Ads by Google X

رواية وما ادراك بالعشق الفصل الثالث عشر 13 - بقلم مريم محمد غريب

الصفحة الرئيسية

   رواية وما ادراك بالعشق كاملة بقلم مريم محمد غريب عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية وما ادراك بالعشق الفصل الثالث عشر 13

 حب قاسٍ _ :
قبل ثماني و عشرون عامًا …
يلتقي الأخوان صباحًا باكرًا بحديقة القصر عند الطاولة المجهزة بطعام الفطور، و قد تعمّد “يحيى” سباق زوجته لكي يتسنّى الإنفراد بأخيه بضعة دقائق، و هو ما فعله فور أن رآه، دعاه للجلوس على الفور و انحنى صوبه ليحدثه بخصوصية مبالغًا بها :
-رفعت.. إيه إللي حصل إمبارح بعد ما مشيت و سيبت البيت ؟
بالكاد تمالك “رفعت” أعصابه لدى سماع كلمات أخيه، حافظ على ثبات يداه و هو يواصل صبّ قدح الشاي خاصته و هو يجاوبه بلهجةٍ محايدة :
-حصل إيه مش فاهم.. أنا كلمتك و قلت لك إللي حصل.. فريال إنهارت بعد ما سيبتها و وقعت من طولها. روحت طلبت لها الدكتور فورًا.
يحيى بنبرةٍ حانقة :
-إيه إللي حصل غير ده ؟ أنا عايز أعرف انت اتكلمت مع فريال قلت لها إيه عني ؟ قلت لها إني متجوز عليها ؟؟
ينظر إليه “رفعت” الآن، لقد قال لها ذلك بالفعل، و لكنها كانت غائبة عن الوعي، أنّى لها أن تسمعه إذن ؟
و في حال سمعته.. هل أحسّت أيضًا بما فعله بها !؟؟
إذا صدق ظنّه فإنها كارثة حقيقية ستخرب هذا البيت و العائلة كلها …
-ماحصلش ! .. نفى “رفعت” بلا ترددٍ :
-أنا مافتحتش بؤي بحاجة زي دي قصاد أي حد.. هي قالت لك إني قلت لها ؟؟
يحيى عابسًا : ما قالتش.. بس رمت كلمة إنها حاسة بوضعي الجديد !
و طرق “يحيى” برأسه معربًا عن ضيقه و كارهًا أن يفقد السيطرة على أموره بسبب إنشغاله الملحوظ بزوجته الثانية بالآونة الأخيرة …
راقبه “رفعت” و عقله لا يكف عن التفكير، ليقول فجأة ما يجول برأسه :
-فريال قالت لي إنك طلّقتها.. صحيح ؟
تطلّع “يحيى” إليه و قال متبرمًا :
-دي كانت زلّة لسان.. أكيد مافكرتش و لا عمري ما هفكر أعمل كده.. فريال مراتي لحد ما أموت !
رفعت بغيظٍ : و لما هو كده روحت اتجوزت عليه ليـه !؟
رفع الأخير حاجبه قائلًا :
-و انت مالك يا رفعت. قلت لك قبل كده حاجة ماتخصكش..لو تكرّمت ماتدخلش في حياتي زي مانا مش بتحشر في حياتك و لا بقولك ماتعرفش دي و لا دي على مراتك. عمرك سمعتني نصحتك حتى ؟
نظر له “رفعت” و لم يرد، ليستطرد :
-ده عشان انت راجل راشد. و حر في تصرفاتك و قراراتك ماينفعش حد يجي يقولك أعمل و ماتعملش. ف من فضلك زي ما بحترمك بالشكل ده احترمني.
طحن “رفعت” فكّاه و هو يحدق بأخيه بعداءٍ واضح، لكنها أومأ له في الأخير و أشاح بوجهه بعيدًا عنه.. ليسمعه بعد دقيقة يقول بصوتٍ خفيض :
-بس هكون مبسوط أوي لو قبلت عزومتي على العشا في بيتي التاني !
