Ads by Google X

رواية اوصيك بقلبي عشقا الفصل الواحد و الاربعون 41 - بقلم مريم محمد

الصفحة الرئيسية

   رواية اوصيك بقلبي عشقا كاملة بقلم مريم محمد عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية اوصيك بقلبي عشقا الفصل الواحد و الاربعون 41

 “تحمّلي قليلًا فقط ؛ أنا آتٍ إليكِ !”
_ مراد

شيء واحد تأكدت منه و كان وقعه عليها مؤلمًا مُميتًا بقدر ما كان كارثيًا، و هو أن كل مما مضى، عودة “مراد”.. زواجها من “مالك”.. ثم خطبتها لـ”مراد” بعد طلاقها و زواجها منه مباشرةً بعد إنتهاء العدّة.. زفاف الأحلام.. شهر العسل.. كل الحب و الغراميات التي تاقت لعيشها برفقته… مكانت محض أوهام
حلم و انتهى !!!
كانت ستفقد عقلها فعلًا لهذه الحقيقة الملموسة، ها هي تقف أمام زوجها الحقيقي، تقف أمام “سيف” الذي حسبته ميتًا، إنه حيٌ يرزق أمامها، تعسًا لها و لحظها !!!!
-أكيد بتنامي و تقومي تحلمي باليوم ده !
شحب جسمها تمامًا و هي تسمعه يقول ذلك بنبرةٍ جمدت الدماء بعروقها، و تراجعت للخلف غريزيًا حين بدأ بالإقتراب منها كالنمر المفترس و هو يقول بصوتٍ كالفحيح :
-بتحلمي باليوم إللي تخلصي مني فيه. مش كده ؟ بس أنا مش هاسيبك إلا لما أخلص عليكي خالص يا إيمان.. عارفة إن البيت فاضي علينا إنهاردة. و مالاقتش أحسن من دي فرصة عشان أوفي بوعدي ليكي. فاكرة لما قلت لك إنك أرخص حتى من إني أعزم أقل راجل في شلّتي عليكي ؟
في الواقع نعم !
إنها تذكر ذلك جيدًا، لقد قال لها ذلك على سبيل الإهانة و المذلّة التي يكيلها لها منذ صارت زوجة له، و قد كانت تفزع من مجرد التهديد بهذا و لا يمكنها أن تستوعب إنه قد يفعل بها ذلك …
حملقت فيه و هي لا تعي نواياه الخبيثة، و لكن ترعبها نظراته الشيطانية و تضربها في الصميم، بينما يستطرد مبتسمًا بقذارة :
-أنا فكرت و لاقيت إنك تستاهلي. بجد. أصلي مش هالاقي هدية قيّمة زيك أقدمها لرجالة مهمين في شغلي و حياتي عمومًا.. انتي إنهاردة نجمة الحفلة. عاوزك تشرّفيني !
عبست بعدم فهمٍ، فاستدار ليفتح باب الغرفة، و ليظهر على الفور مجموعة من الرجال ذوى أجسام ضخمة، لم ترى في ضخامتهم طوال حياتها، وجوههم مسوّدة، تكوينهم الجسماني عجيب، مرعب، الصدمة جعلتها لا تولي تركيزها كله في أشكالهم، بل في الكارثة الجديدة المحيقة بها …
-اتفضلوا يا رجالة ! .. هتف “سيف” داعيًا رفقته للدخول
فتوافد داخل الغرفة عدد ثمانية أفراد تقريبًا، بالكاد صحت “إيمان” من صدمتها و تحرّكت متقافزة بالمساحة الآمنة التي تفصلها عن أولئك الذئاب، تحاول إيجاد شيء تستر به نفسها، جسمها الذي يغطيه قميصها الرقيق، رأسها العاري
لكن لا شيء، لا شيء إطلاقًا، فتلقائيًا رسخت بمكانها و هي تصرخ مستغيثة بزوجها :
-سيــــف. إيه إللي بتعمله.. طلّعهم برا. طلّعهم يا سيف !!!
ندت عنه ابتسامة إبليسية و هو يقول بلهجة متضخمة لا تشبه البتّة صوته المألوف :

