رواية وما ادراك بالعشق كاملة بقلم مريم محمد غريب عبر مدونة دليل الروايات
رواية وما ادراك بالعشق الفصل الثاني عشر 12
أكلها الذئب _ :
قبل ثماني و عشرون عامًا …
لا تزال الخصومة قائمة بينهما، رغم إنه قضى معها بضعة أيام بعد محاولة إنتحارها غرقًا حاول خلالهم إرضائها بشتّى الطرق و التعويض عليها قسوته و اساءته في حقها، جرح مشاعرها الذي لا يُغتفر، أضطر أن يعود إلى منزله في الأخير، لكنه لم يستطع البقاء دون أن يفكر بها !!
لم يهدأ باله لحظةً واحدة، لم يمر يومان إلا و قد اعتزم العودة إليها، و الحجة التي سوف يخرج بها حاضرة في ذهنه بالفعل، ينتظر اللحظة المناسبة فحسب …
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أوشكت ساعة عودة زوجها من العمل، و قد تأخرت حقًا عن موعدها لزيارة منزل آل”الألفي” في محاولة أخيرة منها للسعي من أجل للصلح بين شقيق زوجها و زوجته، صديقتها المقرّبة “رضوى الألفي”.. إنها تعتبرها أختًا لها كما ترى “رفعت” كذلك أيضًا
كانت تتجهز بغرفتها الآن، تضبط حمرة فمها المتقنة، الباب موارب، بينما يمر “رفعت” مصادفةً لتلمحها عيناه و يتوقف رغمًا عنه مأخوذًا بسحرها الذي لا ينضب عليه، بقى بمكانه بلا حراكٍ، يستند إلى باب الغرفة دون إحداث أيّ جلبةٍ …
حتى انتهت و استدارت ممسكة بحقيبة يدها الصغيرة تأهبًا للرحيل، جمدت للحظة حين رأت “رفعت” بالجوار، و لكن سرعان ما ابتسمت له بجاذبيتها المعهودة هاتفة :
-أنا قلت كده بردو.. قلت أكيد رضوى مش هاتهون عليك و هاتيجي معايا نجيبها سوا.. أنا خلاص جهزت يا رفعت !
نظر “رفعت” صوبها مقطبًا و قال بانزعاجٍ واضح :
-أنا مش جاي معاكي عند رضوى يا فريال. مش هقدر أمنعك تروحي لها لو انتي حابة ده.. لكن لازم أقولك إنك بتتعبي نفسك على الفاضي.. قراري نهائي.. أنا و رضوى هانتطلّق.
عبست بشدة و لوهلةٍ عجزت عن الرد عليه لشدة غضبها من كلماته، لكنها تجاوزت مشاعرها السلبية و ندت عنها نهدة عميقة، تركت حقيبتها من يدها و مضت إلى الخارج تجاهه، تبعها “رفعت” بنظراته حتى و هي تتخطّاه قائلة بحزمٍ لا يخلو من الرقة :
-تعالى ورايا يا رفعت !
بدون أن يسأل أو يفه بكلمةٍ، سار خلفها وصولًا للأسفل، اصطحبته إلى الترّاث الرئيسي ذي الإطلالة المتميزة على واجهتيّ القصر و الحديقة الممتدة أمامهما غنّاء و ساحرة
طلبت “فريال” القهوة لكليهما.. ثم ابتدأت حديثًا جادًا مع شقيق زوجها العنيد …
-بص يا رفعت.. أنا من اول ما دخلت البيت ده لاقيت فيه أخ و أخت. انت و رضوى بالنسبة لي اخواتي. و يعز عليا إن أخويا يزعل أختي. خصوصًا لو هي كمان بتحبه و ماتقدرش تزعله.. انت بتظلم رضوى معاك و فوق ظلمك ليها بتظلم صالح و هالة.
رد “رفعت” بصوتٍ أجش بعد أن سحق سيجارته الثالثة :
-من فضلك يا فريال سيبي أسطوانة صالح و هالة دي على جنب. ولادي أنا عارف مصلحتهم كويس. و بالعكس إنفصالي أنا و أمهم هايكون مفيد ليهم اكتر مننا احنا الاتنين.. على الأقل مش هايعيشوا مشاحنات أكتر من كده بين أبوهم و أمهم و انتي شوفتي بنفسك. رضوى مابقتش في حالتها الطبيعية مؤخرًا.. لو القصة دي مانتهتش الولاد هايكرهوها صدقيني من اهمالها و عصبيتها.
