رواية غوي بعصيانه قلبي كاملة بقلم نهال مصطفي عبر مدونة دليل الروايات
رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الخامس و الثلاثون 35
من كتابهـا ” خُلق القلب عصيًا ”
-اليـوم وبتاريخ 1 من آيار لسنة 2017
قدمت روحي استقالتها عن الحياة ومتاعها ..
وقررت الاعتكاف بمحراب الحُلم الذي يمنحها أيامًا هنية اقتلعت من تُربة العمر .. بُتر الحب من قلبي وبات الآن فارغًا ومهجورًا حتى استوطنت العناكب صدري ، أصبح فؤادي خرابًا بعدما كان بستانًا من الورد يفوح منه رائحة حبگ ..
•••••••
استقبل العم حسين كل من شمس وتميم بشوق وترحيب ، وكانت صدمته عندما وجده على مقعدٍ متحرك ، تغاضى عن الأمر بسرعة وأمر بنت أخيه أن تُرحب بضيوفه وتقديم واجب الضيافة إليهم .. غادرت الفتاة كي تترك عمها مع ضيوفه ..
ساد الصمت للحظات قطعه عم حسين متسائلًا :
-طمني يا بني أي حال القصر دلوقتي ، وناسه عاملين أيه ؟
ثم تفوه بحنين :
-هييييييه والله زمان ..
تدخلت شمس :
-واضح أن المكان وأهله غاليين عليك .
-قوي يا دكتورة .. هناك اتعرفت على أم إيمان ، مراتي الله يرحمها ، عشت في القصر سبع سنين .. وكانوا أحلى أيام والله ..
سأله تميـم :
-طيب ومشيت ليـه ؟
تنهد الرجل المُسن بتأوه :
-شوف يا ولدي أي حاجة تدخل فيها الحريم لازم تخرب ..
تبادل الثنائي النظرات بغرابة حتى سألته شمس :
-يعني أيه يا عم حسين ؟
هز الرجل رأسه ثم قال :
-أيام الست فردوس .. كانت أحلى أيام ، ست كُمل ومحترمة وبنت أصل .. كانت أول واحدة اتجوزها شهاب بيه دويدار ، وهي سبب سعده وهناه .. لحد ما مرضت وجالها المرض الخبيث ..
خيم فطر الدهشة على وجوه المستمعين ، وأيضًا ملامح وجه العم التي سيطرت عليها الحزن .. قال تميم :
-كمل يا عم حسين ..
-أقول أيه بس ، فجاة البيه الكبير حاله اتشقلب ، بالأخص بعد ما شاف بت صغيرة من دور أحفاده ، بنت المحلاوي .. كان في مصالح مع أبوها واتجوزها ، كانت عيلة صغيرة كل ليلة لازمًا تروح المستشفى ..
لم يتفهم تميم مغرى حديث العم وسأله :
-هي كانت مريضة ؟!
-لا يا بيه ، البت كانت عيلة صغيرة مش دارية بعالم الجواز ده كله ..
هز تميم رأسه متفهمًا ، بعد ما اطرقت شمس رأسها باستحياء ثم غيرت مجرى الحديث :
-طيب والست فردوس !
-عاشت الباقي من عمرها ترعاها واحدة من الشغالين لحد ما ماتت بحسرتها بعد جواز البيه بسنتين ..
-لا حول ولا قوة إلا بالله .
قالها تميم وشمس في نفسٍ واحد .. سأله تميم بعد ذلك :
-وايه اللي حصل بعد كده !
-بعد وفاة الست فردوس ، وحال البيه الكبير اتشقلب أكتر بقا واحد تاني ، خاصة أن الهانم الصغيرة كانت …
-كانت أيه يا عم حسين ؟
ثم واصلت شمس سؤالها بسؤال تميم قائلة :
-حاله اتشقلب ازاي ؟
دخلت ” نعمة ” بنت أخيه فقطعت حوارهم لتقدم مشروب الضيافة ، شكرها العم ثم شمس التي أردفت بامتنان :
-تعبتي نفسك ما كانش له لزوم .
نعمـة بعرفان :
-وده كلام ! دانتو نورتونا ..
ثم انسحبت مغادرة في هدوء جعل الأنظار تنتقل نحو العم لسماع بقيـة الحكاية ، أكمل العم بخجل :
-يعني شُرب وستات وأمور استغفر الله .. كان يرجع من بره مش واعي بالدنيـا ، عاش سنين كده لحد ما كان هيخسر كل فلوسـه ..
ارتشف رشفة من القهوة ثم صمت بعدها ، أخذ يفكر قبل ما يواصل حديثه حتى أكمل قائلًا :
-كانت الست عبلة كبرت ووعيت ، من هنا مسكت هي وأبوها أملاك دويدار وقدرت ترجع اسمه تاني للسوق ، وكمان رجعت تكسب البيه الكبير بالخصوص لما حِملت ..
توقف العم عن سرد الأحداث ، فسأله تميـم :
-ما تكمل يا عم حسين وقفت ليـه ؟!
