رواية بين الحقيقة و السراب كاملة بقلم فاطيما يوسف عبر مدونة دليل الروايات
رواية بين الحقيقة و السراب الفصل الاول 1
لِماذَا جِئْتِي إلى هُنا يا امْرَأة آلامي !
كيف لكي أن تعتقدِي بأني نسيتُ أحزانِي ؟!
أيُمكِن أن يلدغُنِي سُمُّ الحيَّةِ وأعودُ إلى وكرها من جديدٍ يا من دمَّرتي كيانِي ،
بلا فقدْ دثَّرتُكِ بين ثنايا الماضِي وعلى عهدِ الفراقِ باقِ ولن يُنسِيني زمانِي
#خاطرة_مالك_الجوهري
#بقلمي_فاطيما_يوسف
صباحاً في مدينة الإسكندرية عروس البحر المتوسط ، ومنبع العشق للعاشقين ومأوى السحر والجمال للمحبين ،
تجلس ريم في منزلها ممسكة بقلمها ودفترها تصمم رداءً جديدا من تصاميمها الرائعة التي تحلم أن تنفذ ولو تصميما واحداً منها بيدها،
ولكن زوجها يرفض دائما فهو لايريد أن يتعبها أبدا مهما حاولت معه أنها تحب بل تعشق التصميم وتريد أن تجسده علي الحقيقة ،
ولكن كل مرة تأبي محاولتها بالفشل الذريع ، ولكنها في نهاية الأمر أقنعته أن ترسم التصاميم و تقوم ببيعها عبر تطبيق أمازون ،
ورأي تصميماتها مدير أكبر مصانع الملابس في الإسكندرية وتواصلوا معها عبر رقمها ومضوا معها عقداً بتلك التصاميم الرائعة ،
وهاهي منذ عامين تتعامل معهم دون أن يروها أو يعرفوا عنها إلا أشياء بسيطة ،
هي فقط ترسل لهم عدد من التصاميم كل شهر وفور انتهاء الشهر تجد ثمن تلك التصاميم مبعوثة لها عبر تطبيق “فودافون كاش ” ولكن زوجها يأبي أن يأخذ منها جنيها واحدا ومتكفل لأي شيء يخصها هي وأ بنائه ومنزله بأكمل ،
أكملت التصميم بحرفية ونظرت له بانبهار وهي تحادث نفسها بفرحة :
_ الله الله عليكي ياريما إيه الحلويات دي ،
وأكملت بمشاغبة مرددة :
_ والله إنتي خسارة في البلد دي ،
وأثناء جلوسها في شرفتها وهي سعيدة بتصميمها سمعت جرس شقتها يعلن عن وصول ضيف ،
ارتدت حجابها وخرجت لتفتح الباب ووجدتها صهرتها ،
ابتسمت بوجه بشوش وأفسحت لها المجال كي تدلف مرددة بترحيب :
_ اتفضلي ياهند ، عاملة إيه ؟
أجابتها الأخري بابتسامة خفيفة:
_ الحمد لله كويسة ، آمال إنتي مختفية فين كده يختي ولا حد بيشوفك ولا بتسألي ، قلت لما أنزل أسأل انا .
أشارت إليها أن تجلس في الشرفة مكان جلوسها ورددت بعفوية:
_ معلش بقي ياهنودة كنت مشغولة في تصميم من بقالي يومين مع شغل البيت ومسؤولية الأولاد ، والله بحس إن الوقت مش بيكفيني .
تأففت الأخري من ذلك الحديث الذي دائما تسمعه من تلك الريم وأردفت بسخرية:
_ يختي إيه إللي مخليكي تاعبة نفسك كدة في التصاميم والحاجات دي ،
ده إنتي جوزك ماشاء الله عليه مش محتاج،
وأكملت بتقليل من شأنها وهوايتها:
_ علشان إيه يعني توجعي إيدك وعينك وهما كام ملطوش بتاخديهم آخر كل شهر ، وتهملي في بيتك وولادك وصحتك .
هتفت ريم بتعقل شديد وباتزان دون أن تفقد أعصابها من تدخل تلك الهند بشؤونها ، وهي تحاول الاستهزاء من عملها دائما :
_ مين قال ياهند إني مهملة في بيتي أو اولادي أو جوزي !
أنا بصمم وأنا قاعدة في بيتي ووقت فراغي ،
ثم أشارت بيدها علي شقتها مسترسلة حديثها :
_ وبعدين بصي حواليكي كدة وشوفي إذا كنت مهملة ولا لأ واديكي طلعتي علي فجاة من غير ماأكون مرتبة لحاجة يعني ،
واستطردت حديثها لكي توصل لها الصورة صحيحة :
_ وكمان أنا مش بصمم علشان العائد المادي،
اصلا باهر مش مخليني محتاجة حاجة ومش بياخد من فلوسي حاجة خالص ،
بس أنا بحب التصميم والأزياء وعندي شغف الإهتمام وإني أنفذ أفكاري علي الواقع ،
وميضرش إني أستفاد من حاجة شكل كدة ماديا طالما مش مقصرة في بيتي ولا ولادي .
بهتت ملامح هند من رد ريم الراقي المهذب وأكملت حديثها تسألها عن والدتها كي تنسيها الكلام في ذلك الموضوع التي لم تمل من تردادها له كل مرة تجلس معها .