عاود “رفعت” النظر إليه و كأنه لم يستمع إلى جملته جيدًا، ليؤكد “يحيى” مبادلًا إيّاه بنظرةٍ غير واثقة :
-رحمة مراتي بعد موت أبوها مالهاش حد غيري فعلًا. و لا حد باقي لها.. ف أنا مش عايز أحسسها إنها وحيدة بالشكل ده.. و بما إنك عرفت بجوازي منها قلت لازم اعرفكوا على بعض. انت أخويا و لما تقابلك هاتحس إنها بقت فرد من العيلة بجد… قلت إيه.. موافق تيجي عندي و لا لأ ؟
استوقفه العرض لبرهةٍ ليفكر فيه جيدًا، ما جعل “يحيى” يبدو و كانه يجلس على صفيحٍ ساخنٍ و هو ينتظر رد أخيه، ليبتسم “رفعت” في الأخير و هو يقول بتكلّفٍ :
-أكيد يا يحيى.. موافق طبعًا. شوف الوقت المناسب و هاجي معاك !
تنهد “يحيى” براحة و هو يومئ له بحركةٍ تنم عن إمتنانٍ …
تظهر “فريال” في هذه اللحظة من بعيد، يلاحظها “رفعت” أولًا، فينتابه التوتر الذي صاحب ليلته الفائتة كلها و إلى أن رآها من جديد الآن، تجدد، صار أكثر وطأةً و حدة و هو يراها لا تقل جمالًا و بهاءًا عمّا كانت عليه دائمًا
معشوقته و معذّبته، تقبل مزدانة بثوبٍ من الكتّان الوردي مؤلّف من قطعتان، و أوحى له الجزء الصغير الظاهر من بطنها بلمحاتٍ من الأمس القريب، عندما كانت بين ذراعيه كما تمنّى دومًا، هل كان نادمًا بعد أن تركها و خرج من عندها ؟
ربما في البادئ فقط.. لكنه الآن يُدرك بأنها كانت لحظاتٍ لا تقدر بثمن.. و إن الزمن لو عاد لكان كررها
عشقه لها و هوسه بها لا يدفعه فقط للجنون، لكنه يجعله على استعدادٍ لفعل أيّ شيء، لتكون قريبة منه إلى هذا الحد الذي ذاق فيه لذّة وصالها حتى و هي لا تدري بنفسها …
-صباح الخير !
سرت قشعريرة بأوصاله لحظة سماع صوتها، رد عليها بتمتمةٍ مقتضبة، بينما ينتبه “يحيى” لمجيئها، يقوم لها خصيصًا و يلتفت نحوها ليعانقها بعفويةٍ محببة و هو يقول بلطفٍ :
-صباح الورد يا روحي.. بردو قومتي من السرير. مش قلت لك الفطار هايجي لحد عندك ؟
أسندت “فريال” كفّها على صدره قائلة بابتسامة رقيقة :
-الفطار جه لحد عندي و رجعته يا يحيى.. الأكل منغيرك مش بيبقى له طعم و انا ما صدقت إنك موجود على الفطار إنهاردة.
ابتسم لها بوداعته المعهودة و دنى مقبلًا شفاهها في بادرة رومانسية أثارت غيّرة “رفعت” و جعلت الدماء تفور بعروقه، تجنّب النظر إليهما في الحال و إنشغل بتناول طعامه …
شد “يحيى” كرسي لزوجته بينه و بين أخيه، ثم جلس بمكانه ثانيةً و أخذ يهتم بها بنفسه و يُدللها فيسكب لها الشاي و يصنع لها سندويشًا بيديه بل و يُطعمها أيضًا، كل هذا يتظاهر “رفعت” بعدم ملاحظته و ينكب على الجريدة التي لا يتصفحها أصلًا
إلى أن انتشله صوتها فجأةً من أفكاره الفتّاكة :
-رفعت عمل فكرة حلوة أوي في شجرة الياسمين. غير إنها مضللة على القاعدين تحتها ريحتها تجنن.. تسلم إيديك يا رفعت بجد !
وجّه “رفعت” ناظريه ناحيتها، لأول مرة منذ البارحة يتواصل معها بالعين، و أجفل مرتبكًا و هو يراها تبتسم له ببساطةٍ، حرى به أن يطمئن و يسترخي الآن، فهي لم تشعر بأيّ شيء فعله …
-متشكر يا فريال !! .. تمتم “رفعت” بتباطؤٍ
استلذ بنظراتها الرائقة له، ابتسم تلقائيًا و قد تبدد كل الضغط و التوتر من حوله، تنفس بعمقٍ، و انبثقت الكلمات من فمه باللحظة التالية و قد خطط لها مسبقًا ليقيس ردة فعلها :
-أنا فكرت في كلامك إمبارح يا فريال.. و خلاص قررت.. هارجّع رضوى !
تهللت أساريرها على الفور و هي تقول :
-بجد يا رفعت ؟ بجد فرحتني أوي أوي !!