-و مين السبب في الإهمال و العصبية يا رفعت ؟ انت ليه مش عايز تصدق انك أهم شخص في حياة رضوى. رضوى بتحبك يا رفعت. بتحبك جدًا. دي وقفت قصاد أهلها عشانك كل ما كانوا بيعرفوا من برا عن علاقاتك بالستات و يحاولوا يردوا كرامتها بأي طريقة كانت بتيجي في صفك انت.. قولّي هاتلاقي واحدة تحبك كده إزاي !؟
تأفف بضيقٍ شديد و قال :
-هي بتحبني.. بس أنا مابحبهاش.. عمري ما حبيتها يا فريال !!
رفعت حاجبيها مرددة بذهولٍ :
-مش معقول.. انت بتهزر صح ؟ إزاي مش بتحبها يعني ؟ أومال بتحب مين !!؟
-“بحبك انتي!” .. قالها في نفسه و هو ينظر مباشرةً إلى سِعّة عينيها الملوّنتين
صمت لبرهةٍ قصيرة.. ثم قال بعد ترددٍ :
-انت اتجوزت رضوى جواز تقليدي جدًا.. يحيى جه في يوم قال لابويا أنا عايز اتجوز.. كان ساعتها لسا عيّل صغير يدوب 19 سنة.. و أنا الأخ الكبير إللي تم 25 سنة و لسا عازب رغم إلحاح الكل عليا من قبل كده بكتير.. لكن و لا حد كان يعرف الحقيقة.. أنا كنت ناوي أتجوز طبعًا.. بس كنت مستنيها !
فريال بفضولٍ : هي مين دي ؟
ابتسم “رفعت” بمرارةٍ و هو يشملها بنظراته المتحسّرة، يصرخ من اعماقه بأنها هي، منشودته، حبيبته الأبدية، لكنها لم تفهم نظراته، كما لم تسمع مناجاته المعذّبة بداخله، بينما يتنهد ناقرًا بأنامله فوق ذراع الكرسي المصنوع من خشب الجص :
-حبيبتي.. البنت الوحيدة إللي حبيتها و سكنت قلبي من أول نظرة.. أرق مخلوقة شوفتها في حياتي.. الأجمل و الأفضل.. أنا لحد دلوقتي مش شايف غيرها.. اوعي تفكري إن طول عمري كنت بتاع ستات زي ما بيتقال عني.. أنا ماحصلّيش كده غير لما اتأكدت إن عمرها ما هاتكون ليا.
ضمّت “فريال” حاجبيها في تأثرٍ لسماع كلماته، و قد أدركت بأنه لن يفصح لها عن هوية معشوقته التي حُرم منها، و كابد نتيجة ذلك عذابًا شديدًا لم يطاله وحده …
-طيب ليه يا رفعت ؟ .. تساءلت بلهجةٍ أكثر تعاطفًا :
-لما انت كنت بتحب.. استنيت ليه على حبك ؟ سبت إللي بتحبها ليه ؟؟
ابتسم بسخريةٍ قائلًا :
-أنا ماسبتهاش.. أنا مالحقتش حتى أقولها.. كانت لسا بنت صغيرة و كنت مستني لما تكبر شوية بس عشان أفاتح أبويا و أروح أتقدم لها.. لكن جه غيري و سبق.. اتخطبت و عرفت إنها بتحب خطيبها حتى من قبل الارتباط.. ف قطعت الأمل نهائي و استسلمت لضغط أمي عليا في موضوع الجواز. عرضت عليا بنات كتير من عائلات المعارف و الأصدقاء.. اخترت رضوى من بينهم و تم الجواز في أقل من شهرين.. جواز عادي.. ماتبناش على حب و لا أي مشاعر.. أكيد صعب يكمل يا فريال… زي حبّي تمام.. صعب !!
إلتمعت عيناها مصحوبة بحديثه الذي لا يرمز لشيء إلا الحزن العميق، حزنت بدورها و هي بالكاد تعرف الآن بمعاناة شقيق زوجها و منذ زمنٍ، كان يُعاني حبًا مستحيلًا و لا أحد يدري به.. المسكين …
-صعب أوي يا رفعت ! .. تمتمت بأسى حقيقي :
-صعب تتحرم من حد بتحبه.. بس رغم كل إللي حكيته دي مش مبررات لتصرفاتك.. رضوى ذنبها إيه ؟
ارتعد بمكانه مغمغمًا بتعاسةٍ :
-و أنا ذنبي إيه ؟ صدقيني حاولت أتقبل حياتي معاها. مقدرتش.. أنا مش بحبها. أنا بحب إنسانة واحدة مش ممكن أحب غيرها. مش قادر. طول ما أنا محروم منها مش هاعرف أكون انسان طبيعي يا فريال. لا مع رضوى و لا مع غيرها. أنا هفضل طول عمري كده. عاجبها تفضل معايا على الوضع ده أهلًا و سهلًا.. مش عاجبها يبقى مافيش في إيدي حل غير الطلاق !!
