Ads by Google X

رواية جحر الشيطان الفصل الثامن و العشرون 28 - بقلم ندي ممدوح

الصفحة الرئيسية

  رواية حجر الشيطان كاملة بقلم ندي ممدوح عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية جحر الشيطان الفصل الثامن و العشرون 28

 مقيدةً الذراعين وراء ظهرها، مكبلة الساقين، معصومت العينين، ملتصقت الفم، هكذا كان حال أروى ما أن فاقت من غشيتها، تزوم برهبة ملئت كل كيانها، آكلها الندم على عدم سماعها تحذير حمزة، أوقعت نفسها في مأذق ربما لن تحور منه، ليتهم فقط ينزعوا عصبة عينيها لترى أين هي!

الظلام يُغلف عينيها المغلقتين مما جعل الخوف يكتنفها كليًا.

والجزعُ يستبدُ بفؤادها بل ويظلل روحها الهائجة.

همهمت بكاءها كلُ ما يصدر عنها.

الغرفة المُلقاة بها كانت تحوى فراش يشبة فرائش المستشفيات، وثمة أدوات طبية على إحدى المناضدد بجانبه.

لكن لا يوجد أحد، دقائق، ثوانٍ وتناهى لها صوت خشفة أحد يدنو، فسكن جسدها مرهفة السمع بترقب حذر.

في أعلى تلك الغرفة، تفاجئ حمزة بمدير المحل يوصد الباب ويتبسم في وجهه بسمةً غامضة وهو يقترب في تلكؤ مبهم، فتصلب جسد حمزة متحفزًا، وقلبه يثور جنونه على أروى التي لا يدري عنها شيء، وفي سبيل أنقاذها يفتديها بروحه أن تطلب الأمر، لا يهم نفسه ولا ما يصبه الأهم أن تخرج هي من ذاكَ المكانِ سالمةٍ، وضع المدير كفه على منكبه، وردد بنبرة جزلة :

_ أنا أنهارده هعرفك على حاجات تبع الشغل ومتأكد أنك هتوافق تبقى معانا، هخليك من انهارده عايش ولا الملك بس لو نفذت كل حاجة نطلبها وتكون أيدنا اليمين.

زوى حمزة حاجبيه رافعًا إحدهما بريب، وغمغم في تهكم بيَّن:

_ وإيه بقا إللي هيخليني ولا الملك أكيد حاجة مش قانونية، ولا أنا غلطان يا باشا؟!

نفى المدير برأسه، وقال غامزًا له :

_ لا طبعًا، مش غلطان، تعال ورايا!

قاده إلى البروفا وضغط على زر قريبٌ منه فـ أنفتحت الأرضية فتحة يمكن لجسد المرء أن يُدخل منها وتدلى سلم فجأة، عندئذٍ ألتفت المدير برأسه إليه وقال بصوتٍ أجش محذرًا :

_ جهز نفسك إللي هتشوفه تحت هيبهرك، بس أعرف أن إللي بيدخل تحت من غير ما يكون تبعنا وحافظ سرنا، نقتله.

قال آخر عبارته وهو يؤشر بإبهامه على عنقه بمعنى الذبح، فما كان من حمزة إلا أن تبسم ساخرًا وهو يؤمأ برأسه، ويمنى نفسه برؤية أروى، وخطى خلف المدير متسلقًا السلم نزولًا، و وقف يفحص الغرفة بعينين حادتين متربصتين كالصقر، أشار له المدير أن يتبعه ولحق به بصمت فوقفا على أعتاب غرفة، ما بداخلها جعل حمزة يشهق بأرتياع فلح في إخفاءه سريعًا، وجز على أسنانه غضبًا، فقد كان مجموعةً من الشباب يدسون أكياسٌ من المخدرات بطريقة مبهرة داخل الملابس، أبهرت حمزة رغمًا عنه ولم يستطع إلا الأعجاب بطريقتهم لتهريب المخدرات التي لا تخطر على بال.

تحرك المدير وسط الشباب الذين يعملون بجهد عظيم، ولم يلتفت أحد لهما كأنما لا يروهم، وقال بتكبر واضح في نبرته :

_ هنا زي ما أنت شايف بنورد المخدرات في الملابس للي عاوز.

ورفع سبابته مسترسلًا :

_ مخدراتنا مفيش زيها دي بتتزرع بطريقة تخلي كل إللي يدوقها مرة يطلب ألف مرة، وإللي ياخد من عندنا ميشوفش غيرنا.

ثُم وقف قبالته متابعًا :

_انهارده في صفقة مع شركة عالمية بس من بلاد بره، متستغربش كدا إحنا مخدراتنا بتروح كل البلاد بدون استثناء وبتطلب بالإسم.

شد حمزة من عنقة ناظرًا بتمعن إلى عينيه، وقال :

_ محدش أبدًا قدر يوقعنا ولا هيحصل، أنت عارف إحنا بنعمل إيه في الظابط إللي يلف ورانا؟

قرب فمه من أذنه هامسًا :

_ بندفنه حي في المقابر!

قهقه عاليًا وهو يبتعد عنه موليًا إياه ظهره، وقال فاتحًا ذراعيه على وسعهما:

_ متتفجأش المعلم بتاعنا دا جبار قدر يعمل الأمبراطورية دي بنفسه دا حتى الشرطة بتعمل له ألف حساب.

أستدار لحمزة باسم الثغر وضم كتفه خابطًا عليه وسحبه خارج المكان وهو يستطرد :

_دلوقتي بقا هوريك الجانب التاني من اعمالنا وإللي ميتوقعوش بشر، المحل إللي فوق ده ما هو إلا واجهة بس لينا إحنا بنخطف البنات إللي يتكون لوحدها من غير حد معاها بيكون سهل تختفي ومحدش يتوقع إنها اختطفت هنا، لكن مش بنقدر لو حد معاها.

عارف بنعمل فيهم إيه؟!

سئل وهو يقف، ويقف حمزة بدوره منصتًا لكل حرف باهتمام شديد، عاد المدير يضحك بنشوت ظفر مغمغمًا :

_ بناخد أعضاءهم كل حاجة ممكن تتوقعها، عينين، قلب، كلى، كبد كل حاجة ممكن تفيدنا ونرمي بقيها أو بالأحرى بندفنهم هنا تحت الأرض.

عاد يسير وحمزة يسير بجواره مشتعلًا غضبًا، وبينما يدخلان إحدى الغُرف، اتسعت عينين حمزة حتى كادا يخرجان من محجريهما وهو يشاهد أروى نائمة فوق فراش طبي، وطبيبًا يرتدي قفازات في يديه متهيئٍ لما هو مقبل على فعله وإلى جانبه ممرضة أنتهت توًا من تخديرها، خفق قلبه النابض بارتياع وندّ عنه نداء خافت بإسمها، وقبل أن يبدر عنه إي بادره، وجد فوهة سلاح تلتصق بجبينه وصوت المدير يغمغم بانتصار :

_ مش عيب يا سيادة المقدم تيجي تشرفنا وتشتغل معانا؟

طب مش تقول عشان نوجب! بس متقلقش إحنا هنعمل أحلى واجب ومراتك الحلوة هنخليك تشوفها وهي بتموت قدامك وبناخد اعضاءها وحدة وحدة، اتمنى يكون قلبك جامد.