أحياناً يواجهنا أشخاص عقولهم فارغة وكل مايشغلها بث الطاقة السلبية التي يعيشونها في آذان غيرهم ،
وهؤلاء التعامل معهم نجعل أصابعنا في آذاننا ولا نضعها نصب أعيننا ونرمي بها عرض الحائط حتي لو استكبروا علينا استكبارا .
_______________________
في منزل مالك الجوهري ظهراً
يقف في غرفته الواسعة ذات الطلاء الهادئ اللون والذي يبعث في النفس الراحة والهدوء كصاحبها فمالك يعشق الجلوس في تلك الأجواء الهادئة بالرغم من طبيعته العصبية ،
انتهى من ارتدائه لملابسه الكاجوال فهو قلما يرتدي الملابس الكلاسيك إلا في الاجتماعات المهمة ،
ثم مشط شعره بحرفية ونثر عطره المفضل إليه بسخاء ،
وجمع أشيائه وأخذ مفاتيح سيارته وهبط للأسفل ،
وجد والدته السيدة عبير تجلس وتضع السبرتاية أمامها وتصنع قدحا من القهوة و التي تطهيها كل يوم في هذا الوقت خصيصاً لولدها مالك ،
والتي تعلم مواعيد ذهابه يومياً فهي امرإة تمتاز بالطيبة الشديدة والحب لأبنائها ،
ولم تفكر يوماً من الأيام أن تتزوج بعد وفاة زوجها العزيز وتعيش حياتها فقط ترعى أبناءها ،
أحست بخطوات مالك تهبط الدرج فوجهت أنظارها إليه بإبتسامة مشرقة وأردفت بنبرة حنون :
_ صباح الخير يا مالك ، تعالي ياحبيبي اشرب قهوتك ،
واسترسلت بمحبة نابعة من قلبها الجميل:
_ عاملة لك بقي فنجان قهوة متعرفش تشربه من إيد حد غير عبير .
قبل أن يرد عليها الصباح احتضنها وقبل يداها ورأسها بإحترام وود ورد عليها الصباح قائلاً بدعابة:
_ أحلي صباح علي أحلي بيرو في حياتي وأحلي بيرو في الدنيا بحالها ،
واستطرد متسائلاً باهتمام :
_ ها أخدتي دوا الضغط قبل ماتفطري ولا نسيتي زي امبارح ؟
أفسحت له المجال كي يجلس بجانبها وأجابته وهي تفرغ محتوي القدح في الإناء بعناية قائلة :
_ أيوة ياحبيبي أخدته متقلقش عليا أنا زي العفريت قدامك أهو بسبع أرواح ،
متشغلش بالك بيا إنت أنا عايزاك تركز في حالك وتهتم بنفسك شوية ،
ثم أخرجت تنهيدة من صدرها محملة بالهموم وتابعت بخفوت :
_ ياحبيبي إنت من ساعة ما طلقت إللي ما تتسمي نهال وأنت حياتك كلها شغل في شغل ونسيت نفسك خالص ، ونسيت إن العمر بيجري وكل لما أقول لك تابع مع دكتور علشان خاطر ربنا يشفيك ، تتابع شوية وترجع تهمل في نفسك .
ضيق عينيه بملل من حديث والدته الذي لاتنفض عنه يوماً ، ودموعها التي تشق قلبه شقاً كلما رآها تهبط علي وجهها بسببه وأردف بعتاب محب وهو يضع إناء القهوة علي المنضدة واحتضنها وهو يربت علي ظهرها :
_ ياماما ياحبيبتي كل يوم تعيطي وتكلميني في الموضوع ده وتاعبة نفسك علشاني ، دموعك دي بتنزل علي قلبي تكويه وبتحسسني إني السبب في ضيقتك دي كل يوم ،
واسترسل بتوضيح كي يطمأنها:
_ أنا متابع والله ياست الكل مع الدكتور وهو أكد لي خلاص إن كلها شهور وأبقي تمام بإذن الله وهفرح قلبك ياحبيبتي .
انفرجت أساريرها واطمئن قلبها وربتت علي فخذه بحنان مردفة بفرحة:
_ بجد يامالك يابني ولا بتقولي كدة وخلاص علشان تريحني ؟!
ياحبيبي أنا نفسي ومني عيني أطمن عليك وأفرح بيك وأشيل ولادك علي إيدي قبل ماأموت .
وضع يده علي فمها قبل أن تكمل حديثها الموجع لقلبه مرددا :
_ لأ ياحبيبتي متقوليش كده ربنا يديكي طولة العمر وتفضلي منورة حياتي ياأمي ده من غيرك ماأقدرش اعيش ولا أكمل ياست الكل ، وست قلبي .
واستطرد يطمأنها بحفاوة أكثر :
_ متقلقيش ياأمي أنا مسافر ألمانيا كمان شهرين علشان أشوف مكن جديد وحاجز مع مركز عالمي هناك من يومين ،
وبعت لهم التحاليل وطمنوني جدا وقالو لي إن حالتي أصلا مش صعبة ولا حاجة وإن ليها كورس علاجي هاخده بانتظام وعلي فترات وإن شاء الله هبقي تمام وزي الفل ،
طمني قلبك ياأمي .
