رواية ثري العشق و القسوة كاملة بقلم اية العربي عبر مدونة دليل الروايات
رواية ثري العشق و القسوة الفصل الواحد و الثلاثون 31
فقدان شخصاً عزيزاً عليك يطفئك ، يجعلك تعيش الحياة بوخرة في يسارك تلازمك .
تفتقد نظرة منه
تفتقد لمساته ولحظاته الحنونة معك
تفتقد الآمان الذي كنت تستشعره في عناقه
تفتقد مكالمة هاتفية منه أو ربما رسالة غرامية
يفقدك رحيله كل ألوان الحياة .
❈-❈-❈
نظن أننا جئنا الدنيا لننعم فقط بالحياة ، برغم أن هناك موتٌ محتومٌ ، نتمرد على الألم ونرافق الصحة برغم أننا من نسعى لسحقها .
نعترض على الصعاب ونعانق الرفاهية ونتعلق بها برغم يقيننا بالجنة .
نلعن المطبات في طريقنا برغم أننا من صنعناها بأيدينا ، دائماً ما سخطنا على أقدارنا ، دائماً نتمرد دون قبول ،، حتى باتت تحاربنا وأصبح بيننا وبين القدر تحدٍ دائم .
فلو كنا تصالحنا لكان الحال مستبدلاً ولارتاحت قلوبنا وسكنت برضا القدر ولكنا تمردنا وعاندنا برغم ضعف حيلتنا وقوتنا ونأتي الآن ونتساءل لما نُظلم ونتألم .
أغلقت دفتر مدوناتها وتنفست بقوة وهي تقف تنظر من نافذتها على الأراضي الخضراء من حولها ، والتي تظهر من السياج الحديدي المحيط بالسرايا ، تسكن في هذا الملحق التابع لقصر زين الجابري منذ تلك الفترة وبعد أن جاء بها عمر إليه بناءاً على تعليمات مسبقة من صقر .
ثلاثة أشهر مروا عليها وهي في هذا المكان تجاهد لتنتصر على ما مرت به ، ثلاثة أشهر كانت كافية لتغير نظرتها للأمور تماماً ، باتت تمتلك من الحكمة كمن تخطى السبعين من عمره وتمتلك من الصمت كمن يعيش وحيداً منذ ولادته ، وتمتلك من الهدوء كمن يسكن الصحراء دوماً ، وتمتلك من الحنين كالمشتاق للجنة .
طرقت بابها تلك السيدة لتسمح لها نارة بالدخول ، دلفت ترفع نقابها وتبتسم مردفة بحنو :
– هلأ إنتِ هون وعبد الرحمن ولينا صاروا فاتلين السرايا عليكي .
ابتسمت لها تردف بهدوء :
– حبايب قلبي ربنا يبارك فيهم ، أنا بس ببقى محرجة من زين بيه علشان كدة بحب أبقى هنا دايماً ، يعنى إنتوا بصراحة مهما حاولت اشكركم قليل طبعاً بعد اللى عملتوه معايا ، بس أنا حاسة إن جه الوقت إني أرجع القاهرة ، كفاية لحد كدة وأكيد الأوضاع بقت أمان ، أنا كنت بكلم ماما من شوية وقالت إن الفيلا الجديدة كويسة جداً وفي مكان آمن جداً والكومباوند عليه حراسة مشددة ، فخليني استأذن منكم وبكرة إن شاء الله ارجع القاهرة .
اعترضت مهرة قائلة بثبات ممازح وبلهجة صعيدية :
– لاه لاه لاه يا ست الصبايا ، مافيش طلوع من إهنة دلوك ، إنت هنا معانا لحد ما زين باشا بنفسه يجول تروّحي ، أني مجدرش أخالف أوامره ، وهو جال نشيلك فوج راسنا كلنا .
ابتسمت على لهجتها الصعيدية لتقول بهدوء ولهجة مماثلة :
– وزين باشا عيجولي ميتى أروّح ؟ بزيادة عاد ،، إكدة تچلت عليكم جوي .
اتجهت مهرة تبتسم وتربت على ذراعها بحب وود قائلة :
– خلص حبيبتي نارو ، فات الكتير وما بقي غير القليل ، لحتى يطمن زين عليكي وتنتهى هاي المسألة عخير وبعدها بترچعي للقاهرة بسلام .
زفرت مطولاً تومئ بهدوء وشرود قائلة :
– شكراً يا مهرة ، إنتِ بجد مافيش منك ، وعلى فكرة لما ارجع القاهرة هتوحشيني جداً أنتِ والأولاد .
تحدث مهرة بود ومرح :
– هالحكي لو بعّدت عنك ، بس رح تلاقيني كل يومين قدامك .
أومأت تردف مؤيدة :
– أيوة صح كدة .
زفرت مهرة تبتعد قليلاً قائلة :
– لكان يالا لحتى تاكلي معنا الغدا صار جاهز .
أومأت لها تردف برتابة :
– تمام هلبس حجابي واحصلك .
تركتها مهرة وعادت إلى السرايا حيث تجلس الحاجة رابحة تطعم حفيديها خاصة تلك الجميلة التي تشبه والدتها والتي باتت مقربةً من رابحة التي تحدثت معنفة :
– واد يا عبد الرحمن ، إياك تكون إنت اللي معور أختك إكدة في يدها ؟
تحدث عبد الرحمن البالغ من العمر ٥ سنوات بدفاع قائلاً :
– لا يا ستي محصلش ، هي اللي وجعت واحنا بنچري برا ، واسأليها عاد .
