Ads by Google X

رواية ما بين الالف وكوز الذرة الفصل السابع 7 - بقلم رحمة نبيل

الصفحة الرئيسية

  رواية ما بين الالف وكوز الذرة كاملة بقلم رحمة نبيل عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية ما بين الالف وكوز الذرة الفصل السابع 7

لايك قبل القراءة لتشجيع الكاتبة المسكينة ….

‏ويكتبُ الله خيرًا أنت تجهلهُ

‏وظاهرُ الأمرِ حرمانٌ من النِّعمِ

‏ولو علمتَ مراد الله من عِوضٍ

‏لقُلت حمدًا إلهي واسعَ الكرمِ

‏فسلّم الأمر للرّحمنِ وارضَ بهِ

‏هو البصيرُ بحالِ العبد من ألمِ

#لقائلها

صلوا على نبي الرحمة….

_______________________

كانت عين ميمو متعلقة بيد سعيد الذي نزع حزام بنطاله وفي عينه نظرات مخيفة، هي من فعلت ذلك، لا يمكن أن يصل أحدهم لأمر غاية الخطورة كهذا إلا تلك الحية السامة التي يحتفظ بها في منزله .

وكما توقع لم ير نظرة رعب واحدة ساكنة في حدقتيها، بل رأى سواد وخواء وكأنه بفعلته تلك ضغط دون أن ينتبه على ذكرى بعيدة في عقلها، ولحسن حظه أنها سُحبت لتلك الهوة، ليرفع يده بالحزام ساقطًا به أعلى جسدها مباغتًا إياها بضربة موجعة، مما تسبب في خروج صرخة عالية من فم ميمو .

هنا وابتسم سعيد أكثر فصرختها تلك كانت أكثر مما يحلم به، رفع يده ليهبط بالثانية فوق جسدها وهو يصرخ :

” حتة حشرة ابويا جابها من الشوراع زيك تتحداني ؟! تتحداني أنا سعيد الاشموني اللي مفيش راجل قدر يقف قدامي يا زبالة ؟!”

وقبل أن يهبط بالثالثة أعلى جسدها كانت ميمو تتدارك نفسها وهي تهب ممسكة بالحزام بين أصابعها مانعة الحزام من لمس جسدها وهي تقول بشر :

” الحشرة دي ابوك كان بيريل عليها زي الكلب اللي بيدور على عضمه، مع كامل اعتذاري للكلاب ”

أنهت حديثها تجذب الحزام من يده تحركه في الهواء بشكل عنيف قبل أن تسقط فوق جسده بضربة أعنف من ضرباته جعلته يطلق صرخة عالية ليس ألمًا، بل ذهولًا، تراجع للخلف وقد استغلت هي عدم استيعابه قوتها، التي نبعت من عينيها وباغتته بالضربة الثانية وصوتها خرج يُقطّر سوادًا :


 


” الحشرة دي هي نفسها اللي هتكون نهايتك على أيدها زي ما كانت نهاية ابوك ”

ومجددًا هبطت بضربتها الثالثة اقوى واقوى وهي تصدمه بحديثها :

” الحشرة دي هي اللي هتوريك جحيم الدنيا قبل ما تشوف جحيم الآخرة يا ابن جاد ”

كان سعيد في تلك اللحظة لا يشعر بشيء سوى الصدمة، ما الذي تعنيه بالتخلص من والده ؟! والده الذي مات ميتة طبيعية.

نظر لها يحاول ايجاد الحقيقة بين نظراتها لتصدمه هي بضربة رابعة مستغلة أنه لا يعي شيئًا حوله، فسعيد في حالته الطبيعية كان ليحطمها بكل سهولة، ضربته ضعف ما ضربها، ومن ثم القت ميمو الحزام ارضًا وهي تلملم خصلات شعرها بهدوء شديد متجاهلة الألم الذي ينبض في جسدها موضع الضربات، وكأنها لم تفعل شيئًا منذ ثواني :

” خليك عاقل كده يا سعودي وبلاش تخليني ازعل منك عشان المرة الجاية مش هكتفي بأربع جلدات”

وقبل حتى أن تنطق كلمة إضافية وجدت سعيد يدفعها بقوة كادت تُحطم عظامها للجدار متجاهلًا تلك اللسعات التي تصيب جسده جراء ضرباتها، امسك رقبتها وكأنه على وشك خنقها حتى تلفظ أنفاسها بين أصابعه :

” لا عاش ولا كان يا بنت الـ….اللي يتحداني، ولا عاش ولا كان اللي يمد أيده عليا، سامعة ؟؟ سامعة يا …يا مرات ابويا ؟؟”

اشتعلت عين ميمو وهي تشعر بارتجاف جسدها وقد بدأت أنفاسها تتقلص داخل صدرها بسبب ضغطه على رقبتها، تتذكر أمر مشابه وصوت جاد يصرخ في أذنها كالرعد :

” أنتِ هنا عشان مزاجي يا بنت الـ… اهلك اللي رموكِ ليا مقابل قرشين مش هيشفعوا ليكِ ولا هيدافعوا عنك، لأنهم ما صدقوا خلصوا منك، جو التمرد والعصيان ده تنسيه، مش انا اللي احايل، اللي مش باخده برضى باخده غصب، سامعة يا زبالة؟؟”

وقتها لم تملك ميمو ردًا سوى الصراخ والبكاء وهي تردد بخزي أنها ستفعل ما يريد، بل وترجته مقبله قدمه أن يتركها ..

هل كُتب عليها الذل على أيدي رجال الاشموني، اولًا جاد ومن ثم بذرته الفاسدة، عند هذه الخاطرة انتفضت تضربه بقدمه أسفل معدته وهي تصرخ :

” ابعـــــد عنــــي، مش طايقة لمستك “



 


ابتسم سعيد محاولًا كبت صرخاته من تلك الضربة التي أصابته في مقتل، يعض شفتيه كاتمًا آهة كادت تغدر به وهو يهمس بفحيح :

” كل اللي عمليته في حياتك في كفة، وأنك ترفعي ايدك عليا في كفة تانية، يا ويلك مني ”

أنهى حديثه وهو يترك رقبتها بعد تركت أصابعه أثرها عليها وقد حال وجهها لللون الازرق، رمقها بازدراء قبل أن تمتد قدمه ضاربة إياها في معدتها بقوة جعلت تطلق شهقة عنيفة وهي تتقوقع على نفسها في ضعف ووجع .

تحرك سعيد للخارج في الوقت الذي أبصر به مختار يركض حتى توقف أمام الباب برعب يراقب ما حدث، وصل لتوه ليرى سعيد يضربها في معدتها بقوة، ولم يصدر منه ردة فعل حينما ازاحه سعيد للجانب وخرج من المكان بأكمله ساخطًا يحاول تحمل الألم في جسده .

بينما ميمو مسطحة ارضًا تحارب وجعها، وهي تنهض مستندة للجدار، ثم أمسكت شيء من الأرض وتحركت خارج الغرفة بضعف شديد، تهبط السلالم بصعوبة ومختار ما يزال يقف في مكانه لا يصدق أنه تأخر كل ذلك .

على الجانب الآخر كان صلاح يقود سيارته بجنون و قد انقطعت المكالمة حينما سمع جملة سعيد الاولى لميمو، ليجعل الشياطين تتراقص أمامه …

” لو لمست شعره منها هوريك الجحيم يا سعيد …”

توقف بالسيارة أمام منزل الاشموني ليهبط من السيارة بهلع، وما كاد يعبر حدود المنزل حتى وجد سعيد يخرج وكأن الشياطين في أثره وقد كان وجهه داميًا وبشدة، ورأسه نازفة، يسير بعرج خفيف صوب سيارته .

تعجب صلاح الأمر وهو يخرج هاتفه ليتصل مجددًا بميمو وقد شعر لثواني أنه كان من المفترض أن يخشى على سعيد من تلك المرأة المرعبة وليس العكس:

” هو مين اللي كان بيضرب مين ؟؟ “



 


في تلك اللحظة كانت ميمو في بهو المنزل تمسك بين يديها بقايا مزهرية بعدما حطمتها على رأس سعيد قبل خروجه مباشرة لتصيب رأسه بجروح، وهي تنظر له بشر أن يرد ضربتها ….

وكاد سعيد يفعلها لولا رؤيته لسلاح مختار الذي رُفع في وجهه من الخلف، هو يعلم أن ذلك الابكم، لم يخطأ هدفًا من قبل، بصق ارضًا يرمقهما بنظرة متوعدة تحمل لهما خطرًا لن يتمكنا من صده :

” تمام يا ميمو …تمام ”

ومن ثم غادر وها هي تقف في منتصف بهو المنزل تحمل المزهرية التي تقطر دماءه ارضًا .