ارتاح بالها واطمئن قلبها ونظرت له قائلة بدعاء:
_ ربنا يكمل شفاك علي خير ياحبيبي ويرزقك من الخير أعلاه ومن السعاده أقصاها .
أمن علي دعائها وأكمل قهوته وقام مستأذنا منها كي يذهب إلى عمله ،
وتركها وغادر وهي تدعي له أن يسدد خطاه ويجعل السلامة تحالفه أينما كان .
_____________________________
في البنك الأهلي بمدينة الإسكندرية حيث يتجمهر في البنك المئات من الأناس ،
ينتظرون أدوارهم بنظام عالي وترتيت ويرجع ذلك النظام لمدير البنك الأستاذ “جميل ” فكم هو جميل حقا قلباً وقالباً ،
فهو يدير البنك بحرفية ونظام يشهد له الجميع فهو نابغة في إدارة الأعمال بشكل عام وفي الحسابات بشكل خاص ،
يجلس جميل في مكتبه وأمامه جهاز اللابتوب الخاص بالبنك ويجلس معه أيضاً مهندس الألكترونيات المسؤول عن إدارة الالكترونيات وأجهزة الحاسوب ومسؤول أيضاً عن تأمينها ضد الهكر ،
فجميل اختار موظفينه بدقة وعناية فائقة لأجل المسؤلية العظيمة التي تقع على عاتقه تجاه البنك ،
تحدث جميل بجدية إلي المهندس نادر وهو يعمل على حاسوبه دون أن ينظر له مرددا:
_ ها يابشمهندس عملت إيه مع الهاكر إللي حاول يخترق حسابات البنك ومفكر نفسه ذكي ومحدش هيكشفه ؟
استمع إليه نادر بآذان صاغية وأجابه بثقة وتأكيد:
_ متقلقش يافندم أنا مقفله كل الطرق إللي يقدر يخترق بيها الحسابات وعايز أفرحك كمان وأقول لك إني خلاص قدرت أوصل لمكانه برغم كل الاحتياطات اللي عاملها ،
واسترسل حديثه بإيضاح:
_ ابن الذين بيتكلم من أرقام برايفت ومن أماكن عامة يعني كافيهات مثلا مختلفة من كل بلد شكل يعني مرة يحاول من مصر ومرة من بورسعيد ومرة من الاسماعلية وهكذا ،
علشان مقدرش أحدد مكانه كل مرة بالظبط ،
بس القدر خدمني في مرة وكنا خارجين أنا وواحد صاحبي وكنا في الجيزة قاعدين في بيته ،
وجالي رسالة علي الموبايل إنه بيحاول يفتح لأني مظبطه علي برنامج معين عندي لو فتح بأي طريقة أنا مترصد له ،
متتصورش الواد ده دماغه رهيبة وكمية ذكاؤه عاملة إزاي يافندم كل مرة بيكتشف إن في حد كاشفه فيغير طريقته فوراً في الهكر والتعامل ،
مش عارف ليه ميستغلش دماغه العبقرية دي في الصح ويسيبه من سكة اللوع والحرام إللي ماشي فيها دي !
قطع حديثه جميل موضحاً له عقلية ذلك الهاكر قائلا بذكاء :
_ إللي زي ده يانادر مش عايز يتعب ولا يعافر ، مستني ضربة الحظ إللي تجي له علي طبق من دهب فيقفش فيها پإيده وسنانه ويقول يافكيك ،
وأشار علي حاله بفخر متسم بالدعابة:
_ بس علي مين ، ميخلش ويعدي علي جميل .
ابتسم الآخر وردد بدعابة مماثلة:
_ طبعاً ده دماغه فايتاه ومش عارف هو إنه بيتعامل مع خُط البنوك ،
حضرتك أيقونة ذكاء متحركة وكلنا هنا شغالين بتوجيهات حضرتك يافندم.
أماء له بشكر وطلب منه أن يكمل حديثه ،
أكمل نادر حديثه شارحاً بتفسير :
_ وبصيت ياباشا لقيت إشعار جاي لي إن فتح في مكان معين تابعت المكان واتفاجأت إنه في الجيزة ،
في أقل من ربع ساعة كنت قدام المكان طيارة ودخلت الكافيه الموجود فيه ومن استكشافي شفت واحد في منتهي الشياكة قاعد والأيباد بتاعه قدامه ، قربت منه كويس ودققت في إصدار الأيباد من ورا في رقم معين كدة أدخله عندي وأعرف إذا كان ده من ضمن أجهزة الهاكر ولا لأ ،
تعبت جدا علشان أتحقق من الرقم بس جبته في الآخر بصعوبة جداً ، علشان ميشكش فيا ،
وعرفت إن هو يافندم راقبته وأخدت رقم عربيته وبعتها لواحد صاحبي في المرور ولسة مستني يجيب لي أخباره بالتفصيل،
طبعاً منقدرش نقبض عليه إلا وهو متلبس وخلاص قربت يافندم ، وهجبهولك لحد عندك وهقدمه لك هدية علي طبق من دهب .
_الله عليك ياهندسة عمري ماشكيت في ذكائك لحظة يانادر …قالها جميل بثقة ، وأكملوا حديثهم عن أمور أخري تخص البنك .