نظرت رابحة نحو الصغيرة بحب قائلة :
– صُح الحديت ده يا جلب ستك ؟
أومأت الصغيرة بصمت وهي تحاول أن لا تأكل المزيد لتبتسم رابحة وتملس على خصلاتها القصيرة الناعمة قائلة :
– خلاص يا عبودة ، يبجى براءة يا ولد الغالي .
ابتسمت مهرة واتجهت إليها تردف بهدوء :
– بئلك شغلة ماما رابحة ، هديك لينا عم تتدلل لحتى ما تطعميها .
نظرت رابحة نحو لينا التي تنظر لها بعيون لامعة ومكر طفولي لتتأكد من حديث مهرة ولكن نظرة الصغيرة كانت كفيلة لتأسرها لذا عادت تنظر إلى مهرة قائلة بجدية زائفة :
– ملكيش صالح بينا عاد يا مرت الغالي ، أني وحفيدتي عنتفاهم ويا بعض .
ابتسمت مهرة وتحركت تحضر الطعام مع المساعدة لتضعه على الطاولة .
أما داخل مكتب زين الجابري
فيجلس هو يتحدث عبر الهاتف الخاص مع ماركو الذي تحدث بلهجة مصرية بعد أن بدأ يتعلمها ليقول له :
– إزيك يا ماركو بيه ، أني جولت أطمن عليك وأشوف لو محتاج أي مساعدة أنا تحت أمرك .
تحدث ماركو الذي يجلس خلف مكتبه في شركته قائلاً :
– شكراً زين بيه ، إنت هقيقي ساعدتنا كتير ، فاضل ٢ يوم على الشهنة وتوصل وبعدها هنكون في أمان .
تحدث زين برتابة وشموخ يليق به قائلاً :
– أني معملتش حاجة واصل ، وعلى العموم وجت ما تحتاچ أي مساعدة كلمني علطول .
تحدث ماركو بهدوء :
– أكيد ، شكراً لك مرة تانية .
أغلق معه بعدما اطمئن لتطرق مهرة باب مكتبه وتفتح قائلة بحب وهي تطالعه من خلفه :
– زينو ؟ ، الغدا صار چاهز حبيبي .
وقف يتحدث بعيون لامعة ونبرة عاشقة وهو يتجه إليها :
– چيت أهو يا غالية ، جولتي للضيفة تيچي؟
أومأت بتعقل قائلة:
– أكيد حبيبي إنت بتؤمر .
احتواها بذراعه ودنى يقبل رأسها وتحرك معها نحو الخارج يردف بحب :
– تسلمي يا غالية يا أم الغوالي .
تحركا تجاه غرفة الطعام لتأتي نارة تخطو بحرج وتلقي السلام عليهم بهدوء ، رحب بها الجميع وجلست في مقعدها ليبدأوا تناول الطعام سوياً .
كانت شاردة كعادتها دوماً ، تأكل بصعوبة بعض اللقيمات التي تبقيها آمنة ، ولكن حقاً باتت لا تشتهي شيئاً تماماً .
لتغمز مهرة بعينيها إلى زين في إشارة منها عليها جعلته ينظر نحو الطبق دون النظر لها ثم تحدث باحترام وعينه على طعامه :
– إيه يا ست نارة معتكليش ليه عاد ، ولا وكل أم عبد الرحمن معيچبكيش النهاردة ؟
انتبهت له وتحدث بحرج :
– لاء طبعاً تسلم إيديها الأكل جميل جداً وأنا حقيقي باكل .
تحدثت مهرة معترضة :
– شو بتاكلي هاي ؟ ، إنتِ ما أكلتِ غير يادوب حبيتين رز .
ابتسمت لها نارة بهدوء وأردفت :
– حقيقي الأكل جميل يا مهرة تسلم إيدك .
كانت رابحة تتعمقها بصمت ولم تتحدث ، تعلم ما بها وما تشعر به ، تعلم جيداً كيف يكون الحزن على فراق الأحبة ومع ذلك فأنت ملزم بالظهور الجيد ، تدرك جيداً كيف يكون ألم فراق رفيق الروح مميت ، فهي من وقتها وإلى تلك اللحظة وقد دفنت معه مشاعرها وأنوثتها وكل ما كان يظهرها في موقف ضعف .
❈-❈-❈
في طريق العودة إلى منزل آسيا الجديد .
تجلس مايا مجاوراً لعمر الذي يقود بها عائداً من جامعتها يفكر في طريقة يخبرها بها بحبه لذا فهو شاردٌ ، ثلاثة أشهر تآكل فيهم حباً لها بعدما رآى حزنها على شقيقتها ، تآكل ندماً وقلة حيلةً على عدم استطاعته تقديم حلاً يريحهن .
نعم أخبرهن بحقيقة عائلة موراكو وببحثهم عن نارة ومحاولة اغتيالها لذا فكان قرار آسيا ومايا مؤيداً لخطة صقر المسبقة والتي نفذها عُمر حيث قام بإعطائها حقنةً مخدرةً ذلك اليوم ونقلها إلى الصعيد في الحال وتحديداً في محافظة قنا حيث قصر زين الجابري بناءاً على خطة محكمة أرشده صقر عليها .
تنبه لسؤال مايا التي تحدثت بنبرة حزينة :
– امتى نارو ترجع بقى يا عُمر ، وحشتني أوي ، حتى مش عارفة أكلمها براحتي .
تنهد بعمق وتحدث بنبرة حنونة :
– هانت يا مايا ، هانت خالص .
