده فقالت بخجل

– متقلقش هيكون على مكتبك بكره ان شاء الله

و غادرت من امامه سعيده لكنها قد اشعلت النار فى قلب من يتابعها طوال الوقت و كأنها روحه لكن تسير على قدمين

طرقات على باب غرفته .. يعلم انها هي و لكن غضبه يتصاعد يود ان يمسكها بقوه و يصرخ بها و هو يقول

(( لا تنظري لاحد غيري .. لا تبتسمي لاحد غيري لا تكوني جميله فى عيون احد غيري ))

طرقات اخرى ليقول من بين اسنانه

– ادخل

دلفت الى المكتب و تلك الابتسامه العفويه ترتسم فوق شفاهها .. كعادتها ليقف سريعا هو لم يعد يحتمل .. كانت تنظر اليه باندهاش لكن تحول الى صدمه حين وقف امامها و قال

– عايز رقم والدك

– ليه ؟

سألته بحيره ليرفع حاجبه و قال من بين اسنانه و بسخريه

– هعملك استدعاء ولي امر

لترفع حاجبيها بأندهاش .. ليقول هو موضحا لكن بغضب مكتوب

– عايز احدد معاه معاد علشان اطلب ايدك

– ايدي انا

رددت خلفه بزهول .. ليقول ببعض الغيظ

– اومال ايد والدك ؟!

نظرت اليه بحيره لعده ثوان ثم قالت بأقرار

– انت تشوف العمى و لا تشوفني .. ده انا ساعات كنت بحس انك نفسك ترميني من الشباك او تسمني مثلا

ظل صامت ينظر فى كل اتجاهات الغرفه حتى لا ينظر الى عينيها .. لتقول هي بشك

– انت عايز تتقدملي علشان تقدر تموتني من غير ما حد ياخد باله صح ؟!

لينظر اليها باندهاش و لاول مره تراه يضحك .. يامن الحسيني من يخشى ان يضحك حتى لا يتشقق وجهه الاسمنتي الان يضحك و بصوت عالى

لماذا قلبها تتصراع دقاته و كأنها تركض منذ اكثر من ساعه .. لماذا تشعر ان صوت انفاسها يصم اذنيها و بشده

ظل يضحك لعده ثوان ثم صمت ينظر اليها و قال بأبتسامه رقيقه

– اه .. عايز اقتلك و انت على اسمي علشان لما ندخل الجنه تفضلي مراتي بردوا

– بس انت لما تقتلني هتدخل النار

ردت على كلماته ببلاهه .. ليضحك من جديد لكنه قال من بين ضحكاته

– لا القتل ده بالتحديد حلال حلال حلال

و تركها تفتح فمها على اتساعه من الصدمه و تحرك الى مكتبه احضر هاتفه و مد يديه بالهاتف لها و قال

– اكتبي رقم والدك

و كالمغيبه سجلت رقم والدها و تحركت لتغادر المكتب دون ان تسلم الاوراق ليوقفها و هو يقول

– رايحه فين ؟

نظرت اليه بحيره ليمد يديه و هو يقول

– هاتي الملفات

نظرت الى يديها التي تحمل الملفات ثم نظرت اليه بخجل و عادت الخطوه التى ابتعدتها تعطيه الملفات و كادت ان تتحرك ليقول هو بأمر

– بطلى تتضحكي لاي حد بتكلميه .. بطلي تكوني حلوه علشان انا مدخلش السجن

كانت نظرات الاندهاش و الصدمه عدم التصديق و الحيره ترتسم كلها الان على وجهها و لكن ما اجمل شعوره الان خاصه و ذلك الفم الصغير المفتوح على اتساعه .. ليبتسم ابتسامه صغيره و هو يعود ليجلس خلف مكتبه قائلا و و هو يشير الى فمها

