رواية غوي بعصيانه قلبي كاملة بقلم نهال مصطفي عبر مدونة دليل الروايات
رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الرابع و الاربعون 44
-خُلق القلب عصيـًا
” لو أنها ورقةً لمزقتها ، لو أنها زجاجةٍ لكسرتها
لو أنهُ جداراً لهدمته .. لكنهُ قلبي. ”
•••••••
أن يقف القلب داميًا بالحب والجرح في أنٍ واحد ، أن يقف الماضي بقسوته كالغصة في حلقك ، أن تتحول فراشاتك وأحلامك البكرية إلى طير ذبيح مع أول تجربة طيران له !! أي وسام سيُمنح ؟! الغفـران أم الإنتقام ؟! أي منهما سيشفي الروح المعتلة والمحتلة بجيوش الغدر ؟! أي منهما سيهدي النسيان للأبد ؟! أي منهما الصواب ؟!
كانت نظراتها ثابتـة ، تدرك هدفها جيدًا ، انسكب دلـو الأعوام السابقة فوق رأسهـا ، أخذت تتأمله مُكبلًا مقيدًا .. يعلو وجهه كدمات الإهانـة التي سبق ونثرها طمعـًا على جسدها متواريـًا خلف ستار الحُب المزيف .. بللت حلقهـا وتذكرت وعد سابق بينهم ..
#flash_back .
“-ماقولتليش ، أيه أول حاجة هتعملها لما يبقى معاك فلوس كتيـر ؟”
ليقترب منها ويطوق خصرها من الخلف ويسرح بخياله وأكاذيبه معها قائلًا :
“-هشتري يخت ، ونعيش عليـه أحنا الاتنين سوا ، نعيش بعيد عن دوشـة العالم .. عشان محدش يزعجنـا.”
فأجابته هائمة بسُكر خِداعه :
“-كده كده وأنا معاك مش بكون شايفة ولا سامعـة حد غيـرك .”
فاقت من شهد ذكرياتها على واقع حقيقتها المؤلمـة وهى تسقط كالطائر الذبيح بين يديـه وفي فخه الإجرامي ، أغمضت جفونها فاعتصر منها دموع القهر وهي تقترب منه شيئًا فشيئًا ، محاولة استجماع شتات نفسها وقوتها كرسيل المصري .
وقفت أمامه وهي ترمقه بسهام الخسـة والتحقيـر وقالت بعتب :
-أنا ازاي اتخدعت فيك ؟! أزاي ما شوفتش إنك بني آدم حقيـر ولا تسوى ، أزاي مصدقتش بابا !!
ثم صاحت بصرخة عالية :
-أنتَ أزاي تتجرأ و تعمل فيـا كده !!
برر قاسم قائلًا :
-رسيـل ، انسي اللي حصل .. أنا بعترف بغلطي ، أنا لسـه بحبك .. تعالي نبدأ من أول وجديد ..
-زال سحرك ياقاسـم بيـه ، أنا أول مرة أشوفك على حقيقتك ، حقيقة دنيـئة .
ثم ألقى نظرة ناحية عاصي يحتشد بها الخوف :
-بلاش يغريكي بفلوسـه !! محدش هيحبك أدي .. رسيل فوقي .
ابتلع بقيـة أكاذيبـه بصفعة قوية من كفها كانت من نصيب وجنته جعلته يجلس على ركبتيه من شدتها .. ونهرته قائلة :
-أنت أي ؟! لسـه هتكذب تاني !! مش كفاية كذب وخداع بقا ؟! يعني وصلت لي عشان توصل لقنديل المصـري وتكون دراعه اليمين .. مش كفاية قطعت الأيد اللي اتمدت لك !!
أخذ يترجاها:
-رسيل اسمعيني .. كانت ساعة شيطان ، أنا كنت شارب وقتها ومكنتش متخيل أن أبوكي يرفضني .. أنا عملت كده من حبي ليكي ، رسيل !
وبخته قائلة بمرارة وحرقـة :
-أنت عملت كده لانك بني آدم ناقص ، خسيس .. بس جيه الوقت اللي هخليك تدوق فيـه مر السنين اللي عشتها .
