Ads by Google X

رواية الحب اولا الفصل الرابع و الثلاثون 34 - بقلم دهب عطية

الصفحة الرئيسية

  رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية الحب اولا الفصل الرابع و الثلاثون 34

من الغباء ان تسلم عنقك لأمراه أحببتها فحبك في
يدها كسيف المسمم مهدد بالذبح به ، شئت هذا
ام أبيت ؟!!….
وقد ذُبح على يدها اليوم وهو من اعطاها السيف مبتسمًا بحماقة واثق بانها لن تتسبب في اذيته وان هذا الوجه الملائكي الرقيق لا يؤذي عصفورٍ فكيف يأذي من أحبه بصدق !!…..
لم يتلاقى طعنة واحده منها فمن احبها بكل جوارحه
وراها وطنًا وعائلةٍ له لم تكتفى بطعنة واحده بل
نالت منه كما يجب وكانه عدوٍ لها…..
أنقلب كل شيءٍ راسًا على عقب مستحيل ان تكون هي نفسها من سمع صوتها في الهاتف تزأر بقسوةٍ
ومن رآها تصفع ابن عمه بكل قوتها بعد ان صارحها بحبه وهو مخمور….
راسه يدور في دوامه قاتمة قاسية على روحه
وقلبه….صدره يضيق وملامحه الخشنة مُتقلصة بالوجع.. يسحب انفاسه بصعوبة وكأن الغضب والحزن ألقوا به في قبرٍ ضيق خالي من الهواء والحياة والشعور…..
ماهو سرك ؟!…
ولماذا السر كان أقوى واصعب من ان يخفى بيننا
ولماذا سرك مؤلم ، يطعن كل من أحبك يخذل كل
من راكِ ؟!!…..
هل الاحزان التي كانت تطل من عيناكِ كذبة متقنة كقطرة عين تجيدي وضعها فتخدع الناظرين… هل
الحزن والقهر قناع تجيدي وضعه امام من تريدين
هل الآمك حقيقة ام انها قصة مؤلفة.. هل كل كلمة
عفوية نطقتِ بها في الأصل هي مبتذلة منكِ…..
هل انتِ حقيقة عشقتها بكل تفاصيلها ام كذبة تشبه
مرض لعين سرى بالجسد حتى الوهن ثم الموت…
كان يقف في شرفة الغرفة يفرط في شرب السجائر
منذ ساعتين تقريبًا يحرق عقب السجارة واحد تلو الآخر بفمه كما تحترق اعصابه الان بغضب هائل..
حانت منه نظره للخلف فوجدها مازالت نائمة على
الفراش بقلب غرفتهما…. بعد ان فقدت الوعي
بين ذراعيه ربما خوف او هروب من المواجهة…
لكن زمن الهروب ولى وحتى الاغماء لن يرحمها
من المواجهة ومعرفة كل شيءٍ تخفيه عنه.. فقبل
ان يضع الأحكام عليها يجب ان يتأنى بحكمة
وصبر كي يعرف السر الذي تخفيه عنه…
سمع صوت أنين خافت يصدر من بين شفتيها وهي تحرك راسها بتعب واضعه يدها عليها وكأنها تلقت
خبطة قوية به….
وهذا كان شعورها بالفعل عندما بدأت تفيق شعرت
بثقل في راسها ووجع حاد به…
إقترب منها ليس بلهفة كما اعتاد قلبه معها بل بخطوات هادئة باردة وبنظرة خالية من التعابير
قال بجفاء..
“ياريت تفوقي كده وتقومي…..عشان عايز اتكلم معاكي…”
رمشت شهد عدة مرات بعينيها وقد سقطت دمعة
من جفنيها وكانها كانت تبكي وتعافر في منامها…
زارها نفس الكابوس ، في جوف الظلام ترى نفسها فريسة سهلة للنيل منها اضاءة حمراء مريعة تنير وجوه بشعة مؤذية خانقة لروحها مزالت تتلقى الطعنات من كل من أذاها على أرض الواقع
ويفتك بها الان في منامها دون رحمة او شفقة…
كانت الخناجر سامة مميته وهي تتلقاه بصمتٍ
موجع كانت في الكوابيس السابقة ترتجف واحيانا
تصرخ مستنجده بأحد ينقذها منهم… لكن هذا
الكابوس يختلف فمن كان يطعن معهم وعند رؤيته
اصيبت بشلل تام فظلت تحدق به بعينين حبيسة
بدموع مصدومة فكان هو…..عاصم ؟!!…
استوت جالسة على الفراش تمسح دمعة أخرى
فارة من عيناها وضعت يدها على بطنها البارزة
قليلًا تلقائيًا تتاكد من ان جنينها بخير…..
وضع عاصم مقعد بالقرب من الفراش ثم جلس
عليه ومالى نحوها وبعينين قويتين غير
متهاونتين سالها مباشرةً دون مقدمات….
“طلبتي من المهندسة آلاء تأجل معاد
تسليم الشقة ليه ؟!!…..”
بلعت شهد غصة قوية في حلقها وهي متحاشية النظر اليه…..واجابت بوهن…
“عـ….عشان اجي اقعد هنا…..”
مسك عاصم فكها فجأه وامام عينيها المرتعبه
زأر بخفوت كالاسد الجريح….
“ليه ؟!!..اي السبب ؟…واياكي تكدبي… وتلفي
ودوري عليا…عشان مش هرحمك… ”
رمشت بعينيها بصدمة غافلة….نفس الوجه وهو يطعنها بالخنجر السام محتقن الوجه بالغضب
والعينين بكراهية….
ارتجفت شفتيها وشعرت بان نصف وجهها خدر
بين قبضة يده الفولاذية…..بينما صاح عاصم بوحشية…
“انطقي…. ساكته ليه…..دفعي حتى عن نفسك.. ”
صرخت عيناها بضعف…..
لا تفعل هذا أرجوك….تريث اقسم انني أخطأت عندما
سرت في درب الثأر مغضمة العين غافله عنك وعن
حبك لكن تريث ولا تقسو عليَّ فانا شفيت على يدك
وبت أريدك… وأريد ان اتابع حياتي معك دون
وجع…. لا أطلب إلا الغفران…..أغفر لي حبيبي..
قالت شهد بتقهقر….
“عاصم انا عارفه اني غلط اني خبيت عنك….”
هز وجهها بقسوة هادرًا….
“انا عايزة اعرف الحقيقة…عملتي كدا ليه…انطقي.. ”
صاحت برعونة وهي تنزع يده عنها بقوة ثم
نهضت من مكانها لتكن أمامه في مواجهة عاصفة محتدمة..
“عشان انتقم منها…..عملت دا كله عشان أحرق
قلبها واخد مكانها في البيت ده….ارتاحت…”
عقب عاصم بيقين….
“إلهام مش كده !!…ليه اي اللي بينك وبينها… ”
نزلت دموع شهد قائلة بمرارة…..
“ماهي دي الست اللي حبها عثمان وخان امي
معاها….هي دي اللي انتقمت مني وشمعت ليا
المطعم ونشرت الخبر على النت….دا بعد ما جت لحد عندي وعرضت عليا المبلغ اللي اطلبه عشان اسيبك وترجع لاختها…..”
الصدمات كانت فوق راسه بمثابة صاعقة رعدية
قاسية….فهاج صدره بالغضب والان بدأت توضح
الصورة كاملة أمامه كل شيءٍ من بداية رؤيتها
لألهام هنا وهروبها منه…ثم الموافقة على الزواج
وخطت مكوثها في هذا البيت….
تحدث عاصم بابتسامة ساخرة وهو يرى نفسه
الان في زي مهرج أحمق….
“يعني انتي وافقتي عليا عشان تنتقمي من
الهام…وتبقي مكانها في البيت ده…واي
كمان ياشهد ؟!..”
اهتزت حدقتاها بتردد…. “انت فاهم غلط…..”
جاشت مراجله فصاح بعنف….
“فاهميني الصح…اكيد مش هو ده بس اللي خلاكي
تجوزيني..اكيد في حاجه تانيه….”ثم أضاف بتذكر..
“اه يبقا انتي اللي عرفتيها بجواز عمي مش
كده…. ؟!… ”
اومات شهد برأسها قائلة بغل وحرقة…
“ايوا انا….انا اللي عرفتها ياعاصم…ولو اعرف حاجة تانية توجعها وتذلها قدامي هعملها من غير ما تردد
لحظة…..”
سالها عاصم بملامح مظلمة وعينيه تلقي اتهام
صريح…..
“وابنها……اي وضعه في دايرة الانتقام دي…كنتي
بتعلقي بيكي برضو عشان تردلها القلم اتنين….”
رجعت شهد براسها للخلف تنظر إليه بصدمة
وكأن شكه بمثابة طعنة لقلبها….
“انت بتقول إيه ؟!!…إزاي شايفني كده ؟!!..”
القى عليها نظرة شاملة معذبة لقلبه….
“انا مبقتش شايفك ولا عارف حتى انتي مين؟!….”
ثم تابع بجمود مزدري…..
“انا حتى كنت في الحكاية دي كلها كوبري بتعدي عليه عشان توصلي للي في دماغك…”
ارجع شعره للخلف مبتسمًا بسخط واهٍ…
“معقول كل اللي عشته معاكي كان كدبة…. كل
الكلام اللي قولناه كان كدب…انتي نفسك كنتي
كدبة كبيرة……ياخسارة ياشهد..”
ينطق اسمها الان بحسرة والندم يفيض بين
الكلمات بوجع….
ارتجف جسد شهد ونزلت دموعها من شدة
الضغط وعذاب الضمير….
فمن يرى عاصم يعرف جيدًا انه ضاع في زحام الغضب والصدمة خلف حقيقة زواجهما…
ومن يحدثها الان رجلا مطعون في كرامته
ورجولته….وقلبه قهر على يداها….
انها الحقيقة….
فمن أحبها وسلمها اسمه وشرفه ووضع اسفل
قدميها قلبه ومشاعره وكل ما يملك….غدرت به…واكتشف انه لا يساوي شيءٍ عندها….
مهرج باسم الحب يُضحكها ويسليها !!…
قالت بنبرة محشرجة باكية…
“انا عارفه اني استغليتك…. بس انا والله حبيتك..
وكنت ناويه اكمل معاك.. وانسى كل حاجة بدليل
اني مكنتش معترضة لما قولتلي هننقل لشقتنا…”
سخر بقتامة….. “لا بجد كتر خيرك…”
مسحت دموعها وهي تنظر اليه بعينين معتذرتين
نادمتين…..
“عاصم انا مش وحشه انا بس كنت موجوعه.. وكان
نفسي انتقم منها واوجعها زي ما وجعت امي..امي
ماتت مقهورة بسببها كانت صاحبتها كانت بتحبها
وبتثق فيها…خانت امي وشرطت على ابويا يطلقها
وحمزة كان لسه على دراعها سنتين وحامل فيا..
ولما اتولدت الناس صلحه بين امي وابويا ورجعها
على ذمته من تاني… ورجع لألهام عشان يتجوزها وكان شرطها يكتب العمارتين والبيت اللي احنا عيشين فيه باسمها….ولما رفض طردته من بيتها وبعدها بفترة اتجوزت من عمك….”
“بس احنا طفحنا رفضها ده ذل وقهر وقسوة..انا
حكتلك وانت شوفت بنفسك…فمش لازم أعيد اللي قولته ولا احكي حاجات انت شوفتها بعينك…”
تبادلا النظرات بصمتٍ وبملامح جافية
سألها…..
“وانا ذنبي إيه….ردي عليا….اي ذنبي في كل ده تجوزيني عشان تنتقمي لأمك ولاخواتك منها عن طريقي….طب وانا اي دوري في الحكاية دي…قعد مستمع…..متفرج..”
تشبثت في يداه كطفلة تائه
خائفة…
“انا حبيتك ياعاصم….”
نزع يداه عنها بقسوة هادرًا بتشنج…
“انتي اللي زيك ميعرفش يعني اي حب…انتي
حتى مقدرتيش تحترمي نفسك وتحبيها…
هتحبيني انا ؟!!…”
انحنى حاجبيها مبهوته حزينة وهي تساله
بضعف…..
“انت بتكلم كده ليه….المفروض تقدر وجعي….”
اقترب عاصم منها مهاجمًا بالكلمات قاصد ايلامها
بقدر الآلام التي نالها منها….
“وانا مين يقدر وجعي…وصدمتي فيكي….ولا انتي
خدتي على كده…اقدر وجعك..اقدر زعلك…واسهر على راحتك….خدام معاليكي مش كده….انا اللي اديتك اكتر من حقك… ونسيت اخد حقي منك..”
صفعه اخرى فوق قلبها زادتها وجعًا….بللت شفتيها
وهي تقول بخفوت….
“ليه القسوة دي…انا معترفه اني غلط…والمفروض..”
تابع عنها وعيناه تجلدها بالنظرات….
“والمفروض اني اسامحك واخدك في حضني واقولك خلاص حصل خير بس بلاش تعملي كده تاني مش كده…..”
اقتربت منه محاولة ان تمسك يداه ان تلقي نفسها
بين احضانه تفعل اي شيءٍ يخمد النيران الشعواء
التي تحرقهما معًا……نارًا هي من اشعلتها !!…
“عاصم……أهدى….”
مسكها من ذراعيها بقوة عاصر لحمها بين أصابعه
وهو يدفع ظهرها لأقرب حائط…هادرًا بهيجان….
“أرجوز….خلتيني أرجوز قدام واحده مكانتش تقدر ترفع عينها فيا وهي بتكلمني….خلتيني كوبري قدام
الهام وابنها….خلتيني **قدام نفسي….خلتيني في
نظرك ولا حاجة…. ”
نزلت دموعها وهي تنظر اليه بتوسل….
“انت كل حاجة عندي… اقسم بالله حبيتك…من قبل
حتى مانتجوز وانا بحبك….انا لو مش ناوية اكمل
معاك عمري كله….ليه هحمل منك…..”
رمقها عاصم باحتقار….
“عشان تقهري الهام برضو وتبقى راسك برأسها
في البيت ده..”
قالت بدفاع….
“انت بتقول إيه…..مش حقيقي….”
سالها بملامح تنذر بالشر…..
“اي اللي بينك وبين يزن….انطقي….”
فغرت شفتيها بصدمة متسعة العينين…ثم قالت
بعنفوان بعد ان اندفعت الدماء في رأسها….
“مفيش حاجه بينا…انت بتفكر إزاي….ابنها عمره
ما جه في بالي باي طريقة…. وانا لو كنت عايزة
انتقم عن طريقة….كُنت…”
بترت جملتها في آخر لحظة….
