Ads by Google X

رواية الحب اولا الفصل الاربعون 40 - بقلم دهب عطية

الصفحة الرئيسية

 رواية الحب اولا الفصل الاربعون 40

كانت تشعر بدوران الأرض من حولها وصعوبة تنفسها
في تلك الغرفة وحول كم هذا البشر المتواجد أمامها
يجلس الضابط خلف المكتب يتم التحقيق مع
عاصم في البلاغ المرفوع ضده….
يجلس عاصم على الناحية الأخرى بجواره محامي
العائلة والمقعد المقابل يجلس والدها بجوار المحامي
(زاهر..) الذي يصر على الكذب والادعاءات الباطلة
على زوجها مثبت التهم عليه زور…..
جزت على اسنانها وهي تكبح غيظها بصعوبة فهي تعلم جيدًا مبتغى والدها والمحامي بعض هذه الادعاءات..
مبلغ مالي حتى يتم التنازل عن البلاغ…..
ومع كرهها لوالدها وبغضها من أفعاله هو ومحاميه الذي يضاهيه شرًا وطمع ، تشعر بالخزي من نفسها تتمنى ان تختفي من امام الجميع تتمنى بعجز ان يتضائل حجمها حتى تختفي عن الأعين فهي صاحبة القصة….المرأة المهانه على حد قولهم التي تعرضت للضرب المبرح حتى فقدت جنينها….. هي من تُشرد الان في أقسام الشرطة وسيرتها علكة في افوه
أربع رجال…
وان علم أحد من الصحافة سيكون الوضع مأساوي..
اغضمت عينيها بارهاق وحزن….تضغط على نفسها أكثر من اللازم…..
والدها ينتقم منها بلا شك فهذا نهج حياته معها منذ
أكثر من ثمانية وعشرون عام ومزال مستمر في الأذى…
ربما يعاقبها لانها سافرت دون علم منه…لكنها دوما كانت تفعل كل شيء دون علمه ليس قلة احترام منها بل قلة إهتمام منه….وكثرة اهمال وقسوة وبغض..
هل يعاقبها على سفرها ونجاحها في المسابقة ام
هناك سبب اخر ؟!…
رفعت عينيها على والدها لتراه مستمر في المناطحة امام عاصم ومحامي العائلة الكبير الذي استعان به عاصم فور وصولهما لقسم الشرطة…
اطرقت براسها وهي تندم على عودتها للوطن بتلك السرعة لو كانت ظلت لبعض الوقت ما كان حدث
لهما هذا….
“شـهـد…..”
صوت عاصم القوي اجفل حواسها وكأنه انزعج
الى ما وصل اليه تفكيرها….رفعت عينيها إليه مبهوته….
لترى الجميع مصوب ابصاره عليها بفضول….عاد
هو ينظر غير الجميع…نظرة عيناه القوية تبتلعها
بقلق عليها….
مالت شفتيها قليلا في ابتسامة صغيرة تطمئن
قلبه عليها….”انا كويسة…..أطمن…..”
اوما براسه بملامح عابسة حادة وهو يعود للتحدث مع الضابط بينما زم عثمان شفتيه مستنكرًا الوضع
وهو ينظر الى المحامي الذي مالى عليه قائلا
بمكر..
“لازم تكلم مع بنتك ياعثمان وتقنعها…متنساش
انها صاحبة الشأن وكلمتها هتفرق معانا في المحضر…”
انصاع عثمان للحديث وهو يهز راسه بالموافقة…ثم
نهض من مكانه فجأة فصوب الجميع ابصاره عليه
بتركيز
تنحنح عثمان وهو يقول بحزن مشدد على الكلمات بغضب….
“انا عايز اتكلم مع بنتي لوحدنا…لازم اطمنها بنفسي
اني معاها وهجبلها حقها منه….أكيد مهددها ياحضرة الظابط….أكيد قالها لو اتكلمت وشهدت ضده هيقتلها
زي ماحصل من شهرين لما ضربها لحد ما سقطها..
هددها برضو عشان مترفعش قضية عليه….”
ضاقت عينا عاصم وهو ينظر إليه بغضب بينما
توسعت عينا شهد وخفق قلبها بهلع…
فاضاف عثمان بلؤم متقن الدور….
“بس الحمد لله اني معايا الاوراق اللي تثبت الحقيقه…والقانون أكيد بينصف المظلوم وحق
بنتي هيرجع…..”
تنحنح المحامي زاهر قائلا بعملية….
“لو تسمح لموكلي يافندم بخمس دقايق فقط يقعد فيهم مع بنته يفهم منها الوضع….زي ما حضرتك عارف انها جت من بيت جوزها على هنا عطول ملحقش يتكلم معاها…وأكيد تم الضغط عليها
مسبقًا حتى تغير اعترافتها…”
هبت شهد واقفه تصيح بنفاذ صبر….
“مكنش فيه اعترافات في الأول عشان اغيرها دلوقتي….هو اي اللي بيحصل هنا بظبط هو انا
متهمة؟….”
حك عاصم في ذقنه محافظ على ثباته وهو يضغط على اسنانه بقوة كاظم غضب ينفجر في أوردته الآن…..
اجابها زاهر دون مواربة….
“بالعكس انتي مجني عليكي…..”
ارتفع حاجبها بذهول مغتاظة من هذا الكائن
السمج….
“مفيش حد جنى عليا…انا كويسة وكل الكلام ده ظلم وافترى على عاصم…..”
رمقها والدها بغضب أسود متوعد لها على وقوفها
ضده…..
بينما اشار زاهر الى الضابط بجدية…
“دا بظبط اللي بتكلم فيه يافندم…اكيد في ابتزاز
في الموضوع….”
رد محامي عاصم يقارعه بعملية…..
“قصدك التباس….الأوراق اللي معاك متسواش حاجة
قصاد كلمة من الزوجة هي صاحبة الشأن…”
اوما زاهر براسه معقبًا بلؤم….
“عشان كده لازم أبوها يتكلم معاها….ويفهم منها.. ”
تجهم وجه المحامي ساخرًا من اللعبة المكشوفة
التي يقوما بها ضد موكله……
“يفهم منها…. ولا يضغط عليها ويخليها تأكد على
كلامه في المحضر ضد زوجها…”
رد زاهر يناطح بالحديث بجمود….
“مفيش حد ضاغط عليها هنا غير موكلك… والاوراق
والشهود بتثبت ده….”
رد المحامي بثقة…..
“كل شيء مزور وانا هقدر اثبت ده بسهولة…”
هتف عاصم بصوتٍ خشن مقاطع….
“شـهـد مش هتقعد معاه لوحدها…. انا مستحيل
أأمن على مراتي معاه…”
رفع عاصم عيناه على والدها الذي تغاضن وجهه بغضب وضيق وهو يشيح وجهه الى ابنته التي كانت تقف على بعد خطوات بينهما شاحبة الملامح مشتته العقل….تقف في المنتصف كـكرة المدفع عليها ان تدمي وجه أحدهم بيد الآخر !!….
تقلصت رئتاها وضاقت انفاسها جراء هذا الشعور
العاجز المميت…..حتى ان كان والدها لا يملك
ذرة من الابوه يبقى والدها وعاصم مهما فعل
يظل حبيبها…مالك قلبها وسيدها…..
وقف الضابط واقترح بحكمة….
“انا من رأيي اسبكم انتوا التلاته الخمس دقايق
دول لوحدكم يمكن تتحل المشكلة بشكل ودي
بدل ما ندخل في سين وجيم ومحاكم…..”
ثم استردّ وهو يوزع النظرات عليهم
بحزم….
“وواضح انكم ناس ليها اسمها وسمعتها في البلد….ففكروا كويس قبل ما تمشوا قصاد
بعض في السكة دي… وده في الاول وفي
الاخر لمصلحتكم …”
ثم تحرك الضابط مبتعد عن المكتب مشير الى
المحامين…..
“اتفضلوا يا اساتذة معايا شوية برا… وسبوهم
لوحدهم….”
أومأ زاهر براسه على مضض وهو يميل على
عثمان هامسًا بخسة…..
“خليك على موقفك…إلا بقا لو عرض عليك مبلغ
كبير قصاد التنازل….”
نظر له عثمان بتساؤل فـغمز له زاهر بخساسة وطمع….فابدى عثمان الموافقة سريعًا وهو يصافح زاهر مبتسمًا….
بينما كان عاصم جالسًا مكانه بهدوء لا يتحرك يوزع
النظرات عليهما بتساوٍ بملامح متجهمة ونظرات
نارية حتى وقعت عيناه عليها وهي مزالت واقفة مكانها…طال النظر اليها بعينيه الصقريتين المحاصرتين…
عند النظر اليها شعر بألم شديد ينبش بصدره وكأن قلبه ينتزع من موضعه جراء هذا التشتت والتخبط البادي على ملامحها وعيناها الحزينة…..
تنظر إليهم بضياع مفكرة وكأنها تواجه مسألة عويصة….عمن ستختار لتكن معه ومن ستكون
ضده ؟!!…
خرج الجميع وبقت غرفة المكتب فارغة عليهم
هو وهي و..ووالدها كريه الوجه بغيض النظرات..
تبادل ثلاثتهم النظرات تحت وطأة العداء
في جوٍ مشحون بالغضب والكراهية…..
شن والدها الحرب…شن حرب شعواء ستكون خسائرها جسيمة على الجميع وهي أولهم !!..
نهض عاصم من مكانه وتقدم من والدها ليقف
امامه مباشرةٍ ثم تساءل بعد لحظة صمت باردة
بصوتٍ خشن مضيق عيناه مستفسرًا….
“انا عايز أفهم بقا….انت استفدت إيه من كل ده..
وانت عارف كويس ان انا مش هبات ليلة
واحده في الحجز….”
تبرم عثمان قائلا….
“ليه بقا…فوق القانون ابن مين انت؟!!….”
بهت وجه شهد وهي تقف بينهما تشاهد
ما يحدث بعجز…..
اجابه عاصم بعجرفة…
“ابن عبد الرحمن الصاوي….شكلك بتخبط
وخلاص مش واخد بالك انها هتيجي على
دماغك في الاخر…”
جحظت عينا عثمان بشرارة
الغضب… “انت بتهددني؟!!…..”
هز عاصم راسه بنفي….
“لأ….انا بعرفك اللي هعمله فيك….”
نادت عليه شهد بنبرة مضطربة وهي تمسك
ذراعه تمنع طوفان غضبه من الإنتشار أكثر
“عـاصـم…..”
اسكتها عاصم بنظرة جانبية
حازمة….
“متدخليش ياشـهـد…..”
صاح عثمان بمقت….
“وليه بقا متدخلش انا أبوها…هتقف قصاد أبوها
عشانك…..”
هتف عاصم بنبرة عنيفة….
“انت عمرك ما كنت أبوها….اب بالإسم ملوش وجود
في حياتها….عايز يستفاد من وراها وخلاص…”
تجهم والدها بصفاقة…
“والفيدة هتيجي من وراك انت….”
التوى فك عاصم بتشنج وهو يقول بجمود…
“حتى لو بتفكر تستفاد انا مش هدفعلك مليم
واحد…مش هتطلع كسبان من ورايا….بالعكس دا
انت هتخسر كتير بعد اللي عملته….”
رمقه عثمان بشرٍ وهتف كرصاصٍ طائش…
“انا مكسبي مش فلوس….انا مكسبي انك تطلق
بنتي وتبعد عنها…..”
مالى عليه عاصم يتحداه بنظرة قاتمة…
“مفيش قوة في الدنيا تجبرني أنفذ كلامك…”
صاح والدها بضجر….
“هتنفذه ورجلك فوق رقبتك….”
رفع عاصم اصبعه امام وجه والدها يبدي تحذيرًا
صارمًا….
“الكلام ده تقوله لأي حد إلا انا…انا لو ساكت احتراما لسنك مش أكتر…متخلنيش انسى ده واتعامل معاك
بطريقة تانيه مش هتعجبك….”
لم تجد شهد حلًا اخر إلا الوقوف حائل بينهما
لتمنع التمادي…ففعلتها ووجهها الى زوجها
تمنعه بذعر….