تدخل عاصي آنذاك وضمها برفق من الخلف كي يهدأ من روعها ، وقال بحدة:
-خلصي حسابك معاه ، لأن حسابه معايا لسه تقيـل ..
سحبت المسدس من خصر أحد الحرس وقالت بقوة :
-حسابـه معايا مش هيخلص غيـر بالدم .
صوبت فوهـة السلاح إليـه بيدها المرتعشة وهي ترمقه بخسة واحتقار ، سألته سؤالهـا الأخيـر :
-أنت عملت فيـا كده ليـه ؟! أنا أذيتك في أيه ؟! قول لي ؟
كاد أن يقف على قدميـه ويديه المنعقدة وراء ظهره ، فألجمـه أحد الحرس بعنف كي يبقي مكانه ، تفوه قاسم بـ شر :
-لانك رسيـل المصري بنت أكبر معلمين الغردقة ، مفيش راجل عينه وقعت عليك إلا وقال هي دي .. خليتك هدفي عشان أوصل وأحقق أحلامي ، بس اللي حصل.
صرخت بوجهه إثر صمته المفاجئ :
-أيه اللي حصل انطق !
أطرق بمكر ثعالب :
-حبيتك يا رسيـل ، حبيتك وكنت عايزك تكوني ليـا ، بس أبوكي قل مني قدام كل الناس، قل مني وطردني .. بقيت بين نارين ، نار حبك ونار انتقامي ، لحد ما خدت القرار اللي اكسر بيه قنديل المصري باقي عمره .
ردت بصوتها المختنق وهي تعيد السلاح إلى رأسه :
-أنت حيـوان .. أنت مستحيل تكون بشـر .
وقف عاصي بجوارها يريد أن يقتله بيديه ولكنه ترك لها الساحة كي يشفي قلبها العليـل ، تفوه بثبات :
-ده خسيس يا حياة ، ومايستاهلش ألا الموت ..
ثار قاسم بوجهه :
-أنت السبب في كل ده ، رسيل بتحبني أنا ، أوعي تفكر أنها ممكن تحبك في يـوم .. لو فاكر بكدة هتكسب قلبها تبقى غلطان ولعبتك خسرانة يا عاصي بيـه !! بس عايزك تفتكر حاجة واحدة كل ما تبص في عينيها .. أنها كانت في حضني قبلك .. أنـا مش هسيبكم تتهنوا ببعض مهما حصل .
خطف السلاح منها بذعـر بعد ما رفسه بقدمه فارتمى ارضًا ، ثم صوب السلاح بوجهه :
-حلال فيك إني اقتلك بأيدي …
فوجئ برد فعل حياة وهي تقف أمامه معترضة ، وتضع كفها المرتعش فوق يده التي تحمل السلاح ، تلاقت أعينهم لبرهـة ثم قالت راجيـة :
-بلاش تلوث أيدك بدم حيوان زي ده ..
اتسعت عينيه مشدوهًا :
-حياة أنتِ نسيتي عمل فيكي أيه ، ده يستاهل الموت !!
-الموت رحمة له يا عاصي .. عشان خاطري بلاش ، سيبه يروح في ستين داهيـة بعيـد عننا ..
رفض بعينيه حديثها الغير مقنع ، ولكنه فكر للحظات ثم رمى السلاح للحراس وأمسك بياقـة قاسم وسدد إليـه الكثير من الضربات حتى سالت الدماء من أنفـه .. فـ أشار لأحد رجاله بإشارة فهم مغزاها .. ابعد عاصي يده عنه وتعمد ضم رسيل إلى صدره كي يعلن أمتلاكها أمامه ويبث وميض الهزيمة بعقله المريض ..
شرع رجاله بتقيده وتكبيله بالحبال وتصلبه على حافـة المركبـة ، اقترب عاصي منه بفظاظـة ثم قال :
-أنا دلوقتِ هاخد روحك بالبطيء ، هعرفك يعني أيه روحك تتسحب منك وأنت متكتف ومش قادر تقاوم وتلحق نفسك ..