– اقفليه بدل ما حاجه طايره كده و لا كده تدخل فيه

لتغلق فمها سريعا لكن الاندهاش و الصدمه لم يغادروها و هى تفكر من هذا .. هل هذا المهندس يامن الذى يخشاه الجميع صاحب التكشيره الدائمه .. الغاضب دائما

هل يضحك الان هل قال لها ان لا تضحك مع احد .. و ما علاقه ضحكتها بدخوله السجن لكنها وجدت نفسها تبتسم بسعاده كبيره

هل ما فهمته صحيح يامن الحسيني يحبها .. يريد ان يتزوجها .. لكن هل يحبها ام يريد ان ينتقم من احدهن بها كما فعل بها راغب .. اخدت نفس عميق

و كان هو يتابع تعابير وجهها .. و تغيراته من صدمه و اندهاش لخجل و ابتسامه و حيره من جديد ثم حزن و قلق و خوف .. ليعدها بداخل قلبه ان يمحوا كل تلك التعابير البغيضه عن وجهها و يجعل الابتسامه فقط فوق شفاهها و الحب و السعاده داخل عيونها

*************************

غادرت حلم بعد ان ظلت تداعب الصغير الكثير من الوقت .. و بجانبها نوار التى لا تستطيع مغادره الصغير وتركه .. لكن عائشه و يوسف بحاجه الى النوم و الراحه

وقفت نوار عند باب الغرفه و قالت بابتسامه صغيره

– لو صحى ناديني اقعد انا بيه علشان تنامي و ترتاحي

اومئت عائشه بنعم مصاحبه لابتسامه امتنان وشكر .. لتغلق نوار الباب خلفها لتنظر هي الى يوسف التى كانت تلاحظ عليه خوفه و قلقه توتره

نادت عليه بصوت هامس حتى لا يستيقظ الصغير لينظر اليها بعيون متألمه لتقطب حاجبيها و رفعت يديها له ليقترب منها و تمدد جوارها كطفل صغير يبحث عن دفئ والدته و الامان بين ذراعيها لتربت على ظهره بحنان و هي تقول

– مالك يا يوسف في ايه ؟

اخذ نفس عميق محمل برائحتها التى اصبحت تحمل رئحه ابنه و كأنها قطعه من الجنه و بدء يقص عليها كل ما حدث .. كانت تشعر بالصدمه و عدم التصديق كيف صمت راغب كل تلك المده على اختفائها … هل العند يجعله يقوم بهذا الفعل الذى عرض والدته الى الخطر بذلك الشكل .

حين انتهى من اخبارها بكل ما حدث .. قالت هي بهدوء

– بكره الصبح روح مع حلم و هاتها على هنا .. و متقلقش الملحق هتلاقيه جاهز من كله

نظر اليها بابتسامه حب و تقدير .. هي لم تخزله يوما و دائما تثبت له انه كان على صواب

**********************

تجلس فى مكانها المعتاد بين الحائط و الخزانه … ذلك المكان الذى شهد المها و وجعها و خوفها لايام و ايام ذلك المكان التي كانت تلجئ اليه حين تريد الاختباء من كل شيء اليوم تجلس فيه تتحدث اليه حتى تخلق فى ذلك المكان ذكريات جديده و لكن ذكريات سعيده

– اصبر بس يا إلياس لحد ما نخلص موضوع مرات عمي .. و هحدد ليك معاد مع عمي و يوسف

اجابها قائلا بلهفه

– بصراحه ما صدقت انك وافقتي .. و خايف ترجعي فى كلامك .. و عايز اطمن

ابتسمت بسعاده وقبل ان تقول شيء قال هو

– تعرفي يا حلم انا نفسي اسمع موافقتك عليا دى من امتى ؟ من يوم ما كنتي بتحكيلي عن مخاوفك عن كل الايام اللى مرت عليكي و كنتي محتاجه فيها حد يضمك و يخبيكي جوه حضنه يطمنك .. و يشيل عنك خوفك و قلقك .. اتمنيت اكون جمبك و معاكي امسك ايدك واقف وراكي اسند ظهرك و احميه من غدر الزمن و الناس .. احبك و ادلعك امسح دموعك اللى مش هيشوفها حد غيري .. افرحك و اسمع ضحتك عاليه مبسوطه و سعيده زى الاطفال .. ابني معاكي عيله و اجيب بنات حلوه زيك .. كان نفسي احقق احلامك و اشوف احلامي فى عيونك

