رواية سند الكبير كاملة بقلم سعيد شيماء عبر مدونة دليل الروايات
رواية سند الكبير الفصل السابع 7
تجمدت ساقها بالأرض ارتعبت من رنين صوته الذي يتردد بداخل اذنيها، رمقت محمد بنظرة حارقة أهو فقد عقله أم ماذا ليريد البقاء هنا؟!…
بكل خطوة تحاول بها الإبتعاد عن هذا الحب الأحمق تعود إلى نقطة الصفر من جديد، شعرت بأنفاسه التي يأخذها براحة شديدة، كل هذه الأشياء مؤشرات صريحة أنها أصبحت مكشوفة أمامه، ابتلعت لعابها قبل أن تتجاهله قائلة :
_ يعني ايه مش عايز تمشي يا محمد؟!..
ابتلع محمد الآخر لعابه برعب غير قادر على نطق كلمة واحدة فهو تحت تهديد السلاح، رسم على وجهه إبتسامة متوترة مردفا :
_ نمشي ليه يا وعد سند بيه جاب ليا شغل معاكي و هنعيش هنا بعد الجواز إحنا لينا مين في إسكندرية عشان نرجع ليها…
وضعت كفها على رأسها بجنون تكاد تنفجر، ما يحدث الآن فوق طاقتها ها هو سند يفرض سيطرته على أي شخص يخطو باب حياته، عضت على شفتيها ثم قالت بعدم فهم :
_ أنت مستوعب بتقول إيه، سند بيه ده حابسك هنا من إمبارح و الله أعلم عايز يعمل فيا و فيك إيه إزاي فجأة بقيت عايز تعيش هنا….
رد عليها بهدوء :
_ أنا مش محبوس هو بيحب أخته جداً و كان فاكر إني سببت ليها أي أذى و أي راجل في مكانه هيدافع عن أهل بيته…
قاطعته بصريخ يشوب به الرجاء :
_ و أنت مش بتدافع عن أهل بيتك زيه ليه بقولك أنا خايفة و عايزة أمشي…
هذه المرة أجابها الواقف خلفها يسمع فقط دون قول كلمة، أخرج يده من جيب البنطلون متقدما منها بخطوات ثابتة جاذبا إياها من الأرض :
_ مش لما تبقي من أهل بيته الأول، تقدري تقوليلي فين قسيمة جوازك منه بلاش دي فين بطاقة البيه و بيشتغل إيه و فين يا؟!…
عجز لسانها عن الإجابة هو ليس زوجها و لا تعلم له إسم من حال الأصل، صمت محمد هو الآخر ينتظر منها أي إجابة يتمنى لو يرتاح و يعلم من هو، وعد صديقة عمره أو ليكن صادقا الشخص الوحيد الذي يعرفه قبل فقدانه للذاكرة…
نظر لسند و كأنه يقول حديثك حقيقي هي تعلم من أنا….
رأسه عادت به للساعات الماضية التي تحدث به مع سند
فلاش بااااك
قال بهدوء :
_ ازيك يا حمد…
رفع محمد رأسه إليه بقوة يشعر و كأن هذا الإسم مألوف عليه، أشياء مختلطة بدأت تتحرك بداخله هل هذا الاسم بفعل إسمه؟!… من هذا محمد؟!.. حاول القيام من مكانه بلهفة مردفا :
_ حمد مين أنت تعرف حد بالإسم ده؟!..
من الواضح أنه نفسه لا يعلم من هو و الإجابة الوحيدة بيد وعد التي كان عندها منذ قليلا و رفضت قول أي كلمة، تقدم من الآخر و فك قيود جسده قائلا :
_ هو أنت مش عارف أنت مين؟!..
هو طفل صغير ضائع بلا هوية، حرك رأسه نفيا قبل أن يقول بقلة حيلة :
_ أنا محمد جار وعد عملت حادثة فقدت فيها الذاكرة معنديش أهل فوقت في المستشفى لقيت معايا وعد قالتلي اسمي و من وقتها إحنا مش بنفارق بعض…
وصل إلى ما يريده خطيب شقيقته فاقدا للذاكرة و منقذه هي وعد الهاربة، بدأ يربط الخيوط واحدة تلو الأخرى، قبل أن تخرج منه تنهيدة قوية وعده ملكية خاصة إليه من البداية للنهاية، أشار للآخر قائلا بقوة :
_ أنا هقولك أنت مين بس بشرط تنفذ المطلوب منك من غير غلطة واحدة، وقتها كلنا هنعرف أنت مين…
انتهى الفلاش بااااك…
خائفة من الفقدان اعتادت على وجوده بحياتها ليكون لها خير السند و الصديق، دون إرادة أغرقت دموعها وجهها ليشعر بقبضة كبيرة بقلبه هذا الضعف البادي عليها يصل إليه شعوره بالعجز، تبحث عن الأمان بكل مكان بعيدا عنه.