-أصلو في الوقت ده الست هانم مشت كل الخداميين والعمال وبما فيهم أنا ، وجابت غيرهم .
شمس بفضول :
-متعرفش أيه السبب ؟!
-معرفش يا بتي فجأة لقيتها بتقولنا استغنيت عن خداماتكم وهتجيب أجانب يخدموها عشان خدمتنا مش عاجبـة الهانم..
خيمت نظرات اليأس والإحباط على الثنائي ، حتى تفوه تميـم متسائلًا :
-تعرف واحدة من الخدم كان اسمها تحيـة ..
اكملت شمس بحماس :
-تحية مرزوق الأسيوطي .. ؟
تغيرت ملامح العم حسين بمزيجٍ من الخوف والنكران حتى قال بتمويه :
-بين حيطان القصر ده أسرار كتير ، أحنا ما كناش نعرف منها غير المسموح لنا نعرفه وبس ..
-يعني مش فاكر واحدة بالاسم ده ؟
-العتب على السن يا بيه .. كانوا كتير أوي وناس بتمشي وناس بتيجي .. بس اللي أعرفه أن فيهم واحدة كانت عاجبة البيه الكبير ويمكن ده سبب تغير الخدم كل شوية ..
سألته شمس بعد ما استأذنت بعيونها تميم :
-تقصد الست مديحة ، مامت تميم!
هز رأسه نافيـا :
-لالا ، الست مديحة كانت بنت خال مراتي ، وهي اللي ودتها القصر عشان تشتغل هناك بعد ما مشينا بكام سنة ، وهي الوحيدة اللي اتجوزها البيه رسمي ، وأنا كنت شاهد على عقد الجواز ده بنفسي .. لانها كانت وحدانية وملهاش حد …
•••••••
غربت الشمس ، وغربت معها المشاعر التي تحولت لدماء تلطخ السماء .. ظل يتجول الطرقات بعشوائية بدون جهة بعينها ، خارجه صامت لكن داخله ثورة عارمة تريد الانفجار .. كان موقف عالية أصعب من أنها تبدأ ببنت شفة ، ظلت ترمقه بعيونها الحائرة بصمت حتى أصيبت بدوار من كثرة الطوف والسرعة الجنونية التي يتنقل بهـا ..
أصدرت أنين الوجع وهي تتمسك ببطنها حتى تفوهت بألم :
-اقف هنا لو سمحت ..
لم يستجب لطلبها بل زود سرعة عربيته أكثر حتى صرخت متوسلة وهي تسند رأسها على المقعد الأمامي :
-بقولك أقف هنا مش قادرة ..
أوقف السيارة فجأة محدثة صوت صاخب ، حتى هبطت منها بسرعة وتقيئت مياه أحشائها ، أخذ يُراقبها من بعيدٍ خلف زجاج سيارته مكابحًا قلبه ألا يحن أو يئن لضعفها .. جلست على أحد الأسوار وهي تخسر وعيها شيئاً فشيئاً، ترتفع أنفاسها وتنغلق جفونها حتى لاحظ بوادر تغيبها عن العالم .. هبط بسرعة من سيارته واتجه نحوها .. لم تر منه إلا سواد حذائه اللامع ، تشبثت في سترته الرمادية بأصابعها الضعيفـة وتكاد روحها تنسحب ، تفوهت بأنين الضعف وهي تبتلع حلقها :
-أنا مش قادرة .. حاسة روحي بتتسحب مني ..
لان صُلب غضبه وهو يرمق أصابعها المتشبثة بملابسه حتى اقفلت جفونها ورمت رأسها على بطنه .. انصهر جليد الثلج بقلبه وحملها بين يديه بحنو ووضعها بالكنبة الخلفية بالسيارة .. تمددت بضعف وهي لا ترى منه إلا صورة مشوشة .. صعد مراد سيارته مرة واخرى ، ولكن تلك المرة حدد وجهته .
•••••
-بابي هي أنطي حياة هتفضل نايمة كدة كتير !
أردفت ” تالية ” جملتها الأخيرة بعدما ملت من الانتظار ، هز عاصي رأسه بعجز وقال :
-هي تعبانة ، شوية وهتبقى أحسن .
-أحنا هنبات هنا ؟!
ظرفته بسؤالٍ غير مخطط له برأسه ، فقد توقف تفكيره حد اللحظة التي كانت تتعلق بعنقه وترتعش من شدة خوفها ، تنهد بحيرة وهز رأسه :
-لو بقيت كويسـة هنمشي .
تدخلت داليـا في حوارهم وسألته ببراءة :
-بابي حضرتك بتحب مامي أكتر ولا أنطي حياة !
فرغ فاهُ في ذهول ، لسؤالٍ آخر لم يكن مستعدًا للجواب عليه ولكنه وضعه أمام قلبـه وجهًا لوجه ، فأخذ يُقارن بين الاثنين ، بين امراة أسعدها الحظ لتكون زوجته ، وبين آخرى أسعده الحظ ليكون زوجها ! واحدة حلت مذاق الحياة بقلبه ، وآخرى منحته قلبًا جديدًا وحياة جديدة ..
