Ads by Google X

رواية الحب اولا الفصل الخامس و الثلاثون 35 - بقلم دهب عطي

الصفحة الرئيسية

  رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية الحب اولا الفصل الخامس و الثلاثون 35

 وكأنها تجلس على صفيح ساخن تخفي وجهها بأحد
المجلات تخفي وجهٍ يشتعل بالغيظ والغيرة….
تجلس على احد المقاعد الممتدة امام البحر وهو
أمامها يسبح في البحر برشاقة ولياقة بدنية جذابة
يتمتع بها جعلت بعضٍ من النساء الغربيات يركزوا
معه هامسين لبعضهن سرًا بخبث وبضحكة رقيعة
كانت تظهر عيناها من أعلى حرف المجلة تراقبه
خلسة هو ومن يتغزلنا به….
وكأنه لم يكن هناك وسيم غيرة… لكي يجعلوا
منه نجم الشاطئ…..
جزت على اسنانها بقوة المتها… فمنذ ان عادا من الحفل وهو يبتعد عنها ممتنع عن الحديث معها
ومع ذلك خلال اليومين الذين مراو عليهما في الخصام لم يتوقفا عن الخروج والتنزة في البلدة
الساحلية….
يوم الحفل مرا عليها وكانه أمس…. مزالت تتذكر هجومة على الشاب وضربة له ضربًا مبرح حتى كاد
ان يموت بين يداه لولا تدخل افراد من الأمن
وبعض الرجال الموجودين….
وقد اعتذر الشاب حينها مدعي انه كان مخمور
وانه لم يقصد الإساءة لهما…..فقد ظنها صديقته..
وانتهى الامر وقتها عائدين الى الجناح لتجد رد
الفعل المتوقع قد سحبها من ذراعها بقوة معتصر لحمها وقتها صارخّا بعنف في وجهها ارعبها منه فاغمضت عينيها برهبة تستقبل الطاقة العنيفة
السوداء الذي يلكمها بها الان….
(قولتلك بلاش نروح….عاجبك كل اللي حصل ده…
عشان تبقي تصرفي من دماغك وتكسري كلامي..)
لم تقدر على الرد وقتها فكان محق..محق لدرجة ان لسانها شل في مكانه ولم يكن حليفها والتمرد والعناد
جلسا في احد الزوايا مكتفين بسلاسل.. حينها ازداد غضبه وبرزت عروق رقبته وهو يصيح بانفعال…
(أول واخر مرة تعارضيني في حاجة سامعة..والهبل
اللي في دماغك ده تشليه…عشان انا استحملتك
وصبرت عليكي كتير….وبرضو اللي فيكي
فيكي…. انا تعبت….)
قالها بسأم وهو يترك ذراعها بنفور ثم أكمل ليلته
على الاريكة يحرق صدره في شرب السجائر بالخارج ، ليلتين كاملتين وهو يلتزم بالنوم على الاريكة عقابًا لها…..
زمت شفتيها وهي تزفر نفسٍ ساخن محتقن بالألم
فهي اشتاقت اليه والى النوم بين ذراعيه…اشتاقت
بشدة….
من حافة المجلة رأته بعينيها الفيروزية البراقة
يخرج من البحر بالياقة وجاذبية مهلكة يرتدي سروال المسبح وصدره العريض عرضة للهواء ولعيون النساء…
صدره المشدود العضلي وذراعه القوية وخصره المنحوت الصلب وبشرته الامعة السمراء…..شعر
مبلل يلمع تحت اشعة الشمس مع وجهه وعيناه
البنية الحاده كعينين نمرًا مفترس…
يفترسها الان بالنظرات وهو يقترب منها….
تركت المجلة وسحبت المنشفة واقتربت منه وعيناها
ترمق بظفر شرس الشقراوات……
وضعت المنشفة على صدره تحاول ان تجفف جسده
لكنه منعها بتحفظ لا يوحي بشيء…. ثم ابتعد الى مقعده الممدد جالسًا عليه وهو يجفف جسده بصمتٍ….
زفرت كيان بضيق وهي تعود جالسة على مقعدها
تحبس الدموع في مقلتاها بحرج…
نظر سليم لها عندما اخفت وجهها خلف المجلة مما
اعطاه حرية النظر اليها بقلب ولهان ملتاع من ابتعاده
عنها ليومين كاملين……
اشتاق ان يلمسها يقبلها يسمع اسمه من بين شفتيها
وهي تئن في احضانه… اشتاق الى حديثها وحسها
الفكاهي….. أشتاق اليها بشدة…
لكن ما فعلته يستحق المعاقبة بالبعد… لكنه يشعر
بانه يعاقب نفسه معها… وهذا ليس عدلًا….
صدح هاتف كيان بجوارها فتناولت إياه وعندما رأت
المتصل امام عيناه الثاقبة عليها تهللت اساريرها وهي تبتعد عنه قائلة….
“دي قمر…. هروح اكلمها……”
ابتعدت عنه قليلًا موليه ظهرها اليه وهي تتحدث في الهاتف بسعادة لا توصف مثرثرة بالكثير مع قريبتها..
أبعد عيناه عنها وهو ينظر الى البحر ليجد من تقترب
منه وعلى محياها إبتسامة مبتذلة…
كانت في السابق أروع ابتسامة يراها على وجه أمرأه…
لوى سليم ثغره بسخرية…تغير القلوب من حال الى حال لهو أفجع شي ممكن ان يختبره الإنسان في حياته….
“هاي ياسليم…”وقفت ايتن أمامه بكامل اناقتها العصرية مرتديه ثوب قصير أبيض متسع من
عند الصدر والظهر وشعرها القصير كالعادة
تتركه دون إضافات فالقصة نفسها تحكي
عن مدى تحررها في المجتمع….
رمق سليم كيان الواقفة مكانها تثرثر من بعيد
بملامح منبسطه….عاد الى ايتن قائلا بضيق
بالغ…..
“في حاجه يا ايتن….”
رمقت ايتن كذلك موقع كيان وقد اربد وجهها فورًا متبرمة بسخرية….
“اي المقابلة دي ياسليم انت خايف منها ولا إيه…”
تافف سليم بجزع….
“ايتن….انا مش محتاج قلبان في حياتي…احنا ناهينا
كل حاجة في اخر مرة شوفتك فيها…”
هزت راسها هازئة بمقت….
“اه… سبتني عشان تروح تتجوزها…”
زفر بصوتٍ عال وهو يدير وجهه….
“واضح انك جايه تفتحي في القديم…. لسه عندك
امل اننا نرجع ؟!!….”
اكدت ايتن بصفاقة…
“أكيد لانها نزوة في حياتك…. واكيد هتزهق منها
قريب…..”
على وجهه تعبير خطير وهو يقول بصرامة…
“انتي اللي كنتي نزوة يا ايتن مش هي… هي
بقت مراتي… وحبيبتى وكل حاجة ليا….”
عقدة ساعديها امام صدرها وظلل عينيها حزنًا
دفين……
“انا كمان كنت كل حاجة ليك ولا ناسي… انت كنت
متعلق بيا اكتر منها.. ولا ناسي السنتين اللي عشناهم
سوا…. وقبل كده لما حاولت بدل المرة الف انك تكلمني وتقربني منك ولا ناسي كل ده…..”
تمالك سليم اعصابه وهو يجيبها بجدية
حازمة…
“اديكي قولتي كُنت…احنا في النهاردة..وانا النهارده
راجل متجوز….وبحب مراتي وبقضي شهر عسل
معاها ….في أكتر من كده اثبات انك بقيتي من الماضي…..”
تأوهت ايتن بعذاب وهي تضع يدها على ذراعه
متجرعة مرارة الذل وهي تقول…..
“سليم انا مش قادرة أكمل حياتي من غيرك..انا تعبانه
اوي من ساعة ما سبتني…إزاي قدرت اهون عليك
بشكل ده…..انت خونتني ووجعتني….”
سحب سليم ذراعه بتحفظ متحدث بصلابة….
“ليه مصممة تفتحي في اللي فات….يمكن غلط في
الأول لما مشاعري اتحركت لغيرك…بس مكنش بايدي مش نقص مني او عيب فيكي….الحقيقة اني مكنتش
بحبك زي مانا فاكر…..وزي ما حبيتها….”
شحب وجه ايتن وكأنه لكم صدرها بقوة مؤلمة فوقفت مشدوهة تستمع اليه بعينين غائرة…..
فتابع سليم بشفقة معتذر بحرج…..
“اسف لو كلامي وجعك…بس دي الحقيقة ياايتن
وانا سيبتك مش عشان كيان…بيها او من غيرها
مكناش هنكمل…ويمكن كنا اكتشفنا ده بعد فوات
الأوان….والندم هيكون أكبر…..أرجوكي افهمي..
انا مش عايز أأذيكي…. ولا عايز اوجعها….”
تبادلا النظرات بمشاعر عنيفة وكلا منهما يلقي اللوم
على الاخر في فشل تلك العلاقة….
فقال سليم بعد فترة صمت….
“احترمي رغبتي يا ايتن….وابعدي عني وعن مراتي..
دوري على حد شبهك يفهمك ويحبك بجد…اما انا
فالكلام معايا هيبقا تضييع وقت…متوقفيش
حياتك عشاني وكملي مع اللي يستحق ايتن…
مش ايتن الشهاوي….”
رفعت حاجبها فور انتهائه ثم سألت مبهوتة
الملامح…
“معنى كلامك اني كنت بنسبالك بس…ايتن الشهاوي !!….”
اوما براسه يواجها بالحقيقة الذي اكتشفها
مع الوقت…..
“دي الحقيقة كنتي البنت المناسبة.. بنت الحسب والنسب…الاسم اللي معاه هتكبر وتتعرف…العيلة
اللي للازم تناسبها وتدخل وسطها وانت مغمض عينك…خصوصًا ان بنتهم جميلة وشيك ومتخرجة
من أكبر الجامعات الأوربية…..”
“كل الحاجات دي كانت السبب اني اقربلك واقنع
نفسي اني بحب ايتن الشهاوي…..”
لفهما صمتٍ مؤلم كلاهما تناسى اين هما تحديدًا
وتغافلا عن التي تراقبهما بصمت لا تسمع شيءٍ
منهما لكن اعينهما تشي بالكثير !…
قالت ايتن بعد فترة وجيزة……
“كويس انك صرحتني باللي جواك….مش هقدر
أقولك ان انا مسمحاك على اللي عملته فيا…بس
اقدر أقولك انك عندك حق….وكمان قبل ما أدور
على حد يحبني زي ما بتقول…لازم أحب نفسي…”
ابتعدت عنه منسحبة من أمامه وهي ترمق كيان بنظرة باردة ممتلئة بالغيرة والكره…
فهي نالت ما ظنت انها تمتلكه لسنوات ؟!!..
رفع سليم عيناه عليها ليجدها تقف مكانها بهدوء
بملامح مستكينة غير مقروءة التعبير….
وبعد وصلة من النظرات بينهما قالت كيان بفتور وهي تنظر الى ساعة يدها….
“مش المفروض ان احنا هنتغدى دلوقتي…”
ضاقت عينا سليم بارتياب كي يتأكد من انها جادة في طلبها فهو متأكد بانها راتهما معًا….
في قلب مطعم الفندق كانا يجلسا أمام بعضهما
امام الطاولة يتناولا وجبة الغداء بصمت…وبشهية مفقودة….
كان سليم كل ثانيتين ينظر إليها ليجدها كما هي عيناها في الطبق أمامها تاكل بصمت وبملامح
باردة التعبير…..
تنحنح سليم يسالها بهدوء….
“كنت بتكلمي مين….”
اجابته كيان…. “قمر……مرات اخويا….”
تعمد اطالت الحوار….
“ممم……واي الأخبار كله تمام….”
زمت شفتيها قبل ان ترتشف من كوب
الماء…..
“مش عارفه باين من صوتها ان في حاجة بس
مش عايزة تقولي….”
انعقد حاجب سليم…… “حاجة زي إيه يعني….”
رفعت عينيها اليه بتلقائية…..
“مانا لو عارفه مش هحتار كده….يمكن تكون شادة
هي وحمزة شوية بتحصل… ”
اوما سليم مستهجنًا….
“اه أكيد بتحصل مالحال من بعضه….”
برمت كيان شفتيها وهي تسبل جفنيها عنه…
فقال سليم بخشونة….
“لما كنت بتكلمي في التلفون….ايتن جت وقفت
معايا واتكلمنا….”
قالت ببرود….. “كويس…”
أصابه الذهول وهو يسالها… “هو اي اللي كويس….”
قالت كيان بابتسامة باردة ونظره تماثلها وهي
تنظر إليه….
“انكم اتكلمتوا هترجعوا صحاب يعني زي الأول…”
عقب سليم بقتامة…
“احنا مكناش صحاب في الأول….”
وكانه ذكرها بما تحاول ان تتخطاه معه…فكان
ردها على حديثه نظرة بغض وكراهية ولم تتفوه بحرف…فشاط سليم غضبًا من نظراتها المعبرة
بالكثير ما ترفض قوله بالسانها السليط…..
“عشان كده انا بفتح الموضوع…لاني عارف دماغك
هتحللي اللي شوفتيه على مزاجك….”
ردت عليه بنبرة مهتزة…
“مش محتاجه احلل على مزاجي…باين انها عايزة ترجعلك……وانت.. ”
رفع حاجبه منفعلا….. “وانا إيه بقا….”
بلعت غصة مسننة وهي تقول….. “متردد….”
ارتفع حاجباه بصدمة جافلا بقنوط….
“متردد !!… طب وانتي بقا وضعك اي بينا بما اني متردد…هتسبيني ؟!!…. ”
سالها بقسوة مزدري…فارتجف قلبها ملتاع بين
اضلعها فقالت بعد فترة عويصة…..
“دي متوقفة على اختيارك انت يا متر…”
جاشت مراجله بالغيظ….
