رواية والتقينا (كاملة جميع الفصول) حصريا عبر دليل الروايات بقلم ندى ممدوح
رواية والتقينا الفصل الرابع عشر 14
14_حمل
تفاقم الغضب في جوانح بلال، وانتفخت أوداجه وهو يتجه إلى القهوة، الذي علم إن عماد بداخلها، وولجها وكل خلجة من خلجاته تشف عن عصبيته، وهو يركل بقدمه إحدى المقاعد، لتتصاعد شهقات الرجال ذهولًا من حالة بلال التي لأول مرة تطفح على الملأ..
فقد كان معروفًا بينهم بحسن الخُلق..
هادئ لا يميل للعدوانية..
ونادرًا ما يتشاحن مع احدهم..
ما أن لمحه عماد مقبلًا نحوه كعاصفة هوجاء ترك قدح الشاي من يده، وهو يغتصب بسمة منفعلة، خائفة، مغمغمًا:
_أبو نسب تعالَ اتفضل.
_ما أنا هتفضل على روحك بإذن الله.
صرخ بها بلال وهو يجذب عماد من تلابيب ملابسه، وعماد يهتف متوترًا، وجلًا:
_اهدى يا بلال في إيه مالك، بتمسكني كده ليه؟
فدار به بلال ثم دفعه خارج القهوة، هاتفًا:
_وليك عين تسئل في إيه؟ دا أنا هندمك على اليوم اللي اتجوزت فيه أختي.
فنهض عماد منفضًا كفيه من سقطته، وهو يردد:
_آه هي اشتكتلك؟! إيه يا عم وانت مالك مراتي وبربيها.
لم ينطق بلال، لم يقو على سماع المزيد، فلم تكد العبارات تنفذ إلى أذنيه، حتى انقض على عماد مبتغيًا تهشيم ذراعاه اللذان أرتفعا على أخته، وتلاحما بشجارٍ عنيف، كان الظافر فيه بلال لولا الرجال الذين تجمعوا حولهم في حلقة دائرية، وطآئفة تمسك بعماد النازف، وأخرى ببلال وبينهم سعيد، وبلال يصرخ:
_هطلقها يا ابن الـ*****
وعماد يجيبه في عناد:
_مش هطلقها وبيني وبينكم المحاكم، وهطلبها في بيت الطاعة ويا انا يا انتم.
أفلت بلال من بين الرجال وهم أن يمسك فيه مرة أخر، لولا سعيد الذي شل حركته من الخلف وهو يهتف:
_اهدى يا بلال الامور مش بتتحل كده.
وجاهد بلال كي ينفلت من بين ذراعيَّ الرجال وسعيد وهو يصرخ:
_هتفاهم معاه بس سبوني.
_لا حول ولا قوة إلا بالله، اهدى يا بلال يا بني مش كده.
قالها أحد الرجال وهم يجذبونه داخل القهوة، بينما فر عماد من المكان من شدة الخوف رغم العناد الذي تولد في قلبه بعدم تطليقها.
🌺اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد 🌺
جلست إسراء في مكتب وكيل النيابة في انهيار تام، ودموع لا ترقأ، ولسانها يُردد في صدق:
_اقسم بالله ما أعرف الحاجات دي جت في شنطتي إزاي..
فتنهد وكيل النيابة في ضجر، وهو يميل إلى الأمام مشبكًا كفيه أمام وجهه، وعاد يسألها في هدوء:
_يعني أنتِ بتأكدي أن المخدرات اللي في شنطتك مش ليكِ؟
اومأت إسراء برأسها إيجايًا، فتفرس وكيل النيابة النظر فيها، قبل أن يقول:
_كل مجرم بيجي هنا لازم يقول الكلمتين دول يا فنانة، وِوحدة زيك فجأة سابت التمثيل ما هو طبيعي عشان لقيتِ شغل فلوسه أكتر.
صرخت إسراء في إعياء:
_بس انا مش مجرمة ومسبتش التمثيل عشان اللي بتقول عليه ده. صدقني معرفش الحاجات دي لقيتوها في شنطتي إزاي؟!
تراجع وكيل النيابة في مقعده، وصمت مليًا بدا بتفكير عميق، وهو يمعن النظر فيها كأنما ينفذ إلى أعماقها ويسبر أغوار نفسها، ثم هز رأسه، وقال بلهجة حادة:
_تمام خلينا نقول إنها مش ليكِ فعلًا، مين هيكلف نفسه يشتري مخدرات ويحطها في شنطتك لمجرد إنه يدخلك السجن؟ أنتِ بتتهمي حد؟!
ومع سؤاله أشرق الأمل في قلبها، وتجمدت العبرات في عينيها وهي ترفع رأسها نحوه، قائلة قي لهفة:
_ايوة في حد أنا بتهم هشام.. المخرج هشام البسيوني.
فتراجع وكيل النيابة في مقعده، ورمقها بنظرة ثاقبة، وهو يقول في تريث:
_المخرج هشام البسيوني مرة واحدة؟ وليه هشام هيعمل حاجة زي دي؟! ولا يكسب إيه لما يسجنك؟!