فكان بامكانها ان تدمر (الهام) بعمل تحليل بسيط
إثبات نسب لمسعد الصاوي من خلال شعرة واحده من يزن…لكنها استبعدت الفكرة لان الانتقام كان
سيحاسب عليه جميع من في هذا البيت…وليس
الهام فقط…
لذلك رفضت اقتراف شيءٍ تندم عليه مستقبلا
فبقى السر في بؤرة الأسرار فهي لن تكون مسخ
من إلهام…ولن تدمر بيت بأكمله كي تنال من
خصمها فقط…..
فأكثر المتضررين من قصة النسب مسعد
الصاوي ، من يعتقد انهُ ابنه ومن صلبه..
حتى يزن في نظرها لا يستحق هذا…وحتى ان
أخطأ في الحكم على مشاعره نحوها وتصرف باستهتار….يظل ضحية في هذه القصة….فهو
لم يختار ان يكون مجهول النسب ينتمي للأب
الخاطئ……
وتكون امه سبب هذا الضياع المريع ؟!!…
عصف الغضب في صدر عاصم أكثر عند صمتها
وشرودها المفاجئ فصاح بغيرة…..
“كُنتي إيه ؟!…اي اللي بينك وبينه…وصلت لفين حكايتكم بظبط…..”
اندفعت شهد بعنفوان متمرد…..
“أخرس…مش هسمحلك للمرة التالته تطعني في شرفي…لاني أشرف منك ومن عيلتك كلها… ”
توسعت عينا عاصم وظهرت خطوط الخطر
بهما…فاغلقت شهد فمها بخوف لتجده فجأه يرفع
يده عليها ويهبط بها على وجنتها بقسوة سمعت
معها انكسار قلبها…..
وضعت يدها على خدها منحنية الوجه وهي
تبكي بصمت متجرعه مرارة الوجع والصدمة
به…
كبرياؤها الان يئن متالمًا…بينما عقلها يصرخ
بتمرد وعذاب…
ان تقبلتي الأمر ستكوني نسخة من امك….وهو
صورة مصغره من عزرائيلك…..
اختاري نفسك وإياكِ ان تميلي للقلب…اياكِ…..
رفعت عيناها الحمراوان إليه فلم تجد على وجهه
ذرة ندم واحده تجعلها تتمرد على عقلها وتميل…
فقالت منفعلة بنظرة ميته…..
“طلقني…مستحيل أكمل معاك دقيقة واحدة….”
لوى عاصم فمه بكراهية….
“وانا مش همسك فيكي….اللي زيك ملوش أمان
سواد وغل وخطط مقرفة…..ظهرتي على حقيقتك
يا…. يا ست الحسن…..”
لأول مرة ينطق الاسم باستهزء قاتم !!…على صوت تنفسها بعصبية والنفس تحمل منه ما يجعلها تنفر منها الان مبتعدة آلاف الاميال..
نظر اليه بجفاء…..
“قد ايه انا مغفل…كنت اعمى اوي كده معاكي…”
كتفت ذراعيها امام صدرها وهي ترفع وجهها
بإباء يتناقض مع احمرار وجنتها بعد صفعته
لها….
“واديك عرفت الحقيقة…وعشان نريح بعض
طلقني وكل واحد يروح لحاله….”
نظر عاصم لها بتهكم… وقال بصوتٍ تردد صداه بهيمنة….
“اطمني انا كده كدا ناوي اطلقك….انتي مينفعش تفضلي على ذمتي دقيقة واحده….بس اللي في بطنك؟!…..”
وضعت يدها على بطنها بحماية …
“بنتي هتفضل في حضني انا امها…واولى بيها
من اي حد…”
استهجن عاصم قائلا بأمر واقع….
“لما تولدي وتيجي بنتي بسلامة…هتمضي على
ورقة تنازل عنها….قصاد المبلغ اللي تطلبيه….”
فغرت شفتيها بصدمة مع إتساع عينيها بنظرة مؤلمة غير مستوعبة بعد ما وصلا إليه معًا….
“انت أكيد جرا لمخك حاجة ؟!!….”
ضاقت عيناه وهو يفترسها بنظراتٍ قاتمة مخيفة….
“لا انا بس فوقت….وشوفتك على حقيقتك…وعرفت انا قد ايه كُنت مغفل للمرة التانية….”
فغرت شفتيها بوهن…
“انت بتقارني بيها ؟!!….”
ازداد سعير غضبه…. وأراد ايلامها أكثر
فقال…
“بالعكس دا هي قصادك ملاك….”
اشاحت بوجهها عنه والدموع تسقط من عيناها بغزارة وضعف…..فارادت ان تنسحب من تلك
الحرب الشعواء مستسلمة للهزيمة…..
مسك ذراعها بقوة يمنعها من البعد وهو يسالها بملامح متشنجة…..”راحه فين…..”
رفعت وجهها المنكسر وقالت بعينين تفيضان
بالعزم……
“هلم هدومي…وامشي…ولا هتحبسني هنا لحد
ما أولد…..”
طالت النظرات بينهما متبادلة كالحنًا عنيف الإيقاع حزين معاتب يقطع نياط قلوبهما…..ترك عاصم ذراعها بنفور وهو يحاول السيطرة على اعصابه….قائلا بجفاء قاسٍ….
“المفروض.. بس انا مش طايق ابص في وشك..ولا
اتنفس الهوا في مكان انتي فيه……”
قالت شهد بنظرة متوعدة…..
“هتندم ياعاصم…..والقلم اللي انت ادتهولي
هتدفع تمنه غالي….”
رد عليها ردًا بارد غير مبالي…..
“انتي عارفه انك تستحقي اكتر من كده…وبنسبة للندم انتي اللي هتندمي أوي مش انا…..”
اندفعت مبتعده عنه بكل قوتها تدلف الى غرفة
تبديل الملابس وتغلق بابها عليها….
ام هو فتناثر الوجع على وجهه بعد ابتعادها عنه
فانحنى جالسًا بانهزام على حافة الفراش يفتح
ازرار قميصه بعنف حتى كشف عن نصف صدره ومزال يشعر بالاختناق….غير قادر على سحب
الهواء الى رئتاه وكأنها تتقلص من شدة الوجع
رفع كف يده امام عيناه المظلمة الحزينة يرمق
اليد التي صفعتها بصدمة فكيف فعلها وليست
من سجيته ضرب النساء والتعنيف بالكلمات….
تحول الى وحش ثائر على يدها يغلي صدره
كالبركان…هائج بوحشية في درب محتدم…..
لم يتخيل يومًا ان يؤذيها بكلمة واحده أو يرفع
يده عليها مهما كانت الأسباب….
ففعل ما لم يتمناه….وهي فعلت ما لم يتوقعه
منها !!….
فكيف تلقي اللوم والوعيد وانتِ من اوصلنا إلا
هنا ؟!….
سند مرفقه على ركبته وأحنى راسه بين كفيه
مخفي وجهه المربد وعيناه المحترقه…تارك الحرية لدمعتين عاجزتين عن التخفي في مقلتاه !!…
فتحت حقيبة السفر الكبيرة وبدات تضع بها ملابسها
والأشياء التي اتباعتها بنفسها من حر مالها وتركت
اي شيءٍ ابتاعه لها من ملابس اخرى أكثر فخامة
الى مجوهرات فاخرة نفيسة…..
كانت تطوي الملابس بيدها بسرعة وتضعها في الحقيبة بانفعال فمزال وجع الصفعه التي تلقتها
منه ملتهب على وجنتها بعد ان تركت اصابعه
الغليظة آثر مهين عليها…..
وماذا عن الصفعات التي تلقاها قلبها من لسان
أشبه بالكرباج يضرب بقسوة دون ان يبالي يطعن في شرفها واخلاقها دون رادع ….ماذا سيكون آثر كل هذا عليها ؟!!…
توقفت فجأه وهي تشعر بوجع حاد في بطنها
فوضعت يدها عليها تمسد عليها والدموع تغرق
وجنتيها وهي تواسي طفلتها كي تصمد قليلا
معها على الألم….
“بلاش تتوجعي عشاني يامامي….انا قوية ومفيش
حاجة هتقدر تكسرني حتى لو أغلى حد في حياتنا
انا مش هسمحله يكسرني ولا يبعدني عنك…”
نظرت لعينيها في المرأة لتجد صورتها منعكسة
الى حطام منها يتحدث… أمرأه اخرى ضعيفة
منهارة بأسم الحب…امرأة أضناها الحب وكسرها بقسوة !!…
أغلقت الحقيبة بقوة وارتدت ملابسها على عجلة
ثم رفعت شعرها للاعلى في لفة فوضوية تتناثر
الغرة على جبهتها بحدة متناقضة بجمالها مع
بشرتها الشاحبه الحزينة وعيناها الحمراوان
المحتقنة كالدماء…..
خرجت من غرفة ملابس النوم فلمحت بطرف عيناها
جلوسه على حافة الفراش بملامح صخرية غير مقروءة التعبير…..
تحركت نحو الباب مندفعة وهي تجر حقيبتها خلفها بعنف بخطوات منفعلة عازمة على الهجر دون الالتفات للخلف……
وضعت يدها على مقبض الباب حينها اندفع
صوته يقول بتحشرج…..
“خليكي لحد الصبح الوقت اتاخر….”
لم تستدير اليه بل ظلت يدها معلقة بالمقبض
وهي تقول بلكنة مهذبة باردة….
“شكرًا انا كده كدا اتصلت بحمزة وهو زمانه
على وصول….”
خرجت من الغرفة بسرعة دون انتظار ردًا آخر
تاركه خلفها من علمها كيف يكون الحب وكيف
يكون عذابه….تاركه خلفها حياتها وحبها وكل
شيءٍ في عيناها….تاركه عاصم…..هويتها
وموطنها…..
لماذا عاهدتني بالحب وانت تنوي إيلامي ؟!!…
لم تتوقف دموعها الغزيرة وهي تندفع للخارج..خارج
حدود هذا البيت الذي شهد على كل ماهو جميل
معها وكل ماهو مؤلم وصادم لروحها….
سراية الملوك كانت كهف مهجور مظلم يخفي نفوس مريضة وحقائق مريعة…..وهي كانت واحدة من تلك
الحقائق وحان الوقت لتلوذ بالفرار منه..ومن سُكانه
وصلت الى حديقة البيت فسارت بها وعيناها الحزينة ترمقها بنظرة طويلة شاملة فأجمل مافي هذا البيت الحديقة المزدهرة التي بها روح نقية مريحة لا تنتمي لسكان هذا البيت….
حديقة كانت تجد نفسها بها أكثر من جدران هذا البيت.. هنا كانت ترتاح أسفل ظل تلك الشجرة
كما كان يرتاح قلبها بين ذراعي حبيبها….
بعد ان وصلت الى البوابة الحديدية للخروج
منها…رفعت عيناها تلقائيًا الى شرفة غرفتهما
تعطيها نظرة الوداع الأخير….
لكن ملامحها اضطربت فجأه عندما رأته يقف في الشرفة ساند كلتا يداه على السور عيناه معلقه
عليها بصلابة مخيفة توغلت الى اعماقها مما جعل جسدها ينتفض انتفاضة خفية…
بملامح رغم الحزن أبية عنيدة أمامه مع ان الدموع في مقلتاها تشي بما يتناقض مع كبرياؤها العظيم..
كان في تلك الوقفة يختلف عن سجيته التي تعرفها
مشعث الشعر قوي النظرات بقسوة بملامح خطرة… أزرار قميصه مفتوحة بهمجية تكشف عن انفاسٍ سريعة منفعلة وصدر متضخم بافكار سوداوية تخصها وحدها….
وجزة عيناها منسحبة من أرض المعركة مسبلة الاهداب محركة الاقدام للأمام دون رجعه…
ضرب عاصم على السور بغضب وهو يراها تبتعد
في ظلام اليل غير قادر على منعها….او سجنها
هنا…
اندفع بعد دقائق قليلة الى الخارج.. استقل السيارة وقادها باقصى سرعة باحث عنها بعيناه والقلق ينشب في قلبه كمخالب حادة..
قد حاول مقاومة رغبة الحاق بها وترويض مخاوفه
عليها حاول بقسوة لكنه فشل… فشل ذريع…فاندفع اليها بقلب معذب بالقلق…..
انتبه أثناء القيادة الى دائرة تعج بالبشر تلتف
حول شيءٍ ما وصوت بلبلة وحوقلة يخرج من
افواه الجميع……وعبارات متناثرة القت على
مسامعه فجاة كرصاص طائش….
هتفت احد النساء بشفقة….
“لا حول ولا قوة إلا بالله…دي شكلها حامل
وسقطت…عشان كده مغمى عليها……”
صاحت اخرى مستنجدة….
“حد يطلب الاسعاف…الست دمها بيتصفى…”
اوقف السيارة بقوة مصدر المقود صوتٍ قوي مزعج جعل الجميع يجفل وينظروا للخلف لتظهر هي من
بينهم واقعه ارضًا باهمال فاقدة الوعي والدماء
تسيل من اسفلها بغزارة……
وقع قلبه اسفل قدميه وهو يخرج من السيارة
بصعوبة يجر قدميه جرًا إليها…وعيناه جاحظة
بذعر غير مصدق بعد بانها هي….هي زوجته
الغائبة عن الوعي ارضًا… تفقد طفلتها الان
وروحها معها…..
اندفع بين تلك الدائرة بقوة وانحنى عليها بصمتٍ يحملها بين ذراعيه بهلع متجه الى السيارة حتى
يقلها الى أقرب مشفى لأسعافها…..
فهو خسر الطفلة كما خسر اخيها سابقًا…لكنه لا
يريد ان يجازف بخسارة شـهـد…فروحها وحياتها تعنيه أكثر من ذرية تموت قبل ان ترى نور الشمس ؟!!….
……………………………………………………….
رمشت بعيناها عدة مرات منزعجة من أشعة الشمس
المنعكسة على وجهها…ورائحة المشفى التي تحفظها على ظهر قلبها فهي خاضت رحلة علاج طويل ومؤلمة داخلها فكانت بيتها آنَذاك…
فتحت عينيها ببطئ وهي تشعر بنفس الألم أسفل
بطنها وتزداد تشنجًا…تاوهت وهي تمسد على
بطنها بتعب…..
وقد بدأت تسترجع ما حدث أمس من بداية مكالمة
آلاء الى صوت عاصم ومعرفة الحقيقة ثم…..
تحسست بطنها بخوف وكانها تفتش عن جنينها
بذعر….متذكرة سقوطها في الشارع وشعورها
بدم يسيل من بين ساقيها….
اقترب عاصم منها بعد ان كان بالشرفة يدخن السجائر بشراهه كحالة منذ ليلة أمس يسهر جوارها
باهتمام وخوف عليها….
بينما نفسه تتجرع بصمتٍ مرارة الفقد وصدمة
الخبر الذي تلقاه للمرة الثانية بنفس القلب
المجروح بخذلان الأحبه ؟!!….
