Ads by Google X

رواية ثري العشق و القسوة الفصل السادس و العشرون 26 - بقلم اية العربي

الصفحة الرئيسية

    رواية ثري العشق و القسوة كاملة بقلم اية العربي عبر مدونة دليل الروايات 


رواية ثري العشق و القسوة الفصل السادس و العشرون 26

 
 
كل ما نحتاجُ إليه أننـــــا ..!
نحتاجُ لـِ من يبعثُ السلام بـِ أرواحنا وَ نحن بـِ ذروةِ الشدة !
نحتاجُ لـِ من يُزيح عنا ضباب هلوســــات التفكير لـِ تُبصر عقولنــــا أكثر ..!
نحتاجُ لـِ من يرسم لنـــــا الحيــــــاة بـِ ألوانٍ هادئةٍ وَ يُبشرنـا أن الحيــــــاة ليست بـِ كل تلك القسوة ..!
نحتاجُ لـِ من يسمعنا بـِ قلبهِ ثم يعودُ غريباً كما كان !
نحتاجُ لـِ من يساندنا وَ يدعمنا ولو بـِ كلمةٍ !
نحتاجُ لـِ من يشعر بـِ همس أحزاننــــا بين ضجيج ضحكاتنا العالية !
نحتاجُ لـِ من يحطم جدار وحدتنـــا لـِ يشعرنا أن هناك من يهتم لـِ أمرنــا حتى ولو لم يفعل شيئاً !
فَـ قد نحتاجُ لـِ الحبِّ مرة واحدة ..
لكنّنا نحتاجُ لـِ الأمان وَ الطمأنينة آلاف المرآآآت .
منقول
❈-❈-❈
مر يومان على نفس وتيرة الأحداث .
كان يقرأ ويدوّن الآيات التي تستوقفه ليتجه فجراً إليها يتناقشان بها ،
ليتأكد أن هذا الكتاب ليس هيناً أبداً كما كان يعتقد .
رن هاتفه ليأخذه من قراءته ليجد أنه رقم رجلا من رجاله .
فتح الخط يجيب بثبات :
– ماذا هناك ؟
تحدث الرجل باحترام :
– هذا الرجل يريد رؤيتك سيد صقر .
زفر بصمت لثوانٍ ، المقصود بهذا الحديث هو عمر ، لذا قال بثبات :
– ليس الآن ، فقط احرص على أن يكون بصحة جيدة .
أغلق معه ثم زفر مطولاً يعاود النظر للمصحف ، أين كان هو من كل تلك الأمور ؟ ،، كيف قرأ كتب لا تعد ولا تحصى ولم يفكر مرة في قراءة هذا الكتاب السماوي ؟ .
لف نظره ليراها عبر الكاميرا تصلي الفجر ، كم كانت جميلة في هذا الزي ، بدت ناعمة بريئة وشفافة .
ظل يتابعها إلى أن انتهت ليقف متجهاً إليها كي يبدأ جولة مناظرة بات يحبها وينتظرها ويقتنع قلبه بها شيئاً فشيئاً .
❈-❈-❈
ظهراً .
دلف إليها ليجدها نائمة ، ما زالت نائمة ، التفت نحوها ليتفحص ملامحها ، ظل ثابتاً لبضع دقائق يتأملها ثم ناداها :
– ناردين .
فتحت عينيها ببطء لتدرك وجوده أمامها ، رفعت نظرها له بصمت فتابع بثبات ونبرة هادئة تغلفها الحزن جديدة عليه :
– هيا رافقيني .
تعجبت متسائلة بنعاس وهى تنسحب بجسدها للأعلى :
– إلى أين ؟
وضع يديه في جيبيّ سرواله يردف بهدوء :
– للخارج ، لدي ما أخبركِ به .
اعتدلت تجلس قائلة وهي تجمع خصلاتها في اتجاهٍ واحد :
– انتظرني في الخارج حتى أبدل ثيابي .
زفر بضيق ، تظن أنها قادرة على إعطاء أوامر له ، لو أراد امتلاكها الآن لفعل ، ولكنه يريد حقاً امتلاكها فلمَ لا يفعل ؟ ،، ربما لأنه عندما يبدأ معها جولة عشقٍ يريدها متبادلة ، يريد رؤية سعادتها ومتعتها ليشعر باللذة ، لذا فهو يتحامل على نفسه لعلمه أنها الآن لن تكن متبادلة برغم قدرته على تخدير حواسها ولكن ستبقى روحها مستنفرة .
تحدث بثقة قبل أن يتجه خارجاً :
– سأغادر لأني أريد ذلك ، لا تملي علي أوامركِ .
لم تجبه بل زفرت مطولاً وتركها تترجل من الفراش ثم توجهت إلى الحمام تغسل وتعود .
بعد وقتٍ تحركت لأول مرة خارج تلك الغرفة تنظر حولها إلى المكان ، نظرت لتلك الأريكة المنكمش فراشها فعلمت أنه ينام عليها ، نظرت لحاسوبه وبقايا طعامه ثم عادت تنظر له وهو يواليها ظهره ويتحدث عبر هاتفه بجمود ، شردت في هيأته وعضلات ظهره ووقفته الثابتة ويده الموضوعة في جيبه والأخرى الممسكة بالهاتف ، تعشق كل تفاصيله وتحب روحه المشتتة تلك لذا فهي معه إلى الآن ولن تكل ولن تمل إلا بتنقيته .
لف لها بعدما أنهى اتصاله يردف بهدوء بعدما أدرك تأملها به الذي أنعش داخله :
– هيا بنا .