______________________________
في كلية التجارة جامعة الإسكندرية ،
في نهاية السنة الدراسية حيث تتوافد جميع الطلاب علي قدم وساق لآداء الإمتحانات ،
بتوتر شديد مُلاحظ علي وجوه الطلاب من مختلف أقسام كلية التجارة ،
يدلف الدكتور رحيم المالكي المدرج المسؤول عن مراقبته اليوم ،
ألقي السلام بجدية واحترام علي جميع الطلاب الماكثين في توتر وهرج ومرج من دورانهم حول بعضهم ، كل يسأل غيره ويستفسر عما يريد ،
انتظموا في أماكنهم فور دخول الدكتور المراقب عليهم ورددوا السلام بوقار واحترام مماثل ،
وزع جميع الأوراق بالعدد عدا ورقة واحدة ، استغرب ونظر إلي المقاعد ليري ماإذا كانت زيادة أم ماذا ؟
وبالفعل وجد مقعدا فارغا نظر إلي الطلاب وتساءل بجدية :
_ في مكان فاضي وورقة زيادة ياجماعة مين محضرش خلاص فاضل عشر دقايق وورق الأسئلة يوصل ؟
تلفت الطلاب يميناً ويساراً ليروا من ينقصهم وبعد لحظات بسيطة أجابت طالبة قائلة باستغراب:
_ ده مكان مريم عماد ، معقولة إيه إللي أخرها وللأسف مش معايا تليفونها اكلمها عليه ،
_طيب محدش يعرف عنها حاجة خالص ولا يعرف سبب تأخيرها إيه ؟ …قالها رحيم بقلق دكتور علي طالب ، كقلق الأم علي ابنها من رسوبه في أمر ما ،
لم يعرف اي منهم اي طريقة للوصول إلي مريم لأنها انطوائية جداً ولا تتحدث مع أحد إلا قليل قلة من زملائها ،
وظلت مريم متأخرة لنصف ساعة من دخول وقت الإمتحان ، وفجأة وجدوا من يقرع علي الباب بدقات سريعة،
حوَّل رحيم أنظاره إلي الباب واستشف بذكائه أنها المتأخرة عن موعد الإمتحان ،
ضيق عينيه بزهق وعنفها قائلاً باستنكار وهو ينظر إلي ساعته:
_ الأستاذة إللي مش واخدة بالها من إن وراها امتحان وجاية متأخرة ولا هاممها ،
واسترسل حديثه باستهزاء :
_ ياتري البرنسيسة إيه إللي أخرها عن الإمتحان كان عندها ميتنج مع وكالة أنباء ولا حاجة ؟
تجمعت الدموع في مقلتيها من استهزائه بها أمام الطلاب دون أن يتركها تشرح سبب تأخيرها ،
ولكن هذا الاستهزاء لا يشغلها حالياً بقدر ما يشغلها آداء الإمتحان فردت بهمس واستعطاف :
_ أنا متأسفة جداً لتأخيري يادكتور بس والله غصب عني ظروفي صعبة جداً هي إللي أخرتني ، وطمعانة من حضرتك إنك تدخلني الإمتحان ومتضيعش عليا المادة .
فكر مع حاله وأوجعه استعطافها واعتبرها مثل إخوته لو وضعوا في نفس الموقف ،
فأشار إليها بيديه أن تدلف إلي مقعدها وأعطاها ورقة الأسئلة والإجابة ،
تنهدت بارتياح وأخذت الورقة منه وذهبت إلى مقعدها بتعب شديد حاولت أن تخفيه من على معالم وجهها ،
جلست وبدأت في الإجابة بهدوء وصمت مثل باقي زملائها ، وجاهدت حالها علي عدم الإنهيار من شدة التعب والإجهاد الذي تشعر بهم ،
ولكنه كل حين ينظر إليها بفضول انتابه فجأة ،
لاحظ عليها التعب والإجهاد واضحين للأعمي يراهم ولكن وجدها تجاهد حالها ، فقرر أن لا يشغلها حتي تنتهي فهي متأخرة مايقرب من ساعة ،
انتهي الجميع من إجابة الإمتحان عدا هي الموجودة في المدرج معه تحاول أن تنهي إجاباتها بسرعة جدا فالوقت انتهي منذ عشر دقائق ،
نظرت إليه باستعطاف أن يمهلها عشر دقائق فقط كي تنهي الإجابة ، وقبل أن تتحدث أحس هو بطلبها ، فأشار إليها أن تكمل لأنه لاحظ إجهادها ،
وبعد ربع ساعة بالتمام أنهت الإمتحان وذهبت لكي تعطيه الورقة و إذا بها قبل أن تصل إليه قوتها تنهار ، وتسقط مغشياً عليها قبل أن تسلمه بالورقة ،
انتفض من مكانه ذاهبا إليها برعب وحاول أن يصل إليها قبل أن تقع أرضاً لشدة متابعته لها ، وبالفعل قبل أن تصل رأسها أرضاً كان ممسكاً بها ،