إمراة لم يتجرع إلا الحب في هواها ، وآخرى جعلته يعيش جملة من المشاعر في آنٍ واحدة … الأولى قُدمت إليه كوجبة سائغة ولذيذة.. أما الثانيـة كمن طهى وجبته بنفسـه وشاق في إعدادها ..
أنثى الشمس ، وأنثى القمر أيهما سيختار !
من أنعشت قلبه في لؤلؤ حُبها !
أم تلك التي أحرقتـه في هواها ومازال يُحبها !
كررت داليـا ندائها عليه بعدما طال شروده :
-يا بابي !! روحت فين ؟
-معاكي يا داليا .. كنتِ بتقولي أيه ؟
لوحت بكفها بيأسٍ :
-حضرتك لحقت تنسى ؟!
-معلش .. سرحت فالشغل بس .
صرحت تاليـا بصوت أعلى :
-دودو يابابي كانت بتسألك بتحب مين أكتر ، أنطي حياة ولا مامي ..
-آه ..
ثم عقد جبينه :
-مش صعب السؤال ده ؟!
-لو سمحت يا بابي جاوب بقا !
فكر لبرهة ثم مط الحديث لينال وقتًا إضافيًا من التفكيـر :
-أنتِ بتحبي الأيس كريم ولا الشوكولا أكتر ..
رفعت أصبعيها :
-أنا بحب الاتنين أكتر من بعض ..
تعلق في جوابها كالغريق في بحر الهوى :
-وأنا كمان بحب الاتنين أكتر من بعض ..
داليا بإصرار :
-لا مش ينفع الكلام ده ..
حدجها بمكرٍ :
-معلش ينفع ومشيها ..
قطعت تاليا حوارهم :
-بابي ، حضرتك ليه مش بتحكي لنا عن مامي ، يعني أنا معرفش غير صورتها وبس .. هي كانت طيبة كدة زي أنطي حياة !
مسح عاصي على شعرها بإرهاقٍ :
-أنتو حد مسلطكم عليا النهاردة ولا أيه !! ما تيجو نعمل حاجة مفيدة بدل الرغي ده !
هتفت تاليا بمرح :
-تيجي نلعب !
-لا نلعب أيه !! تيجو نعمل أكل لأنطي قبل ما تفوق !
-بابي أنت بتعرف تعمل أكل ؟!
أسبل عيونه بتفكير ثم وثب قائمًا وحملها على كتفه :
-أدينا هنجرب ، لو نجحنا يبقى بعرف أطبخ ..
ركضت داليا ورائهم وسألته بعفوية :
-طيب لو فشلنا .
أخفض نبرة صوته :
-يبقى نخبي الأكل ونطلب من بره ومحدش يطلع السر ده لأي حد ! مفهوم ؟ ..
شرع عاصي في تجهيز طلبات ما سيصنعه من شوربة صحية بأجواء من المرح مع صغيراته ولكنه كان في ورطة كبيرة خاصة بعد ما فصلت بطارية هاتفه فلم يجد وسيلة للمساعدة إلا الاستعانة بالوصفة التي كان يُعدها لزوجته أثناء فترة حملها …
••••••
وصل مراد لشقته حاملًا عالية بين يده .. عاونه حارس العمارة على فتح الباب مهللا
-الف مليون سلامة على الهانم يا بيه ..
أردف مراد بحدة :
-اقفل الباب وراك ..وأي حد يسأل عليا أنا مش موجود هنا ..فاهم ؟
اتجه نحو غرفة نومها الأولى ووضعها برفق وشد فوقها الغطاء
أصدرت انين الكلل والعناء ممسكة بيده فتلاقت أعينهم المدججة بالتيــه
ثم قالت بوهن :
-لازم نتكلم ..
سحب كفه بجفاء :
– ارتاحي أنت دلوقتي ..
ثم ترك الغرفة وقفل بابها برفق وهو يقفل ألف باب بقلبه لا يريد اغلاقهم ..
تقلبت عالية في فراشها تذرف عبرات الندم وهي تضم الوسادة إلى صدرها مردفة بلوم :
-أزاي يا عاليــة توافقي تهيني نفسك وتهنيه معاكي بالطريقة دي !!مهما عمل ازاي توافقي تردي الاساءة بالاسوأ!
ضمت ساقيها إلي صدرها أخذت تبكي بصوت مكتوم :
-ياربي سامحني .. أنا عارفة أنك زعلان مني .
كان مراد يتألم بالخارج مثلها .. يعاتب نفسه سرًا ويعاتبها علنًا وهو يطيح بكل ما يقابله متسائلا:
-ليه ياعاليه لييه !! ليه تحطينا في الموقف السخيف ده !لــــــــيه ؟
••••••
-ايه اتشقت الأرض وبلعته !! مش عارفين هو فين ؟!