تحركت خلفه ولكنه توقف قبل أن يفتح الباب يمد يده إليها قاصداً احتضان كفها ، ترددت قليلاً قبل أن تناوله يدها ليحتضنها بين منحنى ذراعه ويتجهان إلى الخارج كحبيبين في رحلةٍ رومانسية .
تحركا قدماً حتى وصلا إلى المياة ، نظرت حول المكان تتفحصه ، حتى أنها لا تميز إن كانت داخل مصر أو خارجها ، لا شيء يدل على هوية ، صحراء وسماء ومياة فقط وهذا المنزل الوحيد ، حتى وإن فكرت في الهرب فستكون خطة فاشلة .
وكأنه قرأ أفكارها فقال بثقة وهما يسيران على رمال الشاطيء :
– لا تفكري ، لا خلاص لكِ مني .
زفرت تنظر إلى المياة بعمق ثم تحدثت بنبرة مؤثرة :
– ليت الخلاص خلاص البعاد ، حتى في البعاد تهاجمك الأفكار ويأسرك الحنين لمن آذاك ، حتى وإن خلصتُ نفسي منك فلن أشفى ، أنت صنعتَ لي أجنحة وعرفتني طريق السماء لأحلق ، ثم قصصت أجنحتي فجأة فوقعت أرضاً أنزف ، هدوئي هذا لا يعني أنني نسيت أو رضيت ، ولكن إن لم أتعايش مع ما رأيته فالموت أهون لي حينها ، إما المواجهة والتحامل أو الخلاص ، ما زلت لا تعرفني جيداً ، وأنا كنت لا أعرفك .
زفرت مطولاً لتتذكر سرداً كانت قد قرأته في إحدى القصص التي تقرأها فتابعت بتأثر :
– خُضتُ من أجلك ألف معركة وقتلتني أنت ، فكم كانت البدايات جميلة .
– لنتعرف إذاً ، إن كانت البدايات وحدها جميلة فدعينا لا ننتهي أبداً ، دعينا نبدأ ثم ننسى أننا بدأنا فنعيد البداية وننسى إلى اللانهاية .
قال هذا رداً عليها ، فقد قرأ نفس القصة واستوقفته نفس الكلمات ليرد بنفس رد بطل تلك القصة .
لفت تقابله وتتعمق في عينيه الصافية صفاءاً يعكس نقائها ، لتردف متسائلة بترقب :
– هل اتخذتَ قرارك ؟
انحنى ليجلس أرضاً يضم ساقيه لصدره ويشبك ذراعيه حولهما ، زفرت وجلست تجاوره وهو ينظر إلى الأفقِ قائلاً بشرود للبعيد كأنه يرى شريط حياته يمر أمامه :
– كُنت طفلاً طبيعياً جداً ، كنت أحظى بالحب والاهتمام من أمي وأحياناً أبي ، كُنت سعيداً بمَ أنا فيه وكم شعرتُ أني محظوظٌ بهما ، إلى أن قررنا السفر إلى إيطاليا لرؤية جدي الذي يحتضر ، تلك كانت النقطة الفاصلة لكل شيء ، لم أكن أعلم أنني سأواجه تلك الحياة دون أبي الذي قُتل على يد رجال المافيا لأنه قرر أن يبتعد عن عالمهم ، لم أكد أستوعب صدمة وفاة والدي حتى أصيبت والدتي بالشلل ، وبات مصيري كله في يدِ ميشيل ، عائلة موراكو جميعها اتفقوا على أنني سأكون الراعي الرسمي لأعمالهم الإجرامية ، سألعب دوراً هاماً في حياتهم ، لذا فكنت أنا المميز بينهم ، لم يبخلوا عليا بشيء ، ولا بأي شيء ، كانوا يسفقون لي عند الخطأ ويعاقبونني إذا فعلتَ الصواب وأنا كنت صغيراً ولم أجد سبيلاً للخلاصِ .
أدخلوني أعرق المدارس وأثراها ، لأتعلم فيها كل ما يمكن أن يتخيله العقل من مهارات عقلية وجسدية قاسية ، وبدأ هو في زرع سمومه داخل عقلي ، مرة بعد مرة وهو يبعدني عن طبيعتي حتى نزع من قلبي اللين وألبسني ثوب القسوة الذي فضلته كي أكون قوياً حيث وجدت فيه الخضوع ممن حولي ، كان يشير لي على من يعترض طريقه ويخالفه لأركض وأقتله في الحال وأعود فأرى رد فعلهم المميز جزاء ما فعلت ، كنتُ بدأت أصدق أننا الصواب والكل خطأ .
سحب نفساً طويلاً ثم زفره وكأن روحه تخرج معه حينما تابع :
– ليتركني فجأة النور الوحيد الذي كان يؤنس ظلمتي ، جاءت وفاة أمي لتقضي على أي أمل في عودتى ، جاءت مثل الصاعقة التي حولت الوحش إلى شيطان ، لأنسى بعدها إنسانيتي ، تجردتُ من كل المشاعر ، فقد ماتت من كانت تحييها بداخلي ، لذا نزعتها وارتديتُ القسوة للأبد ، تدثرت بالقوة والجبروت ، لأصبح أنا المثالي لديهم ، وليتباهوا بي وسط حلفائهم ، وليصل اسمي إلى قلوب أعدائهم يفزعها ، جعلوني رجل المهام الصعبة ليزيد تكبري ويقسو فؤادي ، أقتل قتلة وأمزق خونة وأحرق الشياطين بنيرانهم ، لأكون الورقة الرابحة في يد ميشيل والعائلة جميعها .