أومأ لها قائلًا :
-انتي كان عندك حق. مش عشاني أنا و هي و بس.. صالح و هالة مالهمش ذنب في إللي بينا.
-أيوة صح. و كمان انتوا ماينفعش تبعدوا عن بعض. صدقني يا رفعت انت بتحبها بس مش حاسس.. لما ترجع و تدي لعلاقتكوا فرصة تانية هاتحس انت أد إيه بتحب رضوى.
-إن شاء الله ! .. و أضاف بقليل من التردد :
-كنتي عايزة تيجي معايا نصالحها في بيت أهلها !؟
-طبعًا ! .. و نظرت “فريال” صوب زوجها تطلب منه الرخصة :
-يحيى مش هايمانع لو روحت معاك إنهاردة.. مش كده يا حبيبي ؟
نظر “يحيى” إليها متيّمًا و قال ممسكًا بيدها :
-أنا موافق على أي حاجة تعمليها يا عمري.. المهم إن محدش يدوس لك على طرف. لو حسيتي بس بمعاملة مش إللي هي تقومي تمشي فورًا و أنا هايكون لي تصرف تاني.
تدخل “رفعت” في هذه اللحظة قائلًا بحدةٍ :
-و انت مفكرني ممكن اسمح لحد يمسّ فريال بكلمة او نظرة حتى ؟ محدش يقدر و لا يفكر يجي جنبها و أنا معاها.
أومأ له “يحيى” و قال بثقةٍ :
-أيوة طبعًا.. أنا عارف و واثق من ده.. و لو انت مش معاها إستحالة كانت تروح. مأمنش عليها حد غيرك يا رفعت !
هذه الكلمات الأخيرة.. صعقته للحظاتٍ
تجسّدت أمامه فعلته المخزية
خيانة لن يطمسها الزمن مهما كفّر عنها …
_____________________________
الوقت الحاضر …
تهرع “صفيّة” إلى جوار والدتها في الحال، لقد أفاقت أخيرًا، و لوهلةٍ لم تفكر “صفيّة” في أيّ شيء سوى سلامتها و فرحتها برؤية ذلك بعينيها، لفّت ذراعيها حولها و هي تقول بتلهفٍ :
-مامي.. مامي حبيبتي حمدلله على سلامتك.. انتي كويسة يا مامي ماتخافيش.. أنا هنا معاكي.. كلنا جنبك !!
و لكن “فريال” لم تكن تسمعها، كان عقلها مشغولًا بالرؤى التي راودتها، الكلمات تطن بأذنيها، و يرددها لسانها بلا إرادة منها :
-يحيى متجوز.. بنت السواق.. رفعت.. رفعت… رفعت ….
إتسعت عينيّ “صفيّة” بصدمةٍ، تخشى فهم مفاد الكلمات التي نطقتها أمها، لا يمكن أن يكون أبيها كما تقول.. متزوّج !!!
لا
حتمًا هذه هلوسة من أثر الإغماءة، غير معقول، أجل …
تحاول “فريال” النهوض من السرير و هي تردد بما يشبه الهذيان :
-رفعت.. رفعت.. رفعت.. رفعت …
و قد نجحت بالفعل بالقيام و الوقوف على قدميها، بالرغم من محاولات “صفيّة” لإستبقائها، لم تستجيب، و مضت تجاه باب الغرفة تتبعها “صفيّة” هاتفة :
-رايحة فين بس يا مامي.. انتي لسا تعبانة من فضلك ارجعي و خليكي مرتاحة في سريرك.. مامي …
لكن بلا جدوى، و كأن “فريال” لا ترى أمامها سوى هدفٍ واحد، يأست “صفيّة” من محاولاتها غير المجدية مع أمها، صاحت ملء صوتها منادية أخيها :
-عثمـــــــان.. عثمـــــــــان.. عثمـــــــــــــــان …
لم تكن تعلم بأنه هو بالجوار فعلًا، و قد أتى قبل أن تتم النداء الثالث، خرج من غرفة الطفلتين “ملك” و “فريدة” تتبعه “سمر”.. ما إن رآى والدته حتى أسرع مهرولًا إليها و قد انسحبت الدماء من وجهه …
-مامـا !!
و انطلق صوبها من فوره، أمسك بها قبل أن تبلغ الردهة الجانبية المؤدية للجناح الشمالي، جناح كامل خاص بأسرة “رفعت البحيري” و هو مهجورٌ في الوقت الحالي منذ وفاته و رحيل أولاده …
-رايحة فين يا فريال هانم ؟ .. صاح “عثمان” مثبتًا أمه بقبضته :
-من فضلك كفاية إللي عملتيه فيا الصبح. أنا مش مستحمل.. أرجوكي يا ماما اتمالكي اعصابك أكتر من كده.. أنا ماعنديش استعداد أخسرك !!