هزت رأسها تردف بنبرة حادة :
– كل مرة تقول كدة يا عُمر ، كل مرة نفس الكلمة وأسألك عن تفاصيل مش بتقول أي حاجة ، عرفت منين إنه هانت ؟ ، نارو بقالها 3 شهور بعيدة عننا وكل اللي نعرفه إن حياتها في خطر وانت مش بتتكلم ، أنا متأكدة إنك عارف حاجة ، قولي يا عُمر تعرف إيه ، طمني ومش هتكلم خالص .
توقف بالسيارة على جانب الطريق ، كيف يخبرها بمَ يعلمه ؟ ، كيف يبوح بأي شيء ، لقد تعهد بعدم البوح بحرفٍ واحد وهو ملزم تجاه ربه وبلده بوعده ، لم يجد مخرجاً سوى التحدث بكلمة لا يعلم كيف نطق بها لسانه حيث أردف :
– بحبك .
توقفت أنفاسها لثوانٍ ، توقف جسدها بالكامل ، بل وتوقف عقلها أيضاً عن الإستيعاب حيث تحدثت متسائلة :
– مين ؟ ، تقصدني أنا ؟
انتبه على ما تفوه به وتعجب من نفسه ولكنه تنفس براحة وبحث بعينيه حولها ثم استقر على عينيها يردف بعيونٍ لامعة :
– هو فيه حد هنا غيرك .
تحركت عيناها حول مرماها وكأنها تبحث عن شخصٍ ثالث وقد عادت أنفاسها لرئتيها وأصبحت نبضاتها تتراقص بصخب ثم نظرت له متسائلة بترقب :
– عُمر هو أنا سمعت صح ؟
ابتسم ابتسامته الساحرة وتحدث يومئ بحب وهو يرى تحول حزنها إلى سعادة :
– أيوة يا مايا ، أنا بحبك ، مبقتش قادر أكتم مشاعري ناحيتك ، وناوي إن شاء الله اطمن على ناردين وأفاتح آسيا هانم في الموضوع ده واطلب ايدك منها رسمي ، وأول ما تخلصي جامعة نتجوز .
شهقت ووضعت كفيها على فمها وجحظت عيناها تنظر له بملامح نحتت فيهما السعادة فابتسم لها ورفع سبابته يحذرها قائلاً بحب ونبرة مرحة تشوبها الجدية :
– بس اعملي حسابك مافيش أي حاجة هتتغير بينا ، هنفضل أنا وانتِ بحدودنا لحد ما نتجوز .
هزت رأسها بإيماءات متتالية ثم أزاحت يداها من على فمها وتحدثت بنبرة راقصة فرحاً :
– عمر أنا كمان بحبك أوي .
ابتسم يومئ لها قائلاً بتأكيد :
– عارف ، بس مش أكتر مني .
التمعت عيناها بدموعِ السعادة واعتدلت تتحدث بحماس :
– طب يالا سوق .
ضحك عليها وتحدث مترقباً :
– خلاص كدة بقيتي أحسن ؟
أومأت له تبتسم وهي تقول بسعادة :
– جداً ، نارو كمان هتفرح أوي لما تعرف .
ابتسم لها بينما ذهب بعقله لتلك النقطة ، نقطة الملجأ التي لن يرتاح إلا إذا علمت بها ، لن يبدأ معها حياته بكذبةٍ كهذه ، سيعمل على بدايةٍ واضحةٍ معها دون حزنها .
❈-❈-❈
مساءاً عاد ماركو إلى منزله حيث مر من أمام منزل خديچة قبلها .
وجد شابا وسيدة يخرجان من منزلها ويودعان بهجت الذي يبتسم لهما بود .
وقف بسيارته قليلاً يستشعر هويتهما حتى غادرا ليجد نفسه ينظر نحو بهجت بغضب ، مؤكد هذا عريس جاء مجدداً لطلب يد خديچة كالعادة وهذا والدها يرحب بهما ويقابلهما بكل سرور ، ولكنه كالعادة سيسعى بطرقه الغير مباشرة ليبعده عنها ، حيث يرسل لهم تهديداً مخفياً يجعلهم لا يأتون مجدداً .
زفر يفكر بحنق مردداً في نفسه :
– لو كنت أستطيع العودة إلى الماضي لفجرت ذخيرتي جميعها في رأسك أيها الرجل وأعلنت توبتي بعدها .
توجه يدلف ڤيلته والغضب يتملكه ، لقد ابتعد عنها حتى يؤمنها إلى أن ينهي أمر تلك الشحنة ثم يعود لها شخصاً آخراً يليق بها ، ولكن هل يمكن أن تذهب إلى غيره ؟
صعد إلى غرفته على الفور ثم فتح دُرج الكومود يتناول هاتفاً تابعاً له محمي عن طريق برنامج آمن كالهاتف الذي حدث منه زين صباحاً وجلس على طرف الفراش يطلب رقمها الذي لا يتذكر سواه .
حاول الاتصال بها ولكنها لم تجبه ، ليحاول عدة مرات وأيضاً لم تجبه ، هي أخبرته أنه لا يجوز حديثهما في الهاتف عندما بدأ يتحدث العربية وتحدث معها على الفور ، ولكن هو لا يقتنع بهذا أبداً ، هو يريد أن يحدثها الآن وإلا ذهب إليهم وليحدث ما يحدث .
ظل يحاول وهي لا تجيبه حتى قرر إرسال رسالة محتواها يبدو كتهديد وهذه الطريقة الوحيدة التي يتقنها قائلاً
( إن لم تجيبي على اتصالاتي ستجديني بعد دقائق في قلب منزلكم )
انتظر بعدها حتى ظهر له أنها قرأتها ليعاود اتصاله بها فأجابت تلك المرة ليبتسم قائلاً :
– كنت آرف إن التهديد هيجيب نتيجة .