“وانا لسه قدامي اختيار تاني بعدك.؟!!..انتي
مخك فين ياكيان…..”
مسحت دمعة فارة من عينيها بوهن….بينما
قال سليم بصوتٍ أجوف عميق…..
“نفسي في مرة تنصفي قلبي اللي حبك…”
اختلج قلبها بقوة وهي ترفع عيناها الامعة بدموع
اليه….فقال بخشونة كالفولاذ الصلب….
“عمتا انا هوضحلك اللي حصل…هي فعلا عايزة
ترجعلي….وشايفه انك نزوة في حياتي ومسيرها
تنتهي…بس انا مكنتش متردد زي مابتقولي وانا ببعدها عني للمرة التانية…وبقطع اي امل جواها
اننا ممكن نرجع تاني….”
ثم سحب نفسًا طويل وهو يضيف بارهاق مضنٍ
فهو سأم من اللف في دائرة الشك….
“حكايتي انا وايتن إنتهت من قبل حتى ما افكر اتقدملك…وكانت بيكي او من غيرك هتفشل…بس حبك عجل بده….”
“كملي أكلك….”رفع فنجان القهوة الى فمه منهي الحديث بسطوة….
………………………………………………………………
كانت تسير في الغرفة ذهابًا وايابًا غير قادرة على النوم ككل ليلة…فما حدث وهما يتناولا وجبة الغداء
اثار حفيظتها واشعل ضميرها بنيران مستعرة…
كل شيء قاله جعل حجمها يتضاءل امام عيناه
حتى أصبحت من كثرة حماقتها معه لا تُرى
بالعين المجردة….
دبت كيان على الأرض مغمغمة بجنون…
“يعني لو اتكلمت مش عاجب وان سكت برضو
مش عاجب…المفروض أعمل إيه…أعمل إيه…”
قالتها من بين اسنانها وهي تنظر الى صورتها المنعكسة في المرآة حيث قميصها السماوي
الحريري الامع والذي يكشف عن قدها المكتنز
الغض…وساقيها البيضاء الامعة كقشدة الصباح
وبه قصة من عند الصدر لها مفعول السحر….
إبتسمت كيان بخبث وهي تمسك قارورة العطر وترش منها على جسدها عبق ناعم مغوي
كمظهرها الفاتن الشهي الان…
قد بدأت تضع ايضًا الكحل في حدود بحرها الفيروزي وزينة رقيقة على وجهها وحمرة
شفاه مشتعلة بالقرمزي…..
ثم ارتدت مئزرها القصير وخرجت من الغرفة الى
عنده الى الاريكة اللعينة الذي يصمم النوم عليها
معاقبًا اياها بالبعد…..
داهم انفه عطرها الناعم التي تضعه في لحظاتهما الخاصة…..حتى تزداد رغباته تأجج بها….تأجج حلو
فنيران الهوى حلوةٍ عند التلاقي…
أبعد سليم عيناه عن شاشة التلفاز ونظر الى باب غرفة النوم…
فوجدها تخرج بخطوات متمهلة مستحية بـ….بمئزر
قصير جدًا حريري سماوي اللون زاهي بنعومة كعيناها الكحيلة الان والبراقة في النظر إليه…..
سحب سليم نفسًا خشن وهو يضغط على نفسه بغضب فان ترك نفسه لمشاعره لمزق ثغرها قبل
المئزر !….
جلست كيان بجواره بصمت فعقد سليم حاجباه وهو
يعود للتلفاز بطرف عيناه دون ان تلاحظ انه كان يتابع تقدمها منه…
ارجعت كيان خصلة خلف اذنها وهي تنظر معه للشاشة الكبيرة قائلة بـتردد….
“انت بتتفرج على اي يـاسـلـيـم….”
نطقت اسمه ببطئ شديد قاصدة لفت انتباهه ليرفع
عيناه عليها….رد بعدم إهتمام…
“فيلم اجنبي….”
قالت بخفوت….. “مفيش حاجه كوري….”
مد لها جهاز التحكم بملل…
“اتفضلي شوفي اللي انتي عيزاه..”
رفضت كيان بتردد وهي تتناول كوب من الماء وترفعه على فمها بسرعة حينها سقطت قطرة ماء
من ثغرها وسارت على طول نحرها الأبيض حتى….
اغمض سليم عيناه بغيظ وهو يركز على أحداث الفيلم أمامه…..
ان كانت تريد ان تعذبه فهذا أصعب عقاب يتلاقاه
رجلا مشتهي امرأته !…
وضعت كيان الكوب مكانه ثم ركزت على احداث الفيلم بعقلا مشتت….فهي لا تعرف كيف تكون الخطوة القادمة…..
فقرع قلبها بشدة وهي تقترب منه أكثر ملتصقة
به ملامسه جسده بجسدها….فلم يمانع سليم
بل ثقلت انفاسه وهو ينتظر الخطوة الأكبر…
فمدت كيان يدها ووضعتها على ركبته متأوهه
برجاء…..”انا آسفة…..”
نظر لكف يدها على ركبته ثم عاد ينظر الى التلفاز
بملامح صخرية غير متجاوبة….
فزاد انين كيان توسلا وهي ترفع يدها الحرة وتدير
وجهه اليها حتى ينظر لها….وعندما فعل بملامح واجمه غليظة قالت بضعف…
“انا آسفه ياسولي….على كل اللي عملته الأيام اللي فاتت دي…آسفه مكنش قصدي والله…..”
تاه سليم في بحر عينيها المتوهجة بالكثير من
المشاعر ثم جاب قسمات وجهها بضياع وهبطت
ابصاره مستقرة بين فتنة ثغرها القرمزي….
بلع سليم ريقه وهو يشيح بوجهه عنها بصعوبة
قائلا ببرود….
“مش هنعيد الكلام تاني ياكيان…..كل اللي محتاجه
منك شوية ثقة….وتقدير….اللي حصل يوم الحفلة
قلت تقدير وقلة سمع كلام….واللي حصل النهاردة
قلة ثقة فيا…قوليلي المفروض اقبل اعتذارك
إزاي….”
بللت شفتيها وهي تقول باستعطاف…
“تقبله لاني مش هكرر الغلط ده تاني وعد مني
هسمع كلامك ولو معترضة على حاجة هتناقش
اكيد معاك وهنوصل لحل…”
رفع حاجبه وعيناه تطوف على
وجهها بتأني….
“والثقة……هتعرفي تثقي فيا…..”
زمت شفتيها قائلة بصدق…
“مع الوقت هعرف…بس انت أصبر شوية ياسليم
بعد كده مش هحكم عليك غير لم اوجهك باللي عرفته او شوفته….دا وعد مني…..”
ظل سليم ينظر اليها بصمتٍ وبملامح جافية
ظنت ان قلبه لن يلين لها….
فقالت كيان باستياء حزين….
“واضح انك لسه برضو مش قادر تصفى من
ناحيتي….عمتا انا آسفة للمرة الأخيرة…تصبح
على خير……”
نهضت من مكانها بالفعل وامام عيناه المراقبة
اتجهت الى الغرفة بخطوات حزينة محبطة تجر اذيال الخيبة خلفها….
دلفت الى الغرفة واغلقت الباب خلفها لكنها وجدت من يدفع الباب بخفه ويعتقل خصرها مديرها اليه
بجنون….
فطار شعرها البندقي حول وجهها بانسيابيه وكأنه يراقصها على الاوتار……
ابتسمت كيان واشرق وجهها فور رؤيته يلحق بها
بلهفة وشوق ظنت انها لن تراهما في عيناه بعد ما حدث….وضعت يدها على صدره هامسة بدلال..
“سليم…..”
“مُزتي…..”
ضحكت مغمضة عينيها بضعف وهي تجده يميل
على عنقها يقبلها بنهم…هامسًا بحرارة..
“وحشتيني ياعصفورتي…كنت هتجنن عليكي…”
همست كيان بضعف وهي تئن بين يداه
مستسلمة له……
“وانا أوي ياسليم….كنت مخنوقة وانت مخاصمني ونايم برا وسيبني لوحدي..”
داعب انفه بانفها وهو ينظر لشفتيها القرمزي المنفرجة بتعب تتطالب باعتذار من نوع آخر
يفضله بشدة…..
مسك وجهها بين يداه وغاص بين ثغرها بعنف
متأجج بالعواطف…ثم بدات يده اليمنى تنزلق
الى جسدها تلامسه بوقاحة قبل ان تبدأ في
نزع مئزرها الحريري عنها……انهارت اعصابها
وهي تئن بضعف بين يداه غير قادرة على
الوقوف على ساقيها….
فسقط مئزرها الحريري ارضًا…ونظر سليم الى جسدها المغوي من خلال هذا القميص القصير
المهلك الذي لم يعطي المخيلة فرصة…سرى
فجأه في اوردته سائل هلامي حار كالحمم
البركانيّة… ملح برغبات متأجج بالاشواق….
فلم يقاوم أكثر وحملها بين ذراعيه فجأه
هامسًا من بين قبلاته المتناثر على وجهها
ونحرها وثغرها الشهي…
“عقابًا ليكي…..مفيش خروج من الجناح تاني…”
نزع سليم ملابسه وانضم اليها على الفراش
مضيفًا وهو يميل عليه يغرقها بالقبل الحارة
بينما يداه تعمل على نزع قميصها…..
“هنقضي الأيام الجاية هنا….اذا كان عاجبك…”
قالت كيان بخجلا وهي تعلق يداها في
عنقه بضعف….
“مش معترضة طالما هبقا في حضنك….”
سحبها الى احضانه وانهال عليها بالقبل مرتوي
منها بقدر ظمأه لها……وهي في احضانه تبادله
الشوق بجسد منصهر بين يداه هيمان…..
………………………………………………………….
أغلقت حقيبتها باحكام ثم رفعت عسليتاها الى شقيقها وزوجته….وقالت لهما بهدوء…
“قد تمام….. يلا بينا….”
نظر حمزة الى حقيبة السفر الكبيرة ثم الى وجه
اخته الشاحب الحزين…. فمنذ أمس وهو يلتزم
الصمت مراعي مشاعرها خصوصًا بعد ان القى
عاصم حديثه المحتقن بالغضب في وجهها وخرج دون رجعه هو والجدة نصرة..
وهي ظلت مكانها ليلة أمس صامته بملامح باهته
حزينة….تهرب منهما عن الحديث حول الأمر ولو
من باب الاطمئنان عليها….
لكن حمزة لم يقدر على تجاهل الأمر أكثر فسالها
وهو يرمق حقيبة السفر الكبيرة بشك….
“انتي كُنت جايه بشنطة السفر دي المستشفى؟!…”
اكتفت شهد بايماءة بسيطة ولم تعقب فالقى
حمزة السؤال بقلق….
“ما تفهميني في إيه هتفضلي مخبيه عليا لحد
إمتى….انا لحد دلوقتي مش ناسي الكلام اللي قولهولك هنا…. ”
قالت قمر بحرج منسحبة من بينهما….
“انا هستناكم برا….على ما تخلصوا كلامكم… ”
لم يعترض أحد منهما على قولها وهي لم تنتظر اعتراض فكانت تفهم جيدًا حساسية الوضع…
جلست شهد على حافة الفراش بداخل غرفة المشفى التي ظلت بها الأيام السابقة في فترة علاج مكثفة بعد ان فقدت ابنتها في شهرها الخامس….
انحنت شهد براسها ارضًا منهزمة وهي تخرج النفس
بصعوبة بصدر ضاق بها…..كالعالم من حولها….
كل شيء انساب كالماء من بين قبضة يدها بصورة
موجعة…..قاتمة لروحها…..
هي من جعلت نفسها عرضة للخطر تركت العنان لمشاعرها وقلبها…..صعدت على الأمواج العتيه فاخذها الموج معه الى المجهول….
هي من تركت قلبها يتذوق جمال البدايات غافله
عن النهاية فالكل بداية وردية نهاية مأساوية….
تقدم منها حمزة وانزل الحقيبة ارضًا ثم جلس
بجوارها بهدوء واحاط منكبيها بذراع واحده
وقربها من صدره قائلا بعطف….
“تعالي هنا….يمكن ترتاحي…..”
وضعت راسها على صدر اخيها وبكت بمرارة وهي وتتاوه بصوتٍ عالي معذب…
“انا تعبت ياحمزة….تعبت ومبقتش قادرة استحمل
خسارة ورا خسارة…..وجرح ورا التاني…انا مش
جبل….ولا بقيت قادرة استحمل كل ده….مش
قادرة استحمل….ياريت أموت وارتاح بقا…”
ربت حمزة على كتفها وهو يحاول ان يحتويها كما كان يفعل معها وهم صغار….فهم كانا من بين
وحشة الظلام وقهر الحياة سند وانس لبعضهما…
“احكيلي اي اللي حصل هتخبي عليا…”
بلعت غصة مسننة وهي تحكي له كل ما حدث في
خلال فترة زواجها متجنبه الحديث عن الصفعة
التي تلقتها منه وقصة النسب…..
ابعدها حمزة عنه برفق معاتبها وهو يربط الخيوط
في بعضها….
“انتي غلطي من الأول ياشهد…واتصرفتي من
دماغك….”
مسحت دموعها وهي تقول بنشيج…
“عارفه بس ده ميدلوش الحق انه….يطعن
في شرفي….”
وضح حمزة بنبرة محتدة صارمة…..
“انا عذره لاني راجل زيه….واللي بتحكيه ده تطير فيه رقاب….انا لو كنت مكانه كان ممكن ارتكب جريمة قتل قبل حتى ما اسألك او اخد وادي
معاكي في الكلام…..”
“وبعدين إزاي توافقي على الجواز منه وانتي
حطه في دماغك إلهام…واللي حصل زمان…اي
مش قادرة تنسي….”
سالته بسخرية مريرة….. “انت نسيت؟!!…”
اسبل حمزة جفنيه معترف بعد فترة بضيق….