ثم ركله بكل قوته ليسقط قاسم بالماء الذي تناثر هنا وهناك ، ركضت حياة إلى عاصي تترجاه ببكاء لعدم قدرتها على تحمل المزيد :
-بلاش ، خليهم يطلعوه .. حسابه عند ربنا ..
مرت الدقيقتين على قاسم بمذاق أمر من مرارة أعوامه الماضيـة ، تسحب الماء جسده وروحه وأنفاسه لأسفل ، تقلبه يمينًا ويسارًا كيفما تشاء .. بات صراخه منقطعًا ، اخذ يصارح الموت والحياة وهو يتذكر فعلته الأخيرة وجريمته الكبرى وهو ينهش ضحيته ، ذاق مرارة ما عانتـه ..
أخرجوه رجاله من الماء عندما سُحب بواسطة الحبـل المُكبل به حتى لفظ قاسم انفاسه صارخًا بالنجدة :
-الحقـوني …..
جذبوه الرجال إلى سطح المركبـة تحت قدمي عاصي وهو يلهـث ويسعل بقوة ، انحنى عاصي لمستواه وقبض على عنقــه بشراسة :
-عرفت يعني أيه تتعلق روحك بين الحياة والموت !!
قهقه قاسم متعمدًا استفزازه وهو يسعل بقوة :
-بس كانت ليـا قبل ما تكون ليـك ، خليك فاكر ده كويس أوي …
بنيران غضبه ألقاه مرة ثانيـة بالماء كي يتجرع أقسى أنواع العقاب ، أخذ يقرر فعلتـه أكثر من مرة حتى أوشكت روح قاسم على الانتهاء .. في المرة الأخيرة التي أخرجوه فيه الرجال وبين توسلات حياه المتعلقه بساعده كالطفلة ، رمقـه بنظراته الساخطـة حتى نادى على رجاله قائلًا :
-سلموه لآندرو .. وهو هيخلص عليـه بمعرفـته …
••••••••
” بالقـصر ”
-يا صبـاح العسل على الهانم .. تصدقي عبلة المحلاوي اتولدت علشان تبقى هانـم وبس .
وضعت ساق فوق الأخرى وهي تستقبل مغازلـة كريـم الخفيفة وقالت :
-طول عمرك بكاش .. مش هتبطل بكش …؟
جذب الكرسي نحوها وجلس فوقـه برشاقة :
-أنتِ مش مقدرة ولا أيه ؟! تعرفي امبارح لسه كنت في سيرتك أنا وواحد صاحبي بيفكر يخطبك لباباه ، يعني لسه شابة وحلوة ويتقدم لها عرسـان !!
قهقهت عبلة بصوت مرتفع إثـر سماعها للكلام المحبب لقلبها ، دائمًا تسعى لسماع كلمات الحُب والغزل والمدح ، تنجذب للحديث الذي تكون محوره ، فردت قائلة :
-وبابا صاحبك ده أمور وغني وعارف هو هيتجوز مين ولا داخل على طمع ؟!
نطق كريم بتلقائية :
-منا طفشـته خلاص !!
انكمشت ملامح عبلة :
-ليـه بس ؟!
-عشان حسيتهم فعلا داخلين على طمع …
ضحكت عبلة بصوتها الأنثوي الرقيع الذي دوى صداه بالقصـر حتى وصل لأذان نوران التي تراقب مسرحيـة كريم من أعلى وهي تقول بتعجب :
-نصاب أوي يا ابن جيهان ؟! اللي يخلي البومة دي تضحك يبقى فعلًا مش سهل وحلنجى !!
غير كريم مجرى الحوار قائلًا :
-أي رأيك نشرب فنجان قهوة سوى واحكي لك على البنت اللي مطيرة النوم من عيني !!
ردت بإعجاب :
-يا سلام !! كمان حب جديد .. احكي لي يلا ومن بكرة اروح اخطبهالك .. بنت مين وباباها بيشتغل أيه ؟
رفع كريم نظراته لأعلى وهو يتأمل الفراشـة الجميلة التي تتراقبهم من الشرفـة وقال مغازلًا :
-عارفـة لما تبصي على السمـا بالليل وتتوهي وسط النجوم وفجأة يظهر القمر فـ تنسي كل ده وتقولي هي دي !!