أجابت بثبات قائلة :
– عايز إيه ؟ ، مش كل شوية هغير رقمي وتعرفه ، قولتلك ميصحش ترن عليا أصلاً .
أجابها ببرود مستفز :
– كويس جداً ، ميصهش أرن أليكِ بس يصح كل يوم والتاني يتقدملك أريس .
ردت عليه متنمرة تردف بنبرة باتت تفرح خفيةً لاهتمامه خاصة أنه أخبرها ذات مرة باستعداده لاعتناق الإسلام :
– أريس ؟ ،، عرفت منين ؟ ، وحضرتك دخلك إيه في الموضوع ده إن شاء الله ؟
تحدث ضاغطاً على أحرفه :
– إسمئيني خديچة ، أنا قدامي ٢ يوم ويمكن ٣ وبعدها هكون أنا آخر أريس يدخل بيتكم ، لإنكِ مش هتتجوزي غيري ، فهمتِ ؟
تحدثت بنبرة مبهمة تردف متسائلة :
– ممكن أعرف إزاي ده هيحصل يا ماركو ؟ ، مستحيل ده يحصل ديانتنا مختلفة ، لو سمحت كفاية كدة أوي وابعد عني بقى .
تحدث بنبرة ثابتة وجدية :
– انسي الدراما خديجة ، كل المشاكل لها هلول ، على أحدنا اعتناق ديانة الآخر وانتهى الأمر .
أغلقت الهاتف في وجههُ وتركته يبعده عن أذنه وينظر له بتعجب ، دوماً تغلق الهاتف في وجههُ وهذا يجعله غاضباً ، فقط أياماً قليلة وسيصل لمبتغاه ، ما يعلمه جيداً هو أنه لن يتركها أبداً تلك العنيدة التي اختلفت عن كل ما سبق ، إن كان اعتراضها فقط من أجل الديانات فليعتنق ديانتها ، هو بالأساس لا يعلم شيئاً عن أي دين لذا فالأمر،لا يشكل له فارقاً ، كل ما يريده الآن هي خديجة .
❈-❈-❈
ليلاً تجلس نارة فوق سريرها في هذا الملحق المرتب ، تقرأ كتابها الذي كانت تقرأهُ حينما رآها أول مرة .
منذ ثلاثة أشهر ولم تترك شيئاً يزيد حنينها وشوقها له إلا وفعلته ، جلبوا لها ملابسه وعطره وأدواته التى تركها في الڤيلا قبل سفرهم إلى تلك البلد الخبيثة .
وروده وكلماته التي دونها لها وقلمه وكل ما يتعلق به حتى أحذيته تحتفظ بها هنا ، صممت لهم غرفة جعلتها متحفها الخاص تذهب إليها يومياً وتستمتع بأغراضه وحدها ، ربما لم تعد تبكي ، ربما دموعها أُجهدت لذا ترتاح قليلاً ، ولكن يبقى قلبها نازفاً لا يتوقف ، كانت في حالة من الانهيار التام ، حالة من التخلي عن الحياة ، رفضت الطعام ، رفضت التحدث ، رفضت الاختلاط بالبشر ، سحبوها وجاؤوا بها إلى هنا بناءاً على ترتيبٍ مسبق منه ، أمنها وخطط ليحميها قبل أن يتركها ، حتى أنها لا تعرف علاقته بهؤلاء الناس ولم تسأل أحداً عن ذلك ، تخلت عن كل الأسئلة ، كل ما تعلمه أنها كانت مستهدفة بسببِ ما علمته ورأته عن تلك العائلة ، لتترك نفسها للقدر يأخذها كيفما يريد ، ويمر يوماً وراء يومٍ وهي في حالتها تلك حتى جاءها يعانقها ، ينظر لها نظرة لوّمٍ ، يخبرها بصمتٍ أن تلك ليست من عشقها ، هو عشق القوية الحكيمة التي تُقدّر لحظاتها ، عشق الراضية بكل ما هو آتٍ ، شعرت به حولها وعندما مدت يدها تتلمسه اختفى .
لتستيقظ تنظر حولها وتبحث ولكن بات حلماً يستحيل تجسيده ، لتحاول العودة إلى النوم مجدداً وسريعاً كي تلحق به لربما أكملت هذا اللقاء .
بدأت تحاول بعدها التأقلم والخروج من قوقعة حزنها وبدأت بالتعرف على مهرة والاندماج معها قليلاً ، ولكن يأتي الليل محملاً بالأفكار التي تحتل عقلها إلى وقتٍ متأخر ثم تنام علها تراه مجدداً ، ولكن لم يكن يأتيها دوماً ، فقط بضع مرات قليلة تعد على الأصابع .
أغلقت كتابها وتنهدت بعمق ، تناولت هاتفها لترى الوقت متأخراً والنوم يغلبها لذا قامت بضبط منبه هاتفها على موعد صلاة الفجر وتمددت لتنام .
❈-❈-❈
في إيطاليا
يجلس ميشيل يتحدث مع حلفائه والمافيا الأساسية التى يتلقى منهم أوامره .
تحدث الكابو قائلاً بنبرة يشوبها الجمود :
– إنتبه جيداً ، فتلك الشحنة تعد أكبر الشحنات الممولة والتي ستدخل مصر ثم سيتم توزيعها من هناك على دول جنوب إفريقيا لتاخذ كل دولة نصيبها ، لذا فالخطأ يعني المستحيل .