وكأن الحكاية تتكرر عدا حبها في قلبه فكان ومزال
استثنائيًا….فهي لم تكن للفؤاد كباقي النساء !!…
على صوت تنفسها بارتياع وهي تحاول النهوض
من مكانها….اوقفها عاصم بقوة سائلا بخشونة..
“راحه فين ياشـهـد….انتي تعبانه…خليكي مكانك
ارتاحي…..”
قالت باعياء وبوجهٍ شاحب اصفر…
“كُنت…عايزة اسأل الدكتور اللي عالجني عن بنتي
هي كويسة….لازم يكشف عليها بالسونار عشان
يطمني…دي لسه مكملة خمس شهور من قريب..”
اشاح عاصم بعيناه عنها…فقالت شهد بلوعة
وهي تضع يدها على بطنها بحماية….
“ساكت ليه ياعاصم….بنتنا….كويسة….لسه هنا
اصلا هتروح فين….”
سحب عاصم مقعد وجلس بالقرب من حافة
السرير
ثم مالى عليها برفق قائلا بصبرٍ وسلوان اكتسبه
مع الوقت بالمداومة على العبادة والتقرب الى
الله….
“ربنا يعوض علينا…حصلك اجهاض ومقدروش
يعملوا حاجة قدام مشيئة ربنا…..إن لله ما أخذ وله
ما أعطى وكل شيءٍ عنده بأجل مسمى..مين عالم
ربنا عفاها من إيه قبل ما تيجي الدنيا… ”
تصلبت شفتيها بوهن بينما عينيها تذرفان الدمع بضعف مكذبه اياه…..
فقالت شهد بنبرة مقهورة…..
“انت بتقول إيه يا عاصم…انا لسه حامل….انا
محصليش اجهاض…..بنتي ما سبتنيش
ومشيت…. بنتي بتحبني….وهتفضل معايا… ”
ثم هتفت بحرقة قلب….
“ازاي سبتني دا…..دا انا كنت بعد الايام والشهور
عشان اشوفها…”
هدرت بهيستيريا….
“انا لسه حامل الدكتور ده كداب..كلهم كدابين متصدقهمش…..بنتنا لسه عايشة وكلها اربع
شهور بظبط وهتبقى معانا وسطنا….”
ثم توقفت عن البكاء للحظتين وهي تقول بنشيج
يقطع نياط القلب…..
“دا عقاب ربنا ليا صح…. هو ليه كل حاجة بتمناها
بتنتهي من قبل حتى ما تبدأ….ليه….انا مش عايزاها تسبني… طب حتى تاخدني معاها…ليه سيباني
هنا لوحدي ليه…”
بعد هذا الحديث المعذب للروح….
اندفع اليها واخذها بين ذراعيه بضعف فانخرطت هي في بكاءًا عنيف مرير على صدره تتشبث به بضياع وضعف يلين معه الحجر فما بال قلبه الذي أحبها حتى النخاع……
فبدأ يمسد على شعرها ويربت على كتفها… هامسًا بالقرب من اذنيها بعدة كلماتٍ مواسية حانية…ورقاها ببعض السور القرانية…حتى غفت بعد لحظات بين ذراعيه بتعب…..
…………………………………………………………..
فتح باب الشقة بالمفتاح ودلف الى الداخل ثم أغلق
الباب خلفه بحرصٍ حتى لا تستسيقظ فقد تأخر الوقت وقد أكمل السهرة في مستنقع القتال مع
بعض الأصدقاء القدامى…..
الذين اشتاقوا اليه والى صحبته ومناوشاتُ
الطريفة…قابل القليل منهم والباقية اختفوا
فجأة كحالة…….
تطلع في أرجاء الشقة فوجدها مظلمة عدا ضوء شاشة التلفاز المشتعلة مصدرة ضجيج….
القى حمزة سلسة المفاتيح على أقرب منضدة
ثم جر ساقة جرًا الى شاشة التلفاز…وهو لا
يشعر باسنانه الامامية بعد ان تلقى لكمتين
أسفل فكه اثناء الملاكمة…..
تسمر مكانه وهو يراها نائمة بالمقلوب راسها
يرتاح ارضًا بينما نصفها السفلي يعلوها متعلق
على ظهر الاريكة كمن تؤدي فقرة في السرك !!…
كانت ترتدي منامة حريرية وردية اللون واثناء تلك النومه الغريبة سقط قميصها للأسفل بفعل الجاذبية
مغطيه باطرافه نصف وجهها…..وكاشف عن بطنها المسطحة الممشوقة وصدرها المغطى بقطعة
انثوية رقيقة بيضاء…..
ازدرد حمزة ريقه بتأثر وهو يشعر بشيء يصب
في أوردته ساخن كالحمم البركانية….وعقله
يلح عليه بفعل كل ماهو غير اخلاقي معها….
كانت عبارة عن لوحة فنية وردية براقة…شعرها الأسود الغجري يفترش الأرض بحرية مطلقة
جسدها شديد الأنوثة والدلال وكأنها مرسومة
بالمسطرة كلحن لا يخطا الإيقاع…
بخصوص اللحن تلك المرأه قادرة على جعل قلبه
يطرق الطبول عند رؤيتها تتمايل على الأنغام وكانها
تتمايل على طبلة قلبه فلا يقدر على مقاومة سحرها
فيكن مأسور أمامها يراقصها بعصاه وكأنه يفرض
سيطرته عليها….فلا تتمايل على الاوتار الا أمامه
صانعه من قلبه ومشاعره نغمة خاصة معها..
زفر حمزة نفسًا ساخن متعب وهو يقترب منها
أغلق التلفاز واتجه اليها ثم حملها بين ذراعيه بخفة
واتجه بها الى غرفة النوم التي تبيت بها….غرفتهما الخاصة… الحلم البعيد بنسبة له…..
أضاء حمزة الغرفة ثم اقترب من الفراش ووضعها
عليه برفق ثم دثرها بالغطاء….وكان ينوي المغادرة لكنه توقف قليلا وحانت منه نظر الى ملامحها المستكينة الجميلة بلمحة شعبية أصلية شامخة….
سقط قناع التجهم والسخرية عن وجهه فجلس
على عقبيه بجوار حافة الفراش مستمتع بهذا
القرب يتأملها في نومها بحرية دون ان يتغافل
عن اي تفاصيله بسيطه بها…
هو مغرم بكل شيءٍ بها….
كان سابقًا يفكر كاي شاب لم يسبق له الزواج بان اكثر شيءٍ يغرم به الرجل في جسد المرأه هي
مفاتن تشبع الرغبات مفاتن مكتنزة لينة….
والآن بعد ان وقع في هواها وجد نفسه يغرم
باشياء غريبة بها…
مثل الترقوة البارزة أعلى صدرها تغريه بالقبل
مغرم هو باصابعها الرفيعة الطويلة كالمشعوذات..
يحب شعرها الغجري المتراقص، يحب خصرها الميال الى الهوى والأنغام يعشق عيناها البُنية هاتين العينين قهوته في كل الأوقات….
تنهد حمزة والابتسامة تعرف الطريق لعيناه…فمد
يده واخذ خصلة من شعرها يلمسها ويلفها بين
اصبعه بعينين مبهورتين من جمال خصلات
شعرها اللولبي الناعم…..
مالى عليها يملئ انفه بعطر شعرها الزاكي طيب
الرائحة..شردت يد حمزة وبدا يلامس قسمات
وجهها برقة… وعينيه شغوفتين في النظر إليها
ناعمة بشرتها جذابة قسمات وجهها بها لمحة
شامخة دليل على عنفوان وعناد تتمتع بهم
وهو ادراى الناس براسها اليابس…لكنها تمتلك
قلب لين يجيد الحب والحياة…..
وهذا ما يجعلهما غير متعادلا بالمرة…فهو مزال يبخل بالحب والحياة على نفسه فكيف سيقدم لها ما تريد
ان يبادلها إياه…..
قلبه مقيد بسلسال مسننه بالمخاوف لا يصلح للحب
ولا للحياة…..قلبه محشور في دهاليز الماضي… المظلمة…..وغير قادر على التحرّر منها…
مهما ادعى انه بخير يكتشف انه بعيدًا كل البعد
عن تلك الجملة….فهو يحارب وحده في وحشة
الظلام…نفسه وافكاره….وما مضى من عمره ؟!..
وصلت اصابعه الشاردة بلا اهداف الى شفتيها الحمراء ثغرها الشهي لا يدعو للقبل بل يجذبك
بقوة إليه……
مالى عليها يريد قطف قبلة من تلك الشفاه الناعم والتي اقسم يومًا ان يدللها بالقبل حتى تعتاد الدلال
منه….
تمايلت قمر بوجهها تبتعد عن مرمى فمه وهي تشعر
بان هناك شيء ثقيل فوق صدرها….وانفاس رجولية
حارة برائحة القهوة….تتسلل الى رئتاها…
فتحت عيناها عند تلك النقطة باتساع ناظرة اليه
بصدمة…..
لتجده بالقرب جدًا من وجهها يمط شفتيه للأمام
في وضعية التقبيل…فكان كل ما يفكر به هو سرقة
قبلة سطحية من فوق شفتيها قبل الخروج من الغرفة……
زم حمزة فمه باحباط…
“اي ده انتي صحيتي ليه..”
قالت قمر بعنفوان….
“هو اي اللي صحيتي ليه انت بتعمل اي هنا…”
اجابها بجدية….
“بغطيكي…..دا جزاتي يعني شيلتك من برا لحد هنا…قطمتي ضهري…..”
بلعت ريقها وهي تستوي على الفراش
جالسة…. “وكنت مميل عليا كدا ليه….”
قال حمزة بمناورة…..
“ابدًا كان في حاجة على عنيكي بشيلها….”
ضاقت عينا قمر بتشكيك…..
“كنت عايز تبوسني….أعترف… ”
عقب حمزة بفظاظة….
“اعترف بأيه بظبط…هو انا شايفلك شفايف
عشان أفكر ابوسك…. اتنيلي وكملي نوم….”
شعرت قمر بطعنة مهينة في انوثتها لكنها لم
تتركه يفوز عليها فقالت بمراوغة….
“طالما ده رايك يبقا لازم اروح احقنهم….”
احتدت نظراته عليها فأمرها بصرامة….
“عارفه لو حاولتي تبوظي اي حاجة في
شكلك هقتلك…”
كتفت ذراعيها امام صدرها
باستمتاع…
“والله انا برد على كلامك….”
نظر الى وجهها قليلا ثم هتف بوقاحة…
“لو قولتلك اني كنت عايز اعمل كده فعلا هتسبيني……”
توهجت وجنتيها فجأة فقالت
بتلعثم… “لا طبعًا….مستحيل….”
اوما حمزة براسه بتفهم….
“وانا اصلا مش هقرب منك… ولا هاخد حاجة غير برضاكي……”
قطبة قمر جبينها بصدمة شاهقة بقلق بعد ان
انتبهت للكدمة الحمراء عند فكه…..
“اي اللي في وشك ده ياحمزة..”
اسبل اهدابه متهربًا….. “اصلي اتخبط….”
قالت بضجر…. “كداب..مين ضربك؟!….”
نظر حمزة الى وجهها الجاد في سؤالها…وكأنها تتمثل الان بصورة الأم…..البطلة….المدافعة عن صغارها…
لطالما أسرت قلبه بتلك الصورة الخاصة…الحانية…
“بتضحك على إيه….”
سالته قمر بملامح منكمشة بتعجب..وقد انتبه
حمزة انه ضحك بالفعل اثناء شروده….
غامت عينا حمزة بالحزن وهو يخبرها…
“افتكرت امي…..أول يوم روحت في المدرسة
ورجعت مضروب سالتني نفس السؤال
مين ضربك ؟!….”
ابتسمت قمر وهي تساله بفضول…
“وقولتلها إيه بقا…..”
تابع بنبرة مليئة بالحنين لأمه….
“اللي فاكره اني اترميت في حضنها وقعدت
اعيط….وقولتلها مش عايز اروح المدرسه خليني
معاكي وهسمع الكلام ومش هنزل العب بالكورة
في الشارع…..”
“وقتها خرجتني من حضنها وقالتلي لازم تتجدعن
في المدرسة وتبقا شاطر…عشان تبقى الدكتور حمزة……”
“ساعتها قولتلها انا مش هبقا دكتور انا هكمل في الكورة وهلعب في أكبر نادي….”
انحنت الابتسامة على محياه بحزن مرير
مضيفًا…..
“لا كملت في الكورة ولا بقيت دكتور….”
قالت قمر بتعاطف…
“مش كلنا احلامنا بتمشي مع ظروفنا….ساعات
الظروف بتبقا اقوى وأكبر من أحلامنا…”
ثم مسكت كف يده بدعم متابعة….
“بس ربنا بيعوض…وانا متاكده ان ربنا
هيعوضك خير…..”
تبادل معها النظرات لبرهة ثم شبك يده بيدها
معانق اصابعها كما اعتاد معها…ثم قال بامتنان…..
“مش لسه هيعوضني هو عوضني خلاص بيكي وباخواتي البنات….عوضني باحن وأجمل تلات
ستات في الدنيا…هعوز اي تاني بعدكم…”
أسبلت قمر عيناها بحزن وهي في دوامة مع
افكارها وحديثه….
قال حمزة بصوتٍ متلهف
متوسل….
“قمر…..ينفع اطلب منك طلب….”
قالت قمر بإيجاز…
“حاضر هقوم اعملك فنجان قهوة…”
اوقفها قبل ان تتحرك من مكانها ثم نظر لبُنيتاها
الامعة بالحزن….وطلب منها بخفوت…
“مش عايز قهوة…..انا عايزك انتي….خليني انام
جمبك النهاردة…..في حضنك….”
فغرت شفتيها بصدمة مرددة…
“في حضني ؟!!…”
قراء التردد على ملامحها وربما الرفض سيكون
الجواب على طلبه…لذا نهض من مكانه منسحب
بكرامة…..
“تصبحي على خير…”
مسكت ذراعه تمنعه من الإبتعاد….قائلة
بتردد….
“استنى ياحمزة….موافقة.. بس اوعى تمد
ايدك كده ولا كده…..”
اكتفى حمزة بايماءة مهذبة…دون
وعود….
“مع انها صعبه ياقمرايه…بس هحاول…..”
استلقت بظهرها على الفراش باعصاب مشدودة مغضمة جفنيها بتردد..وهي تأخذ انفاسها باضطراب..
سمعته يغلق أنوار الغرفة ثم انضم اليها فوق الفراش بعد ان اغتسل وبدل ملابسه بأخرى نظيفة ومريحة…
اختلج قلبها بين اضلعها بقوة وهي تراه يجذبها
من خصرها اليه بعد ان نام على جانبه وهي كذلك
والوجوه متقاربة بشدة والانفاس تتلاقي خلسة بعذاب……والقلوب تقرع بصخب بين الأضلع..