انتظرته “فريال” حتى صمت و قالت بهدوء لا يخفي اهتياج مشاعرها المكبوتة :
-عثمان.. أنا كويسة.. صدقني !
عثمان بعصبيةٍ : لأ طبعًا مش مصدقك. الدكتور قال جالك إنهيار عصبي. أصدقك و لا أصدق الدكتور يا فريال هانم.. لو سمحتي تعالي معايا لازم ترتاحي في سريرك …
لم تسمح له “فريال” بأن يحرّكها من مكانها قيد أنملة، و صممت قائلة بغلظةٍ :
-لأ.. أنا داخلة أوضة عمك.. مش راجعة أوضتي إلا لما أدخل أوضة رفعت !!
قطي حاجبيه متفاجئًا من طلبها و قال :
-عايزة تدخلي أوضة عمي.. ليه يا ماما !!؟
فريال بحزمٍ : مايخصكش.. لو خايف عليا هاخد صافي بس معايا.. بس هادخل يعني هادخل.
لم يجد “عثمان” بدًا من الإذعان إليها بنهاية المطاف، تركها تمضي نحو غرفة عمه في إثرها “صفيّة”.. لكنه لم يبرح مكانه و قد تراصت أسرته من خلفه
زوجته و أولاده …
_____________________________
اشترى “رامز” شطيرتين من البرجر الغني بمختلف أنواع الجُبن كما تفضله “شمس”.. و جلسا بناءًا على رغبتها ليأكلا في سيارته برصيفٍ نائي قريب من البحر
كان الوقت غروبًا و النسيم المُسكِر يهب عليلًا و يعبث بشعرها، يضايقها و هي تحاول قضم الشطيرة و لا تفلح بسبب خصيلاتها التي تدخل فمها عوضًا عن الطعام، ابتسم “رامز” و هو يراقبها مستمتعًا، مد يده و أخذ يرتب لها شعرها خلف أذنيها قائلًا :
-مابتعرفيش تاكلي.. الظاهر لازم آكلك بإيدي كمان زي الأطفال !
كانت لتشكره على مساعدته التي مكنتها من قضم الشطيرة اللذيذة قضمةً كبيرة، نظرت له من طرف عينها و هي تقول من خلال الطعام الذي يحشو فمها :
-ماتتريقش على شكلي و انا باكل. انت عارف إني بحب الأكل و التشيز برجر أكلتي المفضلة.
-عارف عشان كده عزمتك عليها.
-ماتبوظش عزومتك بقى و خليك ساكت خالص طول ما انا باكل.
كتم “رامز” ضحكة مرحة و اكتفى بالنظر إليها و هو يتبعها بقضمة عملاقة من شطيرته …
-ممكن اسألك سؤال ؟
نظرت “شمس” إليه، كان قد انهى طعامه، بينما لم تنهي النصف الآخر من شطيرتها بعد، ابتلعت لقمة و أومأت له، فطرح سؤاله بجديةٍ :
-انتي ناوية على إيه دلوقتي ؟
عبست بعدم فهمٍ، فتأفف و هو يقول بنفاذ صبرٍ :
-انتي خلاص عملتي إللي كنتي عايزاه من زمان. روحتي لعثمان و عرفتيه إنك أخته.. أمورك كلها تمام.. مستنية إيه تاني ؟ خلّي بالك وقتك معايا مابقاش فيه كتير !!
-مش فاهمة ! .. تمتمت بريبةٍ
قست نظراته و هو يجاوبها بصوتٍ جمد الدماء في عروقها :
-لأ انتي فاهمة كويس.. أنا و انتي مابقناش صغيرين على دور حبايب ثانوي و جامعة ده. أنا قربت أكسر الأربعين و انتي داخلة على التلاتين. هانتجوز و نخلّف امتى يا شمس ؟ أنا مش عارف إيه إللي مصبرني عليكي لحد دلوقتي أصلًا !!؟؟
فقدت شهيتها فجأة، وضعت بقيّة الشطيرة في الكيس الورقي مع سلّة البطاطس و مسحوق الطماطم و الكريمة المخفوقة، تطلّعت إليه و قد عاودتها مشاعر الخوف إزائه من جديد
لطالما كان يتمتّع بمظهرٍ قاسٍ يغلّف وسامته الشديدة، لكنه معها لم يكن أبدًا قاسيًا، إذا أغفلت الفترة الأخيرة حين عادت إليه و كشف لها عن وجهه الآخر، جزء حالك من شخصيته مستعدّ لفعل أيّ شيء في سبيل الحصول عليها و ضمانها إلى جواره إلى الأبد …
-انت ليه محسسني إن مجرد وجودي جنبك مش كفاية ؟ أنا وعدتك إني مش هاسيبك تاني يا رامز.
