Ads by Google X

رواية ملحمة الحب و الانتقام الفصل الثاني 2 - بقلم ندي ممدوح

الصفحة الرئيسية

  رواية ملحمة الحب و الانتقام كاملة بقلم ندي ممدوح عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية ملحمة الحب و الانتقام الفصل الثاني 2

2_هروب

اللّهـمَّ أَنْتَ رَبِّـي لا إلهَ إلاّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنـي وَأَنا عَبْـدُك ، وَأَنا عَلـى عَهْـدِكَ وَوَعْـدِكَ ما اسْتَـطَعْـت ، أَعـوذُبِكَ مِنْ شَـرِّ ما صَنَـعْت ، أَبـوءُ لَـكَ بِنِعْـمَتِـكَ عَلَـيَّ وَأَبـوءُ بِذَنْـبي فَاغْفـِرْ لي فَإِنَّـهُ لا يَغْـفِرُ الذُّنـوبَ إِلاّ أَنْتَ

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كُن نسمة هواء داعبت القلب بمحبة، وغادرت بسلام.

انطلقت مليكة تعدو دون أي سبيل، واندفع وراءها الرجلين، والليل بدا رويدًا رويدًا يغمر الدنيا بظلامه ويعسعس، استعبرت مقلتيها حزنًا عمَّا أوقعت نفسها فيه، وبينما هي تعدو تند عنها لفتة رأس إلى الوراء لتبصر الرجلين تعثرت في حجرًا غليظٍ فسقطت إثر ذلك على ركبتيها وكفيها وانتحبت وهي تهب واقفة وتتابع ركضها بنشيج، ودمعًا لا يرقأ.

وهاجسٍ رهيب سيطر عليها إن الموت قريب..

قريبًا جدًا.

قاب قوسين أو أدنى من ذلك.

إنه يجوس حولها في أنتظار لحظة سلبها الحياة.

أمسك أحد الرجال بساعد الآخر ليوقفه قائلًا بأنفاسٍ متلاحقة أثر الركض المتواصل:

_وقف…

وسكت يلتقط أنفاسه المسلوبة وهو يتنفس في سرعة، ثم قال بصوتٍ منخفض مشيرًا له بالرجوع:

_كفاية إكده هم بينا نرجع…

فقاطعه الرجل الآخر قائلًا باستنكار:

_ونسيبها كيف يا واد عمي، دي لو خبرت حد باللي سمعته هنروح فيها.

فـ هدئ هذا الأخير من روعه، قائلًا:

_ ع مهلك يا واد عمي، إحنا مش هنسيبها ولا حاچة.

وسكت لهنية شردت فيها عينيه إثر مليكة التي أصبحت على مد البصر، وقال:

_إحنا بس هنهملها تجري في الجبل لحد ما يطلع عليها ديب ميسبش في جدتها حتة سليمة واصل.

وتبسم الآخر في إدراك، وقد تهللت أسايره، هاتفًا:

_أيوة صُح معاك حق.

وأطلقا ضحكة شيطانية كأنما خرجت من الجحيم

جحيمُ الموت..

كانت لا تزل مليكة تعدو، بفكرة واحدة تسيطر على كل أوصالها وهي النجاة مهما كلفها الأمر، حتى استبد بها التعب، ونهش جسدها الضئيل نهشًا فسقطت أرضًا باكية، والتفتت باحثة عن الرجلين لكنها لم تجد أيًا منهم فتوجست لعدم وجودهما، ودار بصرها في الأنحاء لتجد نفسها وحيدة ولا نور يضيء سبيلها إلا ضوء القمر الذي أمسى كالبدر في ليلة تمامه، فسمحت لجسدها أن يسترخى قليلًا رغم الخوف الذي زحف يأكل فيها دون هوادة، أحست فجأة بعينين مسلتطان عليها فرفعت نظرها وفي لحظة كانت نظراتها تتخشب وهي تحدق في ذئبٍ ضخم يقف بشموخ، وعيناه لا تنحدران عنها قط، فازدردت لعابها وهي متسمرة أمامه كتمثال صلب، جحظتا عينيها وهي تقف في تأنٍ مصدوم، وعلى حين غرة أطلقت صرخة مدوية زلزلت الأرض أسفلها، وشقت فؤادها في هلعٍ وهي تولي هاربة وفي أثرها الذئب الذي اندفع عاديًا وراءها وقد اتسع فكه بهيئة مرعبة بعد عواءٍ كاد يوقف نبض فؤادها.