انصهر جسدها بعد ان احتوى خصرها بيداه
بسطوة مقربها منه أكثر….
فرفعت هي أيضًا يدها تضعها على كتفه وبدأت تعبث
باصابعها في شعره الغزير الناعم بشرود حزين..
هل نست كل شيءٍ ببساطه…لماذا واقفت ان يشاركها الفراش وياخذها في احضانه…وكانها كانت متلهفة
لهذا الطلب…
ان قلبها يحترق صبابة…..وهذا ما يزيد مقتها
عليه وعلى قلبها الولهان فهو يتوغل اليه بسهولة
ويسر..بينما هي فشلت حتى في ان تطرق باب قلبه ؟!!..
داعب حمزة انفها بانفه بخفة واصابع يده تداعب
خصرها الغض دون ان يحرك كف يده….
بلعت قمر ريقها هامسة
بضعف…
“حمزة….احنا اتفقنا….”
سالها حمزة بلؤم…بين الظلام الحالك المغطي وجهيهما..”وانا عملت إيه….”
قالت بضعف…… “انت عارف….”
رفع حمزة كف يده ووضعه على خدها يلامس قسمات وجهها باصابعه الخشنة وكانه يرسمها
بشوق… هامسًا بخفوت ارتجف معه جسدها
بتأثر حميمي….
“كنت مفكر ان حضني وحشك….زي مانتي كل
حاجة فيكي وحشاني…..”
لمس شفتيها بابهامه…فهمست قمر
بلوعة.. “حمزة….”
طبع قبلتين على خدها بالقرب من شفتيها هامسًا
بلهفة وشوق…..
“قلب حمزة…وعيون حمزة…انتي كل حاجة عند
حمزة ياقمري…..”
على صوت تنفسها وهي تغمض عينيها
بعذاب….
“أرحم قلبي ياحمزة….وسبني أبعد…”
زمجر حمزة بعاطفة جياشة…..
“مقدرش…..مقدرش اكمل حياتي من غيرك…ارحميني
انتي من كلامك ده وشيلي موضوع الطلاق ده من دماغك….عشان انا مش هسيبك غير بموتي..”
ساد الصمت بينهما حتى سالته في الظلام وهي
بين ذراعيه….. “بتحبني ؟!!..”
انعقد حاجبيه وهو ينطق اسمها هاربًا من
الإجابة…. “قمر….”
قالت بنبرة تقطر أسى….
“صعب تحبني…لانها لسه عايشة جوا قلبك مش كده….”
اجابها حمزة بنفي…..
“والله أبدًا…..هي مبقتش فارقه معايا اصلا..ليه
بتجيب سيرتها دلوقتي….”
لم تجاوبه بل ابتعدت عنه مستديرة للناحية
الأخرى توليه ظهرها وهي تقول بهدوء…..
“تصبح على خير…..”
استلقى حمزة على ظهره متاففًا ثم مسك كف
يدها رغمًا عنها ووضعه على صدره فوق مضغة
قلبه العنيفة مجيبًا بفتور….
“وانتي من اهله ياقمراية…..”
هذا الفتور لا يتناسب مع مشاعره المشتعلة بجوارها ولا خفقان قلبه الهيمان بقربها….تنهد بضيق وهو يشعر بالفجوة تزداد اتّساع بينهما لكنه يريدها معه…هي موطنه حاضره ومستقبلة….وهو لن
يتركها حتى ان كان هذا قرارها !!…
……………………………………………………….
في الصباح رفع كف يده ومررها على الفراش
بجواره فوجد المكان خالٍ بارد…..
فتح عيناه بتكاسل وهو ينادي عليها وراسه
مازلت على الوسادة…
“قمر…..قمر…..”
لم يجد إلا الصمت ردًا عليه….
قرع قلبه بين اضلعه على نحوٍ مفاجئ كجرس
إنذار……وهو ينتفض في نومته ناهضًا عن الفراش
يبحث عنها في أرجاء الشقة….
بحث في كل ركن بالشقة بعينين ناعستين حانقتين…
وصدرٍ مشتعل كأتون حارق…بعد ان تأكد انها أخذت المفتاح من جيب بنطالة ورحلت….هربت من
جديد….
وقف حمزة في منتصف صالة الشقة ورفع الهاتف
على اذنه مغمغمًا بضيق….
“واضح ان الطفاشان ده أسلوب حياة عندها…”
فتح الخط بعد لحظات وقالت قمر بهدوء
من بين الضجيج حولها ….
(أيوا ياحمزة….)
جاشت مراجله من ردها الهادئ فصاح عليها
بعنف…..
“ايوا ياحمزة ؟!!….انتي فين ياهانم….”
ردت بنفس النبرة…
(بتسوق…..)
جفلت ملامح حمزة بشدة…..
“إيه !!….فين.. ”
قالت قمر بتعجب….
(في السوق بتسوق…انت مش سامعني ولا إيه…)
ثم تركته على الخط وتحدثت مع البائع
بجدية شديد وحذق…..
(بكام الطماطم ياخويا….هاخدها بخمسة….لا
متقلبش وشك بالله عليك انا مش ناقصة كفاية
اللي عندي في البيت….)
رفع حمزة حاجباه جافلا…بينما غمغمت هي
على الناحية الأخرى..
(رجالة تجيب الغم…..)
جز على شفته بغضب…
“مين دول اللي يجيبوا الغم يامهزءه…..”
قالت قمر بتبرم….
(انا فعلا كده عشان رديت عليك اصلا…اقفل بقا
انا شوية وجاية….)
صاح حمزة منفعلا….
“شوية وجايه إيه….انتي ازاي تخرجي من غير
من غير ما تقوليلي….”
قالت باختصار……(مانت كُنت نايم…..)
قال حمزة بتشنج…..
“والله متعرفيش تصحيني يعني….”ثم سالها
بضيق…..
“انتي خدتي كام من جيب البنطلون ؟!…”
قالت بعد فترة بضجر….
(انا قولت برضو المكالمة دي مش لله وللوطن…
معدتش خدت بالبركة…)
انعقد حاجباه عابسًا….
“هو اي اللي خدت بالبركة…هما شوية فكة…دي فلوس مجمدة..”
اجابته ببلادة….
(اه مانا عارفة…. مانا فكتها…)
مسح حمزة على وجهه بجزع….
“ماشاء الله عليكي جدعة…ما علينا…واضح ان اللي بيروح مبيرجعش…انتي فين بظبط….عشان اجي اخدك….”
قالت قمر بعنفوان…..(تاخدني إيه هو انا هتوه…..)
اكد حمزة بصلابة….
“اه هتوهي انتي روحتي السوق دا قبل كده…”
ظهر بعضٍ من التردد في صوتها….
(أول مرة….بس..يعني انا عارفه شكل العمارة بتاعتنا….)
إرجع راسه للخلف بصدمة مهللًا…
“أهلًا !!….شكل العمارة….مش العنوان…..”
قالت قمر بحرج مترددة….
(هو المفروض أعرف العنوان مش شكل العمارة…
اصل انا معلمة الشارع بتاعنا بصالون الحلاقة اللي
عنده الشجرة المعوجة….)
زاد قلق حمزة عليها وشعر بمن يقبض على عنقه
بقوة مؤلمة…فانفعل عليها بتقريع…..
“الشجرة المعوجة… ينهار مش فايت… انتي اي اللي خلاكي تتزفتي تخرجي تروحي السوق… ما قولتلك هاخدك من ايدك واعرفك الإماكن وبعد كده ابقي اتعملي لوحدك….”
قالت قمر بحرج اكبر……
(قولت اعملهالك مفاجأة… عشان تعرف انا
قد اي شاطرة ومفتحه…..)
التوى فكه بتشنج قائلا….
“هي مفاجأة فعلا… مفتحه إيه؟!!… ياريتك
مغمضة ياريتك مغمضة….”
قالت قمر بتململ…..
(طب خلاص بقا متقعدش تكسر في مجاديفي…
انا هستناك هنا عند الفكهاني….)
تافف حمزة بعنف وقد عيل صبره….
“هي اصطباحه باينه من أولها….طب اعمل فيها
إيه دي….اقتلها واخلص العالم من غبائها.. ”
سالته قمر بحيرة…..(اعمل اي طيب انا….)
سالها حمزة بحنق….
“انهو فكهاني اللي هتزفت اخدك من عنده…”
قالت ببراءة……(اسمه عم ربيع…)
نشد حمزة باستياء مضنيًا…..
“يارب…هي مرارة واحده وانا حاسس اني
هاشلها قريب….”
تبرمت قمر متاففه اكثر منه….
(في اي ياحمزة…. طب اقف عند ام سماح بتاعت
الفجل والجرجير….)
ارتفع حاجبيه بصدمة معقبًا بقنوط…
“انتي هتشليني يابنتي… يعني عرفتي السوق
كله ومش عارفه انتي فين….بقولك ايه.. هو
ربيع الفكهاني ده راجل كبير ولا شاب.. ”
قالت بسرعة كـنشرة أذاعية….
(عنده سبعين سنه….. متجوز اتنين ومخلف سبع
عيال كلهم شهادات علية مفيش غير ابنه الكبير
بس هو اللي شغال معاه فارش بفرشة على أول الشارع….)
اربد حمزة بالغضب متوعدًا والصدمة تعلو
وجهه….
“ينهار اسود… دا انتي جبتي تاريخ حياته….انتي
راح تتسوقي ولا راحه تتسايري مع الناس….اه لما اشوفك هنفخك ياقمر….”
قالت قمر بسأم….
(الله وانا مالي هو اللي قعد يتكلم قدامي مع
واحده واقفه جمبي….)
تمسك حمزة بزمام الصبر قائلًا….
“جمبك !…اديني الراجل ده اما أعرف انتي فين
بظبط…..”
(عم ربيع….عم ربيع…..)نادت عليه قمر بنبرة مرتاحة
مليئة بالمحبة والالفة وكأنهُ احد اعمامها….بينما رد الرجل بنبرة مبهجة….
(نعم ياقمورة…..)
شعر حمزة بالقرون تنبت وتترعرع فوق راسه وتزداد
ثقلا فغمغم وهو يستشيط غضبًا….
“قمورة ؟!!!… ورحمة امي مانتي معتبه السوق
دا تاني…”
بعد ان انهى المكالمة مع الرجل تحدث اليها بصرامة
قائلا كمن يحاكي طفلة حمقاء…..
“ربع ساعة وهتلاقيني عندك….خليكي مكانك اياكي
تتحركي….سامعة اياكي تتحركي…. ”
قالت مذعنة برقة…
(هفضل مكاني بلاش تتأخر عليا…الشمس كلت دماغي…..)
“شوية وجاي مش هتأخر….. “اتجه الى الغرفة
بعجلة واخذ أقرب شيءٍ أمامه وبدا يرتديه فوق ملابس النوم دون حتى ان يغسل وجهه…او
يبدلها !….
مما جعله يزفر بغضب بعد ان أدرك الأمر..فنزع ما ارتداه مجددًا وهو يتمتم بكلمات نابية…..
سالته قمر بريبة…
(مالك بتنفخ ليه…..)
رد بضيق بالغ…..
“اقفلي دلوقتي دقايق وهتلاقيني عندك….”
على الناحية الأخرى اغلقت قمر الخط معه وعلى محياها ابتسامة خبيثة….متوعدة له بأيام كثيرة
كتلك…….
زفرت بارتياح وهي تغمغم بلؤم….
“الغبي صدق اني توهت فعلا…ميعرفش اني
جيت هنا اكتر من مرة مع كيان وشهد…وقت
فرش الشقة…”
برقة عيناها بالوعيد مغمغمة بمكر أنثوي….
“ام جننتك ودوختك ورايا….مبقاش انا قمر….”
…………………………………………………………
ترجل من السيارة وهو يرفع عيناه على دكان
الفاكهة التي تنتظره عنده….
عندما ابصرها بعيناه تقف هناك ومن حولها المشتريات التي ابتاعتها من السوق….تقف بصمتٍ بائس تزم شفتيها المكتنزة وهي تنظر للأرض بملل…
الان شعر بانه يتنفس كباقي البشر وهو يتقدم منها
بخطوات ملهوفة رغم ان معالم وجهه جامدة متجهمة….
رفعت قمر عينيها بلا اهداف وكانها شعرت بسهام عيناه قبل ان تتلقاها….ابصرته يقترب منها متجهم
الوجه عابس النظرات لكن خطواته أسرع من الركض
وكانها تاهت بالفعل في الزحام ووجدها بعد عناء ؟!
ابتسمت عنوة عنها فرغم هالة الهجوم المصاحبة خطواته هناك شوقًا لا ينكره الأعمى….
عندما وقف امامها خفق قلبها برهبة من ان يتصرف
معها بأسلوب غير آدمي امام المارة…..
اتسعت عيناها بقوة وعلى وجهها علامات الغباء
وهي تراه يضمها الى صدره دون ان يتفوه بكلمة واحده ضمها لثواني معدودة ثم أبتعد مثبت كف
يده على منكبها
“انتي كويسة…..”
رفعت حاجب واحد بريبة وكانها تنظر لمختل..
فهذا ليس زوجها…الـ…المتجهم العصبي…الساخر
الغليظ….الفظ…..
هل الكدمة التي تترك اثر الآن على فكه هي من احدثت خلل في عقله ؟!!….
“مالك ساكته ليه…في حد هنا ضايقك…”
قالت بتبرم….. “محدش يقدر….”
“عرفت اربي يعني ؟!….”قالها ببسمة صغيرة
وبعينين صارمتين أمرها…..
“طب يلا على البيت يامحترمه…”
اومات براسها ببرود مشيرة على الاكياس الكثيرة
أسفل قدميها كالاميرة….. “طب شيل الكياس….”
زم شفتيه وهو يكبح غضبه ومال يحملهم
جميعًا معقبًا….
“انتي حطى فيهم طوب….وبعدين اي دا كله
دا احنا إتنين….”
ردت ببرود….. “تسوقيت الأسبوع…..”
استقلّ السيارة بجوارها بعد ان وضع
الاكياس….
“مفيش تسويق تاني أنسي….”
سالته وهي تنظر للامام
بوجوم….
“ليه بقا ان شاء الله….”
رد حمزة بغلاظة….
“ابدا… روحتي بس السوق معرفتيش ترجعي….”
قالت بتململ…. “عشان أول مرة….”
ازداد تجهم وجهه وهو يرمقها شزرًا….
“لا أول مرة ولا اخر مرة…وبعدين تعالي هنا إزاي
البياع يقولك ياقمورة….انتي بتاع إيه تقوليلو
على أسمك ؟!….”
هزت كتفها ببساطه….