أردف ميشيل وهو يرجع بظهره للخلف وتحدث بثقة :
– لا تقلق ، لقد تم التجهيز لكل شئ ، ورجالنا سافروا مصر كي يتم توزيعها بشكلٍ أسرع ، ثم لمَ القلق ؟ أنت تعلم جيداً أن لدينا في كل مكان عملاء مخلصون حتى لو كانوا من الشرطة .
أردف الكابو بجمود :
– لو كان صقراً حيّاً لما قلقت ، ولكنك تخلصت من أكفأ رجالك وأذكاهم بحججٍ واهية غير مقنعة .
تحدث ميشيل بغضب يحاول إخفاؤه :
– أخبرتك أنه قد قام بخيانتنا ، كان يريد الاعتزال بسبب إمرأة ، وعندما أجبرته على البقاء أراد قتلي ، لقد أصبح ورقةً خاسرةً وكان يجب تصفيته ، والآن ماركو يقوم بعملٍ جيد مكانه ، ومؤكد لاحظت أن في الفترة الأخيرة كم ربحنا من الشحنات التي دلفت تحت رقابته هو ، لذا لا تحزن على خائن مثل صقر .
تحدث الكابو ببرود :
– لنرى النتيجة ثم نقرر إذاً ، أراك عن قريب ميشيل .
أغلق الكابو وجلس ميشيل يفكر ، لقد اقتنع بإبنه وبذكائه خصوصاً في الفترة الأخيرة يجاهد ليثبت ولاءَه ، لقد ظن أنه كان تابعاً لصقر ولكن ماركو أثبت كفاءته في كل ما أوكل إليه من مهام إلا مهمةً واحدة يعمل على إيجادها ، تلك المرأة التي انشقت الأرض وابتلعتها ، لقد ظن أن ماركو يخفيها عنه لذا أرسل رجاله يبحثون عنها في مصر بمساعدة مصريين لا ينتمون لمصر ولكن لم يجدها أحداً حتى الآن ، وهذا ما يقلقه بالإضافة إلى قلقه على تلك الشحنة الكبيرة ، ربمَا هربت إلى أي بلدٍ ثانٍ ولكن لينتهي من تلك الشحنة ويتفرغ بنفسه لإيجادها وتصفيتها .
❈-❈-❈
يقف يبتسم لها ويفرد ذراعيه استعداداً لعناقها ، بينما هي تنظر له بحزن ، عيونها تتحدث بالكثير .
تسأله لمَ ؟ ، لمَ تركتني ، ولمَ لم تأتِ ، ولمَ وعدتني بالأفضل ، لمَ فعلت بي هذا ؟
كانت نظرته آسفة ، لا يتحدث أبداً ، تتعجب هي من صمته هذا ، لتسأله بنبرة عالية حزينة وهي تبكي :
– لمَ لااااا تتحدث معي ؟
قالتها لتنحني على ساعديها ببكاء ولكن أسرعت تعتدل فلم تجده ، شهقت وتحركت تركض هنا وهناك وسط الضباب ولكنه لم يأتِ مجدداً .
استيقظت بعد ذلك لتجد أنفاسها متلاحقة كأنها كانت تركض حقاً ، انتبهت لأذان الفجر يعلو المساجد لتتنهد بقوة وتترجل من فراشها متجهة إلى الحمام لتتوضأ .
❈-❈-❈
في الصباح تنحني تهندم فراشها برتابة وشرود ، كَثُرَ شرودها في الآونة الأخيرة وقل تركيزها تدريجياً .
حتى أنها لم تستمع لطرقات الباب إلا بعد أن تكررت عدة مرات لتنتبه وتتجه إليه تفتحه .
نظرت لها مهرة قائلة بهدوء من خلف نقابها :
– صباح الخير حبيبتي نارو ، كيفك اليوم ؟ ،، فيكِ تيجي معي لأنه زين بدوا يحكي معك بشغلة .
أومأت نارة تبتسم قائلة برتابة :
– حاضر يا مهرة ، ثواني هلبس حجابي وأجيب موبايلي وجاية معاكي .
دلفت ووقفت مهرة تنتظرها في الحديقة حتى عادت إليها بعد دقائق قليلة تبتسم مردفة :
– معلش وقفتك ؟
هزت مهرة رأسها بحب قائلة :
– لا أبداً بالأساس ما تأخرتي .
تحركت الاثنتان إلى السرايا ودلفتا ترشدها مهرة إلى مكان زين الذي كان يجلس في مكتبه ينتظرها بعد أن أخبرته مهرة في رغبتها بالعودة إلى القاهرة..
دلفت مهرة تقدمها ليومئ برأسه مرحباً بها دون النظر إليها بينما توجهت هي إلى مقعد يحتل جزءاً من الغرفة وجلست عليه وجاورتها مهرة .
تحدثت بهدوء متسائلة :
– خير يا زين بيه ؟
تحمحم زين واعتدل يرجع ظهره للخلف ويردف بترقب :
– خير يا ست نارة ، بس أم عبد الرحمن بلغتني إنك رايدة ترچعي القاهرة ، حد منينا داسلك على طرف لا سمح الله ولا زعلك واصل ؟ ، جوليلي ولو طلعت مهرة هي اللى مزعلاكي أني أوعدك هعاقبهالك .
