رواية غوي بعصيانه قلبي كاملة بقلم نهال مصطفي عبر مدونة دليل الروايات
رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل التاسع و الثلاثون 39
من كتاب خُلق القلب عصيـًا :
-اكتب الليلة بأيدي مُرتجفـة وقلب منهزم من معركة الواقع ، جئت إلى هنا بعد ما أُغلقت أبواب الأمل بوجهي ولم يبقى لي ألا قلمي الضعيف الذي أواجه به الحياة وقلبي .. الذي كتبت به عن الحب ورسمت بحبره خريطة مشاعري الحالمة بقصة أسطورية تشبه حكاية سندريلا والأميـر ..
الأمير الذي قَلّب المدينة رأسًا عن عقب لأجلها ، تفقدت روحه الهائمة أقدام الفتيات ولكن الحقيقة أنه كان يبحث عمن تناسبت مع مقاس القلب لا الحذاء .. ولم يسترح خاطره إلا عندما تعثر قلبه من جديد بعيناها اللامعة التي شقت الطريق الصعب إلى قلبه..
ولدت بجناحين صغيرين لا يحلما إلا بالحب حتى سن سكاكيـنه عليهما وبترهما للنهايـة ..
واليوم دُفن قلبي الحالم بين صفحات الدفاتر وذاب في صحن الواقع ..
فهل سيُهدى إلىّ حُب الورق يومًا ما أم سأهدي الورق قلبي للأبد !
~رسيـل المصري .
#نهال_مصطفى .
•••••••
ارتعش الكتاب بيدها حتى سقط منها بجوف الحقيبة مرة آخرى من حدة كلماته التي رجت قلبها ، مالت لتأخذه فوقعت عيناها على تلك ” اللؤلؤة ” النادرة التي أرسلها فريد مع عبلة لتُريها لعاصي ، مسكت اللؤلؤة بذهول وقالت شاردة :
-أنا حاسة أني شوفتها قبل كده !
عقد حاجبيه باستغراب :
-شكلك بتحبي النوع النادر ده من اللآلئ ؟
لا زالت عينيها ثابتة تفحص اللؤلؤة بإضطراب محاولة منها أن تتذكر ما يربطها بها حتى يأست تمامًا وهزت رأسها بعد اقتناع :
-جايز !!
سحب منها اللؤلؤة ووضعها بمكانها وهو يقترب منها شيئا فشيئا ويقول :
-تشبهك ، أول مرة شفت فيها اللؤلؤة دي ، حسيتها تشبه روحك وهتليق عليكِ ..
ثم شرد بملامحها الفاتنة :
-أزاي بتشبهي كل حاجة فريدة كده !!
ثم بلل حلقه وأزاح خصلة شعرها القصيرة من فوق ملامحها لوراء أذنها وأكمل :
-يعني هدوء البحر ودوشته في ملامحك ..
روحك فيها سر عجيب ، فيها طاقة تشبه طاقة الأحجار الكريمة .. الياقوت الأزرق بعيونك ، ضحكتك وراها صف مميز من اللازوردي رغم أني شوفتها مرة واحدة بس سحرتني ، قُربك فيه فتنة المرجان بيمد الروح بطاقـة غريبـة ، فيكِ سحر يخلي الإنسان يسيب الدنيـا كلها ويقضي الباقي من عمره جمبك من غير أكل وشُرب ، ساعات كتير بسأل نفسي أنتِ جنيـة ولا حوريـة ؟!
ثم دنى منها أخر خطوة سُلحفيـة تفصل بينهم واضعًا كفيه الاثنين على وجنتيها ويداعبهما بابهامه كأنه أراد أن يزيح أثر ملوحة الدموع من فوقهم اللاتي حولتهما لأرض بور كي يزرع بيهم وردًا يُنيـر وجهها الحزين :
-عاملة زي الموجة القوية العنيـدة وأنا بكامل إرادتي وافقت أكون الغريق !
أصابت قشعريرة نيرانه الحارقة جسدها حتى اهتزت ورجعت خطوة للخلف وهي تغلق جفونها كي يعجز عن قراءة ما بهما وقالت بترجى :
-لو سمحت !!
كان مظهرها طفوليـًا ولطيفًا لا يوحي بأي عواصف تقام في داخلها ، ولكن لغة روحها التي تلبست به تبسمت إثر نجاحه في وصول مشاعره الناريـة إليـها ، لأول مرة يتوقد لهبًا في شوقه لـ إمرأة للحد الذي لا يخبوه ماء المحيط ، كيف سيكبح عطشه الدائم لها ؟ كيف سيقاوم اشتهائه لها بعد ما تذوق عذوبـة قُربها ؟ كيف سيكون الطبيب لجروحها وجرحه لا زال داميًا ينزف رفضها إليـه ؟!
ابتلع مرارة تمردها على عواصفه برحب وبادلها بنظرة أمنة كي تهدأ :
-اطمني .. أنا هنـا مش هزود في جروحك ، بالعكس أنا عايزك ترجعي أحسن ..
أغرورقت عيناها بدموع العجز وقالت محتجة لتهرب من لحن كلماته المتواصل بقلبها :
-حاسـة أني محتاجة أنام شويـة ..
هز رأسه متفهمًا :
-نامي واستريحي وهدي أعصابك خالص ، أنتِ هنا في مكان بعيد عن البشر ..
ردت بخفوت :
-تمـام ..
ثم فرت من أمامه وتكومت على طرف مخدعـه بغرفته الخاصـة بالياخت ، فتح خرانـته الخاصـة وأخرج منها لحافًا وافترشه فوقها بحنانٍ ثم جاء ليغلق نور الأباجورة الصغيرة بجوارها وقال موصيًا :
-اتغطي كويس عشان هوا البحر مايعرفش عزيـز ..