تمعن في ملامحها البرئية والتي من الواضح أن ورائها انكسار وحزن يكسوا معالم وجهها ،
ثم حاول إفاقتها ضارباً علي وجهها بهدوء مرددا بقلق :
_ آنسة مريم آنسة مريم فوقي ،
لم تجدي محاولته نفعاً فأنزل رأسها بتمهل أرضاً وأخرج من حقيبته زجاجة البريفيوم الخاصة به ووضع منها علي يديه ثم ذهب إليها علي عجالة ومرر يداه علي أنفها ،
وبالفعل استجابت لمحاولته وتململت بين يديه وبدأت بفتح عينيها رويداً رويداً ،
وتقابلت زرقاويتها مع عسلية عيناه عن قرب شديد ،
هدأت من روعها وما إن وجدها أفاقت وتحاول لملمة شتاتها تركها بهدوء ،
اعتدل من قامته وسألها محاولا الاطمئنان عليها :
_ مالك ياآنسة مريم شكلك مجهد جدا وباين التعب جداً علي وشك ، إنتي بتشتكي من حاجة معينة تاعباكي ؟
رمشت بأهدابها بتوتر وإجهاد وأجابت باختصار شديد:
_ لأ الحمدلله مش بشتكي من حاجة بس كنت مجهدة بسبب ضغط المذاكرة ،
ثم شكرته بامتنان علي وقوفه بجانبها وعدم حرمانها من الإمتحان ، ولملمت أشيائها وغادرت بهدوء كما دخلت ،
نظر إلي طيفها بشرود وردد مع حاله بشرود:
_ دي مالها دي ،
دي شكلها وراها حوار كبير أوي ،
ثم جمع الأوراق الخاصة بالإختبار وغادر تاركاً المدرج ، وتلك المريم بغموضها غاصت اعماق عقله
___________________________
في شقة راندا المالكي
جالسة مع أبنائها تدون في دفترها الأشياء التي ستأخذها معها وهي مسافرة إلي زوجها دبي ، حيث انتهي أبنائها من آداء الامتحانات منذ اسبوع وحان وقت سفرهم إلي زوجها الحبيب يقضون معه الأجازة الصيفية ،
ومن عادتها قبل أن تسافر إلى أي مكان تدون الأشياء التي تحتاجها وتراجع عليها ليلة سفرها ، حتي لاتنسي شئ ويكون هاماً وتندم فيما بعد فهي مرتبة ومنظمة جداً ولا تسمح بالتهاون في شئ ،
وإذا بالهاتف الخاص بها يعلن عن وصول مكالمة ،
نظرت للهاتف وابتسمت بفرحة وأجابت علي الفور بابتسامة :
_حبيبي كنت لسة علي بالي وبفكر فيك والله ولقيتك بتتصل ، عامل ايه يا هوبة؟
ابتسم زوجها وأجابها وهو يدخل شقته في الكويت عائدا من عمله وقال مشاغباً لها :
_ وياتري بقي ياست راندا أنا بغيب عن بالك وبختفي ساعات ولا أنا في بالك علطول ؟
إبتسمت بحالمية وهي تداعب خصلة شعرها وتحدثت بنبرة يملؤها الحنين لزوجها الحبيب الغائب الحاضر ، الغائب بجسده ولكن حاضر بروحه ويحاوطها في كل مكان :
_ إنت مبتغيبش عن بالي ياإيهاب علشان أنساك ، أو بالأخص مفيش حاجة بتشغل بالي غيرك ياحبيبي .
وعلي جانبيها أبنائها يعزفون بأيديهم كطريقة للمداعبة علي حديث والدتهم حين تحادث أباهم وتنسي نفسها من شدة الإشتياق ،
فنظرت إليهم وضحكت بصوت عالي آثار دهشة زوجها وسألها بفضول :
_ ياتري بقي إيه إللي طلعك من الإنسجام مع جوزك حبيبك وخلاكي تضحكي أوي كدة ؟
انتبهت لسؤاله وتوعدت بالإشارة لأبنائها وأجابت:
_ الأولاد هو في غيرهم مركزين معايا خالص وأنا بتكلم معاك وبيعزفولي كمان تصور بقي .
ضحك بشدة وهو يتخيل منظر أبناؤه وهم كالعادة يشاكسون والدتهم وطلب منها أن تفتح الفيديو كول :
_ افتحي الفيديو كول علشان حبايب بابا المشاكسين وحشوه ونفسه يطمن عليهم .
استجابت له علي الفور وفتحت الفيديو كول ، وطار أبنائها عليها مهاب علي يمينها وسما علي يسارها ، يتسارعون لرؤية أباهم الحبيب مرددين بشغب محبب :
_ ازيك يابابي عامل ايه ، وحشتنا أوي ،
وبعثوا له قبلة بأيديهم ،
رد لهم القبلة بمثلها واجابهم يطمئنهم :
_ حبايب بابي عاملين ايه وحشتوني كتير قد الدنيا بحالها .
أجابوه بطمأنة علي حالهم :
_ متقلقش علينا ياحبيبي إحنا كويسين جداً ومش ناقصنا غير وجودك جمبنا وفي حضننا ياغالي .