ضرب النافذة المفتوحة بجواره بقبضته العنيفة و هو يقول بخشونةٍ :
-وعدك فعلًا مش كفاية !!
ارتعدت من حركته الفجائية و تعلّقت أنظارها الشاخصة به و هو يستطرد بنفس الأسلوب :
-انا و انتي بنتنيّل بنحب بعض. و عارفين بعض.. شمس.. انتي أصلًا مراتي. احنا كاتبين عقد من 3 سنين. ف إيه إللي يمنعني عنك دلوقتي غير إنك انتي نفسك إللي مانعاني.. ليـه ؟؟
ردت بصوتٍ أبح :
-أنا قلت لك.. مانقدرش نتجوز إلا بموافقة مامي !
-و أمك مش موافقة عليا ليه !؟ .. تساءل من بين أسنانه :
-يعني الست الهادية الشيك دي قدرت تخدعني ؟ آخر مرة شوفتها كنتوا ضيوفي في القاهرة و اتعاملت معايا بمنتهى الحب و الذوق. كل ده كان تمثيل ؟؟
هزت “شمس” رأسها نفيًا و قالت بلهجةٍ مرتعشة :
-لأ.. مكانتش بتمثل عليك.. إللي حصل بعدها هو إللي غيّر موقفها من ناحيتك 180 درجة.
عقد حاجبيه يستضوحها على الفور :
-إيه إللي حصل ؟
صمتت في ترددٍ لم يدوم إلا ثوانٍ، ثم قالت :
-أنا بطبعي مش بخبي حاجة على مامي.. أي تفصيلة في حياتي مقدرش أخبيها عنها.. أنا قلت لها على العقد العرفي إللي كتبناه سوا.. و أول ما سمعت إنهارت و كانت دي أول مرة من بعد موت بابي أشوفها بالشكل ده… ماهديتش غير لما قلت لها إني هاقطع علاقتي بيك و مش هاشوفك تاني !
و أكمل “رامز” عنها محدقًا فيها بشرود :
-و بعدها كلّمتيني و نهيتي كل حاجة بمكالمة.. مكالمة يا شمس !!
أشاحت بوجهها للجهة الأخرى، فمد يده قابضًا على رسغها بقوة لتفلت منها آهة متالمة، بينما يغمغم بغيظٍ :
-ليه ماقولتليش في ساعتها ؟ لو أمك فكرت إني بلعب بيكي كنت أنا قادر أثبت لها العكس. كنت هاجي و أكتب عليكي رسمي. مكانتش السنين دي ضاعت علينا !!!
توسلته في صوتها نبرة دموع :
-راامز. إيدي هاتتكسر.. سيب إيدي يا رامز !
لولا أن نبهته بهذه الطريقة ما كان ليتركها دون يؤذها بالفعل …
ترك يدها فجأة و سحب يده بعيدًا، بينما راحت تدلك مكان أصابعه و هي تكتم نشيجًا في صدرها، صوّب “رامز” نظراته للأمام حيث أمواج البحر الثائر، و دمدم بلهجةٍ متوقدة :
-أنا متغاظ من الست دي.. أمك عذّبتني.. هي السبب !!
و حانت منه نظرة تجاهها من جديد و هو يتابع باستنكارٍ فظّ :
-و انتي مفكرة إني هاستني لما تحن عليا و تقبل بجوازك مني ؟ تبقي غلطانة يا شمس. ده أنا عشان أرد لها القهرة و أحسّرها على تخطيطها الجهنمي إللي مافيش مش هاخليّها تشوفك إلا و انتي شايلة عيّل على إيدك و حامل كمان. و تبقى توريني وشها ساعتها.
تقلّصت أمعائها رعبًا من كلماته و قالت فورًا :
-إيه إللي انت بتقوله ده ؟ كل إللي قلته مش هايحصل منغير جواز رسمي و انا مش هاتجوزك منغير موافقة مامي يا رامز !!