مسحت الدماء التي هبطت من أنفها بسبب ضربته الأخيرة وهي تبتسم بسمة متسعة :

” براحة وأنت سايق يا سعودي وابقى خد حبة الضغط يا غالي، لاحسن اللي جاي كله سواد يابن الاشموني …”

ألقت المزهرية ارضًا، صعدت الدرج ببطء، ليست هي من تصمت بعد ضربه لها، فهي تعهدت ألا تسمح لأحدهم بضربها مرة إلا وردتها عشرة، ولهذا تعلمت كل ما طالت يدها من فنون قتالية و دفاعية لكن يبدو أنها ما تزال تحتاج للمزيد……

وحين صعودها أبصرت وجه مختار الذي كان يتوسط الدرج ينظر لها بجمود، لتربت على كتفه وهي تقول بغمزة :

” ولا يهمك يا ميخو، أنا كمان مسبتش حقي ”

نظر لها مختار نظرة غامضة لتبتسم له وهي تقول :

” ماشي بس متتقلش، ده راجل عنده مشاغل برضو وميصحش يروح متدشدش كده، الناس تاكل وشه، بعدين ده مهما كان في مقام ابني وميهونش عليا اشوفه واخد اكتر من عشرين غرزة ”

واخيرًا ابتسم مختار بسمة جانبية يراها تصعد الدرج بينما هو تحرك خارج المنزل بصمت ليبصر أثناء خروجه صلاح الذي كان يتحدث بالهاتف …

وعند صلاح بمجرد أن سمع صوتها هتف بجدية وهو يفكر فيما حدث داخل ذلك المنزل، هل سعيد ضربها ام هي من حطمت عظامه، لذلك لم يستطع سوى القول :

” ميمو هو سعيد كويس ؟!”

______________________



 


كان يقف أمام البناية التي يسكن بها رفقة أصدقاءه بعدما تأكد أن المنزل فارغ ليترك به تسبيح تنال قسطًا من الراحة، حتى يحصل لها على مكان آمن في المنزل .

لكن ها هي آماله خابت بعدما رفض صاحب البناية تأجير منزل اضافي مؤكدًا عليه أنه لا يحب تأجير الشقق هنا لأنها ملك ابنائه وأبناء إخوته .

” يا رائد يابني أنت عارف إني اساسا مش بأجر البيت، ولولا صداقتي مع ابوك أنا اساسا مكنتش أجرت الشقة اللي انتم فيها دي ”

مسح رائد وجهه يحاول أن يفكر في شيء آخر، لكن في هذه اللحظة لا يأمن على تركها في مكان آخر بينما جلال ذلك طليق ولذلك اتجه للخطة البديلة ..

ابتعد رائد عن صاحب البناية يرتكن للجدار وهو يجري اتصالًا هاتفيًا بوالده …

وبمجرد أن فتح والده المكالمة حتى سارع رائد في الحديث :

” السلام عليكم يا حاج، معلش لو اتصلت بيك في وقت زي ده اكيد مشغول في أحوال القرية، لكن أنا …”

قاطع حديثه المسترسل والده وهو يصرخ بصوته الجهوري والذي تبعه صوت تحطيم عالي :

” أنا قولت ميت مرة مش باكل بط، مش كل يوم اجي الاقي بط على الغدا، دي مبقتش عيشة دي يا سنية، ده احنا شوية وهنكاكي مش كده ”

ومن ثم ظهر صوت والدته الحبيبة والتي هبت للدفاع عن بطها العزيز والذي في الحقيقة تقدره أكثر منه هو شخصيًا :

” يووه وده من امتى يا حاج، ما طول عمرك بتاكل البط وتقول تسلم ايدك يا ام رائد، ولا هو أي اعتراض عشان تتخانق على المسا ؟!”

تدخل رائد قبل احتدام الموقف فهو يعلم والديه يبحثان عن أي حجة لتعكير صفو منزلهم، وكأنهم يستمتعون بالشجار اليومي، فقد كان ذلك روتينًا سَعِد كثيرًا بالتخلص منه :

” يا حاج معلش خليك معايا الاول، عايزك في حاجة ضروري ”

لكن لا وألف لا، ليس سليمان من يصمت أمام صرخات انثى ولو كانت تلك الأنثى هي اغلى انثى على قلبه والتي حارب لأجلها جيوشًا .



 


” أيوة يا سنية أي خناق على المسا وانا بتلكك ليكِ، وازيدك من الشعر بيت يا بنت فتح الله أنا اساسا مبحبش أكلك كله، ها ارتحتي في يومك اللي مش هيعدي ده ؟!”

صرخ رائد في الهاتف بصوت جهوري محاولًا ايقاف والده عن استفزاز غضب والدته والتي كلما حدّثها بكلمة لا تعجبها سارعت لحزم حقيبتها والركض صوب منزل خاله للبكاء والشكوى وقد يصل الأمر أن تصر على الطلاق.

حينما كان في القرية يتذكر كل يوم، كان والده يسحبه من تلابيبه ليذهب معه ويعيدان والدته للمنزل وهكذا حتى رحل هو للقاهرة :

” يابا ابوس ايدك امسك نفسك بلاش كلامك ده، امي لو رجعت بيت جدي، خالي حالف ما هيرجعها حتى لو غنيت غلطة وندمان عليها وانا مش هسافر من هنا للبلد عشان اصالحكم”

انتبه سليمان لولده الحانق :

” عايز ايه أنت كمان، متصل ليه ؟!”

” استغفر الله، يا حاج بقولك محتاج منك خدمة اتصل بصاحب البيت اللي انا فيه وأقنعه يأجر ليا الشقة اللي قصادنا عشان محتاجها في قضية ”

رفع سليمان حاجبه يبتعد عن زوجته قدر الإمكان :

” نعم يا خويا ؟؟ قضية ايه دي اللي محتاج ليها شقة ؟؟ ”

” قضية تخص الترقية يا حاج، مش أنت عايزني اترقى ؟! اقنع بقى الحاج صاحب البيت أنه يأجر ليا البيت لأني محتاجة عشان شاهدة بأمنها ”

تعجب سليمان من حديث ابنه وهو يردد بتفكير :

” وهي شاهدة دي ملهاش أهل تروح عندهم يابني ؟؟ مالك أنت ومال النسوان ؟؟ بعدين ايه علاقتها بالترقية هي بنت اللواء ولا ايه ؟! “


 


تنفس رائد ثم بدأ يوضح له الأمور برُوية وهدوء شديد في اللحظة التي توقفت بها سيارة محمود امام البناية وصعد رفقة صالح لشقة الرجال والتي تجلس بها تسبيح في تلك اللحظة ….

قال سليمان بادراك :

” يعني لو جبت شقة للبنت دي هتترقي ؟؟”

” أيوة يا حاج، ومش بعيد يمسكوني الوزارة والعلم عند الله ”

ابتسم سليمان يردد بتمني وحب :

” ماشي يابني روح أنت دلوقتي وانا هكلم عمك سيد اخليه يجبلك مفتاح الشقة، وابقى طمني عليكم ”

” تسلم يا حاج، روح بقى اتغدى ومتزعلش ست الكل وكُل بط عشان خاطرها ”

تذمر سليمان بحنق شديد وهو يرمق زوجته التي صعدت لغرفتهم يدرك أنها الآن تجمع ثيابها لترك المنزل له :

” أنا مش فاهم ايه حبها في البط ده، كل يوم بط، اقفل أما اشوفها زمانها خلصت لم هدومها ”

اغلق رائد الهاتف يتنفس براحة شديد وقد أنجز الخطوة الاولى من المهمة، والآن فقط يذهب ويحضر بعض الطعام لتسبيح حتى يحصل على ذلك المنزل لأجلها .

لكن وأثناء تحركه تذكر رائد أنه لا يحمل اموالًا، تأفف وهو يصعد درجات المنزل بسرعة كبيرة وقبل أن يطرق باب منزله سمع صرخات من داخله لتتسع عينه بصدمة يخرج مفتاحه بسرعة كبيرة ….

_______________________

قبل ساعة …

كان الشجار محتدم بين صالح ورانيا التي حاولت اخراج قدمها حتى تضربه في وجهه وصوت صرخاتها يعلو أكثر واكثر :

” والله لاوديك في داهية بقى أنا ترفع عليا مطوة، وكمان خطف انثى، وسرقة تليفون، ده انا هخليك تقضي باقي عمرك في السجن”



 


” انثى ؟؟ متخلنيش اغلط فيكِ وفي الانثى واخرسي”

وكأنه أمرها بالحديث حيث بدأت تصرخ وتسب وتولول احيانًا، وتلقيه بكل ما تطاله يدها …

اشتعل غضب صالح أكثر وهو يلقي بجسده على المقعد الأمامي وفي نيته جذبها من شعرها دون وضع اعتبار لأي شيء فقد نجحت تلك المتشردة في استفزاز وقاحته :

” يابت اتقي شري اقسم بالله ماسك شياطيني عنك، اقولك …اقفلي ام التسجيل ده و وقف العربية يا زفت، وقف العربية ونزلها هنا قبل ما اعمل حاجة وأندم عليها ”

وفي ثواني كانت السيارة تتوقف بسرعة مخيفة جعلت رانيا تخشى نظرات صالح أكثر وأكثر وهي تحشر جسدها أسفل المقعد تولول كمن فقدت عزيزًا، وبمجرد شعورها بتوقف السيارة فتحت الباب المجاور لها وقفزت منها وهي تركض فزعة من صالح الذي هبط من السيارة يصرخ :

” والله لو لمحت وشك تاني لاوريكِ الويل يا متشردة انتِ، وتليفونك ده تنسيه أنا هبيعه قطع غيار ”

توقفت رانيا على بُعد صغير من السيارة تحدق فيهما بشر وقد شعرت بالغضب يندفع لاوردتها كما الدماء ودون ثانية تفكير واحدة انحنت ارضًا تمسك إحدى الحجارات ومن فورها ألقته على رأس صالح ليصيب زجاج سيارة محمود بعدما انحنى .