ثم ضغط على زرٍ دخل على إثره جندٌ فورًا مؤديًا التحية العسكرية وهو يضرب كعبيه في الأرض، هاتفًا:
_أوامرك يا فندم.
فأشار وكيل النيابة له على إسراء، مستطردًا:
_دخلها الحجز.
وهتفت إسراء كمن أصيب بمسٍ من الجن:
_حجز؟! حجز إيه اللي ادخله لأ، لا طبعًا.
وأبعدت كف الجندي، وهي تصيح:
_أبعــــــــــد عنـــــــي أنا مش مجرمة مش مصدقني ليــــــــــــه؟
ومادت بها الأرض فجأة، وسقطت مغشيًا عليها.
🌺إنما أشكو بثي وحزني إلى الله 🌺
_أنا حامل يا أميرة، يعني مستحيل هطلق منه، ليه يا ربي رزقتني بحاجة تربطني بيه، ليه؟
هتفت بها سهير بحزنٍ يفطر القلوب، وبعبرات تتدفق بالأسى من عينيها، وهي تنهار باكية على فراشها، وأميرة تقف متخصرة، مصدومة، وعندما أستوعبت ما قالته سهير، هتفت باستنكار:
_هو إيه اللي مستحيل تطلقي، ربنا رزقك بطفل خلاص دا نصيبك إيه هنكفر؟! احمدي ربنا دا رزق وجالك.
فرددت سهير وهي تضم ركبتيها إلى صدرها وتدفن وجهها بين مرفقيها:
_لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، الحمد لله يا رب الحمد لله.
وظلت على هذه الحالة لفترة، قبل أن ترفع رأسها إلى أميرة، وقد جفت دموعها، وهي تقول:
_عمري ما تخيلت إن يوم ما أكون أم هكون شايلة كل الحزن ده في قلبي، وابني يكون من أب جشع بعيد عن أي إنسانية.
جلست أميرة القرفصاء بجانبها، وهي تغمغم:
_يا ستي خلاص بقا أنسيه أنتِ دلوقتي هتطلقي منه والواد هيتربى وسطنا، طلعي عماد من دماغك بقا عشان مش هيقدر بعد كده حتى لما يشوفك يرفع عينه فيكِ.
فلُجمت سهير لوهلة، وقالت مطرقة الرأس، بيأس:
_بس انا مش هسيب عماد، مش هكون حمل على بلال أنا وابني هيتحمل قد إيه؟ خليه يشوف حياته دا كان اختياري وأنا مسؤلة عنه لوحدي.
فهبت أميرة واقفة، وهزتها في عنفٍ، ونهرتها قائلة:
_أنتِ مجنونة يا بنتي حِمل إيه؟ دا بلال يا سهير هو أنتِ لو معرفتيش اخوكِ أنا اللي هعرفك؟! دا هيموت من الفرح لما يعرف بحملك دلوقتي وهيشيلك جوة رموش عينيه.. بطلي هبل وأخذ قرارت بتدمره قبل ما تدمرك.
همت سهير بالتفوه بشيءٍ ما، ولكنها أثرت الصمت ولاذت بالسكون وهي تهز رأسها موافقة لـ أميرة التي ضمتها في حنان، وأخذت تتلو عليها بعد آيات القرآن الكريم.
🌺أستغفر الله وأتوب إليه 🌺
دخلت إسراء برفقة الجندي إلى مكتب وكيل النيابة، الذي استوى في جلسته، مغمغمًا وهو يشير لجندي:
_اطلع أنت، اتفضلي يا آنسة إسراء.
فجلست إسراء على المقعد أمامه، وهي ترمق بنظرات خاوية محامي الدفاع الجالس امامها في وهن، بينما وكيل النيابة يقول:
_ عاملة إيه دلوقتي؟
فأسبلت إسراء جفنيها في إعياء، وبضعف اومأت برأسها، دون أن تقو على التفوه بكلمة، كانت خائرة القوى.. وتنهد وكيل النيابة في عمق وهو يشبك كفيه امام وجهه، مرددًا في تمهل:
_إحنا طبعًا عملنا الازم وعلى كلامك واتهامك حققنا في الموضوع والمشتبه به هشام البسيوني، ولكن كل ادعاءتك خطأ.
رفعت إسراء رأسها إليه في حدة، ونبأها هاجس مخيف، أن القادم من حديث وكيل النيابة سيهدم كل حياتها حتمًا فاذدردت لعابها وهي تراه يتراجع في مقعده ويحرك سبابته وإبهامه على ذقنه، ويقول وهو يتفرس فيها:
_المخرج هشام البسيوني مش موجود من شهر في مصر، هو مع عيلته بيقضي وقت لطيف معاهم خارج مصر خالص، أي إن هو مسافر من قبل كل ده ما يحصلك، وبالتالي مستحيل يكون هو اللي حط لك المخدرات وكل أقوالك ما هي إلا إدعاءت باطلة.
هبت إسراء واقفة متسعت العينين، وصرخت في صدمة، وانهيار:
_يعني إيه مسافر من شهر؟ بقولك حاول يقتلني كان في أوضتي وضرب بابا و....