قال كلمته ثم تبعها بغمزة من عينه صوْب زوجته التي توسعت عينيها كي تهدأ وتعلم أنه يمزح لتتنهد بإرتياح قائلة بحنو وهى تربت على يد نارة :
– ما بقدر حتى أعملها ، هي بتعرف كتير منيح حجم غلاوتها عندي ، ويللي إنت عم تعمله هلأ ما إله داعي ، مو هيك نارو حبيبتي ؟
ابتسمت نارة قائلة بنبرة يشوبها الامتنان بعدما فهمت مغزى حديثهما :
– أنا مقدرة كل اللى بتعملوه علشاني ، وحقيقي أنا مش عارفة أشكركم إزاي ، بس بمَ إن الأوضاع استقرت شوية يبقى أرجع ومالوش لزوم القعاد هنا ، لو سمحت يا زين بيه خليني أرجع أنا حقيقي هكون مرتاحة أكتر برغم إن جو المكان ومهرة والأولاد هيوحشونى جداً ، بس تقدروا تيجوا تزوروني في أي وقت وأنا كمان هاجي أزوركم أكيد .
استمع لها زين بإنصات ثم تحدث برتابة والقليل من الغموض :
– إسمعيني يا ست نارة ، كلامك ع العين وع الراس ، بس وچودك دلوك في القاهرة مهواش أمان واصل زي ما إنتِ مفكرة ، الجماعة إياهم عيدوروا عليكي ، إنتِ بالنسبالهم كشفتي حجيجتهم ودي حاچة في جانونهم عقابها الجتل طوالي ، علشان إكدة المكان إهنة أأمن مكان ليكِ دلوك ،، وكلها يومين وسيادة اللوا نجيب يديني الإشارة وبعدها يا ستي هجولك بنفسي بالسلامة من إهنة .
إبتعلت لعابها بقلق وتنهدت بعمق ثم تساءلت بفضول جديد عليها قائلة :
– يعنى هما هيتقبض عليهم ؟ ،، هو ده عقابهم ؟ .
تحدث زين بثبات :
– لاه يا ست ناردين لاه ، أني مخابرش زين عيحصل معاهم إيه ، بس دول برا مصر ، يعني عجابهم هيكون في بلادهم ، وعلى العموم اطمني ، أنى بيتهيألي إن الجواضي دي الحكم فيها عيكون للكبار جبل الشرطة ، يعنى لو متحكمش عليهم بالسجن المؤبد أو الإعدام هيتجتلوا من اللي فوجيهم .
– مش كفااااية
قالتها بقهر بعدما شعرت بوخزات تثقب قلبها لتكمل بعيون متلألئة وقهر ونبرة شرسة قوية لا تتكون من شخصيتها :
– لو قطعوهم كلهم قدام عيني مش كفاية ، ده مش هيبرد النار اللي في قلبي ، دول قتلوا حبيبي قدام عيني ، خانوه وضربوه في ظهره ، وقع من بين ايديا وسيبته هناك وجيييت ، بس مكنتش في وعيي ، مكنتش في وعيي يا صقر ، سامحني يا صقر سامحني .
قالتها بتمزق وهي تخفي وجهها حول كفيها ليتألم من أجلها وينظر لزوجته كي تهدئها وكانت بالفعل قد بدأت وهى تحاول سحب حزنها قائلة بحنو :
– لا تبكي حبيبتي ، لا بقى تبكي الله رح ينتقم منن ، صدقيني رح يبردلك نارك وإنتِ عم تسمعي كيف كانت نهايتهن ، بس لا بقى تبكي نارو دموعك قربوا يچفوا حبيبتي .
لأول مرة تظهر انهيارها أمامهم ، لأول مرة تبكي أمام أحد ، ربما رأتها مهرة خفية أو علمت ذلك من لون عينيها بعد نوبة بكاء مؤلمة ، ولكن يبدو أن طاقتها تنفذ ، كل ما تريده هو الانتقام من تلك العائلة ، فقط تريد القصاص ، تريد أن تعود للماضي ، ليتها تعود إلى قبل ثلاثة أشهر ، لكانت توجهت لهذا الملثم الذي أطلق على زوجها وشقت صدره نصفين لتنزع قلبه وتستبدله بقلب زوجها المصاب ، ليعيش بقلب مجرم قاتل حتى لو لم يحبها مرةً أخرى ولكن لتكن أنفاسه موجودة على نفس الكرة الأرضية التي تسكنها .
ولكن انتشلتها صدمتها وغابت عن الوعي في أكثر وقت احتاجها فيه ، غابت لتستيقظ وتجد نفسها في مصر وهو خارجها ، بل ووجدت نفسها بعد ذلك في الصعيد بدونه .
ظلت مهرة تهدئها ، تربت على ظهرها ، وزين يتابع بصمت وحزن وقلة حيلة ، يشعر أن عليه فعل شيء ولكنه مقيد .
رفعت وجهها الباكي لتقف قائلة وهي تنظر أرضاً :
– عن إذنكوا ، وأنا أسفة على انفعالي بس غصب عني .
اندفعت بعد ذلك نحو الخارج ثم خطت في الحديقة إلى أن وصلت لمكانها ودلفته وأغلقت تركض إلى الغرفة التي جعلتها متحف تحتفظ فيه بأغراضه ، دفعت بابها لتتجه إلى ملابسه وتحتضنها وتبكي ألماً واشتياقاً لن يطفئها انتقاماً حتى ، اشتياقاً لن ينطفئ إلا برؤياه .
❈-❈-❈
بعد يومين
موعد تعتيق الشحنة من فوق سفينة نقل البضائع ، الكل يقف متأهباً في الجمارك البحرية .
وماركو يقف على رأس رجاله بعد أن وصلت الباخرة ليلة أمس وبدأت الرافعات تنقلن الحاويات من فوق سطح السفينة إلى سطح الأرض .
كانوا في حالة انتباه شديد ، فبرغم أن هذه ليست أول مرة حيث تختفي الأسلحة داخل قطع غيار السيارات الكبيرة التي تعبر متجهة إلى المصنع التابع لشركة موراكو كي يتم تجميعها هناك لتصبح سياراتٍ متكاملة .