أخرج محمود رأسه من النافذة يتحسس الكسر بحسرة صائحًا :

” طب وانا مالي، أنا مالي بيكم، اللهي تنكسر رقابيكم يا بُعده هتضيعوا المرتب على الصيانة، منكم لله ”

صرخ صالح وهو يصعد للسيارة بغضب يضرب على مقدمة السيارة أمامه بجنون :

” اتحرك بام العربية دي وساويها بالاسفلت، ولا اقولك والله لانا اللي هنال شرف سفلتتها ”

ومن فوره دفع جسد محمود جانبًا ليستقر هو خلف المقود ويتحرك بجنون صوب رانيا التي توقفت في منتصف الطريق كأنها لاتخشى أن تُدهس، ومجددًا حملت حجارة أخرى تلقيها على الزجاج الامامي محطمة إياه لاشلاء تزامنًا مع ارتفاع صرخات محمود :


 


” طب والعربية مالها، العربية مالها ؟؟؟”

ازدادت سرعة السيارة وصوت صالح خرج محتدًا وهو يخرج رأسه من السيارة :

” صبرك عليا والله لاوريكِ ”

لكن فجأة شعر بمحمود يجذبه للداخل وهو يصيح فيه محركًا جسده بين يديه وكأنه يجبره على الاستماع له :

” متستفزهاش، أنت كل ما تستفزها بتكسر في عربيتي أنا”

نظر صوب الزجاج المحطم ليبدأ في رثاء نفسه :

” ابويا هيبيتني في الشارع، هتخلي الشخص الوحيد اللي طايقني في العيلة يديني بالجذمة ”

أوقفت رانيا إحدى سيارات الأجرة وهي تلقي بنفسها فيها صارخة برعب :

” اطلع على اول قسم شرطة يقابلك بسرعة ”

وبالفعل تحركت السيارة قبل أن يصل لها صالح الذي توقف بسيارة محمود في منتصف الطريق يصرخ بتحذير شديد اللهجة :

” طب يارب المح وشك في أي حتة، والله وقتها هنسى أنك بنت واعاملك زي أي كلب بيعصلج معايا ”

أنهى حديثه يتحرك صوب مقعده تاركًا مقعد السائق لمحمود وهو يرغي ويزبد بغيظ وعيونه مشتعلة بغضب لم ير له محمود مثيل :

” اطلع يا زفت على البيت ”

ضرب محمود مقود السيارة بهياج شديد :

” متتأمرش، متبقاش مكسرلي ام العربية أنت والمتشردة بتاعتك دي وتقعد تتأمر كأنها عربية ابوك ”

صرخ صالح بالمقابل وكأنه حاز وسيلته لتنفيث غضبه :



 


” أنت تسكت خالص، كله بسبب معرفتك الهباب، لولا أنك اخدت تليفونها مكنتش شوفت خلقتها ”

هز محمود رأسه يتحرك بالسيارة وهو يقول محاولًا الهدوء أثناء أشعاله إحدى اللفافات يستمد منها استرخاء وراحة :

” طب حاول متفكرنيش أنك قاعد جنبي عشان مش طايقك”

نظر له صالح بشر، ليقود سيارته بهدوء وصمت تجنبًا لثورانه، وبعد دقائق قليلة توقفت سيارة محمود امام منزل صالح وهبط الاثنان متوجهان صوب المنزل .

فتح صالح الباب ودخل وهو ما يزال يصرخ بحنق لا يصدق ما حدث له على يد تلك الفتاة، يتمنى لو تعود لثانية فقط، وقتها كان ليــ

وتوقفت أفكاره فجأة حينما رأى جسد يتشح بالسواد من أعلاه لاسفله يسير في الممر المؤدي للغرف، جسد غريب بالطبع ليس لرائد أو لصلاح .

في ذلك الوقت كان محمود قد تحرك صوب غرفة صالح، لكن قبل أن يتقدم خطوة جذبه الأخير بقوة جعلته يسقط بين أحضانه وهو يقول بفزع :

” ايه ؟؟ بتعمل ايه ؟! اوعك تفكر عشان أنا حشاش يبقى مش بـ ”

أشار له صالح بالصمت وهو يحرك عينه صوب الممر الذي يتحرك فيه ذلك الخيال الاسود ظنًا أن محمود سيفهمه، لكن كل ما صدر من محمود هو نظرة غباء مرددًا وقد بدأت اللفافة التي استنشقها في السيارة تفعل به الافاعيل :

” هو صلاح انتقب ؟!”

ضربه صالح أعلى رأسه وهو يبعده عن طريقه، ثم مد جسده داخل المطبخ يحضر المكنسة يمسكها بشكل دفاعي متحركًا في الممر صوب ذلك الجسد الذي كان يوليه ظهره لينغزه بطرف المكنسة في ظهره :

” خطوة واحدة وهفرغ الطبنجة دي فيك ”

نظر محمود صوب صالح ومن ثم إلى المكنسة :

” أيوة بس دي مكنسة “


 


وسريعًا ابعد صالح المكنسة عن ظهر ذلك اللص يضرب بها محمود في كتفه بغضب :

” يا اخي اخرس بقى ..”

في تلك اللحظة والتي ابعد صالح المكنسة عن ظهر تسبيح شعرت بالخوف يتملك منها وهي تنظر حولها تبحث عن مفر وكل ما هداها له عقلها هو أن تركض لإحدى الغرف ووقع الاختيار على غرفة صلاح …

ركض صالح بسرعة كبيرة يسبقها وهو يغلق باب غرفة أخيه ظنًا أنه أحد اللصوص الذين جاءوا لسرقة ملفاته، وقبل أن تنطق تسبيح بكلمة كانت عصا المكنسة تصطدم في معدتها بقوة شديدة مسقطة إياها ارضًا لتعلو صرخاتها ويفتح صالح عين بصدمة يستوعب أنها فتاة ..

اقترب منه محمود وهو يقول :

” اتصل بسرعة بصاحبك ده، قوله مسكنا الحرامي”

نظر له صالح بتشوش وهو يحاول التفكير ماذا قد تسرق فتاة من منزلهم، انتبه فيما بعد لتحرك الفتاة وهي تتراجع للخلف بخوف ليصرخ بها :

” اياكِ تتحركي خطوة واحدة، بتعملي ايه في البيت هنا ؟!”

نظرت لهم تسبيح من بين دموعها بعدم فهم، من هؤلاء وماذا يفعلون في منزل رائد، وعلى ذكر رائد انتفض جسدها حينما سمعت صرخة رائد باسمها :

” تسبيــــــح”

وسريعًا امسك محمود بالعصا من يد صالح الذي كان لا يفهم شيئًا وسارع بالقول في فخر غبي :

” كويس أنك جيت يا رائد، أنا عطلت الحرامية لغاية ما تيجي، اتصل بالبوكس وخلي العدالة تاخد مجراها ”

نظر رائد لجسد تسبيح التي كانت تحاول الابتعاد عنهم مختبئة بهم، وقال بغضب :

” مين اللي وقعها كده ؟!”



 


وسريعًا هتف محمود بتكبر :

” أنا طبعًا اللي مسكتها وصالح كان واقف بيعيط في الركن اللي هو فيه هناك كده”

كان يتحدث وهو يستند بيده على المكنسة لينتزعها رائد في حركة سريعة غير متوقعة، فسقط محمود ارضًا ليهبط رائد بالمكنسة فوق ظهره في غيظ :

” أنت حيوان ؟! حد يضرب بنت ؟!”

ألقى المكنسة جانبًا وهو يجلس القرفصاء للاسفل جوار جسد تسبيح التي كانت تنتفض بشكل عنيف مما يدل على شهقاتها، ناداها بخوف :

” تسبيح…تسبيح متخافيش أنا هنا ”

لكن تسبيح استمرت في البكاء برعب وشعور بالوحدة والضعف امتلكها، لكن صوت رائد استمر في النداء :

” تسبيح، أنا رائد”

ابتلع صالح ريقه يشعر بالقلق من شكل جسدها المنتفض لذلك قال بصوت معتذر فلم يسبق له بضرب امرأة حتى تلك المتشردة التي كان يهددها، ما كان ليرفع يده يومًا على امرأة وهذه …لم يكتفي فقط بضربها، بل أسقطها ارضًا دون رحمة :

” أنا …أنا مكنتش اعرف هي اللي ظهرت فجأة في البيت فكرتها راجل ولابس كده عشان يداري نفسه ”

نظر له رائد بشر وهو يصرخ :

” راجل ايه وهيعمل ايه في البيت يا صالح ؟؟ دي شاهدة في قضية وفيه ناس عايزين يخلصوا منها ”

ولم يجيبه صالح أو يرد له الصراخ كما هي عادته، بل صمت، هو ورغم كل تلك العشوائية التي يعيش بها، إلا أنه يعلم حدوده جيدًا، يعلم متى يثور ومتى يهدأ ..