نظرت إليه بقلة حيلة لا تعلم ماذا سيفعل بها بعدم يعرف أنها أمامه بمفردها دون حماية، أشاحت بوجهها بعيدا عنه قبل أن تقول لمحمد بصدق :
_ أنت بالنسبة ليا أمان فضلت أدور عليه سنين طويلة بعد موت بابا و ماما، ممكن بعد اللي هقوله دلوقتي ده أنزل من نظرك و تشوف إني إنسانة أنانية بس صدقني انا و أنت طوق النجاة لبعض…
لم تقدر على تكملة الحديث انهارت أكثر و أصبح بكائها بصوت، رق قلب محمد لها ليجذبها إليه قائلا بقوة و يده تزيل دموعها :
_ وعد أنا مهما عرفت ده مش هيغير وجهة نظري عنك أو حبي ليكي في حاجة، هفضل سندك و أخوكي اللي بتستخبي فيه من الدنيا كلها، بس أنا محتاج أفهم الحقيقة على الأقل أعرف أنا مين…
أومات إليه عدة مرات ثم أردفت بتقطع :
_ أنا مش هقدر أفيدك في حاجة أنا معرفش أنت مين، كذبت عليك في المستشفى لما قولتلك إنك صديق عمري و أهلك ماتوا مع أهلي في حادثة ده مش حقيقي، لما هربت من الكفر شوفتك على أول الطريق العمومي واقع و الموتور بتاعك فوقك، نزلت من التاكسي و ساعدني السواق عشان نروح المستشفى، السواق هرب مكنش عايز يتحمل أي مسؤولية و أنا فضلت جنبك لحد ما فوقت، حسيت إن ربنا بعتك ليا عشان تبقى سندي إحنا الاتنين كنا محتاجين لبعض، كذبت أنا عارفة بس كانت نيتي خير….
لم تتحمل هذه المواجهة لوقت أطول و تهرب من سماع اي كلمة تؤلمها أكثر لتستسلم لعقلها الباطن و تسقط فاقدة الوعي…..
استقبلها بذراعيه القوية بقلب لأول مرة يشعر كيف يكون الخوف، حملها و عينيه تتفقد وجهها الشاحب و أنفاسها الغير متزنة همس باسمها لعل صوته يطمئن روحها :
_ وعد…
_______________
خرج الطبيب من غرفتها معلقا لها محلول و حقنة منومة تساعدها على الارتياح ،…. تعجب جميع من بالبيت الكبير على بقاء سيدهم بجوارها اليوم كله، يجلس على المقعد المقابل للفراش يتأمل ملامحها الصافية بنقاء، أول شيء لفت انتباهه لها جمالها الذي تخطي الحدود رائعة مميزة بكل تفاصيلها…
غابت الشمس و أخذ القمر دوره مكانها و هو كما هو تائه بها لم يشعر بمرور الوقت، انغلق العالم عليهم و هذا يكفي مثله مثل أي رجل يفقد صوابه أمام امرأة قادرة على سحب أنفاسه من بين حنايا صدره…
يده تجبره لتلمس وجهها ينعم قليلا بهذا النعيم الطري تحت أصابعه، ناعمة، سلسة، ساحرة رغم بساطتها، اقترب منها قليلا مخرجا نفسه بقوة من بين شفتيه لترفرف خصلاتها البندقية، تشبه هي القهوة بكل شيء لونها رائحتها حتى طعمها لذيذ مصاحب لمرارة أكثر إثارة و لذة…
وصل إليها رائحة أنفاسه الرجولية الدافئة مع إنتهاء مفعول المنوم، أجبرتها رائحته على الاستيقاظ لتفتح عينيها بكسل رويدا رويدا، وجدته أمامها بملامحه الوسيمة التي تخطفها دوما إليه ، ردت عليه ابتسامته الحلوة بأخرى أكثر حلاوة…
ثانية و عادت إليها ذكريات كل شيء لتنتفض من مكانها… خسرت حتى محمد، حدقت به بكراهية شديدة قبل أن تأخذ الدموع مجراها معها، بلهفة وضع كفه عليها هامسا :