صرخت عبلة بجملتها الاخيرة بنبرة غاضبة بوجه الحرس اللذين فشلوا في العثور على عاصي
نظرت إلى سوزان بجزع :
-كلهم أغبية ؟! شايفة الاشكال اللي أحنا مشغلينها ؟
في تلك اللحظة دخل شمس وتميم بعد ما أنهوا لقاءهم مع العم حسين .. بلعت بقية غضبها من اختفاء عاصي
وخيبة رجالها ووجهت شعلة نيرانها إلى تميــم :
-أهلا .. أهلا بيكم في قصر دويدار إللي بقى فندق للي رايح واللي جاي !
جاءت نوران تركض من أعلى وهي تتوسل لشمس وتميم :
-عالية جوزها جيه واتخانق هنا واحنا من الصبح هنتجنن من قلقنا عليها ..
-يعني أيه الكلام ده ؟
قال تميم جملته بصدمة وهو يخرج هاتفه .. فأوقفته عبلة ساخرة :
-متحاولش محدش بيرد لا مراد ولا عاصي .. وأدينا أهو بنتفرج على الكوارث وهي بتحصل ومحدش عارف يلحقها .
شمس بقلق :
-تميم أنت عارف شقته فين .. تعالى نروح لهم .
أردفت عبلة ساخرة :
-شوفي غيرها يا دكتورة .. مراد مش في شقته ومش مجنون عشان يروح على مكان نعرفه !
جهر تميم بغضب ممزوجًا بالعجز :
-يعني ايه الكلام ده ؟! أخدها وراح فين يعني ؟! كلموا هدير أو كريم يتصرفوا ويوصلوا لأخوهم ..
ربتت شمس على كتفه :
-ممكن تهدى ! ممكن سوء فهم بينهم وهيتحل .
تفوهت سوزان بضجر مفعم بملامحها :
-دي رافعة عليه قضية خلع وفضحته علنًا ..هو أيه اللي هيتحل ده شخص مريض وهيدمر البنت ومش عارفين ممكن يعمل فيها ايه!
صُدم تميم مما سمعه وقال بحيرة :
-خلع ايه وايه الهبل ده ؟!
عبلة باستهزاء :
-يعني طلع عيان ومختل وبيبجح !!
ثم تمتمت متوعدة :
-وديني لأربيك يا مراد !!هو مش عارف عالية دي تبقى بنت مين ؟
كادت رأس شمس ان تنفجر :
-أنا مش فاهمة حاجة ؟ أيه اللي وصل علاقتهم لكدة !
مدت نوران ورقة الدعوى لأختها بتردد ..قرأت شمس ما بها سريعًا بفاه مفتوحٍ ثم قالت :
-عالية مستحيل تعمل كده حتى ولو ده حقيقي !! في حاجة أحنا منعرفهاش ؟
ضحكت عبلة بسخرية :
-تعرفي تنقطينا بسكاتك !! اللي البنت مش عارفة تقوله لحد فينا راحت قالته في المحكمة !
زفرت شمس بإصرار :
-عالية مستحيل تعمل كده أنا متأكدة ؟!
جاء كريم من الخارج متسائلا بدهشة :
-متجمعين عند النبي !!بس أيه اللمة اللي تقلق الواحد دي !
صرخت عبلة بوجهه :
-اسمع يا كريم تتصرف وتلاقي أخوك اللي اسمه مراد ده من تحت الارض ومن غير ليه !
تشتت رأس كريم وغمغم :
-يبقى في مصيبة فعلا !
صرخت سوزان بحرقة لا تعلم سببها ..ربما لأنها دوما ما تهتم بحقوق المرأة ومناصرتها :
-أنت لسه هنا ؟! أخوك لو مظهرش أنا هنزل أعمل محضر في القسم ..
••••••
-وأنا كمان يا بابي عايزة أدوق ..
هتفت تاليا بحماس لتذوق ما صنعه أبيها بكل حب .. وساعدوه فيه .. ملأ الملعقة ووضعها بفم صغيرته منتظراً تقييمها بلهفة
تابع تغير ملامح صغيرته التي صاحت مهللة :
-دي جميلة أوي يا بابي !
غمز بطرف عينه :
-جميلة ..جميلة ولا جميلة وهنتفضح عند أنطي حياة !
اتسعت ابتسامتها وأشارت له بعلامة إعجاب بإبهامها وهي توصف مذاقها :
-تجنن بجد يابابي .. أنت شيف شاطر جدًا ..
هتفت داليا بحماس :
-أروح أصحي أنطي حياة !
فك مريلة المطبخ من حول خصره وقال :
-لا تعالى .. سيبوني أصحيها أنا وأنتم جهزوا السفرة .. هتعرفوا ؟!
تبسمت داليا :
-هنعرف هنعرف .. سيدة علمتنا ..
أخذ نفسًا طويلًا قبل الذهاب إلى الغرفة النائمة بها .. حيث فتح بابها بهدوء وقفل الباب خلفه
ثم اقترب من المخدع الذي يحويها بأحزانها وجلس بجوارها يتأمل تلك الحورية التي خُلقت القصائد لوصفها .
أخذ يداعب شعرها بحنو لن يزور قلبه منذ زمن مضطرم بمشاعر من التملك كأنها جاءت من عالم بعيد لأجله ..