“عاصم كفاية…دا مهما كان أبويا…عشان
خاطري…. كفاية…. ”
زمجر عاصم بعد ان استشاط غضبًا وحنق….
“دا لو كان حاطت في اعتباره انه ابوكي…مكنش هيعمل كده….مجرجرنا في الأقسام….بيتبلى عليا انا….اني ضربتك لحد ماسقطك… ضربتك لحد
ماقتلت بنتي بايدي…”
نظر الى والدها وأضاف بنزق….
“مفكر الناس كلها زيه….بيرموا عيالهم وبيقتلوهم
بدم بارد…..”
اغمضت شهد عينيها تسمع كلماتٍ كانت بمثابة طلقات نارية تخترق صدرها وتمزقها…..ومزالت
يداها الاثنين تتشبث بذراعيه تخشى بطشه ان
ازداد غضبه عن الحد……
صاح عثمان بقسوة مزدري وهو يدير ابنته إليه
بعنف…
“آه انتي حكتيلو بقا…روحتي عيطي وتمسكنتي
في حضنه… شحتي الشفقة منه بسماعة اللي
حطاها في ودنك دي…”بحركة بسيطة من اصابعه
الغليظ نزع السماعة من اذنها واوقعها ارضًا بكراهية….
شهقت شهد وهي تضع يدها على اذنها بصدمة…
بينما اندفع عاصم نحوه كالمارد واعتقل
عنقه بين قبضة يده القوية….
“انت مجنون……اقسم بالله ادفنك هنا….”
شحب وجه والدها بهلع منه وهو يحاول التخلص
من قبضة يده الفولاذية…
بينما ذابت الصدمة عن شهد فور رؤية هذا
فاندفعت نحوهم واضعه يدها على قبضة عاصم
تمنعه من التهور أكثر…..تترجاه وهي تبكي برهبة…
“عـاصـم….عـاصـم…..عـاصـم خلاص عشان خاطري
سيبه ياعـاصـم عشان خاطري كفاية….”
لم يبدو على عاصم سماعها فكان يزيد من قبضته
على عنق والدها بوجهٍ مربد بالغضب ونظرة مظلمة
مرعبة…..
بهت وجه والدها وتوسعت عينيه بهلع ويبدو انه يصارع الموت الان….فصرخت مجددًا بتوسل…
“هيموت في إيدك…عـاصـم……كفاية..”
وجه عاصم الحديث له بقتامة مخيفة…
“لو إيدك اتمدت عليها تاني هقطعهالك…مبقتش بنتك سامع…دي مراتي وعلى الاساس ده هتتعامل معاها….
وكلامك يبقا معايا أنا… إيدك متترفعش عليها تاني..”
اوما عثمان براسه بانفاسٍ مختنقة ووجهٍ بات رمادي من قلة الهواء محتقن بفاجعة الموت…
تركه عاصم بقرف وهو يشيح بوجهه عنه بينما دلف
الضابط إليهم على صوت الضجيج العالٍ يسأل وهو يوزع النظرات عليهم بشك……
“اي اللي بيحصل هنا….”
رد عاصم بجفاء…..”ولا حاجة بنتكلم…..”
دلف الضابط للمكتب من جديد ثم زاهر ومحامي
عاصم……
اقترب زاهر من عثمان يسأله بشك…
“مالك وشك مخطوف كدا ليه…هو قالك إيه….”
أجابه عثمان ببغض…..
“كان فضلي دقيقة واحده والروح تطلع للي خلقها..”
اتسعت عينا زاهر بصدمة….
“ازاي ده…هو مجنون مش شايف المكان اللي هو
فيه…..احنا لازم نعمـ…..”
اوقفه عثمان وهو يتحسس رقبته برهبة….
“احنا مش هنعمل حاجة…احنا لازم نمشي من هنا بسكات….قبل ما بنت الكلب تشهد ضدنا….وتكدبنا
قدام الظابط….”
ساله زاهر وهو ينظر
نحوهما…..
“يعني معرفتش تقنعها…..”
رد عثمان بكراهية….
“طول ماهو معاها بتستقوى بيه قدامي….”
اثناء هذا الحديث…انحنى عاصم ارضًا يجلب لها
السماعة الطبية….وامام عينيها أخرج منديلا ورقي
من جيبه ومسح السماعة جيدًا….
لانت شفتيها في ابتسامة حزينة منكسرة وهي تراقبه….أما هو فبعد ان إنتهى اقترب منها
بحنان قائلا….
“خليني اركبهالك…..”
اومات براسها بحرج وهي تترك له حرية فعلها…
فوضع السماعة في اذنها بحرص واهتمام
شديد…ثم داعب وجنتها بابهامه سائلا
بعطف….
“كده أحسن….ولا الوقعه وقفت السماعة….”
اجابته شهد بتحفظ….
“لا….السماعة شغاله كويس….شكرًا…..”
“اسحبيها احسلك…..”قالها عاصم بأمر وهو يبعد يده وعيناه عن وجهها بصعوبة…حينها توسعت البسمة على محياها متذكرة بدايتهما….ومناوشات لطيفة
قد ولى زمنها بينهما….
سالهم الضابط بهدوء….
“ياترى اتفقتوا ولا…..نمشي في الاجراءات…”
قال عاصم بخشونة….
“الأحسن نمشي في الاجراءات…..”
نظرت اليه شهد بدهشة….”عـاصـم…..”
مالى عاصم عليها هامسًا بهدوء متفهمًا…
“أكيد مش هتقفي قصاد ابوكي عشاني….كان باين ده من خوفك عليه…. في نهاية هو ابوكي….”
هزت رأسها تقول بعنفوان بصوتٍ عالٍ وصل
لمسامع الجميع….
“وانت جوزي…..وانا مش هفرط فيك….”
ذهل عاصم من تصريحها الخارج عن نطاق سجيتها معه فنظر اليها عاقد حاجباه….
بينما خطت هي خطوة للأمام تصرح بجدية
للجميع….
“الموضوع انتهى ياحضرة الظابط واحنا اتصلحنا
ومفيش اي حاجة….حتى ده رأي بابا….مش كده…”
نظرت شهد الى أبيها بصلابة تستمدها من زوجها الذي يقف خلفها يشن نظرات العداء نحو أبيها
ان اعترض على الأمر…
ساله الضابط بريبة….
“يعني مردتش ياعثمان بيه…..انت مش موافق
على الصلح بينكم….”
ساد الصمت قليلا في الغرفة حتى لفظ والدها
بعد فترة بجفاء….
“طالما هي عايز تكمل معاه…..يبقا المحضر
ملوش لازمة….”
………………………………………………………….
عندما خرجا من مكتب الضابط رأى عاصم عمه
(مسعد) وابنه(يزن)يتقدما منهما بلهفة يسود وجوههم القلق والحنق بعد ان وصل لهما الخبر….
تافف عاصم وهو ينظر الى شهد التي نظرت الى ما ينظر إليه وقد لاحظت وجودهما…
ارتبكت بحرج عندما وقعت عسليتاها على يزن
الذي اضطرب عندما رآها وتعثرت ساقه في
الهواء !!…
ابتلعت ريقها متوجسة وهي تنظر الى عاصم الذي
كان يتابع الموقف بانفاس متلاحقة وملامح جامدة
لم تتحرك عضلة من وجهه تدل على غضبًا او غيرة
بل مد يده مرحبًا بهما بهيبة الرجال…
لم تجد يومًا رجلا يمتلك هيبة مثل عاصم…رجلا يجبرك بافعاله ان تحترمه وبهيئته ان تخشاه ولا
تفكر بالعبث معه…
رجلا عبثت معه أكثر من مرة ومزالت على قيد
الحياة….باستنثاء قلبها فهو محطم الآن….
أسبلت عينيها بحرج وهي تسمع مسعد يصيح
بغضب…
“ازاي يفكر يعمل فيك محضر زي ده….ويتهمك
تهمة زي دي….اتجنن دا ولا إيه….”
رفعت شهد راسها تنظر الى مسعد بانزعاج بعد
ان تطاول على والدها….فصاح مسعد عليها هي
الأخرى بنظرة حانقة…
“وانتي إزاي توافقي ابوكي على حاجة زي دي…ازاي
تجرجري جوزك في الأقسام بتهمه زور….”
رجعت شهد خطوة للخلف مصدومة من هذا
الهجوم الوحشيّ…. بينما وقف عاصم أمام عمه
هادرًا بتحذير…
“عمي….عمي كلامك معايا انا…شهد ملهاش دعوة
ومكنتش تعرف اللي أبوها بيخطط ليه…”
اشاح مسعد بوجهه عنهما بوجوم محاول الإمساك بزمام الصبر…..
أمر عاصم ابن عمه بنبرة حازمة…
“يزن وصل شهد للعربية….انا هخلص مع
المحامي وهاجي…..”
رفعت شهد عينيها إليه متعجبة من الطلب…فبادلها عاصم النظرات بروح خاوية جمدتها كليًا لذا رفضت
بعناد…..”خليني استنى معاك….”
اجابها عاصم بملامح متجهمة….
“كلها عشر دقايق ونمشي ارتاحي في العربية…كفاية
واقفه في القسم…..”
تساءل يزن بنبرة متلعثمة….
“يعني كله تمام ياعاصم…ولا نجيب محامي تاني…”
هز عاصم رأسه على مضض وهو لا يطيل النظر
اليه كالعادة مجيبًا بجفاء…
“مش مستهلة الظابط ابن حلال مشاها معانا ودي…
والموضوع خلص…..”
أخرج عاصم من جيب السترة اغراضه واعطاها
لها قائلا… “خلي تلفوني والمفاتيح معاكي…”
ثم أشار الى ابن عمه بملامح غير
مقروءة… “يلا يا يزن…..”
كان كلاهما في حالة ذهول من هذا التصميم الغليظ
البادي عليه فكان آخر شيءٍ يتوقع من عاصم….
سارت شهد بجوار يزن في ممر قسم الشرطة الممتد بصمتٍ واعصاب مشدودة وصدر يفور بشعلة من الحرج والغيظ…..
توقفت فجأة مكانها وادارة وجهها الى عاصم الذي مزال يقف مكانه يتحدث مع عمه والمحامي الذي خرج للتو من المكتب….يتحدث معهم وعينيه عليها لم تفارقها منذ ان تحركت مبتعدة….
هل يضعها تحت الاختبار ؟!!…لكن ليس من شيم عاصم الصاوي ان يفعلها…..إذا لماذا أصر على ان يرافقها يزن للخارج ؟!!…
عندما خرجا من المبنى الى الشارع حيثُ تصف سيارة عاصم وقفا أمامها قليلا وعم الصمت بينهما
وكلاهما متوتر محرج بجوار الاخر…..
قطع يزن الصمت بصوتٍ خافت
لبق…
“ينفع أتكلم معاكي شوية ياشهد…”
خفق قلب شهد بتخوف وظلت عينيها مثبته للأمام دون النظر إليه… ومع ذلك لم تظهر توترها بل
سمحت له بصلابة…. “اتفضل….”
زفر يزن وهو يقول بخزي…..
“انا مش عارف أبدا معاكي منين…. بس انا آسف…”
التوى ثغر شهد باستهزاء مرير….
“آسف؟!!!..ملهاش اي لازمه الكلمة دي بعد اللي حصلي….”
أطرق يزن براسه بحرج أكبر….فرفعت شهد عينيها
عليه تواجهه بصرامة….
“ممكن انا اسألك سؤال….”
نظر لها يزن بعيناه الزرقاء الحزينة….فاستفسرت
شهد منه بحيرة….
“هل انا في يوم صدر مني موقف او كلمة معاك خلتك تفكر فيا بطريقة دي….خلتك تتشجع
وتقولي بحبك وتعالي نهرب سوا ؟!!….”
بهت وجه يزن بخزي من نفسه وهو يهز راسه
بنفي قائلا بندم….
“محصلش كنتي بتتعاملي معايا عادي…انا اللي مشيت ورا شيطاني وسمحت لنفسي أفكر فيكي
بطريقة دي…بس والله انا ندمان…ندمان اني بوظت
حياتكم بغبائي…..”