وعاد يقهقه غافلًا عن حمزة الذي استغل الموقف وفي لمح البصر كان يقفز مطوحًا السلاح من يده بعيدًا بركلة من قدمه، بينما ساقه الأخرى تدفع يد الطبيب الذي كاد يعري زوجته، ويمناه كانت تصفع الممرضة التي لم تستعب لأي مما حدث سوى بصفعة قوية سقطت على أثرها لترتطم رأسها بحافة المنضدة وتسقط فاقدة الوعي، لم أحد يدرك ما حدث فقد غاص حمزة بقبضة في معدة المدير وهو يكيل له بيسراه عدت لكمات مهشمًا أنفه ودفعه بقسوة ثُم انهال على الطبيب المتأوهً ضربًا، لم يكد يلتفت إلى أروى وإذ بهجوم عاتي يقبل نحوه من الشباب فقفز قفزة بارعة ممسكًا بالسلاح موجهًا فوهته على المدير وهو يقول :

_ خطوة كمان ورأسه الحلوة دي هتتفجر.

توقف الجميع في مكانهم مزهولين مما جرى، بينما أشار لهم حمزة بأن يستديروا فـ أطاعوا صاغرين وجعلهم يسيرون حتى دخلوا إلى الحجرة التي كانوا يعملون بها وأوصد الباب من الخارج وهو يهتف :

_خليكم جوة يا شباب شوية مش عاوز معافرة ولا وجع دماغ.

ركض إلى حيثُ أروى وأخذ يحاول على أيقاظها فلم يفلح فما كان منه إلا أن حملها بين ذراعيه بهلع وخوف وسار بحثًا عن مكان للخروج لكنه لم يجد مخرج إذ كان المكان يشبه المتاهة، والظلم يعم على جم الآرجاء، فتنهد بعجز وتفكير، جلس حين لم يعرف ما عليه فعله والخوف على أروى جعل تفكيره ينزوي، فتركها ونهض يبحث عن مياه إلى أن وجد وعاد إليها ومال فوقها ينثر على وجهها بعضًا منها فإذا بها تتململ متفاجئة أنها ما زالت على قيد الحياة، تتنفس، فبكت ملقية نفسها في حضن حمزة معقودة اللسان، ولم يتوان هو في ضمها وهو يهدأها فما يدري الرائي هل يهدأها حقًا أم يهدأ قلبه الذي كاد يقف من شدة خوفه عليها؟

صوت صقفة تناهت لهما أبعدتهما، فـ ألتفت حمزة ليجد شاب طويل القامة لم يراه قبلًا مرتديًا جلباب صعيدي فأحس بحدسه إنه ربما وراء كل ذلك، تشبثت أروى بذراعه وهما ينتصبان واقفان واختبئت وراءه، فدنا الشاب الذي كان يلتهمهما بنظراته الحادة، وقال بصوتٌ قوي :

_ تعرف إن إللي عندينا ويدور ورآنا كيفك گِده بنعمل فيه إيه؟

افتر ثغره عن بسمة شرسة، مسترسلًا:

_بنعدمُه العافية ونرميه في التُرب وهو حي فلو مماتش من الخوف والوحشة، بيموت من الجوع والعطش مع إني أشك إنه يفضل عايش.چوه المجبرة (المقبرة) لِربع ساعة من الأساس.

حك ذقنه وهو يمعن حمزة الناظر إليه باستهتار، وتابع:

_لكنك عچبتني يا حضرة الظابِط فِكرة زينه، زينه جوي إنك تيجي لحدنا برجليك وتضرب حد من رجالتي، لاه وكمان خطتك كانت هتنجح لو الراجل محذرناش منك وجال لنا.

_ راجل مين إللي قال لكم.

تسائل حمزة بشكه الذي كان يمور في صدره منذ مجيئ أروى إلى المحل وها هو يؤكد ظنه أن ثمة من لا يريد للمهمة ان تنجح.

فقال الرجل ببساطة يُحدس عليها :

_ راجل جريبك (قريبك) يا حضرة الظابِط.

إلتف بغتة رجال حوله واحاطوا بهما إحاطة السوار بالمعصم، فضم أروى بذراعه وعقله جامدًا عن التفكير سوا بخروجها هي سالمة من هذا المكان.

ثُم وسع له رجاله ليعبر ودار حولهما وهو يقول بشراهة :

_أنت دلوج مستحيل تخرج من أهنا إلا جثة، حتى لو قتلت كل الرجاله دي الخروج مستحيل ببساطة لأنك متعرفش مكان الخروج، اهنه متاهة محدش غيري يعرف يخرج منيها، وأنا لو مسمحتش ليك تخرج مش هتخرج.

وفجأة سحب أروى بعنف موجهًا نصلٍ حاد على عنقها مما سمر حمزة مكانه، وقبل أن ينبس صاح الشاب الصعيدي وهو يجذب أروى التي تحاول التنصل منه بعيدًا :

_ علموه الأدب يا شباب.

فرد حمزة عليه متهكمًا :

_الأدب ده تتعلموا أنت يا بغل.

كان قد أختفى بـ أروى، وهجم شاب على حمزة بلكمة تلقاها في ساعده الأيسر وعاجله بلكمة هشمت فكه في ذات اللحظة كانت قدمه تركل الرجل من خلفه ثُم رفع إحدهما بذراعيه وألقاه على الباقين وأسرع ليلحق بـ اروى التي كانت تصدد لكمة قوية بوجه الشاب الصعيدي وركبتها تغوص في معدته ليتأوه بصوت مكتم، لم يعلم حمزة مكانها لكن فجأة ظهر أمامه رجل بسلاح مشهرًا نحوه وطلقة نارية تفادها بإن قفز بجسده على الجانب الآخر، وقبل أن تُطلق رصاصة أخرى قفز رافعًا السلاح للأعلى لتنطلق الرصاصة مستقرة في السقف، واستشعر الشاب بأن زلزل قد زلزله حين توالت لكمات حمزة على وجهه ومعدته ودفعه بعيدًا، بحث بعينه عن مخرج إلى أن وجد مدير المحل المترنح أمامه يقول بثبات :

_ أي حركة منك وهتلاقي مراتك في عداد كان، اسمع كلامي عشان متخسرهاش.

اضطر حمزة صاغرًا من أجل نجات أروى على الاستسلام قسرًا، فقاده المدير إلى إحدى الحجرات فبادر حمزة قائلًا بمراوغه :

_ هعمل كل حاجة تقولوا عليها بس مراتي ممتأذيش!

فـ اومأ المدير، وقال قبل أن يغلق الباب :

_ حلو أوي، وليك وعدي محدش هيلمسها.

جلس حمزة واضعًا رأسه بين كفيه، مفكرًا في حل للخروج دون خسارة.

لم يدم طويلًا وإذ بذو الجلباب يدلف في هدوء، فرفع حمزة بصره نحوه وضحك ساخرًا وهو يرَ وجهه المكدوم، وتمتم متهكمًا :

_ مراتي هي اللي علمت عليك كدا، صح؟ والله عيبه في حقك تعلم عليك ست بس مش أي ست دي بنت الشرقاوي.

تحسس الشاب إسماعيل مكان لكمة أروى، وقال :

_لولا إني ما بمدش يدي على حرمة كنت دفنتها في مكانها.

فنهض حمزة واقفًا امامه وقال وهو ينظر في عينيه مباشرةً:

_ كنت عملتها عشان كنت دفنتك أنت وعيلتك وسلالتك كلها.

مرت لحظة صمت قبل أن يقول إسماعيل متفرسًا في وجه حمزة :

_ إنت إكده بتثبتلنا إنك بتحبها جوي، وتعمل عشانها أي شيء!

وده حلو لصالحنا، ولا اي يا باشا؟

بغطرسة أستدار حمزة بهدوء جالسًا على المقعد الوحيد في الحجرة، و وضع قدم فوق الأخرى، وتحل بالبرود وهو يقول في سخرية :

_ كنت مفكرك زكي بس طلعت غبي جدًا يا .... يا إسماعيل.

_واه وعارف إسمي كُمان؟

_ أومال دا أنت مطلوب بالإسم في المخابرات!