“مش ناسي بس قادر أكمل في حياتي…لا بنتقم من
حد ولا حاطت حد في دماغي…ودا اللي كان نفسي تعمليه من أول يوم ربطي نفسك بعاصم الصاوي..
وانتي عارفه ان الهام مرات عمه….اي الجديد.. ”
قالت شهد بوهن مرير….
“الجديد حاجات كتير انت متعرفهاش..زي انها السبب في تشميع المطعم ونشر الاخبار على النت بمساعدة خلود بعد ما اشترتها بالفلوس… عشان تبعني… ”
نظر لها حمزة مصعوقًا من ما سمع للتو…
فقال بعد فترة بملامح خطرة غير متهاونة….
“وطالما انتي عارفه كل ده مقولتليش ليه من
الاول وانا كنت اتصرفت معاهم…..واشتغلت لهم
في الأزرق…”
قالت شهد بسأم….
“اللي حصل حصل…”
ثم استرسلت بنبرة مثخنة بالجراح…..
“احنا اتفقنا على الطلاق…وانا شايفه انه انسب
حل بعد كل اللي حصل… واللي قاله إمبارح…..”
سارت قشعرة قوية فجأه في كامل جسدها كمن اصيب بالحمة…وهي تخبر اخيها بلوعة…
“انا حاولت اعتذر اكتر من مرة بس هو مش قادر يسامح….وانا متعودتش اتذلل لحد اكتر من كده..
طالما هو هيرتاح…يبقا يطلقني وكل واحد يروح
لحاله…..”
سالها حمزة وهو ينظر الى عينيها الفاقدة
لمعتها….
“هو هيرتاح لما يطلقك….طب وانتي ؟!!..”
قالت شهد بقلب مقهور….
“انا هفصل زي ما كنت الأول…الفرق اني هبقا
مطلقة…”
نهضت بعدها تقول بعنفوان….
“يلا ياحمزة مش هنفضل هنا كتير انا اتخنقت من قعدت المستشفيات…..يلا نروح….عربيتك معاك.. ”
أكد حمزة بهدوء….
“اه معايا…عشر دقايق وهنبقا في البيت…”
قالت شهد بحيرة….
“الفرق بين المستشفى والبيت نص ساعة…انت
تقصد اي بيت….”
تشدق حمزة مستفهمًا…
“شقتي…امال هنروح فين؟!….”
ارجعت شهد راسها للخلف معترضة…
“لا انت روح شقتك مع مراتك…وانا هروح بيتنا….”
تأجج الغضب في مقلتاه…..
“بيتنا ؟!!….هترجعي لعثمان الدسوقي من تاني….”
اجابت بفتور….
“مؤقتًا لحد ما أدور على شقة إيجار….”
اثارت حفيظة حمزة أكثر فقال بضيق….
“اي الهبل اللي بتقولي ده..تدوري على ايجار
والشقة موجوده….الشقتين اللي وخدهم من ابوكي
دول بتوعنا إحنا التلاته وليكم فيهم زيي تمام…”
رفضت شهد بتعنت….
“لا دي شقتك وحقك…..واحنا اتفقنا اننا هنكون…
شُركا معاك في المصنع بس…دا لما تبدا تفتحه ان شاء الله…اما الشقة بتاعتك ملناش حاجة فيها…”
صاح حمزة منفعلا…..
“انتي بتكلمي كدا ليه ياشهد…انتي هتروحي
معايا بلاش تزعليني منك….”
رفضت شهد مصممة على رأيها…
“مش هينفع ياحمزة…عشان خاطري سبني على راحتي انا هبقا أحسن لو فضلت في شقتنا..”
عيل صبره فقال بانفعال….
“مفيش حاجة اسمها سبني على راحتي…طب
عليا الطلاق مـ….”
وضعت شهد يدها على فمه وهتفت
بعصبية…
“اخرس ياحمزة اياك تحلف بطلاق….عشان انا مش هنفذ حلفانك ولي في دماغي هعمله…سبني براحتي
الله يخليك…سيب كل واحد بينام على الجمب اللي
يريحوا…..”
رمقها بصدمة متشدق باستهجان….
“يـاشـهـد…..”
مسكت شهد ذراعه تتوسل اليه ، فهي سئمت
من كثرة الجدال حول الأمر…..
“ورحمة أمك تسبني براحتي…انا عايزة أفضل في بيتنا القديم….عشان خاطري سبني أعمل اللي
انا عيزاه بلاش تغصب عليا…كفاية اللي انا فيه… ”
بعد لحظات قصيرة خرجا من بوابة المشفى متجهين
الى سيارة حمزة القديمة التي لم يفرط بها بعد…
بملامح صخرية غليظة….كانتا عيناه الصقريتين تتابع خطواتها الهادئة كنسمة نحو السيارة من خلال مرآة سيارته الجانبية..
كانت ملامح وجهها مجهدة باهته وعينيها غائمة في الحزن..جسدها النحيل فقد الكثير من الوزن في
تلك الايام القصيرة…..وظهر هذا بوضوح عليها…
اغمض عاصم عينيه بعذاب وهو يدير محرك السيارة خلفها ليرى الى أين تتجه فهو سيقوم بزيارتها قريبًا !….
كان عنده أمل ان تذهب الى شقتها التي كتبها باسمها
لكنها لم تفعل فاثناء السير خلف سيارة اخيها توقع
بعدها ان تذهب الى شقة اخيها الجديدة لتقيم معاهما لكنه تفاجئ بسيارة حمزة تقف اسفل بنية
الحي القديم وقد ترجل من السيارة ثلاثتهما
متجهين للأعلى…..
ازداد عقدة حاجباه وقرع قلبه كالناقوس بالخطر
والخوف عليها….فوجودها مع أبيها في نفس المنزل من جديد سيؤذيها ولا يضمن اي فعله خسيسة سيقدم عليها معها……
فمن يشوه روح ابنته بهذا الشكل تتوقع منه مالم يطرق على البال….
ضرب على عجلة السيارة بغضب عاجز عن الدخول خلفها ومنعها من المكوث في هذا البيت..فيبدو انها اصرت على الأمر حتى اخيها فشل في اقناعها….
وهو لم تعد لديه الصلاحيات للاعتراض…فقد علم الجميع الان بانهما سينفصلا عما قريب….
“معاكي المفتاح….”
سالها حمزة وهما يقفوا أمام باب الشقة المغلق….
قالت شهد بوهن وهي تخرج المفتاح من جيب تنورتها…
“ايوا معايا….وكاني كُنت حاسه اني هرجع هنا
تاني.. ”
اخذه حمزة منها وفتح الباب قائلا بعدم رضا…
“لو كُنتي وافقتي تروحي معايا مكناش هنرجع
هنا تاني….”
“هنا مكاني ياحمزة…وانا رجعتله….”قالتها وهي
تدلف الى الشقة بهدوء…..
بينما قال حمزة بمقت….
“مخدناش من المكان ده غير وجع القلب…مش
حاجه حلوة عشان نمسك فيها….”
جلست شهد على الاريكة التي كانت تجمع
ثلاثتهن سابقًا…..
“انا عِرفت قمته لما سبته…بيتنا احسن من الدنيا
اللي برا دي….واحن من الناس…..”
“المشكلة مش في البيت ياشهد…المشكلة في ابوكي…”
قالها حمزة بكراهية وهو يجلس على المقعد وقمر
في المقعد المجاور له.. تستمع لهما بصمت مذعن….
قالت شهد بعد تنهيدة ثقيلة….
“أكيد مش هتوصل انه يطردني…معملهاش قبل
كده….”
تجهم وجه حمزة بالقول…..
“بس ممكن يرفع ايده عليكي…يضايقك يهينك..وانا مش هبقا موجود…..”
قالت شهد بهدوء…
“قولتلك اني هأجر شقة قريب اوي….”
تدخلت قمر بعتاب….
“وليه ياشهد…ما شقة أخوكي موجوده….”
تافف حمزة وهو ينظر الى زوجته يطلب منها
العون بصوتٍ مرتفع…..
“قوللها ياقمر…انا تعبت من الكلام معاها….”
سالتها قمر بتردد….
“هو انتي مش عايزة تيجي تعيشي معانا ليه
ياشهد…اوعي يكون عشاني…”
هزت شهد راسها بنفي مجيبة….
“عشانك اي ياقمر…هو انا أول مرة أعرفك…الحكاية
وما فيها اني مش هرتاح غير في بيتنا ده….سبوني
براحتي عشان خاطري… ”
ثم نهضت تنهي الجدال بملامح
منزعجة…..
“ويلا بقا مش وصلتوني…. يلا روحوا….”
رفض حمزة وهو يرجع ظهره للخلف….
“احنا مش مروحين احنا هنبات هنا النهاردة…اهو
نبقا جمبك لو عوزتي حاجة….”
تململت شهد وهي تحرك حدقتاها بملل….
“وكاني عيلة صغيرة…..عمتًا براحتكم….انا كده كدا
هدخل انام معرفتش أنام كويس اليومين اللي فاتوا…..تصحبه على خير… ”
ابتعدت امام اعينهما ودلفت الى غرفتها…فقالت
قمر بوله…..
“قلبي وجعني عليها اوي….لو فضلت هنا ممكن يجرلها حاجة….ما تحاول تقنعها تاني ياحمزة…..”
زفر حمزة نفسٍ خشن…
“مانا بتحايل عليها قدامك اهوه…وطول مانا في العربية بحاول اقنعها انا وانتي…مفيش فايدة…
ركبه دماغها وعايزة تفضل هنا….”
زمت قمر شفتيها متعجبة من رفضها….
“مكنتش اعرف انها حساسة اوي كده وهتعملنا
زي الغرب….غريبة…..”
هز حمزة راسه وهو ينظر لباب غرفتها
المغلق…..
“شهد طول عمرها كده…. مش جديد عليها….”
دلفت شهد الى غرفتها واغلقت الباب عليها ثم
دارت بحدقتاها الحزينة في انحاء غرفتها وعبقها
الدال على الهجر لأشهر بدون صاحبتها…..
خرجت من هنا عروس تطمع في الحياة في الحب
في تكوين أسرة….وبعد سبعة أشهر كاملة عادت
الى هنا بالخيبات الكبرى…
خسرت كل شيء…الأول والدها في طفولتها ثم
اذنها في صباها وعمرها مهدور في ريعان شبابها
معه انقلع الحلم من جذورة… وخذلت من أقرب
الأصدقاء….فقدت صغيرتها….وانتهت علاقتها
الرائعة بزوجها….وانتهى الحب قبل كل شيء..
فكما بدا أولًا ، انتهى أولًا …..
استلقت على الفراش بتعب مضنٍ مغمضة العينين
تاركة العنان للدموع بان تبوح عنها بالكثير…
………………………………………………………..
فتح باب غرفة النوم ودلف اليها مغلق الباب خلفه
رفع عيناه القاتمة بتأني ينظر الى أرجاء الغرفة التي مزالت تحمل عبق عطرها الطيب عبير الزهور…والبحر
بلع غصة في حلقة تشبه الشفرة الحادة القادرة
على شطر حلقه لنصفين….
ثم اتجه الى غرفة تبديل الملابس والصور تلاحقه
أينما ذهب.. رحلت لكنها تركت اثر لها في كل مكان هنا..فكيف سيتخطى الفراق….وهو يرى الموت
أهون من نسيانها….
وقف بقلب غرفة تبديل الملابس بملامح متجهمة
غليظة… بدا ينزع سترة الحلة عنه وربطة العنق بعصبية وضيق….
ثم حانت منه نظرة على خزانة ملابسها فوجدها فارغة عدا فستان صغير وردي اللون معلق يخص صغيرتهما قد ابتاعه عاصم يومها بنفسه وهي احتفظت به هنا عن الأغراض الأخرى….
كان هذا الفستان الصغير منفرد ورائع بالقبعة
المماثلة الانيقة والحذاء…. اختاره وهو يأمل
بكل ماهو جميل لتلك العائلة الصغيرة….
اين هي عائلته الآن ؟!……لم يبقا سواه وحيدًا
في نفس الغرفة وكأن الأيام عادت من جديد
بصورة مضنية تحمل الأعباء الى قلبه…
سحب الفستان الصغير وضمه الى صدره وهو يتنفس
بتعب وصدره ثقل من كثرة الهموم والحزن لماذا لا تعيش له ذرية؟!… طفلين تنتهي حياتهما قبل ان تبدأ وزوجتان يخذلانه بدم بارد….
تخطى علاقته الأولى وكانها لم تكن…لكن تلك العلاقة
غير قادر على وضع رقم لها…فهي بنسبة له الاولى
والاخيرة……وهذا ما يجعل تخطيها أصعب ما يكون
استلقى على الفراش وفستان الصغيرة بين قبضة
يده يوهم نفسه بانه يحمل رائحة ابنته….لكن
الثوب كان يكذب احساسه فكلما استنشق
منه وجد فراغ….فراغ موحش…..ومؤلم
لروحه…..
أغمض عاصم عيناه بتعب….غط جسده المنهك
في نوم عميق وراحه مؤقته…لتداعب أحلامه
سيدة الحُسن بابتسامة جميلة وهمسة عطرة
وصغيرتهما بين يداها تلوح له….بالوداع…
…………………………………………………………
ضرب حمزة على ركبته وهو ينهض من مكانه
قائلا…..
“طب يلا عشان ننام….والصبح يمكن تغير رايها
وتوافق تروح معانا….”
هزت قمر رأسها باستحياء وهي تقفز من مكانها قائله….
“تمام تصبح على خير…..”
“على فين….”مسك ذراعها قبل ان تتخطاه…..
بينما اجابت قمر وهي تنظر
إليه…..
“هنام في اوضة كيان….”
رفع حاجبه مندهشًا وارجع راسه
مرددًا…
“أوضة كيان اه….لا تعالي معايا….”