-دول مش طالعين من هنا. إلا لما تسلميهم نفسك. زي ما عملتي قبل ما تتجوزيني مع ابن خالتك.. هاياخدوكي بالذوق أو حتى بالعافية !
و بهذا المرسوم المفجع الذي تردد صداه في جنبات الغرفة، سار إليها الرجال تباعًا، و قد فشلت بالهرب منهم مع أول خطوة فكرت أن تتخذها بعيدًا عنهم، دفعها أحدهم صوب الفراش بعنفٍ أنتزع من صرخةٍ مدوية، لكن ذلك لم يردع الذئاب عنها، تكالبوا عليها جميعهم في مشهدٍ لحيوانتٍ بريّة تنقض على غزالة
أمام زوجها تجري عملية اغتصابها، تتعرّى تمامًا و تغتصب بالفعل و هي تصرخ و تبكي و تناديه حتى كادت أحبالها الصوتية تتمزّق :
-سيــــــــــــــف.. سيـــــــــــــــــف …
و لكن عبثًا
دون أيّ جدوى
كان عليها أن تعاني هذه المرة من أبشع واقعة خشتها على الإطلاق
و ما من منقذ لها …
*****
حاملًا في يده عمل السوء، حساء الشر، عاد “مراد” إلى المشفى ليجد “أدهم” قد انضم لخالته، الإثنان بداخل الغرفة الخاصة التي نقلت لها زوجته، زوجته الراقدة فوق السرير الطبّي، غائبة عن الوعي، تبدو و كأنها نائمة، لا حول لها و لا قوة
و لكن من إنكماش جفناها، يستطيع تخمين سجايا العذاب التي تعيشها داخل رأسها، ما أعظم معاناتها، تلك الفتاة و الصبيّة و المرأة الناضجة، كم تعذّبتِ بحياتك يا “إيمان” …
-مراد ! .. هتفت “أمينة” من حيث تقف عند رأس ابنتها
إلتفت “أدهم” نحو ابن خالته و زوج أخته، كانت حالته مزرية كما يرى، أشعث الرأس، ذقنه نامية، الهالات السوداء تحيط بعينيه، كان ضائعًا …
-كنت فين يا باشا ؟
بدت لهجة “أدهم” هجومية بالرغم من ملاحظته حالة “مراد”.. بينما الأخير لم يكن يملك أيّ طاقة تخوّله الخوض في مجادلات… أقبل صوب سرير زوجته.. ألقى نظرة مطوّلة عليها و هاله ما رآه في ملامح وجهها !
كأنما تنازع وحوش، كأن الفزع يفتك بها فتكًا، و كما لو أنه كان بحاجة لدفعة تحسم له قراره… أفاق مرةً أخرى على صوت “أدهم” الغاضب :
-انت ليه بتتصرف من دماغك. و إيه إللي وداك عند عمتي ؟ أمي عرفت كل حاجة من لمى. ليه ماستنتش لما أجي و نتصرف سوا. بص لي هنا و قولي عملت إيه !؟؟
لم يقاومه “مراد” و هو يقبض على ذراعه ليديره تجاهه، صدم “أدهم” الآن لمرآى تعبير الأخير، كان باردٌ كالموتى، بشرته شاحبة، و كانه بالفعل مقبلٌ على فخٍ مُميت …
-إيمان لوحدها يا أدهم ! .. نطق “مراد” أخيرًا بصوتٍ لا حياة فيه :

-إيمان بعد ده كله. ماتستاهلش تتساب لوحدها.. لازم أكون معاها !
عبس “أدهم” متسائلًا بدهشة :
-انت بتقول إيه !؟
نظر له بقوةٍ و كرر بهدوء كأنه يوصيه :
-أنا لازم أكون مع إيمان.. و انت. انت كمان مش هاتسيبها. اوعى تسيبها يا أدهم
تمتم “أدهم” مجفلًا :
-طيب اهدى. اهدى يا مراد. انت أعصابك آ …
قاطعه “مراد” بحزمٍ :
-أنا خارج أعمل تليفون. ماتتحركش من جمبها. سامعني ؟ هاتعمل كل إللي في وسعك لحد ما تخرجها من إللي هي فيه
و أشاح عنه ملقيًا نظرة أخيرة عليها، كأنه يودعها، ثم منح خالته و ابنها ابتسامة باهتة ما هي إلا اعتذارٍ صامت عن كل خطأ اقترفه بحقهما، عن الخيانة و طعن شرف العائلة كلها …
لم يفهم كلاهما طبيعة نظراته على وجه الدقة، بينما يخرج أمامهما بمنتهى الهدوء، قالت “أمينة” بلهجة قلقة :
-و بعدين يا أدهم. قولي هانتصرف إزاي. أختك بتضيع مننا !!
يكز “أدهم” على أسنانه و لا زال يحدق في إثر “مراد”.. إستدار محدقًا في أمه و هو يقول بغلظةٍ :
-مافيش فايدة. عمتي راجية هي زي ما هي. الشر بيجري في جسمها بدل الدم !
أمينة بنفاذ صبرٍ :
-أنا مش في عمتك دلوقتي. ياكش تولع. أنا في بنتي. هانسيب أختك كده يا أدهم ؟؟
فتح فاهه مجددًا ليرد عليها، لكنه لم يكاد يفعل، إذ اقتحمت الممرضة الغرفة فجأة صائحة :
-دكتور أدهم. الأستاذ إللي لسا خارج من عندكوا لاقيناه واقع برا. مش عارفين ماله و لا عارفين نفوّقه !!!
*****
المشهد يتبدّل من حوله، لقد كان منذ لحظات برواق المشفى بعد أن خرج م غرفة زوجته ليحتسي من تلك القنينة، بمجرد أن رفعها عن فمه، وجد نفسه هنا !
في مكانٍ يعرفه جيدًا، شقة فاخرة، نوافذها توضح بأن البناء عبارة عن ناطحة سحاب، العلو الشاهق، البخار المائي المحيط بالمساحة المربعة.. إن لم يكن في مخطئ و هو حتمًا لا.. فهو الآن قد انتقل بطريقةٍ ما إلى شقة الزوجية التي شاركته العيش بها “هالة البحيري”.. طليقته