كان كاذبٌ فهو ما جاء إلا ليعلم من يدير هذا الوكر الوَعر، ليعلم ذاك الداهية الذي يُهرِب المخدرات بطريقةٍ مُبهرةً.

دار إسماعيل حوله ورداء الصمت ملقيًا عليهما، حتى شقه إسماعيل بقوله الخبيث :

_ آنّي المطلوب؟ متأكد أنت؟ ويا ترى هتساعدنا كيف؟

ثم وقف وراءه مباشرةً ومال على أذنه هامسًا :

_ أياك تفكر إنك تقدر تخدعنا تاني يا سيادة المجدم، دا أنا جبت كل كبيرة وصغيرة تخصك، وعارف ومتأكد إنك مستحيل تخون بلدك، مستحيل صُح بس معاي آني هخليك تنطق غصب عنك وهطلع منك كل معلومة زي الشعرة من العجينة.

أخرج خفيةً نصلٌ حاد وكاد يغرسه في بطن حمزة ، لكن حمزة ما فعله يثير الدهشة فهو في ذات اللحظة وقبل أن ينغرس النصل في المنطلق نحوه كان يقبض على كف إسماعيل ملتفًا إليه ولكمة لكمة هشمت أسنانه وسالت الدم من فمه، أعقبها بلكمة أخرى في معدته ليميل إسماعيل صارخًا بألم وسدد لكمة إلى حمزة تفاداها بكل براعة وهو ينحني بجذعة ملتفًا خلف إسماعيل وركله بقوة في ظهره ليسقط على وجهه، في ذلك الحين فُتح الباب و دخل رجال إسماعيل وكاد حمزة يشب عراقًا معهم لولا هتاف مدير المحل الذي سمره :

_ متنساش مراتك يا حضرة المقدم إحنا رجاله متهمناش حاجة وأنت عارف.

استسلم حمزة لينهالوا عليه ضربًا طوعًا ثُم قيدوه بعد إن فقد الوعي من شدة ما تلقى.


☘️ اللهم اغفر ليّ خطيئتي يوم الدين ☘️


ليلة عصيبة مرت كلُ منهم في حجرة منفردة، لم تراه ولم يراها، ولا يدرِ أحد ما حدث للثاني، لم يدخل لها أحد مذ ضربة ذاك الرجل الصعيدي، الجو كان هادئًا نوعًا ما، خالي من البشر؛ هكذا حسبت.

عينيها لم تكتحلان بنوم رغم النعاس الذي استبد بها، فكانت تغفى لدقائق وتنهض مفزوعة تجول بعينيها في المكان بهلع.

لم تعلم في أي وقت هيَ، صباحٌ أم مساء؟

لكن فجأة سمعت شيءٌ يُفتح وجسد فتاة يهوى من السقف فنهضت صارخة بفزع وهي تتراجع لآخر الغرفة شاخصة العينين، هدأت أنفاسها رويدًا رويدًا حين رأت الفتاة تعتدل ممسكة برأسها في ألم وقد نزف جبينها أثر الأرتطام، فـ أندفعت تعاونها على الجلوس، فنظرت لها الفتاة بتوهان وهيَ تهمس بوهن :

_ إيه اللي حصل؟ أنا فين؟ أنتِ مين؟

همت أروى أن تهدأ من روعها، لولا الباب الذي فُتح ودخل منه طبيب يرتدي البلطو الطبي ومن وراءه ممرضة، فوقفتا مرتجفتين والخوف طل من شرفة عينيهما، ودوى صوت المدير وهو يدخل :

_إيه رأيك يا زوجة المقدم إننا نوريكِ فيلم إجرامي بحت، أنتِ ضفتنا برضوا ولازم نقدملك كرم الضيافة.

اتسعت عينين أروى بجزع، بينما تشبثت فيها الفتاة التي تقدم منها رجلين جذابها بعنف رغم تشبثها بـ أروى التي لم تستطع الدفاع عنها وبينما هم يمسكانها إذ حقنتها الممرضة بحقنة مخدر جعلت الرؤية تتشوش أمامها وسرعان ما أستسلمت للظلام ليلتقفها، حملها أحد الرجال واضعًا إياها فوق الفراش الذي دنا منه الطبيب وشرع يعري بطنها فصرخت أروى بأنهيار، ممزوج بالضعف والعجز، صرخة رُجت المكان رجًا فضحك المدير بـ أنطلاق وهو يغمغم :

_ صرخي، صرخي الصراخ مفيد في التهوين عن النفس.

قبل أنّ يشق الطبيب بطن الفتاة، وقبل أن تصل يده كانت قبضة أروى تمسك به في ذات اللحظة التي كان حمزة يدفع الباب أثر صرختها ويفك قيده ببراعة وينطلق متتبعًا صدى صوتها، فوقعت عيناه على ما يجري وقبل أن يندفع لأنقاذ أروى التي شل حركتها إحدى الرجال إذ مسكه الآخر، فتردد الطبيب في المبادرة في عمليته، وراح ينقل بصره بين حمزة وأروى الهائجة التي نجحت في أصابته بالمشرط في ذراعه، فلح حمزة في الأفلات من الشاب ليوجه له لكمة في معدته، أتبعها بأخرى في فكه ورفع جسده مستديرًا به في طرفة عين وألقاه فوق المدير الذي تكوم على الأرض من الثُقل الذي تلقاه بغتة.

واندفع سيلٌ من الشباب على الضجة اشتبك معهم حمزة الذي صاح في أروى مشجعًا وهو غارقٌ في الدفاع عن نفسه:

_ تقدري يا أروى أنتِ مش ضعيفة، هتقدري دافعي عنها وعن نفسك.

كانت تقف ببدن مرتجف وبكاء حار وكلمات حمزة تنبه ذكريات تدريبها عن الدفاع أن تثور، كانت تظن نفسها ضعيفة لن تستطع فعل شيء، لكن ما بدر منها كان مزهلًا فقد قفزت مجتازة الفراش وقدمها تضرب صدر الطبيب الذي تهاوى للخلف متفاجئًا، فما أن استقرت قدميها على الأرض إذ مالت فوقه تسحبه من ياقة ملابسه وقبل أن يضربها لوت ذراعه حتى صدر صوت تكسيرها، فـ أخذت تكيل له اللكمات وهي تسبه.

صوت صفقات أوقف المعركة ما كانت إلا من إسماعيل الذي كان يشاهد باستمتاع، وتقدم نحو أروى وهو يستل سلاحه ساحبًا الزناد غامسًا فوهته في جبهتها، وجأر بقسوة :

_ لا عاش ولا كان اللي يوجف عملي جبل نهايته، وأنتِ يا حلوة تحدتيني.

ثُم دفع رأسها بفوهة السلاح، قائلًا بغلظة :

_ بس لاه مهجتلكش إيه جولك اقتل الحلوة دي؟

تساءل مصوبًا السلاح على رأس الفتاة الراقدة فوق الفراش، فهزت أروى رأسها بعنف، وصدح صوت حمزة الذين يكتفوه الشباب محيطون به، قائلًا :

_ الشرطة محاصرة المكان برا واظن إن انهارده لازم الصفقة بتاعتك تتسلم، هساعدك في ده بس اروى والبنت يخرجوا من هنا بخير.

_ لا يا حمزة مش مهم اموت بس متعملش كدا.

لم يبال حمزة بها وتابع وهو ينظر مباشرةً في عينين إسماعيل الذي كان يقلب الأمر في ذهنه:

_ ها قولت إيه هما يخرجوا بخير وأنا عليا أسلملك الشحنة.