زفر مطولاً يتابع بعيون مثبتة على الأفق ولكن نبرة صوته تكاد تبكي الحجر :
– أردتُ دوماً يداً يمكنها انتشالي ، يداً يمكنها سحبي ، تمنيت أن تعود والدتي ، وليت الأماني تتحقق ، دعوت الله قبل وفاتها أن يتركها معي ، طلبت منه ذلك ولكنه أخذها ، لذا اقتنعت أنه يريدني شيطاناً ، ليؤكد لي ميشيل أن جميعهم شياطين ، وأن الأرض خُلقت لهم ، وأن البقاء للأقوى وللأكثر شراً ، أثبت لي أن المسلمين إرهابيون وقتلة ، ورأيتُ بعيني داعش وهي تفعل كما نفعل ، كل شيء كان مظلماً ، كل شيء ساعدني لأتوحش .
لف نظره لها آخيراً ليقول بنظراتٍ مبهمة مثبتة عليها وهي كذلك وأشد حيث كانت دموعها متلألأة في مقلتيها وروحها تتمزق حزناً عليه :
– لتأتي أنتِ ذلك اليوم وأجد أن حولكِ طاقة تجذبني إليكِ ، وكأني رأيتُ فيكِ والدتي ، طريقتكِ مع شقيقتكِ وخوفكِ عليها من هذا الوسط ذكرني بخوفها علي من عائلتها ، لذا فعزمت على أن أسحبكِ إلي ، خططتُ لأحصل عليكِ وقد كان ، ولن أندم يوماً على هذا وإن عاد بي الزمن سأفعلها مجدداً وأخطط بكل الوسائل كي أحصل عليكِ ، أنتِ كنتِ الشيء الوحيد الجيد الذي أخترته في حياتي .
سقطت دموعها أمامه فأسرع يلف وجههُ مجدداً وينظر للأفقِ حتى لا يظهر تأثره بها وهو يكمل :
– لقد قرأتُ عدة سوراً من القرآن ، استوقفتني آيات المغفرة والتوبة ، أشعر بالندم لأنني أخذتُ الإسلام من ميشيل بدلاً عن هذا الكتاب ، لربما كان هناك أموراً كثيرة تبدلت ، سأكمل اليوم قراءته ، وسأخبركِ بقراري غداً .
نظرت له بأمل ، دموعها حتى لو كانت تسقط ألماً عليه فهي تشعر بأنه يتعافى ، لديه النية لذلك وعليها أن تعينه ، لتأخذ بيده إذاً ، ما مر به ليس هيناً أبداً ، ما رآه من المؤكد ترك داخله ندوباً عليها أن تداويها .
ولكنه قال أمراً ما ربما عادياً بالنسبة له ولكن بالنسبة لها مفزعاً ، تساءلت بريبة وخوف :
– قُلت أن والدك أراد الابتعاد عن طريق المافيا لذا قتلوه ، هل تقصد أن من ينوى التوبة يقتل في قانونهم ؟
كانت تعلم بعض قوانينهم ولكن تأملت أن يكون هناك استثناء لأنه من العائلة ، ربما هناك حلاً ، أما هو فابتسم بألم ينظر لها متسائلاً :
– هل تشعرين بالقلق من أجلي ؟ ، أنا لا أهتم بحياتي ، هي بالنسبة لي كلفافة تبغٍ يمكنني سحقها في أي وقت .
وخزها قلبها ونظرت له تردف بحزنٍ وخوفٍ شديد :
– إذا ماذا أعني لك أنا ؟ ، بما أنك رجل المهام الصعبة فلمَ تستسلم ؟ ، ألن تحارب من أجلنا ؟ ، ألن يحن الوقت لنمضي قدماً سوياً دون خوفٍ ؟ ، إن كانت حياتك بالنسبة لك كلفافةِ تبغٍ فهي بالنسبة لي الأمان ، جد طريقة لتبتعد دون أن يصيبك مكروه ، واعلم من الآن وصاعدا أن ما يصيبك شطراً سيصيبني أضعافاً .
تعمق في عينيها ، رفرفات تنشط قلبه ، تعلن أنها تدعمه ، تؤكد له أنها لن تتركه وأن وجوده بالنسبة لها يعني الأمان ، إذاً عادت تثق به ، عادت تتخذه مأمن لها ، ليحارب إذاً من أجلها ، ليحاول من أجلهما .
زفر بقوة وراحة لم يجربها قط ، أسقط من على عاتقه حملاً ثقيلاً ببوحه لمَ مر به ، وقف على قدميه يطالعها بصمت لثوانٍ ثم تحدث بهدوء :
– عمر لم يمت .
تحرك يخطو ويواليها ظهره لتنظر لأثره بذهول ، لم يمت ، لم يقتله إذاً ، كانت تشعر ، حقاً كانت تشعر ، لتتنفس براحة وتنظر إلى المياه بأمل .
التفت لها يردف بثبات :
– يكفي تأملاً ، هيا لنعود .
استندت تقف بعدها وتتجه له ليعودا إلى المنزل ، دلفت تلك الغرفة وتوجهت لتتوضأ وتصلي فرضها بينما هو ظل خارجاً يجري عدة اتصالات .
❈-❈-❈
عند ميشيل الذي طال انتظاره لخبر قتلها ولم يأتِ .
لقد كان على يقين أن صقر لن يتساهل مع الخائن ، لقد كان على يقين من تصفيته لليونيل وتلك المرأة التي تشكل خطراً عليه ، هو خطط ونظم وأرسل لها ذاك المقطع كي تثور ، كي تغضب ، كي تخطئ ليعاقبها هو بنفسه ، لينهيها بيده .
ولكن ما يحدث الآن يثبت له أن هناك صقراً جديداً يولد او ربما يعود ، صقراً لم يراه من قبل ، صقراً عاشقاً يخشاه ، فعند اتحاد القوة والعشق معاً يجب على المذنب أن يختبيء .
