رواية ملتقي القلوب كاملة بقلم زكية محمد عبر مدونة دليل الروايات
رواية ملتقي القلوب الفصل العاشر 10
أخذ يتقدم منها بخطوات حذرة وقد راقته شراستها جدًا، بينما كادت هي أن يغشى عليها من الخوف . ركضت بسرعة للداخل قاصدة غرفتها وغلقت الباب سريعًا خلفها بالمفتاح، ليسرع قاسم بالطرق بصوت عالي وهو يقول بعنف :- أفتحي الباب بدل ما أكسره .
لم تسمع له وإنما التقطت هاتفها لتضغط عليه بأنامل مرتجفة على رقم تحفظه عن ظهر قلب وهي تراقب ذلك الذئب الذي يقبع خلف الباب .
وما إن رد عليها فلم يصدق نفسه انها تتصل به، ليسمع ما جعل قلبه يقع بين قدميه حينما صرخت فجأة وهي تردد ببكاء :- طه إلحقني .
لم يحتاج لسماع المزيد إذ ركض بسرعة البرق يطوي الأرض تحت قدميه وشكر الله بداخله أنه مازال بالمنزل ولم ينزل، ألف سيناريو قد تزاحم في عقله حول سبب هلعها ذاك وخوفها، على الجانب الآخر كسر الباب بعد أن آخذ وقتًا يدفع فيه، لتطلق هي صرخة فزع وهي تلتصق بالجدار بذعر .
تقدم منها بضحكة ثعلبية لتقول برجاء :- حرام عليك أنا معملتش ليك حاجة علشان تأذيني بالشكل دة، أنا… أنا حامل ابني حرام عليك.
جذبها نحوه ليقول بتصميم :- انسي أنا مستني اللحظة دي من زمان وأبقى عبيط لو ضيعتها دلوقتي.
أنهى كلماته وهم بالاعتداء عليها لتدافع هي عن نفسها وجنينها بكل ما أوتي لها من قوة وهي تصرخ عل أحد يسمعها بالخارج.
وصل طه للمنزل وأخذ يطرق عليه بقوة، وما إن سمع لصراخها غزاه الهلع ودفعه لأن يكسر الباب بعد محاولات عديدة حتى نجح في ذلك، هرول للداخل مسرعًا ليجد أحدهم يحاول الاعتداء عليها، غلت الدماء بعروقها وقام بسحبه ليسقط عليه بوابل من اللكمات العنيفة والآخر يدافع ولكنه ليس قويًا كفاية كطه، لم يتركه إلا بعد أن فقد وعيه ولم تظهر معالم وجهه جيدًا.
توجه بعدها وهو يلهث ليجد تلك الباكية تتطلع له بخوف، ولكنها بسرعة ركضت لتتعلق في رقبته بذعر وهي تبكي بصوت مسموع، حاوط خصرها بحماية وهو يحاول أن يهدأ من روعها وغادر بها إلى الغرفة وتوجه لغرفة أبيها، ودلف مجددًا وغاب لبضع ثواني وعاد وهو يحمل ثياب خروج لها وساعدها في ارتدائها ليقول بعدها بصرامة :- يلا قدامي على البيت .
قالها بجدية كبيرة وهي لم يعد لديها قدرة للاعتراض فيكفي الحالة التي تعيشها حاليًا، أتصل بعدي وأحمد ليأتيا للمنزل في غضون دقائق ليقول لهما بجدية :- الواد دة تاخدوه على مخزن البضاعة وتربطوه لحد ما اشوف شغلي معاه .
وبالفعل امتثلا لطلبه بعد أن أخبرها بما حاول فعله .
*********************
عند عاصم قامت القيامة عندما علم بالقصة التي صدرت من أم زوجة أخيه، ليقول بحدة :- إزاي يا ماما تسمحيلها إنها تتكلم أصلًا عن الموضوع دة ؟
أردفت ندى بتوتر والتي أخبرته بالأمر، تحت ضغط مارسه عليها لتقر بكل شيء بعدما رأى حالة حسناء المزرية :- يا ابني أنا مسكتش ليها، يعني أنت هتوه عنها .
تدخل معتصم ليقول :- خلاص يا عاصم حصل خير، أنا هكلم آية في الموضوع دة .
ردد بوحشية :- أقسم بالله لو سمعت أي مخلوق بيجيب سيرة الموضوع دة تاني قدامها ما هسكت ولا هيهمني صغير ولا كبير، محدش ليه دعوة دي حياتي أنا مش هو .
أردف معتصم بمهاودة:- طيب خلاص أهدى وكل اللي أنت عاوزه هيحصل.