شعور أن لديك أجنحة ولكنك بقاع المحيط ! هكذا كان شعورها في تلك اللحظة ، فكيف تُحلق بجوف الكوارث المحيطة بخيالها ! هربت من سطوته وهي تشد الغطاء على وجهها وتختفي تحته كي تتنفس براحـة بعيدًا عن ثورتها العارمة التي اجتاحتها …
أغمضت جفونهـا فأخذها شريط الماضي معه وتذكرت الكثير من المواقف التي جمعتهما سويًا في فترة عقابهـا المكدسـة باللحظات المسروقة من الزمن ، تذكرت رائحته التي كانت تنام عليها لمدة عشرة أيـام ، مداعبته لشعرها عندمـا يتأكد من نومهـا ، حنيته المفرطة التي يتخلص منها مع شروق الشمس !!
تلك الليلة التي قاوم رغبتـه الجامحة في اختلاس قُبلة منها وهي في عالـم الأحلام ولكنه تراجع بعناء كأنه يريد أن ينعم بها في واقعـه قبل أحلامه !!
لحظات حنانه عليها وهو ينهض من نومه كي يتأكد من وجود الغطاء الذي ترفسه كل ساعة من فوقـها ..
تلك المرة التي نام فيها مُتناسيـا يديه متغلغلة بين خصلات شعرها !!
وضعت كفها على قلبها متوسلة إليه أن يهدأ ، أنها لم تحتمـل جرحًا إضافيـا .. استعانت بلحظات قسوته وجبروته ، والليالي التي قضاها بين ذراعي الأخريات حتى ختمت حيرتها بدموع الألم والعجز وغاصت في نومهـا ..
أما عنه فخرج بهدوء من الغرفة بعد ما أخذ كتابها معه ليتونس به أثناء فترة غيابها وأجرى مكالمـة هاتفيه :
-وصلت لأيه يا يسري ؟
-عاصي بيه ، عرفت أنه مغير اسمه اللي نعرفه بيه ، وله جواز سفر باسم ” باهر رافاييل ” ، حتى آندرو وبنته بيدوروا عليه لانه طلع سارق ملايين الدولارات منهم وهرب ..
عاصي بضجر :
-عايزه تحت رجليـا حي يا يسـري …
-بحاول يا باشا ، المشكلة ملهوش مكان ثابت وبيتنقل كل شوية ، كام يوم بس وهجيب لك خبره ..
-في أسرع وقت ..
ثم أنهى المكالمـة ثم جلس على أريكة ” اليخت ” وغاص بسـردها للقاء الحبيبان ببعضهمـا ، توقف على أعتاب جملة البطل وهو يتضرع لـ حبيبته ..
” عانقِني بشـدة قبل أن يلتفت العالم لسعادتنا فيفسدها ”
ثورة حارقـة أخرى اندلعت بصدره عندما وصفت شعوره بكلمات جعلته يتنهد بين الصُحف ، ويعترف لنفسه
” ربما بعناق منك سيُهدم السور الفارق بيننا ! ”
•••••••
هبطت شمس من السيارة الخاصة بـ تميم المجهزة لاحتياجات ظروفه الخاصة في أحد المناطق بمدينـة أكتوبر ، وقفت تتفقد المكان الصحراوي حوليها حتى سألته بحيرة :
-أحنا جينا هنا ليـه ؟
انتظر تميم عودة السائق ” سعيد ” الي السيارة ثم سألها :
-أيه رأيك ؟!
ردت بانبهار :
-جميلة بجد وموقعها متميـز .. دي بتاعتك !
أومأ بالإيجاب ثم قال :
-أيوة ، اشتريتها من سنـة ، وكنت ناوي أعملها مزرعـة خيول ، بس لمـا عرفتك غيرت رأيي .
نظرت إليـه :
-ازاي !! الفكرة حلوة أوي ..
-بس مش أحلى من فكرة مستشفى بتعالج الناس بالمجان ، وتوفر كراسي متحركة للأشخاص العاجزة .. ولا أنتِ شايفـة أيه !
انعقد حاجبيها بغرابــه ودهشـة :
-تميـم ! مش معقولة ده حلمي من زمان أوي ، بس عمري ما اتخيلت أنه هيتحقق بسرعة كده !!
ثم جلست على رُكبتيها أمامه وعبرت عن عرفانها :
-أنتَ ازاي كدة ؟! أنا سمعت صح طيب !!
تفقد لمعان ملامحها :
-لو أعرف أن الموضوع ده هيخلي وشك ينور كده كنت قولت لك عليه من بدري !
أحست بالخجل وتمتمت بذهول :
-لا أنت متعرفش الفكرة دي بتطاردني من وأنا طفلة متملكش غير السرير اللي بتنام عليه هي وجدتها ..
ثم شردت للحظة وقالت بحزن :
-مرة حكيت لفادية وقولت لها أنا نفسي أعمل مستشفى كبيرة وأبقى دكتورة مشهورة ، تعرف قالت لي أيه ؟
رفع حاجبه متسائلًا :
-أيه ..؟
أكملت بشغفٍ :
-قالت لي اطلعي البلكونة وبصي للسما وحطي أيدك اليمين على قلبك ، وأدعي ربنا يفتح لك أبواب أحلامك الموجودة جواه ، وربنا مش هيردك غير مجبورة..
ثم لمعت عيونها ببريق من الفرحة :
-أنا عملت كده ، عملت زي ما قالت لي بالظبط .. وقلت لربنا أنا واثقـة أنك سامعني وعشان بتحبني هتساعدني أحقق حلمي ..