_ اهدي يا وعد مفيش أي سبب للدموع دي أنا جانبك…
انفجرت به صارخة :
_ مين طلب منك إنك تبقى جنبي، أنت قفلت كل الأبواب في وشي عشان أرجع هنا تحت أمرك، ضيعت مني كل حاجة تقدر تقولي استفدت ايه لما محمد بعد عني؟!.. أنا أقولك أنت ارتحت منه، عايزني من غير حماية عشان تفرض سيطرتك و جبروتك عليا، أنا مش مراته ده صديقي و أخويا و لما عرف بقصتي معاك قالي لو أنت عرفت اني متجوزة هتبعد بس أنت زدت ظلم و انعدام ضمير، افهم بقى أنا مشيت عشان مش عايزة أفضل معاك قولتلك أنا مش شبهك و لا ينفع يجمعني بيك طريق ابعد عني بقى حرام عليك…
كلماتها كانت قاسية أصابت مكانها الصحيح، شخصيته ليس بها الجانب الحنون المراعي حتى لو روحه بها، ابتعد عنها ساندا ظهره على المقعد ثم أردف بهدوء :
_ و لما جيتي لحد عندي و قولتي بحبك وقتها مكنتيش تعرفي إن طريقنا مش واحد و إننا زي المياه و النار؟!…
حركت رأسها بكل الاتجاهات بطريقة هيسترية مرددة :
_ كنت عارفة إننا مستحيل نشوف بعض تاني بعد ما أنا أمشي، قلبي قالي أقولك مشاعري وقتها عشان يبقى بنا ذكرى حلوة لكن أنت صممت تجبني هنا…
هل الغضب معدي لينتقل لهيبه المشتعل، قام من مكانه ضاربا المقعد الذي كان يجلس عليه ليبقى أربع قطع قبل أن يصرخ بها بجنون :
_ بقولك ايه يا بت أنتي جنان أنا مش ناقص جنان، بلا طريقي بلا طريقك أنتي بتعشقي التراب اللي أنا بمشي عليه و أنتي دخلتي مزاجي و عايزك، و أظن مفيش أحسن من الحلال لكل دة ، بطلي جنان و فوقي…
ردت عليه بريبة :
_ يعني إيه دخلت مزاجك أنت مش بتحبني…
أبتسم عليها بسخرية، هي رغم سنها صغيرة لا تفهم معظم الأشياء، حرك رأسه نافيا قبل أن يستعيد هدوءه مردفا بجدية :
_ بصي يا وعد أنتي لسة صغيرة و مش فاهمة حاجة مشاعرك عفوية و بسيطة، أنا راجل قولتلك متجوز قبل كدة كام مرة عشت أي مشاعر ممكن تخطر على بالك و فهمت يعني إيه حب و يعني إيه مزاج، الراجل و الست بينهم علاقة جسدية بيستمتع بيها الاتنين تحت إطار الجواز و المودة و الرحمة، و عشان الإنسان مش عايز يعلق كل حاجة على العلاقة دي اخترع كلمة بحبك اللي برضو بتوصل في النهاية لنفس العلاقة، أتمنى تكوني فهمتي و طلعتي الأفكار الغريبة دي من دماغك، بلاش نفضل نلعب لأنك بتحبيني زي ما بتقولي و أنا بصراحة بدأت أمل من أفكارك و عقلك الصغير ده، عايزك يبقى عايزك ليه نفضل نلف، أنتي دلوقتي تعبانة ارتاحي لأني خلاص وقت الهزار انتهى… تصبحي على خير يا وعد ، شوية و بنت من اللي تحت هتجيب ليكي الأكل و الدوا…
_____________
بصباح يوم جديد استيقظت وعد ألقت نظرة عابرة على المكان من حولها ثم أزالت شرشف الفراش من على جسدها لتظهر بيجامتها البنفسجية القصيرة، تكاسلت يمينا و يسارا ثم قامت من مكانها متجهة للمرحاض…
على الصعيد الأخر…
بالأرض الخاصة بسند الكبير كان يقف يباشر العمال و بجواره رجله الأمين فاخر، أشار بيده لأحد العمال قائلا :
_ ماله ده يا فاخر كأنه شغال غصب عنه… و أول مرة أشوفه هنا..