إذن.. هل هذا بالفعل أكبر مخاوفه !؟
أن يلتقي بها من جديد !!
-مراد !
و ذاك الذي لم يحسب له حسابًا
لا يمكن أن تكون الدجالة على حق
من أين عرفت ؟ أنّى لها أن تعرف أن لقاء كهذا كفيلٌ بزعزعة تماسكه !؟؟؟
اللعنة !
إنه حتى لم يرها بعد، إنما فقط سمع صوتها منبعثٌ من ورائه، تلك التي كان يعشقها يومًا ما، الفتاة التي أختارها و تزوجها و خطط لقضاء حياته معها.. “هالة”.. إنه معه الآن.. معه …
-حبيبي ! .. همس حميمي بأنفاس ساخنة ملاصق لأذنه
ليكتشف بأنها صارت تحتضنه من الخلف، الآن، تضمه بذراعيها، تناجيه بصوتها الأنثوي أرق من النسمات :
-وحشتني أوي. ياااااه. وحشتني يا مراد. أنا مش مصدقة.. انت رجعت لي تاني يا حبيبي. انا و انت بقينا مع بعض. مراد.. حبيبي مراد !
صوتها وحده، يعبث بعقله كمفعول الخمر ينسيه واقعه و الهدف الذي خاض من أجله تلك المغامرة الخطيرة، لوهلةٍ صدق بأنه معها بالفعل، و كأن هذا كله ليس وهمًا، ارتفعت يداه ممسكًا بذراعيها المحيطان بجزعه، رفعهما عنه ليتمكن من الاستدارة إليها، و علقت أنفاسه بصدره لحظة وقع بصره عليها !!!
تبًا لهذا
تبًا
إنها هي، يُقسم إنها هي، هي نفسها “هالة” و كما يحب أن يراها تمامًا، جميلة، فاتنة، مبتسمة، تبادله العشق بأشدّ مِمّ يبادلها و قد تجلّى هذا في نظراتها الوالهة به و هي ترنو إليه هكذا بطريقة لم يعهدها من قبل …
-أخيرًا رجعت لي يا حبيبي ! .. همست له “هالة” باغواءٍ دومًا ما فلح معه
شملها “مراد” بنظراتٍ مبهورة، حائرًا بين مشاعره، قبل عام تقريبًا كان يتوق للعودة لها، كاد يفقد عقله عندما طلّقها و صارت محرمةً عليه، و ها هي الآن بين يديه، تبدي له حبها، فهل يرفض !؟
هذه الزوبعة المتفاقمة بعينيه قرأها الكائن الذي يواجهه، لتبزغ ابتسامةٍ ماكة على شفتيّ “هالة” المزعومة، تقرّب وجهها إلى وجهه متمتمة برقةٍ متناهية :
-أنا مش هاسيبك من إنهاردة. أنا ما صدقت ترجع لي. هانفضل مع بعض للأبد.. بحبك يا مراد …