فاندفعت بمرح طفولي وهي تعانقه بعدم تصديق :
-أنت رجعتني عشر سنين لورا ، أنا مش مصدقـة ..
كاد أن يلمس ذراعيـها ليـبادلها ذلك الحضن المُفاجئ ، ولكنها تراجعت بسرعة معتذرة بحياء :
-أنا اسفة بس انفعلت ومكنتش مصدقة .. ده مش حلم صح وأنتي
ثم تمتمت بعرفان :
-تميـم شكرًا بجد ، شكرًا لأنك فكرت بطريقة جميلة صادفت أجمل حلم ليـا ..
-مادام كده يبقى من بكرة نبدأ بإجراءات التراخيص والبناء ، وأنتي عليكي الإدارة وأنا شريك برأس المال .. بس بشرط ؟!
ردت بحماس:
-موافقـة قبل ما أعرفه .
باغتها بمكـر :
-حتى ولو كان حضن زي اللي فات ؟!
تراجعت بخجلٍ :
-هااه … أيه !!
ضحك بصوت مسموع وأكمل :
-بهزر بهزر .. متتخضيش أوي كده ..
ثم مسك كفها وطلب منهـا :
-خلي الموضوع يبقى سر ما بينا الفتـرة دي ، لحد ما يتم ، ممكن !
اتسعت ابتسامتها اللامعـة وهزت رأسها بالإيجاب :
-موافقة .. متقلقش خالص مفيش مخلوق هيعرف .
•••••••
-أنت هتفضل تنط لي كل شويـة في الشركة !
أردف مراد جملتـه مجرد ما دخل كريم عليه المكتب بدون سابق إنذار ، هتف كريم بمرح :
-أعمل لك أيه أنتَ اللي مش عايز تشغلني عندك ..
أجابه مراد بنبرة بها خليط من الحزن ولكنه لطف الأجواء معه:
-امكانياتك محدودة ومتسمحش أني اشغلك في شركـة مراد المحلاوي…
ثم فارق مكتبه قائلًا :
-هو عاصي دويدار مش بيقبضك كويس ولا أيه ؟
ضحك كريم وهو يجلس على أقرب أريكة :
-أصلهم مدلعيني جامد فالشغل ، عشان ليا ضهر ، وبصراحة أنا عايز اتعلم مش ادلع !!
جلس مراد بجوار متنهدًا ومحاولًا تناسي ما ينهش في خاطره :
-يبقى تنزل مواقع وتشيل طوب ورمل مع العمال وبعدين نشوف حوار تعينك معانا !
انكمش وجه كريم معترضًا :
-لا يفتح الله ، أنا راضي بدلع عاصي دويدار .. هو أنا اشتكيت لك !!
-يبقى هتفضل طول عمرك في نفس السلمة مش هتتحرك ..
غير كريم مجرى الحديث قائلًا :
-سيبك مني وخلينـا فيك ، نويت على أيه ؟
تنهد بمرارة :
-كنت بحاول افض الشغل هنا بس ده مش هينفع غير بعد ٦ شهور على الأقل ، في عقود والتزامات لازم أخلصها الأول .. وماتتصورش يا كريم الشغل والبلد كلها تقيلة على قلبي أزاي ؟
حاول كريم أن ينبش داخله :
-كل ده من أمتى ؟! أقصد من زمان ولا من بعد اللي حصل بينك وبين عاليـة !
تبدلت ملامحه الثابتة لآخرى مضطربـة :
-عاليـة !! لا ده كان موضوع وانتهى .. مود الشخص بس بيتغير من كل فترة للتانيـة في حوار الشغل ، المهم أنت كُنت عايز ايه ؟
حدجه كريم بعدم تصديق والكثير من المكر وقال :
-ندخل في المهم ، الجامعـة عندنا عاملة فكرة مشروع جديد ، وهو تحديث دور الأيتام وترميمها .. وكمان في مشاريع دور هتعيد بناءها وتكون تدريب للطلبـة كمشروع تخرج، المهم منزلين اعلان في الجرايد والكلية باشتراك رجال أعمال كتيـر وممولين ، قلت أشوفك لو حابب تساهم … !!
يبدو أن الفكرة راقت إليـه ثم هز رأسـه مقتنعًا :
-فكرة جميلة ، خلاص معاك .. أعرف التفاصيل واتواصل مع حمدي بره وهو هيظبط معاك كل حاجة ..
ساد الصمت للحظة ثم غير مراد مجرى الحوار قائلًا :
-عاليـة كويسـة ؟
تلون كريـم بلون الشفقـة والتخابث :
-لا مش كويسـة ، البنت لا بتاكل ولا بتشرب ورافضـة تنزل الجامعـة ومش بتتكلم مع حد … أومال لو كانت مابينكم قصـة حُب أسطوري كانت هتعمل أيه في نفسها !!
فزع في مكانه بلهفـة وحزن وسرعان ما طواهم وراء الستار وقال بتوسل :
-كريم ، عاليـة لوحدها وملهاش حد حتى اخواتها بعاد عنها .. حاول خليـك معاها الفترة دي وشجعها على المذاكرة والشغل عشان تهرب من اللي هي فيـه !!
أسبل كريم عينيه بمكرٍ :
-عشان كده أنت بتشتغل ليل ونهار ؟! يا ترى أنت كمان بتهرب من أيــه !!
ثم تحمحم بخبث :
-طيب هسيبك أنا ، بس أعمل حسابك هتلاقيني فوق دماغك كل شويـة ..
