رواية وهام بها عشقا الفصل الثالث 3 - بقلم رانيا الخولي
وقف يرتعد أمام سيده الذي أخذ يهدر به بغير رحمة وكأن شياطين الدنيا تلتف من حوله
ومن يلومه وقد أوشكت حياته على الانتهاء بفعلتها
_ يعني ايه مش لقيها اني قلتلك تقلب عليها الدنيا وتچيبها حية أو ميته
ارتعد الرجل أكثر وظهر عليه الإرتباك ولما لا وقد أصابها بدون قصد فأخفى الأمر حتى لا يسخط عليه سيده فقال بخوف
_ معرفش يابيه أني دورت عليها في كل مكان وملقتش آثر ليها.
دلف كامل الغرفة ليجد ابنه يعنف الرجل بغضب
فتقدم منه ليسأله بحنق
_ برضه لمقتهاش؟
كان الرجل يخفض بصره بخوف شديد وزاد ارتباكه أكثر عندما سأله سيده ليرد بخوف
_ اني دورت عليها في الغيطان زي ما أمرتني بس ملهاش أثر
حتى دخلت أرض مهران الهواري وبرضه ملقتهاش
نظر حسين لأبيه بغضب وقال بانفعال
_ كله من دلعك ليها اديها جابتلنا العار ودلوقت النچايمة ياكلونا أكل
تنهد كامل بيأس وجلس على مقعده يفكر في حل لتلك المعضلة
وما الحل الآن بعد أن هربت ابنته التي ارادوا تقديمها قربنًا لحل ذلك الثأر
لو علموا الحقيقة ستتفاقم المشكلة ولن يستطيع الوقفوف أمامهم.
تقدم منه حسين بعد ان صرف الرجل وسأله بحدة
_ ما تقول ياحاچ هنعمل ايه في الورطة اللي وقعنا فيها دي؟
هز كامل رأسه بيأس فهو يعلم ولده جيدًا لن يهدئ له بال حتى ينهي ذلك الأمر
فرد بثبات
_ نزوچه مرح
اتسعت عينيه بصدمة من ذلك الخبر الذي جعل الغضب يزداد بداخله وسأله بعدم استيعاب
_ مرح مين؟ تقصد بنت عمي؟ وخطيبتي؟!
أومأ كمال بصمت ليهدر به حسين رافضًا لتلك المهزلة واستدار بظهره قائلاً برفض
_ مستحيل، مرح دي تخصني أني، ومش هقبل تحت أي ظرف انها تكون لغيري
نهض كامل بغضب مماثل وصاح به
_ خلاص شوفلنا حل تاني
تحرك حسين في الغرفة وهو يبحث عن حل جذري كي ينتشلهم من مصيبتهم دون أن يمسهم ضُر
لكن كيف السبيل إليه وقد خذلتهم بأنانيتها ولاذت بالفرار لتوصمهم جميعًا بالعار
هي حقًا عارًا عليهم منذ ولادتها، ابنة الخادمة التي أغوت أبيه وجعلته يتزوجها خفيه لكن يشاء القدر ويظهر كل شئ حينما حملت وظهر حملها واضحًا للعيان
لتعيد هي الكرة وتهرب بفعلتها
نظر إلى كامل وتحدث باحتدام
_ انت اللي بلتنا بيها وانت اللي لازم تحلها، المشكلة دي لازمن مطلعش منيها خسران.
تنهد كامل بحيرة وهو يفكر في حل أخر لكن لم يجد سوى ذلك الحل الذي يرفضه ابنه
هو يعلم ابنة أخيه جيدًا لن تستطيع الوقوف أمامه والرفض حتى لو قاموا بـ.ـذبحها
عكس تلك المتمردة التي وصمتهم بعار لن يمحيه سوى الد.م.