و شبّت قليلًا لتقبّله على فمه، فمبجرد أن مسّت شفاهها شفته السفلى ارتفعت يده و قبض على عنقها بقوةٍ، برزت عينيّ “هالة” بصدمة و هي تقول بصعوبةٍ لضغطه على أوردتها و حنجرتها :
-مراد. انت بتعمل إيه. شيل إيدك. انت بتخنقني !!
اخشوشن صوت “مراد” و هو يرمقها بوحشيةٍ :
-إنتي مش هالة !!!
و فجأة تلاشى ذعر الأخيرة.. لتحل ذات الابتسامة الشيطانية مكانه و هي تنظر إليه بخبثٍ الآن و تقول :
-كان أحسن لك تتعامل معايا عادي. كده بوّظت اللعبة. شوف ممكن تستحمل تقضي معايا أيامك الجاية إزاي !
ابتسم “مراد” باستخفافٍ و هو يرد :
-و انت أو انتي مفكرة إني هفضل هنا كتير ؟ أنا خارج من هنا قريب أوي
خرج الصوت الشبيه بصوت “هالة” عاديًا و كأنه لا يدّعي الإختناق :
-وريني شطارتك !
استفزه التحدّي الذي تلقّاه من ذاك أيًّا من يكون، فاحتدمت الدماء بعروقه و هو يستوجبها بخشونة :
-إيمـان فيـن ؟؟؟؟
واصلت الأخيرة مضايقته قائلة :
-فتشني يمكن تلاقيها …
تقلّصت عضلات فكّه بغضبٍ ثائر، و مع ذلك بقيّ هادئًا، لترفع “هالة” المزعومة يدها مزيحة قبضته عن عنقها بسهولةٍ و هي تقول بصوتٍ مغناج :
-انت مش خايف مني. و ده واضح جدًا.. مش مشكلة. إيه رأيك نعمل إتفاق. أنا ممكن أخلّي حياتك معايا هنا جنة. انت مش كان نفسك ترجع لهالة ؟ هالة أهيه بين إيديك. يلا اعترف. اعترف إنك مانستهاش. و إن أكبر خوف في حياتك إنها تظهر تاني و انت خلاص اتجوزت إيمان. اعترف إن الفكرة عمرها ما راحت من بالك. لو هالة ندمت عليك و رجعت. ممكن تسيب إيمان عشانها.. قول إنك بتحب هالة و إيمان كانت مجرد وسيلة تنسيك حبك. قـول !!
تغالظت لهجتها بالكلمات الأخيرة، و تسمرّت نظراتها الحمراء على عينيه الرماديتين، ظل تعبيره واجمًا، لم يرد بشيء، فطفى ما يشبه الغيظ على سلوك ذلك الكائن، لتقول نسخة “هالة” بانفعالٍ و قد انتفخ شعر رأسها و حاجبيها مثل قطةٍ في طور الهياج :
-ماتحاولش تقاومني. لازم تستسلم. انت مش هاتلاقي إيمان. و مش هاتعرف تخرج من هنـا !!!
__________

سلسلة العذاب لا تنتهي
و لا تعرف كم لبثت من أيامٍ دون ان تعي أو تكتشف حقيقة المؤامرة، كل ما تعرفه إنها مستعبدة، تصدق ما يحدث لها، نجحت الخطة و توّهمت بأنها تعيش الإعتداءات لأيامٍ، كم يوم مرّ عليها و زوجها يحضر لها الرجال ليغتصبوها أمام عينيه ؟
لقد تدمرت حقًا
لا سيما حين صوّب نحوها كاميرا ليسجل لحظات خزيها و هي عارية بين يديّ الرجال و يخبرها :
-كنتي مفكرة إني ممكن أختفي بسهولة من حياتك. كل إللي بيحصل ده هايوصل لإيد أدهم أخوكي. هايشوفك على حقيقتك. هايشوفك زي مانا شايفك من أول يوم اتجوزتك.. مومس !
بقليل من الجهد، كانت لتدرك الخدعة التي تُمارس عليها، و لكن ما يحدث بدا حقيقيًا، حسيًا، إنها تشعر و كأنه يحدث بالفعل، و قد استنزفت كل طاقتها في البكاء و المقاومة، لم تصمد، لم تنجح محاولة واحدة لردع الشر عنها
و لا تعرف كيف تبدّل المشهد من حولها، من شدة الكمد لم تهتم بالتغييرات التي طرأت، وجدت نفسها فجأة بهذا المكان، مكبلة من يديها إلى عامودٍ خرساني، تماثل أمامها كلًا من “سيف” و “أدهم”… “أدهم” !!!!
لقد جاء
لقد أخبره.. ها قد تحقق أبشع كوابيسها… شقيقها يقف أمامها.. علم بكل بشيء.. يواجهها و الغضب يعتمل بنظراته و نبرات صوته التي شابهت صوت أبيها إلى حدٍ كبير :
-انتي تعملي كده. انتي تقعي في الذنب ده. أختي أنا.. أختي انا تزني. أختي إللي ربّيتها. إللي اتعلمت من أبونا الشيخ صلاح عمران و إللي علّمتها بنفسي.. انتي توسّخي اسم عيلتنا. تحطي راسنا كلنا في الوحل. انتي يا إيمـان !!؟؟؟؟
تفلت الشهقات من بين شفاهها الآن و هي تنطق باكية بضعفٍ كمن يهذي :
-ماكنش قصدي. كل حاجة حصلت غصب عني. أنا حبيت مراد. و سيف غدر بيا.. أنا خلاص مش عايزة أعيش. مش عايزة. أرجوك ريّحني يا ادهم. ريّحني من العذاب. مش قادرة أتحمله. أرجوك …
رد عليها أخيها بقساوة اقتنعت باسحقاقها :
-احنا إللي هانرتاح منك. أكيد.. بس مش قبل ما أبري ذمتي قدام أمك. أمي لازم تعرف بنتها عملت إيه !!
هزت “إيمان” رأسها ترجوه و ترجوه، تتوسله :
-لأ. عشان خاطري. لأ يا أدهم