تحدثت ندى بخفوت :- هي أخبارها إيه دلوقتي ؟
ردد بضيق :- زي الزفت ولما معرفتش منها حاجة نزلت عندك أعرف مخبية إيه عني ؟
ربتت على كتفه بهدوء قائلة:- خلاص أديك عرفت وإن شاء الله الموضوع مش هيتكرر، أطلع لمراتك خليك جنبها دلوقتي.
هز رأسه بموافقة ومن ثم صعد للأعلى ليرى تلك المسكينة التي تبدل حالها للأسوء .
**********************
وصلا لمنزلهما الخاص وما إن دلفا أخذ يصرخ بوجهها على ما جعلته يعيشه في اللحظات السابقة :- شوفتي آخرة عنادك وصلت لإيه ؟ لو كنت أتأخرت شوية ولا مردتش على الفون عارفة كان هيحصل إيه ؟ عقلك استوعب دة ولا لسة ؟
قالها بغضب جام كردة فعل على قلقه المضاعف حينما سمع صوت صراخها، وما رآه جعل الدماء تفور في أوردته، بينما هي جلست بإهمال على أول مقعد قبالتها فما عادت قدماها تحملها، وشعور بالخوف وأنها بمفردها قد طغى عليها، لتبكي بصوتها المسموع قائلة:- أنا عاوزة بابا، أنا خايفة.
وكأنها مصرة على تهشيم فؤاده فور سماعه لجملتها تلك، ليهدأ قليلًا فهي بحاجة لأن تشعر بالأمان لا الترويع، زفر بضيق وجلس بجانبها وبدون تردد حاوطها بذراعيه رغم اعتراضها على ذلك لتقول بوهن :- أبعد عني أبعد.
همس بحنو بجوار أذنها :- بس خلاص أهدي أنا جنبك أهو متخافيش .
أقرت بما قتله حرفيا :- لا أنت مش أماني علشان ما أخافش وعمرك ما هتكون كدة .
لم يتركها رغم ما قالته لأنه يعلم حالتها جيدًا، ليقول بندم :- أنا آسف.
لم يقولها أبدًا هذه الكلمة لأحد، ولكنها تستحق ذلك الاعتذار .
أردف بهدوء :- سبيل بصيلي .
أذعنت لطلبه لتنظر له ليرى غابات عينيها التي يحاوطها الاحمرار من فرط البكاء ليكمل بتوتر وكأنها ساحرة ألقت عليه تعويذة جعلته يرغب بالتعمق في هذه الغابات ويكتشفها بتمهل:- أنا مديونلك بإعتذار وكمان توضيح بس مش دلوقتي لما تهدي كدة نبقى نتكلم .
أردفت باعتراض :- لا أنا مش عاوزة منك حاجة عاوزة أروح بيت بابا وبس .
تحدث بلهجة لا نقاش فيها:- أنسي الموضوع دة وطلعيه من دماغك استحالة اسيبك تقعدي هناك لوحدك .
ردت عليه بعناد :- لا يعني لا مش هسمع كلامك أنا همشي مش هفضل في بيت واحد مش طايقني، مش هفرض عليك نفسي تاني كفاية أوي لحد هنا .
أردف بحدة طفيفة :- أنتِ بتألفي من دماغك، مين قالك إني مش طايقك ومين قالك إنك فارضة نفسك عليا ؟ شيلي الهبل دة من دماغك ربنا يهديكي.
أردفت بحنق :- ليه شايفني مجنونة بشد في شعري.
أردف بضحك :- لا شايفك عيلة وبتتصرفي تصرفات العيال .
ازاحت يديه من حولها لتقول بغيظ :- أوعى كدة بقى، أنا مش بكلمك ولا هكلمك تاني .
ردد بمرح :- مش بقولك عيلة .
وصل غضبها منه إلى منتهاه لتقوم بغرز أسنانها في ذراعه بقوة، وهي تعضه بكل غل وحنق تشعر به تجاهه، بينما يحاول هو أن يبتعد عن مرماها فلا يريد أن يؤذيها لا هي ولا طفله ليقول بغضب مكبوت :- اه يا بنت العضاضة سيبي دراعي هتطلعي بيه في إيدك . بقلم زكية محمد
وفعلا نجح في التحرر منها لتنهض قائلة بصراخ :- علشان تقول عليا عيلة تاني، أنا هروح عند ماما شهد مش هقعد هنا معاك .
رفع حاجبه باستنكار ليقول :- ليه بعض ولا إيه النظام، اتمسى وقولي يا مسا وتعالي عاوزك في موضوع دلوقتي.
لم ترد عليه ووقفت محلها بعناد وهي تنظر للجانب الآخر ليقول بتهديد :- لو مردتيش عليا وسمعتي الكلام هتشوفي مني تصرف تاني .