نهض من مقعده ناظرًا لأبنه بحدة وهو يغمغم بغضب
_ المشكلة دي انت اللي عملتها وانت اللي لازمن تخرج حالك منيها، أني مش مستعد اقف قدام النچايمة بجبروتهم وخصوصًا إن الحق ليهم، انت اللي كملت التار اللي مصدقنا ووقفناه وانت اللي لازمن تتنازل
تقدم منه وهو يشير بسبابته باحتدام
_ يا بروحك؛ يا بـ مرح بنت عمك
ارتبك حسين الذي كان يتظاهر بالقوة منذ قليل ووضع يده على عنقه بحركة تلقائية منه وتمتم بتسويف
_ بس انا مكنتش قاصد اللي حُصل هي چات قضاء وقدر
ابتسم كامل بتهكم وهو يعود لمقعده قائلاً بسخرية
_ الكلام ده ميمشيش معاي لإني خابرك زين
انت كنت قاصد تستفزه عشان يغلط فيك وتتخانقوا ورسمتها صح
بس إن خال على النچايمة ميخيلش عليا واصل
ازدرد لعابه بخوف وتقدم من والده ليغمغم بريبة
_ خلاص حاول تشوف حل تاني
صاح به كامل رافضًا لأنانيته
_ مفيش حل تالت لأنك لو رفضت قول علينا يارحمن يارحيم، ومتنساش إنهم حددوا الميعاد النهاردة يعني مفيش وقت.
❈-❈-❈
كانت تجاهد لتفتح عينيها وكأن شيئًا يجثم عليها فتجاهد أكثر لفتحها
كانت تستمع لأصوات لم تستطع تمييزها
فلم تصمد كثيرًا وغابت في دائرتها المظلمة غير مرحبةً بتلك الحياة القاسية أهلها
❈-❈-❈
وقف ينظر إلى الاوراق الذي بعثتها الشركة عن طريق ((الفاكس))
ولم يكلف اخيه من وقته ثواني معدودة يخبره عن وصول الاوراق واكتفى بأن أمر مديرة المكتب بمهاتفته.
جلس على المقعد بيأس من اخيه الذي لم ولن يتغير مهما فعلوا معه.
تذكر يوم زفاف ابنته عندما طلب منه اخذ ارثه ووالدهم مازال على قيد الحياة…..
تذكر بعدها عذابه وهو يرى اخيه يسقط دون ان يمد له يد العون فأسرع إلى والده….
عودة للماضي….
دلف جمال غرفة والده عندما سمح له بالولوج
كان والده جالسًا على مقعده شاردًا كعادته منذ أن تلقى تلك الصدمة من ولده
تقدم منه ليجلس بجواره وتحدث بتعاطف
_ هتفضل حابس نفسك أكدة ياحاچ.
لم يرفع بصره إليه وظل واجمًا لعلمه ما يود ابنه التحدث بشأنه
يعلم جمال بأن والده سيرفض ما يود التحدث به
لكن عليهم ذلك كي لا يتركوه في محنته.
_ اني رايد اتحدت معاك في موضوع منصور أخوي وعايزك تفهمني زين.
رفع عمران نظره إليه مندهشًا من ولده الذي يحمل لأخيها حنان الدنيا رغم تخليه عنه في كل ظروفه
كان ينتظر منه أن يرفض كما فعلها هو من قبل لكن موقفه هذا يجعله يشعر بأنه اخطأ في تربيته الجيدة لجمال، أم هذا طبع كلاهما لا شأن له بالتربية، اخذ نفس عميق وتحدث بقوة
_ عايزني أفهم أيه ياجمال؟
اخفض جمال عينيه بألم وغمغم بخفوت
_ تفهم إنه مهما كان أخوي ومش هقدر أسيبه
ضرب عمران بعصاه الأرض وتحدث بانفعال
_ وانا مش عايز افهم غير حاجة واحدة إن اخوك چاي يورثني واني لساتني عايش على وش الدنيا؟!