ترقرقت الدموع في عينا شهد وهي تنظر
للأمام واجمه….بينما استرسل يزن بنبرة تقطر
أسف وحرج….
“انا الفترة دي اكتشفت اني مكنتش فاهم مشاعري ناحيتك…. لما بدأت اقرب من ربنا واتعرف على ناس
تانيه….ناس عارفه قيمة الحياة وقيمة الناس اللي حوليها….فهمت وعرفت قمتكم…..قمتك انتي وعاصم
كبير اوي بنسبالي…..وانا نفسي تجمعه من تاني…
وربنا يعوضكم بدل اللي راح…..”
زفرت شهد تنهيدة ثقيلة على صدرها وهي تمسح وجنتها قائلة بقنوط….
“مفيش حاجة تعوض اللي راح….حتى انا وعاصم عمرنا ما هنرجع زي الأول….في حاجات كتير حصلت
بوظت حياتنا….”
ثقل العبء على كاهل يزن وهو
يسألها….”بسببي مش كده ؟!!…”
هزت راسها بنفي وهي تقول بشجن…
“انت كنت جزء صغير من الحكاية دي….بس أكيد مش العقبة اللي واقفه بينا…بدليل انه سابك توصلني لحد العربية…..يعني لسه بيثق فيك… ”
سألها ببصيص أمل…. “تفتكري ؟!!…”
نظرت اليه شهد متعجبة….
“انتوا مش بتتكلموا ؟!!…انا عرفت انك شغال
معاه في الصاغة جمب دراستك….”
أكد المعلومة موضح بأسى….
“أيوا فعلا…. بس تعاملنا زي الغرب…مبقناش زي الأول….”
قالت شهد بابتسامة طفيفة…..
“أبدا انت الأول…وانا واثقه انه هيصفى من ناحيتك
مسافة ما تعتذر…..”
زم يزن فمه قائلا باستياء….
“ومين قالك اني معتذرتش….انا اعتذرت اكتر من
مرة…بس هو رافض يسمعني….”
اكتفت بايماءة متفهمة ثم قالت بسخربة مشيرة
على نفسها….
“كان نفسي اساعدك بس انا موقفي أصعب منك…”
غير يزن مجرى الحديث على أمل…..
“أكيد الأمور هتتحل بينا في يوم من الأيام….صحيح
مبروك على فوزك في المسابقة…تستحقي ودي مش مجاملة انا كلت من اكلك اكتر من مرة وكنت مبهور
بطعمه….”
تألقت شهد بإبتسامة جميلة ردًا على
المجاملة…
“الله يبارك فيك…دي شهادة اعتز بيها والله…طبعا
أول ما أفتح المطعم هتكون من ضمن الناس اللي
هتجيلي وقت الافتتاح….”
قال يزن بمرح…..
“وبعد اللي إفتتاح كمان….هاجيلك انا وجروب الجامعة كله….”
قالت شهد بتنهيدة متلهفة….
“تنورو طبعا….بس ادعي ألاقي المطعم الأول…”
سالها يزن بفضول…
“شكلك مش لاقيه حاجة مناسبة….”
اجابته شهد بنبرة حالمة….
“انا لسه راجعه من السفر ملحقتش أدور…بس انا
خدت من المسابقة مبلغ كبير….بيه هقدر إشتري
مطعم كبير على البحر زي ما بحلم….”
نظر لها يزن قليلا مفكرًا ثم
قال…
“واضح انا ربنا بيحبك….”
ابتسمت شهد بتساؤل…..
“الحمدلله….بس ليه بتقول كده…..”
قال يزن ببشاسة….
“في واحد صاحبي باباه عنده مطعم على طريق(***)على البحر في موقع يجنن… روحته
كذا مرة مع صحابي….”
انعقد حاجبي شهد….
“ايوا بس اي علاقة ده باللي بنقوله….”
وضح يزن بملامح جادة….
“ماهو صاحبي ده باباه ناوي يبيع المطعم…عشان عايز يستثمر في حاجة تانيه…يعني بيغير البزنس بتاعه….”
إنار الخبر عسليتاها بالفرح…..
“بتكلم بجد….طب ما يمكن يكون باعه…”
هز يزن راسه قائلا بهدوء….
“لا طبعًا كل العروض اللي بتيجي ليه إيجار…هو
عايز يبيع….لو حبه ممكن نروح نشوفه…وانا هتكلم مع صاحبي وهعرفه اني جبت له مشتري تمليك…”
قالت شهد باستحسان مبتهجة…..
“أكيد حابه أشوفه…اديني رقمك عشان ابقى اتواصل
معاك منين ما انوي…..”
بعد ان أخذت رقم يزن وسجلت الإسم على هاتفها
فضلت ان تنتظر عاصم بالسيارة وقد صعد يزن
إليهم ليطمئن على الوضع…..
وضعت سلسلة المفاتيح جانبًا…وظل هاتف عاصم في حوزتها…بدأت تجرب بصمة اصبعها على الهاتف فكان
لديها بصمة عليه….
تفاجئت بأنه لم يغير بصمتها وفتح الهاتف
معها بسهولة أنارة الشاشة بصورةٍ لها…
جفلت ملامحها وهي تنظر الى تلك الصورة التي التقطت لها في شهر العسل عندما فاجئها كالفارس
وحملها على ظهر الفرس الأسود وقضا الامسية معًا
أسفل شجرة كبيرة مزينة بالانوار….وعشاء شاعري
على ضوء الشموع…
التقط لها صور كثيرة في هذا المكان…القليل منها على هاتفها والكثير معه….
لانت شفتيها في إبتسامة صغيرة ولا تعرف أتامل
بأن تعود حياتهما الى عهدها السابق… أم هذا دليل على ان ما بقى بينهما مجرد صور وذكريات جميلة….
بعد لحظات فتحت سجل الإتصالات لترى بعيناها
ان الرقم الذي كان يتحدث معه صباحًا كان يعود
الى الجدة( نصرة)هي من كان يحدثها وادعى غير
ذلك حتى يثير غيظها وغيرتها عليه ليس إلا…
لكن فرحتها لم تدوم فقد رأت رقم رفيدة لديه بينهما
اتصالات ربما لا تتعدى الثلاث دقائق لكنها اتصالات
واردة…..يبدو انها عادت تلاحقه من جديد وهو
لا يمانع ؟!!….
………………………………………………………..
اجتمع الجميع في غرفة الصالون لزيارة سلطان بعد
معرفتهم بما تعرض اليه من حادث طريق على يد
أحد الصوص…..
وتم ذكر القصة كما اتفق عليها مع داليدا حفاظًا على سيرتهما أمام الجميع…..
نزلت دموع والدته (حنان) التي تجلس بجواره منذ
أمس لم تتركه أبدًا… تهتم به وتدلله كما لو انه عاد
صغيرًا…. مزال قلبها منفطر عليه بعد ان رأته بهذا
الشكل متعب ومجهد وخصره يلف بالشاش الطبي
“حمدلله على سلامتك ياحبيبي… الحمدلله انها
جت على قد كده…”
ربتت والدته على كتفه وعينيها تترقرق بالدمع الذي لا ينضب من مقلتاها منذ ان علمت…. قال عبد القادر بمواساة وهو يربت على كتفها من الناحية الأخرى….
“خلاص بقا ياحنان كفاية عياط…الحمدلله على كل شيء…الحمدلله انه بخير ووسطنا…”
تدخلت أميرة قائلة بحمائية..
“انا مش عارفة انت ليه مش عايز تعمل محضر باللي
حصل…. خلينا نعمل محضر ياسلطان واخو جوزي
آمين شرطة مانت عارفه هيساعدنا نلاقوا عيال
الحرام دول….”
تحدث سلطان الذي كان ممدد على الاريكة
بتعب….
“مش مستهلة يااميرة…. اللي حصل حصل….”
على وجه أميرة الحيرة….
“يعني إيه مش مستاهلة دا حقك…. انت من
امتى بتسيب حقك ؟!!….”
أثناء جملة أخته رفع سلطان عيناه على باب غرفة الجلوس ليرى داليدا تدلف اليهم بعباءة بيتي أنيقه ملتفه على قدها المنحوت وبروز بطنها ظاهر بشكلا
ناضج انثوي يثير المشاعر….شعرها مسترسل
بنعومة خلف ظهرها…..شاحبة الملامح غائرة
النظرات بحزن….
تقدمت منهم داليدا وبين يداها صنية الضيافة
تحوي مشروبات باردة منعشة لهم…
أبعد سلطان عيناه عنها بصعوبة مجيبًا
باقتضاب….
“عشان انا مش عارف شكلهم.. الدنيا كانت
ضلمه ومشفتش حاجة….”
قالت أميرة وهي تنظر الى
زوجته….
“ولا حتى داليدا شافت شكلهم؟!…”
رفع سلطان عيناه عليها ليرى الصنية اهتزت
فجاة بين يداها ثم سيطرت عليها وهي تقول
بثبات…..
“لا مخدتش بالي الدنيا كانت ضلمه أوي…”
وامام عينا سلطان المراقبة وقفت امام والدته تقدم لها كوب من العصير…..”اتفضلي يامرات عمي…”
رفضت والدته وهي تقول باهتمام…
“مليش نفس ادي لعمك….واقعدي شوية ارتاحي
عشان حملك…انتي من إمبارح مرتحتيش…”
اشاحت بوجهها بحرج وهي تقدم الصنية
لعمها…
“انا مش تعبانه…المهم سلطان يقوم بالسلامة….”
خفق قلب سلطان فجأة وازدادت خطوط وجهه
حدة…..
بينما قال أبيه بابتسامة حنونة….
“ان شاء الله يابنتي…ربنا يخليكم لبعض….”
جلست داليدا على مقعد مقابل للاريكة التي
يتمدد عليها سلطان….وتبادلا النظرات الخاطفة
لبعضهما بصمت……
حتى مرت الدقائق وقال والده وهو يهم
بالنهوض…..
“مش يلا بينا بقا ياولاد…عشان يرتاحوا شوية…”
قالت حنان معترضة بلوعة…
“لا انا هبات مع ابني النهاردة كمان….”
عبس عبد القادر قائلا…..
“كفاية كده ياحنان مراته معاه…انزلي ارتاحي
شوية في سريرك….”
قالت حنان بحنق…
“انا مش هسيب ابني ياعبدو….”
تافف عبد القادر ضارب كف بالاخر وهو
يقول بذهول….
“لا إله إلا الله…امرك غريب وكأنه ساكن في اخر
الدنيا دي شقته فوق منك… الصبح ابقي اطلعي
قعدي معاه زي مانتي عايزة…دي ساعة نوم يلا بينا…”
تدخل سلطان بنبرة مجهدة….
“ابويا عنده حق ياحاجة…..انزلي ارتاحي انتي
من إمبارح معايا ومنمتيش كويس…انزلي واطلعي
الصبح…..”
قالت داليدا برفق تقنعها….
“أنزلي يامرات عمي وانا معاه ولو احتاجت اي
حاجة هتصل بيكي تطلعي تساعديني….”
نهضت حنان وهي تنظر لهما بتردد ثم قالت
الى داليدا بقلق وهي تنظر الى بطنها المنتفخة…..
“طب بلاش تتعبي نفسك…انتي حامل على
مهلك ها….”
اومات داليدا مبتسمة…..
“حاضر…يامرات عمي اطمني”
ثم مالت والدته عليه وقبلة جبينه قائلة
بلوعة الأم…..
“وانت ياحبيبي….خد بالك من نفسك….أول مالنهار
يطلع هتلاقيني قدامك ومعايا الفطار….”
اضافت أميرة كذلك وهي تقترب منه وتمسد
على كتفه….
“وانا كمان هودي التوأم المدرسة واجي
ابص عليك..”
أومأ سلطان براسه لهن ممتنًا….
فقال والده قبل ان يرحل بنبرة حانية..
“شفاك الله وعفاك يابني…تصبحوا على
خير ياولاد….”