تبسم إسماعيل بظفر وقال وهو يقبل نحوه :

_ فكرة زينه إحنا نجدر نطلع الشحنة بمعرفتنا بس المرة دي أنت اللي هتخرج بيها وتسلمها ولوحدك لو اتمسكت ملناش يد عاد، متمسكتش فـ أنت هتبجى معانا هنا وهتنجل لينا كل أسرار المخابرات، وبكدا نجدر نعرف إذ الشرطة مراقبنا ولا لأ وإذ وصلت لها معلومات عنينا ولا لاه، جولت إيه؟ ولا أموت الحلوة مراتك؟!.

_ موافق.

نفت أروى برأسها، وقالت باستنكار :

_ مستحيل يا حمزة، أنا مش هطلع من هنا.

ألقى حمزة نظرة تجاهها وتمتم لـ إسماعيل :

_ سبني معاها شوية.

_وماله.

قال إسماعيل وهو يشير إلى رجاله بالخروج، فحملوا المصابين معهم وامتثلوا لأمره، فما إن أغلق الباب رنا المدير من إسماعيل وقال :

_ أنا خايف الموضوع يوصل لأبوك في البلد ويعرف بالبنات اللي بنخطفها!

أرتجف جسد إسماعيل تلقائيًا على ذكر والده، ولم يستطع كبح تلعثم فمه وهو يرد عليه :

_ لاه لاه مهسمحش ليه إنه يعرف بالأساس.

فوضع المدير يده على منكبه، وقال :

_أنت فعلاً هتثق في المقدم حمزة؟ وهتطلع مراته والبت؟

أومأ إسماعيل وقال في شرود :

_ حمزة ما دامه أهنا البت مش هتنطق بحرف خوفًا عليه وإحنا هنهدد الاتنين، متجلجش أنا عارف أنا بعمل إيه.

في داخل الغرفة اقترب حمزة من أروى لكنها تقهقرت عنه في ازدراء وقالت بكره :

_ أنت فعلاً هتساعدهم؟

_لا يا أروى، أنت المهم تطلعي من هنا وأنا هتصرف اول ما توصلي اللبيت عرفي ياسين أن في نفق بدايتة من ...... إلى........ هتخرج الشحنة خلاله، لو خرجت يبقى أنا فشلت وموت وهو يتصرف.

_ حمزة.

رددت اسمه فضمها لفترة دون كلام، وابتعد عنها ضاممًا وجهها بين كفيه وقال :

_ أنتِ قوية ولازم تطلعي من هنا، عشاني وعشان بلدك.

قبل جبهتها في وداع وهو يقص عليها عدت أشياء.

ثُم أنهى قوله بضحكة خفيفة، قائلًا :

_ احنا لو خرجنا كويسين من هنا اول حاجة نعملها نتجوز مش هصبر تاني.

ضحكت أروى رغمًا عنها فطالعها بحنان.

في أعلى المحل كان عاصم ومعه قوة من الشرطة، يقلبون المحل رأسًا على عقب ويلقوا القبض على من فيه.


☘️ اللهم اغفر ليّ خطيئتي يوم الدين ☘️


فتح آجار عينيه بإنزعاج على رنين هاتفه المتواصل فرفع رأسه متثاءبًا وهو يلتقط الهاتف ليستطلع اسم المتصل، فدعك عينيه بأصابعه وهو يعتدل باهتمام حين وجد إسم أخيه، فرد بلهفة وهو يغادر الفراش بعد أن ألقى نظرة على منة التي تململت منزعجة :

_ جان، حبيبي كيف حالك؟ لماذا تتصل بهذا الوقت هل حدث شيء؟

فجاءه صوت إسلام الغاضب وهو يقطع الغرفة ذهابًا وإيابًا :

_ أنت وراء خطف أروى، أن كان شكِ في محله فأقسم بأني...

قاطعه آجار وهو يستند على سور الشرفة مندهشًا :

_ أروى أختطفت؟ هل أنت جاد؟ كيف حدث هذا؟

رد إسلام ضاربًا الحائط بقبضته :

_ يكاد يموت الجميع هنا من فرط خوفنا عليها، وخاصةً خالتو سجى، هل أنت وراء أختطافها؟!

لم يتمالك آجار نفسه، فصاح :

_ ولمَ أكون السبب يا بني، لماذا أأذى أروى.

_ لأجل الانتقام، أليس معي حق؟ أين اروى يا آجار.

_ يا إلهي ما زال يقول أين أروى! لم أفعل شيء محال أن أأذى أروى، أغلق الآن سأتصرف.

سئل إسلام بترقب :

_ ماذا ستفعل؟

فرد آجار قبل أن يغلق :

_ سأحاول أيجادها، سأفعل كل ما بوسعي ، وحين أصل لأي شيء سأبلغك.

أغلق دون أن ينتظر رد وأجرى أتصالًا آخر.


☘️ اللهم اغفر ليّ خطيئتي يوم الدين ☘️


جلست على فراشها وقد سقط في يدها؛ أروى أُختطفت بسببها؟

أن حصل لها شيء فلن تسامح ذاتها!

لكن مهلًا، هي لم تظن الأمر هكذا حسبت أنها ستسبب فجوة في علاقتها بأخيها وكفى، لكن الأمور أنقلبت رأسًا على عقب.

رن هاتفها موقظًا قلبها من غفلته، فردت متهللة ما أن علمت ماهية المتصل :

_ عبد الله، عامل إيه.....

بتر عبد الله حديثها بكلمات موجزة وصوتًا حاد :

_ أنزلي عاوزك أنا تحت.

وأغلق، نظرت في الهاتف مزهولة وهي ترمش بأهدابها، لكنها نفضت ضيقها من فعلته وهبت نحو خزانة ملابسها تنتقي أفضل ما لديها وأرتدته ثُم وضعت بعد مساحيق التجميل ولفت حجابها الذي تعمدت على ترك بعد الخصلات خارجه، وألقت نظرة سريعة عبر المرآة إلى نفسها برضا، وغادرت شبه راكضة وهي تهتف لتعلم والدتها.

أقبلت شيماء على عبد الله مشرقة المحيا، باسمة الثغر، وما كادت تحيه في سعادة إذ لجم هو فرحتها بقوله الحاد :

_ كل ده تأخير؟ مستنى الوزير أنا؟

بسمتها تلاشت وهي تنظر إلى ملامحه القاسية برجاء أن تلين، وتلعثمت وهي تُفسر له :

_متأخرتش ولا حاجة أنا بس غيرت ونزلت على طول.

تجاهل قولها وهو يوقف سيارة أجرة، وأشار لها في امتعاض :

_ طب أركبي اخلصي!

امتثلت له وصعدت في هدوء، وحين استقر بجانبها، سئلته :

_ هنروح فين؟

فرد بإيجاز دون أن يلتفت لها :

_ هوريكِ الشقة لو محتاجة تغيري فيها حاجة، أنا استأذنت عمي أنس.

برقت عينيها ببريق الفرح وما همت بالتحدث معه إذ تراجعت بسبب ضيق ملامحه.

توقفت السيارة أمام البناية المنشودة، وهبط منها عبد الله بعد ما قاضى السائق أجرته، وتبعته شيماء وهي تقول:

_أنا فرحانة أوى....

فقاطع كلماتها بصوته القاسي وعيناه تفيض حقدًا :

_ أفرحي، لازم تفرحي.

وسار للداخل بغير مبالاة بها ولحقت به وهي تستطير فرحًا.