أرادت أن تجادله حول قراراته المتعسّفة بحق أسرته، لكنها لمحت من بعيد مرور زوجها عبر الباحة متجهًا داخل المنزل، ها قد عاد من العمل أخيرًا …
ضجّ قلبها بسعادةٍ أسرّتها في نفسها أمام “رفعت”.. اعتذرت منه مسرعة بينما لا تحيد بناظريها عن زوجها :
-طيب يا رفعت احنا هانكمل كلامنا بعدين.. بس آخر حاجة هاقولها لك دلوقتي أنا مش راضية عن قراراتك. و لو ليا غلاوة عندك هاتسمع كلامي و ترجع رضوى و بنفسك هاتروح تجيبها.. عن إذنك !
و قامت على الفور لتلحق بزوجها المسرع جدًا …
-يحيى !
بالكاد سمعها بينما كان يجتاز الردهة العلوية ماضيًا إلى جناحه الخاص، توقف بمنتصف الطريق و أدار جسده قليلًا ناظرًا إليها، عبس في البادئ عندما رآها ترتدي ثوبًا أنيقًا من قماش الستان السماوي، ضيّق يبرز تفاصيل جسمها، بأكمام طويلة و مفتوح من أعلى الساق، لقد نهاها في إحدى المرات أن ترتدي مثل تلك الألبسة، و ربما كان ليضايقها هذه المرة و يبدي إنزعاجه، و لكنها فرصته الآن …
وصلت إليه مستقبلة إيّاه بابتسامةٍ حلوة و هي تقول :
-حمدلله على السلامة.. أنا مش مصدقة إنك جاي بدري إنهاردة !
رمقها بنظرةٍ واجمة و لم يرد، فتلاشت ابتسامتها في ثوانٍ و ذهلت حين رأته يلتفت مستأنفًا طريقه متجاهلًا وجودها برمته، انقبض قلبها بجزعٍ من ردة فعله غير المتوقعة، و تبعته في الحال وصولًا إلى غرفة النوم، أغلقت الباب من خلفها و إلفتت نحوه
كان يخلع سترته و يحلّ ربطة عنقه، بينما تلتفت ناحيته قائلة :
-يحيى.. أنا كنت بكلمك على فكرة.. إزاي تسيبني و ماتردش عليا !؟
لم يرد عليها هذه المرة أيضًا، فجن جنونها و هي تجذ الخطى صوبه هاتفة :
-يحيـى انت سامعني ؟ أنا بكلمك !!
و أمسكت بكتفه الصلب تحاول مواجهته، لكنه واجهها برغبته، استدار إليها بتباطؤٍ، وجهه الوسيم تبدو عليه علائم الغضب الآن، و لا تعرف ما مشكلته بالضبط …
-انت مابتردش عليا ليه ؟؟ .. سألته بعتابٍ بَيّن، و أردفت و هي تلامس جانب وجهه بكفها :
-مالك يا حبيبي.. فيك حاجة ؟ إيه إللي حصل يا يحيى كلّمني !!
-كنتي فين يا هانم ؟
أجفلت للهجته الحادة و تفاجأت بسؤاله، لم يتسنّى لها الرد على الفور، فاستطرد بنفس الأسلوب :
-خرجتي روحتي فين بالمنظر ده ؟؟
رمشت بعينيها عدة مراتٍ و هي تقول :
-ماخرجتش خالص إنهاردة.. كنت هاخرج آه مع رفعت انت عارف إن رضوى مشيت و كنت عايزة أصالحهم. بس هو مارضيش يروح ! .. ثم تساءلت بتعجبٍ :
-و بعدين ماله منظري يا يحيى !؟
كست حمرة دامغة محيّاه و هو يقول بغلظةٍ :
-أنا قلت لك الهدوم دي ماتظهريش بيها قصاد أي حد.. قلت و لا ماقولتش !!؟
أجفلت مرةً أخرى و هي تجاوبه باضطرابٍ :
-قلت يا يحيى.. بس.. الفستان ده مش مكشوف. أنا اشتريته و أنا معاك انت مش فاكر ؟
ضحك قائلًا باستهجانٍ :
-و الله أنا لما شوفته كنت فكرك بتشتريه عشان أنا بس إللي اشوفه.. مش إللي يسوى و إللي يسواش يشوف إللي أنا شخصيًا مش بشوفه !!!
قطبت بشدة و قالت و قد أثارت كلماته حفيظتها :
-إيه إللي بتقوله ده ؟ انت أول مرة تتكلم معايا بالأسلوب ده أصلًا !!
يحيى بنفاذ صبرٍ :
-مش يمكن عشان زهقت ؟ عشان مابتحسيش ؟ أنا ساكت. ساكت. ساكـت.. و انتي بتزيدي فيها بس. وضعي معاكي بيبقى أصعب بمرور الوقت. خلاص صبري نفد !!