ها هي الشحنة أمامهم يسعون لتوقيع أوراقها بالطرق الملتوية المعتادة ويقف الجميع على وجوههم السعادة ظناً منهم أن الأمور تسير على ما يرام .
ليتفاجأ ماركو بعدة سيارات شرطة تحاصر المكان من حولهم ويترجل منها عدة رجال متجهين إليهم .
بدأ التوتر يشوب ملامح الجميع وينظرون نحو ماركو الذي لا يعي شيئاً مما يحدث .
ليأتي العقيد بهاء بهجت الحسيني بهيأته الصارمة ويقف أمام ماركو قائلاً بابتسامة تشفي وانتصار وهو يعرض عليه ورقةً ما :
– معانا أمر بتفتيش الشحنة دي ، لأن فيه بلاغ ضدكم .
وقف ماركو يطالعه بصدمة ثم تحدث بلهجة مصرية متقطعة وهو يحاول الدفاع قائلاً :
– بلاغ إيه ، كل شيء هنا قانوني وسليم ، ده كدة مضيئَة للوقت .
زفر العقيد بهاء ليقول بملل :
– متقلقش على وقتنا ، إحنا مافيش ورانا حاجة النهاردة غيركوا ، شوفوا شغلكوا يا رجالة..
قالها بصوتٍ عالٍ لينتشر رجال الشرطة حول المكان يفحصون الشحنة بدقة تحت أنظار رجال ماركو الذين ينظرون إليه منتظرين إشارة منه للهجوم .
بحثوا في أماكن مقصودة وكأن من أبلغهم أرشدهم على تلك الأماكن ليستخرجوا بعد عدة دقائق أولى قطع السلاح ثم يليه واحداً تلو الآخر ، الكثير والكثير من طلقات ومسدسات وبنادق من أنواعٍ عدة كثيرة كأن الحرب على وشك الإندلاع ، استخرجوا أسلحةً لا حصر لها تحت أنظار الجميع .
كان رجال ماركو يضعون أيديهم على أسلحتهم المخبأة وها هم يحاولون سحبها بعدما تأكدوا أن لا مفر من القتال .
ولكن أسرع بهاء الذي لاحظ غدرهم بإعطاء الأوامر لضباطه بالاشتباك وقد كان .
بدأت الطلقات تتبادل بينهما والكل مختبئاً خلف الحاويات والسيارات وماركو خلف سيارة يطلق بغضب بعدما انكشف أمرهم .
أسقط رجال الشرطة عدداً لا بأس به من رجال ماركو واستطاعوا القبض على الآخرين بينما استطاع بهاء بعد دقائق القبض على ماركو الذي لا يصدق ما يحدث من حوله .
أدخلوهم جميعاً إلى سيارات الشرطة وانطلقوا إلى مركز التحقيقات المصري ليبدأ الإعلان عن تلك الشحنة والقبض عليها بينما باقي رجال الشرطة وقفوا يجمعون تلك الأسلحة في سيارات نقل تابعة لهم
❈-❈-❈
كان ميشيل يجلس على موقد حيث يريد أن يطمئن على استلام تلك الشحنة بسلام ، التوتر حليفه فهو يعلم العواقب جيداً إن تم الإمساك بها .
هز رأسه بعنف ينفض تلك الفكرة تماماً ليتناول هاتفه ويقرر الاتصال على ماركو الذي وجد هاتفه مغلقاً ارتعب داخلياً وهو يحاول إقناع نفسه أن الأمور ستسير كما خطط لها .
كانت قد وصلت سيارات الشرطة أمام مبنى أمن الدولة حيث ينتظرها صحفيون وأفراد أمن مدربين على أعلى مستوى للتعامل مع هؤلاء الخونة والمجرمين ، انتظاراً لا حصر له ويبدو أنه مخططاً ومتعمداً .
أنزلوهم وسط طريق مشدد وصفوفٍ من رجال الشرطة مرتصين بدروعهم الواقية والكاميرات تلتقط ما يحدث وأصوات الفلاشات تتعالى لتنشر الخبر العظيم بأن قوات الأمن المصرية استطاعت القبض على أخطر تشكيل عصابي دولي كان يهدد استقرارها واستقرار بلاد شمال أفريقيا .
ترجل العقيد بهاء لينقل بنفسه ماركو إلى الداخل حيث يتمسك به وماركو يداه مكبلتان وينظر حوله بغضب فقد بدأت العدسات توثق تلك اللحظة حتى دلف يختفي خلف جدران هذا المبنى ليحين وقت الحساب .
وصل الخبر إلى إيطاليا وانتشر كانتشار النار في الهشيم ، خبر زلزل ثوابت المافيا خاصة مافيا السلاح ، خبر نزل كالصاعقة على رأس ميشيل وعائلته ، خبر سيتبع أثره أموراً كثيرة مرعبة وأولها هو اتصال من البوص ( رئيس العصابات الأول) ليرفع هاتفه ويتحدث وهذا نادراً ما يحدث ولكن عند حدوثه فالكل مأموراً بالطاعة .
قال بثبات وهو يلقي أوامره على المستمع كأنه يطلب من قائمة طعام :
– حان الآن وقت تصفية عائلة موراكو جميعها ، فلم يعد بهم رجلاً رشيداً ، أخطاؤهم كثُرت ، يكفي إلى هذا الحد ، ميشيل أصبح ورقةً خاسرة ، وليقتل أحدهم ماركو أيضاً ، كان يجب تصفيتهم بعد قتلهم لصقر ، ولكن لتصحح خطؤك الآن .