أفهم أنه غاب عنينا تمانية وعشرين سنة مفكرش حتى يتطمن علينا ومجاش إلا عشان يحضر فرح بنته زيه زي الغريب؟
نظر إلى ابنه وقال متهكمًا
_اوعى تفتكر إنك لما تقف چانبه المرة دي هيكتفي ولا هيقول وقفوا چاري وسندوني، بالعكس هيحس انه حق مكتسب وكل ما يقع كل ما يطمع اكتر
يعلم جمال كل ذلك علم اليقين لكنه لن يستطيع التخلي عنه مهما بدر منه
_ بس اني مقدرش أشوف اخوي بيقع واني قادر اساعده واقف اتفرچ، ده مهما كان اخوي وعمر الدم ما يبقى ماية.
يعلم ابنه جيدًا لن يصمد تحت اي مسمى، مما جعله يستسلم قائلاً
_ مادام مصر يبقى اسمعني زين…….
باك
عاد من ذكرياته على ولوج وسيلة الغرفة بابتسامتها التي تخصها له وحده
_انت لسة اهنه؟ انا قلت إنك مشيت مع عمي عند أبوي عشان تتفقوا على ميعاد كتب الكتاب.
نهض جمال ليتقدم من تلك الحبيبة التي كلما وقع بصره عليها كلما زاد العشق بداخله
فتحدث بهدوء وهو يقربها منه
_ كنت مستني أخلص الأوراق دي وبعدين نمشي
مع إني مش عارف الولد ده متسربع إكدة ليه؟
ضحكت وسيلة وقالت بمغزي
_ هو يعني هيچيبه من برة! ولا انت نسيت؟
رفع حاجبيه متسائلًا
_ نسيت ايه؟ انتي تعرفي عني إكدة؟
هزت رأسها بتأكيد
_ ايوة عارفة أول ما قالوا نقرا الفاتحة قلتلهم لا خليه كتب كتاب أحسن
_ بس احنا زمانا غير زمانهم لا كان تليفونات ولا اى حاجة من الحاچات دي
إنما أني كانت بتطلع روحي عشان اطلع في عينيكي الطلة دي واسمع صوتك اللي بنام احلم بيه.
ضحكت وسيلة وقالت بتعاطف
_ وهو برضك نفس حالتك البنت مطلعة عينه وعشان إكدة مستعجل
تنهد بتعب وقال باستسلام
_ خلاص اللي يشوفه، مصطفى ابن عمه راجع كمان يومين وعلى آخر الاسبوع نكتب الكتاب
طرق الباب وسمعوا صوت حازم يستعجله
_ اطلعي ياوسيلة الله يرضى عليكي جدي مستني بقاله ساعة.
هز جمال رأسه بيأس منه ثم غمغم بوعيد
_ عجبك كدة؟ بس ماشي لما ارجعله بس.
❈-❈-❈
انتهى كل شئ
وها هو يجلس وحيداً في منزله الذي اصبح بين ليلة وضحاها لا يملك سواه
وكأن الزمان يعيد أحداثه، تمامًا كما حدث من قبل
لكنه لم يجد الابن الذي يقف بجواره كما فعل جمال مع والدهم
تخلى عنه الجميع، لا زوجة ولا أولاد
فقط الوحدة هي التي لازمته
كان يجلس على المقعد في الردهة مستندًا بمرفقيه على قدميه ينظر إلى ما بينهما بشرود
دق قلب جمال بحزن على حال أخيه وهو يدلف منزله الذي أصبح خاويًا تمامًا سواه هو
ألقى السلام كي لا يفزعه بظهوره لكن ظل على حاله دون أن يرده
تقدم منه ليجلس بجواره قائلاً بثبوت
_ السلام لله ياولد ابوي
.
شعر بنفسه ضعيفًا لا يقوى على الرد أو رفع بصره إليه لكن عناده تحدث بإيباء
_ جاي تشتم؟
اوجعه اتهامه لكنه تحدث بنفي
_ لأ أني مش جاي أشمت في أخويا أني چاي اقف جاره لجل ما يقف على رچليه من تاني
ويفتح شركته.