و لكنه ابتسم ببرودٍ غير مباليًا، أشار لها برأسه للأمام، فتبعت إشارته، لترى عبر واجهة زجاجية، والدتها تقف أمام رجل، تجادله و هي تتساءل بذعرٍ واضح عنهما :”ولادي فيــــن؟”
راقبت “إيمان” بقلبٍ واجف ما يجري بالخارج و كأنها تراه عن قرب، من جميع الجهات …
-بنتك يا حجة أمينة ارتكبت كبيرة من الكبائر. الزنا.. و هي بنفسها اعترفت بخطيئتها. و بموافقتها بردو هتنال جزائها. لاجل ما تطهر منه في الدنيا. بدل ما يخلص منها في الآخرة. و انتي عارفة الفرق بينهم إيه !
جحظت عينيّ “أمينة” و هي تسأله لآخر مرة لتتأكد من شكّها :
-تطهر منه إزاي !؟؟
جاوبها الآخير مكشرًا بقتامةٍ :
-حسب اعترافاتها فعلته قبل الزواج. يعني تقع عليها نصف العقوبة.. أي الجلد. بنتك يا حجة هاتُجلد مائة جلدة. و إللي هاينفذ الحد فيها إبنك. الدكتور أدهم !
و هنا فقدت “أمينة” صوابها فورًا صارخة :
-لأااااااااااااااااااااااااااا. لأاااااااااا. أدهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم. أدهــــــــــــــــــــــــــــم !!!!
على الطرف الآخر تنهار “إيمان” بدورها و هي تعاود النظر إلى أخيها، و كان عزاؤها الوحيد بأنها مسألة وقتٍ، هي واثقة من إنها النهاية
كل شيء سينتهي
بقي القليل
القليل فقط …
___________
لم يزيده ثورانها هذا إلا إصرارًا على هدفه، و ثقة بأنه قادرًا على الخروج من هنا، رغم كل المؤشرات التي تؤكد عدم إمكانية ذلك، فهذه الشقة بلا أبواب أو نوافذ مفتوحة
إنه حبيس
فكيف سيخرج !؟
بدأت نسخة “هالة” المزعومة تستعيد قتاع الخبث الواثق و هي ترى حيرة “مراد” تتزايد، و قالت كأنما انتصرت بالفعل :
-مافيش قدامك غير الاستسلام. طاوعني.. و أنا هاعيّشك الباقي كله مبسوط و مرتاح !
ما لم تعرفه أن صمته لم ينم عن حيرة، بل كان يدرس كلامها، و لا يعرف ما الذي ربط بين الأبواب و كلمة السر بعقله، لقد قفزت هكذا بخاطره تدلّه على المخرج الوحيد
كلمة السر

درس من دروس زوجته، كلّما ضيّعت شيء، كلّما أرادت شيء، لا تردد سوى جملة واحدة.. و هي ما صاح بها ملء فمه و هو يصوّب نظراته القوية لعينيّ خصمه :
-الله أكبر !!!
يجفل للحظة حين يختلّ كل شيء من حوله، و كأن العالم يتهاوى، بينما المجسم الذي إتخذ شكل طليقته و كأنه بناء من رمال آيل للسقوط، ابتعدت عنه في الحال و قد ارتسم الرعب على وجهها الشيطاني …
ابتسم “مراد” بانتصارٍ من حقه هو الآن، فقالت الأخيرة بلهجتها الغليظة الحقيقية :
-حتى لو عرفت تخرج. مش هاتقدر تخرجها. لازم هي إللي تقرر !
و صدر صوت أقفال في هذه اللحظة، لينظر “مراد” و يرى بوابتين مجاورتين بالجدار أمامه، و سمع صوتها من ورائه تقول قبل أن تختفي :
-قدامك باب يخرجك من هنا. و باب يوديك لإيمان. عندك فرصة واحدة بس عشان تخرج. لو روحت لها و ماخرجتش. هاتفضلوا هنا للأبد !!!
___________
أمامه سريران بالغرفة، بعد أن كان سريرًا واحد، صارت أخته و زوجها في نفس الحال، غائبان عن الوعي لنفس الأسباب المجهولة، هذه “إيمان” و هذا “مراد”.. كيف يصنع الآن ؟
-دكتور أدهم !
إلتفت “أدهم” نحو زميله الذي اقتحم الغرفة في هذه اللحظة ممسكًا بتقريره الطبّي …
-نتيجة التحاليل طلعت. العقار المتبقي مع زوج أختك بيحتوي على نسبة على من مخدر إكستاسي
أخذ أدهم الأوراق من بين يديه و تفحصها عابسًا، قامت أمه من مكانها تقف إلى جواره و هي تكف عن البكاء الصامت بصعوبة، تصيخ السمع فقط لتطمئن، بينما يدمدم “أدهم” :
-دي حبوب هلوسة !
أومأ زميله قائلًا :
-بالظبط. نسبته كبيرة جدًا. و كمان في مكونات تانية معظمها أعشاب و حمض نووي. مركبات معقدة بس مش هي السبب الرئيسي في فقدان الوعي. السبب الرئيسي للأسف غير محدد لغاية لدوقتي
زم “أدهم” شفتيه و هو يومئ متفهمًا و قال :
-تمام يا دكتور. متشكر. هما على كل حال هايفضلوا تحت الملاحظة. و بأمر الله الليلة دي هايناموا في بيتهم. مش هنا !
يصرف “أدهم” زميله أولًا، ثم يستأذن من والدته لبضع دقائق، و عندما عاد طلب منها أن تنتظر قليلًا بالخارج فأطاعته