وأجفلت متراجعة مع صراخ وكيل النيابة وهو يضرب بكفه على سطح المكتب:
_ألزمي السكوت وإلا رميتك في الحجز بتهمة تانية دلوقتي، أنتِ مفكرة نفسك فين؟!
ولاذت بالصمت وهي تنظر له بقلبٍ فارغ، وأحست أن الدموع التي تنسكب من عينيها تسحب روحها ببطءٍ شديد، ولم تشعر بخروج وكيل النيابة بعدما استأذن منه المحامي بالتحدث معها على انفراد، وقف المحامي مشيرًا لـ إسراء بالهدوء وهو يغمغم:
_لو سمحتِ اقعدي عايز اسألك كام سؤال مهمين احتمال يفيدونا في القضية.
جلست إسراء، وهي تقول في آسى:
_ما خلاص القضية لبساني اظاهر مفيش منها خروج.
زفر المحامي بضيق، ثم سألها قائلًا:
_اليوم اللي لقيوا فيه المخدرات في شنتطك، خرجتي من البيت؟ ولا حد كان عندك؟
تنبهت إسراء لسؤاله، وعلى الفور استرجع ذهنها احداث اليوم، قبل أن تهز رأسها، مغمغمة:
_لا، لا محدش جه إلا عمو مدحت وهو مدخلش اوضتي ولا سبتُه دقيقة وبعدين مستحيل يكون هو، وانا مخرحتش في اليوم ده.
_طيب، تشكي في مين من الخدم؟!
تسألت إسراء بانهيار:
_أشك في مين؟
وهزت رأسها في عنف وهي تقول:
_أنا مش عارفه مش قادرة اشك في حد، مش قادرة.
ووارت وجهها بكفيها وازداد نحيبها في يأس، لقد خسرت حياتها..
خسرت آمالها وأحلامها..
ستدفن حية ما بين أربع جدران لا حياة بها
🌺 صل الله عليه وسلم 🌺
رجع بلال ليلًا بعد ما أنتهى من عمله منهك، لم يكن يدرِ ما الذي حل بـ إسراء
والعجيب إنه قد تناساها في غمرة هم أخته الجاثم على قلبه وعقله، قبل رأس والدته، وبادل شقيقه عمرو الحضن، وجلس وهو يسأل عن سهير، قائلًا:
_امال سهير فين؟
فردت عايدة في هدوء:
_في أوضتها يا بني.
فنهض بلال وهو يقول ببسمة:
_هدخل اطمن عليها.
وتوجه إلى حجرتها، وأطل من الباب لكنه وجد الغرفة خالية، فتلاشت بسمته وهو يدفع الباب ويدلف للداخل مناديًا باسمها، وقد استبد به القلق، ولم يكد يخرج من الحجرة ليخبر أمه ألا أنه حانت منه التفاتة على المرآة، وجذبته ورقة ملصوقة عليها، جذبها في لهفة، والتهمت عيناه محتواها الذي كان:
_بلال، أنا رجعت إلى عماد، اتمنى أنك تسامحني.
وتأججت نيران الغضب في عينيه وهو يكور الورقة في قبضته، ويصرخ في انهيار وهو يركل بقدمه كل ما يقابله:
_لـــــــــــــيـــــــــــــه ماشي ماشي يا سهير، بتهيني أخوكِ؟!
ثم جلس على حافة الفراش بقهرٍ، ودفن وجهه بين كفيه، مع سؤال والدته في لوعة:
_بلال، مالك مالك يا حبيبي في إيه، آه.
تأوهت في ألم وهي تسقط إثر تعثرها في شيءٍ ما، فوثب بلال مهرولًا إليها وبعد أن اطمئن عليها، هتف:
_بنتك رجعت لجوزها بنتك هنتني وصغرتني ورجعت ليه بنفسها.
🌺صل الله عليه وسلم 🌺
تصاعد رنين جرس باب شقة عماد، فهتف وهو يتجه لفتحه:
_إيه جاي ياللي على الباب ارفع ايدك من على الجرس هي الكهربا ببلاش؟!
وفتح الباب في حركة حادة، وارتفعا حاجبيه ذهولًا وهو يرَ سهير أمامه، فغمغم بضحكة ظافرة:
_أهلًا بالمدام اللي بتحب المرمطة، إيه اللي جابك؟! مفتكرش إني جيت خدتك من بيت ابوكي ولا حاجة، ولا قولتلك ارجعي، على العكس كنا نويين على طلاق!
وابتلعت سهير الإهانة في أسى، وخرجت الكلمات من حلقها في صعوبة وهي تقول:
_عماد أنا رجعت لك عشان أنا حامل.
فتبسم عماد وتألقت عيناه وهو يجذبها من ذراعها في قوة إلى الداخل، موصدًا الباب في عنف، وصاح:
_والله خبر بمليون جنية، بس إياكِ تفكري إنك عشان حامل فهغفر للي عملتيه ولا هتعيشي هنا ملكة.
وطاف حولها وهو يتابع:
_أنتِ هنا هتعيشي خدامة، والخدامة أحسن منك كمان.
•تابع الفصل التالي "رواية والتقينا " اضغط على اسم الرواية