نهضت داليدا خلفهم توصلهم حتى باب الشقة
وبعد السلام ونزولهم على السلالم أغلقت الباب بهدوء وهي تعود الى سلطان قائلة دون
مقدمات…
“عملتلك شوية شوربة خضار بالفراخ هتاكل
صوابعك وراها…ثواني وهسخنها….”
هتف سلطان بجفاء بعد ان اولته
ظهرها…. “مش عايز اكل….”
إدارة راسها إليه قائلة باستغراب…..
“يعني إيه مش عايز تاكل لازم تتعشى عشان
تاخد العلاج….”
قال بنبرة حانقة…. “هاتي العلاج اخده….”
قالت داليدا بتردد قلق…
“من غير اكل كده ازاي مينفعش…دا مضاد حيوي..”
ابتلعها بنظرة مخيفة…
“كفاية رغي واسمعي الكلام….”
قالت بعنفوان ممتقعة….
“المفروض انت اللي تسمع الكلام..وتاكل عشان
تاخد علاجك….هسخن الأكل وجيه….”
وقبل ان تنتظر رده اندفعت الى المطبخ امام
عيناه المظلمة المتوعدة لها بالكثير…
بعد دقائق كانت تقترب منه وبين يداها صنية
تحوي حساء شهي وطبق آخر به قطعة من
الدجاج المسلوق…..
عندما راها آتيه عليه بملامح رصينة ونظرة
راسخة اغتاظ منه وزداد سعير غضبه فقال
بسخط….
“مش همشي على مزاجك انا…ولا تكونيش ناسيه
انك السبب فاللي احنا فيه دلوقتي…”
قالت بصبرٍ معتذرة…..”انا آسفة….”
التوى فمه هاكمًا…. “أصرفها فين دي بظبط….”
اقتربت منه ورتبت الوسادة خلف ظهره ثم جلست
على المقعد تنوي اطعامه لكنه اوقفها متجهمًا…
“قولتلك مش هاكل….”
زفرت داليدا قائلة بقلب ملتاع….
“بلاش عِند ياسلطان….عشان خاطري كل عشان
العلاج اللي بتاخده….”
ضحك سلطان هازئًا بقسوة…
“عشان خاطرك ؟!!…عجيبة والله….”
سالها بعينين تشعان قتامة مرعبة…..
“مقولتيش ليه كل حاجه تعرفيها في الاول…
كنتي خايفة عليه مني مش كده؟!!.. ”
رفعت حاجبها بصدمة….
“انت بتفكر كده إزاي…هخاف عليه ليه انا…”
ازداد شراسةٍ وهو يهدر سائلا…..
“ومقولتيش ليه…طالما انتي مش خايفه عليه
زي ما بتقولي…”
لمعة عينا داليدا بالدموع وهي تقول بنبرة
تجلى بها العجز والندم…..
“بلاش النظرة دي والكلام دا ياسلطان…لانه انتهى من حياتي من ساعة ما تجوزتك وبذات لما حبيتك
بقا صفحة وانتهت…..”
لم تلين ملامحه وهو يقارعها بازدراء….
“مش باين بدليل انك كنتي عارفه حاجات كتير
وخبتيها….”
احنت راسها بحرج كتلمذية مذنبة وهي
تقول بوهن مرير…..
“مكنتش عارفه إزاي هقولك…وكنت خايفة من رد فعلك بذات على هدى….أقسم بالله انا نصحتها تبعد
عنه بس هي مسمعتش ليا…ولما روحت أقبله في الكافية معاها كان في نيتي اساعدها…..اساعدها
بس…ومكنتش أعرف انه بيخطط لده كله….”
تشنج سلطان قائلا…. “ولم عرفتي عملتي إيه….”
نظرت اليه بغباء…. “مش فاهمه…”
هتف بنفذ صبر وقد احتدم الامر بينهما…..
“كنتي هتصرفي ازاي وهو ناوي يسفرك معاه
ويكتب اللي في بطنك بأسمه….كنتي هتصرفي
إزاي ياداليدا…”
خفق قلبها وهي تترجم غضبه الناتج عن مخاوف
كانا على وشك عيشها بتفاصيل مريعة…فالصمت
لم يكن كارثة بل فاجعة كبرى يصعب تقبلها…
عندما طال صمتها صرخ بوحشية….
“انـطـقـي…..”
ردت عليه بشكلا هيستيري وهي
تبكي… “معرفش….معرفش….”
عقب سلطان بصلابة ساخرًا….
“دا يثبت ان سكوتك وقلة صرحتك معايا كانت هتدمرنا احنا التلاته…..لو مكنتش جيت ولحقتك
كان زمانك معاه دلوقتي….”
نظرت اليه داليدا فرات بعيناه شيءٍ غير
مستحب…..فقالت بكسرة نفس…
“بلاش نظرتك دي ياسلطان انا مش مبسوطه باللي حصل ولا راضيه عن اللي احنا وصلنا ليه…”
صاح سلطان بملامح مكفهرة….
“ومين كان السبب فاللي وصلنا ليه غيرك…استهتارك
وغبائك خلانا هنا….”
وقبل ان تنطق اوقفها بنبرة باترة….
“تحبي اقولك انا سمعت إيه منه…قالي إيه….حرق
دمي وهان رجولتي إزاي…..”
قالت بنبرة مشمئزة… “دا كلب ولا يسوى….”
زجرها سلطان بوحشية….
“وطالما هو كلب… اديتي للكلب قيمة ليه..”
نزلت دموعها وهي تقول بتهدج….
“كنت خايفه على هدى منه…كنت عايزة اساعدها والله مكنش في ضميري اي حاجة غير اني اساعدها
واخد الصور منه….”
جاشت مراجل صدره فقال بعداء….
“بلاش تستغفليني ياداليدا….انتي عارفه من الأول
انه عايزك انتي…وبيعمل دا كل عشان يوصلك…”
بهت وجهها وفغرت شفتيها وقد جرحها هذا
الاتهام المهين منه… فقالت بنبرة تجلى منها
الألم…
“انت عايز تسمع إيه ياسلطان…مش قادر تصدقني
ليه بقولك سكت خوف على هدى ولما وافقت أشوفه
معاها كان عشان اخد الصور منه مش أكتر…لي مصمم تحطني في الصورة دي..”
اشاح بوجهه المربد غضبًا عنها…فقالت ببكاء…
“انا أبعد عن اللي بتفكر فيه…انا من ساعة ما حبيتك
وانا مبقاش في حد في قلبي وعقلي غيرك….لو كنت
أعرف ان سكوتي هيوصلنا لكده…كنت قولتلك من اول يوم شوفتهم في الجنينة….أرجوك كفاية ياسلطان وبلاش تقسى عليا أكتر من كده….”
سالت الدموع من مقلتاها الحمراء وهي تقول
بغصة مختنقة….
“انا غلطانه والله غلطانه وندمانه على كل اللي عملته
وعندك حق تعاقبني وتبعد عني زي مانت عايز…بس
بالله عليك بلاش نظرة الاتهام دي….انا مش خاينه..”
طال بهما الصمت القاتل ولم يرد عليها إلا بعد
دقائق أمرها بمشاعر متبلدة…
“كفاية زن وهاتي العلاج من عندك…”
مسحت دموعها وهي تقول
بتوسل…
“كُل الأول بالله عليك….”
صمم بملامح جافية….
“هاتي العلاج وروحي على اوضتك….”
نظرت اليه بغيظ طاحنة ضروسها بغضب…
امام رفضه للطعام فقالت بعناد…
“انا مش هتحرك من هنا…انا هقعد جمبك يمكن تحتاج حاجة بليل…”
رمقها بصرامة….”داليدا….”
صممت بعنفوان انثوي….
“هفضل جمبك ياسلطان ومش هسيبك…”
اختلج النبض بين اضلعه فجأة….فزم فمه يخفي
تأثير كلماتها عليه….
“اللي يسمعك يقول بتحبيني بجد..ويهمك أمري..”
جلست على مقعد المجاور للاريكة التي يتمدد
عليها…فقالت وهي تعطيه الاقراص وكوب من
الماء…..
“دي الحقيقة…متخليش الزعل اللي بينا ينسيك
انت إيه بنسبالي….”
عقب سلطان بنبرة مزدريه قاسية….
“انا ولا حاجة بنسبالك….لو كنت راجل بجد ومالي عينك مكنتيش هتعملي دا كله من ورايا…”
اكتفت داليدا بصمت وهي تنظر الى صنية الطعام
الذي لم يمسسها بعناد….
اخذت منه كوب الماء لتراه يميل براسه للناحية الاخرى ينوي النوم فقالت بتردد وهي تقف…
“ادخل نام جوا في سريرك….خليني اسندك لحد
جوا….”
رفض بجفاء وهو مغمض العينين….
“مش عاجز عشان تسنديني…روحي انتي نامي
جوا وسبيني….”
عادت جالسة على المقعد تقول
باصرار….
“انا هفضل جمبك يمكن تحتاج حاجة….”
لم يعرها ردًا فقد أغمض عيناه مدعي النوم بملامح
واجمه…وهي ظلت بجواره تراقبة في نومته متجرعة
في تلك اللحظة تحديدًا مرارة البعد عنه….والندم على ما اقترفت بصمتها المذعن…..
في صباح اليوم الثاني استيقظ سلطان من النوم
محرك راسه بتعب بعد تلك النومة المقيدة على
اريكة لا تسع حجم جسده الضخم !!….
كان من الافضل ان ينام على الفراش لكن انتابه العناد أمامها كما رفض ايضًا الطعام رغم ان معدته كانت تتضور جوعًا….
حانت منه نظرة جواره ليراها تنام جالسة على
المقعد المجاور له مرتديه نفس العباءة التي
كانت بها أمس…شعرها الناعم يخفي نصف وجهها وتميل للناحية الأخرى براسها تغط في نومًا عميق
وبانفاس منتظمة….
طال به الصمت وعيناه ترنو إليها بخفقات متيمة..يقسو عليها وقلبه يخلق لها الأعذار
قلبه مسامح وعقله يرفض بتمرد أسود ان
يغفر لها كالسابق ويسمح لها بالتهاون مرة
أخرى….
يعلم ان عادل إنتهى من حياتهما وللابد لكن الاختبارات لا تنتهي في حياة الزوجين المسؤوليات
لا تتوقف عند محطة معينة ولا محن الحياة تنضب
امامنا….نظل نعافر ونستقبل نقع وننهض هكذا هي
الحياة كالوقت اذا لم تحسب له حُسب عليك !!..
مزال حديث هذا الحقير يتردد في أذنيه كصاعقة
الرعدية يمزق كرامته..ورجولته تحترق كلما تخيلها
معه….معه في بلد أخرى تنساه بمرور الوقت….
اغمض سلطان عيناه بقوة وصدره يجيش بنيران
مشتعلة أشاح بوجهه عنها متافف وهو يحاول
النهوض من مكانه….
سمعت داليدا صوتٍ خشن وحركة بالقرب منها ففتحت عينيها وهي تتأوه بصوتٍ مكتوم في
نومها قد اتعبتها تلك الجلسة هي وصغيرتها….
ليتها تمددت بالداخل لكن قلبها لم يطيع عقلها
العاصي….وظلت مكانها بالقرب منه طوال الليل
خوفًا من ان يحتاج شيء ولا يجدها بجواره….
“رايح فين ياسلطان….استنى…”
قالتها داليدا وهي تقترب منه فنظر لها بحنق
قائلا بوجهٍ عابس…
“رايح الحمام….. خليكي مكانك….”
قالت بنبرة حانية….
“اساعدك طيب… أكيد الجرح بيشد عليك…”
احتقن وجهه بالالم وهو يقول من بين
أسنانه…
“انا كويس….. كويس أوي….”
اطرقت براسها بانكسار وهي تقول بنبرة
تجلى منها الحزن….
“تمام زي ما تحب…. انا هروح اغسل وشي
فالمطبخ وهحضرلك الفطار…”
امتنع مدمد بالغضب…..”مش عايز أفطر….”