رن هاتفه فأجاب بجمود وثبات متسائلاً :
– هل عرفت مكانهما ؟
تحدث ليون قائلاً :
– أبذل قصارى جهدي سيد ميشيل ، كنت أظن أنه سيجلبها هنا ولكن من بحوزتنا هو من ساعدها على الهرب فقط ، لقد أخبرنا أنه يريده حياً ، ولكن هي معه ولا أحد يعلم مكانهما .
تحدث بخبث شيطاني يردف بهدوء :
– ولكنك ستعلم ليون ، ها هو صقر لم يصل إليك ولم يقتلك كما كنت تظن ، وهذا يعني أن مكانتك ارتفعت عندي ، أنت ربحت يا ليون ، لذا لننتقل إلى التحدي الثاني وهو الأصعب ، جد لي مكانهما ، ودعني أساعدك ، يمكنك اختراق هاتف ماركو ، من المؤكد هو يعلم مكانهما ، أو ربما كان لك صديقاً يحرسهم ؟ .
❈-❈-❈
في شقة عفاف.
يجلس سامح معها حيث نوى إخبارها بمَ يود فعله .
تجلس مترقبة السمع ولكن ملامحها باتت هادئة يشوبها الحزن منذ ما حدث مع ريما الصغيرة ، تشعر بالذنب يكاد يلتهمها ، خاصةً وهي تشعر جيداً بخوف سامح وزينب الملحوظ .
زفر سامح ثم تحدث بهدوء :
– أنا نويت أقابل صقر يا حجّة واتكلم معاه ، بقول ننسى الماضي وكفاية أوي اللي راح من العمر ، مبقاش فيه أد اللي فات فيبقى نصفي النفوس لإن الدنيا متستاهلش .
كان يعتقد أنها ستعترض وتثور ولكنه تفاجأ حين أدمعت عينيها وأردفت مؤيدة :
– كنت هتكلم معاك في الموضوع ده يا سامح ، معاك حق في كل اللي قلته ، الدنيا متستاهلش إن حد يعادي أخوه بسببها ، روح له يا حبيبي واتكلم معاه وافتحوا صفحة جديدة ، أتمنى إن هو كمان يكون ده إحساسه وقلبه يحن لك وميبقاش قاسي زي قلب ناصر .
قالتها متألمة بنبرة يشوبها الحنين برغم الوجع لتزفر مجدداً وتكمل بعيون ملتمعة :
– أنا مش مرتاحة يا سامح ، قلبي واجعني يابني ، حاسة بالذنب من ساعة اللي حصل وانت ومراتك بتحاولوا تتعاملوا معايا عادي بس أنا عارفة إنكوا موجوعين وخايفين على ريما مني ، ريما اللي هي أعز عندي منك ، بنتك دي حتة من روحي واللي حصل مهما قلت فهو غلطتي ومش هسامح نفسي عليها ، بس مش عارفة أعمل إيه ، أنا مبقتش عارفة أحضنها ولا أبص في عينيها وحاسة إنها بدأت تكرهني .
زاد بكائها فأسرع سامح يهدهدها قائلاً بحنو بعدما لاحظ ألمها :
– أنا عارف يامّا ومتأكد إنك بتحبي بنتي وبتخافي عليها أوي وان اللي حصل ده حصل غصب عنك ، متحمليش نفسك الذنب اكتر من كدة هو بس الموضوع مأثر عليا وعلى زينب لإن اللي الضابط قاله عن اللي كان ممكن يحصل مبيروحش من دماغنا ، ومهما شكرت ربنا قليل ، الحمد لله إنه ردهالنا سالمة وعدت على خير .
أومأت تتحشرج وهي تقول متسائلة :
– يعني بنتك مش هتكرهني يا سامح ؟
ابتسم عليها وتحدث بحنو :
– تكرهك إيه بس يا حجّة دي زينب بتسرحها الصبح قالتلها أنا هنزل لتيتا بتسرحني أحلا .
انشرح فؤادها وقالت مؤيدة بعدما أنساها حديث سامح حزنها :
– أيوة أنا بسرحها أحلا من مراتك .
نظر لها يبتسم ويومئ ثم توقف يودعها قائلاً :
– هنزل أنا بقى الورشة ، وإنتِ إبقي رني على نهى وقوللها تكلم صقر وتعرفه إني عايز أقابله .
أومأت له تردف بالقليل من الراحة بعد حديثها معه :
– حاضر يا حبيبي ، هكلمها وأشوف هتقول إيه .
❈-❈-❈
فجراً
وبعد أن ختم قراءة القرآن ، دلف عليها تلك الغرفة حيث كانت تؤدي صلاتها بخشوع ، كانت تكاد تنتهي منها .
وقف ينتظرها إلا أن سلمت وظلت كما هي تستغفر سراً .
خطى باتجاهها حتى وصل إليها ثم جلس أرضاً يجاورها فتعجبت لقد اعتادت أن يجلس على المقعد .
تعمق في عينيها قليلاً ثم انسحب بجسده للأسفل حيث تمدد أرضاً يضع رأسه بين قدميها وجسده ممتداً أمامها لتُصدم من فعلته .