ليتوّجه نحو الطاولة الوحيدة بالغرفة و يصب كاسًا من الماء، يضيف له كميّة وفيرة من الملح و يغطّي فوّهته بكفّه و هو يحرّك شفتيه بقراءة بعض الآيات القرآنية و الأدعية
ينتهي بعد دقائق، ثم يمضي صوب أخته، يدس يده أسفل عنقها و يرفعها عن الوسادة ليتمكن من دفع الكأس إلى حافة فمها …
-بسم الله ! .. يردد “أدهم” بحزمٍ واثقًا مِمّ يفعل
يترك شقيقته و ينتقل إلى “مراد”.. يفعل معه المثل
ثم يقف بين الإثنان و لا زال يمسك كأس المياه، إتسم وجهه بتعبيرٍ صارمٍ و هو يخاطب كليهما و كأنهما يسمعانه :
-مراد و إيمان. انتوا سامعينّي. انتوا كويسين. إللي فيكوا ده مش حاجة. انتوا متخدّرين. وعيكوا في إيديكوا. انتوا إللي تقدروا تصحوا بنفسكوا. محدش فيكوا يصدق الخدعة دي. أي دجل أو خرافة مالهاش أصل و لا معنى.. أنا عارف إنكوا سامعينّي.. بأكدها تاني. دي خدعة. ماتصدقوهاش !!
______
كانت تستعد لأول ضربة من السوط، و لا تعرف كيف جاء “مراد”.. لم يكن هذا ما تريده
لكنه أتى، شعرت بذراعيه تحيطان بها، و سمعت صوته يخترق أذنيها :
-إيمـــان. فتّحي عنيكي. بصيلي. إيمان. ده مش حقيقي. إللي شوفتيه كله مش حقيقي. إيمــان …
لكنها لم تنصت له
لم تصدقه
لم تسمع سوى صوت أخيها، و لم تصدق إلا ما قاله، عندما إنبعث صوته من مكانٍ ما، يخبرها بأنها خدعة، كل هذا محض خداع، أوهام لا أساس لها
إنفتح جفناها في هذه اللحظة، لتصطدم برؤية “مراد”.. يطلّ عليها ممسكًا وجهها بكلتا يداه، القلق ملء عينيه …
-مراد ! .. نطقت بصوت يقطر ألمًا
طمأنها “مراد” مآزرًا :
-ماتخافيش. أنا هنا جمبك. مش هاسيبك أبدًا. بس ساعديني يا إيمان.. سمعتي أدهم. ركزي في كلامه. أنا مش هاخرج من هنا إلا بيكي !
بدأ العالم المصطنع يتهاوى من حولهما بالفعل، كلّما صدقت ما قاله أخيها، كلّما استمعت أكثر إلى “مراد”.. أغمضت عينيها مطلقة صرخة من أعمق أعماقها لكي لا تترك شيئًا بداخلها و هي تتحرر من كل هواجسها و كوابيسها …
*****
يصب “أدهم” ما تبقّى من كأس المياه في راحة يده، لينثرها فوق وجهيّ “مراد” و “إيمان” بالتساوي و هو يردد بصوتٍ مسموع :