شبك اصابع يده باصابعها ثم جذبها برفق الى
غرفة النوم الخاصة به…..
عندما دخلا سويًا…أغلق حمزة الباب بالمفتاح حتى
لا تتمكن من الهروب….
بينما قمر وقفت مكانها تنظر الى زوايا الغرفة بعينين
عاشقتين ورغم انها اقامت في هذه الشقة أكثر من عام إلا انها لم تدخل غرفته إلا مرة واحده….وكانت
حينما حاول ان يقبلها….
احمرت وجنتيها مع ذكرى مشاعرها حينها….كانت
رغم الخجل غاضبة بشدة….وقد رضاها بالدمية
البقرة والسلسال الفضي…..بقمرة الناصع…
وضعت يدها تلقائيًا على كنزها تلامس الدائرة المرتاحة المضوية اسفل نحرها….
ومزالت بُنيتاها تراقب كل شبر بهذا المكان…غرفته
بسيطه ذي طابع رجولي واضح بكل شبر بها…فراش
متوسط الحجم وخزانة ملابس وطاولة صغيرة…
و….وصور قديمة معلقه على الحائط لـ…..بعض الشقراوات الجميلات……
أوغر صدرها بالغيظ مع ارتفاع حاجباها بقرف
وكانت على وشك التقريع له وفرض سيطرتها عليه…ورفض هذا الأمر بما تمتلك من صلاحيات…
لكنها فتحت فمها مصدومة متسعة العينين وهي
ترى حمزة يبدل ملابسه في وسط الغرفة بمنتهى الاريحية وكانها ليست موجوده….
جزت على اسنانها وهي تستدير مزمجرة
باستحياء…
“ايه… ايه انت…. مش واخد بالك اني واقفة….”
خلع حمزة القميص واصبح عاري الصدر ثم بدا
بنزع البنطال وهو ينظر لظهرها بتسلية ومكر….
“ايوا واخد بالي….انتي مدياني ضهرك ليه..اوعي تكوني مكسوفه….”
قالت قمر بتهكم….
“أكيد مكسوفة مش بجحه زيك….”
قال حمزة بتحذير خشن….
“وليه الغلط ياقمراية…ما تخلينا لذاذ مع بعض..
عشان اليلة تعدي على خير…..”
استدارت دون ان ترفع عيناها عليه
وقالت بضيق….
“انا هطلع برا لحد ما تغير….هات المفتاح…”
“براحتك….تعالي خديه… ”
قالها بمراوغة وهو يتوقف بعد ان نزع الحزام من
حول خصره…..
اقتربت قمر منه بضيق وعيناها في الأرض فمدت
كفها أمامه بحنق….
“هات لو سمحت…..”
رفع حمزة المفتاح للاعلى وبد يهزه أمامها كمن يلاعب جرو صغير….
“ما تاخديه أهوه…انا مانعك…”
رفعت يدها لمستوى يده فابعد يده للجهة الاخرى
بلمح البصر.. فزفرت باستياء وهي تلحق به وكلما
قاربت على التقاط المفتاح يبعد يده عنها فتلحق
هي به بتصميم مزمجرة بعناد…
وهو كان يضحك بتسلية عليها يلاعبها كالجراء..
واثناء هذا المزاح الغليظ منه…وقع فجاة بنطالة
من حول خصره…فصرخت قمر بخجلا وهي تلتقط المفتاح من بين يده ثم اتجهت الى الباب راكضة
بوجنتين مشتعلتين بالحرج…..
رفع حمزة البنطال واغلق الزر ثم لحق بها وهو يضحك وقبل ان تفتح قمر الباب وضع يده
يغلق الباب من جديد….ثم دفن انفه في شعرها
الغجري هامسًا بلوعة….
“على فين ياقمراية….”
على صوت تنفسها متهدج وهي تشعر بانفاسه الساخنة تتوغل بين خصلات شعرها….فارعبها
وهو يقول بلؤم….
“مكتوبالك ياشابه…..”
ارتجف جسدها ولم تقو على ادارة وجهها اليه
فقالت بصوتٍ متقطع……
“هو..انا…انا….انا.. ”
اكمل حمزة عنها بمزاح وهو يستنشق شعرها
بأدمان…
“انا مش انا… لدي ملامحي ولا شكلي..شكلي
ولا دا انا….”
اتسعت عيناها بوجل…. “هو انت هتغني ولا إيه….”
قال حمزة بخبث يستفزها…
“شكلك مستعجلة اكتر مني…وانا كنت لسه بقول
همهدلك الموضوع إزاي….”
ادارة وجهها اليه بعنف شرس…
“احترم نفسك….احنا في ايه ولا في إيه….”
برم حمزة شفتيه ساخرًا ببرود….
“اي الهجوم المبالغ في ده…..انا كنت عايز اسألك
حابه تنامي على الجمب اليمين ولا الشمال…”
نظرت قمر إليه بدهشة وعندما رأت الجدية
تعلو ملامح وجهه قالت بارتباك…
“اي حاجة….مش بدقق….”
ابتسم باستحسان…… “شاطرة مخك كبير….”
سحب من بين يدها المفتاح واغلق الباب مجددًا فقالت قمر بوجوم…
“انت بتعمل إيه….انا عايزة اغير هدومي….خليني
أروح أشوف اي بجامة في دولاب كيان او شهد..”
رفض ببرود…. “مفيش خروج….”
وضعت يدها في خصرها منزعجة…
“نعم….ليه بقا ان شاءالله….احنا في سجن…”
اجابها بغلاظة…
“لا بس مضمنش انك هترجعي على هنا تاني….”
وكانه قرا أفكارها فهي كانت ستفعل هذا مغلقه
على نفسها الباب بالمفتاح هروبًا منه…فقالت بعد
فترة مدعية الغيظ الشديد…..
“والله….طب انا هغير هدومي إزاي هنام كده…”
اشارت على الثوب التي ترتديه بضجر….فسارت
عينا حمزة على طول قدها بينما لسانه يسأل
بهدوء…
“لبسه ايه تحت الفستان….”
زمت شفتيها…..
“فنالة كت….وبنطلون كارينا….”
لمعة عينا حمزة مع إبتسامة مريبة بنسبة
لها !!..
“طب ماهي محلوله..”
دبت الأرض بقدمها متذمرة…
“لا مش محلوله ممكن تخرجني من هنا….”
رفض حمزة بخشونة….”مفيش خروج…..”ثم فتح
درفة الدولاب ووقف خلفها…مما جعلها تسأل
بفضول….
“بتعمل إيه….”
رد من خلف الباب الخشبي…..
“هغير هدومي…..تعالي اسحبي درفه وغيري
جمبي طالما محرجه اوي كده… ”
قالت قمر بتبرم وهي تقترب منه…
“الله يسامحك….مش عارفه انت بتعمل فيا كدا
ليه….”
رد حمزة وهو يرتدي بنطال
المنامة….
“محبة دي ياقمرايه….”
ابتسمت وهي تقف خلف درفة الدولاب ثم رفعت
الثوب عنها وهي تسأله….
“تفتكر شهد نامت…..”
اجابها حمزة بخفوت….
“أكيد…..اليومين اللي فاتوا مكنتش بتنام أصلا…”
أغلق حمزة درفة الدولاب وكذلك فعلت قمر التي أسبلت اهدابها بخجلا فور ان أطلق صفيرة إعجاب صغيرة وعسليتاه تلمع كشعلتان منصهرتان….وهو
ياكلها بنظراته الوقحة……
كانت قمر ترتدي كنزة سوداء قطنية طويلة قليلا بحمالات رفيعة… اسفلها بنطال اسود ملتصق
في لحمها يصل طوله لبعد الركبه بقليل…
كانت اخف واجمل في العين دون تكاليف وملابسها
تفصل قدها المنحوت بالمسطرة كمقياس للجمال
مع شعرها الأسود المموج المتأرجح بدلال الان
خلف ظهرها يكمل صورة البهية ذو المحة الشعبية الأصيلة….
نظرت له قمر بطرف عيناها وعندما وجدته يحدق
بها بقوة….قالت بتجهم….
“بص قدامك….كل ده بسببك….”
ثم خطت بقدميها للأمام هاربة منه… فلمحت صور النساء الشقراوات على الحائط فوق السرير مباشرةً…
استدارت اليه بغضب وقبل ان تفتح فمها امسكت
به متلبسًا ينظر الى مفاتنها من الخلف بصورة وقحة..
شرسة وكانه سيهجم عليها الآن…
بلعت ريقها بخوف وهي تنظر اليه بصدمة
وغضب…فرفع حمزة عيناه عليها ببراءة معلق…
“دا انتي طلعتي فورتيكه…”
فغرت قمر شفتيها وهي تشعر ان الكلمة ردت
في صدرها قتلتها…فقالت بعدم فهم….
“يعني إيه ؟!!….”
مط حمزة شفتيه متأوهٍ….
“يانهار أسود….على الادب والبراءة…دا احنا محتاجين نراجع المنهج من أوله…”
رمشت قمر بعيناها بارتباك وهي تقرأ المعنى
الصريح في كلماته….. “على فكرة…..انا….انا…..”
قاطعه حمزة مبتسمًا بعبث….
“يخربيت التاتأه اللي هتخليني انسى نفسي
واتهور….وانا بصراحة على شعره….”
تاففت قمر وهي تخشن صوتها بغيرة…
“ممكن افهم اي الصور اللي انت معلقها دي..
مين دول…..”
رد حمزة بهدوء مختصر….”نسواني…..”
تحولت حدقتاها لجمرتان مشتعلتان…وقد وضعت يدها في خصرها وهزته بعصبية وهي تشهق شهقة عالية سوقية نشاز….”نااااااااااعم ياااااخويااااااا…..”
صفق حمزة منتشيًا من شراستها وهو يعقب
باستمتاع……
“ايوا طلعيلي البت الشرشوحة اللي جواكي…. دي
اللي بعرف اتعامل معاها….لكن البريئة المكسوفة
دي بتقلقني منها..”
على صوت تنفسها وهي تساله من
بين اسنانها….
“يعني اي نسوانك…..افهم….”
قال وهو يرفع راسه للسقف بملل…
“يعني كُنت معجب بيهم زمان…ايام الطيش والشقاوة…..فعلقت صورهم زي اي واحد
في سني وقتها … ”
هزت راسها بانفعال مستفسرة….
“اه…..وليه ما شلتهمش من اوضتك بقا….”
رد حمزة باختصار هادئ…
“نسيت…. الصور دي محطوط هنا من سبعتاشر
سنه فاتوا…. دا كان في أكتر منهم بس عريانين فشلتهم….”
لوت ثغرها هازئة….
“بجد ماشاء الله… اكيد استحرمتها مش كده…”
اوما بعيناه قبل لسانه…
“اه طبعًا…. انتي عندك شك في كده….”
جاشت مراجل صدرها فعلى صوتها
بنفاذ صبر…..
“انت عايز تشلني…. ومشلتش الباقيين ليه…”
زجرها حمزة بخشونة….
“قولتلك نسيت يابت…بطلي زعيق…..دول تلات
صور بالعدد….”
“طب ممكن تشلهم….”اشارت الى الحائط بأمر
وهي تهتز بعصبية….
اقترح بوقاحة….
“طب هاتي بوسه….. وانا اشيل ابوهم…. ”
رفضت بضجر….
“لا هتشلهم…. ومن غير حاجة….”
رفع حمزة حاجبه وقال بعناد…..
“مش شيلهم…خليهم متعلقين على الحيطه..
يروقه عليا….”
ارتاح على الفراش والصور فوق راسه مباشرةً…
فصاحت قمر بهيجان…..
“مقرف وقليل الأدب…..عارف لو الصور دي
متشلتش انا هنام في الأرض….”
نظر حمزة لها قليلا ثم حرك حدقتاه باستهانه….
فقالت قمر بغضب سافر….
“مش مصدقني صح… طب اهو……”
سحبت الوسادة من اسفل راسه والقتها ارضًا…
فتافف حمزة وهو يقف على الفراش….
“خلاص يابت هشيلهم….. يخربيت نكدك…”
غمغم بحسرة وهو يسحب صور الشقراوات
عن الحائط……
“الجواز بيغير بقا ياحلوين….وقمراية بصراحه تستاهل اضحي بيكم….”
كور حمزة الصور بين يده ثم القاها في سلة
المهملات وهو يرمق قمر بقنوط……
“اديني عملت بلوك للنسوان اللي في حياتي
اتهدي بقا ونامي….”
قالت بابتسامة متشفية….. “أحسن…”
استلقى حمزة على الفراش ثم ضرب وجهها
بالوسادة الأخرى مغتاظ…..
“طب نامي…. نامي نوم الظالم عبادة….”
استلقى كل واحد منهما على الفراش يولي ظهره
للآخر….ومن بين الظلام الدامس زفرة قمر وهي تتمايل للناحية الاخرى لتنام على ظهرها وعيناها للسقف…
فسالها حمزة دون ان يستدير….
“مش عارفه تنامي ولا إيه….”
قالت وهي تنظر للأعلى وسط الظالم الحالك…
“شكلي عشان غيرت نومتي….مش عارفه بصراحة
بس انا مش مرتاحة على سريرك….”
أضاء حمزة المصباح بجواره وانبعث ضوء خافت
من حولهما يكاد يروا وجهيهما…
استدار حمزة كذلك على ظهره وادار راسه اليها
قائلا بغمزة عابثة….
“شكلك مش هترتاحي غير في حضني….ما تيجي..”
لكزته في كتفه وهي تضحك بسأم…
“احترم نفسك بقا..اي حوار يا تقلبه هزار ياقلة
آدب…..”
“دي احسن حاجة….” ثنى حمزة ذراعه أسفل راسه وعيناه معلقه على السقف معها…..ليقول بعد لحظة
“تعرفي تقولي.. بسيطه وماتستبسطهاش وصعبه ماتستصعبهاش…..”