راقب رائد وهو يتحدث للفتاة برقة :


 


” قومي معايا يا تسبيح، أنا آسف مكنتش اعرف إن حد هيرجع دلوقتي ”

رفعت تسبيح وجهها له تردد بقهر :

” عايزة ارجع بيتي ”

مسح رائد وجهه يردد بتعب :

” صدقيني مش هينفع، عامة أنا دبرت ليكِ مكان جنبي هنا وباذن الله ترتاحي فيه معايا، تعالي قومي يلا اوريكِ الشقة”

وبالفعل اختفت تسبيح مع رائد خارج الشقة، وصالح بنظر لهم بتعجب يحاول معرفة ما يكنه رفيقه لتلك الفتاة حتى يحضرها للمنزل ويبحث لها عن آخر لها .

اقترب منه محمود وهو يقول بهمس وكأنه يفكر مع صالح :

” بتفكر في اللي بفكر فيه ؟؟”

نظر له صالح بتساؤل يشعر أن محمود قرأ أفكاره هل شعر بتلك العلاقة بين رائد والفتاة، ليعلو صوت محمود باستنتاج :

” اكيد قريبك ده شريك للبنت ومستني ينيمكم عشان يتمم السرقة ”

هز صالح رأسه وهو يتحرك صوب غرفته حتى يغتسل من هذا اليوم العجيب الذي لا نهاية له :

” دي غلطتي اني فكرتك هتتكلم كلام ناس عاقلين، مش أنت عندك فرح يا محمود، روح استحمى وسرح شعرك واتظبط كده وانزل من على دماغي ”

” ياريت أنت تعمل اللي قولت عليه ده، عشان متعرنيش هناك، اساسا محدش طايقك، عايزك تشرفني قدام عيلتي ”

أخرج صالح صوتًا ساخرًا :

” اشرفك ليه يا حبيبي ؟؟ كنت خطيبتك ؟! روح يا محمود، روح عشان أنا ثانية وهنسى عشرتنا وهفرغ فيك بهدلة اليوم كله ….”

___________________


 


كان يقود سيارته خلف سيارة سعيد بشكل جعل من الاخير يجهل تمامًا مصيره الأسود الذي يلحق به، وها هو مختار الذي لم تزر البسمة وجهه لسنوات، يبتسم مرة ثانية في اليوم نفسه وهو يضغط على ذراع الوقود يزيد من سرعته في اللحاق بسيارة الاخير مستغلًا مروره من ذلك الشارع المظلم ليتفنن في ضربه دون أن يرى وجهه ….

لكن وقبل أن يتحرك بسيارته ليقطع الطريق على سعيد، شعر بجسد ينقض عليه من الخلف وصوت حاد يصرخ به ..

ودون لحظة تفكير كانت السيارة تقف بقوة ادت لاندفاع الجسد الذي يقبع في الخلف ليتكوم أسفل المقعد الأمامي وتلتمع عين مختار بشر وهو يخرج سلاحه المرخص، لكن تراخت يده وكذلك ملامحه، رغم سواد نظراته وهو يرى نرمينا تنظر له ببسمة غبية وهي تشير :

” هاي ”

هل لو قتلها الآن ستسامحه ميمو ؟؟ ربما تغضب منه وتصرخ عليه وتقاطعه سنوات، لكنه في النهاية سيظل ملتصقًا بها حتى تسامحه .

كانت هذه الأفكار تدور في رأس مختار وهو يضغط على سلاحه، ونرمينا تلك الغبية نهضت من أسفل المقعد تنفض ثيابها وهي تحرك يديها في الهواء ببسمة واسعة :

” الحمدلله قدر ولطف، كنت هخرج من الازاز واطير في الهوا و….”

صمتت فجأة حينما رأت ملامح مختار التي لم تكن جامدة كعادته، بل كانت غاضبة، تنحنحت وهي تعود بجسدها للخلف تحضر عبوة صغيرة وهي تمدها له بأعين بريئة :

” دي هدية صلح، رغم أنك أنت اللي خاصمتني و…”

ولم تكمل جملتها حتى رأته ينتزع العلبة منها ملقيًا إياها خارج السيارة تحت أعينها المقهورة وهي تفتح فمها :

” أنا جبتها بتحويشة الاسبوع كله “



 


نظرت له تبحث في عينه عن أي مشاعر، لتُصدم بالخواء كعادته، مدت يدها تمسح تلك الدمعة التي كادت تغادر جفونها :

” فهمت، أنت اساسا مش طايقني ومش حابب اني اكون هنا ”

ولأول مرة يهز رأسه لها لتشهق وهي تعض على شفتيها قبل أن تنفجر في البكاء أمام عينه وهي تشكيه جفاءه :

” ليه كده يا مختار ؟؟ مش قولت هتبقى صاحبي ؟؟ قولتلك معنديش صحاب غيرك وأنت دلوقتي بتسيبني، وانا كل ما اصاحب حد بيأذيني ”

رفعت عينها له تضربه أعلى صدره بقوة :

” حتى أنت بتأذيني و…”

فجأة توقفت عن الصراخ وهي تستشعر قوة ارتطام يدها بصدره الصلب لتضم يديها لجسدها قائلة بوجع :

” اه … أنت لابس حديد ولا ايه ؟؟”

لم يعرها مختار اهتمام وهو ينحني صوبها يربط لها الحزام، ثم انطلق بالسيارة عائدًا للمنزل وهو يزيل من رأسه حاليًا فكرة الانتقام من سعيد، سيعود له ويريه الويل، لكن بعدما يتخلص من تلك المصيبة التي تستمر في الالتصاق به كما العلقة…

كل ذلك ونيرمينا جواره تقول بهدوء تحاول التمسك بأي صديق لها، رغم أن عهد الصداقة كان من طرفها هي فقط :

” أنا ممكن اسامحك عن تصرفاتك دي لو وعدتني أنك هتبطل تبقى بارد ”

ولم ينظر لها حتى مختار لتقول ببسمة واسعة :

” خلاص صافي يا لبن، ودلوقتي خدنا لمطعم ناكل سوا ”

توقفت سيارة مختار أمام المنزل لتحدق به نيرمينا التي استمرت في الابتسام :

” ماشي البيت مش وحش برضو، تعالى نعمل مكرونة بالفراخ سوا ؟؟”

هبط مختار من سيارته يتحرك صوبها ينتزعها من سيارته ممسكًا إياه من ثيابها يجرها للمنزل وهي لا تفهم سبب غضبه :

” طب نتطلب بيتزا ؟؟”


 


ادخلها مختار للمنزل، ثم اغلق الباب بقوة عليها وهي ما تزال تنظر للباب من الداخل بصدمة وحزن :

” على فكرة بقى أنا استاهل اني بعبرك، خليك وحيد طول عمرك كده ”

ابتسم مختار بوجع وهو يتحرك صوب السيارة مرة أخرى، لكن لمح فجأة جسد ميمو يقف جوار السور الخارجي للمنزل وامامها صلاح، ضيق عينه ثواني قبل أن يصعد السيارة، فكر ثواني قبل أن يختار العودة للمنزل لنيرمينا بعدما شعر بضميره يجلده .

وعند صلاح وميمو …

بمجرد أن أبصر صلاح قدوم ميمو صوبه حتى اعتدل في وقفته ينظر لها جيدًا يتأكد من أنها بخير، لتفهم ميمو نظراته وترسم بسمة جانبية :

” لحقت اوحشك ؟؟”

تجاهل صلاح حديثه وهو يقترب منها على حين غرة حتى تراجعت هي للخلف وهي تقول بتحفز :

” ايه يا حبوب مش في الشارع كده يا اخي ”

ابتعد عنها صلاح يرمقها بتعجب لما قالت، ما الذي فكرت فيه تلك الفاسدة هو كان بنيته رؤية وجهها عن قرب لمعرفة إن كان سعيد أصابها في مكانٍ ما، لكن يبدو أن ميمو ستظل ميمو ..

” مسكين سعيد أنا شوفت منظره وهو خارج قطع قلبي وكنت هروح اخده بالحضن اطبطب عليه ”

ضحكت ميمو ضحكة عالية وهي تستند على السيارة جواره :

” عندك حق، سعودي الفترة دي مش عاجبني يا صلاح، بقى يا حبة عيني يمشي يخبط في كل حاجة ويعلي صوته على الكل، مقطع قلبي الولد ده من يوم موت أبوه”

هز صلاح رأسه يتنهد بحسرة مصطنعة وهو يرى ملامحها الخبيثة :

” معلش هي فترة وهتعدي، لو تحبي اتدخل واتكلم معاه يمكن اقدر اساعده أنا في الخدمة ”

نظرت له ميمو ثواني ثم قالت :

” تفتكر ممكن يسمع ليك او يقابلك ؟؟”


 


 


غمز صلاح غمزة خبيثة وهو يحرك يده في خصلاته للخلف بشكل مثير مبرزًا وسامته لاعين ميمو :

” متقلقيش هخليه هو بنفسه يطلب يقابلني ”

” اممممم، تمام بس يا ريت براحة عليه لاحسن معرفش مين اللي عصبه انهاردة خلاه عامل زي الطور الهايج ”

هز صلاح رأسه وهو يحرك شفتيه في ازدراء :

” هما كده يا لذوذة محدش بيحب يشوف غيره مرتاح إلا ويخرب عليه حياته وينكد عليه، الله يسامحهم ويسعدهم اللي زعلوع كده ”