“عادي يعني مش بياع وكده….”
زجرها حمزة بضراوة…..
“هو بياع في سجل المدني….بيشوف البطايق قبل
ما يبيع فين مخك ياهانم..”
قالت بسماجة…… “في راسي….”
“يالهوي على الضحك هموت….”ادعى الضحك بنظرة
سفاح يريد سفك دماؤها…..ثم مسكها من عند كتف
العبائها الانيقة وقربها منه بشكلا غير آدمي….
“فين بقيت الفلوس يابت….”
قالت بأسلوب متشرد…. “ملكش فلوس عندي….”
لمعة عيناه بتسلية وهو يقول….
“هو شغل نصب بقا ولا إيه…اطلعي بالفلوس
لحسان ارميكي للسمك….”
قالت بجسارة….. “متقدرش….”

ضاقت عينا حمزة قائلا بنبرة خافته مخيفة….
“أقدر….وافتكري انك عندك حساسية من الماية المالحة…يعني هتتعذبي قبل ماتموتي غرقانه..”
لوحت بيدها بجسارة الرعاع….
“بقولك إيه تعرف تسكت….مالاخر بقا ملكش
فلوس عندي…..واللي عنده معزة يربطها..”
فغر شفتيه وهو يتركها ناظرًا للطريق ثم إليها معلق بسخرية لاذعة…
“اي الكلام اللي مش راكب على بعضه ده..انتي
بتحولي تبقي شبح معايا….على بابا يابت..عيب…”
زمت قمر شفتيها تكتم ضحكة صاخبة….سعيدة بالمناوشة معه..وحتى ان كانت غليظة وسمجة مثله…..
“وصلنا انزلي….”
بعد هذا الأمر الخشن الخطر…..ترجلت من السيارة وسارت امامه وهو خلفها يحمل المشتريات بين يداه الإثنين متجهم الملامح عابس النظرات….
عندما دخلا الى الشقة كانت أول من ركضت الى غرفتها تختبئ بها كما حدث عند عودتهما من
الفندق ليلًا….
أغلق باب الشقة بسرعة وترك ما بين يداه يقع ارضًا وركض خلفها……وقبل ان تغلق الباب عليها وضع حمزة قدمه معرقلا ثم دفع الباب بجسده بقوة….
فوقعت قمر ارضًا على مؤخرتها تتأوه منها…بينما
دخل هو اليها بخطوات متباطئه راغب في ارهابها
مع نظرة تشع مكر الثعالب…
“عارف لو قربت مني هصوت….”
قالتها وهي تبحث بعيناها عن مفر…بينما هتف
حمزة بغضب….
“انتي ازاي تخرجي من غير ما تقوليلي…متجوزه
سوسن…..”
هجم عليها حمزة فحركت قمر ساقيها بعنفوان وتلقائية مدافعة عن نفسها وقلبها يرتجف بين اضلعها….
اعتقل حمزة ذراعيها بقبضة يده وهو يميل عليها مزمجر بغيرة….
“وبتاع إيه تعرفي أسمك لده ولده….انتي راحه
تجيب طلباتك ولا راحه تتعرفي على الغرب..”
صاحت قمر بوجهٍ محتقن كالدماء…
“سبني ياحمزة بقولك…متبقاش حيوان…”
هتف حمزة بعنف….
“انا حيوان……ياللي خالك عثمان الدسوقي…”
هتفت قمر بصدمة وهي تحاول التملص
منه….
“انت بتعايرني بإيه ماهو أبوك !!..”
صرخ حمزة فجأة متأوه وهو يبتعد عنها بسرعة واضع يده على سحابة بنطالة..قائلا بوجهٍ
محتقن بالألم…..
“ضيعتي مستقبلنا…..هتجوزك إزاي دلوقتي….”
جحظت عيناها بصدمة وحرج ونهضت عن
الأرض سائلة بخوف…..
“انت كويس ؟!….”
ضرب حمزة على الحائط بكف يده كاتم الآه وهو
يهز راسه بنفي ووجهه يزداد احمرار…..
فركت في يداها بخوف وهي تقترح
بقلق…
“طب…. طب اجبلك مايه ساخنة…..”
جز على أسنانه بوجع…… “هو انا بولد !!…”
رمشت بعينيها بهلع قائلة….
“ساقعة طيب…..طب مرهم…..”
هز راسه وهو يفقد صبره……
“معنديش تسلخات….الموضوع أصعب من كده بكتير…”
ثم رفع اصبعه بصرامة قبل ان يبتعد عنها
نهائيًا…
“عارفه لو منفعتش بعد الشلوت ده… هحرمك
من متع الدنيا معايا…..”
وقفت قمر مكانها بملامح مرتابه شاعرة بالشفقة
عليه فكانت الركلة قوية لكنها غير مقصودة…
بعد فترة من الوقت…..
كان حمزة يجلس امام التلفاز بعد ان أخذ حمام بارد
وبدل ملابسه وقد قل تجهمه قليلا عن محياه لكنه مزال صامتًا يمتنع عن التحدث معها…..عقابًا على ما فعلته صباحًا……
وضعت صنية الإفطار على الطاولة أمامه ثم جلست
جواره على الاريكة وفي لمحة خاطفة طبعة قبلة
صغيرة على خده هامسة برقة….
“انا آسفة….”
قال بملامح جافية دون النظر اليها…
“آسفه على اي ولا إيه…”
“على اني خرجت برا من غير ما قولك…مكنش ينفع
اعمل كده…انا آسفة….مش هتكرر تاني وعد…”
سحب حمزة نفسًا طويلا خشن…فلكزته قمر
قائلة بانين متوسل….
“خلاص بقا ياميزو سماح المرادي…..”
رد بضجر….. “معرفهاش…..”
عقدت حاجبيها سأله…… “هي مين؟!….”
اجابها بجدية….. “سماح دي…..”
رمشت باهدابها بسأم…
“آه من خفة دمك….اللي هتجيب أجلي….”
لوى ثغره هازئا…..
“الحال من بعضه….عامله فطار إيه….”
اعتدل في جلسته ومالى للامام ينظر الى صنية الفطور بينما تجيب قمر بجذل….
“بيض وجبنة وفول….”
تجهم وجهه بعدم رضا…
“في عريس يفطار بيض وجبنة وفول….”
قالت بضيق…
“امال انت عايز تفطر إيه….”
قال حمزة بتذمر…
“ظفر…طبيخ محاشي مشاوي…إيه مبتعرفيش
تطبخي؟!!….”
حركت قمر بؤبؤ عينيها بسأم…
“لا إله إلا الله…وكانك مكلتش من ايدي قبل كده..دا
احنا كُنا عايشين مع بعض في نفس البيت…”
قال بجزع….. “طيب وريني بقا شطارتك….”
اومات راسها بهدوء….
“ان شاءالله امال انا روحت السوق ليه يعني…”
ثم تناولت بين يدها ضمادة ثلج ووضعتها
اسفل فكه المتورم….قائلة باهتمام حاني..
“خد حط التلج دا على وشك…وشك
ورم اكتر من الأول….”
مسك حمزة الضمادة بصمت مذعن…بينما
سالته هي بالحاح….
“برضو مش هتقولي مين ضربك….”
رد حمزة باختصار….
“مفيش حد ضربني… كنت بلعب ملاكمة…”
عقبت بحيرة….
“بتلعب ملاكمة؟!.. انت صغير….”
التوى ثغر حمزة بابتسامة غريبة…
“صغير !!… امال لما تعرفي انها كانت اكل
عيشي زمان هي و الكورة…”
بدأت تأكل وهو معها يتشاركا وجبة الفطور
بالفة…..” إزاي بقا….”
مضغ الطعام وهو يخبرها بايجاز….
“لعب على الفلوس…. الكسبان بياخد اللي في النصيب….”
تغضنت زاويتا عينيها بالشفقة…
“لدرجادي……حياتك كانت صعبة
بشكل ده….”
شعر بلكمة قوية ازاء سؤالها المشفق الحزين…مما جعله يتكتم عن الكثير…..قائلا بخفوت….
“افطاري بس وبعدين نبقا نتكلم….”
قالت قمر بانزعاج…..
“بلاش تلغوش على السؤال… ورد عليا اي اللي
خلاك تروح تلعب تاني كنت محتاج فلوس…”
هز راسه بنفي وهو يشعر بان القمة تقف في
حلقه…..
“لا كنت محتاج ارتاح واطلع الغلب اللي جوايا…”
قالت بتردد…… “قصدك إيه…..”
نظر لعيناها نظرة توغلت الى اعماقها جعلتها
ترتجف داخليًا بعذاب…بينما قال هو باختصار
غليظ…..
“قصدي انك الغلب اللي مغلبني معاه….”
فغرت قمر شفتيها ولم تتوقعها منه…انها الحقيقة لكنه السبب في وصولهما لهنا….هل نسى ما فعله…
ام ان سكوتها وتقبلها للحياة معه سيجعله يرى
نفسه ضحيتها ؟!!….
ولماذا قبلت بالاستمرار معه بعد كل ما حدث…اي غباء جعلها تظل هنا معه وحتى ان لم تنطق بالقبول بلسانها يكفي عينيها التي تشي بالكثير
مما تتمنى اخفائه عنه…..
“خدي دي مني…….” قالها حمزة بصوتٍ حاني
وهو يمد لها لقمة مغمسة بالجبن….
فقالت قمر بامتناع…… “مش عايزة….”
“عشان خاطري ياقمراية…..”
قرب اللقمه من فمها أكثر وهو ينظر لها بعسليتان جذبتان ساحرتان عاشقة هي لهما بكل جوارحها..
جبارة نظرة عيناه وهمسه الحاني ان قلبها
ينصهر الان بين اضلعها بعذاب….
لم تقدر على المقاومة أكثر فهذا الوسيم متجهم الطباع يثير مشاعرها من أقل شيء يقوم به…
فتحت فمها ببطء وعيناها عليه.. بينما هو لا يحيد عيناه عنها حتى بعد ان بدأت تقضم القمة ببطئ شديد وبعينين ضائعتان في درب عسلي قاتم……
مد حمزة يده الى فمها مبتسمًا وهو يمسح طرف
فمها من الزيت ثم وضع اصبعه في فمه وامتصه اثره بنشوة ثم عاد بعدها للطعام بصمتٍ بينما هي…هي مزالت على وضعها هيمانة العينين
والقلب يحترق صبابة…
…………………………………………………………..
أصعب فترة تعيشها الان هي فترة حملها وتغيرات
جسدها وحالتها النفسية المتقلبة….
ورغم ان الأمر مرهق وكل مرحلة في الحمل تاخذ
من جهدها وصبرها.. إلا انها تشعر بانها تتغير للأفضل
وكانها تنضج مع هذا الصغير كلما زاد في عمره
يومًا يزداد إتساع فكرها وعقلها استيعابٍ للقادم
والذي يجب ان تؤهل له بمشاعر الأم ونضجها..
يحتاج هذا الصغير للكثير ووالده يحتاج للاكثر وهي
كل ما تحتاجة جزءًا بسيط في يومها لرؤيتهم
راضيين بها كأم وزوجة وربة منزل رائعة لهم….
صفعها الهواء بخفة ورذاذ الماء يداعب وجهها..فوقع
طرف من الحجاب عن كتفها فاعادته بسرعة على كتفها في تلك اللفه العصرية التي تناسبها وتزيد
وجهها بهاءًا وحشمة…..
“قولتلك مية مرة غيري لفة الطرحة دي..فيها ايه
لم تطوليها وتداري صدرك……”
قالها سلطان بغلاظة وهو يسير معها على (كورنيش الاسكندرية) على البحر مباشرةً عند الغروب…
فاخيرًا عطف عليها ووافق على مرافقتها و السير معها على البحر بعد ان رأى ان حالتها النفسية
تسوء من الجلوس في البيت طوال الوقت…
والان يفتعل المشاكل كاي زوج شرقي أصيل خرج
من البيت رغم انفه فيريد ان يعكر صفو زوجته ويجعلها تلعن الحياة كارهه نفسها قبل الجميع..
انها خطه في منتهى الذكاء لكنها لن تفلح معها فهي على كامل الاستعداد لابتلاع الحصى الذي يخرج
من فمه عوضًا عن العودة للبيت والجلوس به….
انها كادت ان تجن بين الحيطان وكأنها في سجن مشدد وممنوع الحركة والا ستكون العواقب
وخيمة…
هذا الصغير قيدها بالحديد ومزال…مزالا لم يلتقيا
بعد.. ما بينهما الان حديث وشعور متبادل ام اللقاء الفعلي فلم يحدث بعد…..
نظرت الى زوجها بطرف عيناها ثم برمت شفتيها
قائلة بعناد…..
“اللفه دي اللي لايقه عليا ومخليه شكلي حلو…
وبعدين اللفه اللي بتكلم عنها دي انتهت من ايام
امي وامك….”
قال سلطان بغلاظة..
“كمان لفة الطرحه بقيتوا بتخترعوا فيها….”
قالت داليدا وهي تشير على النساء من
حولها…
“ما تفكك بقا ياسلطان انت مش شايف الناس…
التجديد مطلوب… ”
نظر لها بملامح واجمة غير متجاوبة…
“واحنا مالنا ومال الناس انتي هتتحاسبي بحساب غيرك….”
زمت شفتيها بضيق…
“اوف بقا مش هنخلص…داخلنا في الحلال
والحرام…وشوية وهتقلبها خطبة الجمعة….”
اكتفى سلطان بالصمت بينما قالت هي
باقتضاب…
“انت عايز تنكد عليا صح بدور على اي حاجة عشان
تقفلي اليوم…..جيباك غصب عنك صح….”
لم يرد عليها بل شد اطراف الحجاب الى الامام
قليلا بغيرة…..فقالت بجزع…..
“والله الفستان واسع…بطل غيره بقا….وفك شوية..”
جلسا على السور الحجري معًا…..فسالته داليدا
وهي تنظر الى البحر بسعادة…..
“اي رايك في البحر….”
رد باسلوب جلف…..
“كأني أول مرة اشوفه يعني…مانا عارفه وحفظه
البحر والمكان كله….”
قالت داليدا بظفر مغوي…
“ايوا بس معايا انا حاجة تانية…..”
رد سلطان بغلاظة…
“لا والله انا شايف ان هو هو مفيش جديد….”
برمت داليدا شفتيها وهي تصيح في
وجهه بغضب…
“انت حلوف كدا ياسلطن….”
رد باسلوب بارد….
“جعان ومكلتش…وتعبان وعايز أنام….”
على صوت تنفسها بتشنج وهي ترمقه شزرًا…
“مش بقولك عايز تنكد عليا….عمتًا انا مطبختش النهاردة عشان تعبانه شوية….”
قال سلطان بقنوط……
“انتي من قبل الحمل وانتي مش بتطبخي اصلا..