ما كاد أن يخطو خطوة ففُتح الباب ودخلت منه المهندسـة ” بتول ” التي تفحصت كريم بنظرات غامضـة وهي تعتذر بدلالٍ :
-سوري ، مكنتش أعرف أن معاك ضيوف يا بيشمهندس ..
تدخل كريم بعد ما لاحظ تلونها كالحرباء وقال :
-أنا كُنت ماشي أصلًا ..
ثم غمر لأخيـه :
-الله يعينگ يا بيشمهندس !
تدخل مراد بحوارهم مقدمًا أخيه :
-ده كريم أخويا ، دي المهندسة بتول شريكتي المسؤول التنفيذي بالشركة ..
رمقها كريم بخبث مصدرًا إيماءة خافته وألقى عليها التحيـة ثم خرج من باب المكتب سريعًا وأجرى مكالمته مع نوران التي ردت عليه متأففة :
-أنا كل ما ابتدي اذاكر واركز ألقاك طلعت لي كده من بين الصفحات !! وبعدين يعني ؟
-هو هيجرى حاجة لو رديتي وقولتي ” ألو ” زي البشـر !!
-اااه هيجرى .. أفندم !
فتح كريم باب سيارته وهو يقول :
-مراد وافق يكون من ضمن الممولين وكمان عاليـة اشتركت في المشروع ، كده نبدأ خططتنا بنجاح ، أنتِ تقولي لي تحركات عالية وشوية تأثيـر عليها ، ومراد سيبيه عليـا بس نستعجل عشان في نمس بتولي بيدعبس في الأمر !
سألته بعدم فهم :
-مش فاهمة ..؟
-نفذي اللي بقول لك عليه وخلاص ويلا ذاكري أحسن ما تفضحينا وتسقطي ..
عضت على شفتها بغل ثم قالت :
-خليك في حالك ..
•••••••
-طمني يا فريد ، عملت أيه ؟!
أردفت عبلة جملتها بالهاتف وهي قلقة بغرفتها تتحدث لنفسها خشية أن ينكشف سرها ، فأجابها فـريد وهو يصب النبيذ بكأسه مع أحد الفتيات المجهولات :
-كله تمام ، رجالتي مراقبين البيت عنده وفي اللحظة المناسبـة هخلصك من اللي اسمه حسين ده ومن غيـر نقطة دم واحدة .
تنهدت بارتياح :
-الله يطمنك ، أنت فين كده !
غمز بطرف عينه للفتاة المشبوهـة التي تتوسط فراشـه وقال بكلل مزيف :
-الشعل ما بيرحمش يا عبلة هانم ، هكون فين يعني !
تبسمت عبلة بخبث :
-بجد مش عارفة أقولك أي وسط شغلك ده كله ومتأخرتش عليا ، بجد مرسي ليك يا فريد .
-لا مرسي أيه !! أنا لسه عرضي قائم وليكي عندي سفرية ما حصلتش في الغـردقـة ، شوفي أنتِ بس وأنا جاهز ..
انخفضت نبرتها بإعجاب وكأن الأمر راق لها :
-هشوف …
” بالأسفل ”
وصلت هدير إلى القصر برفقـة أمها وهي تستند على ساعدها وتتفحص المنزل بنظرات استياء ، جهرت جيهان منادية على الخدم :
-سيـدة !! يا سيدة .
جاءت تركض من الداخل وهي تطالعهم بنظرات ازدراء :
-اتفضلي يا جيهان هانم ..؟
-وصلي هديـر لأوضتها ، وقولي لعبلة أني هنا …
ثم جهرت بحدة :
-انتِ لسه هتنحي ؟! يلا اتحركي !!
عاد تميم وشمس في تلك اللحظة فالتفت إليهما جيهان وهي تطالعهم بضجر :
-وايه الضحك ده كله !! خير فرحونا معاكم ؟
حملق بها تميم بضيق وسألها :
-ليـه ؟
فوضحت لها شمس قائلة :
-تميم قصده يقول لك بصفتك مين بس خانه التعبير !!
جحظت جيهان عيونها وقالت :
-أنتِ هتنسي نفسك يا بت أنتِ ؟
جاءت شمس لتجيبها ولكن سبقها رد تميـم الحاد :
-اسمها الدكتورة شمس ، واللي يكلمها يوطي صوته عشان اللي يزعلها كأنه زعلني ووقتها هنسى هو مين حتى ولو كان ضيف فـ بيتي ؟
-أنت بتهددني ياابن مديحة ؟
-ابن مديحة وشهاب دويدار ، يعني بكلمة واحدة منى ممكن متعرفيش تدخلي البيت ده تاني !
ابتلعت جيهان ما تبقى في حلقها من كلمات كل لا تتفاقم المشكلة بينهما ورضخت مستسلمة :
-طبعًا حقك ، وسوري عشان غلطنا في صاحبة الصون والعفاف !
•••••••••
” فـ الغردقة ”
غُربت الشمس ولا زال عاصي منغمسًا في العيش بين صفحات كتابها والرومانسية الحالمة التي نقشتها على الورق ، تمنى ولو يعيش معها تلك الفاصيل بحذافيـرها ، جاءه النادل متسائلًا :
-عاصي بيـه ، اجهز العشا ؟
قفل الكتاب الذي بيده و رد :
-استنى الهانم تقوم ..
ولى النادل وجهه فجاءت ” حياة ” في هذه اللحظة مُلتفة بالشال الصوف على كتفيها وشعرها يتطاير أمامها ، وثب من مكانه ملهوفًا وأرسل لها ابتسامة ترحيب ، استقبلتها بايماءة خافتـة وجلسـت بجواره تتأمل البحـر ، قعد بجوارها وسألها :
-نمتي كويس !