وضعت قمر يدها على فمها تكتم ضحكاتها وهي
تردد باستمتاع….
“بسيط ما تستبهاش وصعبة ما تسـ…ما تسـ…
ما…..إيه… ”
ضحك حمزة بتسلية وهو يقول…
“بلاش دي صعبة عليكي… طب تعرفي تقولي
أرنبنا في منور أنور وأرنب أنور في منورنا…..”
قالت ببهجة وحرارة…..
“سهلة دي ارنبنا في منور أنور…ومنور ارنب في منورنا……”
ضحك حمزة معلق بسخرية… “منور ارنب إزاي…..”
ضحكت قمر بخجلا وهي تحرك راسها لتنظر
إليه بشقاوة……
“طب اقولك فزوره……لي الخشب يتيم….”
انعقد حاجباه بحيرة… “ليه يتيم؟!!…..”
رقصت حاجبيها قائلة بانتصار…
“عشان مقطوع من شجرة….”
ضحكت باستمتاع بينما زم حمزة شفتيه
بقرف معقبًا بفظاظة…..
“يخرب بيت خفة دمك اللي هتخليني أروح اقطع
شرايين من الضحك….”
لكزته قمر في كتفه….
“اي ياحمزة طب والله حلوة….”
تنهد وهو ينظر للسقف قائلا بوقاحة…
“طب اقولك انا فزوره…اي اللي حاجة اللي تبوسها
تقلـع لـ…..”
اوقفته مزمجرة بحرج…..
“عرفاها…..وياريت تقول فوازير محترمة…ولا
أقولك…. قول نكتة…”
قال حمزة بمكرٍ……
“انا النكت بتاعتي بتخدش الحيا لو مستعده
تسمعي انا معنديش مانع….”
هزت راسها بنفي وهي تغمض
عينيها….
“لا مش عايز اسمع….انا هحاول أنام….”
فتحت عيناها مجددًا عندما شعرت بابتعاده عنه
فسالته بلهفة…..
“رايح فين ياحمزة……”
اجابها بهدوء وهو يفتح الباب…
“هروح أطمن على شهد وهشرب سجارة في البلكونة…..”
جلست على الفراش بسرعة ثم اقترحت
بتردد….
“تحب اجي اقف معاك في البلكونة….”
اوما حمزة براسه مبتسمًا….
“لو مش هضايقك ريحة السجاير ياقمراية.. تعالي..”
…………………..
“لقتها صاحيه….”سالته قمر وهي تقف امام سور الشرفة المغلقة بستائر سميكه…
اقترب منها ووقف جوارها قائلا بزفرة ارتياح….
“راحت في سابع نومه كده أحسن الأيام اللي فاتت كانت صعبة ومكانتش بتعرف تنام كويس….اي ده…”
نظر لكوب الشاي الموضوع على السور جوارها
فقالت قمر بابتسامة براقة……
“شاي بالقرنفل….”
التقط الكوب واخذ منه رشفة…..
“جاي في وقته….ليه عامله كوباية واحده…”
قالت بابتسامة شقية….. “هنشرب منها سوا….”
ضاقت عيناه مناغشًا…
“ويترى دا بخل بقا ولا غلاسة…”
قالت بمناكفة لذيذة….. “غلاسة….عندك مانع…..”
“مقدرش….نخمس فيها سوا…”هز راسه بنفي وهو يعطيها الكوب…اخذت منه الكوب وهي تنظر من
شق الستائر منبهرة برؤية القمر المضوي فاشارة بتلقائية إليه……
“الله القمر طالع شايفه….”
هز حمزة راسه وهو ياخذ منها الكوب….
“مش واخد بالي منه…كفاية القمر اللي جمبي…”
ضحكت بخجلا بعد هذا الإطراء اللطيف….
ثم صمتا قليلا يتاملا السماء القاتمة المزينة بالنجوم والقمر المضوي اعلاهما….يؤنسهما بسحرٍ خاص…
قالت قمر بعد فترة بتردد…
“حمزة هي فعلا شهد وعاصم هيطلقوا ؟!…..”
انعقد حاجباه بغلاظة معقبًا…
“انت كنتي بتلمعي اوكر ورا الباب ولا إيه….”
لكزته في كتفه مغتاظة….
“بطل غلاسة بقا…انت مش عايز تحكيلي؟!!…”
مط شفتيه قائلا بنبرة مهمومة…..
“الموضوع باين ياقمر مش محتاج أحكي….واضح
انهم متفقوش…..واحتمال يطلقوا فعلا… قريب….”
انحنى حاجبا قمر بحزن متأثرة….
“إزاي بس دول بيموتوا في بعض….دا عاصم
بيحبها أوي…..”
غامت عسليتاه وهو يقول بشرود….
“الحب لوحده مش كفاية…في حاجات اهم من
الحب…”
وكانه القى سهم سام في قلبها فبلعت ريقها
وهي تستفسر بوهن…… “زي إيه مثلا….”
اجاب حمزة وهو يرتشف من الكوب….
“دماغنا تكون واحده…بنفهم بعض كويس
وبنقدر نحترم بعض….واهم حاجة نرتاح مع
بعض بجد….”
قالت قمر بتذمر……
“كل د بيعملو الحب على فكرة….”
رد حمزة مستنكرًا….
“كل ده بيجي مع العشرة والسنين….والتعود..”
قالت قمر باصرار عاطفي…
“ما إحنا كملنا عشان بنحب….”
استدار حمزة بكليته لها سائلا…..
“انتي عايزة تقولي اي يـاقـمـر انا سمعك..”
بللت شفتيها وهي تقول بدفاع….
“عايزه اقول ان الجملة اللي قولتها غلط الحب هو اهم حاجة…. عليه بتتبنى حاجات كتير اوي….حتى
المودة والرحمة والعشرة مستحيل يجوا من
غير حب…. ”
هز راسه بعناد معقبًا بملامح
رصينة….
“احنا مختلفين في الحته دي….”
مسكت قمر يده فجأه تساله بنفاذ صبر….بنبرة
قوية متعطشه اليه……
“انت لي بتهرب من الحب….”
نظر الى عينيها الراجية أجابه مقنعة..فقط أجابه
تخمد لهيب قلبها….فقال بتجهم…
“عشان خايف…..خايف اصدقك فتجرحيني…”
فلتت يده وهي تقول بلوعة…..
“بس انا حبيتك بجد….ومستعده أموت عشانك….”
“الكلام مش بفلوس ياقمر… الحب مواقف….
أفعال…..”اولاها ظهره وهو يقولها بانفعال غريب…
هي وحدها من تفهم لماذا هو منفعل حتى هو
يجهل ثورة مشاعره الان بقربها…..
سالته بصوتٍ خافت باهت…..
“انت اتجوزتني ليه ياحمزة……”
سحب أكبر قدر من الهواء البارد لرئتاه وهو يغمض
عيناه مجيبًا بقلبه قبل لسانه…
“عشان برتاح معاكي….ببقا مبسوط وانا معاكي..بحب
حبك ليا….حابب نظرة عينك ولمعتها….اسمي من بين
شفايفك….لمسة إيدك حضنك وكلامك….حابب فيكي حنيتك….طيبة قلبك…بشوفك أم ليا…. اكتر من زوجة…”
اختلج قلبها بلوعة وهي تسأله
بدموع…..
“وتفتكر ده مش حب ؟!!……”
ادار وجهه لها يرمقها بجدية قبل ان يتفوه بـ….
“لو سمعتي اللي جوايا هتصدقي… ولا هتفتكريها
كدبة جديدة…. متفق معاهم عليها….”
سالت الدموع من عينيها وهي تقول
بعذاب….
“هصدقك ياحمزة…والله هصدقك….بس قولي الحقيقة…”
بلع حمزة غصة مؤلمة في حلقه وهو يعترف
لها بضعف…..
“الحقيقة ان انا لما وافقت اتجوزك…كنت واخد
ورث امي حجة…عشان أوصل للحاجة اللي مش
قادر اعترف بيها بيني وبين نفسي حتى….
وفعلا خدت حقي….وخدت الشقتين وشرط
انهم يبقوا شقتين وافتحهم على بعض…عشان املى النقص اللي جوايا….وأقول انا عملت اللي هي كانت عيزاه بس مش معاها مع واحده تانيه..”
أغمضت عينيها بوجع وكانه صفع كرامتها مجددًا
بذكرى أخرى….فتابع حمزة بصوتٍ خافت…
“لقتني ففترة الخطوبة….بتشد ليكي اكتر من الأول
زي المغناطيس…اليوم مكنش بيكمل غير لما بشوفك وبتكلم معاكي…نتغدى سوا نفطر سوا…..نقعد ندردش في البلكونه زي دلوقتي……بقا يومي عبارة عن..
قمر…..جمال قمر وحلاوتها وضحكتها….هزارها
وخصامها….”
خفق قلبها متجاوبًا بجنون معه…لكن ملامحها
كانت هادئة متزنة وهي تسمعه…أضاف حمزة
بجدية يقر……
“كنت بحس بنغزة ضمير كل ما افتكر اني مخبي عنك حقيقة اتفاقي مع عثمان…بس برجع وبقول
اني مش متجوزك عشان كده….كنتي وسيلة اني أعرف اخد حقي واحافظ على حقك في نفس
الوقت…بس جوازي منك…..كان حقيقة بيني
وبين ربنا مكنش من وراه اي مصلحة..كنت ناوي
اكمل معاكي لاخر عمري…..كنت شايفك مراتي
وام ولادي من قبل حتى ما اكتب عليكي…”
هبطت الدموع من مقلتاها بغزارة يآمن
قلبها على الحديث….لكن عقلها متخبط بين
ما سمعته يوم الحنة والان…..
لكنها دوما تسير خلف مشاعرها مغمضة العينين
واليوم تسير بنفس الطريقة دون حذر….
لكنها تشعر بانه صادق معها…قلبها يقسم لها
بانه صادق…لكن اين البراهين؟!…..
مد حمزة يده واحتجز وجهها بين يداه ثم
مسح دموعها باصابعه قائلا برفق حاني…..
“ليه بتعيطي…اقسم بالله كل حاجة بقولهالك
حقيقية…وخارجة من قلبي….أوعى تكدبيني.. ”
نظرت الى عسليتاه المتوسلتان لها المطالبتان
بعطفها….رق قلبها له كأم تحنو على طفلها..
فعادت الدموع الى عيناها بعذاب…بينما
خرجت نبرة صوتها مهتزة..
“انا بحبك ياحمزة…….”
مالى حمزة على جبهتها ساندًا عليها وهو ينهت
بتعب مغلق مقلتاه للحظات…..وقد تسارع نبض
قلبه بمشاعر عنيفة مضطرمة…..وهي بين يداه مستسلمة بمقلتان حمراوان كالدماء وخفقات
تكاد تصل للعنان….
فتح عيناه وهو يستقبل بُنيتاها بحرارة هامسًا
وهو يقترب من وجهها أكثر ومالى على ثغرها
الشهي وبدأ يطبع قبل سطحية فوق شفتيها
وهو يعترف بهمسًا عذب حار….
“انا بموت فيكي…بعشقك….بهواكي…بهواكي ياقمري…..”
فغرت شفتيها بجمالًا سائلة بعدم
تصديق….
“بتحبني بجد ياحمزة…..”
همس وعيناه مسحورتين بها….
“والله العظيم بحبِك….بحبِك اوي ياقمراية…..”
اعتقل خصرها بين يداه مقربها منه أكثر ثم
أنقض على شفتيها على حين غرة مقبلها قبلة
جامحة حارة…افقدتها صوابها واذابت معها
اعصابها منهارة…..
جرتا يداه الجريئتان بوقاحة على جسدها يكتشفها بصورة أخرى….صورة اشعلتها ولم تتوقع ان تشعر بكم هذا الاحتياج بين يداه…..
تعلقت قمر في عنقه غير قادرة على الصمود
أكثر….فالوقح يعذبها دون ان يعي….فحملها
حمزة عندما انهارت بين يداه…..
حملها من خصرها ثم وضعها على المقعد الخشبي
بقلب الشرفة….دون ان يطلق سراح شفتيها….
ومالى عليها أكثر يرتشف من رحيق ثغرها الحلو الطري وهي بين يداه مسالمة تتشبث في خصلات شعره الناعم بانهيار انثوي راقه بشدة……
سرقا من عمرهما لحظات ستكون من أجمل
الذكريات الحميمية الجميلة بينهما……
……………………………………………………………
فتح باب الشقة ثم اغلقه خلفه بالمفتاح….
ورفع عيناه المظلمة ليجد يزن يخرج من الحمام
وحول عنقه المنشفة يجفف بها وجهه…
مرا أسبوعين كاملين على وجوده في تلك الشقة
يقوم عاصم بالمرور عليه كل يوم تقريبًا يحضر
معه الطعام واغراضه الخاصة….
كل يوم تحدث مشادة كلامية بينهما تنتهي بمغادرة عاصم مكفهر الملامح بغضب…
مزال يرفض يزن العمل في الصاغة مزال يتحجج
بدراسته وحياته التي يفضلها خارج نطاق شارع
الصاوي…..
“انا موافق اشتغل معاك في الصاغة….”
نطق بها يزن عندما رأى عاصم أمامه… لم يبدوا على عاصم اية اهتمام او سعادة بقراره المنتظر….
بل قال بجمود جافٍ وهو يضع الإفطار على
الطاولة بفتور…
“كويس… اهو بدا عقلك يرجعلك….افطر عشان
ننزل شارع الصاوي….اسلمك شغلك الجديد…”
رفع يزن حاجبه بملامح جافلة….
“بسرعة دي هستلم الشغل… مش لما اشوف الأول
مواعيد محاضراتي واوفق بين الإتنين…. ولا انت عايز مستقبلي يضيع….”
التوى ثغر عاصم في ابتسامة ساخرة….
“مستقبلك كان هيضيع فعلا يادكتور…. لو كنت
كملت في سكة شرب الخمرة….”