وأمامها مباشرةً برز شاب أمامها مصوبًا فوهة سلاح بيده نحوها وزادت صرخاتها بقوة وهي تصد أذنيها مع دوي الرصاص الذي عبر من جوار رأسها مصيبًا الذئب الذي أخذ يعوي عواءً متألم قبل أن يسقط هامدًا.

لم تقو مليكة على التحرك، فوقفت مكانها تذرف مآقيها دمعًا غزيرًا، وصل إليها سراج وهو يلهث من فرط الأنفعال، وسألها بنبرة باردة:

_كيفك أنتِ زينة في أي حاجة وحشة حصلت لك؟

لم تجيبه مليكة وهي منغمسة في البكاء، والأرتجاف فرق قلب سراج، وقال في هدوء:

_متخافيش أنا معاكِ دلوك.

كفكفت مليكة دموعها، وتوسمت في ملامحه، ثم سألته وأثر البكاء في صوتها:

_أنت؟

اومأ سراج برأسه ولم ينبس ببنت شفة، ثم قال بغضبٍ:

_أنتِ بتعملي إيه ع الجبل؟

غمغمت مليكة بصدمة:

_الجبل؟

هز سراج رأسه بامتعاض، وجز على اسنانه وهو يقول:

_أنتِ إيه حكايتك يا بت أنتِ؟!

لم تدر مليكة بما تجيبه فأطرقت في هدوء، وهي تقول بصوتٍ خفيض:

_صدقني جيت هنا غلط.

ثم رفعت رأسها إليه، وهي تقول بحدة فجائية:

_وأنت بتعمل إيه هنا.

نفخ سراج بضيق وهو يغمغم:

_العربية عطلت فعلقت إهنا زي ما أنتِ شايفة.

هزت مليكة رأسها دون أن تعلق بكلمة، ثم تلفتت حولها في خوفٍ دب في أوصالها، وتساءلت في حيرة:

_إحنا هنعمل إيه دلوقتي وهنتصرف إزاي؟

رد سراج بصوتٍ أجش:

_والله أنا شايف إن إحنا دلوك ندارى في أي حتة عشان المنطقة دي بليل بتكون فيها ديابة كتيرة.

أطل الرعب من مقلتاي مليكة وهي تنظر له في وجل، وهمت بقول شيءٍ ما، لكنه أسرع يقاطعها، قائلًا:

_متقلقيش أنا عارف المنطقة إهنا كويس، تعالي.

سارت مليكة بجانبه ولا يزل الخوف يحاوطها من كل جانب، وما بين لحظة وأخرى كانت تتلفت ذات اليمين وذات الشمال، وأمانٌ من السائر بجانبها بدأ يتسرب إليها.

************

كان التوتر والقلق يسودان منزل مليكة، ويعتري أفئدة الأحبة، تسيرُ أمل أيابًا وذهابًا في جزع، وهي تتمتم:

_يا ترى فينك يا مليكة يا بنتي روحتي فين؟

وهزت ملك قدميها في توتر، وهي تغمغم محادثة نفسها:

_دي أكيد حصل معاها حاجة انا لازم أنزل أدور عليها.

ثم سكتت لبرهة وتابعت تقول:

_بس هنزل ادور عليها فين انا معرفش المكان هنا.