أنفاسها المنتظمة كانت شافية لعليل قلبه .. وجهها النائم الوافٍ لمقاصد باب الهوى .. لم يتمالك نفسه لطبع قُبلة
حنونة فوق جبينها وقال بهمس :
-كفاية نوم بقا عشان تأخدي علاجك !
اهتزت كأن في جوفها معركة :
-أنت هنا بتعمل أيه ؟!
-ممكن تهدي ؟! أهدي يا حياة .. التوتر دا مش صح عشانك.
أبتعدت عنه منكمشة حول نفسها وصرخت :
-أنا مش عايزة أشوفك تاني ! جيت هنا ليه ؟!
كبح يده بألا تلمسها كي لا يتضاعف خوفها وقال بهدوء :
-هنفذلك كل حاجة .. بس أهدي .
بدأت ثورتها تهدأ تدريجيًا وهى ترمقه بنظرة كأنها أرادت أن تمنحه فيها وسام الأمان حتى أكمل :
-البنات بره ومستنينك من بدري .. ممكن نأجل أي خناق وزعل وكل ده عشانهم .. مش عايزهم يحسوا بحاجة .. ممكن !حياة أنا أول مرة أطلب منك طلب ..
طالعها بعيونه الراجية :
-هاه ! قولتِ أيه ..
لم تنكر أنها بحاجة الي اللمة لتعوض قلبها الخائف عن أيام الوحدة والقهر .. لن تنفى الاعذار التي منحها له القلب جعلتها قبلت على مضض وهى تومئ بالموافقة حتى تمدد شدقه ببسمة أمل في الغفران .. تنهد بارتياح قائلًا :
-غيري هدومك ويلا مستنيكي بره عشان تاكلي .
رفعت جفونها بحيرة من أمره وتحوله الغامض وهزت رأسها باستسلام :
-حاضر ..
-تحبي أساعدك في حاجة ؟
توترت قليلًا :
-لا شكرا .. أنا هتصرف .. بس ..
هز رأسه متفهمًا وقال برتابة كي لا يفضح اهتمامه الزائد بها :
-ااه البنات جابولك هدايا بره .. وحاجات بنات كده أنا مفهمش فيها حاجة .
رغم الصداع الذي يضرب برأسها لكنها لم تكبح نظراتها المكذبة بشك :
-البنات!
-ااه محبوش يجوا فاضيين .. ذوقهم هيعجبك متقلقيش .
•••••••••
“في الثانية عشر بعد منتصف الليل ”
-كنت متأكدة أنك لسه منمتش .
أردفت نعمة التي تقوم بمراعاة عمها بجملتها الأخيرة عندما وجدته يتحدث مع نفسه وهو يطالع السماء
أفسح لها مكانًا على الكنبة الخشبية :
-تعالي يانعمة يا بنتي تعالى ..
-ليه ياعمي ما قولتش الحقيقة ! السر مهما عدت عليه سنين لازم يطلع للنور .
هز رأسه مؤكدًا لحديثها :
-معاكي حق يابنتي .. بس مينفعش .. مش هقدر .
-هما جم هنا ليه يا عمي؟
-زي ما قولتي كده يا نعمة .. السر لازم هيجي عليه وقت ويتكشف ، ودي ريحته يابنتي .
-وهتفضل ساكت لحد أمتي ياعم حسين ؟! أنت عشت سنين طويلة قلبك مش عارف يرتاح ،أهو جيه الوقت اللي تريح فيه ضميرك .
شرد العم في حديث بنت أخيه وقال بعجز :
-هقول حقيقة مش كاملة ؟! قلبي بيقول لي أن دي مش كل الحقيقة ، وفي جزء مهم مفقود سره عند عبلة المحلاوي .
رفضت نعمة ما يقوله عمها وقالت معترضة :
-وهو في سر أكبر من أنها اخدت ولد من الست الشغالة عندها وكتبته باسم جوزها ! دي ست جبروت .
-أيوة يا نعمة يا بنتي في .. زي ما قولتي دي ست جبروت .
نعمة متسائلة :
-يعني كدة تميم بيه المفروض هو الوريث الشرعي لعيلة دويدار .
هز رأسه بعدم اقتناع :
-عاصي ابن تحية .. الست اللي كانت شغالة خياطة في القصر ..
-طيب أبو عاصي ده فين ؟! أزاي ساب ابنه كده بسهولة ؟!
-تحية كانت جاية هربانة من بلدهم مع الواد اللي بتحبه .. وضحك عليها بورقة جواز مزيفة .. ولما حملت هرب ومحدش يعرف له طريق لحد دلوقتي ..
رمقته نعمة بذهول :
والله ياعمي أنا حاسة أني بتفرج على مسلسل .. معقولة كل ده حقيقي ؟!
ثم تفوهت بسؤالها الأخير :
-بس أنت عرفت كل ده أزاي يا عمي ؟؟
•••••
صخب الأرض برمتها تكدس في رأسها التي تصدح بصداع لم تعهده من قبل
تتقلب على جمر من تأنيب الضمير يحرق في جدار قلبها فتنذرف بدموع لم تنه
نهضت من فراشها بحالة من الجزع .. والضعف عدم قدرتها على تحمل المزيد من العذاب
وثبت قائمة وفتحت باب غرفتها ووقفلت على أعتاب غرفته ذات الباب المفتوح وأخذت تراقبه من بعيد بعيون معتذرة ..