أومأت بخفـوت ثم عادت تشكو صبابتها للبحر ، حتى أكمل :
-سبتك تنامي على راحتك ، عشان تصحي فايقـة ..
ردت بفتور :
-مرسي ..
ثم سألته :
-أنت منمتش ؟
-لا
-ليـه ؟
-خفت أجي أنام جمبك تقلقي فتصحي ، فضلت قاعد هنا بقرأ في كتابك ..
ألقت نظرة سريعة على الكتاب الذي خشيت أن تفتحه مرة أخرى وسألتـه :
-عجبك … ؟
تنهد بانتشاء ثم قال :
-فيه مشاعر جبارة ، مشاعر رجعتني ولد ١٧ سنـة ..
-ودي حاجة حلوة ولا وحشـة ؟
تبسم بهدوء ثم قال :
-هتبقى أحلى لو لقيت الشخص اللي أعيش معاه التفاصيل النادرة دي ، وهتبقى زي حبايـة المُسكن لما يروح مفعولها لما أفتح عيني وألقى نفسي لوحدي ، كل ده مفيش ، اتبخر ..
نهضت من مكانها وتحركت إلى مقدمـة اليخت شاردة ثم لحق بها وسألها :
-سرحتي في أيه ؟!
ضمت طرفي الشال إلى صدرها وقالت :
-على. اليخت ده اتكتب لي عُمر جديد وقصـة جديدة غير اللي هربت منهـا ، كنت بتمنى الذاكرة ترجع لي في أسرع وقت عشان أعرف أنا مين …
أخذت نفسًا عميقًا ثم جلست على أرضية المركبـة بهدوء ثم مددت ظهرها لتطالع السماء بحريـة أكبر وهي تتنفس براحة شديدة ، فعل مثلها بالتمام ومدد بجوارها حتى أكملت روايتها القاسيـة :
-أول حاجة افتكرتهـا موقف بشع ، مفيش بنت تتمنى أنها تعيشـه ، عرفت أني كنت عايشة من غير قلب لفترة طويلـة ، ودلوقتِ عرفت أني وحيدة ، بابا توفى وأخواتي معرفش فين أراضيهم !!
انخرطت دمعـة حزينة من طرف عينيها وقالت :
-يا ريت أبقى فاقدة الذاكرة لأخر يوم في عمري !! أنا مش مستعدة ارجع لحياتي القديمـة بكُل الكوارث دي ! أنا حتى مش عارفـة استرد شخصيتي ولا بقيت عايزة استردها ، واضح أني كنت قوية أوي عشان اتحمل كل ده ، ودلوقتِ أنا أضعف مما تتخيـل …
صمتت للحظة ثم ولت رأسها إليه وسألته :
-تفتكر أيه الذنب اللي عملته عشان اتعاقب عليـه بالطريقـة القاسيـة دي ؟! أنا بقيت خايفة افتكر حاجة تاني .
-وأنتِ ليـه مفكرة أنه ذنب ؟! الحياة رحلة ، وكل ما المشوار يصعب أعرفي أن النهاية تستاهل .
اعتدلت من نومتها وضمت ساقيها إلى صدرها وقالت بشك :
-هي فين الحياة اللي خسرت فيها كل أهلي ، و خسرت نفسي معاهم .. أنا مابقتش عارفة المفروض أعمل أيه ! أفضل أعيط وأندب حظي ؟! ولا ابدأ من الصفر أمممم بس هبدأ في أيه وأجيب طاقة منين لكل ده ؟!
اعتدل ليجلس مقابلها وقال :
-كل ده هيتحل لو وثقتي فيـا .
تمتمت باعتراض :
-فيـك !!
حاول تلطيف الأجواء المشحونة التي تملأها
-ااه أنا ملاحظ أنك شغاله تندبي على اللبن المسكوب وماجبتيش سيرتي خالص !!
-مش كفايـة أني معطلاك عن شغلك وبناتك وحياتك ؟
رفع حاجبه متسائلًا :
-حيـاتي ؟!
وضحت مغزى حديثها :
-ااه حياتك ، أول ما عرفتك كُنت شخص تاني ، شخص بيشتغل دايمًا ، بيسهر بيشرب بيحب يبسط نفسه طول الوقت .. حتى لو كل ده مش صح بس فين كل ده فجأة كده !
هز رأسه متسائلًا :
-يعني أنتِ عايزاني أرجع اسهر واشرب وستات كل ليلة والجو ده …!!
غمغمت بشك:
-هي دي مش كانت حياتك ؟
-اااه كانت بس أنا حاليـًا راجل متجوز ماينفعش أعمل كده ..
أصدرت إيماءة خافتـة وغمغمت بخبث :
-ااه سوري نسيت ، أكيد هديـر مش هتسمح بـ …
قطعها على الفور بنفور :
-هدير مين بس !! أيه جاب السيرة دي دلوقت ؟
-ليه مش هي مراتك بردو وأنت رديتها !!
-حصل بس شكلك نسيتي أنك أنتِ كمان المفروض مراتي ..
هنا تدخل النادل قائلًا :
-عاصي بيـه ، الأكل جاهز تحت فـ الأوضـة اتفضلـوا ..
••••••••••
-هبقى متطفلة لو سألتك عملتي أيه في الجامعة النهاردة ؟!
نزعت ” عاليـة ” – الهيد فون – من فوق آذانها وقالت برتابـة :
-إطلاقًا ، عادي جمعت الي أقدر عليه من المحاضرات اللي فاتتني ، وو اشتركت في مشروع تبع دور الأيتام وكدة والمفروض ابتدي ارسم اقتراحات ، وبس ..