رفع منصور رأسه بعدم استيعاب وكأنه لم يستمع جيدًا فأكد جمال بإيماءه من رأسه ثم ناوله الملف الذي أخذه ليفتح وهو مازال لا يصدق ما أخبره به
لكن عقد حاجبيه مندهشًا مما يرى
فكلها وثائق تحمل اسم جمال عمران
نظر إلى أخيه وسأله بحدة
_ أيه ده؟
تنهد جمال بعتب ثم تحدث بجدية
_ الشركة أنا اشتريتها وكتبتها باسمي، بس انت اللي هتديرها زي ما كنت بتعمل، الفرق بس في الامضاء
والفلوس هتتقسم ما بينا.
تحولت الانانية بداخله إلى بغض وحقد وهو يرى أخيه يأخذ كل شئ من بين يديه، أولاده وميراثه وحتى شركته
أراد في تلك اللحظة تمزيق تلك الأوراق لكن هو مجبر على الموافقة
وماذا بيده الآن سوى الاستسلام لحكمهم
وعليه الرضوخ لهم إذا أراد استرداد حقه منهم.
لن يهزم وسيظل يعافر حتى يقف على أقدامه كما كان من قبل.
فتحدث بهدوء رغم ما بداخله من نيران
_ حاجة تاني؟
يعلم جمال ما يدور بخلده الآن مما جعله يشعر بالمرارة تجاهه
هو لا يريد تلك الشركة لكن أيضًا سيلتزم بأتفاقه مع والده حتى يخرج ما بجبعته
ربت على ساقه وتحدث بقوة
_ أنت ولد عمران المنياوي يعني محدش هيقدر يكسرك واصل طول ماأنا عايش، خليك عارف إكده زين.
نهض جمال من مقعده وتابع
_ أني ماشي دلوقت والصبح قبل ما أرچع البلد هنروح الشركة ونخلصوا كل حاچة.
رحل جمال وظل هو على حاله ينظر إلى الأوراق بضيق
باك
عاد منصور من شروده على صوت مديرة مكتب المحامي وهي تقول
_ مستر منصور المنياوي.
ازدرد لعابه بصعوبة وتحدثت باقتضاب
_ ايوة انا.
اشارت له بالولوج
_ اتفضل فؤاد بيه مستنيك جوة.
أومأ لها وسارت بخطوات مترددة نحو غرفة المكتب وشئ بداخله يمنعه من الولوج لكن عقله يجبره على السعي خلف ما يريد
وضع يده على مقبض الباب ومازال التردد سيد الموقف حتى لاحظت المديرة ذلك فسألته بحيرة
_ في حاجة حضرتك؟
زم فمه باستياء ثم وافق عقله ودلف إلى الداخل دون ذرة ضمير.
❈-❈-❈
عادت تلك الأصوات تقتحم مخيلتها والرؤية رغم انها استطاعت فتح عينيها إلا إنها مشوشة لا تبين الوجوة التي تحاوطها، عادت لتغمضها وتساءلت بخوف
هل عادت إلى الجحيم مرةً إخرى؟
هل فشلت في الهرب من براثينهم؟
وإذا كان ذلك، ماذا سيفعلوا بها؟
استطاعت أخيرًا تميز أحد الوجوة عندما تقدمت منها وسألتها
_ انتي كويسة؟
ازدردت جفاف حلقها لتجيب بإيماءه من عينيها
لتتابع بأسئلة كثيرة لم تستطيع الإجابة على أيًا منها
كانت تجهاد كي تجيبها وتعلم منها أين هي لكن لا فائدة
تشعر بألم شديد يجتاح كامل جسدها لتخرج منها اهه خافته عندما حركت يدها فيعاود ذلك الصوت يمنعها
الظمأ الذي تشعر به يجعلها تحاول إخراج صوتها
لكن انتهى ظمؤها عندما سمعت ذلك الصوت القاسي
الذي جعلها ترتعد بخوف وتلوذ بالفرار إلى ظلامها الدامس.
نظر مهران إلى الممرضة عاقدًا حاجبيه فأجابت بتافهم
_ عادي متقلقش، مادام فاقت وحركت ايديها تبقى كويسة.
اومأ لها بتفاهم ثم خرج من الغرفة ليجد الرجل الذي يتحرى عن أمرها منتظره بالخارج
تقدم منه يسأله بجدية
_ وصلت لحاچة؟
أومأ الرجل مؤكدًا
_ أيوة يابيه عرفت كل حاچة عنيها.