انكمشت ملامح داليدا بعدم رضا…
“مش كل حاجة مش عايز ياسلطان عشان خاطري كفاية عِند…على الأقل عشان العلاج اللي بتاخده ده…”
تحرك سلطان للأمام وتركها خلفه بأهمال تتحدث حتى توقف فجأة ووضع يده على الجرح متألمًا…..
اقتربت داليدا منه وبحركة عفوية كانت تقف
أسفل ذراعه….
“خليني اسندك.. جرحك ممكن يتفتح كده…. ”
لان ثغر سلطان في إبتسامة صغيرة اختفت حتى قبل ان تراها فكانت لا تمثل شيء امام ضخامة جسده وان ظنت انها تساعده فهي حمقاء فان ترك نفسه الان سيقع عليها.. ومؤكد ستنكسر رقبتها التي ترفعها اليه الان كغزال شارد جميل ينتظر الأذن للتحرك….
جعلها تصدق انها بالفعل تساعده عندما تحرك معها
وهي تسنده بهذا الشكل…..اوهمها بالمساعدة وتوهم هو بالسعادة جراء ذلك…..
بعد ان تركته في الحمام لقضاء حاجته ذهبت لاعداد الفطور له حتى يتناوله قبل أخذ الدواء…
دلفت مرة أخرى بعد دقائق الى الحمام لتراه يقف امام حوض الاغتسال…مبلل الوجه والشعر يقطر
على عنقه حتى صدره….
سحبت المنشفة ووقفت أمامه وجففت شعره بصمت
مهتمة وهي تقول بحزم….
“كده هتبرد ياسلطان…او ممكن الماية توصل للجرح
وتبله…..”
ظل صامتًا يستمع لها بملامح غير مقروءة بينما
يميل برأسه عليها حتى تتمكن من تجفيف
وجهه وشعره….
استغلت داليدا فرصة صمته وسحبت الفرشاة الخاصة به وبدت تمشط شعره للخلف وهي
تقول بتملق….
“ينفع قبل ما تاخد علاجك تفطر….”
قال بنبرة متجهمة…..
“مش عايز…. هاخده من غير اكل….”
انحنى حاجبيها بأسى تتوسل إليه….
“لا بالله عليك…. العلاج على معدة فاضيه كده
أكبر غلط كفاية إمبارح…عشان خاطري أفطر…”
لم تلين ملامح سلطان وهو يرمقها بقتامة مهيبة
فقالت داليدا برقة وهي تمسك يده فجاة وتضعها على بطنها المنتفخه……
“بلاش عشان خاطري انا…. عشان خاطر مليكة….”
خفق قلبه متفاجئًا متأثرًا من جملتها وقد سال
شيءٍ دافئ هلامي في أوردته وهو ينظر الى بطنها المنتفخة وكف يده فوقها….زمت داليدا فمها بدلال متقنة الأسى…
“انا من إمبارح مكلتش… عشان خاطرها خلينا
نفطر سوا…”
انعقد حاجبي سلطان مستهجنًا..
“وليه مكلتيش…. مذنبة نفسك ليه….”
قالت بعفوية…. “عشانك….”
هتف بغلاظة الرجال…..
“متشغليش بالك بيا…ربطه نفسك بيا ليه ما تاكلي…”
ازداد ارتفاع شفتيها للأمام كبطة بائسة لطيفة….
“بعد اللي قولته إمبارح…ازاي هيجيلي نفس اكل…”
سخر منها بجفاء…..
“غريبة ما انتي وانتي زعلانه كنتي بتاكلي…”
قالت داليدا بتودد….
“زعل عن زعل بيفرق ياسلطن….”
منعها بحنق بالغ…..”متدلعنيش….”
اومات براسها مذعنة….
“حاضر….ممكن نفطر بقا عشان علاجك….”
زفر سلطان بملامح منزعجة….
“هتزفت عشان تنزلي من على دماغي….”
اقتربت داليدا منه واقفة بجواره
وهي تقول بتفاني….
“طيب….يلا عشان اسندك….”
مزالت مقتنعة انها تقوم بعمل بطولي في إسناد حائط صلب من الوقوع…..احتفظ برأيه في تلك المسألة الحساسة….وتافف واجمًا بصمت..
اثناء ذلك نظرت له داليدا متعجبة من هذا الزفير الحانق وهي تسير معه ببطء وجسدها باكمله
يختفي أسفل ذراع واحده….ومع ذلك تعتقد انها
اذا تركته سيقع لا محال !!….
انها الحقيقة التي يهرب منها الرجال امام أنفسهم
فالحب يمثل حائط منيع ضدّ السقوط ، فان رحلت المرأه يرحل الحب ويُسقط !!…
بعد ان تناولا وجبة الفطار معًا واخذ سلطان الدواء المقرر عليه تلك الفترة…..صدح جرس الباب فوضعت داليدا الوشاح على راسها بعشوائية واتجهت الى
باب الشقة…. ظنًا منها انها والدة سلطان قد اتت
كما اخبرتهما ليلا
لكن لم تكن هي بل اخر وجه تمنت رؤيته هذا الصباح…(امال)الشهيرة بأم دنيا….
رفعت داليدا حاجبها وضاقت عينيها كنمرة متوحشة فقالت أمال بابتسامة مترددة…..
“إزيك ياحبيبتي قلبي عندك فاللي سمعته عن سي سلطان هو كويس ياختي…..”
قالت داليدا بضيق….
“اه الحمدلله كويس….انتي مين قالك…”
قالت امال بلهفة وعيناها تلمع بدموع….
“هي في حاجة بتستخبى في شارعنا….ينفع اشوفه ياحبيبتي اصلي قلقانه عليه اوي من ساعة ما سمعت
الخبر وانا رجلي مش شيلاني…. ”
بدت عينا داليدا تقدحان شرارًا….
“لا ونبي..مكنتش اعرف انه غالي عندك اوي كده…”
لوت امال فمها بتبرم…..
“مش وقت غيرة ياداليدا عايزة اطمن على الراجل…”
صاحت داليدا بغيرة
مجنونة….
“الراجل ده يبقا جوزي ..”
قالت امال بارتياع…
“مانا عارفه انه جوزك هو انتي شيفاني جايه
اخطفه منك….”
وضعت داليدا يدها في خصرها قائلة بأسلوب
كياد….
“لا وانتي وش ذلك ياخالتي ام دنيا…. انتي جايه بس على مالى وشك تطمني عليه….”
نظرت امال للجهة الاخرى منزعجة….
“لا حول ولا قوة إلا بالله…. شكلك مش ناوية تدخليني خلاص هبقا اطمن عليه في التلفون….”
سالتها داليدا بنظرة محتدة….
“في التلفون !!…انتي معاكي رقمه بقا؟!!…”
قالت امال بلؤم….
“من زمان معايا رقمه… مش كان بيعملي الموبيليا…”
اومات داليدا ببرود بينما صدرها يشتعل
كبركان هائج…
“اه إزاي نسيت إنك من زباينه…”
اتى صوت سلطان بخشونة
يسألها…
“مين على الباب ياداليدا….”
ردت امال سريعًا بنبرة
متملقة…
“انا ياسي سلطان….. أمال….”
قال بصوتٍ مجهد قليلا بسبب إرتفاع صوته….
“اتفضلي يام دنيا…. تعالي معلش مش قادر أقوم الجرح شادد عليا حبتين….”
“خليك ياسي سلطان انا جايه….”دلفت امال
إليه بلهفة وهي تعطي داليدا نظرة نسائية
كيادة…..
سبتها داليدا وهي تغلق الباب وتلحق
بها… “اه يابنت الـ****…..”
قالت امال بعد ان جلست على المقعد المجاور
له…..
“الف سلامه عليك…. انا مصدقتش لما سمعت
الخبر… منهم لله ولاد الحرام اللي عملوا فيك
كده…”
تنهد سلطان قائلا….”اللي حصل… الحمدلله….”
ثم رفع عيناه على داليدا قائلا
بتحفظ…..
“داليدا اعملي لام دنيا….حاجة تشربها..”
رفضت أمال بخبث…
“بلاش مش عايزة اتعبك معايا….”
قالت داليدا من بين اسنانها المطبقة
عليهم في إبتسامة صفراء….
“تعبك راحه ياحبيبتي…..نورتينا….”
دلفت داليدا الى المطبخ وبدأت تحضر العصير
لها بعصبية بينما لسانها يتمتم بشراسة
وغيرة…..
“مش عايزة اتعبك معايا ؟!!….وجايه ليه طالما انتي مش عايزة تتعبيني.. وليه بصورم عماله تحوم حولين الراجل واختارت الوقت اللي الدنيا ولعه فيه بينا وظهرت بجناحات أمها ترفرف حوالينا بالحنية والطيبة…”
سكبت من علبة العصير في الكأس الزجاجي وهي تقول بنظرة مجنونة متوعدة…
“بس انا مش هسكت لو الكلام برا معجبنيش هقوم اجبها من شعرها….ويقول اللي يقوله…دا ما بيصدق يشوفها عشان يحرق دمي ويضايقني بيها…”
حملت داليدا الصنية وخرجت من المطبخ بملامح
مربدة بالغضب والغيرة عليه….سارت في رواق
صغير عند نهايته تصل الى غرفة الصالون
الجالسين بها…..
لكن في اخر الرواق توقفت مكانها بعد ان اخترق مسامعها حديث سلطان الذي لطم فجأة كبرياؤها
فوقفت على آثره مبهوته الملامح متسعة العينين تسمع ما جمد جسدها فجأة فجعلها كالوح ثلج
من هول الصدمة…
“هنكتب الكتاب بإذن الله بس بعد ما أقوم بالسلامة…رتبي أمورك انتي بس علشان كل
حاجة تمشي مظبوط..”
قالت امال بخفوت…
“مش هتقول لداليدا على كده….”
سالها سلطان بخشونة….”انتي عيزاها تعرف ؟!!…”
استندت داليدا على الحائط خلفها وهي تنهت
بوجع…متشبثة في الصنية بكلتا يداها بعذاب
حتى لا تسقط منها بينما الدموع تجري على
وجنتيها بغير استيعاب مكذبة ما تسمع باذنيها…
فالغدر ليس من شيم سلطان….لا يفعلها…
مستحيل…
قالت امال ببعض التردد…
“يعني لو عرفت هيكون أحسن لينا احنا الإتنين….”
قال سلطان بنبرة خالية من التعبير…..
“مفيش حاجة بتستخبى مصيرها هتعرف….الجواز
هيبقا اشهار والكل هيعرف…”
اغمضت داليدا عينيها بقوة وهي تهز راسها بعدم تصديق بينما قلبها ينزف بين ضلوعها بوجع…
وكأنه تمزق على نصل الكلمات !!….
……………………………………………………………..
كانت ليلة مشتعلة بالحب والاهات بينهما قد غاص في لذات جسدها مرتشف من انوثتها الحلوى…
حلواه المفضلة واخيرًا نالها…..
كانت لينة معه متجاوبة بحياء بعد ان كسر اخر حاجز يفصل بينهما….وقتها دللها بالقبل المتلهفة
الحارة والمداعبات الوقحة…..
مالى على اذنها يداعبها بشفتيه هامسًا
بنشوة….
(هتجننيني بحلاوتك….كل ده منعاه عني….عن
ميزو حبيبك….)
عضت قمر على باطن شفتيها مغضمة عينيها
بحرج فوقاحة حبيبها تزداد صخب بينهما….
أبتسم حمزة وهو يداهم ثغرها بقبلة طويلة
عميقة…جعلتها تفتح جفنيها وهي تئن بتمنع
ركيك…..(حـمـزة…..)
مالى على الترقوة البارزة وقبلها صعودًا الى
عنقها وفكها الشامخ يدمغ بشفتيه كل مكان
تصل اليه وهو يرد عليها …

كانت ليلة مشتعلة بالحب والاهات بينهما قد غاص في لذات جسدها مرتشف من انوثتها الحلوى…
حلواه المفضلة واخيرًا نالها…..
كانت لينة معه متجاوبة بحياء بعد ان كسر اخر حاجز يفصل بينهما….وقتها دللها بالقبل المتلهفة
الحارة والمداعبات الوقحة…..