-أعوذ بالله وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر
أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا. أعوذ بكلمات الله التامّة من كلّ شيطانٍ وهامّةٍ وكلّ عينٍ لامةٍ
أعوذ بكلمات الله التامّات من شرّ ما خلق
اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد
بسم الله الرحمن الرحيم.. لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
بسم الله الرحمن الرحيم.. قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا*وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا
بسم الله الرحمن الرحيم.. «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسارًا»
بسم الله الرحمن الرحيم.. قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ۝ قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ۝ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ۝ قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ۝ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى …
لم يتوقف لسانه عن ترديد الآيات، بل أزاد و هو يرى بوادر عودة كليهما إلى الوعي… ثم جاءت صحوة “مراد” أولًا
إذ انتفض من السرير فاتحًا عيناه على مصراعيهما و هو يسعل بحدة، قفز من مكانه تجاه النافذة القريبة، ليفرغ معدته على الفور …
إتجه “أدهم” نحو أخته الآن مناديًا إيّاها بحزمٍ :
-إيمان. فوقي. إصحي يا إيمان. انت سامعاني.. أنا أدهم. إيمان !!
تمتمت “إيمان” بصعوبةٍ و من تحت وطأة الغصّة شديدة المرارة بحلقها :
-أدهم !
لم تفتح عيناها بعد، و قد استشف “أدهم” رغبتها بالتقيؤ هي الأخرى، فحملها على الفور من السرير إلى المرحاض الملحق بالغرفة، ما لبث أن تبعهما “مراد” مرنحًا، في نفس اللحظة التي ولجت فيها “أمينة” مذهولة و فرحة في آن
تهاتفت من وراء ظهريّ “مراد” و “أدهم” :
-إيمان. بنتي.. يا حبيبتي يابنتي. يا حبيبتي …

*****
ملأ الصياح المعترض البيت القذر للدجالة الملعونة …
ركلت المرجل المشتعل و هي تحتج على الأخبار التي وصلت إليها، و لا ينفك لسانها يردد بغيظٍ شديد :
-لأ. لأ يا راجية.. يا غبية. حسابي معاكي بعدين. انتي كنتي هاتضيعيني أنا. ماقولتليش إنه قادر كده. ماقولتليش إنه عارف.. عارف بيعمل إيه… أنا مقدرتش عليه. بس أنا هقدر عليكي انتي. أصبري عليا يا راجية !!!
*****
-غسيل معوي ! .. قالها الطبيب الشاب مدهوشًا
ابتسم له “أدهم” ببساطةٍ و قال :
-المركبات إللي دخلت جسمهم كانت عن طريق أكل أو شرب. فكرت أعمل محاولة و الحمدلله نجحت
آيده الطبيب قائلًا :
-كنا هانعمل كده بالفعل بس لما يفوقوا. الفكرة إنهم فقدوا الوعي بطريقة غريبة. لو استنيت شوية كنا عملنا غسيل المعدة على أي حال عشان نلحقهم بس. كويس إنها ماطلعتش حالة تسمم
انضم طبيب ثالث لهما مضيفًا :
-خبرة الدكتور أدهم جديرة بالإشادة. احنا نضم المستشفى بتاعتنا على بتاعته و نستفيد أكتر منه. ماينفعش كده
مازحه “أدهم” بلطفٍ :
-زي ما انتوا. أنا ممكن أحط نفسي تحت الطلب. بدوام جزئي يومين في الأسبوع !
تضاحكوا بمرحٍ أمام الغرفة الخاصة لشقيقته …
أما بالداخل فقد بقيّ “مراد” برفقتها، لم يتركها طرفة عينٍ، بينما ذهبت “أمينة” لتحضر “لمى” من المنزل و بعض الملابس من أجل ابنتها
تنعمت “إيمان” بأحضان زوجها الدافئة، خائفة، تائهة، ضربات قلبه المنتظمة تعيد إلى نفسها الأمان، يميل “مراد” برأسه على جبينها مغمغمًا :
-مش عايزة تقوليلي حاجة ؟
طال انتظاره لثوانٍ، ثم جاوبته بصوتٍ مهزوز :
-مش فاكرة حاجة. كل إللي جاي في بالي سيف.. صور من كوابيس قديمة كنت بشوفها. بس مش فاكرة أي حاجة. آخر حاجة فكراها أنا و انت كنت في البيت. كنت بتديني الدوا. و بعدها صحيت هنا !