توجه لغرفة مكتبه واتبعه الرجل مغلقًا الباب خلفه ثم تحدث قائلًا
_ البنت تبقى بنت كامل النعماني وهربت منهم لأنهم عايزين يزوچوها لابن النچايمي عشان يفضوا بيه التار
تقدم مهران من النافذة المطلة على حديقة منزله وشرد في أمرها
تمامًا كما حدث مع حلم لاذت بالفرار كي ترفض تلك الزيجة
لكن حلم لاذت للموت بدلًا من الفرار
تحدث ومازال ينظر من النافذة
_ ومين اللي ضرب عليها نار؟
_ مخبرش، بس كل اللي وصلت ليه إنهم لسه بيدوروا عليها وميعرفوش أنها انضربت
هز راسه مفكرًا
_ يعني اللي ضربها مقالش أنه عملها معنى كدة انه أكيد حد من رچالته.
قطب الرجل جبينه متسائلًا
_ وايه اللي هيخليه يخبي وهو قاله تچبوها حية او ميتة.
هز مهران رأسه برفض وتوجه إلى المقعد ليجلس عليه
_بس الكلام ده لو قدر يرچعها معاه.
_ تفتكر يكون حد من النچايمة؟
هز مهران رأسه بنفي
_ محدش أصلًا يعرف إن كامل معاه بنت، انا نفسي معرفش غير دلوقت رغم إني مراقب كل حركاته، بس البنت دي وراها حكاية كبيرة أوي ولازم تعرفها لي بالتفصيل، في ست شغالة عندهم من سنين وأكيد عارفة كل أخبارهم، اديها الفلوس اللي محتجاها وأكتر واعرف منها كل حاجة، لإن الخطوة الأولى هتبقى مع البنت دي.
لم يفهم الرجل ما يدور في خلد سيده، ومن باستطاعته معرفة ما يدور بخلد مهران الهواري
واهم من ادعى المعرفة
وهذا ما لاحظه مهران مما جعله يعود بظهره للوراء قائلًا
_ روح يلا زي ما قلتلك وإن معرفتش توصل للست دي خليك مع البنت عنديهم دي اديها فلوس بزيادة، طمعها اكتر عشان تنقل كل حاچة أول بأول.
ثم أشار له بالانصراف.
بعد خروجه ابتسم مهران بشر وهو يقول بتوعد
_ يظهر إن نهايتك قربت على يدي يا كامل وقربت اوي كمان.
خرج من مكتبه وتوجه صاعدًا إلى غرفته لينزع عنه قناع القوة الذي يرتديه خارجها ويظهر أمام نفسه ومرآته بضعفه الذي لن يراه سوى صورة حلم
تلك الصورة التي احتفظ بها على جدار غرفته كي يرى نفسه فيها
بضعفها وانكسارها والظلم الذي فرض عليهما عنوة
لم يجد من هو أضعف منه، ولم يجد أيضًا من هو أشد منه بطشًا وتجبرًا
ظلم أقرب الناس إليه وسعى في تدميرها
نغزه قلبه بألم وعينيه التي اشتد سوادها قتامة وهو يتذكر قسوته عليها
توجه إلى صورة والدتها بجوارها لتجوب عينيه على ملامحها الهادئة التي تشبه ملامح تلك الفتاة التي تركها القدر في شباكه كي يستطيع الانتقام ممن سعى في تدميرها
اشتد انعقاد حاجبيه بحدة وهو يتذكر فعلته وذلك اليوم الذي سيظل بداخله مدى الحياة
سينتقم منه بالشر، فانتقام الشر بشر هو خراب على من وراءهم
لبس لها ذنب في ذلك، لكن هذه فرصته التي سعى خلفها ولن يرفضها.