ثم تنهد بشوق :
-هي في جمالها زي القمـر ، بس عليها لسان يستاهل قصه يا خالتي ..
ضربته على ركبته بغضب حتى استرد أعينه الهائمة وهي توبخه :
-جاك خلع ضروسك … اي خالتي دي ؟! قاعدين في عزبة أحنا !!
تأوه كريم وهو يفرك ركبته مكان الألم :
-عندك حق في دي ، معلش سرحت شوية ، أول مابفتكرها بنسى نفسي …
-اامم المهم باباها بيشتغل أيه ؟!
تململ كريم في جلسته وقال بمكر :
-مدير أمن وعلى أعتاب وزيـر .. حلو ده ؟!
شردت عبلة بدلال وقالت :
-طيب لما يبقى وزيـر ابقى اشوف موضوع بنتـه ..
تحمحم كريم بخفوت وهو يهمس لنفسـه :
-ده أيه الوقعـة المهببـة دي ..
ثم جهر :
-هما ماجابوش القهوة ليـه لحد دلوقتي ؟!!!
••••••
-تعالي عايـز أوريكي كذا تصميـم واختاري اللي يعجبك ..
أردف تميم جملته الأخيـرة خاصـة بعد ما لاحظ تحاشي شمس له ، وتعمدها في الابتعاد عنه .. فرغت من لف حجابها ودنت منه بتوجس حتى جلست بجواره تتفقد ما يُشيـر إليه .. بدأت تدريجيـًا تتناسى أسباب بعدها عنه وانغمست في اختيـار التصاميـم وشرعت في إبداء رأيهـا وإضـافـة لمستها الأخيـرة على كل تصميـم حتى استقر الثنائي أخيـرًا على الشكل النهائي .. كادت أن ترحل فأوقفها متسائلًا :
-أنت متغيـرة ليـه ؟!
ردت بارتباك :
-أنا ؟! لا أبدًا .. مفيش .
-متأكدة ؟!
-ااه متأكدة هكذب ليـه!! أصلًا ما بحبش الكذب .
تغير لون وجهـه وشرد ذهنه في أكبـر حقيقـة كذب فيها وقال :
-يعني أيه ؟!
-عادي ، يعني أنا أصلا بقرف من الشخص اللي بيكذب ، هكذب أنا ازاي ..
-بس ساعات اللي بيكذب بيكون له أسبابه ومبرراته ..
ردت بحسـم :
-مفيش مبرر للكذب يا تميـم غير أن اللي بيكذب ده كذاب فعلًا وضعيف ، ومعندهوش الجرأة أنه يواجه ..
رمقها بنظرة توحي بعدم اتفاقه معها وقال ليجس نبضها :
-يعني لو كذبت عليكي في حاجـة ، هتعملي أيه !!
ردت بسـرعة وبدون تفكيـر :
-همشي وتبقى نهايـة مشوارنا !! لان بعد الكذبة الأولى كل الحقايق شكوك ..
-يعني مش هتديني فرصـة تسمعيني ؟!
فكرت للحظة ثم قالت :
-فرصـة الكذاب يعني كذبة جديدة .. وأنا مش شخص فاضي عشان اسمع مبررات للكذب بكذب جديد ، لاني هكون فقدت الثقـة في الشخص اللي قُدامي ..
ثم رمقته بنظرة استكشافية:
-تميـم أنت مخبي عليـا حاجة …؟
-هاااه ؟! لا أبدًا ، كُنت عايـز أقول لك بس جهزي نفسك هنسافر يومين دهب نغيـر جو ، ابقي قولي لعاليـة ونوران يجهزوا همـا كمان ..
عقدت حاجبيه بشك ثم قالت :
-تمـام ….
فغيرت مجرى الحديث :
-ااه ، نسيت أقول لك الدكتور الألماني بعت رده على التقاريـر و حابب يشـوفك في أسرع وقت .. قُلت أيه ؟!
بدت الحيرة تتنقل على ملامحـه ثم قال ليهرب من ذلك المأزق :
-خليها بعد ما نرجع من السفـر ..