بلع يزن ريقه بحرج واشاح بعيناه الزرقاء بعيدًا
عنه…. فقال عاصم بخشونة…
“روح هات طبقين وسكينة من جوا….”
نظر له يزن بعدم فهم للحظات فانتبه بانه يعد فطور
سريع على الطاولة أمامه….
فاستدار بغيظ يلبي طلبه فاوقفه عاصم…
“استنى… خد اغسل الطماطم والخيار دول كويس
أوي…”
فعل يزن وهو ياخذهم منه على مضض….
بعد لحظات كان عاصم قد اعد فطور بسيط وشهي
ثم جلسا بجوار بعضهما على الاريكة وبدأ ياكلا بصمت…..
شعر يزن بان اللقمة تكاد تنزلق بصعوبة من حلقه
كل يوم يواظب عاصم على المجيء والافطار معه
و…والصلاة جماعة معه….واصبح مداوم عليها في تلك الايام القصيرة……
واحيانا يذهبا سويًا للصلاة جماعة في الجامع القريب
من هنا…..كان في السابق يصلي مع عاصم مجبور فرض او اثنين معه ثم عندما يغادر عاصم لا
يقوم بقضاء باقي الفروض….معاندًا كطفلا متذمر….طائش..
حتى بدا يشعر بندم كلما سمع صوت الأذان وتهرب
منه….كلما سمع الايات القرانية تتلى من صوت المكبر القريب منه ويتغافل عن رسائل ﷲ له…
حتى حدث ما زلزل كيانه في أحد الأيام عند صلاة
الفجر….كالعادة سمع الأذان ولم يقضي الفرض بعناد
شيطاني….حتى سمع اية قرانية قد قرأها الشيخ
وقتها وهو يبكي متأثر من كلمات الله العظمة….
بسم الله الرحمن الرحيم…..
(يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ* خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ
كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ).
حينها ارتجف جسده متأثر برهبه وهو يفهم المعنى الصريح خلف الكلمات….
لذا نفض فجأه الغبار عنه…وتقدم يتوضا ويصلي
ثم واظب على فروض الصلاة في البيت ومع ابن عمه عند قدومه…..وفي فترة قصيرة اصبح اهدأ واكثر تفهمًا للامور من حوله……وكأن الشياطين بداخله سُلسلة بالحديد عندما اقترب خطوة
واحد من ﷲ….
افاق من شروده على صوت عاصم الخشن
وهو يقول بأمر…..
“من بكرة تروح الجامعة وتلتفت لمحاضراتك وتحاول توفق بين مواعيد محاضراتك في
الجامعة وبين شغلك في الصاغة….”
اوما يزن براسه منصاع للحديث…وهو يأكل بشهية
مفقودة…..
فانطلق صوت الأذان فجأة معلن عن صلاة الظهر…
فتوقف عاصم عن الاكل مردد مع المؤذن وعندما
انتهى نظر ليزن قائلا بخشونة….
“لو خلصت فطارك يلا…عشان نلحق نصلي الضهر
جماعه ونطلع على الصاغة…..”
نهض عاصم من مكانه مردد الحمد وهو يتجه للحمام
فاوقفه يزن فجأة بجملة اخترقت الصميم…
“امتى هتسامحني على اللي فات…..”
تشنج جسد عاصم وهو يوليه ظهره منفعلا بضراوة
بعد هذه الجملة القاتلة….
فحتى الإعتذار في هذا الموضوع خطر….ومؤلم لمن
تعرض للخيانة والغش من قِبل ابن عمه…ابنه البكري..
كما يراه دائمًا وابدًا…..
لم يأخذ إلا ثوانٍ قليلة ثم استدار له مردد جملة
كانت بمثابة خنجر مسنن طعن به نفسه بقسوة…
“لم أبطل اشوفها في عنيك…..”
ثم تركه وأكمل طريقه للحمام…وقتها احنى يزن
راسه بغضب وندم على ما أوصل نفسه إليه…قد انغرس في وهم الحب…وليس اي حب…حب
محرم وقد عرف هذا بعد فوات الأوان !!……
دلف يزن الى الصاغة برفقة عاصم ليست أول مرة
ياتي الى هنا ويدخل شارع الصاوي…لكن دوما كانت
زيارته مختصرة ومرفهة…اما اليوم فهو قد اتى
بنفسه للعمل في هذا المكان……
الذي كان في السابق من رابع المستحيلات العمل
في هذا المجال….
لكن يبدو انه سيعاني قليلا قبل ان يصل لرتبة
دكتور….
“رجب…..”
نادى عاصم على الشاب الذي يعمل معه ويعتبر
المسئول أمامه عن العمال في الصاغة….
اقترب منه رجب باحترام….
“اوامرك يامعلم عاصم …..”
وضع عاصم يده على كتف يزن وربت عليه
بخشونة متحدثًا…..
” يزن….هيشتغل معانا في الصاغة…”
اتسعت عينا الشاب رجب بصدمة فحك يزن في
انفه بحرج شديد….بينما تابع عاصم بامر صارم..
“عايزك تشربه الصنعة…عايزة في خلال أسبوعين
هو اللي يقف يبيع ويتعامل مع الزباين….سامع..”
اشار رجب على عيناه الاثنين منصاع للحديث..
“من عنيا يامعلم عاصم…..اتفضل معايا يادكتور يزن…”
تافف عاصم بقلة صبر وهو يمسك ياقة رجب فجأه مقربه منه….مهسهسًا امام وجه رجب الذي انتابه
الفزع….
“إسمه يزن…..مفيش دكاترة هنا…احنا مش
في مستشفى اعقل الكلام شوية….”
اوما رجب براسه بهلع متعرق
الجبين برهبة….
“اللي تؤمر بي يامعلم عاصم….”
تقدم يزن منه وخلص رجب من بين يدي ابن عمه
قائلا بمرح طفيف….
“خلاص ياعاصم…اسمي يزن بس…كدا كده لسه متخرجتش عشان ابقى دكتور…..”
ترك عاصم رجب ثم نظر اليهم وامر بخشونة
حازمة….
“على شغلكم انتوا الإتنين…واللي قولتوا يتنفذ
يا رجب…..”
اوما رجب براسه مجددًا وهو يسحب يزن معه
برفق…..
صعد عاصم على السلالم المذهبة حتى وصل
الى مكتبه الفخم فجلس خلفه ثم بدا يفتح
الملفات ويتابع عمله…..
وجد من يقف فوق راسه مستاذن بأدب…رفع
عاصم عيناه المظلمة على أحد صبيانه وسأله
بهدوء……
“عرفت فين محل الهدوم بتاع بشير…”
اكد الصبي مملي عليه المعلومة…..
“ايوا يامعلم عاصم قريب من هنا…في
شارع **…”
ابتسم عاصم باستحسان وهو يخرج ورقة
مالية واعطاها له…
“عافاهم عليك….خد دول…وانزل على شغلك…”
اخذها منه الصبي قائلا بامتنان…
“كتر خيرك يامعلم عاصم…خيرك دايما سابق..”
إرجع عاصم ظهره للخلف وعقد النية بثبات..وعيناه
القاتمة تلمعان بالعزم والتصميم….
…………………………………………………………
ترجل من السيارة ونزع النظارة السوداء عن عيناه
وهو يقرأ يافته محل الملابس الكبيرة والواجهة
الزجاجية الأنيقة للاطقم المعروضة على المجسمات….
تقدم عاصم بخطى ثابته وقوره الى الداخل المحل المكتظ حاليًا بالزبائن !…
وعندما وقف في منتصف المكان…ساد صمت مهيب
فجأة من قِبل الزبائن وخلود والعاملة التي تعمل
لديها….
فالجميع يعرف من هو (عاصم الصاوي)ودخول
عاصم الى محل نسائي بسيط جلب الصمت التام بعيون متسائلة بفضول….
نظر عاصم بعينين كالصقر الحاد الى خلود امرًا
بصلابة…..
“عايز اتكلم معاكي يام نسمة….على انفراد….”
بلعت خلود ريقها وهي تنظر للجمع الواقف
منتظر المشتريات….
عادت الى عاصم المنتظر كجبل شامخ في وقفه مهيبة اربكتها مع نظرة عيناه المخيفة عليها…
صاحت خلود معتذرة بجسد يرتجف….
“مفيش بيع وشرى دلوقتي…. عدوا علينا كمان
نص ساعة….”
تبرم بعض الزبائن خارجين على مضض وهم يلقوا نظرة عابرة على عاصم…. حتى العاملة خرجت خلفهن بعد ان امرتها خلود بذلك…..
اقتربت خلود منه تشير على احد المقاعد بنبرة
مهتزة…
“ا…. اتفضل يامعلم عاصم..واقف كدا ليه..نورتنا…”
فتح عاصم زر السترة ثم جلس على المقعد وهو
يحرك حدقتاه على زوايا المحل من حوله معقبًا….
“ما شاء الله…دا امتى فاتحتي المحل دا يأم
نسمة..”
جلست بالقرب منه عن بعد خطوات….. مجيبة
بتوتر جلي…..
“من بعد فرحك انت والست شهد…. هي عاملة
اي صحيح….”
ضاقت عينا عاصم بتساؤل….
“انتي مش بتكلميها ولا إيه…. انا اعرف انكم
صحاب اوي….”
ازداد ارتباكها فقالت بابتسامة مرتعشة…
“اه طبعًا احنا صحاب اوي… بس انت شايف بقا.. الدنيا مشاغل وكل واحد ملهي في دنيته….”
ثم استرسلت بترحيب….
“منورنا والله يامعلم عاصم دا كأن زارنا النبي
تـ…. تحب اجبلك حاجة تشربها.. القهوة جمبنا..”
رفض عاصم قائلا….
“عليه افضل الصلاة والسلام…. انا مش جاي اضايف…. انا كنت جاي ابلغك بس ان قضية التسمم اتفتحت من تاني..”
قرع قلبها برعب وهي تقول بصدمة….
“إيه…. ا… اتفتحت من تاني… ليه… يعني مش هي اتقفلت وشهد الحمدلله خرجت منها سليمة…”
اوما عاصم يتحدث بنبرة لا شك بها….
“الحمدلله…وشهد معلهاش غبار في القضية دي..
في ناس تانية… طلعت متورطة….ولبست شهد
التهمه….”
فركت خلود في يداها بشكلا يدعو
للريبة
“ناس ؟!…. ناس مين يعني….”
سحب عاصم نفسًا طويلا وهو يستلذ بلعب
على أوتار خوفها…..
“اللي بدلوا البضاعة اللي في المطعم ببضاعة تانية
منتهية الصلاحية وفسدة…وطبخوها لواحد بعينه
كانوا متفقين معاه من قبلها….”
رفعت خلود حاجبيها وتحشرج صوتها
بالقول…
“معقولة…وانت عرفت المعلومات دي
منين بظبط…”
بدا بالارتجال بمهارة فإن اوقعها سيكون الباقي
سهل المنال !!……
فقال عاصم بلهجة جادة……
“ماهو الراجل اللي عمل المحضر… ضميرة صحي واعترف انه كان ليه شاركا ليهم يد في ان شهد تتسجن ومطعمها يتشمع….”
مالى قليلا للأمام وتابع بصوتٍ مهيب خطر
جعلها تنتفض واقفه…..
“تعرفي مين أول واحده نطق اسمها في التحقيق..
انتي ياخلود…تصوري مكنتش مصدق لما قال
أسمك…..اتوقعت اي واحده تانيه من البنات اللي
كانوا شاغلين معاها إلا انتي…. ”
قفزت من مكانها تصرخ بتهدج….
“انا معملتش كده…. الراجل ده كداب….”
وقف عاصم يواجه كذبتها بشد الجام بقسوة…
“الراجل ده معاه تسجيل بصوتك وانتي بتتفقي
معاه…..”
صرخت خلود بهلع وهي تعترف….
“والله العظيم ابدا… انا متفقتش على حاجه..
كل ده كان تخطيط الست الهام وهي اللي متفقة
على كل حاجة… انا… انا بس نفذت جزء من
الخطه وهو كمل الباقي…انا معرفوش ولا
هو كمان يعرفني….”
لمعة عينا عاصم بالانتصار….
“يعني الهام هي اللي عملت كل ده….عشان
تنتقم من شهد….معاكي دليل على كلامك؟!.. ”
اومات خلود براسها وهي تبكي….
“أيوا…مسجلالها كام مكالمة وهي ببتفق
معايا على كل حاجة…..”
اظلمت عينا عاصم أكثر….بينما مالت خلود فجاة
على يده منتحبه بتوسل…..
“أبوس ايدك يامعلم عاصم إرحمني….انا لو جوزي
عرف حاجة زي دي هيطلقني فيها…ولو انا اتحبست
عيالي هتتبهدل…..أبوس إيدك… ”
ابعد يده عنها بغضب يرمقها بقرف بعد ان تأكد انها خلف كل شيء حدث سابقًا لزوجته…
فهدر عاصم مشمئز منها….
“خايفه تتطلقي وتتبهدلي انتي وعيالك..ومخفتيش
عليها ليه وهي محجوزه في القسم وسط ولاد
الحرام…..مزعلتيش عليها ليه وانتي عارفه ان
حاجة زي دي هتخليها مش بس تخسر شغلها
وحلمها اللي انتي أول واحده عارفه بيه…لا
دا كان كمان ممكن تطلق… وتقضي عقوبة
التهمه دي كام سنة…..”
نزلت دموع خلود بغزارة على وجنتيها وهي تقول
بتهدج……
“شهد عرفت الحقيقه…. أكتر من خمس شهور
عرفت ان إحنا اللي كنا السبب في كل حاجة..بس
هي مأذتنيش….رحمتني من غير ما اطلب منها
الرحمة…ابوس ايدك بلاش تسجني…أبوس إيدك.. ”
مالت على يده بمذلة فسحب عاصم يده عنها
بغضب وهو يخفي صدمة معرفة شهد بان
خلود مشتركة مع إلهام في تلك الجريمة…..