كانت تستمع اليه و الدموع تغرق وجهها لكن تلك المره ليست دموع القهر و الحزن و الظلم لكن دموع سعاده و احساس كبير بالحريه و كأن قلبها قد غادر صدرها و بدء يحلق عاليا فى تلك السماء الواسعه

كان يصل اليه صوت شهقاتها البسيطه التى تحاول كتمها ليبتسم و هو يقول

– لو الدموع دي دموع سعاده و فرح متكتميهاش و عيطي بصوت عالي لكن لو دموع حزن و خوف يبقا انا فشلت كدكتور و كحبيب و كراجل

لم تجيبه بالكلمات و لكن صوت بكائها بدء يصل له بوضوح .. شهقات متتاليه و صرخات صغيره و كأنها تريد ان تخرج كل الحزن الساكن بقلبها لسنوات حتى تخلي المكان للسعاده و الفرح حتى ترتاح

ظل هو صامت تماما يستمع لصوت بكائها و شهقاتها يتالم قلبه من اجلها كحبيب ولكن كطبيب يفهم جيدا اهميه ما يحدث الان

بعد الكثير من الوقت هدأت شهقاتها و قالت بصوت مرتعش

– وعد يا إلياس

– اوعدك بعمري اللى جاي كله .. و بقلبي و دقاته .. و روحي اللى اتعلقت بيكي

اجابها بصدق و ثقه لتبتسم بسعاده .. و بدء هو يخبرها بما يحلم و يتمني و هى تستمع بكل تركيز و بداخلها احاسيس مختلفه بين الحماس و تحقيق الحلم الكبير التى حرمت نفسها منه طوال حياتها

**********************

فى صباح اليوم التالي و مع اول خيوط النهار كانت تقود سيارتها يلحق بها يوسف بسيارته .. لا يستطيع الانتظار كما لم يستطيع النوم .. تقدر مشاعره و تفهمها جيدا فى بادئ الامر و نهايته هى امه مهما حدث منها

وصلا الى الدار ليترجل من سيارته سريعا و دلف خلف حلم التي توجهت مباشره الى مكتبها و هناك قابلها مدير مكتبها و مساعدها الخاص و هو يقول موضحا كل النقاط التى كلمته فيها و سألته عنها قبل وصولها

– حضرتك هى نايمه دلوقتي .. و تم فحصها امبارح فحص كامل و شامل .. و حالتها الصحيه جيده جدا .. الا من بعض الجروح فى القدم لكنها بسيطه و محتاجه شويه فيتامينات تعوض نقص الاكل الفتره اللى فاتت

اشار يوسف الى عاصم و هو يقول بأستفهام

– هو بيتكلم عنها ؟!

اومئت حلم بنعم ليأخذ نفس عميق ببعض الراحه لتقول هى موجهه حديثها الى عاصم

– اتفضل على مكتبك و اول ما تصحى بلغني

– تحت امر حضرتك

اجابها عاصم و غادر المكتب و اغلق الباب خلفه ليجلس يوسف على اقرب كرسي ببعض الراحه و لكن يبقا القاء .. كيف سيكون .. و ماذا سيحدث

********************

لم تذهب الى الحضانه اليوم .. حمزه خطف قلبها و روحها و لمس ذلك الجزء المظلم فيها بكل ما حدث قديما .. لكن ذلك الاتصال الذى ورد لها جعلها تذهب فورا .. حين وصلت الى هناك وجدت الصغير آدم يجلس ارضا يبكي و تجلس جواره احدى المشرفات فى انتظار سياره الاسعاف بعد ان سقط و هو يلعب مع رفقائه و يبدوا انه كسر ساقه