استدارت لتقول بتحدي :- هتعمل ايه يعني ؟
نهض من مكانه وملامحه تغيرت ولا تبشر بخير أبدًا، بينما هي تقهقرت للخلف حتى اصطدمت بالجدار ليشرف عليها هو بقامته المديدة لتقول هي بخوف من منظره وهي تخفي وجهها بيديها :- متضربنيش تاني حرام عليك إيدك تقيلة .
مسك يديها بهدوء ليقول بنبرة لينة وهو يسب نفسه على أنه مد يده عليها في السابق :- سبيل أهدي أنا مش هعملك حاجة، ممكن نتكلم شوية بهدوء .
نظرت له وكأنها مسحورة لتهز رأسها بموافقة، بينما أخذ هو بيدها واتجه إلى الأريكة ليجلسا عليها فقال هو بحذر :- عاوز أعرف مين دة ؟
طالعته ببلاهة وهي تنظر يمينا ويساراً وفي كل اتجاه قائلة :- فينه دة ؟
جز على فكه بقوة ليقول بغيظ :- أقصد مين الشاب دة اللي جيت لقيته في الشقة ؟
هزت رأسها بعدم معرفة لتقول بصدق :- والله ما اعرفه أول مرة أشوفه، بس لما سألته هو مين قالي أنه… أنه…
عضت على شفتيها بخجل وندم، فها هي تلك الفعلة تطاردها أينما ذهبت، ليقول هو بتساؤل:- قالك إيه انطقي.
أردفت بهمس لم يصل لمسامعه :- قالي أنه نفس الشخص بتاع الفندق .
أردف بصرامة :- مش سامع علي صوتك .
أردفت بصوت أعلى وهي تنظر للأسفل :- قالي إنه نفس الشخص بتاع الفندق، يعني …. يعني ..
قاطعها بتفهم ليرفع عنها الحرج ليقول :- أيوة خلاص فهمت .
رددت بدموع :- والله أول مرة أشوفه ومليش دعوة بيه نهائي.
قالتها بخوف خشية أن يشك أن هناك علاقة تجمعهما، لاتفاجئ به وهو يمسك يدها بدعم وقال :- متخافيش أنا هعرف أجبلك حقك منه الكلب دة كويس وهعرف مين اللي وراه وبردو مش هرحمه، هقوم اعملك أكل .
اتسع فمها حتى كاد أن يصل إلى الأرض من هول الصدمة، طه هو من سيحضر لها الطعام يا لعجب العجاب !
ابتسم هو على فعلتها ليردد بمرح :- أقفلي بوقك في حملة دبان جاية .
أغلقت فمها بحرج لتقول :- لا أنا مش جعانة، مليش نفس .
أردف بإصرار:- يا ستي نفتحهالك الواد اشتكالي منك وقالي إنك مجوعاه.
ردت بغباء وتساءل:- واد مين دة ؟
أردف بغيظ من غبائها ذلك :- واد الجيران يا سبيل ربنا يستر عليه ما يخدش جينات الغباء منك .
نظرت له بحزن وقد ظنت انه يعايرها بأن آخر مراحل تعليمها هي الاعداديه، بينما هو دكتور جامعي وله شأن كبير هكذا ظنت .
طالعها هو بعدم فهم للمحة الحزن تلك التي قرأها في عينيها ليقول :- مالك أنا كنت بهزر معاكي على فكرة متقلبهاش دراما وحياتك .
أردفت بمبالاة :- مش هتفرق كتير .
زفر بضيق ووجد أنه أسلم حل هو أن يدخل يعد لها الطعام، بينما ظلت هي في مكانها لا يصدر منها أي شيء سوى عينيها التي تتأمل الفراغ بشرود .
*****************************
تقف تقى تتحرك بالصغير جيئة وذهابًا، فهو يبكي له فترة طويلة ولا يريد أن يهدأ ومهما فعلت له لا يستجيب لها، تفحصت حرارته بشفتيها لتجدها عادية، إذا ما الذي يؤلمه ؟
كادت أن تشاركه البكاء ولم تجد حلاً سوى أن تنزل به عند ندى ريثما يأتي سفيان، وأثناء نزولها قابلت عاصم ليرى الصغير يبكي ليسألها باهتمام :- ماله صهيب ؟
هزت رأسها بعدم معرفة لتقول:- مش عارفة ماله مش راضي يسكت مش جعان وغيرتله وكل حاجة بس بردو بيصرخ.
حمله منها بحذر وضمه إلى صدره في محاولة منه لتهدأته ليقول له :- مالك يا بطل بتعيط ليه بس ؟ تيجي نشوف طنط تقى يمكن تسكت معاها .
استدار لتقى ليقول بتوتر :- ممكن ندخل جوة عند تقى يمكن يسكت معاها ؟
وكأنها قرأت ما في لبه لتقول بتأكيد:- أكيد طبعا يلا يا صهيب نروح عند حسناء .