مالى على اذنها يداعبها بشفتيه هامسًا
بنشوة….
(هتجننيني بحلاوتك….كل ده منعاه عني….عن
ميزو حبيبك….)
عضت قمر على باطن شفتيها مغضمة عينيها
بحرج فوقاحة حبيبها تزداد صخب بينهما….
أبتسم حمزة وهو يداهم ثغرها بقبلة طويلة
عميقة…جعلتها تفتح جفنيها وهي تئن بتمنع
ركيك…..(حـمـزة…..)
مالى على الترقوة البارزة وقبلها صعودًا الى
عنقها وفكها الشامخ يدمغ بشفتيه كل مكان
تصل اليه وهو يرد عليها …
(عيون حـمـزة وقلبه….ملك ايديكي ياقمراية….)
انهارت مقاومتها أكثر بين يده….بينما تأوه حمزة
بندم وهو يقول بنبرة ثملة….
(آه لو كنت اعرف كده….كنت اتجوزتك من
أول يوم شوفتك فيه….)
ابتسمت بخجلا صارخ وهي تحاول ان تلمسه
لكنها وجدت نفسها مقيده….ذراعيها الإثنين أعلى راسها بفعل احتجاز يده لهم…..بينما يده الحرة تسري على جسدها في رحلة اكتشاف وقحة….
وقتها حاولت قمر الافلات من قبضة يده هامسة بدلال تطالب في حقها…
(حمزة…..سيب دراعي…. انا كمان عايزة المسك…..)
طلبها الصريح أغفل حواسه للحظات وهو يعلوها بجسده الصلب ثم لم يلبث إلا ولمعة عسليتاه بألق
النشوة وهو يحرر ذراعيها هامسًا بتأوه…
(اوعي تكوني عايزه تهربي مني….)
(أهرب إزاي وانا كده….) قالتها بخجلا وهي تدفن
وجهها في صدره العاري بينما يداها تلامس جسده
القوي وخصره المنحوت الصلب بانتشاء…..
همس حمزة بنشوة وهو يقبل منحنى عنقها
بقبلات متلاحقة….
(جميلة ياقمراية….وكل حاجة فيكي مجنناني….)
ضحكت قمر وهي تشدد في ضمه إليها مستمتعه
بهذا القرب الحميمي…اكتشفت بين ذراعيه انها
أيضًا كانت متلهفة إليه ومشتاقه الى تقاربهما
وفض النزاع للبدأ من جديد….
آنذاك انتهت الامسية وهما يلتفا بالغطاء متعانقان
بعاطفة جارفة ولهاث انفاسهم العالٍ يعلو على
صوت خفقات قلوبهما…..
عندما أشرقت الشمس بدأ صباح آخر بينهما يحمل
تغيرات كبيرة ومشاعر عديدة جميعها تستدل على
درب العشق…..
مالى حمزة عليها يتأملها بعينين عاشقتين لامعتان
بألق الحياة والسعادة….
جميلة هي فاتنة أمرأه جياشة بالمشاعر تفيض
بالحب والحنان….
مزال يسأل نفسه باستنكار كيف اضاع كل هذا الوقت في البحث عنها….كيف انسحب للمجهول بموجة ثائرة وكيف عاد بالحب والحياة….عاد وهي في احضانه تتشبث بذراعه….
كانت رحلة طويلة ومرهقة بيننا…لكن اعدكِ بان اعوضكِ عنها…
لف حمزة بين اصبعه خصلة من شعرها الاسود الغجري…والذي يفترش الوسادة بشكلا باهر
الجمال….
انكمشت ملامح قمر بانزعاج بعد ان سحب حمزة
خصلة شعرها قليلا لعنده بمشاكسة….ثم مالى على وجهها ووزع القبلات المتلهفة…..
فتحت قمر عينيها نصف فتحه وعندما رأته
ابتسمت بوجه متورد هامسة برقة….
“صباح الخير ياحبيبي…..”
طبع قبلة على خدها هامسًا بمداعبة….
“صباحك حب يا كل الحب…..صباحية مباركة ياعروستي…..”
ابتسمت وهي تعتدل في جلستها وكانت ترتدي قميص رقيق حريري…قد اختاره حمزة لها بعد
ان انتهيا….وقتها صمم بوقاحة على ان يتشارك
كابينة الاستحمام معًا…..ويغتسلا…..
اسبلت قمر اهدابها مبتسمة باستحياء…المجنون يعلمها طقوس جديدة….فعندما اعترضت في
البداية بدا يقنعها بعدة نظريات قد اخترعها
من الهواء….
وعندما اصرت على الرفض صاح مستهجنًا
بمزاح…
(انتي هتعترضي ولا إيه…..هتكسري كلامي….)
زمت قمر شفتيها بضيق….
(هكسر كلامك إيه انا عايزه ابقى لوحدي…)
قال حمزة بغمزة شقية…
(وليه تحكمي على نفسك بالوحده وانا موجود…ما
انا ابقى معاكي عوزتي حاجة بتاع…نساعد بعض…)
زجرته قمر بحنق بالغ…(ممكن تحترم نفسك….)
لكزها في كتفها مستهجنًا….
(احترام إيه ياهبله…..دا إحنا كنا مقطعين بعض
من شوية…..اتلمي بقا ومتبوظيش الطقوس…)
اغفلتها الكلمة فعقبة…(الطقوس ؟!!!….طقوس إيه….)
نظر لها مفكرًا قليلا ثم ضرب على جبينه
صائحًا….
(ازاي فاتتني دي..اصل انا في واحد صاحبي..
عالم…)
قالت قمر بذهول….(عالم وصاحبك ؟!!…)
كتم ضحكته وهو يؤكد بزهو…..
(ايوا صاحبي شكلي ميجبش اني بصاحب علماء..)
قالت قمر بصبرٍ….
(لا إزاي يجيب طبعا…ماله العالم صاحبك ده…)
قال بنظرة تشع وسامة وشقاوة….
(عمل درسات واكتشف ان حمى الزوجين مع بعض
بيعزز العلاقة وبيبقا في ترابط أسرى….)
ارجعت راسها للخلف بشك….(والله ؟!!…)
أكد حمزة بحزم…..
(ايوا أمال إيه… دا خد جوايز بعد الاكتشاف ده….ابحثي عنه على جوجل…..)
سالته قمر بجدية…
(طب اسم إيه بقا عشان ابحث عنه….)
رفع حمزة حاجبه للاعلى غافلا من السؤال…..
(ها إسمه….انا مخي دفتر يعني….انا صحابي العلماء
كتير….هعرف اسم مين ولا مين…)
ثم لم يلبث إلا واشار على الحمام مجددًا
ملح…..(يلا بينا بقا ياقمراية…)
رفضت قمر بتمنع ركيك…
(لا أدخل انت الاول وانا بعديك….)
سالها بتجهم….(دا انتي مصممه بقا….)
اومات براسها بعناد….(اه عشان انت كداب….)
(ومالوا كداب وهتدخلي معايا برضو عافية…طالما انتي الادب مش جاي معاكي….)حملها فجاة بين
ذراعيه متجه بها الى الحمام…..
فشهقة قمر وهي تمتنع بتغنج….(يـاحـمـزة…..)
مالى على وجهها وداعب انفها هامسًا
بحرارة….
(اوعي تبوظي الطقوس ياقمري..خليكي متجوبة
كده عشان أحبك…..)
قرص حمزة وجنتها وهو يسالها
بغرور…
“بتفكري فيا وانا جمبك….”
رفعت حاجبها وهي تقول بمناكفة….
“ياغرورك….مين قالك اني بفكرك فيك…انا بفكر
في أشرف ابن عمي….”
مسك خصلة من شعرها بهيام معقبًا
بمزاح… “اشيف….قديمة ألعبي غيرها….”
ضحكت قمر بخجلا وهي تقول….
“تصور لو كنت جيالكم في الأول وانا مخطوبة
فعلا لابن عمي…كنت هتفكر فيا ياحمزة….”
مالى بانفه على خصلة شعرها وشم عبيرها المميز وهو يقول بغرام….
“أكيد لا….من حظي الحلو انك لا كنتي مخطوبة
ولا عندك ولاد عم….”
قالت بشوق وهي تمسك يده….
“انا اللي محظوظة انك أول حب يدخل قلبي
وآخر حب….بحبك ياميزو….”
رفع يدها الى فمه وقبلها وهو يحيط وجنتها
بيد واحده ملامسًا نعومة بشرتها بابهامه وهو
يقول…
“قلب ميزو ملكك ياقـمـر…..قلبي وحياتي وعمري
ليكي انتي ياحبيبتي….يمكن الماضي مكنش معاكي بس الحاضر والمستقبل ملكك….فأنسي اللي فات وخلينا نفكر في الجاي….”
اومات براسها وهي تمرغ وجهها في كف يده
طابعه القبلات عليه….
إثارته بتلك الحركات فأنقض عليها يأخذ حصة
من حلواه المفضلة…مذاقًا حلوٍ شهي…
أطلق سراح شفتيها وهو يسند جبهته على خاصتها هامسًا بحرارة…
“ماتيجي نعمل الطقوس بتاعتنا….”
تدللت وهي تمتنع….. “ياحـمـزة….”
احتوى خصرها بتملك وهو يقول
بشقاوة….
“احبك وانت رايق ومدلع كده….ماتيجي
نجيب عيال…”
دفع ظهرها على الفراش برفق ليعلوها بجسده
الصلب….قالت قمر بتذكر وهي تحاول التملص
منه….
“استنى بس هقولك حاجة.. على فكرة انا اختارت اسامي ولادنا احنا اتفقنا البنت نجمة…ولو ولد هنسميه شهاب….اي رأيك….”
دفن وجهه في جيدها وبدا يدغدغ بشرتها باسنانه
وهو يقول بعدم اقتناع….
“مجموعة شمسية هايلة نجمة وشهاب وقمر….دا
اي التناسق اللي هيجيب أجلي قريب ده…”
تأوهت اسفل يده وهي تقول بضيق….
“مالها الأسامي طب والله تجنن…تخيل شهاب حمزة
الدسوقي…نجمة حمزة الدسوقي…..يالهووي على الجمال…..”
عصر خصرها بين يده من فوق القماش
الحريري….. “يالهوي على الجنان….”
تأوهت وهي تضربه في صدره…
“آآه حـمـزة…. أمال انت عايز تسمي إيه….”
“مش وقته الكلام ده….”داهم شفتيها بقبلة
قوية عميقة افلتت منه قليلا وهي مصممة..
“لا وقته…قول بقا بالله عليك…”
توقف عن المداعبة وهو ينظر الى بنيتاها الامعة
قائلا بنبرة تقطر زهوٍ….
“أسمعي واتعلمي…البت نبوية….والواد سطوحي… ”
جحظت عينا قمر بصدمة وهي تنظر إليه
غافله…..فقال حمزة ببراءة…
“بتبصي كده ليه…انا بختار اسامي تعيش
العمر كله…..واضح انها عجبتك بس مكسوفة
تقولي….”
رمقته قمر شزرًا معقبة…..
“تصدق بالله انا نفسي اتسدت….”
اوما براسه وهو يوزع القبلات المتلهفة على حنايا وجهها وهو يقول بعاطفة جياشة…..
“وده المطلوب..انا مش عايز عيال دلوقتي…قدامك
سنتين….. بعد السنتين نبقا نفكر….”
شهقت قمر بذهول… “بعد السنتين نبقا نفكر ؟!!…”
رفع راسه ناظرًا اليها بضيق..
“أيوا وهتزودي في الكلام…هخليهم تلات سنين….”
تأوهت قمر باستياء…..
“يا حمزة بطل غلاسة بقا… وقولي الحقيقة الاسامي اللي اخترتها وحشه….”
اجابها باعتداد بالنفس….
“طالما انا كنت اختيارك يبقا الاسامي متنقيه
على الفرازة….”
همست قمر بجزع…. “يارب صبرني….”
لم يعقب حمزة بل ظل يداعبها ويقبلها حتى انصهر
جسدها بحب بين ذراعيه وقتها همس لها بصوتٍ
هيمان في اللذات…..