وافقته ميمو الحديث وهي تقول متنهدة :

” عندك حق والله، وبمناسبة النكد، هبعتلك شوية معلومات كده تمسي بيهم على سعودي مين عارف يمكن يتهد ويريحنا من بلاويه ”

نظر لها صلاح ليتضح له وجهها أسفل ضوء القمر والمصابيح المنتشرة في المكان، ابتلع ريقه يردد :

” كل ده في ميزان حسناتك والله، أنك شايلة واحد يتيم و مش ابنك وهمك طول الوقت على مصلحته، ده في ميزان حسناته”

أغمضت ميمو عينيها وهي تتحدث بتعب :

” اللهم امين يارب، اصل أنت متعرفش غلاوة سعودي عندي، ده في مقام ابني اللي مخلفتوش، هو وأبوه اللهي يجحمه معزتهم عندي فوق اوي ”

ابتسم لها صلاح وهو يشرد في القمر أمامه :

” وانا اللي ظلمتك وفكرتك مرات اب شريرة، أنتِ طلعتي اطيب من مرات ابو سندريلا والله ”

” وأنت طلعت في الحقيقة اطيب من جعفر اللي في علاء الدين “


 


انحنى صلاح قليلًا واضعًا يده اليمنى أعلى قلبه في حركة صامتة ممتنة لذلك الاطراء اللطيف منها :

” ربنا يديم علينا نعمة القلب الطيب والنفس السالكة Mademoiselle”

نظرت له ميمو وهي تبتسم بسمة جانبية خبيثة، جعلته يغمز لها بعبث لتطلق ضحكة مرتفعة شاركها بها صلاح وهو يصعد ليجلس على مقدمة سيارته جوارها بعدما احضر حقيبة طعام وشراب من السيارة :

” بصي ده اكل رائد وصالح، بس الحقيقة أنتِ اولى بيه منهم، أنتِ ست شقيانة عندك اولاد تاعبينك في تربيتهم ”

نظرت ميمو للطعام الذي ارتص على السيارة بينها وبين صلاح، ثم رفعت عينها له لتتسع بسمتها :

” شكرًا أنا فعلا كنت جعانة، مش بتهنى على لقمة والله ”

صمتت تراقب صلاح يشاركها الطعام بتلذذ وكأن طعمه تغير بوجودها، لتبتسم هي له وهي تقول بمزاح :

” اصلي بشيل اللقمة من بقي عشان خاطر سعودي ”

أطلق صلاح ضحكاته عالية لتكسر صمت هذا الليل، وميمو تتحدث له بعبث وهو مستمر في الضحك، وهي تتناول الطعام بنهم وكأنه العشاء الاخير لها، وعيون الاثنين كانت تشع بمشاعر اعجاب مختفية بين أطنان من الخبث ….

تنفست ميمو بعمق وهي تنظر له :

” تفتكر ايه اللي جاي ؟؟”

اسودت عين صلاح بخبث مخيف وهو يرسم بسمة جانبية جعلتها تقول :

” بالضبط كده ..”

_____________________

يحطم المكتب منذ نص ساعة، أي منذ وطئت قدمه ذلك المكتب، غضبه يزداد بمجرد مرور الهواء من جواره، رجاله يحدقون به بجهل، البعض يريد تهدئته، لكنه يجهل الطريق والبعض الآخر لا يفكر حتى في الأمر مرتعبًا من فكرة نزع رأسه أثناء ذلك .

كانت دماء سعيد تنتشر في كل مكان بعدما رفض تضميد رأسه، سيبقي ذلك الجرح لأطول وقت ممكن حتى يتذكر كل لسعة ألم شعر بها بعدما تجرأت تلك الحشرة على لمسه مستغلة صدمته من تصريحها .


 


قتلت أباه ؟؟ كيف بحق الله فعلت ؟؟ لقد مات ميتة طبيعية وهذا ما عمل على التأكد منه بمجرد معرفته بوفاة والده .

تنفس بعنف وقد أصبح المكان فوضويًا كحاله هو، ازرار قميصه الاسود مفتوحة، رابطة عنقه مرخية واكمامه مرفوعة لتبرز عضلات ذراعيه، وخصلات شعره الفحمية متناثرة بعشوائية، عيونه الخضراء تشع جحيمًا .

كان يمكنه قتلها، كان يمكنه دفنها مكانه، لكن ذلك القذر الذي يُسمى والده قيّده عن المساس بها لأجل وصية خرقاء، تلك الوصية التي تكبل يده مانعة إياه من التمادي معها، فشكوى واحدة منها ويخسر جميع ثرواته .

مسح وجهه وهو يشير لرجاله بالخروج من مكتبه ليتهاوى جسده ارضًا يستند على الجدار وهو يتنفس بعنف وفي عينه تلوح ذكرى بعيدة، ذكرة اليوم المشئوم الذي انبأهم والده أنه قد وجد عروس أخرى ليتزوجها بدلًا من والدته المريضة….

” أنت بتقول ايه يا جاد ؟! هتتجوز عليا بعد السنين دي كلها ؟! أنت اتجننت ؟!”

وبمجرد انتهاء جملتها كانت السيدة زينب تهوى ارضًا بعدما تلقت صفعة من زوجها الذي لم يقبل أن ترفع امرأة صوتها في وجهها وكل ذلك امام ابنه الشاب الذي بلغ العشرين من عمره وطفلته التي لم تكد تبلغ حتى التاسعة من عمرها .

ألقى سعيد حقيبته ارضًا يركض صوب والدته بجنون يساعدها في النهوض ليسمع صراخ جاد الذي هز أركان المنزل بأكمله :

” مش واحدة اللي تمشي كلامها عليا يا زينب سامعة؟؟ وزي ما جبتك من الشارع قبل كده ممكن ارميكِ وميهمنيش، واوعى تفتكري اني كبرت عشان اربيكِ، لا افتكري مين جاد الاشموني لو ناسية ”

رفع سعيد عينه لوالده وقد كانت جميع أعصابه ترتجف بقوة، جسده بأكمله يرتجف مما يرى ويسمع، هو ذلك الشاب الذي ذاق الويل كؤوسًا على يد والده، لكنه لم يقنط ولم يبتأس بل صبر وظن أنه يحاول تقويمه، لكن هنا ويكفي .

اندفع جسد سعيد ينقض على والده جاذبًا إياه من تلابيبه يصرخ بشراسة مخيفة :


 


” أنت فاكر نفسك مين؟! ازاي تتجرأ تمد ايدك على امي يا حيوان ؟!”

فتحت زينب عينيها بفزع وهي ترى المواجهة بين ولدها وزوجها لتزحف ارضًا بتعب بعدما فقدت قدرتها على النهوض تمسك بقدم ابنها باكية :

” لا يا سعيد سيب ابوك، سيبه يا بني متعملش حاجة ”

لكن ذلك الشاب والذي ما يزال في فوره جموحه أبى إلا أن يكسر عظام ذلك المتصابي الذي يظن نفسه فرعونًا متجبرًا .

في تلك اللحظة ولأول مرة يبصر سعيد خوفًا في عيون والده وارتجافًا في يديه، خوف جاد في تلك اللحظة غذّى شياطين سعيد وزاد من شره داخل قلبه، حاول جاد التمسك بآخر ذرات تجبره وهو يصرخ :

” أنت بترفع ايدك على ابوك يا كلب يا خسيس ؟! انا غلطان لأني مضربتكش من صغرك وقت …”

هزه سعيد بقوة مهلكة وقد بدأ الجحيم يلتمع امامه، وشيطانه يزين له قتل والده :

” أنت فعلا غلطان لأنك مضربتنيش، يمكن وقتها كنت متْ في ايدك وخلصت من جحيمي ياجاد يا اشموني”

صرخت زينب وانتحبت وهي تمسك بقدم سعيد تترجاه وتتوسله حتى كادت تقبلها :

” ابوس ايدك يابني تسيب ابوك، بلاش تبقى زيه، اوعى تبقى زيه يا سعيد، سيب ابوك”

ارتجفت الدموع في عيون سعيد من كلمات والدته وترك والده بقوة حتى تهاوى جسده للخلف ولولا الجدار لكان سقط مذلولًا كما أذل والدته وقال :

” للاسف يا امي، جاد نجح يسيب شيطان من بعده يكمل طريقه، واول واحد هيتدمر بايد الشيطان هو جاد نفسه”

كل ذلك كان أسفل عيون نيرمينا التي من شدة خوفها تبولت في ثيابها وهي تختبئ خلف الجدار باهتة الوجه باكية .

استدار سعيد وساعد والدته في النهوض وهو ينظر لجاد بشر، معلنًا في تلك اللحظة ميلاد شيطان سيفوق شياطين جاد نفسه :

” روح اتجوز الزبالة اللي عايز تتجوزها بعيد عننا، لكن حسك عينك تقرب لامي وإلا اقسم بالله لاقتلك بايدي يا جاد، سامع ؟؟ هقتلك بايدي …”


 


ولم يفعل، القدر أنقذه من بين أنيابه ومات ميتة ظنها طبيعية حتى سمع حديث ميمو، هل يسعد أنها خلصته من ذلك الفرعون المتجبر، أم يحزن لأنها هي من نالت شرف التخلص من جاد بكل شروره …

مسح سعيد دمعه كادت تفر من عيونه وهو ينهض يسير بتعب في مكتبه المحطم، وفي تلك اللحظة لم يرد شيء بمقدار رغبته في ضم نيرمينا لاحضانه، الشيء النقي الوحيد الذي نجى من جاد الاشموني.