أصبح مثل طفلاً حزيناً لجأ إلى حضن أمه كي تزيح حزنه وتنزع آلامه ، ظلت ثابتة ومصدومة من فعلته حتى قطع الصمت بحديثه قائلاً بنبرة تحمل الآلام والندمٌ الحارق :
– أخرجيني من هذه الظُلمة ،، لتسقط المكابرة ، لم أعد أحتمل ، روحي يمزقها هذا الصوت داخلي ، أنا أسوَد وظالم وقاتل وقاسي ، أنا أناني ، أردتُ أن أسحبكِ معي لعالمي ، أردت أن أدنس بياضكِ وأقتل براءتكِ وأستغل مشاعركِ ، أردت أن أحبكِ بطريقتي ، وخططتُ لذلك ، ولكنني أتألم ، أشعر أن صوت ضميري يكاد يمزق خلايا عقلي ويفجر هذا الأيسر ، ضميري الذي لطالما سحقته وكتمت صوته ، الآن أصبح وحشاً قاسياً ويهاجمني بقوة .
تنفس مطولاً ثم زفر بقوة عله يريح ويخفف من ضيق صدره ثم تابع بنفس النبرة بل أكثر ألماً :
– انتشليني من نفسي ، أنتِ الوحيدة التي تستطيع مساعدتي ، إن كان يهمكِ أمري فافعليها ، سأحاول من أجلكِ فقط ، ساعديني ناردين .
شعرت بسائل دافئ يبلل ثوبها عند رأسه فأدركت أنه يبكي ، ولمَ لا وهي أيضاً تنهمر دموعها ، ولكن دموعها كانت فرحةً بعودته ، كلماته ونبرة صوته ووضعية جلوسه تفطر القلب بل تشطره نصفين ، إنه مذنب يريد التوبة .
كانت سابقاً تظن أنها تستطيع مساعدته ، ظنت أمره هين وأنه مجرد شخصاً تخلى عن الالتزام ، ولكن الآن عليها الاستعانة بأشخاصٍ مختصين ، هي طاقتها وعلمها أضعف من أن تأخذه لطريق الالتزام ، ستساعده وستحاول بكل ما أوتيت من قوة ، لن تتركه حتى ولو كان نهاية هذا الطريق الموت .
لم يكن منها إلا أن تملس على شعره بمنتهى الحنان لتعطيه مفتاح الراحة وتؤكد له أنها لن تتركه دون حديث ليطلق العنان لعينيه بفرز المزيد من دموع الندم ، الآن فقط أصبح في مأمن .
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالى
عائدان بسيارته إلى مدينتهما وخلفهما سيارة حارساه ، شتان بين الذهاب والإياب .
هي تنظر من النافذة بشرود ، الوضع أصبح معقداً ، واللون الوردي نُزع من حياتها ، وكل شيءٍ مهدداً ، ومع ذلك فهي لن تتركه ، سيصلحا سوياً كل شيء ، يكفي أنه يريد ذلك .
أما هو فيقود بصمتٍ تام ، هدوء ملامحه تعكس صراع أفكاره ، هناك بعض الآيات ما زالت عالقة في ذهنه يرددها عقله عليه ، عليه التركيز وحساب كل الخطوات ، عليه أولاً وأخيراً حمايتها ، يعلم أن القادم أصعب وكلما كان طريق العودة آمن كلما زادت التكلفة .
لف عينيه ووجه مثبت ليراها شاردة كحاله ، بكاؤه الأول كان عندها ، حنينه الأول كان لها ، ضعفه الأول كان معها ، نبضة عشقه الأولي كانت من نصيبها ، هي أتت لتصنع معه أموراً لم يجربها قط ، أتت لتصنع منه شخصاً جديداً .
تحدث وأنظاره على الطريق قائلاً بهدوء :
– هل تشعرين بالجوع ؟
انتبهت له لتلف وجهها للأمام وتنظف حلقها قائلة :
– أنا بخير ، دعنا لا نتوقف .
هز رأسه يردف بغموض ومغزى :
– لاا ، دعينا نتوقف عند كل استراحة ، دعينا لا نصل الآن ، فليكن بيننا أطول وقتاً ممكناً قبل العودة ، العودة مزدحمة ومليئة بالعقد التي يتوجب عليّ حلها .
نظرت له بعمق ، لتقول وهي تمد يدها متمسكة بيده تدعمه :
– نحن معاً ، وهذا يكفي .
نظر بصمت وأومأ لتتابع بهدوء وهي تسحب يدها :
– حسناً ، لنأخذ قهوة إذاً .
أومأ لها ليتوقف بعد قليل على جانب الطريق ، يشعر بالقليل من اليأس ، ويهاجمه الذنب لتلك الشحنة التي دلفت البلاد أمس ، لقد تم كل شئٍ بعلمه ، لم يكن باستطاعته إيقافها ، لذا فليجد حلاً ذكياً يخلصه .
ترجل من سيارته ونظر خلفه ليلاحظ عدم وجود سيارة حرسه ، تعجب ولكن ربما بسبب سرعته سبقهم .
خطى داخل محطة الوقود الوحيدة في هذا المكان الصحراوي ليبتاع منها القهوة والأطعمة ، يقف ينتظر إنهاء القهوة ليسمع صرير إطارات سيارة سريعة قادمة من بعيد .
يحتاج فقط إلى لحظات ليربط خيوط سمعه مع عقله مع إحساسه فحتى وإن تاب سيظل صقراً متصيداً ، التفت ينظر بعين الصقر خاصته ليجد نارة تجلس في السيارة لا تعي شيئاً ، وسيارة سوداء تتقدم حتى أوشكت على الاقتراب .
حسناً إنها مستهدفة ، إنها المقصودة ، لقد تخلصوا من سيارة حرسه بعدما علموا مكانه ، هو المخطيء ، هو الذي لم يعاقب الخائن إلى الآن ، هو الذي تركه ليزيد من عقابه ولكن نسى أن ميشيل يريد قتلها ، اهتم وصب كل تركيزه معها ، هو أخطأ والخطأ في قانونه مرفوض ، لذا فهو غاضب بشدة وغضبه هذا لابد أن يسحقهم .