ثم تنهدت بمرارة :
-اليوم كان طويل وممل ، بس كده أحسن من قعدة البيت …
شجعتها نوران قائلة :
-براڤو عليكي .. لازم تشغلي وقتك عشان تنسي ، فادية الله يرحمها كانت تقولنا الفراغ مصيبـة القلب ، أنتِ بقا اشغلي نفسك على طول ..
تبسمت عاليـة بفتور :
-معاكِ حق ، أنتِ بقا أخبار المذاكرة معاكي أيـه ؟
-أهي ماشية بحاول أخلص أول بأول ، وافصل عن كل الدوشة دي ..
ثم تركت الفراش وجاءت إلي مكتبها وأكملت:
-شمس سالت عليكِ من شوية وكنتي نايمة ، وقالتلي ان تميم من بكرة هيبدا يجهزلي أوضة جديدة .. عشان تبقي على راحتك وكدة ..
ابتسمت عالية بحب :
-مفيش داعي ، أصلًا وجودك مونسني ..
ثم صمتت لبرهة وأكملت :
-أو يمكن اتعودت على وجود مراد عشان كده حابة وجودك معايا في الأوضة بدل ما أفضل قاعدة لوحدي ..
ركزت نوران في فطر الحزن الذي خيم على ملامحها وقالت :
-محاولش يكلمك تاني ؟
هزت رأسها يمينًا ويسـارًا :
-لا .. ولا هيتكلم ، مراد نفسـه عزيزة عليـه ومستحيل يقبلني بعد اللي حصل بينا ، وعموما أنا قفلت الصفحة دي من دماغي خالص ومابقتش بفكر فيها ..
تجولت عيني نوران بخبث :
-سمعت كريم كان بيتكلم في التليفون وبيقول أن مراد هيصفي كل شغله ويسافر بره ، تفتكري ليـه !!
رُج قلب عاليـة بحزن :
-تفتكري عشان زعلان مني ومش حابب يقعد في البلد بعد اللي عملته …من لا
ثم تمتمت بأسى :
-أنا والله اتنازلت عن القضيـة واعتذرت له ، المفروض أعمل أيه تاني …!
وضعت نوران سبابتها على شفتيها بتفكـير ثم سألتها :
-أنا طبعا ماليش حق إني اسالك سؤال زي ده … ولو مش حابـة تجاوبي أنا مش هزعل خالص ..
-سؤال أيه ؟!
-أنتِ ليـه عملتي كدة ؟!
ثم زفرت بحيـرة :
-مادام هو كويس معاكي وشخص محترم زي ما بتقولي ؟
خدرت نوران رأس عاليـة بمخدر السؤال الذي هربت منه عاليـة طويلًا في تلك اللحظة دخلت ” عبلة ” على فجأة وقالت برسميـة :
-عاليـة تعالي عايزاكي ….
••••••••
” على اليخت ”
تابعت حياة خُطاه بنفس مستسلمة ونزلت معه إلى الغُرفـة لتناول وجبة العشاء بعد ما قرص الجوع معدتها ، فتح عاصي باب الغُرفة التي ينبعث منها أنوارًا خافتـة وموسيقى هادئة وطاولة عشاء على ضوء الشموع ، وبعض الورود الحمراء التي تُزين الفراش ..
تأملت حياة المكان الساحر الذي لا يليق إلا بعروسين بذهول ، شدت يدها من قبضة يده وولت ظهرها معلنة المُغادرة ، مد ذراعه كحصن منيع أمامها كي يفسد مخططها قائلًا :
-رايحة فين ؟!
بد الغضب يتراكض بصوتها :
-أيه ده ؟! مش شايف يعني ؟
-طيب ادخلي نتكلم جوه !!
ضربت ذراعه بقوة وعناد :
-اللي في بالك ده عمره ما هيحصل ، وأنا غلطـانة من الأول إني وثقت فيك .. وقلت هتتغير .!!
جاء النادل على صوتهم المُرتفع من أعلى يتساءل :
-في أي مشكلة يا عاصي بيـه ؟
فجر غضبه بالرجل :
-وأنت مالك ياحبيبي !
ثم حدجها بحدة :
-ادخلي مش هنتكلم على الباب كده ..!
أخذت تفكر طويلًا حتى نفذ صبره فسحبها رغم عنها وقفل الباب خلفهم ، كادت أن تنفجر بوجهه ، فأنقذ نفسه من شرها :
-أهدي .. مفيش حاجة هتحصل من اللي في دماغك دي ولا غصب عنك ، وأنا هنا عشان أداوي جروحك مش افتح جروح غيرها ..
تأففت بضيق وهي تشاور على الشموع :
-ده تفسيره أيه ؟!
رد بعفوية :
-المفروض أني عريس جديد ومراته جايين يتبسطوا ، فتصرف طبيعي من الاستف بتاع اليخت .. لأن محدش يعرف اللي بيننا .. فهمتي ..؟
تراجعت بشـك :
-يعني مش أنت اللي قلت لهم يعملوا كده ؟!
-لا طبعـًا ، أنا متفاجئ زيك بالظبط ، المهم أهدي كده وروقي واتعاملي عادي .. ينفع ؟
رمقته بحيرة قطعها بيقينه :
-حياة أنا معنديش استعداد اعمل حاجة تانية تخليني أخسرك ، اتفضلي بقا اتعشي ..
أومأت بارتياب ثم توجهت نحو الطاولة ، زفر عاصي بارتياح واتبع خُطاها ليجلس على المقعد المجاور لها ، شرع الثنائي في تناول الطعام حتى سألته بريبـة :
-أحنا جينـا هنا ليـه ؟
وضع عاصي اللقيمة بفمه ثم قال :
-بناء على تعليمات الدكتورة ، مكان هادي تريح فيه أعصابها ويساعدها تفتكر أسرع ، وهو ده اللي بعمله ..