دنت منه ببطء افاقه رائحتها التي لم تخاصم قلبه بعد .. رفعت الغطاء وتمددت بجواره .. وفي تلك اللحظة ولى مراد وجهه لناحية الاخرى
التي لا تطل عليها .. اقتربت منه وحاوطت خصره بهزل واندست بجسدها المرتعش به .. ظل محافظًا على هدوئه وصمته كي لا يُقاطع أفعالها التي تعلن بضعفها ..
بللت حلقها وقالت بنبرة متحشرجة :
-أنا عارفة أنك صاحي .. وعارفة انك مش طايق تبص في وشي بعد اللي عملته ..
انخرطت دموعها على وسادته وأكملت معتذرة :
-انامعرفش ليه سمعت كلام المحامية وازاي اقنعتني أوافق بكلامها .. أنا مستحيل أعمل كده ولا كنت افكر في كدة ..
كانت انتفاضة صوتها وجسدها صداهم بقلبه .. أكملت نزيف قلبها :
-أنا تايهة أوي .. حاسة أن كل المكان مش بتاعتي .. حتى أهلي والناس اللي حوليا حاسة انى معرفهمش ولا انتمي لحد فيهم .
لحظتذاك خرت في بكاء كالشلالات وأكملت :
-عشت حياة كلها قهر وظلم .. معنديش صحاب ، كله بيخاف يقرب مني لما يعرف أني بنت دويدار ، عشان كده مكنتش بخرج من البيت ولا أروح مكان ..
حتى لما كبرت ، محدش من الشباب كان يستجرى يتعرف عليا ولا يقرب مني ، لانهم مش أد عيلة دويدار وكان الرفض هيبقى مصيرهم ،
كله كان عادي .. لحد ما لقيت نفسي متعلقة في ورطة وفضيحة ، وفجاة لقيتك دخلت حياتي إهانة وتعذيب .. منكرش أنك حد كويس ، ولما عرفنا بعض بقي في بينا احترام ..
ثم اجهشت باكية بصوت دفين :
-حتى لما قولت لك طلقني ، حسيت اني مش عايزة كده ورجعت معاك ، كنت حاسة أنك نصيبي من الدنيا وخلاص رضيت بيه ، ولما جيت لك اسكندرية كنت
ناوية أننا نعيش طبيعي ونبني حياة جديدة سوا ، لحد اللي حصل واللي مش عايزة افتكره .. خلاصة كلامي أن أحنا الاتنين غلطنا ، أو الدنيا بتختبرنا وبتمرنا على حياتنا سوا ..
ساد الصمت طويلًا منتظرة جوابه حتى همست برجاء :
-أنا أسفة يا مراد ، سامحني .. أنا أول مرة أغلط في حقك ، وعارفة أنه غلط مش مغفور وإهانة كبيرة ليك ، بس من كل قلبي أسفة .. متزعلش مني ..
كانت كلماتها كالجمر المتساقط على قلبه يحرقه حرقًا .. اعتدل في نومته نائمًا على ظهره وهو يطالع السقف ، تفوهت بصوت مرتجف :
-مش هترد عليـا !
ثم ضمت على كفه :
-مراد أرجوك ، متعملش فيـا كده ، حاسة قلبي هيقف من عذاب الضمير .
زفر دخان غضبه وطل على بحر دموعها وأخذ يجففهم بحنو ، وضعت كفها المرتعش على كفه المبلل بمطر حزنها :
-حقك عليا .. والله أسفة ..
تحمحم بخفوت ليتخلص من زفير وجعه وهو يداعب خدها بإبهامه وسألها بعتب :
-انا عارف أنك عشتي أيام مش سهلة يا عالية .. وعارف وجعك وأد ايه بتعاني .. بس كل ده مبرر عشان تهنيني وتهيني عرضي ! ده جزاء إني كنت بتقي ربنا فيكي وكنت عايزك تبقي مراتي بإراداتك ؟!
غلبت دموعها حديثها :
-أنا تايهة أو يا مراد ، متشتتة ..
ثم فاض الدمع منها وطالعته بعيونها المشتعلة بحمرة الألم :
-تعالى ننسى كل ده ونبدأ من جديد ، كأننا أول مرة نتقابل وأنا أوعدك والله مش هزعلك ، قولت أيه ؟
-لما قفلت عليكي وأصريت أننا نتكلم عشان تعرفي أني والله معرفش الست دي ، كان عشان نفتح صفحة جديدة فعلا يا عالية ..
مش عشان أنا حابسك ومقيد حريتك ؟!
-الغضب عماني والله ، اتوجعت أوي لما شوفت البنت دي في بيتك ، كنت حاسة بنار بتاكل في قلبي من جوه .