تحرك للخارج بخطوات ثابتة وسريعة ينزع سلاحه من خصره ويشهره تجاه هذا الذي يفتح نافذته السوداء ليستهدفها قائلاً وهو يصوب عليه بتركيز :
– ناردين اخفضي رأسكِ الآااااان .
لم تفهم أو تستوعب ما يحدث إلا بعد سماعها لإطلاق رصاصته التي أصابت هدفها واخترقت رأس هذا القناص في الحال وقبل لحظة من استهدافها.
ثم أسرع يستقل مكان القيادة ليبدأ في الضغط على دواسة البنزين وينطلق بها بأقصى سرعة بينما تلك السيارة التي أطلق على أحدهم بها تتبعه لتنفذ مهمتها التي أتت من أجلها .
كان يقود بيدٍ وباليد الاخرى يحمل سلاحه وكذلك يحمي رأسها المتدلي بجواره حيث انخفظت بعرض المقعد لا تستوعب ما يحدث .
بدأ يرفع سلاحه ليحاول التصويب عليهم وهو يقود في الطريق الصحراوي ، كل ما يخشاه هو خسارتها ولن يسمح بذلك .
صرخ بها قائلاً بأمر :
– خدى هاتفي واطلبي ماركو في الحاااال .
ترتعش ولا تقوى على الحديث ولكن فعلت مثلما قال بيدٍ مرتعشة بعدما أملاها شفرة هاتفه السرية لتضغط بعدها على رقم ماركو الذي أجاب قائلاً بسخرية :
– أخبرني يا رجل ، هل أصلحت علاقتك بزوجتك أم ما زلت لا تستطيع تقبيلها .
ليصرخ صقر بغضب قائلاً :
– سأقتلك أنت وأباك ، قابلني الآن مع رجالي في الطريق الصحراوي ، هناك من يستهدفنا.
أردف ماركو مسرعاً وهو بالفعل يتحرك ويتجه إلى الأسفل حيث سيارته :
– حسناً آتٍ .
السيارة تجاوره تارة ويسبقها تارة ، كان يتحدث ويقود ويصوب سلاحه عليهم ويحمي زوجته المنبطحة ورأسها على ساقه ، استطاع إصابة رجلاً آخر ليصبح رجلان فقط هما من يهاجماه بعد أن كانوا أربعة في تلك السيارة .
ما لبث أن شعر بالقليل من الراحة حتى وجد سيارة أخرى تظهر من طريق فرعي لتجاور شقيقتها وتهاجمه أيضاً .
لعن بغضب يحاول حلها قبل أن يتمكنوا منه إلى أن يلحقه ماركو ، الطريق أمامه خالٍ إلا من شاحنة نقلٍ كبيرةٍ تسبقهم ليسرع هو قيادته حتى لحقها كي يخلف مسارهم ويصبحوا خلفه بدلاً من جواره .
استطاع خلال تلك الثواني أن يخرج سلاحاً آخراً يحتفظ به في طابلون سيارته ويناولها إياه صارخاً بقوة :
– خذي هذا ، صوبيه ناحية الخلف واطلقيه دون توقف .
هزت رأسها تردف بانهيار وخوف ورعشة ودموع من هذا الحدث :
– لا أستطيع ، لن أفلح .
نظر لها نظرة غضب قائلاً بقوة :
– إما تفلحي أو يقتلونا .
تناولته منه بيدٍ مرتعشة لتجد وزنه ثقيلاً على يدها وكاد يسقط ، بدأت تبكي وبدأ هو يلعن ليردف وهو على استعداد للتحرك :
– بادليني القيادة الآن .
أومأت مرات عدة بذهول فالقيادة أهون من لمس السلاح لذا تحركت تلتصق به لتلتقط منه الطارة ثم نزع قدمه لتستبدلها سريعاً بقدمها التي وضعتها على مزود السرعة وانطلقت .
أما هو فحمل السلاحين وأخرج نصفه العلوي من النافذة بعد أن ابتعدت الشاحنة قليلاً ليبدأ في إطلاق الرصاصات من كلا المسدسين في اتجاههم ليصيب معظمهم في مقتل خصوصاً السائقان حتى يشتت انتباه البقية فيتسنى له قتلهم ومع ذلك لم تصبه طلقة واحدة فهم مأمورون بعدم مسه هو ، فقط قتلها هي .
كانت تقود كأنها داخل إحدى أفلام الحركة والأكشن التى تعرض وتراها على قناة MBC action .
لا تصدق أنها تقود سيارة ويلاحقها سيارتان معبئتان برجال مسلحين يحاولون قتلهما هي وزوجها رجل العصابات .
لتنفجر ضاحكة بطريقة هستيرية تثبت عدم استيعابها أو تقبلها للأمر ، إن لم تضحك بتلك القوة ستنهار وهذا ليس وقت الانهيار ، لتظل تضحك ببكاء وتقود بسرعة عالية .
أما هو فأخيراً زفر بارتياح بعد قتل آخر فرداً منهم ، لتغير إحدى السيارتين مسارها وسط الرمال بعد أن مات من بها والأخرى تتوقف مكانها بعد موت راكبيها أيضاً .
عاد لمكانه يزفر مطولاً ثم طالعها متعجباً ، كانت تقود بتمايل وانحناء كأنها في إحدى ألعاب المحاكاة وليست في سيارة حقيقية ، تضحك بقوة ثم تلتفت له وتعود للأمام وتقود ضاحكة .