فى تلك اللحظه حضر رجل ثلاثيني يبدوا عليه الرقي .. و القلق و حين وقعت عينيه على آدم ركض اليه بخوف و جثى على ركبتيه بجانبه و هو يقول

– مالك يا حبيبي ؟ ايه اللى حصل ؟

– خير ان شاء الله الاسعاف على وصول و ان شاء الله نطمن عليه

قالت نوار بهدوء و هى تربت على يد الصغير الذى يمسك يديها بقوه .. ليرفع ذلك الرجل عينيه و هو يقول بغضب

– انا هقفل الحضانه دى .. ده اهمال .. و انا مش هسكت

ظلت نوار هادئه تماما فهى تقدر حالته .. و قلقه على الصغير و قالت بهدوء

– حضرتك انا مقدره خوفك و قلقك على ابنك .. بس كمان لازم تعرف ان مفيش اى اهمال .. الحضانه كلها كاميرات .. و حضرتك تقدر تراجعها وتشوف كل اللى حصل .. الولد وقع و هو بيلعب و بيجرى مع اصحابه

– مش ابني

قطبت حاجبيها بعدم فهم .. وقالت باستفهام

– حضرتك قولت ايه ؟

نظر اليها و قال بهدوء

– مش ابني ..آدم ابن اخويا .. وهو مسافر علشان كده انا المسؤل عنه الفتره دى

اومئت بنعم فى نفس اللحظه التى دوا فيها صوت سياره الاسعاف .. صعدت نوار مع الصغير الذي يرفض ترك يديها

وسار عمه خلفهم بسيارته حتى وصلوا المستشفى .. تم الكشف على الصغير و عمل اشعه على ساقه و بعد بعض الوقت خرج الطبيب لهم يقول بأبتسامه

– متقلقوش الولد زى الفل .. كل الموضوع عنده كدمه بسيطه يرتاح يومين و ان شاء الله هيبقا زى الفل

و غادر بعد ان دعى له بالسلامه نظرت نوار الى عم آدم و قالت

– انا هروح ادفع حساب المستشفى و الف حمدلله على سلامته

كادت ان تتحرك من امامه حين قال هو

– انا اسف

نظرت اليه باندهاش ليمد يديه و هو يقول

– مهندس حسين عبدالرحمن … و اسف على اللى حصل منى

مدت يدها و هى تقول

– نوار أحمد .. اتشرفت بمعرفتك .. محصلش حاجه

ليبتسم ابتسامه صغيره و هو يقول برجاء

– اتمنى انك تكوني قبلتي اسفى

– مفيش حاجه حضرتك كنت قلقان على آدم و ده حقك .. وحمدالله على سلامته .. عن اذنك

ابتعدت خطوه واحده ليقول هو سريعا

– مفيش داعي تدفعي الحساب .. الموضوع كله حاجه بسيطه و كلامي كان سوء فهم و خوف على المسؤليه اللى انا شايلها

ابتسمت و هى تقول

– حضرتك انا متفهمه الامر .. و حصل خير . مع السلامه

و غادرت تلك المره بسرعه حتى لا يوقفها مره اخرى خاصه مع تلك النظره التى تجعلها تشعر بالتوتر و القلق وبعض الخوف .. نظره تعرفها جيدا .. لكنها غير مستعده الان

*******************

ظلت رقيه تنظر الى يوسف الواقف عند باب غرفتها و الدموع تغرق عيونها كما تملئ عينيه اقترب منها بخطوات بطيئه رغم ان قلبه من اول لحظه يجثوا اسفل قدميها

ظل يقترب منها حتى وصل امامها و جثى على ركبتيها و امسك يديها يقبلها بلهفه و شوق و اسف و هو يقول