دفع باب الشقة وتنحى جانبًا لتدخل، فدخلت وتبعها للداخل وأغلق الباب وراءه، فقالت وعيناها تجول في ارجاء الشقة :

_بجد بجد روعة، مش مصدقة أن دي هتبقى شقتي اصلًا … آه آه

صرخت متأوهة حين جُذب شعرها بقسوة، وحدة، من قبضة فولاذية وصوت عبد الله يصدح:

_ أنتِ إللي بعتِ أروى المحل، مش كدا؟

ثُم ترك خصلاتها التي سقط من فوقها الحجاب وجذبها بعنف من ذراعها وقبض على فكها مسترسلًا في سورة من الغضب :

_ ليه عملتِ كدا؟

تدفق أدمُعها وهي تحاول نزع يده، صارخة :

_اوعى يا عبد الله، وأنت مالك مهتم بيها ليه اصلًا؟

فلحت في دفع كفه عنها، وهي تلهث كأنها خرجت من سباق جري للتو، فركل عبد الله أحد المقاعد مع زمجرته :

_أروى، خط أحمر عن أفكارك السودة، لو تأذت اقسم بالله

دفعها بشراسة مع عبارته :

_أولع فيكِ حية.

سقطت شيماء أرضًا أثر دفعه لها، وتعلقت عيناها على وجهه الغاضب، المكفهر، في دهشة، وصدمة، وذهول في آن.

هذا ليس هو! هذا ليس من أولعت فيه عشقًا قط!

هذا غيره تمامًا!

أين حبيبها الذي ذابت فيه وذاب فيها؟

أين عبد الله الذي كان موئلًا لها من قسوة الحياة.

تطلع هو فيها متفاجئًا من صنيعه، ما الذي داهه؟! مشاعره تجاه أروى تطغى على كل شيء رغمًا عنه، أزدرد لعابه مشيحًا بجسده عنها يفكر في حل سريع لما اوقع نفسه فيه، وابتسم وهو يتصنع الرقة ويصالحها بكلماته التي يدرك صنيعها في قلبها.

كانت الغيرة تنهش قلبها، والحقد يتوغل بين حناياها لكنها أستسلمت لكلماته اللطيفة


☘️ اللهم اغفر ليّ خطيئتي يوم الدين ☘️


في غبشُ الليل، وسكون الدجى، ساق رجُلين مزودان بمدافع آلية أروى والفتاة التي نجت بفضلها في ممر شبه مُظلم يتغلله بصيص نور ضئيل جدًا آتيًا من لمبة مُضاءة بنورٍ طفيف.

يسير أحد الرجال أمامهما وآخر وراءهما، والفتاة تتشبث فيها برهبة أترعت قلبها، أما هي فكانت تختلس النظر ما بين الفنية والأخرى على أمل رؤية حمزة، طال بهما المسير، والممر لا ينتهي حتى ظنتا إنه ليس له نهاية قط، إلى أن لاح باب حديدي أسود اللون فتنفستا الصعداء، وراقبا الشاب الذي راح يفتحه و خرج مشيرًا لهما بأتباعه، فما إن خرجتا، وطافتا عينين أروى في توجس وقبل أن تتساءل أو تستفسر عن أي شيء إذ جاءه صوت من الخلف، يقول :

_خلصوا على البنت دي بس دي هاتوها على العربية.

قال بداية عبارته مشيرًا على الفتاة الذي اذداد ارتجافها، وبآخر عبارته نحو أروى التي تحفز جسدها كليًا، بينما أشهر الرجل من الخلف سلاحه موجهًا فوهته على رأس البنت وقبل أن يطلق كانت أروى في لمح البصر تدفع الفتاة جانبًا وتدور دورة كاملة بجسدها راكلة السلاح بعيدًا بقدمها في ذات اللحظة التي وجهت لكمة على عين الشاب، الذي استقرت قبضته في راحته ولكمها في وجهها بقسوة فصرخت بألم وهي تسقط أرضًا، وعلى عجل قفزت واقفة تلتقط المدفع وتوجهه نحو رأس المدير، وقالت للفتاة التي تقف خلفها مباشرة مرتعبة :

_ أمشي، أهربي من هنا وأنا هشغلهم عشان ما يلحقوكيش.

نفت الفتاة برأسها باكيةٍ، فلحت عليها أروى وهي تدفعها حتى ولت هاربة، فجز المدير على أسنانه وأشار للشاب الآخر أن يطلق على أروى فقبل أن يطلق عليها كانت تطلق هي على ذراعه وتصيبه لينزلق من يده السلاح ويتأوه بألم، وقبل ان يتدارك أحد ما حدث كانت تطلق على أقدامهم لتشل حركتهم وتلقي السلاح من يدها وتركض بكل قوتها...

في آوان ذلك كان حمزة يقف قبالة إسماعيل الذي أردف في اهتمام :

_ دلوج جولي هطلِع الشُحنِة إزاي؟

تألقت بسمة ماكرة على ثغر حمزة، وقال بنبرة مبهمة :

_ متقلقش هتخرج أمال هتروح فين؟

جالت عيناه على الكراتين التي تحوى في طياتها المخدرات وظاهرها ملابس، وتلاشت بسمته ليحل محلها القسوة والغضب وعلى غفلة من الجميع كانت قبضته تهوى في معدة إسماعيل الذي مال بجذعه ممسكًا بطنه في ألم ولم يمهله حمزة إذ هبط بحافة كفه ببراعة فوق عنقه في مكانٌ معين فتكوم فاقد الوعي.

أندفع أقرب شاب نحو حمزة وقبل أن يلكمه كان حمزة يميل بجسده محاوطًا وسطه ويلقيه للخلف فيهوى رأسًا على عقب منكفئًا قبل أن يستقر جسده أرضًا.

تفادى حمزة لكمة أحدهم وقبض على ذراعه وثناه دافعًا إياه على زملائه ودارت حربٌ ضروس بينهم أسفرت عن ظفر حمزة المثخن بالجراح، ورغم جراحه والوضع الغير مستتب حمل عبوة من البنزين وأفرغه فوق الكراتين وقبل أن يُلقى بعود الثقاب لمح إسماعيل يعود لوعيه وتتسع عينيه في ذعر لكنه بدلًا من أن يقاتله فرّ هاربًا، فـ ابتسم حمزة ساخرًا، وقال بتهكم :

_ اهرب، بس هتروح مني فين بردوا.

وأشعل العود وألقاه لتنشعل النار ويندفع هو مغادرًا المكان متابعًا إسماعيل الذي سبقه، ومن وراءه ذادت ألسنة اللهب وقبيل وصوله إلى الباب، بالتحديد ما أن عبره حتى دوى أنفجار هائل طير جسده في الهواء واستقر بعدها مرتطمًا على الأرض...


أنَّى ليّ بحياة دونك يا أبي؟

فلا تقُل وداعًا رجاءً لا تتركني وراءك ريشة تتقاذفها الرياح كما يحلو لها!

لا تنزع عني قلبي وتذرني اواجه قسوة الحياة بمفردي.


ــــــــــــــــــــــــــــ


رفرفت أهداب حمزة رويدًا رويدًا والغشاوة تنقشع عن عيناه التي ما أن أعتادت الضوء حتى جالت في الغرفة ليدرك إنه في المستشفى، وسمع صوت أمه كأنه يأتي من مكانٍ سحيق وكفها تضم راحته :

_ حمزة، حبيبي حمد الله على السلامة حاسس بإيه يا نور عيني طمني أنت كويس؟

دار رأسه نحو الصوت ناظرًا إليها ولم يعلق بلى طافت عيناه عن وجهٌ محدد وسط الوجوه الحاضرة، وجهٌ لازمه في غشيته حتى فتح عيناه متلهفًا لرؤيته، أغمض عينية لوهلة ظنًا إنه لم يرى جيدًا وفتحهما مجددًا ناظرًا حوله بتمعن فلم يجدها، فخرج صوته واهنٌ، ضعيف :

_ أروى، أروى فين؟

أذدردت سمر لعابها في بُهت وقد باغتها السؤال، فسئلته بتريث :

_ أروى، أروى هي مش كانت...