كانت تستمع إليه مشدوهة، تنظر إلى الأجيج بعينيه الرماديتين و هي تقول مفغرة فاها :
-إيه إللي حصل لكل ده يا يحيى ؟ احنا كنا كويسين. خرجت و رجعت كده. ليه ؟ ليه بتقول كده و أنا عمري ما زعلتك و لا جرحتك بكلمة. انت دلوقتي بتجرحني !
هز رأسه و هو يرد في إثرها بجمودٍ :
-ده الظاهر ليكي عشان أنا إللي دايمًا بحاول أرضيكي. انتي بتعملي عشاني إيه يا فريال ؟ شايفة كلامي بيجرحك أوي ؟ انتي جرحتيني كام مرة و انتي و لا حاسة ؟؟
تحرّك بؤبؤيها في نشاطٍ مع عقلها الذي يعمل الآن بلا هوادة محللًا اتهاماته، لم تهتدي لرد يؤكد أيًّ منها، فعاودت النظر إليه متمتمة :
-انت حبيبي.. عمرك ما تهون عليا.. انت بتظلمني دلوقتي.
ساد الصمت بينهما للحظاتٍ طويلة.. و التوتر يتصاعد بينما تنتظر رده كارهة مآل الحدث الكارثي النادر الذي وقع بينهما فجأةً …
خطا “ريحيى” نحوها الخطوة الفاصلة بينهما، اقترب كثيرًا حتى شعرت بأنفاسه، و أقشعّرت من نظرته التي اخترقتها من بين أهدابه المسبلة بينما يقول بصوتٍ خافت :
-طيب.. مش هاظلمك.. اثبتيلي إنك بتحبيني بجد زي ما بتقولي.
فريال بدموعٍ : انت كمان بتشكك في حبي ليك ؟ عشان إيه كل ده يا يحيى ؟ إيه إللي حصل فجأة !!؟؟
لم يجاوبها بالكلام، إنما دنى برأسه بلا مقدمات آخذًا شفتيها في قبلةٍ جائعة اخترقت معاييرها الخاصة التي أقامتها بينهما منذ مدةٍ طويلة، فضلًا عن شعورها بيديه تتحسانها من فوق القماش الناعم لثوبها، حتى وصلت إحداهما لأكثر الأماكن المحظورة عليه، ما إن أحسّت براحة يده تضغط على توأميها، لم تتحمل ذلك، رفعت يدها و أزاحت يده بعيدًا عن صدرها تمامًا و هي تنسلخ من قبلته بصعوبةٍ …
-يحيى ! .. نطقت اسمه من بين أنفاسها
ألقت برأسها للخلف لتتمكن التحدث إليه بصرامةٍ لا تخلو من العصبية :
-انت عارف إني حسّاسة.. فهمتك قبل كده مابحبش اللمس في الأماكن دي.. أنا مارضعتش ولادي بسبب كده.. مابستحملش !!!
قال “يحيى” من بين لهاثه الخشن :
-بس عادي تبقي مهووسة بالموضة و اللبس إللي يظهر تفاصيل جسمك للناس. عادي تستحملي نظراتهم.. إللي مش عادي لمستي أنا. نظرتي أنا.. صح ؟
أغرورقت عيناها بدموع العجز و هي تنظر إليه فقط لا تقدر على الرد، ليتركها فجأةً قائلًا بهدوءٍ مقتضب :
-انتي عمرك ما حبتيني يا فريال.. لو مفكرة إن ده حب يبقى بتخدعي نفسك طول الوقت.. و للأسف كنتي بتخدعيني !
هزت رأسها للجانبين محاولة العثور على أيّ كلمة تنفي بها ادعاءاته، إنها تحبه، تحبه كثيرًا ربما أكثر من روحها، و لكن الأمر معقد، لا تريده أن يسأل، تخجل من ذكره، لا يمكنها القول، لا يمكنها أن تبوح له هو بالذات …
-انتي طالق !!
حملقت فيه بصدمة كبيرة الآن.. هل قال ذلك حقًا !؟؟
هل طلّقها للتو !!!!
-انت قلت إيـه ؟ .. استوضحته بصوتٍ جريح بينما تجري الدموع على خدّيها
رمقها بنظرةٍ قاسية و لم يزيد حرف آخر، استدار ملتقطًا سترته متأهبًا للرحيل، فإذا بها تعترض طريقه من فورها هاتفة :
-يحيى.. انت.. انت طلّقتني بجد ؟ إزاااي.. إزاي نطقتها.. إزاي هونت عليك ببساطة كده !!!؟
يحيى بحزمٍ : اوعي من قدامي يا فريال !
هزت رأسها بقوةٍ منتحبة بحرارةٍ الآن :
-لأ.. مش هاتخرج من هنا. لو خرجت من هنا مش هانرجع زي الأول تاني.. لو خرجت في حاجة وحشة هاتحصل !!