أومأت بالإيجاب :
-تمـام ..
كادت أن تغادر ولكنه أوقفها قائلًا بدون تفكيـر :
-استني ..
ألقت نظرة على كفه المثلج فوق كفها وقالت :
-في حاجـة ؟!
رد بتردد :
-لا ولا حاجـة .. كنت حابب لو خرجنا نفطر سوا بره ، أيه رأيك ؟
•••••••
” بسيارة عاصي ”
أعرف بأنه سَيمر وأن كل ما مررت به مجرد سحابـة صيف ، و لكن ما الذي سَيتركهُ بداخلي ؟!
تسند رأسها على صدره بعد ما أصاب رأسها دوار الذكريات ، فبحثت عن أكثر مكانًا أمانًا يمكنها أن تستريح فـوق ، بعد قضائها لفتـرة طويلة في البحر تلقي به نفايات ماضيها ..
غلغل أصابعـه بفراغات كفها صاحب الأصابع الطويلة والرفيعة الأشبه بيدي الأميرات ، ربت برفق على كتفها وقال :
-هتفضلي طول الطريق ساكتـه !
ردت بكلل :
-أقول أيه ؟
-أي حاجة متسكتيش .. لو تعبانة من حاجة نروح لدكتور .
-لا ، أنا كويسـة .
-بس البنات مش هينفع يشوفوكي في الحالة دي ؟!
ردت بتثاقل :
-هبقى كويسـة ..
قرر ألا يحملها عبئًا أضافيًا ويصمت هو الأخر مستلذ باستسلامها بين يديه واتخاذها من حضنه مأوى لأحزانها .. أخذت يداه تتنقل بحرية من فوق رأسها لكتفها كي يشعرها بوجوده معها دائمًا ..
وصل الثنائي إلى الفندق فكان يسـري بانتظارهم .. نزل عاصي أولًا وأخذ يحاوره بهمس بمواضيع مختلفة حتى انتقل إلى أمر صغاره وقال :
-لسـه نايميـن ؟!
-فوق في جناح معاليـك ..
هز رأسه متفهمًا ثم عاد إلى حياة وفتح لها الباب بنفسه ومد يده كي يساعدها ، أعطته يدها بدون تردد وهبطت من السيارة ووقفت بجواره فسألها :
-متأكدة أنك كويسة ؟!
أومأت بخفـوت حتى سارا الاثنين معـًا ناحيـة الاستقبال بالفندق ، أخذ مفتاح جناحه الفاخر المكون من غرفتين ، غُرفـة بها سرير ملكي بطراز حديث ، والأخرى تحوي سريرين صغيرين لبناتـه شاملة الحمام والشُرفـة الخاصـة بالمكان .. بينهم مسافـة يوجد بها ” انتريـة ” وتلفاز تربط بين الغُرفتين .
وصلت حياة إلى الغـرفـة فسألتـه :
-البنات فين ؟!
أشار إلى الغرفـة الخاصه بهم :
-هنـا ، تحبي نطمن عليهم !
هزت رأسها بالموافقـة وسبقت خُطاه ، فتحت الباب بهدوء ثم دلفت إليهم فاتبع خُطاها ، بدأت في شد الغطاء فوق داليـا بحب بعد ما طبعت قُبلة طويلة على جبينها ، وهو الأخر فعل مثلها مع تاليـا ، ثم حرص على تشغيل التكييف على الوضع الساخن للتدفئة .. أشار إليـه كأنه يُتمم على ما فعلـه حتى تلقى منها نظرة القبـول والرحب ..
غادر الثنائي وقفل باب الغـرفة بحذر وسألها :
-تحبي تاخدي شـاور ؟! هيفيدك أوي ..
-تمـام ..
دخلت الحمام لتترك للماء مهمة ذوبان أحزانها ، أما عنـه طلب لها وجبـة الغداء خاصـة طبق ” الباستـا بالجمبري ” الذي تحبذه ..
مرت قرابة النصف ساعـة على حياة تحت الماء حتى استطاعت استجماع نفسهـا حتى خرجت بحالـة أفضـل ، في نفس الوقت وصل الطعام وأخذه عاصي من النادل الطاولة .. ثم عاد إليـها فوجدها تصفف شعرها الثقيـل أمام المرآة ويبدو عليهـا المعاناة الشديدة في ذلك ..