أخذ نفسا عميقاً وأردف بصبر:
_ خلاص ياحبايبي كلها أسبوع وتيجوا وتنوروا لي دنيتي المضلمة من غيركم ،
ثم استرسل حديثه بحزن اكتسبه من الغربة وطول البعاد :
_ متتصوروش حياتي من غيركم عاملة إزاي ملهاش طعم ولا معني ولا لون ،
ولا بستمتع وأنا باكل لوحدي ، ولا بحس بطعم الحياة إلا بوجودكم معايا ياحبايب قلبي ،
حزنت راندا لأجله ووجهت الكاميرا علي وجهها وحدثته لتهدا من إحساسه بالوحدة :
_ هتصدقني يا إيهاب إني حاسة زيك بالظبط نفس إحساس الوحدة ، بالرغم من إني حواليا ماما وبابا وأخواتي وولادي ،
بالرغم من إني في بيتي وفي بلدي ،
بس أنت بالنسبة لي كلهم ياإيهاب أبويا وأمي واخويا وبلدي وسكني وسكينتي وكل ما ليا إللي مبحسش بيهم إلا وأنا في حضنك وبين ايديك ،
تركها أبنائها تحادث والدهم بخصوصية ودلف كل منهم لغرفته ،
تأثر بحديثها الصادق الخارج من أعماق قلبها ورشق في أعماق قلبه وردد بحب :
_ ياه ياراند كلامك عامل زي البلسم اللي بينزل علي قلبي يهديه من وجع البعاد والغربة ،
عارف ياحبيبتي وحاسس بيكي وبإحساسك ،
عارف إنك بتتألمي زيي وأكتر كمان ، يمكن أنا بتلهي في الشغل هنا وضاغط نفس جامد علشان أضيع اكتر وقتي ،
أما إنتي ياحبيبتي شايلة مسؤلية البيت والأولاد لوحدك وكل مسؤولياتهم وهمومهم ومشاكلهم عليكي ،
وأكمل بنبرة حماسية كي يلهيها :
بس أنا بقي مجهز لكم بروجرام اول اسبوع هيعجبكم جداً وأخدت أجازة الأسبوع كله،
وضاغط علي نفسي بقالي اسبوعين علشان أخد الأسبوع ده أجازة .
_ياااه ياإيهاب كل مرة ببقي جايالك فيها ببقي طايرة من الفرح زي أول مرة بالظبط …قالتها راندا بحالمية وحب ،
وظلا يتحدثان بكل مشاعر الوحشة والحب والغرام ،
“الغربة ” تعطينا رغد في العيش ولكن تسرق من صاحبها أحلي سنين العمر ،
في الغربة تمرض وحدك ولا تجد من يداويك ، وتأكل وحدك ولا تجد من يوآنس وحشتك ،
في الغربة تشعر بالحنين للأهل والوطن والزمان والمكان وأقصي أحلامك ساعة واحدة فقط تقضيها بجانبهم ولم تطولها،
في الغربة أشيائك كلها منظورة والبعض ينتظر رجوعك لكي يتطلعوا إلي الأشياء التي تأتي بها وليس ليتطلعوا إلي شخصك ،
ثمن الغربة عمراً، عزوة مفقودة، بكاء علي لقاء الأحبة كل يوم بلا دموع ،
في الغربة تفقد الإحساس بألذ متع الحياة بل تفقد الإحساس بالحياة ،
الغربة لا تعطي سوي شئ واحد فقط الأموال ،
ولكن ماذا عساها الأموال أن تفعل هل تشتري راحة بال ، هل تشتري ساعة واحدة في قرب الأحبة ، هل تشتري طمأنة الأهل حين المرض ،
كثير من المغتربين بعد عودتهم في المطاف النهائي يقولون ندما لو عادت بنا الأيام ما اغتربنا وما ضيعنا أجمل سنين العمر ،
لكل مغترب وتاركا شطر من قلبه أنت مجاهد عظيم من أجل البقاء ، ولكل مسؤولة وراء ذلك المغترب أنتي مناضلة عظيمة من أجل الإرتقاء .
__________________________
“واثق الخطا يمشي ملكا ” تستحق تلك الجملة أن تقال علي مالك الجوهري ،
ولكن ملكا بأخلاقه ملكا بقناعاته الهادفة وليس بالشكل والمادة ،
وصل إلي مصنع الملابس الخاص به وترجل من سيارته بهيبة ووقار وهو يغلق أزارر حلته الكاجوال ،
ويعدل من نظارته الشمسية ذات الماركة العالمية المعروفة “لاكوست” بلونها الأسود ، والتي تخفي نظرات عينيه ببراعة ،
دلف متعجلاً بخطاه وهو يلقي السلام بتواضع علي أفراد الأمن الماثلين أمام المصنع ،
فهو خلوق جدا وليس فيه داء الكبر علي عماله ولا هو صاحب النظرات المرعبة التي يعانيها الجميع ،
بل هو معتاد مع عماله علي السلام والكلام والتواضع والمحبة ،
دخل إلي مكتبه بعد ما ألقي التحية باحترام علي السكرتارية المخصصة لمكتبه ،
وفور دخوله خلع نظارته الشمسية ونزع الجاكيت الكلاسيكي ووضعه في الشماعة المخصصة الموجودة في استراحة مكتبه ،
وجلس علي كرسيه ممسكاً الهاتف يطلب من مديرة مكتبه أن تبعث للأستاذ علي صديقه الصدوق ، ومدير المصنع أن يأتي له ،
استجابت له على الفور وهاتفت مكتب الأستاذ علي وطلبت من الإتيان إلي مكتب مالك ،
بعد عشر دقائق وصل علي ودق على الباب بأدب ودخل ملقيا السلام وأردف بجدية وهو يجلس:
_ ازيك يامالك ، حمد لله على السلامة .