ابتسم هازئًا : أوحش من الطلاق ؟ ماظنش.. اوعي من قدامي !!
رفضت الإنصياع له و اقتربت منه تريد أن تحطّ بيدها فوق صدره، لكنه أمسك معصمها قبل أن تلمسه و أبعدها عن طريقه بقساوةٍ لم تألفها منه مطلقًا، تأوهت عندما اصطدمت بالجدار، و لكن الدفعة لم تؤلمها بقدر ما آلمها قلبها في هذه اللحظة و هي تراه يهجرها فعلًا …
ركضت وراءه صارخة بكل ما فيها من قهرٍ :
-يـحيـــى.. ارجع عشان خاطري.. ماتسبنيش.. يــحيـــــــى …
و لكن لا حياة لمن تنادي
مضى في طريقه صامًا أذنيه عن ندائها و بكائها الذي يذيب الحجر، و التقى بأخيه بمنتصف الطريق، توقف قبالته للحظاتٍ، الأخير ينظر للأعلى نحو صراخ “فريال” المتواصل، ثم ينظر لشقيقه شذرًا و هو يقول :
-دي أخرتها صح.. ده إللي كان ناقص تعمله في مراتك و ام ولادك إللي المفروض كمان بتحبها. و عشان مين ؟ بنت السواق !
و ابتسم له باتنقاصٍ مستطردًا :
-رايح لها مش كده ؟ روح.. انت ماكنتش محتاج تبهدل مراتك كده عشان تعرف تخلع. ما شاء الله عليك موهوب في الكدب و التمثيل.
يزم “يحيى” شفتيه مسددًا إلى أخيه نظرة محتقنة، و لا يكلف نفسه عناء الرد عليه، يتجاوزه باللحظة التالية مغادرًا دون أن يلقي خلفه نظرةً واحدة …
يتنهد “رفعت” بثقلٍ و لا زال يسمع بكاء “فريال” من مكانه، يرتقي بقيّة الدرج باسراعٍ، إلى أن أفضت خطواته إليها أخيرًا، إذ رآها تجثو على قدميها أمام غرفة نومها، منهارة، مرتجفة، لا تكف عيناها عن ذرف الدموع لحظة
انفطر قلبه لرؤيتها هكذا، فأسرع ناحيتها صائحًا :
-فريـال..إيه إللي مقعدك كده. قومي.. قومي معايا !
و انحنى ممسكًا بكتفيها، شدّها بسهولة لتقوم على قدميها، عبس بشدة و هو ينظر في وجهها الذي كان مشرقًا منذ قليل، الآن هو مجرد نافذة تطل على مشاعر الألم و الخذلان …
ارتجفت بشدة بين يديه و هي تقول بصعوبةٍ :
-يحيى.. يحيى طلّقني يا رفعت !!
بدت الصدمة عليه لوهلةٍ، قبل أن تمزّقه مشاعر الفرحة بالخبر الذي لطالما تمناه، و في نفس الوقت مشاعر الأسف عليها و على الحالة التي ألمّت بها الآن، كزّ على أسنانه و قال محاولًا تهدئتها :
-طيب إهدي.. كل حاجة هاتبقى كويسة.. أكيد هايرجع. هايعرف غلطته.. بس إهدي انتي من فضلك.
بدت و كأنها لم تسمعه، فقط مضت تردد عبر نشيجها :
-ولادي.. عثمان.. صافي.. ولادي …
جاوبها “رفعت” بصلابةٍ لا تخفي قلقه عليها :
-مالك يا فريال.. فوقي كده و امسكي نفسك. ما انتي عارفة ان الولاد كلهم مسافرين من امبارح. بينا و بينهم 7 ساعات سفر !
ازداد تشنجها بين يديه، مِمّا ضاعف خوفه عليها، الخوف الذي استحال إلى فزعٍ خلال لحظاتٍ حين تداعت فاقدة وعيها، كانت لتسقط لولا أن ضمّها إليه بشدة، ثم حملها على ذراعيه و هو يلج بها إلى غرفة نومها، وضعها بالفراش مناديًا إيّاها :
-فريال.. فريال …
لم يحصل منها على أيّ رد، فلم يضيّع ثانية أخرى، رفع سماعة الهاتف القريب و طلب رقم طبيب العائلة، حضر المذكور في أقل من عشرون دقيقة، فحص “فريال” أمام عينيّ “رفعت” المرتابتان، ما إن رآه يجمع أدواته الطبيّة حتى عالجه بالسؤال :
-مالها فريال يا دكتور طارق طمنّي !؟؟
إلتفت الطبيب الأربعيني نحوه قائلًا ببشاشة :
-اطمن يا رفعت بيه. فريال هانم هاتبقى كويسة جدًا. مافيش أي حاجة عضوية زي ما شوفت الأمر كله نفسي. إللي حصلّها ده زي إنهيار عصبي عشان كده فقدت الوعي. انا إدتها مهدئ قوي شوية هايخلّيها تنام بعمق لمدة 8 ساعات متواصلة فترة النوم الطبيعي يعني. بس ضروري لما تصحى تشوفوا إيه إللي ضايقها و تعالجوه. أو انصحكوا بزيارة استشاري نفسية و عصبية هايكون أفضل طبعًا.