وقف وراءها وتلاقت أعينهم بالمـرآة :
-اساعدك ؟
أخذت وقتـًا طويلًا حتى حسمت قرارها بصمت وهي تمنحه الفرشاة ، استقبـل هدوئها واستسلامهـا بابتسامة خفيفـة وشرع في تصفيف جدائل شعرها الكثيفـة بحب .. ترك الفرشاة من يده ثم أخذ يبحث بالأدراج تحت أنظارها الفضوليـة حتى وجد مصفف الشعـر الكهربائي، وبعد ما وصله بالكهرباء قال :
-هتبردي لو سبتي شعرك كده ، لازم ينشف ..
سالته باستغـراب :
-أنت عرفت الحاجات دي أزاي ؟!
اكتفى بابتسـامة خفيفـة أرسلها إليـها عن طريق المرآة ثم شغل مصفف الشعـر وبدأ في تجفيف شعرها بمهارة فائقـة اثارت إعجابها ودهشـتها ، كيف لرجل فظ غليظ مثله يقف على رأسها مهتمًا بما يجعلها أكثر راحةً ويفعل كل ما بوسعـه لينال رضاها ..
مر الوقت سريعًا حتى أنهى شعرها وجففه بعنايـة حتى أطفأ الجهاز وقال :
-افتكر كده تمام !! ناكل بقا لأني على لحم بطني من إمبارح ..
رفعت عيونها بامتنان لتلتقي بعيناه المتعلقة بالمرآة وقالت بعرفانٍ :
-شكـرًا …
-على أيـه ؟!
-عشان حليت مشكلة شعري … أنا كنت هقصه أصلًا
رد بحماس :
-لا تقصي أيه بس ؟! استهدي بالله ، ولو على شعرك أنا مستعد أحل المشكلة دي كل يوم .. بس بلاش حوار تقصيـه ده ..
-اشمعنـا !!
-بعدين هابقى أقول لك .. يلا تعالى ناكل الأكل برد ..
وثبت مرتدية ” بيجامـة ” بيضـاء فضفاضة واتبعت خُطاه بعد ما شبك يداه بيدها .. وصل الاثنان إلى الطاولة وقال بحماس :
-طلبت لك باستا بالجمبـري ، عارف أنك بتحبيها !!
شكرته بنظرة من عينيها الزرقاء وجلست مقابله على الطاولـة ، بدأت بأكل السلطة الخضراء وما أن رفعت الغطاء عن طبق المكرونـة وتسللت الرائحـة لفمهـا ، أمسكت ببطنها ورقدت إلى المرحاض كي تتقيأ ماء جوفها ، ركض خلفها بلهفـة منتظرها حتى فرغت من تلك اللحظات القاسيـة … ثم عادت إليه بحالتهـا الضعيفـة فسألها :
-حصل أيـه ؟!
-واضح أني أخدت برد .. لو سمحت خرج الأكل من الاوضـة مش مستحملة ريحته ..
-برد أيه !! أنتِ كنتِ كويسـة !! حياة أنا قلقان من حالتك دي ؟! نكلم دكتور !!
ردت بوهن :
-متكبرش الموضوع أنا كـو …
لم تُكمل جملتـها فعادت حالة الغثيان إليها ، رجعت إلى المرحاض وهي تفرغ أحشائها التي لم ينزل بها شيئا من ليلة أمس .. فوجئت بيده تحاوط خصـرها ويقفل بيده الأخرى صنبور المياه ويجفف فمها بالمنشفـة ويقول :
-على أقل من مهلك ..
عندما صافح خصرها زهر قلبـها بنوع جديـد من الورد لم يسبق لها نثره في تربتها .. لأول مرة تراه عن قُرب بهذا الكم الهائل من الحنان الذي يجر قلبها إليه جرًا .. رفعت عيونها المشدوهـة إليه وقالت له بخفوت :
-أنا بقيت أحسن .. مجرد برد ..