أدرك حالتها الانهيارية وحزن لمَ آلت إليه الأمور ثم تحدث بهدوء :
– حسناً ناردين انتهى الأمر ، إهدأي نحن في آمان الآن .
لتعاود النظر له ثم للسلاحين في يديه ثم التفتت تنظر للخلف لتجد الطريق خالِ ، كانت حركتها يملؤها التوتر والصدمة حتى استوعبت حديثه ، لتبطئ سرعتها وتتوقف على جانب الطريق ويداها قابضتان على طارة القيادة بقوة .
نظرت للأمام لثوانٍ ثم التفتت له ليدرك تشتتها ، ترك الأسلحة وتحرك باتجاهها حيث ألقت بجسدها داخل جسده لتتحول ضحكاتها إلى بكاء ، بكاء قوياً حاداً أحرقه وجعله يلعن كل من تسبب فيه حتى لو كان هو .
كانت تبكي على ما مر بها ، كانت طوال تلك الفترة تدعي أنها صامدة وقوية ولكن أتى ذلك الحدث ليهدم حصون قوتها المزعومة ، لتعلن عن قهرها وخوفها ، هي لا تتمنى سوى الهدوء والسلام ، وهذا ليس بالكثير ، هي تحبه حقاً ولكن لم تتخيل أبداً أن يصل بها المطاف إلى هنا معه .
كان يحتويها بحنو ويهدهدها كطفلة أبيها المدللة ، أردف بغضب وتوعد لحزنها قائلاً :
– اهدأي جميلتي ، فكل من أبكاكِ معاقب ، وأنا أولهم .
ظلت كما هي لوقتٍ غير معلوم حتى هدأت ثم أخرجت رأسها من صدره تحاول تجفيف دموعها لتردف دون النظر إليه :
– أريد النوم الآن .
أومأ لها ثم وصل ماركو إليه بسيارته ومعه رجلان .
توقف أمامه وترجل متجهاً إليهما يردف بثباث :
_كنت أعلم أنك ستقضي عليهم ولست بحاجتي ، كل ما تريده هو إهدار صحتي .
التفت ينظر له بغضب ثم ترجل من السيارة والتفت يساعدها لتنزل ، سحبها معه إلى سيارة ماركو بعدما أصيبت سيارته بخدوشٍ وكسر في الزجاج الخلفي والجانبي .
فتح الباب الخلفي للسيارة وأدخلها قائلاً بثبات :
– هيا استريحي ، سأعود إليكِ في الحال .
تمددت على الفور لتنام منكمشة على نفسها بينما هو أغلق الباب عليها وعاد إلى ماركو الذي يقف يتابع ، يمسكه من تلابيبه قائلاً بغضب وهو يهزه بعنف :
– كيف علموا مكاننا ، أولم أضع لهاتفك برنامج حماية يستحيل اختراقه ، أم أنك الغيت تفعيله ؟
ادعى التفكير قليلاً ليفرغ فاهه قائلاً ببرود :
– أووو ، يبدو أنني نسيت دفع الإشتراك الخاص به ، لقد انشغلت مع تلك المحجبة ، لا تضخم الأمر يا رجل لقد قتلتهم دون خدشاً واحداً بك ،، لمَ أنت حاد هكذا ، هذا جيداً لترى زوجتك نبذة عن حياتنا .
نعم هو اعتاد على تولي صقر حماية نفسه دون مساعدة أحد ، دوماً كان مستهدف من رجال المافيا المنافسين ولكنه كان يقف لهم بالمرصاد بمفرده ولكن الآن الأمر يتعلق بها ، بحياتها ، بحمايتها ، لذلك تحدث بغضب وعنف :
– ميشيل يتلاعب بك مجدداً ، اخترق هاتفك أو جعل أحدهم قريب منك يخترقه ، ومؤكد أنه ليونيل ، وهذا بسبب غباءك .
احتدت ملامح ماركو الذي كان كلوح ثلجٍ منذ قليل ليقول بحدة :
– لستُ غبياً ، الغبي هو من ترك عقاب الخائن ليقضي وقتاً ممتعاً مع زوجته .
اشتعل صقر وثار بركان غضبه ليكور قبضته ويلكم ماركو في وجههُ بقوة مسبباً ترنحه ونزيف في أنفه ليقرر ماركو رد الضربة له ولكن استطاع صقر الإفلات منها ليغضب ماركو قائلاً بتهكم :
– حتى بعدما خرجت من مطاردة شاقة تستطيع التغلب علي؟ ، هل أنت رجلاً فولاذياً أم ماذا ؟ .
تجاهله ونظر لرجلاه اللذان يتابعان ما يحدث بصمت ليقول بنبرة آمرة :
– خذا تلك السيارة وأصلحاها .
قالها وهو يشير على سيارته ثم نظر لماركو ليتابع بنفس النبرة :
– وأنت تعال معي لتقود .
تحرك يستقل الجهة الأمامية من السيارة وتحرك ماركو خلف تارة القيادة بينما تنام نارة في الخلف أو تهرب بالنوم .
التفت يطالعها بصمت ثم عاد ينظر للأمام وماركو يقود عائداً بهما إلى المنزل .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
توقفت سيارة ماركو أمام باب الڤيلا الداخلي التابعة لصقر .
ترجل يتجه للباب الخلفي ليفيقها بهدوء قائلاً :
– ناردين ، هيا استيقظي .
استيقظت تنظر حولها لتجد نفسها في منزلها ، ترجلت وهو ساعدها في ذلك ، تحركا للداخل ووقف ماركو ينظر له ينتظر أن يحدثه ولكن طال انتظاره بل وتعجب عندما دلف صقر وأغلق الباب في وجههُ .