و صمتت لبرهةٍ، لتسأله :
-و انت ؟
ندت عنه تنهيدة عميقة و هو يرد عليها برفقٍ :
-أنا كمان مش فاكر أي حاجة. كأني نمت عادي و شفت لمحات من أحلام أو مواقف قديمة.. مافيش حاجة محددة !
رفعت “إيمان” وجهها لتنظر إليه في عينيه مباشرةً، و استوضحته بفضول :
-قولي ليه عملت كده !؟
-إيه إللي عملته ؟
-ليه خاطرت بحياتك. شربت من إللي اتحطلي في العصير. إللي بنتي حطته ليا !
مراد بجدية : إيمان. احنا اتفقنا. لمى مالهاش ذنب. هي اتصرفت غريزيًا. كانت حاسة إنها خسرتك و عايزاكي ليها لوحدها. و هي اعترفت لي إني أنا إللي كنت مقصود مش انتي
-بردو ماتتوهش الموضوع. قولي ليه عملت كده !؟؟
احتفظ بالرد لدقيقةٍ.. ثم قال صراحةً :
-أنا مافكرتش لما خدته من الست الدجالة دي. افتكرت إنهم سمموكي. فكرة إني خسرتك للأبد مقدرتش أقبلها. قلت مش هاسيبك لوحدك. إللي يسير عليكي لازم يسير عليا.. أنا عمري ما اتحطيت في اختيار. بس إنهاردة حاسس إني اتخيّرت ما بينك و بين هالة. جت في بالي دلوقتي حالًا. لو وقفت جمبك دلوقتي منغير قيود تمنعني عنها. هاسيبها هي وهاختارك انتي. انا أصلًا اخترتك يا إيمان. اخترتك !
و فجأة رآى البريق العسلي لعينيّ المها خاصتها، امتلأت عيناها بدموع السعادة، و ارتفعت أناملها ملامسة وجهه و هي تقول بصوتٍ مثقل بالعاطفة :
-و أنا ماحبتش غيرك. و لا عمري اتخيّلت حياتي غير معاك.. انت حياتي يا مراد …
كانت تلوح قبلة في الأفق خاتمة حديثهما الحميمي، لولا ظهور “أدهم” عند مدخل الغرفة متنحنحًا :
-مش قادر أصدق إني بتعامل مع اتنين متهورين و مضطر أستحملهم زي أخواتي طول عمري !
نظرا كلًا من “أدهم” و “إيمان” إليه، ابتسما له و قال “مراد” :
-قدرك إننا اخواتك فعلًا. لكن انت مش مضطر تستحمل تهوّرنا. أنا شخصيًا هاعفيك من ده قريب جدًا
عبس “أدهم” متسائلًا :
-اشرح من فضلك !

نظر “مراد” إلى وجه زوجته ذي التعبير المستغرب و أجاب :
-أنا قررت أخد إيمان و لمى و أرجع بيهم على لندن. هانعمل فريش ستارت كلنا.. إيه رأيك يا إيمي ؟
رفرفت “إيمان” بأهدابها قائلة :
-مش عارفة. أنا عمري ما فكرت إني أسيب هنا و أسافر !
-مش هاتكوني لوحدك. أنا و لمى معاكي. و ماما و بابا و تيتة نازلي.. هناك هانبدأ من جديد. هانأسس حياتنا و عيلتنا الكبيرة. و أكيد هانزور هنا كل فترة. صدقيني التغيير ده هاينفعك. هاينفع لمى كمان. هانبعد عن أي حاجة ممكن تضايقنا
صمتت “إيمان” بتفكيرٍ، ليقطع “أدهم” حبل أفكارها قائلًا :
-أنا شايف إن مراد عنده حق. سفرك هو الحل الوحيد لمشاكلك كلها يا إيمان.. بيقولوا الإنسان مش ممكن يبقى كويس في المكان إللي تعب فيه. انتي قدامك فرصة تغيّري حياتك. أنا بشجع قرار مراد !
ابتسمت “إيمان” دون أن تعطي موافقة نهائية …
و في هذه اللحظة انضمت طفلتها برفقة “أمينة” إليهم، و ركضت “لمى” رأسًا إلى أحضان أمها باكية :
-مامـي !
حملها “مراد” من ذراعها ليجلسها على حضن “إيمان”.. تقبلتها دون أيّ تعنّت أو غضب
بل ضمتها “إيمان” بحنانٍ و أخذت تمسح على شعرها، لتجهش الصغيرة بالبكاء أكثر مغمغمة في صدر أمها :
-مامي. أنا آسفة. أنا ماكنش قصدي. تيتة راجية …
-خلاص يا لمى ! .. قاطعتها “إيمان” بحزمٍ لطيف
شددت ذراعيها من حولها مضيفة برفقٍ :
-أنا عارفة كل حاجة. و مش زعلانة منك.. مش زعلانة يا حبيبتي
ابتعدت “لمى” قليلًا لتنظر في وجه والدتها قائلة و دموعها تجري فوق خدّيها :
-أنا مش هعمل كده تاني. و هاسمع كلامك انتي و بابي مراد.. أنا بحبك يا مامي
أحاطت “إيمان” وجهها بكفّيها متمتمة بحبٍ جارف :
-و أنا بحبك يا روح أمك. بحبك أوي !
و عادت لتضمها مرةً أخرى أمام نظرات السعادة المحيطة بهما من العائلة

أخيرًا.. اكتملت العائلة !

google-playkhamsatmostaqltradent