لمحت في عينيه نظرة أذابت عظامها خوفًا، فتداركت عبارتها قائلة بارتباكٍ :
-قصدي يعني إني هاعرف أقنعها.. انت عارف إن مالهاش غيري.. عشان خاطري لو فعلًا بتحبني استحمل شوية كمان !
-لحد إمتى !؟؟ .. غمغم بحنقٍ شديد
وعدته بثقةٍ : أنا كلّمتها و هي بتقفّل شغل السنة. الأسبوع الجاي هاتكون هنا. هحاول معاها آخر مرة. لو ماوافقتش هانتجوز بس على الأقل هاتكون عارفة.. اتفقنا ؟
حدق إلى عينيها اللامعتان بوجهٍ خالٍ من التعابير.. و قال باقتضابٍ :
-ماشي يا شمس.. أنا هاسيبك تجيبي أخري انتي و امك… و يارب تنتهي زي ما أنا عايز.. عشان لو ماحصلش انتي أكتر حد هايزعل.. لأنك ماسمعتيش كلامي من الأول.
ازدردت ريقها بصعوبةٍ و هي تحملق فيه مدركة بالفعل بأن هذا لن ينتهي على خير.. مطلقًا …
_____________________________
تبعثرت الغرفة الخاوية من أيّ مظهر من مظاهر السكن بها …
عاثت بها أيدي “فريال” المسعورتين، فتّشت بخزائنه، بأدراجه، حتى أسفل سريره و بين قطع الأثاث، لم تجد شيئًا
و كذا لم تستمع إلى توسلات إبنتها المتواصلة :
-يا مامي أرجوكي.. كفاية كده.. طيب بس قوليلي بتدوري على إيه و أنا أدوّر معاكي !
لم ترد، فقط تبحث بعينيها بجنونٍ، حتى وقع بصرها على حقيبة سفر متوسطة، تلك التي اصطحبها معه في سفرته الخيرة، عادت مع أغراضه حين عاد إلى الوطن ميتًا، و من يومها لم يفتحها أحد
هرعت “فريال” إليها، جثت على ركبتيها فوق الأرض و فتحت السحاب بعنفٍ، بعثرت أغراضه و ثيابه من حولها و هي تبحث عن دليل، أيّ دليل يثبت ما عاشت لسنواتٍ تشعر به، لكفّ عن الحركة فجأةً …
حين استوقفها رؤية ذلك الشيء بارزًا في جيب الحقيبة الداخلي
سروالها الداخلي !!
ذاك السروال الذي ضاع منها في حادث الإغماء الشهير
إنه ممزّق أمامها و هي تجذبه بأناملها لتستعرضه أمام نظراتها الذاهلة، تنظر إليه بصدمةٍ و هي تتأكد مئة بالمئة من شكّها، إذن لم يكن حلمًا !
الإحساس بشقيق زوجها و رؤيته في كوابيسٍ متعددة ينتهكها، يعتدي عليها جسديًا، يضاجعها في فراش الزوجية.. هذا كله لم يكن وهمًا !!!!
انتبهت “فريال” لدفتر صغير سقط من جيب الحقيبة فجأة.. سحبته بيدٍ مرتعشة و قد نبئها حدسها بأنه يحتوي على إجاباتٍ لكل أسئلتها
لكنها لم تجرؤ على فتحه الآن
ما زالت الصدمة تطحن بقاياها.. ما زالت حتى لتفنيها عن آخرها و هي تكتشف في نفس الجيب أغراض أخرى تعود لها
مشبك شعرها.. قلم حمرة الشفاه المفضل لديها.. وشاح أمها الذي كانت تلفه دائمًا حول عنقها …
-مامي !
انتفضت “فريال” بعنفٍ عندما حطّت “صفيّة” بكفها فوق ذراعها، لتهدئها في الحال و هي تجلس إلى جانبها فوق الأرض، تمتلئ عيناها بالدموع الآن، تنظر إليها تارة و إلى ما تحمله بيدها تارةً أخرىظن تخشى فهم ما يدور أمامها
ليؤكده إنهيار والدتها و هي تجهش ببكاءٍ حار مرتمية بين ذراعيّ إبنتها، احتضنتها “صفيّة” بقوةٍ هامسةً لها برفقٍ :
-هششش.. بس.. إهدي.. إهدي يا مامي.. أنا معاكي.. أنا مش هاسيبك لوحدك.. مش هاسيبك أبدًا ! ………………………………………………..

يتبع….

google-playkhamsatmostaqltradent