غير مكرونة ما تتكلش… ”
اثار حفيظتها اكثر فقالت
بدفاع…
“الله هو انت ناسي البطة….”
رمقها بسأم وهو يقول بمعايرة…..
“يااااه دي الحاجه الوحيدة اللي عملتيها من ساعة
ما تجوزتك….هي والبسبوسة اللي ترميها في الحيطة
تتردلك تاني….”
فغرت داليدا شفتيها….
“انت جاي تعايرني قدام البحر….”
استهان سلطان وهو يقول بنظرة لئيمه…..
“ومالوا البحر…..مش عايزة تخرجي وتنبسطي
اديني ببسطك…..”
قالت داليدا بوعيد شرس…..
“على فكرة انا ممكن كمان انكد عليك لما تروح
وابات في اوضة الاطفال زي الأول…”
تراجع سلطان عن مضايقتها
قائلًا…
“لا وعلى إيه الطيب أحسن…..”
رمقته داليدا بنظرة مسيطرة متشفية به…فلم
تعجبه نظراتها لذا قال بغلاظة مناكف إياها
بتسلية….
“بس اي الواحشة دي مناخيرك كبرت أوي….
انتي الحمل في مناخيرك ولا إيه…..”
جزت على اسنانها بغيظ وهي تكاد تخرج نارًا
من انفها بعد تعليقه الجارح على شكلها…
فرفعت انفها بكبرياء…..
“انا مش هرد عليك انا جاية انبسط واشم هوا نضيف……”
تقدمت منهما بائعة صغيرة تبيع الورد في
باقات صغيرة وجميلة….قالت البائعة وهي
تقف بجوارهما…
“ورد يابية….وردة للمدام ربنا يخلهالك….”
لمعة عينا داليدا بالفرح..بينما سأل سلطان
بخشونة…
“آلورد ده بيتاكل ؟!…..”
على التعجب وجه البائعة…بينما احتقن وجه داليدا
بالغضب…..فقالت البائعة متوجسة منه…..
“لا يابيه….دا ورد أحمر بلدي…..”
اكفهر وجه سلطان وهو ينظر الى داليدا
بطرف عيناه….
“وطالما مش بيتاكل عايزاني اشتريه ليه…اي
الفايدة منه هشمه شمتين وارميه….”
قالت البائعة بالحاح….
“يعني المدام مش عايزة ورد…..”
“مش عايزة شكرًا….”قالتها داليدا بتشنج…
ثم ابتعدت عنه ناهضة من مكانها ووقفت بعيدًا
عنه نسبيًا توليه ظهرها…..ووجهها للبحر تنظر
اليه بحزن والغضب يظلل عينيها السوداء…..
زم سلطان شفتيه وهو يشعر بانه ازعجها اكثر من اللازم وكان المزاح سخيف وغير مقبول…
كانت تتقبل في السابق لكن الحمل جعلها حساسة
اكثر من اللازم في اغلب الأوقات ولا تشاركه المزاح
كما كانت تفعل سابقًا……
وكانها تغير سجيتها مع كل يوم يمر عليها كأم تحمل بين احشاؤها نبته منه ومنها….
عادت عينا سلطان الى البائعة الصغيرة ثم قال
وهو ينظر لباقات الورد الجميلة بين يداها….
“هاتي الورد اللي معاكي كله.. بكام….”
دفع المبلغ وأخذ باقات الورد الحمراء الجميلة
ثم راى من بعيد طفلا صغير يمسك بلونة شفافة
تشع بألوان مضيئة تشبه المفرقعات النارية عندما
تنفجر في السماء القاتمة…
الوان ممزوجة بشكلا مبهر مبهج للعين…..ابتسم سلطان وهو يوقف الصغير ويساله بلطف….
“جبت البلونات دي منين ياشاطر…..”
أشار له الصغير على البائع وهو ينظر له ببراءة…
اتجه سلطان الى البائع واشترى منه خمسة بلونات مضيئة واتجه بهم اليها مع باقات آلورد الصغيرة
مسحت دمعة فارة من عينيها وهي تزم شفتيها
بقوة حتى لا تنفجر في البكاء…..
فوجدت من يمد يده لها بباقات صغيرة من الورد الأحمر…عقدت حاجبيها وهي تنظر اليه بحنق بالغ
لتجد البلونات المضئة في اليد الأخرى تسر العين
بألوانها الزاهية….
ضحكت ببراءة طفلة وهي تساله
برقة…”دول عشاني….”
رد بفظاظة….. “امال عشاني….”
رمقته داليدا شزرًا فابتسم سلطان وهو يحتوي
كتفها يراضيها وهو يهزها بخشونة…
“جرالك اي دودا من امتى وانتي بتزعلي من هزاري……”
لوت شفتيها مستهجنة…..
“مش بحب هزار البوابين ده…راعي اني حامل…”
اوما سلطان براسه بأسلوب مهذب لطيف
على غير العادة….
“حقك عليا ياحبيبتي….مكنتش اقصد
اضايقك…اي رأيك….”
اشار على الاشياء الجميلة المفرحة التي جلبها لها
فقالت بابتسامة صافية….
“حلوين أوي….الورد والبلونات تجنن….كنت
بشتريهم وانا صغيرة….”
قال بملاطفة….
“على أساس انك كبرتي يعني…ما انتي لسه
صغيرة….”
ضاقت عيناها باستنكار….
“مانا كنت وحشة ومناخيري كبيرة…”
مسك سلطان انفها بطرف اصابعه قائلا
بغزل….
“مناخيرك…. دا مفيش حاجة جيباني ومودياني
غير مناخيرك المسمسمة دي….”
ضربت كف يده ومالت بوجهها للبحر ناظرة
اليه بضجر…. “طب والبحر…..”
رد بقلة صبر مبتسمًا….. “حلو اوي معاكي….”
لوت فمها متبرمة….
“وبنسبة انك جعان وعايز تنام….”
رد وهو ياسرها بنظرة تشع بالكثير من المشاعر
العنيفة الوقحة….
“لما شوفتك شبعت…وانا اعرف ان للسهر عشر فوايد…..محدش يعرفهم غير السهيرة اللي زي
حالاتي….”
حركت راسها مستنكرة….
“على اساس انك بتسهر يعني….تمام سامحتك مع اني كنت حالفة انام في اوضة الاطفال…”
أوغر صدره بالغيظ معقبًا….
“يادي اوضة الاطفال اللي هلغيها لأجلك….”
صمتا فجأة وهما يبتسما ونظرة اعينهما معلقة بالبحر
الثائر بأمواج متضاربة مجنونة……ينسدل عليه شعاع
الغروب المتوهج بحمرة خلابة بينما هواء البحر المنعش و رذاذ الماء يضرب وجهيهما برقة مشاركهما
روعة المشهد بتفاصيل رائعة….
قالت داليدا بعد فترة بنبرة
متدلله…
“انت بتحبني ياسلطان….”
رد بجدية رغم حرارة صوته….. “بموت فيكي….”
“مش باين…” انكمشت ملامح وجهها بضجر
متابعة باقتضاب…
“أصل انت لو كنت بتحبني بجد..كنت جبت مع الحاجات دي سندوتش شورما بيتز بالسي فود…..واحد همبرجر….يعني عشان اسامحك
من قلبي بجد….”
جفل سلطان ينظر اليها بدهشة وحاجبه بدا يرتفع
بغضب واستهجان….
بلعت داليدا ريقها وهي ترمق تحوله الجذري
عليها بعد جملتها فقالت بوداعة وهي تهز
كتفها…
“الهدايا حلو وكل حاجة…بس الأكل شيء
اساسي مينفعش يتنسى….وبصراحة الواقفة
قصاد البحر بتجوع….. ”
ارجع سلطان راسه ناظرًا اليها بقوة ثاقبة
تتوغل الى اعماقها…..
“بيجوع ؟!!….انا كنت حاسس من الأول..
ماهو مش معقول الحمل هيغيرك مية
وتمانين درجة….هاتي كده…. ”
اخذ منها البلونات المضيئة وباقات آلورد
فقالت داليدا بريبة…..
“انت مودي الحاجات دي فين….”
رد سلطان بإيجاز مختصر المسافات….
“هرجعهم واجيب طبقين كشري نضربهم ونروح..”
ابتعد عنها فنادت عليه بتذمر….
“استنى ياسلطن طب هات وردة طب..
بلونه واحده حتى…”
عندما لم يعرها اهتمام قالت بصوتٍ أعلى…
“سلطن خلي يزود الدقة وطبق عائلي ها…عشان هفتانه أوي…”
ثم تحسست بطنها هامسة بتذمر…
“ماهو الورد برضو مش مغذي..وانا حامل
ومحتاجة غذى…..”
…………………………………………………….
دلف الى الشقة واضاء الأنوار ثم خطى على الأرض المصقولة بحذائه الأسود الامع حتى وصل الى أحد الغرف المغلقة…فتح الباب بالمفتاح وولج الى
الداخل
فوجده كما تركه أمس نائم ارضًا ورائحة الخمر
مزالت تفوح منه….
خرج الى الحمام ثم عاد اليه وفي لحظة خاطفة
أنزل دلوٍ من الماء البارد فوق راسه…
انتفض يزن صارخ باستغاثه…..يمسح على عينيه
لكي يرى من الذي تجرأ على ايقاظه هكذا…
“اااااااي دا…في اااااايه…”
ارتعد يزن للخلف بخوف عندما وجد عاصم امامه مباشرةً جالسًا على المقعد يضع ساق فوق الآخر
يرمقه بنظرة سوداوية عنيفة….
ازدرد يزن ريقه وهو ينظر اليه بتردد والذاكرة
تنشط الذهن بما حدث أمس خصوصًا بعد ان
حمله عاصم ووضعه في حقيبة السيارة
ككيس قمامة عفن الرائحة…..
زفر عاصم نفسًا حاد كاد يقتلع معه ازرار قميصه
وقد بد الانفعال واضح على وجهه حين قال بقتامة……
“هسألك سؤال وترد عليا بأجابة واحده من غير
لف ودوران……”
تبادل يزن معه النظرات بصمت مهيب كان جسده
ينتفض برهبة…فمنظر عاصم الان أوحي بالجحيم
الذي ينتظره بترحاب !!…
“اللي قولته وانت سكران…ونقطة الخمرة
والشرب هتتحاسب عليها بس مش دلوقتي…
المهم انت فاكر انت قولت إيه لمراتي إمبارح
ولا ناسي ؟!!….”
التزم يزن الصمت بملامح مرتاعة….فصاح عاصم
بوحشية….
“فاكر قولت إيه لمرات أخوك ولا ناسي… انطق…”
انفعل يزن معه….
“فااااااكر…..فاااكر كل حاجة…..”
رفع عاصم حاجبه بسخط….
“يابجاحتك…. وهي من الرجولة يابن عمي تبص لمراتي….اللي هي المفروض اختك الكبيرة…”
اخفض يزن جفنيه بحرج وبدأت بوادر الندم
تعرف طريقها الى وجهه….بينما هدر عاصم
بعنف..
“رد…. انا لحد دلوقتي بكلمك راجل لراجل…مع
ان عملتك السودة دي ميعملهاش راجل بجد..
من عيلة الصاوي….”
تضخم صدر يزن بالغضب….فانحنى عاصم عليه
يمسك ياقة قميصه يسحبه اليه بقوة جعلت
جسد الولد رخوٍ بين قبضتاه الفولاذية….
“ليه يايزن….. ليه انطق….”
نزلت دموع يزن وهو يبكي كطفلا أذنب
في حق والده…
“معرفش غصب عني اتشديت ليها من اول يوم شوفتها فيه…. في المستشفى بتزورك…”
نزع عاصم يده عنه بنفور مستمع لحديث قادر
على احراق العالم باكمله ان انفجر غضبه….
تابع يزن بنشيج وهو يبكي بحرج…
“معرفش اي اللي حصل بقيت بفكر فيها..وبفرح لما بشوفها كانت شغلاني بنظرة عنيها ليا…اسلوبها كان
غريب ساعات بحس انها بتتعامل معايا عادي وساعات بحس انها مش طيقاني…شغلتني وبقيت
بحاول اقرب منها باي طريقة….”
ساله عاصم بصعوبة….
“وهي…..كان اي رد فعلها ؟!!..”
اجابه يزن وهو يشيح بوجهه عنه…
“مكانتش طيقاني…بتهرب مني وكاني جربه…
ولما سالتها ليها بتعاملني كده….شوفت في عنيها
نظرة عطف…..وتوهت الحوار باسلوب حلو عشان
متزعلنيش…..شكلي صعبت عليها وقتها…”
لوى يزن شفتيه بسخرية…فهو يعلم انه انجذب
لها وأحبها من طرف واحد….وبمنتهى الحقارة
كان يحاول لفت انتباها له….متغافل عن انها
زوجة ابن عمه…اخيه الكبير كما كانا سابقًا
قبل ان ينهار كل شيءٍ بينهم…
“انت عارف انك كده خونتني…..”قالها عاصم
بصوتٍ واهٍ مرير….مضيفًا بتقزز….
“من قلة الستات جاي تحب في مرات أخوك…
انت صنف ملتك إيه…”
صاح يزن مدافعًا عن نفسه….
“مش بايدي قولتلك…غصب عني….كان غصب
عني…..انا عمري ما كرهتك ولا شوفتك عدوي
غير لما دخلت هي بينا….”
صاح عاصم بصوتٍ جهوري….
“هي مدخلتش بينا….دي مراتي…مراتي ياغبي
مش واحده من الشارع…..”
تحدث عاصم بصعوبة يرفع من شأنها رغم
وجعه منها…..
“مراتي اللي صانت اسمي وشرفي… وابن عمي واخويا كان ناوي يوسخه بايديه….مراتي اللي مفكرتش تخوني ولو بمشاعرها بس ابن عمي
كان بيحلم بيها….من غير ما يحس ان انتهك
حرمة غيره….”
ثم تابع عاصم بخفوت…..
“دا النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه…)
ارتعش جسد يزن تأثرًا وخوفًا….بينما وهجت
النيران في مقلتا عاصم بوعيد أسود….
“انت بقا المفروض بعد عملتك السودة دي
ووسختك اعمل فيك إيه… اقتلك….ولا اعيد
ربايتك من أول وجديد؟!….”
هتف يزن بتردد….
“أعمل اللي انت شايفه…انا استأهل اكتر من كده..”
رفع عاصم حاجبه بتشكيك خشن….
“ندمان ولا دا شغل صعبنيات عشان اخرجك من هنا…”
صاح يزن بعنفوان…..
“انا كده كدا هخرج…مش هفضل محبوس هنا…”
هز عاصم راسه ببرود قائلا…..