“ايوا كده ياقمري خليكي معايا على الخط…انتي
قولتي هتسمي ولادنا إيه….”
قالت باقتضاب…..”شهاب….ونجمة…”
تمتم بمزاح غليظ…..
“شهاب….ونجمة……يامساء الأنور…..”
تبرمت قمر….. “إحنا الصبح على فكرة…”
علق حمزة بملاطفة وهو يقبلها…
“ولا تزعلي يا ام شهاب….ياصباح الأنوار مرضية
كده….”
وأخيرًا اعطاها الموافقة بعد الدوران خلفه هنا
وهناك….كم انت عنيد و….وجميل…..
……………………………
بعد فترة كان يقف امام المرآة يهندم ياقة قميصة
وهو يطلق صفير بلحن مميز رائق….رش القليل من
العطر وهو يبتسم بحب بعد ان رآها تدلف اليه بصنية
الافطار وفنجان القهوة الخاص به تفوح منه رائحة
طيبة….
كانت جميلة وشهية بمئزرها الحريري الوردي الملتف حول قدها الممشوق…وامواج شعرها السوداء المسترسلة حتى آخر ظهرها…
وضعت قمر الصنية جانبًا واقتربت منه بحب
ثم أخذت الفرشاة وبدأت تمشط له خصلات
شعره الناعمة باهتمام…
وقف حمزة مأخوذ بجمالها وفطرة الامومه التي تحملها نحوه لكم يلمسها ويعشقها بها…
قالت قمر وهي مسحورة العينين بسيمات
الوسامة به….
“تعرف اني بحب شعرك أوي ياميزو…”
وضع يده على خصرها وقربها منه متسائلا
بشقاوة…
“واي كمان ياقلب ميزو…..”
نظرت لعيناه وقالت
بهيام….
“وعنيك العسلي تجنن…”
تعمق في النظر لعيناها شبيهتان بحبتان
البُن المحمص…ثم فاجئها بـ..
“انا كمان بحب لون عنيكي….”
زمت شفتيها وهي تترك الفرشاة
جانبًا…
“عيني لونها بني… يعني عادية…”
هز حمزة راسه وعيناه متيمة بها كـقلبه
الان…..
“عمر ما كان لونهم عادي…عنيكي آية
من الجمال….وانا دايب فيهم ياقمراية….”
خفق قلبها بتوله معقبة…
“بتعرف تقول كلام حلو….”
قال مبتسمًا بعذوبة….
“عشان معاكي… لازم أقول الحلو كله….”
مسحت على كتفه بيدها برقة وهي ترنو اليه
قائلة…..
“ياريتك خدت أجازة وخرجنا سوا النهاردة…”
وضع يده على خدها وداعبها بلمسة حنونه هامسًا
باعتذار….
“كان نفسي بس سلطان تعبان الفترة دي… حصلت
له حدثه بسيط كده… والضغط بقا كله عليا في المصنع….”
توسعت عينيها بفزع معقبة….
“ياساتر…. اي اللي حصله انا بقالي فترة مش
بتواصل مع داليدا….”
اخبرها حمزة بهدوء يشوبه الاسف عما حدث
لصديقة…
“حادثه بسيط….. كان راجع هو ومراته بليل من عند
أهلها… ووطلعوا عليه شوية عيال صيع حبه يقلبوا اللي في جيبه….ولم عافر معاهم خبطه واحد فيهم بمطوة وجريوا كلهم….”
ازداد قلق قمر بدافع الإنسانية….
“يالهووي….والخبطه كانت جامدة….”
اوما حمزة واجم الملامح….
“يعني… خيط كام غرزة… الحمدلله انها جت على
قد كده…اعملي حسابك هنبقا نروح نزورهم…”
قالت قمر بحزن متأثرة…..
“زي ما تحب… انا كمان هبقا اكلم داليدا أطمن
عليها…أكيد منهارة دي باين عليها بتحبه أوي..”
هتف حمزة بمناغشة وهو يداعب خصرها الذي
مزال تحت سطوة يده….”وانت بقا بتحب مين….”
وضعت يدها على صدره
مبتسمة…
“واحد بس…. ومغلبني….”
قرب حمزة وجهه منها مبعثر انفاسه المعطرة
برائحته الذكورية الجميلة على حنايا وجهها…
“انا مغلبك دا انا حتى شاطر وبسمع الكلام…”
“يسلام….”ابعدت شفتيها عن مرمى قبلاته
المتلهفة فبدا يقبل خدها هبوطًا الى عنقها
عابث بيده في فتحت المئزر….
“حمزة الفطار….والقهوة هتبرد…”
لم يستجيب لها فقالت وهي تنظر
لساعة الحائط….
“اتاخرت ياحمزة على شغلك…حـمـزة”
لم يتوقف عن تقبيلها إلا بعد ان اهدته شفتيها
بضعفٍ له حينها نال منها بقبلات حارة متتابعه
ثم تركها بعد فترة بصعوبة وهو ينظم أنفاسه..
أخبرها حمزة بعد لحظة صمتٍ….
“وعد أول ما أخلص الكام حاجة اللي ورايا هاخدك
ونسافر فالمكان اللي تشوري عليه…”
نظرت قمر اليه وألق الحب يلمع
في بنيتاها…. “بجد ياميزو….”
أكد وهو يهديها ابتسامة صادقة…..
“بجد ياحبيبة ميزو… هناخد أجازة طويلة نعوض
فيها شهر العسل اللي ضاع علينا….موافقة.. ”
تهلل وجهها بالفرح قائلة بتوله….
“موافقة على اي حاجة طالما معاك…..”
“بموت فيكي ياقمرايه….”قالها حمزة ثم ضمها الى صدره دافن وجهه بجيدها الناعم…بينما هي ردت عليه وهي ترتاح على كتفه بحب……
“بعد الشر عليك ياحبيبي…”
…………………………………………………………
بعد ان وصل للمصنع وعندما دلف للمكتب رآها
تنتظره كما أخبره الموظفين في الإدارة….
رحب بها بابتسامة خبيثة وهو يلف حول
المكتب جالسًا على المقعد….
“نورتي المكان يامرات أبويا….”
إدارة مهجة ابصارها في أرجأ المكتب قائلة
بحقد….
“منور بصحابة….ولا وشوفنالك مستقبل ياحمزة..”
ابتسم لها حمزة قائلا بصفاقة….
“عقبال ما شوفلك انتي كمان مستقبل…يشيلك
من على وش الأرض….”
التوى ثغرها في ابتسامة عصبية…
“طول عمرك لسانك طويل….طالع لابوك… ”
قال حمزة بغلاظة….
“لازم اطلع لابويا أمال هطلع ليكي…اي الأخبار…”
إشارت على حقيبتها وهي تقول بفطن…
“جبتلك كل الاوراق اللي في الخزنة…بس مش هتشوفهم غير لما اخد المبلغ اللي اتفقنا عليه..”
إرجع حمزة ظهره للخلف قائلا بشك…
“وافرضي الورقة اللي عايزها مش فيهم…إيه هشتري سمك في مية….”
قالت مهجة بخبثٍ….
“مانت برضو مقولتش على الورقة اللي انت عايزها
عشان اجبهالك من وسط الورق اللي عنده….”
رد حمزة بدهاء يلعب معها على المكشوف….
“كل الورق اللي عنده هحتاجه متشغليش بالك…
وبعدين مش هسلمك رقبتي…مش أخلص من
عثمان اتحط معاكي….”
قالت مهجة بتبرم….
“يعني استغليت جهلي واني مبعرفش اقرأ…”
قال حمزة بلؤم…..
“مش بس كده انا استغليت الوضع اللي ما بينكم..
هو مردكيش لعمصته لحد دلوقتي؟!!….”
ابتسمت باستهزاء تسرد تطورات علاقتها
بأبيه التي تسوء يومًا بعد يوم…..
“ابوك بيحب الحرام من ساعة ماطلقني رسمي..
عايش معايا كده….وكل ما أقوله يردني لعصمته
يتوه في الكلام…واضح ان فيه جوازه تانيه
متأجلة….”
أكمل حمزة بغلاظة..
“وانتي اسطبل….لحد ما تفرج….”
جزت مهجة على اسنانها منزعجة…
“بظبط…هات الفلوس بقا وليمني على القرشين خليني اخدهم واغور من اسكندريه كلها…”
سالها بفضول…..
“وعلى فين العزم بعد ما تاخدي القرشين….”
قالت بمناورة وتشكيك….
“وقولك بصفتك إيه…ولا تكونش هتفتن عليا
لأبوك وتطلع ملاك قدامه….”
لاح على وجه حمزة علامات التقزز معقبًا….
“ملاك ؟!!…هو في ملاك يستحمل القرف اللي
بسمعه منك…”
قالت مهجة بنفاذ صبر وهي تنظر له
بدهشة…..
“انجز يابن عثمان الدسوقي…انجز وهات الفلوس اللي اتفقنا عليها…دا انت طلعت مية من تحت
تبن….فعلا يامه تحت السواهي دواهي ….”
اضافت مهجة بضغينة… امام عينا حمزة
الباردة….
“اتجوزت بنت عمتك عشان تكوش على ورثها
في العمارتين وقصادها خدت شقتين بإسمك
تمليك من أبوك…دا غير العز اللي بان عليك..
اللي فتحت منه مصنع خشب…..”
ثم وضعت يدها على ذقنها متعجبة…
“وغير ده وده….بتسرق أبوك…فضلت ورايا لحد
ما خلتني اجبلك الورق اللي عنده اللي الله أعلم
في إيه كمان يكسبك….”
قال حمزة بنبرة باردة تجلى منها
الحنق…
“في حقي….واللي خدته منه حقي وحق اخواتي
البنات….اينعم اللي خدته منه مش هيعوض اللي عشناه ولا اللي راح بسببه… بس على الاقل
هنعيش الجاي مرتاحين…أما جوازي من قمر
فده وراه مصلحة أكبر من الفلوس والورث اللي
بتكلمي عنهم….”
رفعت مهجة حاجبها الرفيع بتساؤل…..
“واي هي بقا المصلحة اللي أكبر من ورثها
وفلوسها ؟!!….”
اجابها بنبرة خافته وصدرٍ يموج بمشاعر عدة جميعها
ممتنه الى من اعادته للحياة….وفي وحشة الظلام استدل على حبها منيرة العتمة بضوء القمر….
“اني أعيش…معاها هقدر أعيش من تاني….ودي
أكبر مصلحة….مصلحة لازم استغلها…أكيد مش
فاهمه قصدي….”
اطرقت مهجة براسها وكأن الحديث فتح جراح قديمة مزالت تنبض بالوجع…..قالت بغصة
مريرة…..
“لا فاهمه بتحبها…. انا كمان كنت بحب أبوك… بس
رفضه ومعيرته اني مستهلش أكون تحت رجليه
حتى خلتني اكرهه… وفضلت مكمله معاه على أمل
اني أورث فيه زيكم… بس حتى دي ضيعها من بين
أيدي لما طلقني من غير سبب وغصبني أفضل معاه
كده على أمل انه يردني من تاني…
لحد مالعدة خلصت وصبري خلص معاها….
فوافقت على عرضك طالما فيه ملمين يظبطوا
أموري لحد ما اشوف هعمل إيه…”
رفعت راسها اليه ثم بعد لحظة صمت قالت
بتحذير….
“بس خد في بالك انت بتلعب بنار…أبوك ملوش عزيز
ولا غالي وده اللي شوفته من معشرتي ليه..حتى
انتوا بنسباله ولا حاجة…..”
كانت لكمة قوية تلقاها بصلابة منها
وهو يقول بلا مبالاة…..
“دي معروفة يامرات أبويا….”
تاففت مهجة بضجر….
“برضو هيقولي مرات أبويا….”
ابتسم ببرود وهو يخرج رزمة من الأموال…
“خلاص ياستي ولا تزعلي….هاتي الورق يامهجة
خليني أشوف الورقة اللي تخصني بينهم ولا لا..”
أخذت الأموال واعطته الأوراق التي حصلت
عليها….