تناولت بيدها المرتجفة كوب الماء فلاحظ تراقصه بين يديها وقال بهدوء :
-ليـه التوتر ده كله !! بلاش شد الأعصاب ده كله أنا مش بخوف على فكرة .. !!
ابتلعت الماء بصعوبـة ثم قالت بعناد :
-أنا تمـام ..
ابتسم بخبث :
-مش باين بس هعديها ..
ساد الصمت لدقيقتين ثم قال :
-هخلص أكل واشتغل شويـة على اللابتوب ، وأنتِ حابة تعملي أيه ؟
فكرة لبرهة ثم قالت بتوجس :
-عادي ، مش هتفرق .. ممكن اطلع أقعد على البحر فوق ..
حركت ملامحه باعتراض وقال بلطف :
-مسموح لك بأي حاجة إلا أنك تخرجي من الأوضة ..
ثم غمز بطرف عينه بمزاح :
-متخليش شكلي وحش بقا قُدام العُمال ..!
فضلت الصمت على أنها تجادله في قرارات قد حسمها مُسبقـًا ،أحس باختناق روحها فقال مقترحًا :
-كنتِ كاتبـة وبتقولي أن الكتابة هي ملجأك الوحيـد في كل وقت ، ممكن تقعدي جمب البحر وتكتبي ، حاولي اتخلصي من كل الطاقة السلبيـة اللي جواكِ..
ردت بعدم اكتراث :
-تمام …
مسح عاصي فمه معلنًا امتلاء معدته وقال :
-خدي راحتك ، أنا هروح أخلص شوية شغل ، كلي كويس .. هااه !
تركها ليجلس أمام الحاسوب بأحد أركان الغرفة أما عنها فضلت الوقوف أمام البحر من وراء الزجاج بدون فعل شيء ، فقد اكتفت بسرد أحزانها تلك المرة للبحر بدلًا من الورق .. مرت قُرابة الساعتين حتى أحست بالملل وهروب النوم من جفونها ، لاحظ نفورها من الصمت فأنجز ما تبقى من عمله سريعًا وشغل أغنيتها المُفضلة التي اعترفت بحبها سرًا للورق …
مع شرودها ومملها تسرب صوت الموسيقى التي أحييت قلبها من جديد إلى أذنها بغناء ” كارم محمود ” وهو يتوسل الليل :
-“أمانة عليـك يا ليـل طول ، وهات العمر من الأول ”
حانت منها التفاته فوجدته بظهرها واقفًا يطالع البحر بعيونها ،أحست بتسارع ضربات قلبها وسألته :
-أنت شغلت الأغنية دي ليـه ؟
-عشان أنتِ بتحبيهـا ..
حدجته بعدم تصديق فبرر لها :
-كُنتِ قايلة أنك بتحبي تسمعيها كل ليلة قُدام البحر .. قلت أما نسمعها سوا ..
عقدت ساعديهـا ونظرت للبحـر مرة أخرى ، أما عنه وضع كفـه بجيب بنطاله وقال :
-طول عمري بسمع الأغنيـة دي ، بس أول مرة أحسها ، وأحس قلبي بيغني معاها وعايز الليل ما يخلصش .. رغم إني راجل عملي وماليش في كلام الروايات والأوهام دي …
تنهدت بصوت هدر ثم قالت تحت سطوة شرودها :
-وأيه دخل كونك راجل عملي في مشاعرك !! المشاعر والحب دول عالم تاني مايعرفش الكلام ده …
ثم ألقت عليه نظرة سريعة وأكملت :
-مفيش راجل عنده فيض في المشاعر وراجل جاف مايعرفش يعبر عن اللي حاسـه ..!
-أزاي ..؟!
دارت إليـه بجسدها وقالت :
-المشكلة كلها بتكون في طريقـة حبه للست اللي معاه ! في ست قادرة تفجر مشاعر من الراجل اللي قدامها ميعرفش أنها موجوده جواه أصلًا .. وفي ست مُملة بتهرب منها مشاعر الرجل أول ما يقف قُصادها …
ثم تنهدت وأكملت :
-يعني نعتبـر مشاعر الرجل والست زي العود ، مش أي حد ينفع يعزف عليـه غير صاحبه .. هما الاتنين بتكون ما بينهم طاقـة أحساس عاليـة محدش يفهمها ويحسها غيرهم ..
تبسم بإعجاب وانبهار لطريقـة سردها لما يتجول بخاطره ثم تنهد وقال باندفاع :
-يعني لو حاسس إني عايـز أرقص معاكِ دلوقتِ على الأغنيـة دي ، هتوافقي ؟
رمقتـه باستنكار ثم ولت وجهها للجهـة الأخرى البعيدة عنه ، أحس بتسرعـه في طلبـه السابق لأوانه ، حك ذقنه وقال معتذرًا :
-أسف مش قصدي حاجـة ، بس بحاول أخرجك من حالة الحزن اللي أنت فيها دي .. عمـومًا أنا هنـام عشان تاخدي راحتـك ، لو احتجتي حاجة أبقي صحيني .
في نفس اللحظة التي دار فيها نصف دائرة اتجاه مخدعه دارت هي إليه وتمسكت برسغـه وقالت :
-استنى !
خشيت الوحدة مجددًا ، خشيت أن ينام وتظل وحيدة طول الليـل ، رمقها بنظرات استفهاميـة حتى قالت بهدوء :
-موافقـة ..