زفر “رفعت” بارتياحٍ مغمضًا عينيه، نظر إلى الطبيب قائلًا بامتنانٍ :
-متشكر يا دكتور.. و آسف على الإزعاج.
-لا أبدًا مافيش أي إزعاج. أهم حاجة سلامة الهانم. لو احتاجتوني هاكون موجود في أي وقت.. و سلامي ليحيى بيه أرجوك !
و غادر الطبيب
ليعود “رفعت” عند “فريال” بعد أن أوصل الأخير للأسفل، أغلق باب الغرفة من خلفه و استدار ماضيًا ناحيتها وئيدًا، حتى انتهى به المطاف جالسًا أمامها على طرف السرير، يتأمل فيها، نائمة مثل ملاكٍ، جميلة و نقيّة، لعله لا يناسبها كما كان يظن، و لا حتى أخيه الذي خانها و غدرها من وراء ظهرها.. فهل يحبها حقًا ؟
من منهما حبّه الأقوى من الآخر ؟
من الأسوأ ؟
كلاهما سيئان.. و لكن من كانت لتختار لو عرفت مقدار حبّه لها !؟؟
هذا السؤال طرحه على نفسه مرارًا و لم يجد إجابته، لا يعلم لماذا يلح عليه كثيرًا الآن، في جميع الأحوال سيظل بلا جوابٍ …
-مش حاجة غريبة أوي دي !؟ .. تمتم “رفعت” مخاطبًا إيّاها
يرتاح في هذا الوضع الذي يمكنه من التحدث إليها و البوح بمكنون صدره دون خوفٍ أو حاجزٍ أخلاقي يمنعه.. ابتسم بأسى مستطردًا :
-لسا بحبك زي الأول. و يمكن أكتر.. رغم إنك خلاص روحتي مني.. متخيّلة احساسي بيبقى إزاي كل ما بشوفك معاه.. عمرك ما هاتقدري تستوعبي المشاعر إللي حستها يوم جوازك منه.. لما حملتي منه.. و لما خلّفتي له مرتين.. انا قادر أفهم إنك بتحبيه.. ده إللي خلّاني أبعد من البداية.. لكن هو …
و صمت لهنيهةٍ، يشعر بالغضب يسري بشرايينه، بينما يتابع من بين أسنانه :
-هو ماحبكيش.. خانك.. تصدقي دي.. يحيى اتجوز عليكي يا فريال.. و عارفة مين.. بنت السواق.. حتة بت و لا تسوى.. قدر يحطها في مكانتك و يخلّيها تشيل اسمه زيك.. يساويها بيكي انتي.. بتقولي طلقك.. و ماتعرفيش إنه فيلم عشان يسيبك و يروح لها.. أد كده خدت عقله لدرجة يعمل معاكي كل ده.. يا ترى لو عرفتي هاتفضلي تحبيه ؟ هاتقبلي تكملي معاه ؟؟
حرّكه الغضب ليدنو منها أكثر ممسكًا وجهها بين قبضته، يردد بخفوتٍ مقابل بشرتها الدافئة :
-انتي ماتستهليش كده.. هو مايستهالكيش.. كان لازم تكوني معايا أنا.. آه لو كنتي معايا.. آه لو كنتي ليا !
ثم فجأة غزت الفكرة رأسه، و كأنها وحيٌ من الشيطان، بل هو شيطانه زيّن له الأمر، إنها فرصته، فرصته الوحيدة ها هي أمامه، لا أحد ليشهد، لا هي نفسها، و لا أخيه، حتى “رضوى” و الأبناء كلهم، ليسوا هنا
ما من وقتٍ ليفكر في صحة أو خطأ ما سيقدم عليه، ما من وقتٍ ليفكر مرتين، سيفعلها لأنه سيموت إن لم يفعل، سيفعلها إنتقامًا منها و من أخيه، و على كل هي ليست في عصمته الآن.. صحيح ؟
في جميع الأحوال، هو لا يرى أمامه الآن سوى حبيبته، عشقه المستحيل …
ترقد بلا حول و لا قوة، صدرها يرتفع و ينخفض في تناغمٍ مع معدل تنفسها المنتظم، فخذاها ممدودان أمامه مع ساق واحدة عارية، و الساق الأخرى مباعدة مما جعل عقله يترنّح !