أجابه مالك بوجه بشوش:
_الله يسلمك يا علي ، أنا تمام الحمد لله ،
أخبار التصميمات الأون لاين ايه ،
شغالين تمام ولا مقصرين ؟
أمسك بالملفات المطبوعة الموضوعة أمامه وأعطاها له بعملية مرددا:
_ بصراحة شغالين كويس جداً أكتر من المصممين إللي شغالين وجها لوجه معانا هنا ،
أتمني إن ولو واحدة فيهم توافق تيجي تشتغل معانا هنا علي أرض الواقع ،
علشان الفنانين والناس المهمة إللي بتجي لنا ومبيكونوش عايزين تصاميم اون لاين للأسف ،
مش بيقتنعوا إلا لما يقعدوا مع المصمم ويعرفوه إللي عايزينه بالتفصيل بيبقوا كدة مستريحين .
اختلف مالك معه في وجهة النظر وأدلي رأيه بعملية رجل محنك مدرك بالتصاميم:
_ أختلف معاك في النقطة دي،
ياعلي المصمم ده فنان خيالي بيسرح بخياله في صورة ويفضل يسرح فيها لحد ما يحس إنه قرب منها يقوم بقي مشغل الموسيقى إللي بيحبها ،
ومشروبه المفضل ويقعد في حتة هدوء علشان يبدع رسمته ويطلعها زي ماهو راسمها في خياله بالظبط ويمكن تطلع أحسن كمان،
واسترسل بتوضيح أكثر:
_ علشان كدة أنا حابب شغل التصاميم الأون لاين وخاصة صاحبة ماركة ” ريما ستور “
بجد التصاميم بتاعتها عاجباني وفي حتة تانية خالص ، ليها لمحة إبداعية في التصميم مريحة جدا ،
أكيد صاحبة الماركة دي إنسانة هادية وراقية علشان تتطلع لنا التصاميم بالروعة دي ،
وأكمل بتمني :
_ مصممة بالخبرة المتجددة دي أكيد سنها معدي ٤٥ سنة علشان خبرتها في التصاميم متطورة جداً عن الباقيين إللي بيبعتوا لنا ، واللي نعرف عنهم كل حاجة إلا دي رافضة أي طريقة للتواصل معاها ،
بجد أتمني في يوم من الأيام إني أقابل فنانة زي دي ومصممة عظيمة مينفعش تبقي مغمورة جوة التصميمات كدة ، ومتخرجش للعالم الخارجي وتحضر أتيليهات ، أنا واثق ومتأكد إن دي لو ظهرت هتكسر الدنيا.
حمحم علي بصوته وأخذ التصميمات المطبوعة وأعطاها له قائلا:
_ أتمني ذلك بس ساعتها لما منافسين كتير يحاولوا يخطفوها أو يحتكروها متزعلش ،
واسترسل وهو يمد يده بالتصميمات :
_ إتفضل ياسيدي التصميمات الجديدة أهي ،
إللي استلمناها أول الأسبوع بص عليها كدة وشوف إللي هيعجيك ايه ، وشوف إللي عايز تعديل أبعته تاني يتعدل .
أخذ منه التصميمات وتحدث بعملية وهو يتطلع إليها دون أن ينظر له :
_ السوق علمني إن الكف السابق غالب يابني ، يعني دي أول مايجي في بالها فكرة الظهور مش هتعدي من تحت إيد مالك الجوهري ،
ودة مش غرور مني ولا حاجة لأ دي خبرة سنين اكتسبتها من خلال ممارستي للعمل من أول مابتديت ، إنت عارف أنا المصانع دي ولا ورثتها ولا جات لي كدة من الهوا ،
تعبت فيها وعملتها من الصفر وطبعاً نجاحها يرجع أولا لفضل ربنا عليا في إنه رزقني التوفيق ، وللعمال إللي وقفت جمبي وسندتني من البداية لحد إللي وصلت له ،
واسترسل بدهاء:
_ وبعدين إنت قلت لي قبل كدة إنها اتعرض عليها عروض كتيرة جدا من منافسين حوالينا وهي كانت دايما بترفض ،
وقالت لك إنها يستحيل تسيب الكيان إللي ابتدت واتطورت وحققت نجاح معاه ،
صح ولا أنا غلطان ؟
وافقه علي حديثه وأجابه بتأكيد :
_ صح جدا يامالك ريما ستور بالذات فيها حتة الوفاء للي بتشتغل معاهم ومش ماشية بمبدأ اللي يغريها بفلوس أكتر تروح وراه ،
هي شايفة إن إسم الجوهري أضاف ليها ولسه هيضيف لها كتير علشان كدة مكملة وهتكمل معانا إن شاء الله ،
وظلا يتحدثان في أمور المصنع والتصميمات لمدة ،
إلي أن دق الباب ودخلت السكرتارية مرددة بعملية:
_ مالك بيه الأستاذة نهال برة وعايزة تقابل حضرتك ،
ضيق عينيه بزهق وردد باستنكار:
_ قولي لها مالك بيه مشغول ،
وكاد أن يكمل إلا أنه وجدها تقتحم المكتب بكل غرور وابتسامة سمجة قائلة باستسماح :
_ معلش يامالك عايزاك في حاجة مهمة ومش هعطلك كتير ممكن ؟
أشار بعينيه للسكرتيرة أن تتركها وتغادر ،
وقام علي من مقعده وهو يلملم أشياؤه قائلا باستعجال:
_ طيب أنا همشي أنا بقي ورايا مقابلات كتير ، اشوفك في الميتنج بالليل متنساش سلام .