وعادت تهز رأسها في يأس، وهبت واقفة وهي تقول:

_أنا هنزل ادور عليها.

فصاحت والدتها وهي تقف قبالتها:

_تدوري عليها فين أنتِ كمان مش كفاية وحدة مش عارفين هي فين؟

_يا ماما لازم انزل اشوفها مش هنقعد كده ساكتين، افتراض حاجة حصلت معاها، اوعدك مش هغيب.

لم تجد أمل بُدًا من الموافقة على مضض، وخرجت ملك بحثًا عن أختها، كانت تتلفت وهي تسير في الطرقات، تفتش عن وجه اختها بين وجوه المارة، عندما أعترض طريقها مالك، وهو يقول بغرابة:

_مالك يا آنسة بدوري على إيه؟ أقدر اساعدك؟

أحست ملك بالريبة تجاهه، وهي تتفرس النظر في ملامحه الرجولية، ثم قالت بعنف:

_وأنت هتعرف تساعدني إزاي؟

حدجها مالك بنظرة ثاقبة، وهو يقول بنبرات قوية:

_جربي ومش هتندمي، باين عليكِ إنك مش من إهنا عشان إكده متعرفيش مين مالك إبن الحج عتمان.

كان مالك يُعرف بإنه إبن عتمان لإنه من قام بتربيته، ولإن مالك كان يتيم الأبوين ادعى الحج عتمان إنه وجده وهو لا يزل طفلًا رضيعًا فرق قلبه وعاش في كنفه وترعرع على يديه.

غمغمت ملك بتريث:

_أختي خرجت من ساعات ومرجعتش.

ضيق مالك عينيه باهتمام، وقال:

_كيف يعني مرجعتش؟

هزت ملك كتفيها واجابته في حدة:

_يعني مرجعتش، اعمل إيه؟

رد مالك في بساطة أدهشتها:

_ولا تعملي أي حاجة ترجعي بيتك، وتسيبي ليّ أنا البحث عن اختك لحد مارجعها.

رمقته ملك بشك، وقالت بريبة:

_وأنا إيه يخليني أصدقك؟

أجابها مالك في حنق:

_مش مهم تصدقيني يا ستي مطلبتش منك ولكن أختك أنا هعرف إزاي الاقيها، ولحد ما ده يحصل اقعدي في بيتك ومتخرجيش.

واشار إليها بأمر، قائلًا بصرامة:

_يلا.

ولم تدر ملك كيف أذعنت وأستدارت لتعود إلى المنزل التي تقطنه دون أدنى أعتراض، ولكن وقبل أن تصل إلى بيتها بقليل، وجدت نفسها أمام المرأة التي أرسلها لهم ياسر، فلاذت ملك بها وقصت عليها اختفاء مليكة المثير للقلق، فتنهدت المرأة وهي تقول برثاء:

_لا حول ولا قوة إلا بالله خير إن شاء الله يا بتي متقلقيش وعليكِ وعلى الحج عتمان هيعرف أراضيها بإذن الله.

فتساءلت ملك متعجبة:

_مين الحج عتمان ده وألقيه فين؟

تأبطت المرأة ذراعها لتسيرُ بها وهي تقول:

_الحج عتمان ده عمدة قريتنا وكبيرنا، وهوديكِ لحد عنده، وهو هيتصرف وهيخلي رجالته تعرف فين مليكة هي أكيد ضايعة إهنا ولا إهنا ومعرفتش ترجع لوحديها.

************

جلست مليكة في إرهاق مسندةً الظهر إلى صخرة وهي تأن في ألمٍ؛ أنين فطر قلب سراج الذي أخذ مكانًا بعيدًا عنها وإن لم تستطع أعينه عن التزحزح عنها في إحتواء مس قلبها، وتلاقت عيناهما خلسة من الزمن، قبل أن يهتف سراج بهلعٍ، وهو يقفز واقفًا:

_ اثبتي متتحركيش.