“لا هتفصل محبوس…اصلا انا استبعدت فكرت القتل
والدم….عشان موديش نفسي في داهيه بسبب عيل
خايب ومترباش زيك….”
ثم استقام يلقي الحكم…..
“فقررت أعيد ربايتك من اول وجديد….”
انتفض يزن ناهضًا من مكانه ليقف أمامه
برفض قاطع…
“انت بتقول إيه….انا مش هفضل محبوس
هنا….انا هخرج دلوقتي انت هتعملي فيها أخويا الكبير…..انت حياله ابن عمي….”
تقدم يزن خطوتين يحاول تجاوزه للخروج فدفعه
عاصم في صدره بقوة حتى وقع ارضًا امامه…
“قولتلك قعد……”
ثم تابع عاصم بعينين تقدحان شررًا….
“انا لو كنت شايفك بس ابن عمي كنت دفنتك تحت رجلي ولا خدت وديت معاك زي البنادمين…هتقعد
هنا زي الكلب لحد ما اشوف هربيك إزاي…ياعديم
الرباية والرجولة…..”
التزم يزن الصمت بوجهٍ محتقن….فساله
عاصم بصرامة….
“من امتى وانت بتشرب القرف ده….انطق…”
اجابها يزن برد لاذع متمرد…..
“من شهر…..وملكش دعوة اشرب اللي عايزة انت مش ولي أمري….”
ساله عاصم….
“وامتى بقا اخر مرة صليت فيها…..”
احمر وجه يزن بحرج وتهرب من السؤال…
صائحًا….
“اي الأسئلة دي انت شايفني عيل صغير…سبني
أروح بقولك… ”
حاول يزن النهوض لكن عاصم وضع يده
على كتفه يمنع تحركه…..
“اقعد مكانك….مفيش مرواح…..”
ثم ابعد يده عنه وبدا يحل الحزام الجلدي
الملتف حول خصره….
فساله يزن بارتياع….
“انت بتفك الحزام ليه هتضربني ؟!!…”
اوما عاصم برأسه قائلا بصوتٍ مسنن حاد…
“لازم اصفي حساباتي معاك الأول….قبل ما اعيد ربايتك…..”
هتف يزن برعونة…..
“انت جرا لمخك حاجة…اقسم بالله لو الحزام ده اترفع عليا…انا مش هسمي عليك….”
خلع عاصم السترة والقاها على ظهر المقعد ثم
ثنى الحزام بين يده قائلا بملامح شرسة……
“أعمل اللي انت عايزة حقك….انا مش ربطك
انا سايبك براحتك خالص عشان تعرف تدافع
عن نفسك….”
بعد لحظات….
اغلق عاصم الباب خلفه بالمفتاح ثم إرجع شعره للخلف بوجهٍ متعرق أحمر كالدماء القى الحزام
جانبًا ثم فتح أول أزرار قميصه باختناق……
جلس على أقرب مقعد في تلك الشقة المؤجرة…
ثم شرد بعينيه القاتمة مفكر في العقاب الانسب
لهذا الشاب العاصي عقاب يعيد إصلاحه ومعه
يعود أفضل من السابق….
لمعة الفكرة في عيناه وهو لا يرى إلا مكانًا واحد
كفيل بالمعالجة واحداث تغييرًا جذريًا له….شارع الصاوي….ومحلات الصاغة !!….
علت ملامح عاصم المتجهمة بسمة استحسان للفكرة..فمن الان وصاعدًا سيكون يزن شغله الشاغل….حتى يستعيده ويخلصه من هذا
الوهم……
………………………………………………………….
اطرق على الباب ثم دلف اليها بعد ان علم من الممرضة انها مستيقظة وسألت عليه عندما لم
تجده بجوارها….
رفع عيناه عليها فأبصرها تجلس على فراش المشفى بملامح مستكينة ذابلة بتعب…
تألم قلبه لرؤيتها بهذا الوضع فلو بيده لكان
اهداها بدل الطفلة ألف حتى تمحو الحزن والهزيمة من عسليتاها المنطفئ بريقهما منذ ان فقدت طفلتها….سيدة الحُسن الصغير…..
وكانها أبت ان تعيش قصة مشابهة لأمها خشت
ان تربط علاقة زوجية حُكم عليها بالفشل…خشت
ان تكون في المنتصف كيس ملاكمة لكلاهما
فرحلت بسلام تاركه لهما العداء والحروب
الشعواء !!….
اقترب عاصم منها قائلا
بهدوء…..
“صباح الخير….”
اكتفت شهد برمشت بسيطه من عيناها…ونظراتها
خالية من الحياة كشخصٍ فارغ جدًا من الداخل
فراغ موحشٍ…..
وضع عاصم أكياس الطعام التي احضرها اليها
على الطاولة ثم سالها بهدوء….
“فطارتي؟….”
اجابت بوهن مختصر….
“مليش نفس….”
“لازم تاكلي…عشان العلاج اللي بتاخديه….”قالها
عاصم وهو يخرج لها شطيرة شهية… وقدمها
لها…..
“خدي السندوتش ده….”
نظرت اليه ثم للشطيرة ثم صرخت بهجوم
مبالغ فيه…..
“مش عايزة…..مش عايزة سبني في حالي….”
جز عاصم على اسنانه محاول تمالك اعصابه
وهو ينظر لها بحزم….
“لا اله إلا الله…للصبر حدود يابنت الناس…وطي صوتك واتكلمي بأدب….انا لحد دلوقتي مقدر اللي احنا فيه…”
لوت شهد شفتيها بسخرية مريرة….
“اللي احنا فيه ؟!!…..انت مش في دماغك اصلا اللي حصل وكانك ما صدقت….عشان ميبقاش في حاجة
تربطك بيا….”
تافف عاصم وهو يوليها ظهره قابض قبضة يده
بجواره مخفي انفعاله وغضبه عليها….فبعد كل
ما حدث مازالت تبرع في دور الضحية ؟!!….
سالت دموع شهد وهي تتابع بحرقة ويدها
على بطنها الخاوية….
“انت اللي سقطني….انت اللي قتلت بنتي.
وقهرتني..انا مش مسمحاك ياعاصم…عمري
ما هسامحك.. ”
أدار عاصم راسه اليها مجيبًا ببرود قاصد التغافل
عن انهيار قلبه معها…..
“وانا مش عايزك تسامحيني….ولا هطلب ده منك…
لاني مغلطش…محدش هنا غلطان غيرك..وكل اللي بيحصل ده عقاب ربنا ليكي…إزاي عايزة تكوني ام
وانتي بسواد ده…..”
ثم ضاقت عيناه بقسوة وهو يخبرها بنبرة
متبلدة…..
“انتي مفكره ان انا هنا عشانك مثلا…ابدًا انا هنا عشان لازم أكون موجود معاكي في ظرف زي ده
على الأقل قدام الناس…بس بعد ما تخرجي من المستشفى هنمشي في إجراءات الطلاق وحقوقك كلها هتاخديها بما يرضي الله وبالاصول…وبعدها
كل واحد يروح لحاله يابنت الناس….وكفاية لحد كده….”
امتقع وجهها بعنفوان……
“انت مفكر ان كلامك ده بقا هيكسرني…وهيفرق
معايا….”
ابتلع عاصم غصة مسننه بحلقه وهو يومأ براسه
بوجوم…..
“انا عارف كويس ان كلامي لا هيكسرك ولا هيفرق
معاكي لان انا اصلا من الاول مكنتش فارق
معاكي…. سهلة ياشـهـد….”
تبادلت معه النظرات بلحن معذب شاعره بثقل شديد فوق صدرها مما جعلها تميل بوجهها بعيدًا عنه….
فاقترب عاصم منها يمد يده لها بالشطيرة
مصرًا على اطعمها…..
“خدي كُلي عشان العلاج….”
كتفت ذراعيها امام صدرها برفضًا
قاطع…
“قولتلك مش عايزة….”
جلس عاصم على حافة الفراس بالقرب منها
مزمجر بأمر قاطع…..
“هتاكلي ياشـهد….حتى لو اضطريت أأكلك
بالعافية…بقالك يومين مكلتيش حاجة اي
ناويه تنتحري..”
اجابته بنبرة بائسة….
“أيوا…عندك مانع….اهو أموت واريح الكل مني..”
عقب بخشونة مستفسرًا…..
“الكل ؟!!….انتي تاعبه ناس كتير اوي كده غيري…
افتكرت ان انا لوحدي معاكي….”
قرب الشطيرة من فمها عنوة عنها قائلا
بأمر متسلط…..
“يلا كُلي افتحي بؤك…….”
رفعت عسليتاها اليه فبادلها النظرة عن قرب…القرب
المعذب لكلاهما…..
كانت خطوط الحزن والوجع مرسومه بالخط العريض على وجهه وعيناه….بارزة كندبة عميقة تلقاها بغته على يد أكثر مخلوقة أحبها ورأى معها ان الموت أهون من نسيانها..
سالت الدموع بغزارة من مقلتاها وهي تشعر بالخزي
من نفسها بعد ما جناهُ ركضها خلف الماضي….
“كفاية عِند وعياط…..اهدي شوية…..”
مد عاصم يده يمسح وجنتيها من الدموع متحسس قسمات وجهها بابهامه بشرود…وعيناه تتعمق بالنظر اليها بقلب مدلة بحبها…..
اغمضت شهد عينيها بضعف وحزن وهي تضع
يدها على كف يده وتريح خدها عليه بنعومة
هامسة بتوسل باكٍ…
“بلاش تسبني ياعاصم…..انا مقدرش اعيش
من غيرك…..”
خفق قلبه بعذاب وهو يضعف أمامها تارك مشاعره
تهفو اليها بلوعة…..أراد ان يضمها الى صدره بقوة كي يخمد نيران قلبه ويرتاح من العذاب…لكنه توقف
ونزع يده عنها كمن مسه ماس كهربائي…
وقف عاصم فجأه قائلا بصلابة….
“كملي أكلك ياشـهـد….”
انسحب فجأه الدفء من بين أوردتها وحل الصقيع
مجمد اطرافها….فنظرت اليه بصدمة مطعونة في كرامتها مصدومة من تذللها اليه بهذا الشكل وكانها
تلبستها فجأة روح امها الخانعة لأجل الحب مهم
قدم لها من مذلة واهانه…خانعة له !!…
هل كانت تترجاه منذ دقيقة بألا يتركها وحيدة
فهي لا تقدر على العيش بدونه….
هل حقًا يصعب العيش بدون الحُب كما يصور
لها قلبها الأمر بانها نهاية العالم ؟!!….
اطرقت براسها بصمتٍ وحرج من نفسها بل وبدأت
تاكل بصعوبة وبشهية مفقودة حتى تتهرب من
عيناه ومن نفسها…..
اما عاصم فاكتفى بالصمت منسحب الى الشرفة ليدخن السجائر….مفكرًا… مفكرًا بعمق في قرار
الانفصال…فهو لا يقدر على البعد اكثر منها…لكن
كرامته تزأر في أحد الزوايا…وعقله يشكك في
حبها !…
……………………………………………………..
ضمتها قمر بحنان الى صدرها مربته على كتفها
وهي تقول بمواساة….
“ربنا يعوض عليكي ياحبيبتي…متزعليش
نفسك….ربنا يجعلها شفيعة ليكم يوم الايام
وتاخد باديكم للجنة….”
قالت نصرة بتعاطف وهي قعيدة على مقعدها
المتحرك بجوار فراش شهد….
“الحمدلله على كل شيء….قدر الله ما شاء
فعل…..شهد مؤمنة وصبورة وهتعدي المحنة
دي وهتخرج منها احسن من الاول… ”
هتف حمزة الواقف خلف زوجته ينظر الى
اخته بعطف…
“ان شاء الله…..المهم انها كويسة… دي عندي
بالدنيا…. بس انا ليا عتاب عليكي….”
ثم استرسل مؤنبًا اخته…..
“بقالك يومين هنا… وجايه تبلغيني دلوقتي..
وكاننا غرب عنك… لو انا مش معاكي في ظرف
زي ده… مين هيبقا معاكي وجمبك…”
اسبلت شهد جفنيها بحرج مبررة..
“محبتش اخضكم عليا…خصوصا ان انا كنت
هنا قرب الفجر….”
انكمشت ملامح حمزة مستنكرًا….
“انتي بتقولي اي ياشهد انت وعيه للكلام اللي
بتقوليه يعني اي قرب الفجر….بقالك يومين
في المستشفى…وبتقوليلي محبتش اخضكم
عليا…. هو احنا غرب يابنتي…..دا انا اخوكي
ومراتي بنت عمتك….يعني لو احنا اللي مكناش معاكي في ظرف زي ده….مين هيبقا معاكي
وجمبك…. ”
اكدت قمر بابتسامة حزينة….
“والله احنا قلبنا وقع في رجلينا أول ما عرفنا…دا
بصدفة كده حمزة بيرن عليكي رد عاصم وبلغه
باللي حصل….”
تدخلت نصرة بملاطفة…..
“حصل خير ياولاد الحمدلله انها بقت احسن..
ربنا يخليكم لبعض ويبارك فيكم…وبعدين عاصم
كان جمبها مسبهاش لحظة واحده مش كده ياشهد..”
هزت شهد راسها بملامح شاحبة حزينة…
“اكيد لولا عاصم كان زمانكم بتترحموا عليا…”
هتفت قمر بلوعة…..
“بعد الشر عليكي ياحبيبتي الحمدلله انك بخير…”
اكتفت شهد بابتسامة صغيرة وهي تنظر
الى نصرة بلهفة…..
“هو فين عاصم ياماما….”
اخبرتها نصرة بهدوء….
“في الحسابات تحت…..بيخلص الاجراءات عشان
هتخرجي بكرة ان شاء الله…..”
هزت راسها بفتور…… “ان شاء الله…”
أراد حمزة تلطيف الجو فقال بزهوٍ مرح
“متزعليش نفسك ياشوشه.. محدش عارف
الخير فين.. تعرفي انا حاسس انك قريب اوي
ربنا هيعوضك بدستة عيال اشقيه وحلوين كده
زي خالهم وبيحبوا الكورة….وهيبقوا كلهم زملكاوية
طبعًا المشروطه محطوطه….”
لوت قمر شفتيها هازئة معقبة….
“يسلام وافرض حد فيهم بقا طلع اهلاوي..اصل الاهلاوية دول بيبقوا بالفطرة…مش زيكم نقاوة…”
ضاقت عينا حمزة بصدمة وهو يقول…
“انا كُنت من الأول شاكك فيكي…وحاسس ان
الغل ده مش طبيعي….انتي تبع انهو نادي
بظبط واياكي تقولي مليش في الكورة…”
ابتسمت شهد عنوة عنها وهي مستمتعه برؤيتهما
يتجادلا بشقاوة…..حتى الجدة نصرة كانت تتابع
المناوشة بوجهٍ بشوش….