لأ مش هنسي مع السلامة ،
رددها مالك بهدوء ، ثم نظر إلي الجالسة تنظر له بتبجح وقال ببرود :
_ خير إن شاء الله إللي جايب نهال هانم لحد عندي وبدون ميعاد سابق ؟
رمشت بأهدابها بتوتر ورفعت مقلتيها تنظر داخل عيناه كطريقة منها للتأثير عليه كقبل ذلك وأردفت بعتاب :
_ كدة يامالك دي مقابلة تقابلها لي بعد المدة الطويلة إللي مشفتكش فيها ،
مكانش العشم برده .
دق بقلمه على مكتبه ليبين لها عدم اهتمامه لثرثرتها وأوضح بسخرية:
_ عشم إيه إللي بينا يانهال إللي بتتكلمي عليه ،
العشم ده تبليه وتشربي مايته وتقولي الحمدلله وراه إني رضيت اقعد معاكي أصلاً .
استمعت لحديثه وقالت بحزن مصطنع :
_ للدرجة دي هنت عليك تقول لي كدة ،
للدرجة دي هانت عليك عشرة ٨ سنين جواز واتنين خطوبة !
ضحك بصوت عالي دليلا على الاستهزاء بكلامها وأكمل وهو يحك ذقنه بتساؤل:
_ إنتي مصدقة نفسك والكلام العبيط إللي إنتي جاية تقوليه ده ،
خلاص مالك بتاع زمان إللي اتحايل عليكي هو وأمه إنك تفضلي جمبه ومتسيبهوش علشان خاطر أزمة صحية مسيري هتعالج منها ، وبالرغم من كده بينتي أصلك بدري أوي ،
واسترسل بسخرية:
_ يابنت الأصول .
قامت من مكانها واتجهت إلى مقعده واقتربت منه وهي تنظر داخل عيناه قائلة بندم صادق:
_ كنت لسة صغيرة وغصب عني ضعفت من ضغط ماما وإللي حواليا ، ورجعت لك دلوقتى ندمانة ومشتاقة ومن الآخر عايزاك يامالك قلبي ،
وبحركة مفاجأة منها وضعت قبلة هائمة علي يداه ،
انتفض من أمامها كمن لدغه عقرب وبسرعة ابتعد عنها فمالك يخشي الله ولا يقبل بأي شئ محرم يفعله وعنفها قائلاً بشدة :
_ إنتي إزاي يابني آدمة إنتي تسمحي لنفسك تقربي مني بالمنظر ده يامحترمة !
عيب علي الحجاب إللي لايمت بالحجاب بصلة اصلا إللي إنتي لابساه ،
وذهب إلى الباب وأشار بيديه كطريقة لطردها مرددا بعنف:
_ ودلوقتي حالاً إتفضلي اطلعي برة معنديش وقت أضيعه معاكي ،
ثم اتسعت عينيه بحدة كحدة عيون الصقر مردفا بصوت عالي:
_ إتفضلي وياريت مشفش وشك هنا تاني .
قامت وهي تحمل حقيبتها بعنف وأردفت بتوعد جراء كرامتها المهدورة وهي تقف أمامه مرددة :
_ هتندم يامالك وهتدفع تمن طردك ليا من هنا واستهزائك بيا ،
ثم خرجت بسرعة غاضبة من مكتبه تدل على غضبها الشديد واستيائها من مقابلته لها الغير متوقعة في عقلها بالمرة .
أما هو بعد خروجها حدث حاله وهو يضرب بكفٍ علي كف:
_ قال ياقاعدين يكفيكوا شر الجايين ،
وذهب إلى مكتبه وطلب فنجانا من القهوة كي ينزع عنه صداع الرأس من تلك الشمطاء التي كانت تجلس معه الآن .
أما هي بعد خروجها ركبت سيارتها وجلست بها وأمسكت هاتفها وهاتفت شخص ما مرددة بعصبية :
_ أيوة ياست هانم هو ده اللي قلتي لي ده الوقت الصحيح إللي هترجعي له وهيقابلك بالأحضان ،
أجابها الطرف الآخر:
_ اهدي بس إيه إللي حصل لعصبيتك دي ؟
جزت علي أسنانها بغضب ونطقت بسخرية:
_ البيه طردني طردة الكلاب من مكتبه وكأني حشرة وعاملني بمنتهي البرود ،
أنا نهال الدين يتعمل فيا كده،
واسترسلت بتوعد:
_ والله لا أندمه علي إللي عمله معايا وهدفعه التمن غالي ،
وظلا يتحدثان بتخطيط كل منهم علي هواه
__________________________________
تري مالمجهول المنتظر لأبطالنا مالك، مريم ، ريم
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية بين الحقيقة و السراب ) اسم الرواية