لعله يقاوم شيطانيه كلها الآن، و هو يتفرّس فيها مراقبًا إلتماع العرق.. أو الدموع ليس متأكدًا عبر عنقها الناعم و مفرق صدرها، اللون الوردي يغطي وجنتيها، إنها مثالية، و هو ليس قديسًا.. إنه… ذئب !!!
و هذا ما برهن عنه بالحرف الآن و هو يقوم ليزيح سترته عن كتفيه، ثم يحلّ أزرار قميصه و يدنو من جديد صوبها غير قادرًا على ردع نفسه أكثر، قبّلها فمها بجشعٍ كبير، يتذوّق اللحظات الثمينة لاغيًا عقله على الأخير، بينما يحلّق فوق جسدها بيده غازيًا و مقتحمًا بجرأة و خسّة ممتلكات تعود لغيره
و خلال ثوانٍ كانت أمامه كما كان يتمناها، لا عازل بينهما، سروالها الداخلي في قبضته ممزق فقط، لا يعلم ماذا سيفعل في هذا الخطأ الفادح، لكنه حتمًا سيجد له حلًا ما إن ينتهي …
-كان نفسي تكوني صاحية ! .. دمدم “رفعت” بثمالةٍ بينما يموضع نفسه ساقيها
يمسّد خدّها براحة يده مضيقًا و هو يكاد لا يصدق ما يحدث :
-كان نفسي تحسي بيا.. أنا بحبك.. أنا مجنون بيكي.. بحبك يا فريال.. بحبك …
ثم و كأنها اسطوانةٍ مشروخة، مضى يردد الكلمة و هو يطأ عِرضها بالفعل، عِرض أخيه، محققًا إنتقامه، و أمنيته في آنٍ واحد، يجتاحها، يسحقها أسفله بجنونٍ و كأن ليس هناك غدًا، و كأن هذا آخر شيء سيقوم به أبدًا
تنفسه العنيف يزداد ثقلًا، بالكاد يتنفس و هو يأخذ منها ما يستطع، إنه مغيّب، إنه مفتونٌ للغاية، لا قيمة للوقت ما دام معها أخيرًا، و هكذا قضى وطره بها، ضاجعها بلا هوادة و حقق أمنيته الغالية و وصمها الليلة بصكّ رجولته …
فماذا حدث الآن ؟
بعد أن هدأت جوارحه و فترت شهوته إليها !؟
أهو سعيد ؟
إنه يبكي فعليًا الآن، هل زعم بأنه لن يندم على فعلته قبل ساعة سالفة ؟
إنه نادمٌ.. بل يعض أصابعه ندمًا و حسرة أشدّ من حسرته في بُعدها عنه
لقد نالها كما أراد، ماذا حدث غير أنه دمرها، ليست وحدها، العائلة كلها ستنهار إذا ما اكتشف أحد ما حدث هنا الليلة، الجميع، و هو السبب، هو لا غيره …
تساقطت الدموع من عينيه و هو ينهض منظفًا الفوضى التي صنعها، ارتدى ملابسه و أعاد “فريال” على هيئتها السابقة، أتم كل شيء بيدين مرتعشتين، لقد فقدت يده الثقة التي تعامل بها خلال لحظاته المخزية، لم يعد كما كان، الليلة فقد في نفسه جزء لن يعود أبدًا، مهما حاول العثور عليه او استعادته
التقط سروالها الداخلي الذي مزّقه و دسّه في جيب سترته، رتب لها شعرها المشعث و عدل الوسائد أسفل رأسها، ثم ألقى نظرة أخيرة ليتأكد بأن ما من دليل يشير و لو من بعيد إلى ارتكابه ذلك الإثم و العار الكبير الذي سيحمله على عاتقه إلى قبره
عاد كل شيء كما كان، إلا هو و “فريال”.. هذا ما لن تعلمه أبدًا
لم يجرؤ على النظر إليها مرةً أخرى.. استدار مغادرًا الغرفة بسرعة …
_________________________________
يا له من كابوس
بل كوابيس مروّعة خضعت لها قسريًا، وساوس و شياطين تمثّلت في أشخاص تعرفها، أحدهما جاء في صورة “رفعت”.. كيف تعاطى عقلها مع أفكارٍ بشعة مثل تلك ؟
و الأبشع إنها تخاف.. كما لو إنه حدث بالفعل !!!