قاطعتها لمار قائلة بحدة وهي تقف جوار رأسه :

_ أنت إللي المفروض تجاوب على السؤال ده، أروى فين يا حمزة؟ المكان أتفجر بكل إللي فيه ومفيش أثر لـ أروى!

صدمه كلامها فصاح وهو يعتدل :

_ يعني إيه الكلام ده ، آه!

تأوه بألم مع صراخ جسده أثر الحروق التي نالت منه، علاوة على جروح جسده من العراك الذي نشب بينه وبين رجال إسماعيل.

أوقفت لمار حركت جسده وأعادته مكانه وهي تقول برفق :

_ بالراحة يا حمزة متندفعش كدا عشان جسمك.

أبعد كفيه وهو يأن بخفوت كابحًا ألمه، وسئلها بلهفة :

_أروى كان لازم تكون وصلت البيت أنا اقنعت إسماعيل يسبها، إزاي مرجعتش؟

حام بصره على وجوه العائلة الواجمة التي بدا على سِماهم القلق، وجاءه صوت والدته تقول :

_ هنده الدكتور يطمنا عليك الأول، وبعدين نفكر إيه اللي حصل؟

وقبل أن تهم بالذهاب أوقفها قول حمزة الصارم :

_ اطلعوا بره عايز أتكلم مع جدتي، اطلعوا ومش عايز دكاترة.

احتج الجميع على قراره لكن مع اصراره غادروا الغرفة، لتسحب لمار مقعدًا جلست فوقه وقالت باهتمام :

_ احكي بالتفصيل كل اللي حصل.

صبت جام تركيزها على ما يسرده حمزة بوهن، وما إن فرغ استوت واقفة وهي تصك على أسنانها غيظًا مردفة :

_ ده يعني إنهم بس لعبوا عليك وخدوا أروى.

تجلى الغضب على وجهها حتى إن الرائي يحسب أنها ستتحول إلى وحشٍ ذا أنياب سينهش الجميع دون شفقة.

ضربة الحائط بقبضتها وهي تندفع للخارج أمره الشباب بالنبش تحت الأرض ولا يعودوا إلا بـ أروى فـ انطلقوا جميعهم متقسمون، فذهب جان مع خالد، وذهب عاصم مع عثمان، وحذيفة برفقة هيثم، بينما بقى ياسين ساهمًا لفترة قبل أن يندفع من المكان شبه راكضًا ولا أحد يمكن أن يتخيل ماذا سوف يفعل ليصل لأبنته.

ولج مالك لغرفة حمزة فصدم حين رآه يرتدي ملابسه متهيئًا للخروج غير مبال بالحروق التي تستعمر جم ظهره كاظمًا ألمه، فصاح مذهولًا :

_ أنت رايح فين كدا بحالتك دي؟ مستحيل أسمح لك تطلع؟

_ ما هو انا مش هقعد وأنا مش عارف مراتي حصل فيها إيه ولا استنى لما تجيلي جثة.

قالها حمزة وهو يندفع للخارج منحيًا مالك بكفه عن طريقه الذي صاح وراءه :

_ يا ابني الحروق في ضهرك، طب استنى جاي معاك.

لكن حمزة لم يعره اهتمامًا وتلاشى من أمامه مستقلًا سيارة وانطلق في سرعة جنونية أدهشت مالك الذي شيع السيارة ببصره، مغمغمًا :

_ دا أنت ناوي تموت نفسك انهارده.

ضربة سمر على صدرها بخوف على حين أمرتهن لمار بالعودة إلى المنزل جميعًا.


🤲🏻اللهم أغفر ليّ ذنبي كله، دقة وجله، وأوله وأخره، وسره وعلانيته 🤲🏻


ذهب حمزة إلى مقرّ إسماعيل الذي بات رمادًا أثر النار التي ألتهمته ومع ذلك ظل يبحث، غير مبالٍ بالآم جسده، وحين لم يجد فائدة من وجوده جاب بحثًا بالسيارة، يجول ويجول على أمل رؤيتها، الساعات تمرُ عليه وهو غير مهتمًا، أو شاعرًا بها، كأنما لا يشعر بأي شيء حوله وحينما استبد به التعب أوقف السيارة جانبًا واسند بمرفقيه على عجلة القيادة ودفن وجهه فيهم وسرقه النوم كأنه يرحمه من شدة ما ألَم بكيانه، يقسم إنه ألم لا يمكن وصفه أو شرحه، الآم فاقت الآم الجسد

لم تغب عن خاطره لحظة.

كان يرآها في حلمه الذي سرقه من نفسه، ويراها بخياله وهو مستيقظ، وتمثُلُ أمامه وهي ضاحكةُ الوجه مبتسمة تلك البسمة التي تؤثر فؤاده، وتارة يجدها باكية تناجيه، ويسمعُ رنينُ صوتها في أذنيه فينقبض قلبه، ويعتصر ألمًا.

أترآه يفقدها ولن يرآها مجددًا؟

ويلٌ له إن لم يجدها.

و سحقًا لقلبه أن رحلت عنه.

تبًا لكِ أيتها الحياة لمَ توجعينَ بأكثر ما لا نستطع عليه صبرًا.

لمَ تقذفينا في فم الموت وتذرينا نقاتل بمفردنا على النجاة!

لماذا لا ترحمين، تشفقين، آترينا نستحق كل ذاك الوجع الأليم؟

فيا قلب رفقًا بحبيب بنيرانٌ الخوف يتلظى.

وبنيران القلق ينكوي.

و بنيران الأنتظار كأنما يغلي في قدحٍ.

مؤلم الترقب والأشد ألمًا هو العجز عن أنقاذ ذاتك من الأمواج المتلاطمة في بحرٌ لُجي.

اتسعت عينا حمزة مزعورًا من كابوس مخيف في غفيته، فنظر حوله كأنما يتذكر أين هو؟ وضغط على مكابح السيارة يطوي الأرض طيًا على غير هدى، فأين السبيل لحرقة روحه؟

اي السبُل يسلك وكل الدروب مغلقة، والخوف اكبر عامل على العجز.

أنتصف الليل وهو على حاله إلا أن الأم فاق التحمل، وشحب وجهه كأنه يُحاكي الموتى، رنين هاتفه المتواصل لم يجب عليه حتى إنه لم يبال ليعرف من المتصل، وعاد إلى البيت مثقلًا بهمومه، يبكى قلبه بل ينزف دماءً على غباءه وعيناه جف فيهما الدمع ليت دموع عيناه تهوى ربما يخفف ذلك من وجعه، يهون على قلبه المكلوم، ويطبطب على ندوبه المتقرحة، لم يعر أمه التي أقبلت عليه ما أن خطى من لدن الباب اهتمامًا كأنما لا يراها، متغيبًا عن العالم وعمن حوله، فاقدًا روحه، يسير جسدًا دون حياة، وقد مات قلبه ربما.

دخل غرفته وأوصد الباب مرتكنًا عليه بظهره وأنزلق جسده ليجلس على الأرض ضاممًا قدميه إلى صدره، محاوطهما بذراعيه، مقلتاه شارده في اللاشيء أو في شيء يتمثل أمامه إذ لاح له صورتها متوهجة بغته أمامه فـ ابتسم ضاحكًا بخفوت وأسند رأسه على الباب وراءه متأملًا وجهها، بسمة رائعة تشرق على ثغره، ومن وراء الباب كانت سمر تدق منادية ومنهارةً باكية.

خُيل لحمزة إنها تقترب، وتقترب منه وسمع صوتها قريب، خافت يهمس بوهن :

_ ماما يا حمزة.

فـ أنتفض واقفًا وقد تلاشت تمامًا وراح يتلفت حوله بعينان متسعتين فلم يجد لها أثر، هُنا فقط تصور حالة سجى فمسح على رأسه مفكرًا وفتح الباب لتطالعه أمه المنهارة فدنا مقبلًا جبهتها بحنو، متمتمًا بامعان :

_ أنا، أنا كويس يا ماما، رايح أشوف خالتي سجى.