– حقك عليا يا امي … حقك عليا .. انا اسف .. انا اسف .. اسف

كانت تبكي و هى تضم راسه بيدها الاخرى لا تستطيع ان تتحدث مرت عده دقائق و هم على نفس الوضع كانت حلم تتابعهم عبر النفاذه الزجاجيه .. حتى تترك لهم المجال دون حرج

رفع يوسف عينيه ينظر الى والدته و قال بأبتسامه

– احنى هنروح النهارده حلم بتخلص الاجرئات و هنمشي على طول

ظلت تنظر اليه و هى تتأمله و قالت بحسره و الم

– انا اللى اسفه يا ابني .. انا اللى اسفه

ليضمها بقوه .. و هو يبكي بأسف و تبكي بحسره ثم قالت

– انا يا ابني هفضل هنا .. انا مش عايزه اعمل مشاكل تاني .

ليقطب جبينها و هو يقول

– بابا موافق .. و كل اللى فى البيت معترضوش متقلقيش

لتنظر ارضا بخجل .. ليقول هو باستفهام و غضب مكتوم

– انا بس عايز افهم ازاى ده حصل .. و راغب عملك ايه علشان تسبيه و تمشي و ليه مكلمتنيش

– معملش حاجه هو كان فى شغله و انا كنت محتاجه اجيب اكل .. و لما خرجت معرفتش ارجع البيت تاني

اجابته و الدموع تغرق وجنتيها .. لينحني يقبل يديها من جديد .

– حقك عليا انا .. انا اسف .. بس متقلقيش من النهارده انا تحت رجلك و عمرى ما هقصر معاكي ان شاء الله

لترتب على وجنته و هى تبتسم ليقول بسعاده

– بقيتي تيته .. ربنا رزقني بحمزه

لتشهق بسعاده و هى تضمه بقوه و قالت من بين دموعها

– الف مبروك يا حبيبي .. الف مبروك .. ربنا يبارك لك فيه و يسعدك و يفرحك

سعادتها و تلك الابتسامه السعيده التى ارتسمت على وجهها جعلته يشعر بالذنب اكثر .. رغم كل ما كنت هى السبب فيه الا انها تظل والدته رغم كل شيء و قصر هو فى حقها و عليه تعويضها … و سوف يعوضها

******************

حين وصلوا الى البيت كان راغب يقف هناك بسيارته امام البوابه لم يجرئ على الدخول .. او رؤيه اى منهم … لكنه قلق عليها و يريد ان يطمئن .. ان يتساعد هو و يوسف و يخبروا غسان ايضا و يبحثوا عنها فى كل مكان

وقفت سياره يوسف امام سيارته .. لتجحظ عين راغب بصدمه و هو يقترب من السياره يفتح بابها .. وهو يقول

– امي انت كويسه ؟ كنتي فين ؟ و ليه سبتيني ؟

ربتت على وجنته و اخبرته بكل ما حدث ليقبل يديها و هو يقول

– حقك عليا

لكنه لم يستطع ان يكمل كلماته حين جذبه يوسف من ملابسه حتى يقف امامه ثم لكمه بقبضه يديه فى وجهه ليسقط ارضا و شهقت رقيه و هى تناديي على يوسف الذى قال بغضب

– انت عايش فى دور المظلوم .. و فاكر ان كلنا جينا عليك .. على الرغم ان من حبك الكبير لحلم الا انك عمرك محبتها اكثر من نفسك .. انت مش بتفكر فى اى حد غير راغب و بس .. عيد حسابتك يا راغب مش علشان اى حاجه و لا علشان اى حد علشان خاطر نفسك

و اغلق باب والدته و عاد الى مكانه و دلف بالسياره الى البيت و امر الحارس بأغلاق الباب .. و حين اوقف السياره فى مكانها المخصص .. نظرت له والدته و هى تقول بدموعها