-يحيى ! .. صرخت “فريال” و هي تفيق أخيرًا متخلّصة من بقايا الكابوس المرعب
لتشعر بذراعيّ زوجها تحيطان بها و بصوته يطمئنها في الحال :
-أنا هنا.. أنا هنا يا حبيبتي.. ماتخافيش أنا جنبك.. ماتخافيش …
فتحت “فريال” جفنيها المتثاقلين على وسعهما لتحدق بوجه “يحيى” المطلّ عليها، رأته يجلس بجوارها على سريرهما، يبتسم لها ببساطةٍ و في عينيه نظرة اعتذار، رمقته بلومٍ شديد و نبتت الدموع من عينيها مجددًا إلى حد فقدت السيطرة و أجهشت في البكاء فورًا
ضمّها إلى صدرها متمتمًا بندمٍ واضح :
-ماتعيطيش.. دموعك دي غالية عليا.. و مش هسامح نفسي على إللي عملته أبدًا.. مش عارف اصلًا إزاي قدرت أنطقها.. أنا مقدرش أسيبك يا فريال.. مقدرش أبعد عنك مهما حصل.. انتي روحي.. أنا رديتك.. انتي مراتي و أم ولادي و فوق منهم حبيبتي.. أنا آسف !
جزء منها استكان لعودتها إلى عصمته، لكنها ابتعدت عنه قليلًا لتتمكن من النظر إليه، أحاطت وجهه بكفيها مغمغمة من بين دموعها :
-أنا إللي آسفة يا يحيى.. أنا عارفة إني تعبتك معايا.. عارفة إني مش طبيعية.. بس أوعدك إني هاتغير عشانك.. مابقتش هامنعك من أي حاجة و لا هاحط شروط بينا.. أنا آسفة يا حبيبي سامحني !!
هز رأسه قائلًا :
-أنا مش عايزك تتغيري.. انتي زي الفل و طبيعية زي ما انتي.. أنا بحبك زي ما انتي.. أنا إللي آسف.. انتي إللي تسامحيني أنا غلطان في حقك.
و طبع قبلة على جبينها، ثم وجنتيها و شفتيها، مسح لها دموعها بيده، و قال و القلق لا يزال يخفق في صوته و نظراته :
-أنا كنت هموت من الخوف عليكي.. لما رفعت كلّمني بعد ما سيبتك بحوالي ساعتين و قالّي إنك وقعتي و جاب لك دكتور طارق.. رجعت علطول و فضلت قاعد هنا جنبك ماتحركتش لحد دلوقتي.
ذكرها قليلًا ببعض لمحات مِمّا تذكر من الليلة الماضية، نظرت له بريبةٍ متسائلة :
-و انت لما خرجت روحت فين ؟
أجاب في الحال :
-رجعت المكتب أخلص شوية شغل متعلّق و قلت هقضي الليلة على اليخت و هابقى أرجع تاني يوم لما اهدى.. بس مالحقتش أروح. رفعت كلّمني قبل ما أنزل من المكتب و بلّغني باللي حصل.. ف رجعت على البيت فورًا.
أومأت له مرة، ازدردت ريقها بصعوبةٍ و قالت بشحوبٍ و كأن الفكرة محتملة فعلًا :
-أصلي.. أصلي شفت كابوس وحش أوي.. حسيت إنه حقيقي !!
قطب بتأثرٍ و سألها :
-طيب احكيلي يا حبيبتي.. احكي عشان تطمني …
سحبت نفسًا مرتعشًا ثم قالت بلهجةٍ مختلجة :
-سمعت حد بيقولّي إنك اتجوزت عليا !!
ترقبت ردة فعله الآن، فلم ترى سوى الصدمة.. و الآن الإستنكار الذي تبعه ضحك ساخر و هو يرد عليها :
-حد قالّك إني اتجوزت عليكي ؟ فعلًا ؟ دي تبقى نكتة بايخة جدًا لو اتقالت في الواقع كويس انك سمعتيها في كابوس يا حبيبتي. معقول انا اتجوز عليكي انتي !؟؟
و قهقه عاليًا، لتنفرج أساريرها أخيرًا و قد بدد مزاجه المرح سوداوية صباحها، تصالحا أخيرًا، و عادت الأمور إلى نصابها، تركته لينال قسطًا من الراحة بعد أن سهر إلى جوارها الليل بطوله
قامت من السرير و هي تشعر بضعفٍ عام و ألالام متفرقة بأنحاء جسمها، لم تلقي بالًا بادئ الأمر، حتى ولجت إلى الحمام الملحق بجناحها، شعرت بحاجةٍ ماسّة للإستحمام، و نزعت ثوبها الذي نامت فيه منذ ليلة أمس، و لكن شئيًا ما استوقفها
أين هو سروالها الداخلي !!!؟
إنها ليست من نوع النساء اللاتي يرتحن لخلع سرواليهن أسفل الملابس و الأثواب عادةً، و لا تذكر إنها خلعته في وقتٍ سلف، فأين هو إذن ؟
__________________________________
الوقت الحاضر …
ينفتح جفنيّ “فريال” على وسعهما مرةً واحدة، و ينطلق من فمها هتاف هستيري مصدوم :
-بنت السواق.. رفعـت ! ……………………………………….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية وما ادراك بالعشق ) اسم الرواية