رفع حاجبه مستفهمًا ليتأكد مما قالته ، فأكدت عليـه بطريقـة لطيفة :
-الأغنيـة قربت تخلص على فكرة ..!!
ابتسم برحب وجذبها برفق لمنتصف الغُرفـة ، لف يمينه فوق خصرها فـ دبت بها قشعريرة لذيذة أخرت سدول همهـا ، أطرقت جفونها بالأسفل كي لا تلتقي بعينيه الحادة، مسك بيساره يدها الأخرى ثم ضمها إليه برفق رفع جفون عينيها لتُصادف نظراته المفعمـة بالشوق ، أخذ يتمايل الثنائي على ألحان الغناء :
-” يا ليل طول على العشاق
وقول للشمس ما تبانشي
يهون العمر على المشـتاق
وســاعة القرب ما تهونشي”
مجرد الشعور بحرقة أنفاسه التي تداعب ملامحها جعل لقلبها أجنحة تتحرك لتتعلم التحليق من جديد ، كان حريصًا بألا يتجاوز حدوده معها ، أن يكون قُربه بالقدر المتاح الذي سمحت به كي لا يحرك نفورها منه مرة أخرى ، همس لها بنبرة مبطنـة بالحب الذي لم يعترف به لنفسه حتى تلك اللحظـة وقال :
-“من لا يُغرم بجمالك يظل بقيـة عمره بالعتمـة ”
كنتِ كاتباها في صفحـة 60 ..سبحان الله متفصلة عليكِ ! أنت لما بتكتبي بتكوني حاسـة بأيه ؟
تحمحمت بخفوت وقالت :
-بنفس اللي بتكون حاسس بيـه وأنت بتقرأه .
ابتسم لذكاء ردها الذي يفتح معها مجالًا للحوار لا ينتهي :
-لسـه خايفـة مني !
-مش عارفة ؟
-ده مش رد مقنع !
-أنا مش جوايا رد مقتنعة بيـه عشان أقوله ..
تركت يسـاره يدها وانتقلت إلى وجنتها وهو يدنو منها أكثـر :
-لازم تثقي فيـا ، أنا معاكِ مش ضدتك .. هل قُدامك حلول أخرى ؟
-بردو مش عارفة !
رسم بسمـة خفيفـة وسألها بخبث :
-حتى وأنتِ واقفـة بين أيديا !
-مش فاهمة ؟! يعني أيه !
-الرقص بين اتنين يعتبـر ميثاق سلام ، جسدين بروح واحدة بتحركهم على مزاجها ، بالظبط زينـا ..
ذابت من سحر لمسته وتصلبت ملامحها وهي تومئ بالإيجاب بدون إدراك عما توافق عليـه ، ابتسم بوميض من الأمل :
-بكرة هنروح المحكمـة ..
فقدت نبرة صوتها فسألته تلك المرة بعيونها اللامعة :
-ليـه ؟!
انتقلت أنامله لخصلات شعرها الناعمـة وقال بتردد :
– موافقـة تتجوزيني كرسيـل مش حياة !
اندلعت منها صرخة قوية وهي تضع يدها فوق بطنه بأوهٍ :
-آآه !!
رد بلهفـة :
-مالك ؟! أيه بيوجعك !! نرجع نروح لدكتور ؟
تشبثت بذراعه بضعفٍ وهي تتوجع :
-معرفش ليا كام يوم في مغص شديد بيجي فجأة ويروح ..
حملها بدون تردد ووضعها برفق على الفراش وسألها :
-هكلمهم يعملولك حاجة سخنة تشربيها ..
أخذت تتلوى من الألم لدقيقتين حتى هدأ الوجع تدريجيًا وقالت :
-انا بقيت أحسن ، متشغلش بالك ..
-يعني أيه مشغلش بالي ؟! أنتِ مش شايفـة وشك اتغير أزاي ؟! هننزل الغردقـة تكشفي .
مسكت كفه وقالت بأنين :
-عادي والله متكبرش الموضوع ..
جلس على طرف السرير وقال :
-عايزة تقنعيني أنه وجع من غيـر سبب !! نطمن طيب ؟
فكرت لبرهة حتى قالت بتلميح :
-طبيعي والله ، تعب عادي .. هو شديد حبتين بس بيروح بسرعة .
-أنتِ متعودة يعني على التعب ده ؟!
أجابته بتوجس حيث بدأ المغص يشتد بها :
-كل البنات في فترة معينـة من الشهر بيتعبوا كده ، متشغلش بالك ومتكبرش الموضوع بقا .
توقف عقل عاصي محاولًا ترجمـة ما تعنيـه ، لامت نفسها عما صرحت به خصـوصًا أن الأمر بات مُقلقًا ، ألمًا غريبًا يجتاح رحمها من حين لآخر وتغير في هرموناتها المزاجيـة ، وتأخر فترة عذرها الشهري عن ميعاده لمُدة أسبوعين ولكنها فسرت كل هذا تحت مظلة الضغوط النفسيـة التي تمـر بهـا ..
توصل عاصي لما تقصـده سريعًا حتى قال :
-مش المفروض في أدوية مسكنة للحاجات دي ؟
جحظتها مُقلتيها بحيـاء :
-تصبح على خير ..
لُطخ وجهها بحُمرة الخجل واندست بسرعة تحت لحافها فلم يظهر منها شيئًا سوى كفها القابض على الغطاء ، ضرب عاصي كف على الأخر ونهض ليُبدل ملابسـه فالتفت إلى هاتفـه برسالة نصيـة :
-ألحقني يا عاصي …
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية غوي بعصيانه قلبي ) اسم الرواية