لكن سمر تمسكت بمرفقه مانعةً إياه من التحرك، تهمس بصوتٌ متلعثم، باكي :

_ يا حمزة أنت تعبان يا حبيبي، طب خليني أدهنلك حاجة لحروق ضهرك.

نفى حمزة بتيه وحرر ذراعه منها وهم بالتحرك لكنها تمسكت فيه مرة أخرى هامسة برجاء متحشرج :

_ أنا انا خايفة على اروى والله، دي بنتي انا كمان، بس يا حبيبي لازم تكون بكامل صحتك، لازم تقعد تفكر، يا حمزة أنت بتتحرك بدون وجهه وعقلك واقف، تعال كل حاجة عشان خاطر أمك يا حبيبي.

كاد حمزة أن يرحل لكن شيماء وقفت أمامه ماسكة بكتفيه، وأردفت بتوسل :

_ عشان خاطري أنا يا حمزة كُل حاجة عشان تقدر ترجع لنا أروى.

وبكت، هوى دمعها وقد شعرت بالذنب وتأنيب الضمير.

هل لمن يملك كل ذاك الحقد في قلبه دون داعي أن يملك ضمير؟

أن ينكوي بنيرانُ الذنب؟

في النهاية استسلم حمزة وقد راعه حالة أخته وتفاجئ بها!

أخته التي تكرهه دون داعي هل الآن تبكي أمامه؟!

هل ثمة سر في ذلك؟

لماذا تبدو كأنها قد أرتكبت جرمًا عسير التوبة فيه!

وضعت سمر الطعام أمامه، ومدت كفها تطعمه لكنه لم يبادر ويفتح فمه، بل وابل من الأفكار قد هجمت على ذهنه دون هوادة.

كيف حال أروى الآن؟

أهي جائعة أم شبعة؟

بخيرٌ أم تتعذب؟

باكيةٌ هي أم لا تبكي؟

خائفة أو قوية؟

استغرقته هذه الفكر ولم يشعر إلا وصوت أمه يخترق أذنيه :

_حمزة كُل يا حبيبي يلا.

أزاح حمزة الطعام من أمامه وشال كفها من فوق منكبه وانتصب قائلًا :

_ مش قادر أكُل، أكُل إزاي وأنا مش عارف مراتي بيعملوا فيها إيه؟

أولهما ظهره وفرّ من المكان فرارًا بلمح البصر، فرفعت سمر كفيها ورأسها إلى الأعلى عبر الشرفة ناظرةٌ للسماء وناجت ربها بفؤاد أمٌ مكلوم :

_ يا رب، يا رب احفظ هم ليّ يا رب، اللهم إني استودعتك ابني وبنتي فردهم ليّ سالمين.

لم تعرف ماذا تقول وكأن لسانها قد عُقد.

أطبقت جفنيها لينساب الدمع بغزارة وقامت تتوضأ لتصلى، فسحَّ دمع شيماء وقلبها ينغزها بقوة من ثقل الذنب التي لم تستطع البوح به، ما أشد الندم حين فوات الآوان!


🤲🏻لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 🤲🏻


كانت دارين تصعد الدرج وهي تلاطف جعفر بين ذراعيها، وهو يضحك ببراءة، فتناهى لها صوت نحيبٌ خافت يأتي قُرب شقة ياسين التي كانت في طريقها إليها، فـ أكملت أرتقاءها لتجد يوسف جالسًا على اول درجة دافنًا رأسه بين كفيه وصوت نهنهته يتناهى لها.

فى جزع أردفت وهي تجلس بجانبه :

_ يوسف، مالك بتعيط ليه كدا؟ أروى هترجع وهتكون بخير؟

سكت البكاء عنه وكفكف دمعه تلقائيًا وهو يتحاشى النظر إليها، وقال بثبات :

_ أنا مش بعيط.

لكن صوته المتهدج كذبه، فضمت دارين رأسه إليها، وقالت :

_ البكاء مش عيب يا يوسف.

في صمت تام هوى دمع يوسف هويًا، وراح رأسه على كتف دارين التي قالت في مرح :

_ جعفر انهارده اليوم كله مش لاقي حد يلعب معاه وصاحبه نسيه خالص، مش عيب عليك تبيع صاحبك كدا؟

أنهت عبارتها وهي تلكزه بخفة فضحك بخفوت ولم يعلق، صوت وقع أقدام لجمت كلامهما وعلق بصرهما على الدرج الذي برز خالد عليه و وقف ما ان وجدهما يجلسان وقبل أن يتساءل، كان يوسف يهبط الدرج في سرعة البرق محاوطًا وسطه فضمه خالد إليه في صمت، وتساءلت دارين بلهفة وهي تنهض:

_ هاا يا خالد في أخبار؟

نفى خالد بأسف برأسه ومال حاملًا يوسف الذي عرف إنه يبكي بصمت وخطى الدرج قائلًا :

_ اطلعي اقعدي مع خالتو سجى، يوسف معايا.

جلس فوق فراشه وما زال يوسف في حضنه، وتساءل وهو يمسح دمعه:

_ في بطل يبكي كده؟

انسكب دمع يوسف أكثر، وقال بشهقات متتالية :

_ ماما بتبكي يا خالد وانا خايف عليها لتتعب ومش عارف اعمل ايه، أروى هترجع يا خالد صح؟ أنت هترجعالي مش كده؟

ضمه خالد بشدة، وهمس بألم :

_ هشش، بس يا حبيبي والله ما هيرتاح ليّ بال غير وهي وسطنا، هدفعهم التمن غالي أوي على كل الم عشناه.

وغصب بسمة وهو يبعد يوسف ناظرًا في عينيه مستطردًا :

_ تعالى نشوف سجى بقا مالها الولية دي هي مش واثقة فينا ولا إيه؟

لم يتمالك يوسف نفسه فضحك قائلًا :

_ لا مش واثقة فيكم، بتقول دول بيلعبوا!

رفع خالد حاجبه قائلًا بغيظ :

_هي قالت إننا بنلعب، ماشي يا بت ادهم!.

ضم كف يوسف في راحته، ودخل شقة ياسين وهو يقول متصنع المرح :

_ إلا بيقولوا في واحدة هنا قالبها مناحة.

رمقته دارين شزرًا، ونهرته والدته فلم يبال بهن ودنا قائلًا وهو يجلس بجانب سجى :

_ على جنب كدا يا ماما يا حبيبتي عشان أشوف القمر اللي بيبكي ده!

ثم شاكس سجى بمرح :

_ الله، هو في قمر بيبكي، اول مرة أشوف قمر بيبكي.

وحاوط كتفها مردفًا بصدق :

_ ممكن أفهم ليه العياط ده، حرام عليكِ عنيكِ لتتعبك أكتر، أنتِ مش واثقة فينا؟ والله هترجع وده وعد مني، هعمل كل حاجة حتى. لو ههد الدنيا وهلفها كلها هترجع.

في آوان ذلك كان حمزة يطرق الباب ملقيًا السلام ودلف مهونًا عن سجى بدوره، وظلا يناكشها حتى ضحكت.

_ هو الواحد يغيب شوية يرجع يلاقي مراته بيتحرشوا بيها؟

قالها ياسين في غيظ وهو يرى خالد يضم رأسها وحمزة ممسكًا بكفها فـ تقدم منهم ودفعهما بعيدًا وهو يقول بفم ملوي :

_ روحوا استنوني تحت، يلا منك ليه في المكتب!