دلفا للداخل ليدخل عاصم وهو يحمل الصغير ويتوجه لحسناء وهو يقول :- تعالي يا حسناء شوفي الأستاذ صهيب مش راضي يسكت ليه كدة ؟
نهضت بلهفة وقامت بحمله بحنو بالغ ثم أخذت تهدهده بذراعيها بلطف بالغ، إلى أن هدأ الصغير وهي تبتسم له بحنو وسعادة، لتقول تقى باندهاش :- كدة بردو يا صهيب تسكت مع حسناء وأنا لا، لا أنا زعلانة منك .
ضحكت حسناء لتقول :- حبيبي صهيب والله، خليه معايا شوية يا تقى .
أردفت بضحك :- ما إحنا جينا نقعد معاكي شوية .
طالعها عاصم بامتنان ليقول بتهذيب :- طيب أنا هدخل جوة أخلص شوية شغل ليا.
تركهم وانصرف للداخل بينما جلست تقى بجوار حسناء التي أخذت تلاعب صهيب بشغف كبير، وتقى تطالعهم بسعادة وبداخلها يتمنى أن يرزقها الله بجنين في أقرب وقت.
********************************
في نفس ذات اليوم ليلًا وقف طه يلهث بقوة، إثر ضربه لهذا الخسيس في محاولة منه لمعرفة من قال له على مكانها وأخبارها، ليهرتل الآخر بأنها هي من أخبرته بمكانها ولكنه لم يصدقه البتة، مال عليه ومسكه من تلابيب ملابسه بعنف وهو يقول بقوة :- بردو مش هترد وماله أدينا ورانا الليل بطوله مش ورانا حاجة للصبح.
تدخل عدي ليقول :- كفاية يا طه هتودي نفسك في داهية علشان كلب زي دة .
أردف بزمجرة :- لا مش كفاية لو طولت إني أخلص عليه مش هتأخر، دة داس على عرضي عاوزني أسقفله ! بقلم زكية محمد
ردد بمهاودة :- ماشي خلاص هنعرف منه كل اللي أنت عاوزه، من رأيي ندخل أبوك في الموضوع.
نظر له بتمعن ليقول :- بس أنا مش صغير أعرف أجيب حق مراتي كويس.
تدخل أحمد ليقول بموافقة:- عدي عنده حق يا طه لازم نبلغ بابا علشان يتصرف.
وبالفعل أخبروا أبيهم ليأتي ويعرف هوية ذلك الفتى كما يعرف أبيه ليفكر بتعقل في الخطوة القادمة .
في اليوم التالي اجتمع أكرم برفقة ياسين وامامهم يجلس الأميري والد قاسم، والذي ينكس رأسه بخجل من فعلة ابنه، فقد أخبروه بما فعله ابنهم وتصرفاته التي زادت عن حدها، ليقول ياسين بحدة :- ابنك مش هتشوفه إلا لما يعتذر عن اللي عمله، ومش بس كدة ميتعرضش لينا تاني ولا نشوف وشه وإلا سمعتك في السوق صدقني كلها كام ساعة وهتعلن افلاسك.
نظر له بهلع من هذه الفكرة ليقول بسرعة :- لا متقلقش يا ياسين بيه أنا ابني هربيه بمعرفتي وصدقني مش هيتعرض ليكم كلكم .
أومأ بضجر ليقول بصوته العالي:- طه هات اللي معاك وتعالى .
دلف طه وهو يجر قاسم الذي ظهر عليه الوهن، لينهض أبيه على الفور ويمسك ابنه وهو يسنده، ليقول أكرم بحزم :- ها يا أميري بيه ؟
هتف الأميري بسرعة وهو يقول لابنه :- أعتذر ليهم يا قاسم يلا وأنا عند وعدي مش هخليه يتعرض ليكم تاني .
وتحت ضغط وافق قاسم بأن يعتذر ليأخذه أبيه ويغادرا على عجالة، وها هو نفذ أول وعد لها يتبقى الأخير إذ تركهم وتوجه لها على الفور، ليجدها تجلس مع أمه ليستأذن منها ويأخذ تلك التي ظهرت على ملامحها الدهشة وسار بها للأعلى.
وعندما رأت هذه الغرفة انقبض قلبها، وذكريات ذلك اليوم قد تجسدت أمامها ثانية، كلما اقتربت من الباب خطوة شعرت وكأن هناك ما ينتظرها خلفه وسيقوم بالقضاء عليها، تعثرت في المشي حتى أنها رفضت أن تعبر معه ولكنه أبى أن يترك يديها ليدلفا الغرفة سويا، لتزداد ضربات قلبها بقوة وهي تنظر له بتوجس .
*****************************
يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ملتقي القلوب ) اسم الرواية