شئٌ بداخله يخبره بأنه يخطئ خطأً فاضحًا وسيعود منه خاسرًا
لكن عقله يخبره بأنه مهما كانت خسارته فلن توازي ما خسره
عادت شياطينه تحوم حوله كي تشعلل نار الانتقام بداخله
فهل ستهب رياح تشعلل تلك النيران
أم ستكون نسمات حبٍ تطفئ ذلك اللهيب وتنشر عطر الورود في صحراء قلبه القاحلة.
❈-❈-❈
عاد مصطفى إلى منزله وهو يحمل ابنه بيد واليد الأخرى يسند بها زوجته
_ حمد لله على السلامة ياقلبي.
ابتسمت حلم بوهن
_ الله يسلمك ياحبيبي.
دلفوا غرفتهم وقام بوضع ابنه في فراشه ثم عاد إليها ليساعدها على الاستلقاء وهو يقول بحب
_ حاولي تنامي شوية لحد ما اعملك الأكل.
إزاد شعورها بالغربة وهي ترى زوجها يقوم بكل الادوار حتى انه لم تغفل عينيه سوى دقائق معدودة فتمتمت بحزن
_ شكلنا غلطان لما اجلنا السفر لمصر، مكنيش ينفع أبدًا أولد هنا.
شعر مصطفى بمدى حاجتها لوالدتها فجلس بجوارها على الفراش محتضنًا يدها ليقول بمزاح يخفف به استياءها
_ دلوقت سفرك معايا بقا غلطة! أومال أيه مستعدة اتخلى عن الدنيا كلها عشانك، و جودك عوضني عن كل شئ ولا انتي كنتي بتثبتيني وخلاص
_ انت عارف كويس إن كل كلمة قلتها كانت من قلبي وواثق أكتر إني مقدرش اتخيل حياتي من غيرك.
مال عليها يقبل جبينها بعشق وقال بحب
_ عارف ياقلبي، مكنش ينفع ننزل قبل ما نعرف النتيجة وناخد الأوراق معانا ، في مصر دكتور خالد قدر يساعدنا إنما هنا مفيش حد ومفيش وسطات لازم نمشي قانوني
قرب يدها من فمه ليطبع عليه قبله مرحه
_ وبعدين انتي كدة بتشككي في قدراتي ولا ايه، انتي عارفة كويس أوي ان محدش يعرف يعمل الشربة زيي.
ابتسمت مؤكدة
_ اه طبعاً دي الحاجة الوحيدة اللي واثقة منها
ربت على يدها ثم نهض متمتمًا
_ هروح اعملك الأكل قبل الباشا مايقوم.
نهض من جوارها دالفًا للمطبخ ليبدأ بإعداد الطعام لها
في صمت، يفتقد بلده وأهله
يفتقد البلدة الصغيرة التي كان يعيش بداخلها اسعد لحظاته
عرف فيها العائلة والؤلفة والحب الذي جمعه بزوجته
لا يريد العيش في ذلك السقيع
السقيع في كل شئ
حتى في العائلة
سيعود ويكتفي بذلك العام الذي لولا وجودها معه لأصابه الجنون من تلك الغربة.
❈-❈-❈
استيقظت ليلى اثر لمساته التي تداعب وجنتيها بخصلاتها كما يفعل دائمًا عندما يوقظها
فتحت عيونها ليطفوا عليه سحرهما الآخذ الذي يسلب لبه ويجعله اسيرًا لهما
اسبلت جفنيها بنعاس راقه كثيرًا ولما لا وهي ظلت داخل احضانه.يبثها شوقه وعشقه الذي لم يقل بل يزداد بشوق حتى وهو بجواره
يشتاق نظراتها الساحرة وهي تنظر إليه بعشقٍ جارف
عادت تفتح عيونها كي تشرق شمسها دنيته فيتمتم بحبور
_ أجمل صباح لأجمل عيون شوفتها في حياتى
ابتسمت ليلى بخجل من غزله الذي لا يكف عنه منذ زواجهما
_ صباح النور، صاحي من أمتى؟
ابتسم بعشق ثم تقدم منها ليقبل جبينها مغمغمًا
_ انا منمتش أصلًا، الفرحة طيرت النوم من عيني، مش مصدق لحد النهاردة إن حياتي تتبدل بالشكل ده
وضعت يدها على خده لتؤكد بوله
_ مش انت لوحدك، انا كمان حياتي اتبدلت، لولا ظهورك فيها كان زمان جاسر ملبسني لأي حد وخلاص.