– اخوك

لينظر اليها بأبتسامه و قال

– متقلقيش عليه يا امي .. انا مش هسيبه بس هو محتاج يفوق و محتاج يعيد حسباته

اومئت بنعم و هى تقول

– انت ادرى يا ابني

ترجل من السياره .. و ساعدها على النزول من السياره و سار بها الى الملحق و هو يقول

– متقلقيش محدش هيضايق .. و لا حد هيزعلك .. و فى بنت هتيجي مخصوص تساعدك و تشوف طلباتك

ابتسمت له و هى تقول

– ربنا يرضا عنك يا ابنى

ثم اكملت بخجل

– هتجيب حمزه ليا علشان اشوفه

– حمزه جه اهو يرحب بتيته

قالتها عائشه .. بابتسامه واسعه و هى تقف عند باب الملحق ليبتسم يوسف بسعاده .. لم تخزله يوما لذلك هو يعشقها بكل ما فيها

كانت رقيه تضم الصغير الى صدرها بحنان ثم نظرت الى عائشه و قالت

– انا اسفه يا بنتي

اقتربت عائشه منها و قبلت راسها و هى تقول

– نورتي بيتك

**************************

ظل واقف فى مكانه ينظر الى البوابه المغلقه … بعيون تملئها الدموع … موقن بكل كلمه قالها اخيه

يعلم جيدا انه يحتاج الى ان يعيد حساباته و يقرر ماذا عليه ان يفعل … ان يلحق الباقي من حياته و يتخلص من سراب الماضي و اشباحه

عاد الى سيارته و غادر من امام بيت بركات و قد اخذ قراره و لن يتراجع

***************************

تجلس جوار إلياس بعد ان تمت خطبتهم يتحدثان بسعاده و انطلاق حين وصلت لها رساله على احدى تطبيقات التواصل

حين فتحتها ابتسمت بسعاده و هى ترى صوره صديقتها تجلس جوار رجل جذاب

و اتسعت ابتسامتها و هى تقرء ما كتب اسفلها

(( انا اتخطبت … تخطيت راغب و كل الماضي … لكن مش قادره اتخطى صداقتنا و لا اقداره افضل زعلانه منك اكتر من كده … هستناكى فى الفرح ))

و بالفعل كانت حلم جوار جنه يوم عرسها كما كانت معها سابقا و لكن. اليوم الضحكه من القلب صادقه سعيده

***************************

مرت ثلاث سنوات .. و اليوم الجميع يقف فى رواق المستشفى .. ينتظرون خروج عائشه من غرفه الولاده

كانت نوار تقف بجانب حسين الذى يحاوط معدتها البارزه و هو يقول بابتسامه

– كلها شهر و نبقا كلنا واقفين كده علشانك يا جميل

ابتسمت بسعاده و خجل و هى تقول

– مش مصدقه امتى اشيلها بين اديها و احضنها و اشم ريحتها يا حسين

كان يبتسم بسعاده و هو يرى سعادتها و انطلاقها .. كان يشعر بالخوف حين طلب يديها و رفضته و اخبرته بقصتها .. شعر انه يريد ان يطيب كل جروحها .. و لقد احتاج لسنتين كاملتين حتى يستطيع اقناعها بحبه لها .. لكن بالنهايه حبه الصادق و اصراره حقق له مراده و اصبحت زوجته … انتبه من افكاره على سؤالها

– انت لسه مُصر نسميها نوار

– طبعا هو فى احلى من اسم نوار

اجابها بابتسامه واثقه و بصدق استشعرته بكل كيانها

لتحاوط يديه التى تحاوط معدتها ثم اراحت راسها على كتفه براحه

و فى الجه الاخرى كان يقف راغب و معه لينا .. زوجته التى تعرف عليها حين قرر ان يترك كل شئ خلفه و السفر الى الخارج .. ظل ثلاث سنوات يحارب اشباحه و افكاره و ماضيه المؤلم .. كانت هى جواره صديقه مخلصه .. و حين عاد قلبه ينبض بالحياه من جديد بعد ان تخلص من كل ذنوب الماضي و رواسبه طلب يدها للزواج و بعد زواجه بشهر قرر العوده الى الوطن ليطمئن على والدته و اخوته