ليقف يتلفت حوله خشيةً من رؤية أحدهم له في تلك الحالة المخجلة .
استقل سيارته يغادر الڤيلا الخاصة بصقر ويتجه لڤيلته .
❈-❈-❈
في غرفة صقر وبعد عدة دقائق
خرجت نارة من حمامها ترتدي منامة قصيرة وتجفف خصلاتها بملامح باهتة حزينة ، دلف صقر غرفته بعدما كان يتحدث مع أحدهم في الخارج .
نظر لها وتنفس براحة ، عادت له ومعه بعد أن علمت كل شيء ، لم يعد شيئاً مخبأ ، هي الآن معه بإرادتها ، إذاً هي حقاً تحبه .
تقدم منها فنتبهت له ثم توقف أمامها ينزع منها المنشفة التي تجفف بها شعرها قائلاً وهو يحرر خصلاتها من بعضهم بتأمل :
– اتركيهم هكذا ، في كل الحالات أنتِ رائعة .
كانت في حالة لا تسمح لها بالتجاوب معه ، ما زالت في صدمتها ، في عدم استيعابها ، لتردف بخمول وهدوء غير معتاد :
– أريد النوم صقر .
تحدث بحب وعينه تجول على ملامحها :
– ولكنكِ كنتِ نائمة طوال طريقنا جميلتي ، دعينا نطلب طعاماً شهياً ثم أطعمكِ من حبي قليلاً ، فأنا مشتااااق .
حقاً ليست في حالة جيدة ، لن تعطيه الآن أي تجاوب ، هي فقط تريد لعقلها أن يهدأ وينعم بالسكينة فهو إلى الآن يصارع ما حدث .
رفعت نظرها تطالعه قائلة بملامح متعبة :
– أعطني متسعاً من الوقت كي اتخطى ما حدث صقر ، يبدو أن طاقتي قد نفذت ، حقاً أنا لستُ بحالة جيدة ، ما حدث معنا منذ قليل إلى الآن لا أتقبله ، لذا فضلاً أعطني فرصة لأتخطى كل تلك التراكمات .
رفع كفيه يحتضن وجنتيها ويملس عليهما بإبهاميه بحب لتسقط عينيه على شفتيها الوردية ، اشتعل لهيب العشق في عينيه وانحنى يطبع قبلة على شفتيها ، اشتاق لمشاعرهما سوياً ، هو حقاً يريدها ويريد تجربة جديدة معها بعد أن زالت الأقنعة ، يقدر ما مرت به أو ربما يحاول تقديره ولكن شخصاً مثله يصعب عليه فهم ما تمر به مهما حاول .
وها هو لم تكن في نيته قبلة مطولة ولكن تناسى ما نواه ليتعمق فيها وينسحر بمذاقها ، راودتها المشاعر معه ولكن حقاً لا طاقة لديها وشعر هو بذلك لذا ابتعد يزفر بقوة ، يحاول التحلي بالتفهم والهدوء برغم الصعوبة في ذلك ، أومأ يتحدث بملامح مقتضبة :
– حسناً ، كما تشائين .
التفت على الفور يتجه إلى الحمام وتركها تتحرك نحو الفراش وتتمدد عليه لتنام متكورة وتغلق عينيها ولكن عقلها يعمل ، يبدو أنها زُوّدت بالطاقة كي تحاول إقناعه بالتوبة وما إن اقتنع عادت لتعيش صدمتها في ما وصلت إليه .
خرج بعد دقائق ، لم يتأخر في الداخل حيث خشى هروبها ،، خشى فقدانها مجدداً ، ما زال يعاني من عدم الثقة ، لذا خرج مسرعاً وعندما رآها متمددة على الفراش زفر بارتياح ثم اتجه يجاورها ويتمدد خلفها .
شعرت به فظلت ثابتة تدعي النوم ولكنه كان يعلم جيداً أنها لم تنم بعد .
احتضنها يأسرها بذراعيه وساقيه ويستنشق بأنفه خصلاتها ليردف بحب :
زفرت مطولاً ، وجدت نفسها تلتف إليه لتقابله بعينيها الرماديتين ، تنظر له لثوانٍ ووجههما متقاربان جداً لدرجة أن أنفاسهما اتحدت ، لتقول له بحب وثقة :
– أنت لا تأسرني صقر ،، أنا معك بإرادتي ، لو كنتُ أريد الرحيل لفعلتها ، حتى ولو كان رحيلي هو العيش معك دون حياة ، ولكن أنا اخترت البقاء وإعطائك فرصة ، اخترت أن أحبك ، وأعلم أنك تستحق ذلك ، وأكدتَ لي هذا باعترافك أمس ، أنت من الآن وصاعدا ستصلح ما أفسدته صقر ، ستنهي تلك الأعمال وستبتعد عن هؤلاء وستعود لفطرتك السليمة ، ستعالج ندوبك وسنعيش سوياً مع أطفالنا القادمين في سلام .
وهذا ما سيفعله ، ربما هي تظن الأمر هين وهو يعلم جيداً أنه انتحاري ولكن سيحاول ، سيجد طريقة للخلاص ، عليه أن يخطط لذلك بكل حذر ، ليبدأ في اتخاذ خطواته من الآن .
التقط كفها يقبله ويتنهد ثم أومأ يردف :
– حسناً ، سأفعل ذلك
ابتسمت له ثم اغمضت عينيها بارتياح لتنام هذه المرة ، غفت بعدما وثقت به مجدداً ، غفت وتركته يتأملها ويفكر ، حان الوقت لمقابلة ميشيل والتحدث إليه ، حان الوقت لاتخاذ أصعب قرار في حياته .

google-playkhamsatmostaqltradent