ضحك كلاهما وتابعت
_ جاسر الوحيد اللي عمره ما رفض حد اتقدملي، لولا إن بابا كان رافض أي ارتباط إلا لما اخلص تعليمي.
معاك انت عرفت الحب وكأن قلبي مصدق واتعلق بيك على طول.
قبل يدها التي وضعتها على خده وغمغم بحبور
_ دلوقت بقيتي من نصيبي، مراتي واختي وحبيبتي وأم ابني كمان.
قطبت جبينها بحنق
_ وليه أم ابنك متقول ام بنتك.
غمغم بضيق
_ لأ انا عايز ولد في الأول والتاني ولد بعد كدة براحتك، انما انا حاليًا شبعت من البنات
زمت فمها بغيظ من عنصريته وقالت بغيظ
_ وان جات بنت؟
التزم الصمت قليلًا ثم تحدت باستياء
_ صعب اوي الصراحة بس عادي هتقبل بشوية زعل صغيرين.
ابتسمت ليلى باستهزاء
_ جاسر قالها من قبلك ودلوقت مستعد يبع سارة نفسها عشان سيلا.
تنهد بيأس
_ خلاص نصبر لحد ما نشوف، بلاش نحكم دلوقت.
رفعت سبابتها في وجهه وتمتمت بحدة وعينيها تخترق عينيه بغيظ
_ انت عارف لو زعلتها هعمل فيك أيه؟
نظر إلى اصبعها التي تشير به بتهديد ورد السؤال بآخر
_ أيه؟
اخذت تفكر قليلًا ثم غمغمت بحنق
_ هطين عيشتك.
استلقى على ظهره ووضع يديه خلف رأسه وتمتمت بهدوء
_ مش هتفرق، من الآخر مش عايز بنات، هتجيبي ولد حلو أوي إنما بنت هنكد عليكم كلكم.
لم تستطيع ليلى الرد على ذلك العنصري، فهزت رأسها بيأس منه ثم نظرت في ساعتها لتعتدل بقلق
_ انا اخرت أوي النهاردة وعندي عملية مهمة
ظهر الاستياء واضحًا على ملامحه التي تأهبت للرفض
_ تروحي فين؟ وعملية ايه اللي تدخليها؟
❈-❈-❈
دقات قلب تعادل دقات قلبه الذي استقبلها بابتسامته البشوشه التي خصها لها وحدها
مهجة الفؤاد التي غرزت سهم عشقه بقلبه الذي لم يلين أمام كل العيون التي كانت تستجدي دقاته
ولما لا وهي بحره وبره
سماءه وأرضه
هلاكه وسكناته
جرحه ودواءه
كانت تتقدم منه بخطواتها التي كانت يتوافق دعسها مع دقاته ليضع يده على قلبه كي يهدئ من خفقاته وهو يستقبلها بولعٍ متمتمًا
_ لو قالولي قبل سابق إني هشوف القمر في عز الضهر مكنتش هصدق، بس خلاص شفت بعيني.
إزداد خجلها من كلماته التي تعلم بأنها لن تستطيع مجاراته في غزله لها فقالت بتحذير واهم
_ لو فضلت تتحدت اكدة هـ اهملك واعاود
رفع حاجبيه متسائلًا بولع
_ وتهون عليكي العيون دي تتحرم من نورها باقي اليوم، دا حتى يبقى حرام.
تقدم منها خطوة لترتداها هي للخلف وهي تقول بتحذير
_ مينفعش إكدة خليك بعيد.
ضحك سليم بسعادة غامرة وهو يقول بمرحه المعتاد
_ ما خلاص بقى المسافات قربت والصلح بين العيلتين هيكون لصالحنا
غمز لها بعينيه جعل وجنتيها يشتد احمرارهما وغمغم بوله
_ وحياة حبك ياأغلى الناس عندي لأعوضك عن كل ثانية بعدتيها عني
تقدم خطوة أخرى لترتدها هي مما جعلها تقول بغيظ
_ بعدهالك عاد، خطوة تانية وهنادي اختك من برة.