تحدث الكابو برهبة بعد سماعه نبرة الرئيس قائلاً دون نقاش :
– كما تشاء سيدي .
أغلق معه وعلى الفور رفع هاتفه يتحدث إلى رجاله ويعطي لهم الأوامر المشددة .
وبالفعل يمكن للأمر أن يأخذ فقط ساعة لتجهيز الحفلة ، انطلقت ثمانِ سيارات دفع رباعي وطائرتان هليكوبتر يحملون أكثر من ثلاثين رجلاً مسلحاً بأقوي الأسلحة كي يتم تصفية تلك العائلة التي كثُرت أخطاؤها .
كان ميشيل قد علم نهايته جيداً ، فقد أخبره الكابو منذ لحظات بأمر البوص .
لا يشفع له شيئاً بعد ذلك ، ولن يكون له متسعاً من الوقت للهرب أو الفرار ، ضاقت عليه كل الحلقات ، هو يعلم جيداً العواقب ويعلم جيداً أنّ هروبه أو اختفاؤه يعد فكرةً ساذجةً أمام قوة المافيا .
أمامه ثوانٍ ليفكر ، لا ليس أمامه أي وقت ، ولذلك لم ينتظر مجيئهم بل أخرج سلاحه المعمر بالطلقات وهو يجلس خلف مكتبه ، نظر له وابتسم ساخراً ، النهاية ليست متوقعة ، لم يكن هذا من ضمن حساباته ، ولكنه لن يسمح لأحدهم بقتله .
وضعه على رأسه ونظر أمامه نظرةً شيطانية وكأنه يرى حليفه الذي يضحك له ، فخوراً به وبمَ فعله في بني البشر ، فرحاً بفساده في الأرض ، سعيداً بانتصاره بمَ وصل إليه هذا الشيطان البشري ، لتبقى نهايته معلومة وتكن عبرةً للمفسدين ، ربّمَا لحظة وطريقة موته لن تشفي غليل مظلومٍ قط ولكن يكفي المصير الذي ينتظره سيملأ القلب راحةً في غيابه عن العالم ، فلن تعرف روحه معنى السلام ، من الآن وصاعدا بدأ وقت دفع الحساب ، لذا تحدث بعيون تعكس رعباً حقيقياً قائلاً :
– أراك في الجحيم .
أطلق بعدها على رأسه لتنفجر الدماء الملوثة منها في الحائط الخلفي وليرتطم جسده أرضاً يقع بعد أن مات في الحال .
كانت قد وصلت السيارات والطائرتين إلى هدفهما ليحاول رجال موراكو الدفاع عن أنفسهم ولكن محاولاتهم كانت فاشلة لعينة حيث استطاع رجال الكابو القضاء عليهم جميعاً بسهولة بحتة ودلفوا القصر ينتشرون ويبحثون عن أي كائنٍ حي ويطلقون عليه دون شفقةٍ حتى .
يخطون في الطرقات والمخابئ والدرجات السرية كأنهم درسوها مسبقاً ، يطلقون ذخيرتهم ببذخ ليقضوا على أي روحٍ ملوثةٍ في هذا القصر ، لم يتركوا فرداً واحداً حتى ، أصبحت الجدران متشحة بدماء عائلة موراكو وحراسهم وأبنائهم وحتى نسائهم ، لم يستثنوا أحداً قط ، تم تصفية آخر فردٍ حي ليشهد التاريخ على مجزرةٍ دمويةٍ ونهاية عادلة لتلك العائلة الفاسدة على يد من هم أشد فساداً منهم ، فاللهم دوماً اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين .
❈-❈-❈
في اليوم التالى
حيث يتم احتجاز ماركو ورجاله للتحقيق معهم .
فتحت الزنزانة التي يحتجز بها ماركو بمفرده ، قام أحد الضباط بدفع هذا المجرم المتسلسل إلى الداخل والذي أتوا به عن عمد لينهي مهمته التي كلف بها ويغادر أو يقتل بعدها ولكن عليه تنفيذها مهما كلفه الثمن .
جلس ينظر نحو ماركو نظراتٍ مبهمة حادة ، ليأتي شرطيين ويقف أحدهم يقول بحدة :
– فيه مكالمة ليك ، تعالى .
كانت يقصد ماركو الذي وقف يتجه إليه بعد أن فتح باب الزنزانة وتحرك معه ماركو المكبل نحو الخارج في الطرقات شبه المظلمة إلا من إضاءة خافتة .
بعد دقائق عاد ماركو برفقة الشرطيين حيث فتح أحدهم الباب وزجه للداخل بعنف فسقط ماركو أرضاً من قوة دفعه .
نظر له الشرطيان بغضب وتشفي وابتعدا عن مرماه بينما اتجه المجرم يمد يده له قاصداً مساندته ، ناوله يده ووقف ليجد سكيناً حاداً يخترق بطنه ويشقها أفقياً دون رحمة برغم الظلام الذي يعم المكان ، كان الآخر يبتسم ولا تظهر سوى أسنانه التي تدل على ابتسامته المنتصرة ، لقد أتم مهمته وقتله .
نفضه بعد ذلك ليسقط أرضاً غارقاً في دمائه بينما دث الآخر يده في جيبه وأخرج هاتفاً ثم أرسل رسالةً محتواها كلمةً واحدةً فقط ( تم الأمر بنجاح ) .
لتعلن القوات المصرية في اليوم التالي صباحاً عن خبر مقتل ماركو موراكو أيضاً .
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية ثري العشق و القسوة ) اسم الرواية