و على الكرسي القريب منه تجلس والدته و على قدمها حمزه يلعب بهاتف والده و هى تطعمه و تداعب وجنته و خصلات شعره بحنان … اول احفادها و اغلاهم

و على الكرسي المواجهه لها يجلس مصطفى يقرأ القرآن بهدوء كعادته متجاهل الجميع كأنه فى كوكب بمفرده .. كعادته التى لم تتغير لقد فقد شغفه فى الحياه و يريد ان يكفر عن ذنوبه خاصه بعد ان وصل له خبر وفاه احمد الذى لم يخبره لاحد حتى الان .. و تم دفنه دون ان يعلم احد ايضا او يقام له عذاء او يصلى عليه

على النافذه البعيده نسبيا تقف حلم وجوارها إلياس الذى يحمل الصغيره رؤيا يضحكان رغم القلق الواضح بعيون حلم على اختها الواضح من نظراتها كل لحظه و اخرى لباب غرفه العمليات

كان إلياس ينظر اليها بعشق واضح فى عينيه للجميع ليس لراغب فقط .. يحاول طمئنتها و تهدئتها

و هذا الحب الواضح فى حياه نوار و حلم جعل رقيه تشعر ببعض الراحه من تأنيب الضمير خاصه و ان راغب قد بدء فى انشاء عائله مع فتاه رائعه و راقيه و مميزه

فى تلك اللحظه خرج الطبيب ليلتف الجميع حوله ليقول بأبتسامه

– مبروك المدام جابت بنوته زى القمر .. و عشر دقايق و يبقوا فى اوضتهم .. حمدالله عل سلامتهم

و غادر من امامهم ليبارك الجميع ليوسف بسعاده و بدأوا فى الدعاء لنوار ايضا

و بعد اكثر من الساعه و الجميع كان يجلس فى غرفه عائشه بين مزاح و ضحكات و اختيار اسم الصغيره .. صمت الجميع حين سمعوا طرقات على الباب و دلف غسان و يمسك بيده طفل صغير و بجانبه امرأه ثلاثينيه تمسك فى يديها فتاه جميله تشببها .. ليشعر الجميع بالاندهاش لكن

– السلام على من اتبع الهدى … الف مبروك يا عائشه الف مبروك يا يوسف

كان الجميع ينظر اليه بين ضحكات سعاده و شوق و بين حيره و غيره تسكن عيون حسين لكنه حين شعر بيد نوار تحتضن يديه تجبره على النظر لعينيها ليجدها تطمئنه بروحها اختفت الغيره من عينيه و ارتست ابتسامه صغيره واثقه على وجهه

عرف غسان الجميع على زوجته و اولادها .. و بارك له و لها الجميع .. و القى التحيه على نوار بهدوء رغم ان هناك نار حارقه اشتعلت داخل قلبه حين رأى بروز معدتها و يديها الساكنه فى حضن يد شخص اخر غيره .. انه يتقبل ذلك و يرى انه اكثر شيء عادل قد يحدث لكن ماذا يفعل فى ذلك الجزء الذى مازال ينبض بحبها و اسمها رغم كل محاولات الطبيب النفسي معه فى غلق تلك الصفحه ومسحها من حياته و قدرته على الزواج من غيرها … انسانه طيبه تناسب ظروفه

مر الوقت لطيف رغم بعض التحفظ لكن الامور اصبحت فى نصابها الان .. وكل منهم دفع جزء من ثمن الاخطاء الذى ارتكبها الجميع

فى النهايه جميعنا بشر .. نخطئ و نصيب .. نحن جميعنا نحمل بداخلنا الخير و الشر بنفس القدر .. نحمل بعض الانانيه و بعض الغرور و ايضا نحمل بعض من الطيبه و الحنان

جميعنا بشر .. لا يوجد بيننا ملائكه

تمت

  • يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حلم ) اسم الرواية

google-playkhamsatmostaqltradent