نظر إليها ببراءة مزيفة وتحدث بخفوت
_ هو انتي ليه فكرتك عني شمال إكدة، اني بس رايد اقولك كلمة في ودنك لجل ما تفضل سر بينا
ازداد حنقها منه واستدارت لتذهب لكنه أوقفها برجاء
_ خلاص ياقلبي مش هقرب تاني هي أصلًا هانت.
قوليلي بقى كنت عايزاني في ايه؟
عادت إليه وقلبها النابض بحبه يجعلها غير مدركة لما يحدث الآن فغمغمت بخوف
_ خايفة ياسليم عمي يرفضك، انت خابر حسين عينه مني من زمان وديمًا يهددني أني لو موافقتش عليه مش ….
قاطعها سليم رافضاً التفكير في شئ آخر سوى فرحتهم التي ستبدأ منذ الليلة ليقول بثقة
_ متشغليش بالك، هو ميقدرش يعمل حاجة، النهاردة هكلم عمي عشان يطلبك ليا في القاعدة ووقتها مش هيقدر يعمل حاجة.
ابتسم لها كي يمحي نظرت الحزن التي احتلت عينيها
_ كنتي عايزاني عشان اكدة وبس؟
ارتبكت نظراتها ولم تستطع التفوة بكلمة، فكيف تخبره بأن الأمر على وشك الانهيار بعد هروب مهرة
اشاحت بنظرها بعيدًا عنه كي لا يكشف بأنها تخفي شيئًا عنه وقالت بتسويف
_ اه كنت عيزاك تطمني مش اكتر
ابتسم بعشق خصها به وحدها
_ متقلقيش من أيتها حاچة، ان شاء الله كل حاچة هتمشي لصالحنا
_ مرح يلا بقى
كان هذا صوت شمس اخته التي تنتظرهم خارج المكان
نظرت إليه بقلق وكأنها تودعه ولاحظ هو ذلك مما جعله يشتد قلقه ويعلم بأنها تخفي شيئًا عنه.
لن يضغط عليها وسيتركها ترحل
اخرج من جيب عباءته هاتف محمول ثم قال بجدية
_ التليفون ده خليه معاكي انا سجلت رقمي ووقت ما تحتاچيني اتصلي على طول
هزت راسها برفض فإن علم أحد بحملها له لن يمر الأمر مرور الكرام
_ مقدرش انت خابر لو حد شافه معايا هتطربق على دماغي
ابتسم لها يطمئنها
_ متخافيش انا مأمنه من كل حاچة رايد اطمن عليكي كل دقيقة
مدت يدها بتردد حسمه هو بوضعه في يدها التي سحبتها سريعًا وخرجت من ذلك الكوخ الصغير بجوار أرضهم.
عادت إلى المنزل وعينيها تترقب غرفة المكتب خوفًا من أن يراها أحد
كان صوت حسين عاليًا وكأنه يتشاجر مع أحد
لا تعرف لما ساقتها قدماها للتصنت عليهم لكنها تراجعت مسرعة وهي تتدارى خلف أحد الأعمدة برعب عندما وجدته يخرج من المكتب بوجه غاضب وخرج من المنزل بأكمله
تلاها ظهور زوجة عمها ودخولها غرفة المكتب لتغلقه خلفها
لابد انهم لم يستطيعوا العثور عليها حتى الآن
ازداد خوفها عليها واشتد القلق بداخلها فقد وعدتها بالاتصال عليها فور استطاعتها
فماذا حدث لها إذًا؟
اسرعت بالصعود لغرفتها والقلق ينهش قلبها على صديقتها الوحيدة التي شاركتها كل أحزانها
وتدعوا لها أن ينجيها رب العالمين من بطشهم.
❈-❈-❈
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية وهام بها عشقا ) اسم الرواية