استطاع جاد تلويثه منذ طفولته وهو من كانت أكبر طموحاته أن يحقق أحلام والدته، وكذلك فعل بتلك المراهقة البلهاء ميمو لتضحى افعى تبث سمها في كل من يقترب منها، فقط نيرمينا من كانت محظوظة بالقدر الكافي لتفلت من جاد، وهو سيعمل على أن تبقى هكذا ….

______________________

وطأ صالح باقدامه داخل حديقة منزل عائلة محمود، حيث كان الجميع يتراقص ويغني ويصرخ فرحة احتفالًا بخطبة إحدى فتيات العائلة، تنفس صالح بملل وهو ينظر جواره لمحمود الذي كان لا يقل مللًا عنه .

وبمجرد دخولهما زفر محمود بغيظ وهو يكاد يخلع سترته هاتفًا بحنق :

” ياربي على القرف اللي انا فيه ”

ولم يكد صالح يستفسر عن سبب ما يفعل حتى تفاجئ بشاب يركض صوبهما وهو يقول ببسمة سمجة مستفزة :

” حودة ابو دماغ عالية، عاش من شافك يا رايق ”

رمقه محمود وهو يلوي شفتيه بتقزز وكأنه يرى أكثر شيء مقرف في هذا العالم أمام عينيه، يرى وائل ابن عمه وشقيق العروس، يقترب منه يجذب رأسه أسفل ذراعه مفسدًا شعره :

” ايه يا بني الجسم ده ؟؟ ده أنت مش بتخطي الجيم وجسمك زي الفل، امال أنا بقعد بالساعات ومفيش ولا عضلة بتطلع بالغلط حتى “


 


نزع محمود نفسه من وائل بصعوبة وهو يقول بحنق يخفف من رابطة عنقه :

” ما هي العضلات طفشت من دمك السم ”

رفع وائل حاجبه بعدما لم تلتقط أذنه ما قاله، لكن فجأة أبصر بطرف عينه صالح الذي كان يراقبهما بهدوء وبرود كعادته، ليبتسم بسمة واسعة وهو يفتح ذراعيه ليعانقه كما فعل مع محمود :

” صالح عاش من شافك يا معفن ”

وقبل أن يلقي نفسه بين أحضان صالح، كانت يد صالح تقف حائلًا بينهما وهو يقول بغيظ :

” معلش يا وائل الدكتور مانعني من الاحضان والبوس اصل بعيد عنك عندي مرض جلدي خطير ”

وفجأة انتفض جسد وائل للخلف وهو ينفض يديه بقوة خوفًا أن يصيبه ذلك المرض قبل أن يسمع صوت والده يستدعيه، ليضرب كتف محمود بقبضته :

” هروح اشوف الحاج عايز وراجعلك تاني يا ابو دماغ عالية”

فرك محمود كتفه وملاح الغيظ واضحه على وجهه وهو يبصق في الهواء بعدما رحل وائل :

” يا اخي تروح ما ترجع هي ناقصة قرف ”

نظر له صالح بغضب وكأنه يلومه على وجوده في هذا المكان ووسط عائلته، ليصيح محمود بملل :

” متبصليش كده، أنا زيي زيك جاي مجبور هنا”

” أيوة بس دي عيلتك، أنا مالي ومال عيلتك اجي مكان محدش طايقني فيه ليه ؟!”

تمتم محمود بصوت منخفض وهو يمسح وجهه بنزق :

” والله ولا أنا كمان حد طايقني هنا ”

في تلك اللحظة أبصر الاثنان طوق نجاة يقترب منهم، ولم يكن سوى الدكتور ماجد_ والد محمود _ والذي ابتسم وهو يقترب منهما مرحبًا :


 


” اخيرًا جيتوا يا شباب ؟؟”

وبمجرد أن أصبح على مقربة منهم حتى همس بصوت منخفض لهما :

” كويس لقيت حد اقف معاه بدل ما كل العيلة مش طيقاني ”

ضرب صالح كف بكف وهو لا يصدق ما يحدث أمامه :

” لا إله إلا الله يا جدعان، ما طالما محدش طايقكم في ام العيلة دي ما يتبروا منكم ويخلصوا ولا هو ذنب وبيكفروا عنه ولا ايه ؟؟”

نظر له محمود وهو يلوي شفتيه وقد نالت تلك الفكرة استحسانه، بل وتمناها من اعماق قلبه، لكن فجأة انتفض في وقفته يختبأ خلف جسد والده متخفيًا عن أعين عمه الأكبر والذي تحرك صوبهما بمجرد أن رصد وصوله، حاول ماجد ابعاد ابنه عنه وهو يقول بحنق :

” يا عم اوعى من ورايا أنا مش ناقص لسه بدني مسموم منه ”

فتح صالح عينه وهو ينظر لذلك الرجل الذي كان هو نفسه اللواء الذي قابله في مكتبه رائد، ما الذي يفعله هذا الرجل بهما ليسبب لهما مقتًا كهذا .

وبمجرد أن توقف الرجل أمامها حتى أدرك صالح سبب خوفهما منه، حيث بدأ ينظر له من أعلى لاسفل يقيمه بأعين متفحصة ثم قال باشمئزاز :

” ايه القرف اللي انت لابسة ده ؟؟”


 


نظر صالح لثيابه نظرة سريعة فقد كان يرتدي قميص اسود وبنطال اسود من خامة الجينز، رفع عينه للرجل وهو يقول بتفكه :

” بنطلون وقميص، لبس عادي”

انتفخت اوداج ذلك العجوز وهو يهب في وجه صالح صارخًا :

” أنت مسمي القرف ده لبس يليق على مناسبة راقية زي دي ؟! هتوقع منك ايه ما أنت صاحب الاستاذ محمود ”

التوى ثغر صالح بشكل مضحك قبل أن يقول ملوحًا بيده في وجه عم محمود الأكبر :

” جرا ايه يا جدو ما تبلع ريقك كده، وبراحة على نفسك، اللبس اللي مش عاجبك ده ماركة على فكرة ”

اتسعت عين الرجل وهو ينظر له من أعلى لاسفل، ثم استدار كالرصاصة لمحمود الذي هز رأسه برعب وهو يقول :

” أنا مالي هو اللي اتكلم مش انا ”

أشار الرجل صوب صالح دون أن يمن عليه بنظرة واحدة وهو يصرخ في وجه ماجد ومحمود :

” عاجبكم مجايبكم ؟! الاشكال دي ازاي تدخل بيت عيلتنا، يعني مش كفاية أنه مش ملتزم بلبس راقي، لا وكمان متبجح ”

تحدث صالح وهو يرفع إصبعه أمام وجهه محذرًا ذلك الرجل :

” لا بقولك ايه انا ابويا نفسه عمره ما علق على لبسي رغم أنه شافني باسوء من كده، فمتجيش أنت وتتكلم كلمة واحدة على الطقم الشياكة ده، عايز تهزق محمود براحتك إن شاء الله تولعوا أنتم الجوز، لكن تيجي عليا هنسى اني لابس طقم شيك واقلبلك بيت عيلتك ده خرابة ”

أحمر وجه الرجل بشدة حتى كاد ينفجر وماجد يتراجع للخلف وهو يدفع محمود عنه، يحاول أن يُهدأ أخاه الاكبر والذي يكبر بخمسة عشر عامًا، حيث كان هو الأصغر من بين اشقاءه، فـ رأفت ( اللواء ) هو الأكبر يليه حسان والد وائل والعروس، ومن ثم هو …الغلطة التي أتت لعائلنه نابذًا تاريخ عائلته السيادي في الدولة مفضلًا أن يعمل عالمًا للنباتات ومن ثم اكتملت غلطة ماجد بابنه الوحيد الذي حاذ خطوات والده وتخصص بالتشريح.

قال ماجد يحاول أن يهدأ من غضب أخيه :

” هو ميقصدش يا رأفت، هو بس طايش ومتسرع، مش كده يا صالح ؟؟”


 


نظر رأفت لصالح وكأنه يسأله بعينه إن كان محقًا ام لا، لكن ملامح الاعتراض على وجه صالح جعلت محمود يجذبه بعيدًا عن ذلك البركان النشط وهو يقول :

” تعالى يا صالح يا حبيبي نبارك للعرسان ”

وبالفعل انصرف الاثنان من أمام أعين رأفت المشتعلة والذي كان شخصًا لا يرضيه شيء سوى الكمال، هكذا كان وهكذا سيكون …

وأثناء تقدم صالح ومحمود صوب مقاعد العروسين، انتبها لفتاة تسير الهوينة صوبهما، وحينما أصبحت على مقربة من صالح _ والذي راقبته منذ وطأ الخطبة _ ادعت حدوث التواء في قدمها وهي تولول بوجع :

” اه رجلي، مش قادرة رجلي بتوجعني اوي ”

وإن كانت تظن أن مثل هذه الأمور قد يتوقف صالح لأجلها فهي مخطئة من نوابت شعرها وحتى أطراف قدميها، فقد سار صالح كما هو ولم يتوقف حتى لإلقاء نظرة ولو من باب الفضول .