أجابه فاخر بتوتر :
_ ده أبو الولد جعفر بيشتغل في الأرض هنا مكان ابنه لحد ما ابنه يخف من الزفت اللي بقى بيشربه…
صمت فاخر فجأة مع أخذه لتلك اللكمة القوية التي أسقطته أرضا، لم يقدر على رفع عينه بسيده الذي تحدث بغضب :
_ مين طلب منك تشغل الراجل اللي اد جدك ده مكان ابنه؟!.. مين اداك الحق تأخد قرار عني…
_ يا باشا أنا…
قاطعه بلكمة أقوى من قبلها مردفا بأمر :
_ غور من قدامي لو عايز تفضل عايش الباقي من عمرك…
اقترب من العجوز الذي يحاول رفع الصناديق من الأرض ليأخذهم منه مردفا :
_ أقعد ارتاح و بعدها روح بيتك مرتب ابنك و تمن علاجه لحد ما يرجع زي الأول عليا أنا و حسابك على الكذبة دي أنت و هو بعدين لما تقف على رجليك أتحرك….
لفت انتباهه صوت هاتفه ليرفعه لأذنه و يسمع الطرف الآخر عدة ثواني قبل أن يقول و هو يجز على أسنانه :
_ إياك تسيبها تخرج و أنا جاي…
بالبيت الكبير…
وقفت أمام الغفير بغضب صارخة :
_ أنت عايز تمنعني من الخروج مين أمرك بكدة…
_ أنا اللي امرته بكدة يا وعد، روح أنت يا عوض…
بخطوات ثابتة أخذ يقترب منها لتشعر بتوتر غريب و تعود للخلف بشكل تلقائي، رفعت أحد أصابعها تشير إليه بتحذير بعدم الاقتراب، رفع حاجبه بنصف إبتسامة و تقدم منها أكثر حتى أصبح بينهما خطوة واحدة…
عنيدة و هو يحب هذا العناد إلا أنه ببعض الأوقات لا يحبذ هذا خصوصاً أمام أحد، صمته هذا بث الرعب بقلبها لتحاول الفرار ليكون كفه هو الأسرع بحبس يدها بين يديه، يشعر بالثلج النابع منها لا يعلم إذا كان هذا خوف أم نفور…
همس إليها بجملة بسيطة :
_ أعمل فيكي ايه؟!…
رغم بساطة ما قاله إلا أنها اعتبرت هذا تهديد صريح، يحاول بشتى الطرق فرض سيطرته عليها و محو شخصيتها، استفزازها لأقصى درجة لتحاول إزالة يده بعيدا عنها قائلة بحنق :
_ ابعد ايدك دي عني… مانع خروجي ليه خايف أهرب منك و الا حاجة؟!…
ببرود ضغط على كفها أكثر ثم قال :
_ تهربي من سند الكبير طب ازاي؟!… لأ مش خايف تهربي بس عايز أعرف الحلوة رايحة فين في الكفر بلبس العوالم ده من غير إذن….
جزت على أسنانها تخفي ألمها مجيبة عليه بسخرية :
_ آخد إذنك ليه؟؟ أنا بس شغالة هنا يا سند بيه و خارجة أتفسح عشان هبدأ شغل من الصبح بالمجان لكل الكفر و أبقى آخد المرتب منك يا أبو الواجب يا إبن الأصول…
قرر أخذ هدنة حتى لو لأيام معدودة يرتب بها أفكاره، تنفس بهدوء ثم أومأ إليها قائلا :
_ ماشي يا وعد طلباتك أوامر اشتغلي مجاني و مرتبك عليا أنا أهم حاجة عندي راحتك…
حركت وجهها بنفس السخرية قائلة و هي تبتعد عنه بعدما حرر يدها :
_ أنا لا باخد منك الإذن و لا بأطلب منك ، ده قراري و بس برضاك أو غصب عنك هعمله….
____________
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية سند الكبير ) اسم الرواية