أحست مليكة مع قوله بشيءٍ يلُف حول جيدها، فأتسعت عينيها حتى كادتا تخرجان من محجريهما، وهي تدرك مهية الشيء الذي ألتف حول عنقها، ورأس الأفعى تزحف حتى باتت أمام وجهها مباشرةً، وراقبت مليكة هسيسها بعينين هلعتين، ثم أسبلت جفنيها في استسلام، وانساب الدمع بغزارة على وجهها.

************

في ظلام الدجى، كان مالك يسير بمحازاة البحر وقد اصطفت الأراضي الذراعيه على جانبه الآخر وأوراق الشجر الخضراء يداعبها الهواء فتصدر خشخشة مميزة، أقترب مالك من فتاة تجلس أمام البحر في شرود، وهي تتأمل مياهه الراكدة في هُيام

للبحر أسرار لا يبوح بها إلا لعشاقه

وهي كانت رفيقته، وعشيقته، لا تمل منه، ولا يمل منها.

عندما أحست بقدوم مالك الذي وقف دون صوت محدقًا فيها بحنو يسلب اللب..

وأعينه ضمتها في إحتواء رائع

فما المحب للحبيب إلا سكنٍ وإحتواء

وود لو يُدثرها في شغاف الفؤاد كلا ينطفء مصباح روحه الذي لم يتوهج إلا بحبها.

انتفضت فرحة في غضبٍ، وقالت بعصبية:

_لساتك فاكر فرحة إللي قاعدة مستنياك من بدري وانت ولا همك.

فدنى منها في هدوء، وهو يقول ببسمة لطيفة:

_حقك عليَّ كان غصب عني التأخير والله.

غمغمت فرحة عابسة، وهي تشيح بوجهها، وقد عقدة ذراعيها أمام صدرها:

_مش مسامحاك.

ثم قالت وهي تواجهه بحدة:

_وعقابك انهاردة إني ماشية من غير ما اقعد معاك عشان زمان يحيىٰ على وصول

وأسرعت تغادر من امامه منصرفة وقد يممت وجهها شطر الأراضي الذراعية، لكن مالك اعترض طريقها وهو يطلق ضحكة صافية، قائلًا:

_اهدي يا فرحة خلينا نعرف نتفاهم يا بت الناس، ميبقاش قلبك اسود إكده.

فسألته بنظرة غاضبة:

_انا قلبي اسود؟

فنفى بهزة من رأسه:

_قلب فرحة عيون مالك مستحيل يبقى أسود.

فتبسّمت فرحة في خجل، وغمغمت باستحياء:

_طيب إوعى بقا من طريقي.

فأجابها مالك برفض:

_لا مش هتعدي غير لما تقعدي معايا شوية، بلاش تحرميني من كام الدقيقة اللي بشوفك فيهم، بلاش تحرمي قلبي من الفرحة يا فرحة.

البسمة شيء ينبع من الفؤاد لمن يسكنه.

جلست فرحة أخيرًا بجانبه، امام البحر وقد شردة في مياهه، بينما مالك يجلس بجانبها في راحة، يتأمل ملامحها الحبيبة في صمت.

تنبه من هيامه بها على صوتها الخفيض:

_مالَك يا مالِك حاسة إنك زعلان، أيه إللي مضايقك؟

أفتعل مالك ضحكة وهو يهز رأسه، قائلًا:

_مفيش حاجة.

ملئت فرحة كفها بالماء، ونثرته عليه في مرحٍ، وهي تقول بضحكة رقيقة:

_كداب.

فحذا مالك حذوها، وأخذ ينثر عليها الماء، وهو يغمغم:

_الكداب هيوريكِ هيعمل إيه دلوك فيكِ.

وتعالت ضحكاتهما.

الوجد ثَم هُناك في سويداء القلب يسكن، لا يُرَى إلا لعزيزٍ سكن شغاف الفؤاد.


يتبع….

google-playkhamsatmostaqltradent