فتحت الفتاة عينيها بصدمة وهي تنظر لظهره، يتحرك ناحية العروسين ثم جلس على طاولة وبدأ يتناول الطعام دون أن يعبأ بأحد.

حسنًا هي لن تضيع مجيئها لهنا عبثًا، ليس وذلك الوسيم صديق ابن عمها والذي يعلم معه طبيبًا، لتنشأ قصة حب من طرفها منذ سنة تقريبًا حينما قابلته صدفة مع محمود .

تحركت الفتاة صوب طاولة وبمجرد أن وصلت له حتى ادعت أنها تعرج وكانت على وشك السقوط وهي تصرخ بغية أن يمسكها أحدهم، لكن كل ما صدر من صالح هو أنه رفع قدمه عاليًا ليتيح لها مساحة أكبر للسقوط وهو يتناول الحلوى بتلذذ وعيونه على تلك الفتاة الغريبة .

نظر لمحمود والذي كان في هذه اللحظة يبحث عن وسيلة للهرب من هنا :

” محمود هي قريبتك دي متكسحة ؟! اصل كل شوية تقع، هي لسه بتتعلم المشي طيب ؟؟”

نظر محمود حيث ابنة عمه ليلوى شفتيه في تفكير :

” يا عم تلاقيه من الكعب اللي لبساه”

نهضت الفتاة وهي تقول بتأوه تجلس على المقعد المجاور لصالح :


 


” رجلي بتوجعني اوي مش قادرة ادوس عليها ”

نظر لها صالح باهتمام لثواني قبل أن يقول دون اهتمام حقيقي :

” الف سلامة عليكِ، ابقي إدهني فولتارين وخدي واحد مالتي ريكلاس هتبقى زي الفل ”

انتفض محمود فجأة وكأنه لم يكن معهما في ذلك العالم يردد بجدية :

” عرفت نعمل ايه عشان نمشي من هنا ”

أولى له صالح كامل اهتمامه ليبتسم محمود وهو يقول بخبث :

” ننطرد زي الكلاب …”

دقائق فقط وكان محمود يفتح بذلته وهو يحرك كتفه تزامنًا مع تلك الأغاني الشعبية التي أمر منظم الموسيقى بوضعها، وها هو يحرك خصره، يتحرك صوب المسرح الذي يتوسط المكان وما هي إلا لحظات حتى كان صالح يتقدم له بخطوات راقصة شعبية مستخدمًا يده .

صعد صالح على المسرح رفقة محمود وهو يضع يديه على كتف صديقه يقوم ببعض الرقصات الشعبية الثنائية ..

وها هي نتائج خطة محمود تظهر واضحة على وجه رأفت، والذي اشتعلت عينيه ينظر حوله صارخًا في الجميع :

” ايه القرف ده ؟! اقفلي يابني الاغاني المقرفة دي ”

كل ذلك وصالح يضع كتفه بكتف صديقه وهو يميل معه للخلف، ثم يعودا للامام بتناغم مع الموسيقى…

أشار محمود لصالح وهو يردد مع الأغنية :

” صاحبي توب توب…ده الشقيق بحبه حب ”

نظر رأفت حوله باحثًا عن ماجد ليأمره بإيقاف تلك المهزلة التي يفتعلها ابنه وضيفه، لكنه فتح عينه بصدمة وهو يرى ماجد يركض صوب ابنه وهو يحرك خصره بسعادة، يفتح سترته بأطراف أصابعه محركًا كتفه واقدامه بتناغم مع الموسيقى يقول بحماس :


 


” أيوة …أيوة ..أيوة ”

وها هو محمود بدأ يتقمص دور الكنغر يقفز لفوق وأسفل وصالح يطلق صفرات عالية وهو يصدر اصوات أشبه بأصوات الهنود الحمر يندم لأنه لم يحضر مديته لكان تراقص بها، وماجد يميل بجزء من جسده وهو يصفق بحماس شديد ..

تحرك ماجد صوب أخيه الأكبر يميل عليه بكتفه وكأنه يستفزه ليطردهم ..

وهكذا حصل فبعد دقائق فقط كان الثلاثة يُقذفون لخارج المنزل بالكامل، بعدما أمر رأفت أبناء العائلة بأخذهم دون إحداث ضجة لخارج المنزل …

صافح محمود صالح وهو يقبله من الجانبين بشكر :

” حمدالله على السلامة يا حبيب اخوك ”

ابتسم ماجد وهو يحرك كتفه على تلك الموسيقى التي ما تزال تصدر من الداخل :

” والله عيلة قفل، مش فاهم فيها ايه لو كانوا اتحزموا وطلعوا جنبنا ”

ضحك محمود وهو يضم كتف والده :

” ايه اللي عملته جوا ده يا حاج، رايح تميل عليه وتستفزه زي الرقاصات، عايزة يعماك ايه ينقطك ؟!”

ضحك ماجد يعدل من هيئته وهو يفرد ذراعيه يتنفس نفس عميق :

” اخيرا هرجع للمعمل بتاعي، يلا يا شباب استأذنكم”

وبمجرد تحركه للسيارة ورحيله قال صالح :

” ابوك ده مش سهل ”

ضرب محمود كفه بكف رفيقه وهو يضحك بصوت عالي معه، ثم تحرك الاثنان صوب السيارة بعدما انتهت السلة واخيرًا ومحمود يثق أن عائلته ستفكر مئات المرات قبل دعوته هو أو والده لأي مناسبة مجددًا، هما منبوذان على أية حال، لِم إذن يستمرون في ازعاجهما ….

___________________


 


تقف في منتصف المنزل الذي اشتراه لها ذلك الشرطي، ربما شفقة او مساعدة لا تدري، وفي هذه اللحظة هي ليست بقادرة على التفكير أو المناقشة ..

” عجبك؟؟”

استدارت تسبيح لرائد الذي كان ينتظر منها ردًا عله يرتاح، لا يدرك لماذا لكنه يشعر بالوجع لأجلها، يشفق عليها مما عانته، ابتلع ريقه يحاول أن يتحدث مجددًا ليجبرها على الرد :

” هو يمكن محتاج شوية تعديلات وتنضيف بس هو مبدئيا لطيف مش كده ؟؟”

هزت تسبيح رأسها، ثم رفعتها له وهي تقول بتردد :

” بالنسبة لبابا ؟؟”

” متقلقيش أنا هتولى كل شيء يخصه ”

صمت وهي صمتت ولم تجد ما تقوله سوى :

” أنت بتعمل كل ده عشان عبدالعظيم ؟!”

فتح رائد عينه بصدمة، ويبدو أنه لوهله نسي أمر عبدالعظيم كليًا، نسي ما ذهب لاجله في المقام الأول، لكن لم يظهر ذلك وهو يحاول الإجابة بعملية :

” ممكن بس مش سبب اساسي ”

ابتسمت من اسفل نقابها بسخرية لاذعة :

” متتعبش نفسك، لو بتعمل كده عشان عبدالعظيم مش هيرجع ”

نظر لها بفضول ليرى كتفاها قد تهدلا وهي تتحرك بتعب صوب الأريكة التي تركت عليها حقيبتها وأخرجت هاتفها لتريه رسالة وصلت لها صباح اليوم عقب وفاة والدها والتي كان محتواها :


 


( حبيت بس قبل ما اختفي اقولك شكرا يا اختي، شكرا على اللي عملتيه، عمري ما هنسى اللي عملتيه فيا، حاولوا يقتلوني في السجن لكني رفضت اشرب السم اللي هربوه وقررت اني اهرب بمقابل طبعا، متستنيش اني ارجع تاني يا تسبيح، انسي إن ليكِ اخ ”

ضغط رائد أصابعه على الهاتف وهو يهتف من بين أسنانه :

” غبي، غبي، لو كان تعاون مع البوليس كان أخد حكم مخفف وخرج بسرعة، بس كده دمر حياته ”

انهارت تسبيح على الأريكة وهي تردد بوجع :

” مش هو اللي دمر حياته، أنا اللي دمرتها ودمرت حياتي كلها، فيها ايه لو كنت خرست زي الكل وحطيت راسي في الرمل، كان زمان بابا عايش دلوقتي وعبدالعظيم معايا، أنا واحدة غبية ”

كانت تتحدث وهي تصرخ بصوت مرتفع وكأنها تود إيصال الكلمات لعقلها حتى يقتنع بها، فقد أبى قلبها تصديق ما تنطق به، مخبرًا إياها أنها اتبعت سبيل الحق وانقذت منازل كثيرة من أذية شبابهم بسبب ذلك السم .

بكت وارتفع صوت نحيبها لترى رائد جذب مقعد وجلس أمامها قائلًا :

” لو هتندمي على اللي عملتيه اسمحيلي اقولك أنك فعلا غبية، أنتِ مدمرتيش حياتك، هما اللي دمروا حياتك، كل كلب في البلد دي قِبل يكسب فلوس على حساب أرواح شباب وعائلات كتير بتدمر”

نظرت له وهي تترجاه بعينها أن يصدق قوله، أن يخبرها أنها لم تخطأ، يطمئن قلبها أنه احسن الفعل، وقد كان..