تبرم خالد وهو يسحب حمزة معه، فلثم ياسين جبهة سجى قائلًا :

_ انا مش هيبقى بالي مشغول بيكِ وبنتنا، أنا وصلت لحاجة وقريب هتكون وسطنا تحلي بس بالصبر والرضا ربنا كبير.

قفزت دارين فجأة متعلقة بذراعه وهي تصيح بلهفة :

_ بجد يا ياسين عرفتوا حاجة!

نظر لها ياسين زممًا شفتيه، وقال مغضبًا :

_ عشان ياسين دي مش هقولك!

لوت دارين فمها، وهي تقول لسجى بحزن :

_ عجبك جوزك ده يعني؟ إيه ياختي الرجالة دي.

كتمت عائشة فمها وهي تسئل ياسين الذي أجابها وتحرك للأسفل.

نظرت دارين في هاتفها الذي صدح رنينه، وقالت وهي تقلب بصرها بهن جمعيًا :

_ خديجة بترن من بدري وكل شوية تقول انها حاسة أن في حاجة، أأقولها؟

رفضت مكة، قائلة :

_لا، لا متقوليش لها حاجة، هي مش ناقصة.

فقالت أسماء مقترحة :

_ قوليلها أي حاجة، لو سئلت عن اروى قوليلها بتجيب حاجات ناقصها هي والبنات وانك مروحتيش عشان جعفر.

اومأت لهن دارين وتنحنحت وهي ترد على الرنين الذي تكرر :

_ خديجة، عاملة ايه؟

_ مش بتردي ليه عليَّ، في إيه مخبينه عني؟ أروى فين مش بترد عليَّ انا حاسة فيها حاجة.

اذدردت دارين لعابها وهي تطوف بنظرها عليهن، وتجيب :

_ أروى بتجيب حاجات ناقصها ممكن مش سامعه التلفون؟

جاءها صوت خديجة تهتف بغضب وعدم تصديق :

_ كذابة، فين سجى، عايزة اكلمها بردوا مش بترد؟

_سجى؟ سجى فـ.

علمت سجى أن خديجة تود محادثتها، فـ أستعادت رباطة جأشها ومدت كفها قائلة :

_ هاتيها يا دارين!.

في حجرة المكتب جلس ياسين على المقعد وقال دون النظر لخالد وحمزة :

_ هنستنى بس عاصم......

قاطعه صوت عاصم يقول وهو يولج :

_ عاصم جه اهو.

أشار له ياسين بغلق الباب، فما كاد ان يغلق إذ وجد جان الذي اشار له ياسين ان يدخل، فقال :

_ اريد أن اعاونكم إذ كان هذا لن يضايقك يا...

قال ياسين ملوحًا له :

_ اجلس اجلس.

بدأ ياسين يقول في اهتمام والشباب منصتون بتركيز :

_لقد وجدت شقة إسماعيل! لكنه لم يعود إليها ولم يدخلها منذُ إيام من قبل حتى ما حدث يا حمزة، لذلك سيراقبها عاصم وجان حتى إذ عاد.

اوما له عاصم باهتمام ولم ينبس، فحاد ياسين ببصره على خالد وقال :

_ اما أنت ستراقب منزل مدير ذاك المحل محمد عميرة شحاتة.

معلومة محمد إبن عم إسماعيل لكنه يسكن في القاهرة.

رفع حمزة حاجبه باهتمام وانخفض وهو يقول ساخرًا :

_ امال كنا هنتوقع إيه؟

تجاهل ياسين قوله، وتابع :

_ وجدنا أخت إسماعيل ايضًا، والآن عثمان وحذيفة ذهبوا ليتأكدوا إذ هيَ او لا.

كأنما ألقى قنبلة في وجوههم فقد اتسعت أعيُن الشباب دهشة، وابتسم حمزة قائلًا :

_ عرفتوا كل ده امتى؟

نظر له ياسين باهتمام ومال بمرفقيه على المكتب مشبكًا كفيه مع قوله بلهجة ذات معنى :

_ لأننا بنفكر مش بندور بلى واجهه محددة!

أطرق حمزة محرجًا فما مضى كان بالفعل غائبًا عن وعيه يهيم في الطرقات وقد توقف عقله عن العمل.


🤲🏻 أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه 🤲🏻


وضع مالك رأسه بين كفيه عندما غادر عثمان وحذيفة المكتب، شعر بثقل يجثم فوق صدره يعصر قلبه بداخله، وأخذ نفسًا عميق زفره وهو يعود برأسه على حافة المقعد ناظرًا للسقف وبقى للحظة على هذه الحالة، ثم نهض و وقف خلف النافذة الزجاجية وتطلع عبرها متأملًا السماء واضعًا كفيه في جيب بنطاله، تطلع بعمق في النجوم التي تضوي في صفحة السماء، وأغلق عيناه يدعي الله ان يرد أروى سالمة، وخرج من الغرفة منشغل الفكر، و وقف أمام إحدى غرف مرضاه بتردد ثم حسم أمره ودار مقبض الباب بحذر وتطلع من الفتحة المواربة فوجد الفتاة مستيقظة تجلس على مقعد بجانب النافذة وقد ضمت ساقيها إلى صدرها وحاوطتهما بذراعيه، ومالت برأسها لليمين شاردة، فطرق الباب لكنها لم تلتفت وخطى للداخل وهو يقول :

_ ليه منمتيش؟

كان يعلم انها لم تجيب لكنه سئل، وجلس على مقربة منها وتأمل السماء لهنيهة بدوره، ثم تطلع فيها آملًا إنها ليست أخت ذاك المجرم خاطف أروى، إسماعيل كما أخبروه توًا، تنهد تنهيدة عميقة، وقال بنبرة راجية بعد الشيء :

_ في حياة حد غالي عليَّ اوي في خطر، ويمكن أنقاذ الشخص ده في أيدك، أنا عارف ومتأكد أنك مش بتتكلمي بإرادتك حرري نفسك من أعماق الظلام اللي رميتي نفسك فيه برضا، ربنا بيختار لينا الأحسن، انا مش عارف طبعًا إيه اللي عشتيه وصلك لكدا بس فين رضاك بالله؟ فين حسن ظنك فيه؟ قوليلي أسمك إيه؟ مهم أعرف ساعديني!.

رغم يقينه إنها لن ترد لكن كان في داخله بصيصُ أمل طفيف، وفي داخله كان يدعوا الله ألا تكون أخت إسماعيل، غطى وجهه بكفيه كأنه يواري وجعه عن اللاشيء وبينما هو كذلك إذ هُيئ إليه صوت يقول بهمس شديد (منار)

أبعد كفيه ناظرًا لها بدهشة وهو يطرف غير مصدق ونظر لها وجدها ما زالت على حالها فـ أغمض عيناه بأستياء وغمغم بيأس :

_ أنت اللي شكلك محتاج دكتور نفسي يا مالك!

_ منار أحمد شحاتة.

تكرر الهمس الشديد مجددًا مخترقًا سمعه فـ انتفض واقفًا كمن لدغه عقرب سام، وقلبه شعر كأنه يغلي بداخله.

منار أحمد شحاتة! وإسماعيل أحمد شحاته! يا إلهي هل أنقذ أخت خاطف أخته؟ هل كان يعمل المستحيل ليخرجها مما هي فيه! بينما اخوها ربما يعذب أروى!

اتسعت عيناه ذهولًا وبقى محدقًا فيها وهي كذلك، حين تحرر من وطأت صدمته التي اعترته، همس بصوتٌ بطيء، متلعثم :

_ أنتِ، أنتِ أخت إسماعيل؟ أنتِ أخت خاطف أروى أختي أنا! انا هنا بساعدك وأنتوا بدمروا أختي! وكنا هنخسر حمزة بسببكم!

كانت منار مذهولةٌ تنظر له بخوف 

google-playkhamsatmostaqltradent