وقد اخفت ايضًا تلك المعلومة عنه…
عاد عاصم الى النظر الى خلود الباكية المطالبة
بالعفو…..فقال بسطوة مهيبة….
“انا ممكن اسامحك بس بشرط واحد…تيجي معايا
وتعترفي قدام الكل باللي عملتيه…”
قالت بتخوف…..
“قدام مين…. شارع الصاوي….”
هز راسه بنفي مصحح…
“قدام كبير عيلة الصاوي…. يونس الصاوي….اللي هيحكم بالعدل…عليكي وعلى اللي سلطتك.. تأذي
مراتي….وانا هرضا بحكم الكبير….مهما كان… ”
…………………………………………………….
ضرب الحاج يونس بالعصا الغليظة ارضًا بقوة
وهو يوقفها بحدة…..
“اخرسي يا إلهام….”
انتفضت الهام وهي تبكي بقوة….موزعة النظرات
الزائغة على الموجودين في صالة السرايا الكبيرة
في مواجهة الجميع بعد ان اعترفت خلود بكل
شي امامهم…..
والتي مزالت واقفة مكانها تنتظر الحكم الاخير
عليها من كبير عائلة الصاوي الحاج يونس….منتظرة بخوف يسري في كامل جسدها الان يضربها بقوة….
كمن ينتظر حكم الإعدام ؟!!…
كان جالسا الحاج يونس على مقعد وثير بهيبة وشكيمة يتميز بها يرمق إلهام بعدم رضا وخزي
بينما الحاجة نصرة التي تجلس على مقعدها ترمقها بازدراء……وخلفها يقف عاصم يستمع للحديث بملامح جافية وعينين مشتعلتين كالجمار عليها…
اما مسعد فكان جالس على الاريكة ناكس الرأس
بحرج منها وقلة حيلة…..
فعادت الهام تنكر بمسكنة…
“مش هقدر اسكت يا حاج يونس…البت دي كدابة
بتتبلى عليا…..”
هتف عاصم بنبرة خفيضة خطرة….
“حتى بعد ما سمعنا المكالمات اللي مسجلهالك…”
تاففت نصرة بخزي وبنبرة مجهدة قالت…
“لاحول ولا قوة إلا بالله…عملت اي فيكي شهد..
عشان تحاولي تاذيها بشكل ده…اعوذ بالله…شايف
مجايبك السودة يا مسعد…..وكأن انا وابوك كنا
حاسين بالمصيبة اللي دخلتها علينا…..”
نظر مسعد الى الهام بغضب ووعيد لأول مرة
تراه في عيناه…فبلعت ريقها وهي مصممة
على الانكار…..
“اكيد التسجيلات دي متفبركة…..انا معملتش كده
صدقوني….صدقني يا حاج يونس… ”
ضرب يونس بعصاه مجددًا صائح بغلاظة…
“بلاش تصطادي في الماية العكرة ياالهام….كلنا
عارفين ان ليكي مصلحة من ورا عملتك دي..انك
تبوظي جوازة عاصم…عشان يرجع لاختك من
تاني….”
ثم أشار على خلود محتقر…
“وبعدين اي اللي هيخلي واحده زي دي تتبلى
عليكي بتهمة زي دي ياحرم مسعد الصاوي….”
قالت الهام بضغينة سوداء….
“أكيد شهد اللي بعتاها ما هما صحاب…ومتفقين
سوا…..عشان يشوهه صورتي قدامكم….”
قالت خلود بنبرة مرتعشة وهي تبكي….
“اقسم بالله كل حاجة قولتها حقيقة…وانا معرفش
حاجة عن شهد يجي أكتر من ست شهور..انا
مستعده أحلف على المصحف ان كل كلمة قولتها
بيني وبين الست الهام حصلت…. ”
هتفت الهام بضراوة متشنجة…..
“مش حقيقي انا مستحيل أعمل كده….متصدقهاش
دي كدابة……. ”
ثم جزت إلهام على اسنانها بشراسة وهي تتقدم
من خلود تحاول بطشها….
“انا يازباله ياواطيه…ياكدابة…مين مسلطك عليا
يابت…انا أول مرة أشوفك…..”
قبل ان تصل الى خلود وقف عاصم حائل بينهن
قائلا بنبرة مهيبة……
“مكانك يامرات عمي…إيه هتضربيها قدمنا…مفيش
احترام للكبير…..”
استشاطت إلهام غضبًا متبرمة….
“وكانت مراتك احترمت الكبير لما رفعت شبشبها
في وشي…..وضربتني بيه….”
أبتسم عاصم بعصبية امام عيناها الزرقاء المحتقنة ثم مالى عليها قليلا مهسهسًا بصوتٍ خفيض شرس لم يسمعه سواها…….
“تعرفي انك تستحقي الجلد….لو مفكرة اني
دخلت الكبير بينا….عشان عاجز مثلا اني اخد حقي منك….تبقي غلطانه….انا دخلت الكبير عشان خاطر عمي وابنك….ولولا اسم العيلة…..العيلة بس كان زماني مشيل لك قضية…تقضي عقوبتها…الباقي
من عمرك في السجن….”
ارتجف بدن الهام بذعر وهي ترجع خطوة
للخلف…فقال عاصم بقتامة…..
“من رحمة ربنا…انك مرات عمي…..وابنك ابن
عمي الوحيد…ودا بس اللي مانعني عنك….”
استدار عاصم ينظر الى خلود امرًا بخشونة
“طلعي تلفونك ياخلود…ورني على رقم ام
يزن……”
رمشت الهام باهدابها بتوتر…..بينما رفعت خلود
الهاتف على اذنها فورًا متصلة برقمها……
صدح هاتف الهام بعد ثانيتين على الطاولة القابعة
امام الحاج يونس…
مد الحاج يونس يده واخذ الهاتف ثم رأى بوضوح
رقم خلود مسجل باسمها على الهاتف……
فرفع شاشة الهاتف للأمام مصوبها على إبصار
الهام ثم تشدق باحتقار….
“واضح فعلا انك أول مرة تشوفيها…عشان كده
مسجله رقمها…..”
قالت الهام بتلعثم مرتبكة النظرات….
“انا مقولتش اني أول مرة أشوفها….انا معايا
رقمها عشان بعطف عليها…زيها زي اي واحده
بتجيلي…..”
ابتسم عاصم باستياء وهو يتركها متقدم من
الحاج يونس قائلا بملل….
“عشان نوفر على نفسنا لف ودوران…مرات عمي
عمرها ما هتعترف حتى لو متصورة صوت وصورة
فانا عايز حكمك ياحاج يونس باللي وصلك
دلوقتي..
“اللي أكد ان مراتي بريئة…وانا مرات عمي..
هي ورا كل حاجة…..”
صمت يونس لفترة وجيزة ينظر الى حفيدة
الكبير…هذا الحفيد الذي سينال المقعد من بعده
فلا أحد انسب منه ليكن كبير عائلة الصاوي…
تحدث الحاج يونس برجاحة عقل….
“اللي حصل مش بس ضر مراتك يا عاصم ده ضرنا
كلنا كعيلة…وانا مقدرش افتح القضية بعد ما اتقفلت والناس نست…ولا حتى اقدر اعاقب مرات عمك بالسجن…..”
يعلم جيدًا ان العائله واسمها العريق فوق كل
شيء….حتى ولو كان التستر على فضيحة
بمثابة ظلم للآخرين ؟!!…
اوما عاصم بهدوء…. “واي هو حكمك ياجدي….”
اجابه يونس بنبرة غليظة……
“حكمي….ان الهام تكتب مبلغ *….لشهد تعويض
عن تشميع المطعم…..واليوم اللي قضته في
الحجز.. ”
صاحت الهام ببغض…..
“مستحيل مش هديها مليم واحد من فلوسي…”
اوقفها يونس بصوتٍ أعلى…
“وهي فلوسك دي جمعتيها منين يالهام..ماهو من
ابن اخويا….مسعد….”
رفضت الهام وهي تبكي بمسكنة….
“انا مش هنفذ الحكم ده…لاني بريئة من التهمه
دي ياحاج يونس….”
أشار يونس بالعصا عليها بتحذير….
“الهااااااااااام….انتي عارفه ان اللي بيعارض
كلامي يبقا عقابة اي عندي…..”
ارتجف جسدها وهي تبكي
بحرقة….
“ياحاج يونس…. انا مظلومة….والله مظلومة..”
تشدق يونس بصوتٍ قوي زلزل المكان
من حولها….
“انتي مذنبة…. وطلع كذا دليل ضدك وقدمنا كلنا..
اعتراف البنت دي… وتسجيلات المكالمات اللي
معاها…واسمها اللي متسجل على تلفونك…”
اخفضت جفنيها وهي تقول بقهر….
“المبلغ كبير اوي…وده مش تعويض دا خراب
بيت ليا……حرام…..والله حرام.. ”
تدخلت الحاجة نصرة مشمئزة من تلك المرأه التي
غلبت الشيطان بمكرها وشرها…
“حرمت عليكي عيشتك…..يعني همك الفلوس اوي ومش فارق معاكي اخرتك….ضميرك ازاي كان بينام
مرتاح وانتي عارفه انك ظلمتي غيرك وحرقتي
قلبه على شغله ومجهودة اللي اترموا في الأرض
بغمضة عين…..”
مسك مسعد ذراع امه بقلق…..
“اهدي يا أمي….اهدي عشان صحتك.. “ثم نظر
الى زوجته امرًا بصلابة…
“نفذي يالهام ياما وديني…..هرمي عليكي يمين الطلاق…..”
نظرت الهام اليه بذهول….
“حتى انت يامسعد…انت كمان مصدق اني ممكن
اعمل كده….”
لوى مسعد فمه متهكم….
“انا مصدق كل حاجة من قبل حتى ما اسمع المكالمات…اوراقك مكشوفة يا الهام ومن زمان
ولولا ابنك….كان زمانك مطلقة وقعده جمب أختك…..”
بعد لحظات كانت تمضي الهام على شيك بمبلغ
كبير من ضمن مبلغ مهول مسجل باسمها في
البنك….
اعطت الشيك الى الحاج يونس فاخذه يونس
بدوره واعطاه لعاصم قائلا بأمر….
“تسحب الفلوس دي…وتحطها في حساب مراتك
تعويض عن اللي حصلها…”
رد عاصم وهو ينظر الى الهام بقنوط…
“الفلوس دي مش هتدخل حساب مراتي….الفلوس
دي هتبرع بيها…..اما نفس المبلغ ده هحطه من معايا في حساب مراتي…..احنا مش بنقبل العوض من حد…”
احتقن وجه الهام بغيظ وهي تجز على اسنانها
وتسب وتلعن من كانت سبب بدمار كل شيءٍ
من حولها….
بينما كان قلب خلود يقرع بذعر وهي لا
تعرف مسيرها القادم بعد….فقالت بتردد….
“انا….انا عايزة أمشي ياحاج يونس…”
اشار لها يونس باصبعه الغليظ يلقي الحكم الثاني
عليها……
“انتي فعلا هتمشي….بس من اسكندرية كلها..مش عايز اشوف وشك في البلد ولا أسمع انك
موجوده فيها…..”
شحب وجه خلود بصدمة كبرى وهي تقول
بمذلة…
“اتغرب فين ياحاج يونس….انا اهلي كلهم هنا…حياتي وشغلي هنا…..هروح فين بس….”
علق الحاج يونس بصرامة…
“مش مشكلتي….اختاري بين انك تعيشي هنا
مسجونة….. او تخرجي من البلد حُرة….”
تبادلت النظرات معهم بقلة حيلة حتى جرت
الدموع على خدها وهي تقول بعجز….
“اللي تشوفه..اللي تشوفه يا حاج يونس كتر خيرك…”
استدارت تنوي الرحيل الا ان عاصم نداها ولحق
بها قائلا…..
“استني ياخلود….خدي دول…”نظرت اليه لتجده
يمد لها مبلغ لا بأس به ثم قال بتقريع خشن…
“دول مش عشانك…..دول عشان ولادك….محدش
ظلمك ياخلود….انتي اللي ظلمتي نفسك لم قبلتي
تأكلي ولادك مال حرام…..”
نكست خلود راسها أمامه بخزي باكية….
فاضاف عاصم بسخط….
“وعشان اصحي ضميرك النايم ده…شهد اللي
بعتيها…وقبضتي تمن سجنها وتشميع المطعم..
كانت بتتحايل عليا قبلها..عشان بس اسيب المطعم مفتوح عشانكم……ومقطعش برزقكم انتم…..
والبنات اللي كانوا شغالين معاكم….”
بعد ان غادرت خلود…وبعدها استأذن الحاج
يونس لمهام عائلية أخرى……
كان مزال الجميع جالس مكانه ولم يغادر أحد
بعد…..فقالت إلهام بانفعال وهي ترمق زوجها
الذي ينظر اليها بصمت مبهم…
“اوعى تصدق يامسعد كلامهم…انا بريئة….”
اثارت حفيظة مسعد اكثر من اللازم….فقد ضغط
على نفسه كثيرًا في تلك الجالسة حتى لا يتهور
امام كبير العائلة…..
لكن الصبر نفذ داخله…يجب الآن ان يلقي هو ايضًا
حكمه على تلك الحية التي دخلت حياته قاصدة
الافساد والخراب….وهو بغباء سمح لها بفعل ما تشاء…..
حتى أصبحت مؤامرتها المقرفة أشد خطورة
واذى على من حوله….
انتبهت الهام الى مسعد ينهض من مكانه مقترب
منها بملامح مربدة وخطوط وجهه تزداد عمق
خطير….. والغضب متأجج بعيناه…
اهتزت حدقتاها بخوف شاعرة بالاختناق كلما
اقترب خطوة منها بتلك الملامح التي تنذر
بالشر والوعيد……
وقف مسعد امامها وعلى مسامع الجميع
زأر بصوتٍ جهوري…..