ترك المنشفة جنبًا ثم حملها بدون مقدمات بين يديه فتعلقت بجدار عنقـه باستسلام تام تستمع لتعليماته :
-طيب نامي شوية ولـو صحيتي تعبانة هنشوف دكتور ، اتفقنـا ..
أومأت بطاعـة وهي تتأمل ملامحه عن قُربـه ، وكفها الذي غدر بها ورسى فوق قلبـه النابض بعشقٍ لم يعهده من قبل ، يشعره وكأنه يعتني بطفلته الصغيـرة بجسد إمراة مثيـرة للغايـة ، وضعهـا على السـرير برفق وشد الغطاء فوقها وأوصاها:
-اتغطي كويس مش عايز شقاوة .. !
لبت طلبـه بهدوء وأغلقت جفونها على الفور كي تنفرد بجملة الأحاسيس التي ولدت بجوفها وأنستها قسوة ما عانته صباحًا .. ضحك عاصي على تصرفها الذي يبدو طفوليـة بالنسبة له ولكنـه لو يعلم حقيقتـه لتولدت له جناحين يحلق بهما في سماء عينيها بحُريـة تامـة وبدون حواجز …
••••••
” بسيـارة عبلة ”
-بس أيه. سبب الزيارة دي يا مامي ؟!
أردفت عاليـة جملتهـا الأخيـرة بعدما حاصرتها عبلة بالجامعـة عندما انهت يومها الدراسي بحجة تناولهمـا للغداء معـًا .. ردت عبلة بخبث :
-لينـا كتيـر مش بنتكلم ، قلت فرصـة نخرج سـوا .. مستغربـة ليـه ؟!
-لازم استغرب !! دي أول مرة نخرج فيهـا سوا .. بس تعرفي ، أنا مبسوطة اوي .. مامي ممكن اسألك سؤال ؟
قفلت عبلة هاتفها بعد ما قرأت الرسالـة النصية المرسلة وقالت :
-طبعا اتفضلي ؟!
سألتها بتردد :
-حضرتك ليـه بعيد ؟! ليـه أحنا مش صحاب ؟! ليه عمرك ما حاولتي تعرفي أيه مزعلني وأيه يفرحني !! ليـه حياتنا كلها أوامر وتعليمـات ؟!
مر الشريط المُظلم على ذهنها كضوء البرق وهي تتذكر جملتها المؤلمة وهي تدس الخنجر بقلب الام التي لم تفق بعد من عناء الولادة وهي تستفسر بشوق عن حال ابنتها ” أنا مش عارفة أقولك أيه بس للأسف البنت نزلت ميتـة يا سوزان ” .. ثم عادت إلي عاليـة وهي وجهها ابتسامـة خبيثـة :
-معاكي حق ، أحنا فعلا بعيد وده غلطي .. بس لازم تعرفي يا عاليـة إني عشت حياة صعبة أوي ، أنا عانيت مع شهاب دويدار ، عشت سنين بحاول اتعافى من الاذية اللي كانت بسببه ، باباكي وبابايا قتلوني كل ليلة ، أنا بحاول اتعافي لحد النهاردة ، ويمكن ده سبب بعدي عنك ..
نظرت لهـا بأسى :
-أزاي يا مامي فهميني ؟!
غيرت مجرى الحديث :
-مش مهم ، بالليل نرغي سوا ، دلوقتِ قوليلي أنتِ أيه يبسطك وأنا أنفذه !!
فكرت عاليـة طويلًا متعمدة وضع أمها في امتحان صعب كهذا ربما لو نجحت فيـه ، تكسر الحاجز القائم بينهم طول العمر .. أخذت تقضم في أظافرها بتردد حتى قالت بشكٍ :
-ساعديني أرجع لمراد .. مامي أنا بحبه .
كان ردها على الجملة أشبه بصدى رصاصة عندما ضغطت على فرامل السيارة بقوة وهي تصرخ بوجهها :
-أنتِ آكيـد اتجننتي ؟!!!!!!! مراد مين !! أنت تنسي مراد ده نهائيًا وده بمزاجك أو غصب عنك يا عاليـة …
•••••••
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية غوي بعصيانه قلبي ) اسم الرواية