” اسمعي يا تسبيح، لو كل واحد عاش في الحياة دي ودفن رأسه في التراب زي ما بتقولي كده، كانت بقت غابة، احنا عايشين على الأرض عشان نتعبد ونعمل خير مش نفسد فيها، واللي كان بيحصل في الحارة عندكم ده لا يرضي ربنا ولا يرضي حد، والسكوت عنه بيسبب كوارث واكيد أنتِ شوفتي ”

هزت رأسها تؤكد حديثه ليبتسم لها وهو يقول :


 


” يبقى متندميش على صح عمليته أبدًا، واستعوضي اللي حصل ليكِ عند ربنا، وبكرة الخير جايلك أنا واثق ”

رفعت تسبيح عينها له ولم تستطع إلا أن تعطيه بسمة صغيرة لم تعبر حدود عينيها وهي تقول :

” خير باذن الله ”

نهض رائد من مكانه يودعها بهدوء :

” طب استأذنك أنا لأني لازم ارجع البيت اشوف المصايب اللي عايش معاهم وبكرة باذن الله هبعتلك حد يساعدك في البيت، و….مرحبًا ليكِ في أكثر مكان هادي في أنحاء المعمورة ”

تبع حديثه صوت تكسير مرتفع آتٍ من منزله الذي يقابل باب منزل تسبيح المفتوح ومن ثم صرخات صلاح الذي يوبخ صالح بالطبع …

ابتسم رائد وقال :

” هتقضي فترة من أزهى فترات حياتك هنا، أؤكد ليكِ ”

_________________________

في الصباح التالي ….

كانت تسير في ممرات المشفى التي يعمل بها ذلك الوقح وجوارها هاجر التي أصرت على القدوم معها لتمنع حدوث اي مشاكل بينهما .

نظرت رانيا حولها في الإرجاء بحثًا عن وجه صالح، فهي أقسمت أنها لن تغادر اليوم إلا بهاتفها ولو اضطرت للالتصاق به حتى إن وصل الأمر لقتلها..

خرجت من أفكارها أثناء سماعها اعتذار هاجر جوارها من فتاة تسير مسرعة في الممرات، وقبل أن ترحل الفتاة اوقفتها رانيا ممسكة بمرفقها :

” لحظة لو سمحتي ”

توقفت سجدة وهي تنظر في ساعتها بشكل يوحي بانشغالها :

” أيوة اتفضلي ”

ابتلعت رانيا ريقها تقول بتساؤل :


 


” اقدر الاقي فين صالح السقاري ؟؟”

رفعت سجدة وهي تنظر للفتاة من فوق لاسفل تردد بفضول وقد نست ما كانت تركض لأجله :

” صالح ؟؟ وأنتِ عايزة صالح ليه ؟ متأخذنيش بس إن بنت تيجي هنا وتسأل على الكائن اللي اسمه صالح ده شيء مريب الحقيقة ”

التوى فم رانيا بغيظ وهي تردد ضاغطة على أسنانها :

” اممم ليا عنده شيء يخصني وجايه اطالبه بيه ”

التمتع عين سجدة بالانتصار وهي ترى ملامح الشر التي تستوطن وجه تلك الفتاة، وما اسعد على قلبها من رؤية ذلك الحقير صالح في ورطة ومشكلة لذلك ابتسمت تصف لهما طريق المشرحة برحابة صدر وسعادة :

” اخر الطرقة يمين في باب كبير قدامه راجل امن، بلغوه وهو هيبعت لصالح يخرج ليكم ”

هزت رانيا رأسها تمسك يد هاجر جاذبة إياها خلفها لتقول هاجر بشك من طريقة حديث سجدة وملامحها:

” البنت دي فيها حاجة غريبة، مش مستريحة ليها ”

لكن رانيا لم تكن ترى أمام عينيها سوى صورة ذلك الصالح وقد عقدت العزم على الخروج من هذا اليوم أما بهاتفها أو بجثته، وبالفعل وصلت أمام ذلك الباب والتي لم تتعب نفسها لترى تلك اللافتة التي تشير لهوية المكان وهي تدفع الباب بقوة مستغلة عدم وجود ممرضة أو أحد يمنعها .

وفوق ذلك الباب تعلو لافتة مضيئة بكلمات كانت …

” المشرحة ”

___________________

وفي الخارج كان يتحرك بخطوات رزينة في الممرات يتحدث في الهاتف لشريكته في هذه اللعبة :

” تمام عندي مشوار اخلصه ونتقابل في النادي ”

وصل له صوت ميمو أثناء انحرافه صوب الممر الذي يؤدي لمكتب أخيه، فقد جاء خصيصًا للتحدث معه في أمر تلك الجثث التي شرحها لأجل قضية رائد مفضلًا معرفة الأمر منه شخصيًا بعدما لم يجد مناسبة في الأيام السابقة لذلك .

” تمام يا حبوب في انتظارك، لغاية ما تخلص يكون أنا خلصت ركوب خيل “


 


” تعرفي أن بسبب الخيل ده اخدت عنك فكرة تانية خالص”

أطلقت ميمو ضحكة عالية وهي تعلم جيدًا ما يقصد، فلا يخفى عليها نظرات الصدمة حينما تحدث له اول مرة :

” امممم ويا ترى بقى كانت فكرة حلوة ولا أي كلام ؟؟ ”

كاد صلاح يجيب لولا رؤيته لفتاة تركض في الممرات بسرعة حاملة العديد من الملفات وكأنها تركض خلف قطار، وكعادته فتح لها صلاح الباب الزجاجي والذي كان نفسه الذي الصقه محمود سابقًا في وجه فتاة .

توقف الفتاة ترمق الباب الزجاجي بين يدي صلاح برعب، هل يفتحه حتى تقترب منه ومن ثم يتركه فجأة ليصطدم بها كما فعل سابقًا ؟!

تعجب صلاح نظرات الفتاة وقال بهدوء وبسمة صغيرة :

” حضرتك مش هتخرجي ؟؟”

نظرت الفتاة حولها تبحث عن تلك الـ ” حضرتك ” التي يتحدث إليها الدكتور صالح، بغض النظر أن تلك الكلمة لم تعبر حدود شفاة صالح سابقًا، ولم تجد سواها في منتصف الممر لتشير لنفسها بصدمة :

” أنا ؟!”

ابتسم لها صلاح بسمة صغيرة لطيفة :

” أيوة، حضرتك مش خارجة ؟؟ اتفضلي ”

” أنت بتكلمني أنا ؟؟ ”

ازداد تعجب صلاح ليهز رأسه وهو ينظر لها بترقب، فلم تجد الفتاة بدًا من التحرك بريبة صوب الباب وبمجرد أن أصبحت بالقرب منه حتى أطلقت لساقيها الريح تركض بعيدًا عنه وهي تنظر للخلف لتراه يرمقها بتعجب، مهلًا ألم يكن ينتوي أن يضربها بالباب في وجهها ؟؟ ما الذي يحدث في هذه المشفى ؟!

بينما صلاح ما يزال ينظر لها ببسمة متعجبة قبل أن يدخل للممر عابرًا الباب الزجاجي يلقي بتحية وبسمة على سجدة و التي كانت فيما سبق مخطوبة أخيه .


 


” صباح الخير يا دكتور سجدة ”

فتحت سجدة عينيها بصدمة وهي ترى صالح يرتدي ثياب مكتملة دون قطع واحد، رغم احتفاظه بمظهره الشبابي من بنطال وقميص، ولم تدرك كعادتها السيئة في التفريق بينهما أن هذا صلاح، فما ادراها وصلاح لم يأتي هنا سوى مرات معدودة ؟!

اكمل صلاح حديثه على الهاتف وهو يخطو لمكتب أخيه :

” تمام نص ساعة وهكون عندك ”

ابتسمت ميمو بخبث وهي تردد :

” أنت جنتل مان بزيادة، اللي يشوفك كده ميشوفش ملامحك وأنت بتفكر في المصايب ”

ضحك صلاح يرتاح بجسده على الأريكة في مكتب صالح :

” ده وش مش بيظهر غير للحبايب…”

وقبل أن يتبع جملته بأخرى فُتح الباب الخاص بالمكتب ليتقدم منه رجل تظهر على ملامحه الثراء الواضح بثياب منمقة، وملامح جادة وهو يمنحه بسمة متكلفة :

” دكتور صالح …”

اعتدل صلاح بجسده ينظر لذلك الرجل وقبل أن يجيب بكلمة واحدة لمح بين طيات نظراته خبثًا، ليشعر أنه رأى تلك الملامح سابقًا، اخفض الهاتف مغلقًا المكالمة دون كلمة واحدة ليرى الرجل يتقدم منه وهو يلقي بملف أعلى مكتب أخيه :

” أنا جايلك من طرف شخص مهم، وهو حابب أنك تتعاون معاه في شغل جديد هيغير حياتك بالكامل …….”

________________

لكل لعبة قوانين، من يضع تلك القوانين ومن يُلزم المشاركين باتباعها، هو نفسه من ينهي اللعبة بكلمة واحدة…..

دمتم سالمين

رحمة نبيل .


يتبع…

google-playkhamsatmostaqltradent