اهتز لكلامها ثم طبع قُبلة اعتذار على جبينها ، بدأ خفقان قلبها الضائج يهدأ ، رفعت جفونها الراجية :
-سامحتني مش كده ؟!
-صدقيني يا عالية ، أنا زعلان عليكي مش منك ..
ثم وثب قائمًا ولم يجرؤ على تكملة الحديث بعيونها وقال :
-راجل مكاني كان هيبقى له تصرف تاني على اللي حصل .. بس أنا لأخر لحظة بحترمك ، وبحترم نفسي ..
وثبت قائمة بثقل :
-قصدك أيه يا مراد .
فكر طويلًا ليحسم الصراع الدائر بين قلبه وعقله وكبريائه ، ربت على كفها برفق وأخذ يتأملها لأخر لحظة تحل فيها له ثم قال بثبات:
-أنتِ طالق يا عالية ..
••••••
-أنطي عجبك الأكل ..؟
أردفت داليا سؤالها الأخير وهي تندس بصدر أبيها بعدما ارتمت على ساقه ، لاحظت قُربه وانسجامه معهم فأدخل السرور على قلبها رغم غضبها منه .. أومأت بخفوت :
-جميـل يا حبيبتي ..
ردت داليا بعفوية :
-بابي هو اللي وقف في المطبخ وعمل الأكل بنفسه ، دي أول مرة تحصل في الدنيا .
حدجته بعيونها الكاشفة :
-غريبة ! قال لي أنه طلبه من بره ..
-هو يا أنطي خاف مش يعجبك ، عشان كده مش قال الحقيقة.
حك عاصي ذقنه مفكرًا للخروج من هذا المأزق ، ولكنها علقت قائلة :
-يعني بابي كان بيكذب !
تدخل موضحًا :
-كذبة بيضة .. عديها .
جاءت تاليا لتجلس بالمنتصف بينهم وقالت بحماس :
-أحنا هنبات هنا يا بابي ..
ثم أكملت داليا :
-أصلا بكرة أجازة ، يعني مفيش school..
أطال النظر بحياة ثم قال :
-نستأذن أنطي حياة الأول ، لو وافقت هنبات ..
سُلطت الأنظار نحوها حتى وجدت نفسها تجيب بتلقائية :
-أنتوا أصلا وحشتوني أوي .. خليكم هنا وبابي يروح عشان شغله ، أيه رأيكم !
عض على شفته متمتمًا :
-ده طرد علني !
ثم جهر :
-على فكرة ، أنا كمان أجازة بكرة ..
هلل الصغار بمرح :
-يس ، يعني هنبات هنا وهنلعب كتير ..
ربت عاصي على كتف صغيرته داليا ثم قال :
-ممكن تروحوا تناموا عشان كده كتير ، والصبح هعملكم اللي عايزينه !
وقفت تاليا أمامه واضعة ذراعيها على خصرها :
-هننام فين ؟!
ألقى نظرة حائرة نحوها ثم قال :
-الأوضة اللي تعجبكم ناموا فيها ، وأنا وحياة ننام في الأوضة التانية ..
أمسكت داليا بكف أختها وركضا الاثنان ناحية أحد الغرف ، ولى وجهه نحوها فوجدها عركت ملامحها من جديد ، ثم قال ممازحًا :
-أي الوش ده ، أنادي على البنات من تاني طيب ! لا أنا مش بحب الست اللي تكشر في وشي !
تتأهب للمغادرة فأمسك بساعدها قائلًا :
-رايحة فين ! استني ..
تراجعت عن فكرة الهرب منه ولكنها لم تتراجع عن وجهها المكتظ ، صمت للحظات منتظرًا ترتيب الحديث قبل أن يقوله ، اقترب منها قليلًا ثم أطال النظر بعيونها تاركًا زمام الحوار لقلبه :
-مكنش قصدي أوجعك ، أو أجرحك ، ولا أجبرك على حاجة أنتِ رفضاها ..
ارتخت عروقها وهي تنصت إليه بآذان قلبها ثم أكمل بلينٍ :
-أنا لحد اللحظة دي مش مصدق أني عملت كده ، مش أنتِ لوحدك اللي كنت خارجة عن الوعي يا حياة ، أنا زيك في لحظة مابقتش شايف غيرك ، ومتسأليش ازاي بس ده اللي حصل ..
ذرفت دمعة من طرف عينيها تعلن حيرتها المتكدسة بقلبها فتلقاها على إبهامه متوسلًا :
-مش عايز أشوف دموعك ممكن .. أنا عارف أن غلطي مش سهل ، وعارف اسف الدنيا كلها مش هيوفي غلطي ، بس قوليلي أعمل أيه ..
استخرطت في البكاء ثم قالت :
-سيبني وأمشي ، تعالى نرجع لنقطة أننا متقابلناش .. وقت ما كنا ما نعرفش بعض .
رد بعجز :
-حاولت بس مقدرتش ، شوفي أي حل تاني غير أنك تبعدي ، أنا مش هفرط فيكي !
-ليـه ! مش وصلت للي عايزهُ ، عايز مني أيه تاني ؟!