“الحاج يونس حكم حكمه وانتهى…بس لسه
فاضل حكمي انا يا حرم مسعد الصاوي…..”
رمقها بنظرة مخيفة جعلت الدماء تهرب من
عروقها ولم تمر الثوانٍ إلا وصرخت بقوة وهي
تضع يدها على صدغها فقد تلقت صفعة منه
اشد قسوة من السابقة التي تلقتها في شقة
ضرتها….
ما المها ليس فقط الصفعة القاسية بل الصمت الذي
نتج من خلفها…فلم يكن احد من الجالسين معارض
على هجومة الغير آدمي عليها….وكأنها تستحق
هذا وأكثر !….
نزلت دموعها وبدأت تبكي بصوتٍ مقهور نشاز…
فقال مسعد بصدر متضخم بمشاعر سوداوية…
“حكمي انا يا الهام مش قلم…حكمي هو طلاقك
انتي طالق يالهام…طالق طالق بتلاته….”
اتسعت عينا نصرة بصدمة بينما تابع عاصم العرض الجبار بجمود مزدري…..فهو يعلم جيدًا ان كشف أوراق الهام ستكون القشة التي يتعلق بها عمه
حتى يخرجها من حياته…دون ان يتلقى الوم
والتقريع من أحد…..خصوصًا ابنه….
فأصبح لديه أسباب قوية للتخلص من تلك العلاقة
للأبد……خلاص أبدي دون رجعه…..
هزت الهام راسها بصدمة وهي تتشبث بملابسه
بغضب أهوج….
“انت بتقول اي يامسعد…. انت هطلقني…. انا
الهام… حبيبتك… ام ابنك الوحيد….”
نزع مسعد يداها عنه بنفور قاسٍ…
“انا مش لسه هطلقك…. انا خلاص رميت يمين الطلاق عليكي…. وقريب اوي هتوصلك ورقة
طلاقك….. في المكان اللي هتكوني فيه بعد
ما تمشي من هنا….”
رفضت الهام بهيسترية وعنف…..
“امشي من هنا… انت اتجننت… دا بيتي…انا مش هسيب بيتي….”
مسك مسعد ذراعها بقوة هادرًا…
“مبقاش بيتك خلاص…. اطلعي لمي هدومك.. ويلا من غير مطرود… وورقة طلاقك هتوصلك ومعاها
كل حقوقك….”
صرخت بعنف وهي تنزع ذراعها بتمرد…..
“لااااااا… مش هاخد شنطتي مش همشي من البيت
ده… انا عملت كل حاجة تتخيلها عشان افضل هنا
ومش هسمحلك تهد كل ده بكلمة… لااااا…..”
انعقد حاجبي عاصم فور نطقها بتلك الجملة الغريبة
بينما وصل مسعد لذروة غضبه وهو يسحبها من ذراعها بقسوة ينوي رميها خارج حدود بيته….
“يبقا هتخرجي من هنا باللي عليكي….”
هتفت نصرة وهي على مقعدها بوهن…
“مسعد…. عيب يابني دي مهما كان ام إبنك….”
رفض مسعد بتعنت وهو يجرها للخارج باهانة..
“سبيني يا امي…انا خلاص جبت اخري منها… استحملت كتير ومش مستعد استحملها
اكتر من كده….”
قالت نصرة لحفيدها بتعب…
“اعمل حاجة ياعاصم….مينفعش يرميها في
الشارع كده….اعمل حاجة يابني.. ”
اقترب عاصم منهما على مضض ومسك ذراع عمه مبعده عنها وهو يقول بخشونة…
“اهدى ياعمي……اهدى متفرجش الناس عليك..ام
يزن عاقلة…وهتطلع تلم هدومها وتخرج بكرامتها..
مش كده يا ام يزن…..”
رمقته الهام بمقت داعيه عليهم جميعًا
بقهر…..
“حسبي الله ونعم وكيل فيكم….. منكم لله….”
ابتسم عاصم من زاوية واحدة ببرود مستفز
وهو يعقب على دعوتها……
“لو كنا ظلمينك…ربنا يخسف بينا الأرض….ولو
كنتي ظالمة ربنا يديكي على قد الأذى اللي
سببتيه لغيرك…..”
فارة دماء مسعد بعد دعوتها عليهم فحاول بطشها مرة اخرى لكن عاصم منعه بقوة جسمانية تفوقه
وقال بحزم……
“اهدي ياعمي…وتعالى معايا….”
…………………………………………………………
كانت جالسة على الاريكة تضم ركبتيها للأمام
سانده راسها على ظهر الاريكة…تتابع أحد الأفلام القديمة عبر شاشة التلفاز بنظرة بائسة…
كانت الشقة فارغة عليها…قد غادر شقيقها وزوجته
لتناول الطعام بالخارج وقد رفضت كالعادة الخروج
معهم معتكفه الجلوس فالبيت لشهرٍ كامل….
شهر كامل يجلسا معها رافضين الذهاب الى بيتهما
في محاولة مستميته منهما لاقنعها بالعيش معهم
لكنها ترفض…ترفض كل شيءٍ يقدم لها…ملتزمة الصمت والكآبة في هذا البيت الباهت كروحها..
لم تتخطى بعد…ولا قدرة لديها على فعلها….
قد تعبت وخارت قوتها امام صفعات الدنيا لها..
وضعت يدها على بطنها تمسد عليها بشوق.. فارغة
بطنها خالية من صغيرتها الجميلة…
اين ذهبت ولماذا تركتها وحيدة تتجرع مرارة وألم
الفقد…. يالهُ من وجع….
مسحت دموعها التي لا تجف في مقلتاها…مسحتها
وهي تفتح فمها زافرة بتعب…..
فصدح جرس الباب حينها…. جعلها تجفل للحظتين
ثم نهضت بتكاسل تجر قدميها جرًا صوب الباب…
فتحت الباب تنظر الى الطارق بفتور…. ولم يدوم
إلا قليل فسرعان ما توسعت عينيها وتعالى نبضها
وهي تراه يقف أمامها مشخصًا كحلم بات مستحيل……..عاصم…..
همس بها قلبها بلوعة ونطقت عسليتاها بالكثير…
سارت عينا عاصم عليها بشوق ثاقب… توغل الى أوصلها فجعلها تنتفض انتفاضة خفية…. وهو
يقف هكذا بقامة طول شامخة ووسامة مهلكة
بحلة سوداء نظيفة لامعة….فقد القليل من وزنه
وأصبح أكثر صلابة عن ذي قبل…..
ملامح وجهه رغم الجهد والحزن بهم متجهمة
بقسوة….وعينيه تغيرتا كثيرًا تبدد الدفء بهما
الى الصقيع….والجفاء بات ملازم لنظراته…..
سافر عاصم بعيناه القاتمة على وجهها الباهت
وعينيها الحمراوان… صعودًا لغرتها المتناثرة
المشعثه على الجبهة ثم لشعرها الملفوف
بفوضوية وعدم إهتمام فوق رأسها…
هبطت عيناه الصقريتين….الى جسدها الانثوي النحيل الفاقد للكثير من الحيوية….في ثوب ناعم
بسيط يبرز قدها النحيف….. استقرت عيناه بقوة
على بطنها التي عادت الى حجمها الطبيعي..بعد
ان غادرة طلفتهما موطنها…
وضعت شهد يدها على بطنها بتلقائية وهي
تخفي انفعالها وتأثرها العاطفي برؤيته بعد
شهر كامل من الهجر…. وقلوبهما لم تكن معتادة
ابدًا على هذا البعد القاسي…..
“اهلا ياعاصم….”
كانت تود قتل الصمت بينهما لكنها عضت على باطن شفتيها بغباء بعد ان سمع صوتها ورفع عيناه الواجمة
إليها….وكأن صوتها مقرف وغير مستحب…..
لماذا اتى اليها ان كان يكرهها الى هذا الحد….
تشبثت في حرف الباب بعذاب الإنتظار…
حتى قال عاصم بجفاء….
“عايز اتكلم معاكي شوية….. في حد جوا….”
هزت راسها بنفي…..قائلة بفتور…
“مفيش حد غيري….. اتفضل….”
تنحت جانبًا…. فدخل عاصم بخطوات هادئة مبصر
المكان من حوله بلمحة سريعة قبل ان يتخذ أحد المقاعد القريبة منه ويجلس عليها….
أغلقت شهد الباب خلفها وقالت بهدوء عكس
قلبها المختلج في حضور سيدهُ….
“تحب أعملك حاجة تشربها….”
رفض وهو يشير بأمر الى المقعد المقابل
له…
“مش عايز… انا مستعجل….تعالي قعدي…”
تقدمت منه شهد وجلست على المقعد كما أمر
منتظرة بصمت مذعن….
بينما أخرج عاصم ورقة مطوية من جيبه
واعطاها لها قائلا….
“خدي الورق دي…..”
“اي دي….”سالته وهي تاخذها منه وتفتحها
باصابع ترتعش !…
أجاب بهدوء وعيناه ترصد أقل حركة تصدر
منها بشوق…..
“كشف جديد بحسابك في البنك…..”
رفعت عينيها اليه قائلة بعدم إهتمام…
“ليه بتزود عليهم…انا اصلا ممدتش ايدي على
القدام…. ولا ناويه اخد حاجة منهم….”
حُسنها رغم الحزن ذابح…والقلب مشتاق…والله مشتاق…. والشوق سلاح قاتل ليس له ردع !!….
كور عاصم قبضة يده يخفي مشاعر عاصفة
ثم سحب نفسًا عميق صبور…..وقال…
“وليه مش عايز تمدي ايدك عليهم….”
قالت بكبرياء اهوج…..
“بسيطه مش فلوسي….دي فلوسك انت… ”
رد عاصم ببرود أجزع….
“بقت فلوسك لما اتحطت في حسابك….زي الشقة
اللي مكتوبة بأسمك….ومع ذلك عايشة هنا…”
رمقته بمشاعر متبلدة….
“ومالو بقا هنا…..دا بيتي اللي كبرت فيه…”
قال عاصم بعينين قاتمة هازئة….
“ومين ليكي هنا…عشان تفضلي هنا….إيه حبًا
في ابوكي مثلا عايزة تبقي جمبه….”
الان فهمت لماذا بعض النساء يتسترنا على أخطاء
عائلتهن امام أزواجهن….
بلعت غصة مسننة شاعرة بالاهانه والمعايرة
في حديثه الساخر….فقالت دون ان ترفع
عيناها عليه…
“والله انا حرة….انا لا عايزة فلوس ولا شقق
منك…ولا اتجوزتك عشان كده….”
ازداد ظلام عيناه وهو يقول بتهكم….
“مانا عارف انتي وافقتي على الجوازة دي ليه..
مش محتاجة توضحي….”
لفهما صمت قاتم بارد أشد من الصقيع على
العظام……
حتى قال عاصم بملل……
“خلاصت الكلام….الفلوس اللي في البنك دي
بتاعتك والشقة كمان… والمبلغ اللي اضاف عليهم
ده حقك…. ”
عقدة حاجبيها بعدم
فهم…
“حقي في اي بظبط…..”
اجابها بجدية وعيناه تتشرب من حُسنها
الحزين…..
“خلود اعترفت باللي عملته…وبلغت الحاج يونس
باللي حصلك من ورا تخطيط إلهام….وبتسجيلات اللي مسجلاها كمان….والحاج يونس أمر ان الهام
تدفعلك المبلغ ده تعويض على اللي حصلك…”
فغرت شفتيها بصدمة….
“واي اللي خلى خلود تعترف باللي عملته
بعد كل المدة دي….”
ادعى عدم المعرفة….. “يمكن ضميرها صحي….”
لم تهتم شهد وهي تقول…..
“يمكن… وحتى لو كلامك صح انا مش عايزة
الفلوس دي… لا من الهام ولا من غيرها…ولا
ممكن اسامحها على اللي عملته فيا… ”
نهض عاصم من مكانه يغلق زر السترة متنحنح بخشونة قبل القول….
“محدش قالك سامحيها… انا مهمتي انتهت لحد
هنا… ووصلت الامانه… حتة بقا عايزاها او لا
فدي بينك وبين جدي… الحاج يونس تقدري
تسحبي المبلغ وترجعهوله تاني…”
نهضت شهد منفعلة من اللاشيء وهي تقف
امامه بالمرصاد….
“انا مش هرجع حاجة… انت اللي هترجع المبلغ
زي ما خدته…..”
القى عليها نظرة قصيرة قبل ان يوليها ظهره
معلق……
“ما قولتلك مهمتي انتهت انا مجرد مرسال…”
سار للأمام صوب الباب أمام عينيها المشتعلة
بالحنق….فقالت بغيظٍ على حين غرة…
“عاصم…..امتى هطلقني….”
توقف عاصم مكانه فجأه وكأنها طعنة ظهره
بخنجر حاد فور نطقها بهذا السؤال…الاشبه
بأمر واقع يجب تنفيذة فورًا….
مولعة بالحصول على لقب مطلقة في أسرع
وقت…بينما هو يحترق على جمار مشتعلة كلما استيقظ على يوم جديد دونها…كلما خلد للنوم
وهو على يقين انه حرم من لذة قربها….حُرم منها…ومن طفلته ومن تلك العائلة التي انهارت
فجأه في طرفة عينٍ…..
يبدو انه الوحيد هنا الذي يعيش على الأطلال..
بينما هي تنتظر الطلاق كي تطوي الصفحة
وتبدأ من جديد !…
أجابها عاصم دون ان يستدير لها….وكأنه ينفر
من رؤيتها الآن….
“بلاش استعجال يامدام….قريب أوي…. هبعتلك ورقتك…”
ثم خرج أمام عينيها الحزينة مغلق الباب خلفه
بقوة نتج خلفها صدع أكبر في قلبها….

google-playkhamsatmostaqltradent