أكدت قمر وهي تكبح ضحكتها….
“انا فعلا مليش في الكورة بس انا ممكن ابقا
اهلاوية لو حابب….”
تافف حمزة وهو يوضح الامر كمن يحاكي
طفلة عنيدة…..
“هو انتي ماشية معايا بالعكس…انا بشجع نادي
إيه دلوقتي…الزمالك يبقي انتي المفروض
تبقي ايه ؟….”
نظرت قمر اليه بوداعة مهذبة ثم اجابت….
“بسم الله الرحمن الرحيم…. الاجابة اهلاوية…”
فغر حمزة شفتيه بصدمة
“نعم…..إزاي يعني ؟!!….”
وضعت شهد يدها على بطنها بتعب وهي
تضحك.. “كفاية بقا بطني وجعتني…..”
إبتسمت نصرة قائلة بمحبة…..
“طب والله عرسان زي العسل…حلوه المناغشة اللي
بينكم دي…. خليكم كده دايما ياولاد خدوا الحياة ببساطه…ربنا يسعدكم….”
نظرا لبعضهما بصمتٍ والابتسامات تقابل بعضها خلسة…..
اقتحم الجلسة الصافية الهادئة شخصٍ ما فتح
الباب دون اخذ الأذن….
وقعت شهد عيناها على الزائرتان اللتانِ دخلا
عليها بهيئة متكلفة يوزعن النظرات عليها وعلى
المتواجدين بالغرفة بمنتهى التكبر والتشفي..
احتدت نظرات شهد وتلبسها شيطان الغضب
وهي تراهن يدخلن إليها بخطواتٍ مائعة
دون دعوة مسبقة….
تبادل حمزة وقمر النظرات بصمت وصبر منتظرين الخطوة القادمة منهن…..
رحبت بهما نصرة بفتور فهي ايضا لم تستحسن
رؤيتهن هنا….في هذا الوضع الحساس….
“أهلا يالهام ادخلي يارفيدة يابنتي…انتوا جايين
تزوره شهد؟….”
قالت الهام بنظرة ونبرة متعجرفة…..
“مش بظبط…كُنا بنزور ناس صاحبنا..وعرفنا ان
شهد هنا بالصدفة…اي اللي حصل صحيح….”
لوت قمر شفتيها بسخرية….
“وانتوا بقا مسألتوش قبل ما تدخلوا…غريبة…”
قالت رفيدة بتعالٍ…..
“إلهام لسه قايلة ان احنا عرفنا بالصدفة…وبعدين
انتي مين….”
زمت قمر فمها مغتاظة من نظرات تلك الشقراء
ثم اجابتها ببرود…. “قمر ياعنيا…..بنت عمتها… ”
“باين انك بنت عمتها….والي وراكي….”بطرف عيناها نظرت رفيدة الى حمزة الذي اجاب بغلاظة….
“اخوها…انتي بقا داخله تزوريها ولا تشوفي بطايقنا….”
اربد وجه رفيدة بالحرج واكتفت بالصمت بينما
قالت الهام بنبرة خبيثة….
“اي اللي حصل بظبط ياماما…طمنيني….”
اجابت نصرة على مضض…
“جالها نزيف حاد….وحصلها اجهاض…ربنا يعوض
عليها….ويصبرهم….”
كبحت الهام ابتسامة متشفية راها الجميع
بوضوح خصوصًا شهد التي حاولت الضغط على
نفسها والتزام الصمت حتى لا تنفجر فيهن….
تاوهت إلهام بحزن مدعية التأثر ببراعة…
“تؤ تؤ تؤ…وجعتي قلبي اوي ياماما دا زمان عاصم زعلان اوي من اللي حصل…ماهو مش أول مرة تحصل معاه….رفيدة حصلها اجهاض برضو قبل
كده وخسروا ابنهم….فاكرة يارافي… ”
تابعت رفيدة معها على نفس النغمة…
“وقتها رغم زعله من اللي حصل…مقدرش يسبني لحظة واحده…وفضل جمبي….”ثم نظرت رفيد
الى شهد بلؤم وقالت بتوله…..
“طول عمره حنين وبيفهم في الاصول….”
تدخلت نصرة بصرامة….
“مش وقت الكلام ده يارفيدة..ياريت نراعي مشاعر
شهد شوية….”
قالت شهد بابتسامه باردة….
“سبيهم ياماما نصرة اهم بيفضفضوا…بدال ما يطقوا…..”
شهقة الهام بذهول….
“اي الاسلوب ده…دا جزاتنا يعني اننا بنفهم في الأصول وجايين نزورك….”
جزرتها شهد بغضب…
“جايين تزروني ولا جايين تشمتوا فيا….”
قالت الهام بنبرة قميئة……
“نشمت فيكي..اي الكلام الغريب ده…شاهده ياماما
خيرًا تعمل شرًا تلقى… ”
صاحت شهد بانفعال….
“انتي يالهام اخر واحده يجي من وراها خير…”
قالت نصرة بقلق….
“اهدي ياشهد يابنتي…الانفعال غلط عليكي…”
نهضت شهد من على الفراش واقتربت
منهن قائلة بقتامة….
“جايين تشمتوا فيا مش كده…..عاملني
فرجة….وقعدين تلقفوني لبعض… ”
نظرت الشقيقتين لبعضهن بتردد فوجه شهد كان
محتقن ينذر بالشر والوعيد….
قالت شهد بنبرة عنيفة خطرة….
“انا بقا هخلي المستشفى كلها تتفرج عليكم… ”
صاحت بنبرة جهورية….. “قمر…”
ابتسمت قمر بانتشاء ووقفت
خلفها….
“في ضهرك يابنت خالي….”
علت ملامح شهد المجهدة ابتسامة واسعة مشرقة فقد تلبستها روحٍ شريرة مثارة بالغضب لن تخمد مراجل غيظها إلا ببطش أحدهم..
“انتي لبسه ايه في رجلك….يابنت عمتي.. ”
كبح حمزة ابتسامته مستمتع بمشاهدة جيشه النسائي يهاجم ويدافع دون تقهقر…..
وضعت قمر يدها في خصرها قائلة
بتسلية….
“حتة جزمة بكعب تجيب أجل اللي هينبطح بيها..”
مطت شهد شفتيها ببراءة….
“لا لا ياقمر…احنا مش عايزين نجيب اجل حد…
مش اخلاقنا….. انا بس عايزة اعلم عليهم خلينا
في شبشب الحمام…مع انه هيتوسخ بس يلا
فداهم…..”
هتف نصرة من خلفها بعدم رضا…
“مينفعش كده ياشهد…. عيب يابنتي…”
قالت قمر بدفاع وضيق….
“وهما مش عيب الكلام. اللي قالوا…جايين لحد هنا
يحرقوا دمها بالكلام….هي في إيه ولا في إيه…”
رفعت رفيدة اصبع التحذير الى قمر وهي
تقف خلف أختها بخوف..
“انتي عارفه لو رفعتي ايدك القذرة دي عليا..انا هاكلك بسناني…”
جحظت عينا قمر بصدمة وهي تشير على
نفسها…
“انا ايدي قذرة…انا يام صورم….دا انا وش
رجلي انضف من وشك يامبقعة….”
هتفت رفيدة بحماقة محاولة اظهار شجاعتها
وهي تحتمي في اختها…
“انتوا معندكوش مراية في بيتكم ولا إيه جتك
القرف…”
زاد اتساع عينا قمر بصدمة وهي تطلق شهقة
سوقية متابع بتقريع…
“قرف لما يقرفك يام اربعة واربعين….ياختي انتي تطولي تبقا في حلوتي وجمالي دا انتي كلك نفخ
وشد ياولية…لو غسلناكي هتصدي مننا يامنيلة…”
هلل حمزة بتشجيع….
“جدعه ياقمراية…اديها مترحمهاش…”
زمت رفيدة شفتيها بامتعاض..
“حقيقي بلدي…و سوفاچ ….”
لوحت قمر بيدها بغيظٍ قائلة…
“شوف ياخويا الوليه وعوجت لسانها تلهيك وترازيك
وتجيب اللي فيها فيك….. اقفي عوج واتكلمي عدل احسلك…. قال بطلوا ده واسمعوا دا…”
ارتعدت الهام للخلف مغمغمة بجدية….
“احنا غلطانين اننا جينا لحد هنا نعمل الواجب…يلا بينا يا رفيدة… ”
التقطت شهد خف الحمام بين يدها وقالت
بعنف….
“على فين العزم… مش لما تاخدوا واجبكم انتوا كمان…”
اتسعت عينا الشقيقتين برهبة….
هجمت شهد على إلهام بشراسة وخف الحمام في يدها تضربها به بكل قوتها مفرغه غضبها واستياؤها عليها….
بينما قمر تمسك ذراع رفيدة باسنانها وبيدها الحُرة
تضرب بخف الحمام الثاني….
تسمرت نصرة مشدوهة مكانها عاجزة عن ايقاف
تلك المهزلة بينما حمزة يتابع الموقف باستمتاع فخور باخته و زوجته بشدة وكانهما سيصلا للقمة بعد هذا الشجار !!….
كانت الهام تحاول البطش بـشهد لكن كلما حاولت تجد قمر فوق راسها تضربها بالخف بعد ان توقع
اختها ارضًا….
كانت شهد تضربها بكل قوتها باعصاب محترقة بالغضب والضغينة تلعنها وتسبها سرًا….محاولة ان تشفي غليلها منها بقدر الوجع والالم الذي سببته لها…..
كانت الهام تصرخ مستغيثه منها محاولة ان تخلص
نفسها من بين يدي هذه المجنونة التي لا رادع
لها….وكانها وصلت لقمة الجنون….
فتح عاصم الباب ودلف اليهم بعد سماع صوت الصراخات النسائية المستغيثة….
انكمشت ملامح وجهه بصدمة وهو يرى هذه المهزلة
وكأنه دلف الى احد الفصول الابتدائية ويحدث
الان تشابك باليد بين الفتيات وبعضهن…
تململ حمزة وهو ينهض بتكاسل من مكانه ثم
اقترب من زوجته يخلص رفيدة من بين يداها….
فرفضت قمر في البداية لكنها عندما رأت عاصم
ابتعدت عن رفيدة ووقفت جوار زوجها كالحمل
الوديع…..وكأنها لم تفعل شيءٍ….
أحاط عاصم خصر شهد ورفعها قليلًا عن الأرض بيعدها ببساطه عن إلهام….
صاحت شهد بتمرد وغيظًا…
“سبني ياعاصم…سبني بقولك….”
زجرها عاصم بغضب وهو يحملها اسفل ذراعه
كالوح خشب….
“اي اللي بتعمليه ده انتي اتجننتي…انت فاكرة نفسك
في الشارع…انتي في مستشفى….احترمي نفسك
شوية….فرجتي علينا الناس… ”
قالت شهد وهي تتأرجح أسفل ذراعه بعنفوان
شرس…..
“مش انا هما اللي عايزين كده…عايزين جنازة ويشبعه فيها لطم….جايين لحد هنا ليه عشان
يحرقوا دمي…..اي اللي جابهم انا مش عايزة
اشوفهم هما السبب في كل اللي انا فيه…هما
السبب…. ”
قالت الهام بحقد وهي تعدل ملابسها المنكمشة
وشعرها المشعث فكان مظهرها مزري بمعنى
الكلمة….
“شايف مراتك عملت فينا اي ياعاصم هي وقريبتها
واخوها….اخوها قعد يتفرج عليهم…”
رفع حمزة حاجبيه بملامح مشدوهة…
“محصلش… دا انا كنت بعمل مكالمة برا ولسه داخل..دانا حتى اتصدمت لما شوفتهم بيضربوا مراتي..”
شهقة رفيدة بتجهم…. “احنا ضربنا مراتك ؟!!…”
اوما حمزة بخشونة مهددًا….
“امال انا… دا انتوا بهدلتوها….هي البلد مفهاش
قانون ولا إيه….انا كده مضطر أعمل محضر
تعدي….”
جزت الهام على اسنانها وهي ترمق الجميع باستحقار… “اما عالم حوش ورمامه بصحيح..”
زجرتها شهد بـ….
“احنا لمامه ياوليه يابنت ال*…..”
كمكم عاصم فمها صارخًا
بصرامة..
“بس كفاية….. اياكي تشتمي…..”
ثم لوح بيده بملامح جافية لهن…
“خدي اختك يامرات عمي وامشوا من هنا….”
هتفت الهام بوعيد مزدري قبل ان ترحل….
“انا مش هسكت عن اللي حصلي ده…سامعين
مش هسكت…يلا بينا يارفيدة… ”
خرجت هي واختها من الغرفة صافعين الباب خلفهما
بقوة…..
تململت شهد بين ذراعي عاصم بغضب…فانزلها
عاصم ارضًا قائلا بعنف يوقف جنونها..
“اهدي بقا وكفاية جنان…. اهدي بقولك….”
على صوت تنفسها بتشنج وهي تقف امامه بوجه
أحمر كالدماء منفعلا…فنظرت اليه بصمتٍ خاضع..
لترى طاقة عنيفة سوداوية مرتسمه على محياه
تراها بوضوح وهو يلاحق ملامحها المربدة بنظراتٍ كالسهام الحادة…..
“لي عملتي كده؟!….”
سالها عاصم وقد تحول النفس في صدره الى آتونٍ
مشتعل يغلي……
اجابته بتبرم….
“استفزتني بالكلام هي واختها….”
أوغر صدره بالغيظ وهو يقول…..
“ويبقا ردك انك تضربيها بالشبشب…وفي المستشفى
إيه متجوز واحده من الشارع….”
صاح حمزة من خلفهما بحمائية…
“ما تحاسب على كلام ياعاصم…اي اللي بتقوله ده”
“استنى انت ياحمزة….”اوقفت شهد اخيها
ثم عادت الى عيناه الصقريتين بحرب شعواء….
” انت متعرفش هما قالولي إيه….”
قال عاصم بنبرة جافية…
“مهما كان ميدكيش الحق انك تتصرفي بطريقة دي…على الاقل إحترام للست الكبيرة اللي قاعده وسطكم بلا حول ولا قوة…. ”
نظر الى الجدة نصرة التي اطرقت براسها بخزي
على مقعدها بعد ما حدث أمامها….
ثم عاد اليها بعينين صقريتين غير متهاونتين
وهو يصفعها بالحديث بقسوةٍ…..
“كل مرة بتثبتي ليا اني كُنت غلط لما اختارتك…”
انفرج فم قمر بصدمة بينما شاع حمزة النظرات
العدائية نحو عاصم يود تمزيقه اربًا بعد رؤية وجه اخته الذي انكمش بوجع وهي تبادل زوجها
النظرات بكسرة نفس….
google-playkhamsatmostaqltradent