أطرق بأسف ثم سرد وجعه الذي لم يواجه حقيقته منذ زمنٍ :
-منكرش أن دي كانت نظرتي ليكي في الأول ، أول ست ترفضني ، اتجننت .. كنت عايز أوصلك بأي وسيلة .. بس بعد اللي حصل …
ثم أخذ نفسًا طويلًا :
-لا .. وألف لا ، الموضوع طلع جوايا أكبر ما كنت اتوقع ، لأول مرة ابقي مش فاهم أنا بعمل أيه ..
-أنت عايـز توصل لأيه يا عاصي .
رد بعفوية :
-أوصل لك …
قفلت جفونها كي تخفي ما أجابه لقلبها وقالت :
-وأن قولت لك لا .. مش هينفع .
رد بإلحاح :
-هفضل وراكي لحد ما ينفع ..
مسح على وجهه مزفرًا بقوة :
-حتى مش لاقي تفسير لتصرفات المراهقين دي .. أنا ماكنتش كده !
حدجته بزرقة عيونها الغارق بيهم :
-كده أزاي ..؟!
-مش عارف أركز في أي حاجة حوليا ، تايه ومش شايف غيرك قدامي .. بقيت الدنيا كلها متساويش حاجة وانت مش هنا .. هنا جمبي ..
روض الكلام قلبها فتحرك نحوه بفيض من المشاعر المدججة بالحب ، وقالت بمرارة :
-أنا فعلًا ممكن أكون متجوزة قبل كده ؟!
بلع مرارة سؤالها ثم قال :
-لا أنتِ مش متجوزة ، وفي حاجة مش مظبوطة في الموضوع ده كله ، وممكن تنسيـه زي ما أنا نسيته .. خلاص مش هنتكلم في اللي فات .
تفاقمت الحيرة على ملامحها الحائرة كأنها تريد أن تقول شيئا ثم تراجعت عنه ، ما كادت أن تنهض ولكنه أوقفها متسائلًا :
-عايزة تقولي أيه ورجعتي في كلامك ؟!
فكرت طويلًا حتى أحست بالحاجة للحكي ، أرادت التخلص من أشباح واقعها وقالت بتيـه :
-بحر وموج ومطر .. وانا متكتفة عاجزة مش قادرة اتحرك ، حتى مش قادرة أصرخ ، كان البحر متعصب أوي والسما كمان ، كنت مرمية على الشط في مكان بعيد ، كان قدامي شخص مش قادرة اتخيله غير حيوان متوحش بيفترس ضحيته .. أنا كنت بنهار .. ده كابوس مش مفارقني ، بشوفه وأنا نايمة وأنا وصاحية .. كل ما افتكره بدخل في نوبة عصبية ، ببقى عايزة أموت نفسي ..
ثم طالعته بمقلتيها الذابلة :
-أنا مين .. ؟
فكر طويلًا فيما سردته حتى قال باهتمام :
-حياة ركزي معايا ، ده حلم شفتيه ولا حاجة بين الماضي والحاضر ، يعني حاجة حصلت فعلًا وذاكرتك بتسترجعها .
هزت رأسها يمينًا ويسارًا وهي تسترجع تفاصيل ما يرعبها حتى سالت دموعها وقالت بوهن :
-مش عارفـة ، أنا مش عارفة أحدد حاجة ..
لاحظ تغيرها وتبدل حالة الهدوء التي كانت عليها إلى حالة أكثر اضطرابًا وصخبًا بدأت برعشة صوتها ثم انتقلت لبقية جسدها .. أسرع ومد لها القرص المهدئ الذي وصفه الطبيب مع كوب ماء ، ترددت قبل أن تأخذهم حتى أرغمها بنظرته الحادة أن تتناول دواءها .. لبت طلبه على مضض وما أن ابتلعت قرصها ، جذبها هو إلى صدرها وأخذ يمسح على شعرها كي تستكين بين يديه .
أغمضت عيونها كي تفتش عن لحظات غضبها منه ونفورها الدائم نحوه فلم تجد ، نشجت في صمت مما جعله ينطق بلهفة :
-قولنا أهدي .. أنتِ تمام ومفيش أي حاجة .. أنا جمبك ..
من منهم بحاجة إلى هذا الحضن ، هي الخائفة أم هو التائه والمُضل في بحر هواها ! أخذ يمسح على شعرها حتى آمنت فـ نامت بين يديه .. طبع قُبلة خفيفة على رأسها ثم باتت يده المطوقة والمتوقة بلهب العشق من أعلى لأسفل تسعى بأمان سكن به وفيه قلبها ..
مد يساره ليتناول هاتفه المُعلق بالشاحن ، ما أن فتحه انهالت التنبيهات بالرسائل فوق رأسه .. فتح آخر رسالة وصلت على هاتفه وكانت من يسري عبارة عن رسالة صوتية يقول بها :
-“عاصي بيه ، في حاجة غريبة شوفتها النهاردة ولازم تعرفها لحد ما اتاكد ، قاسم صفوان عايش وموجود هنا في لندن “
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية غوي بعصيانه قلبي ) اسم الرواية