بدأت تعد مهجة الأوراق المالية بنظرة طامعة سعيدة بينما أخذ حمزة يبحث بين الأوراق الكثيرة عن إيصال الامانه وبعد فترة من البحث وجده بينهم
فأخذه فجاة بين يده ودقق النظر به باعصاب
مشدوده وانفاس مضطربة….
وأخيرًا وصل للورقة التي يتم ابتزازه بها…
سالته مهجة بعد ان انهت عد المبلغ ووضعته
في حقيبتها…… “لقيت ورقتك….”
سالها هو وعيناه متعلقة بالايصال…
“عديتي انتي فلوسك….”
اومات براسها وهي تحتضن الحقيبة بسعادة…
فقال هو بنبرة خشنة غليظة….
“مبروك عليكي…خدي الباب بقا في ايدك
وانتي خارجة….”
لم تجادل معه فهي تريد الإبتعاد عن هنا…وعن
براثن عثمان الدسوقي الذي عندما يكتشف هروبها
وسرقتها سيبلغ عنها الشرطة…وربما يجدها قبلهم
ويرق دماؤها……
عندما خرجت مهجة وأغلقت الباب خلفها اخرج
حمزة القداحة واشعلها ثم قرب النار من ورقة الايصال التي توهجت واكلتها النيران بين يده
حتى أصبحت رماد……
بعد ان انطفأت النيران وتركت رماد خلفها
غمغم حمزة بنظرة نارية متوعدة…..
“كده بقا نبدأ اللعب على المكشوف…..”
……………………………………………………………
القت نفسها بتعب على صدر تلك العجوز صاحبة الرداء الأبيض برائحة المسك ذات الوجه المنير
البشوش بعفة روحها ونقاء قلبها….أطلق عليها
(نصرة)ولطالما كانت المنتصرة بالصبر والسلون
في أعظم الابتلاءات….
ربتت الجدة نصرة على كتف شهد وهي تخبرها
بمحبة….
“شوفي رغم زعلي منك….بس أول ما شوفتك
فرحت….وفرحت اكتر إنك وقفتي جمب عاصم ومقبلتيش باللي ابوكي كان عايز يجرنا ليه
اصيلة ياشهد ونظرتي ليكي مخبتش أبدا…”
رفعت شهد وجهها الى عينا الجدة ومسحت
دمعة فارة من عينيها تأثرًا بعد لقائها بالجدة
(نصرة) بعد فترة طويلة من الأحداث السابقة
الثقيلة والمحزنة على الجميع….
“صدقيني ياماما انا مكنتش أعرف أنه بيخطط لده
لا ومستني رجوعي من السفر عشان يحطني قدام
الأمر الواقع….لو كنت أعرف مكنتش رجعت…”
عبست ملامح الجدة بعدم رضا
معقبة….
“كده بقا هتزعليني بجد…يعني إيه مكنتيش
رجعتي هتفضلي في بلاد الخوجات العمر كله….ملكيش زوج وعيلة يهمهم أمرك
ووجودك وسطهم…”
احنت شهد عينيها بحزنًا قائلة بغصة
مختنقة….
“تعرفي ياماما نصرة… انا بقيت حاسه اني عبء
كبير اوي على كل الناس اللي عرفتهم….”
رفعت الجدة نصرة حاجبها متعجبة
وسالتها بحيرة….
“ليه بتقولي كده ياشـهـد انا قولت انك هترجعي
من السفرية دي الفرحة مش سيعاكي بعد اللي وصلتي ليه…واللي شوفناه كلنا…”
غامت عسليتاها بالحزن وهي تقول بوهن…
“مش فرحانة حاسة ان في حاجة كبيرة نقصاني
حاسة اني مش قادرة اتحرك لقدام… شايفه كل
حاجة ومش قادرة اخد خطوة….مترددة..”
قالت الجدة نصرة بدهاء…
“اي اللي موقفك عـاصـم…. مش قادره تحسي بالفرحة عشان كل حاجة عملتيها كانت من وراه….ومكنش راضي عنها.. ”
رفعت شهد وجهها مندهشة قليلا فقالت
الجدة برفق….
“انا عارفة كل حاجة…ولا انتي شيفاني بقا
عجزة كمان عن الاحساس….”
قالت شهد بسرعة….. “لا ياماما انا والله مـ….”
قاطعتها الجدة قائلة بتفهم….
“انا فاهمه ياشهد… بس عاصم مش وحش انتي لو حاولتي تفهميه هتكسبيه….”
زمت شهد شفتيها باحباط قائلة…
“اكسبه إزاي احنا علاقتنا بقت على الهامش… يعني
شغلي واللي بفكر فيه لو استمريت عليه هكون كده
بمحي اللي بينا نهائي….”
قالت الجدة بايجاز….
“وليه متقنعهوش بشغلك…مهنتك جميلة ومفهاش
اي حاجة تستاهل رفضة…”
قالت شهد بتجهم….
“هو عايزني أكون طول الوقت في البيت زوجة
وام….”
قالت الجدة بانحياز….
“حقه مش هنقول غلطان….انتي بقا رأيك إيه
وعايزة إيه….”
ألجمها سؤال الجدة نصرة لدقيقة حتى قالت
شهد بحرج….
“عايزة أكون زوجة وأم طبعا…بس في نفس الوقت أكون إنسانه ناجحة في شغلي وفي الحاجة اللي بحبها….”
قالت الجدة برزانة….
“اديكي قولتي في نفس الوقت…يعني دي مهمتك
انتي انك توفقي بين الإتنين…”
قالت شهد…. “اكيد…بس هو….”
هونت عليها الجدة وقالت برفق…
“انا هتكلم معاه واكيد هقنعه…وانتي كمان فكري
كويس لاني هاخد وعد منك بده…”
عندما طال صمت شهد المبهم سالتها الجدة
بشك….
“سكتي يعني واضح ان الخلاف مش بس عشان
شغلك وسفرك…”
قالت شهد بهدوء…
“أكيد لا في حاجات تانيه…بس أكيد هنحلها انا وعاصم…اطمني….”
ربتت الجدة على ركبتها قائلة….
“انا مطمنه لاني واثقه فيكم انتم الإتنين…انتوا
أكبر وأعقل من كده واكيد هتعدوا المحنة دي..”
سالتها الجدة وهي تنظر في البهو….
“قوليلي هو ليه مدخلش معاكي…وصلك ومشي؟!..”
قالت شهد بخفوت….
“عنده شغل في الصاغة قال هيعدي علينا اخر النهار
يطمن عليكي ويروح…”
دعت الجدة بمحبة…
“ربنا يوسع رزقه ويزيده من فضله… ويصلح حالكم..”
ادارت شهد عينيها في أركان سرايا الملوك
ثم قالت بعد لحظة صمت….
“اي رايك لو تيجي تعيشي معانا ياماما…انا شايفه
البيت فضي عليكي….مفيش حد هنا مش كده؟!..”
اجابتها الجدة بهدوء يشوبه الحزن…
“لا مفيش مسعد بيجي كل يوم يقعد معايا ساعتين ويروح الشقة التانيه عند مراته….ويزن بشوفه كل يومين هو كمان آجر شقة قريبة من الصاغة والجامعة….وعاصم وانتي….”
تركت الحديث مفتوح هنا…فقالت
شهد بتودد….
“طب اي رأيك تيحي تعيشي معانا…”
رفضت نصرة وهي تقول بكبرياء الأم…
“قالها مسعد قبلك ورفضت….انا مش هسيب بيتي
عايزين انتوا تيجوا تعيشوا معايا تعالوا انا مش همنعكم البيت هيفضل مفتوح ليكم ولولادكم كمان…”
قالت شهد بمودة…..
“مفتوح بحسك وبوجودك فيه ياماما…ربنا يديكي الصحة وطولت العمر….”
ابتسمت الجدة وهي تناغشها بالسؤال…
“تعيشي ياشهد…احكيلي بقا عن السفرية
والمسابقة على مالغدا يجهز ونتغدا سوا…”
ابتسمت شهد وهي تسرد لها بعض التفاصيل متحاشية ذكرى (طارق) حتى لا تثير شبهات
هي بغنى عنها….
وبعد ان تناولا الغداء وتسامرا قليلًا حتى حل
المساء اخذت الجدة (نصرة) الدواء وخلدت
الى النوم بمساعدة شهد والخادمة…..
…………………………
وضعت يدها على مقبض الباب ووقفت قليلا مترددة
بدخول غرفتهما…
مكانًا أصبح مهابته في عينيها تطغي على روعته
السابقة وما عاشته به….
ثمة أمور مريعة يعيشها المرء في النزاع العاطفي
فقد ينقسم الى نصفين الأول يتوق الى أماكن
قديمة والثاني يتحاشى الذكرى ولوعتها…
اتتها الشجاعة وفتحت الباب ودلفت الى غرفة
تركتها بكامل إردرتها وكانت تحمل بين احشائها
صغيرتها بروح محاربة تحدت الجميع وهو أولهم
بانها على حق وقادرة على ان تحمي نفسها وابنتها
من انانيته وقسوته…
لكن صغيرتها رحلت سريعًا قبل حتى ان تراها
او تستنشق رائحتها… رحلت حتى لا تتكرر
الحكاية…
الحكاية التي تتكرر كل يوم في بيوت وبلاد
واشخاص لا نعرفهم ولا يعرفونا ، الجميع أستمر في علاقات زوجية غير موفقة من أجل طفل أو إثنين
وهم نفس الأطفال الذين عندما يكبروا يصبحوا
نسخة من الجماد وكتلة من العقد والاف الاميال
تقطع من أجل الوصال لهم وهم بالرفض اعتنقوا
وعن الحب امتنعوا….
هكذا هي القصة رفضت الصغيرة ان تحيا مثل أمها
تلد بين معارك لا تنتهي ستقام من اجلها هي…لكن
في الحقيقة هي مجرد أداة للضغط ليس إلا !!…
سحبت الى رئتاها أكبر قدر من عطره الذي يملئ
الغرفة….سارت بقلب خافق الى ارجاء غرفتها تتفحصها بدقة وذكريات تلاحقها اينما ابصرت
هنا قبلة…..هنا عناق….هنا ركضنا…هنا أخبرتك
اني أحمل نبتة منك…..وهنا كأن أول اعتراف
بالحب وربما الأخير…..
داهمت مخيلتها المواجهة الشديدة التي حدثت
بينهما تليها حديثه القاسي صفعته…تخليه عنها
وتهديده بأخذ ابنتهما منها….
شعرت بسيل من الدموع يجري على وجنتيها فجلست على حافة الفراش باعصاب محترقة
وقلب ملتاع حزنًا….مطرقة براسها وهي تغرق
في بئر مظلم موحش بالوجع….
لماذا دلفت الى هنا كان بامكانها ان تنتظره بالاسفل
لم تستهوى عذاب نفسها بتلك الطريقة ؟!..
“شـهـد…”
نحب اسماؤنا مرتين الأولى عندما نعرف معناها الجميل والثانية عندما نسمعها على لسان من
نحب….
مسحت دموعها سريعًا ثم رفعت عينيها إليه دون
ان تتحرك من مكانها…
وجدته يدلف اليها بأناقة فائقة كما اعتادت ان تراه
وبهيئة وقوره….بحلة فخمة تلمع من شدة النظافة
وشعر مصفف بعناية وكأنه لم يقضي طوال اليوم
في العمل !!….
أقترب عاصم منها وجلس بجوارها على حافة الفراش تارك مشاعر القلق تهفو اليها دون
ردع…..
“مالك ياشـهـد بتعيطي ليه…..”
قالت متحاشية النظر إليه….”مش بعيط….”
مد يده ومرر ابهامه على خدها
المبلل…
“بجد واي ده….لسه غسله وشك ولا إيه…”
لم ترد عليه وادعت الثبات… فسالها
بغلاظة… “ليه طلعتي هنا….”
هبت واقفه من مكانها فجأة قائلة بعصبية….
“آسفه مكنتش أعرف ان ممنوع أدخل هنا تاني…”
وقبل ان تتحرك خطوة واحده مسك يدها
واجلسها بالقوة…..
“أهدي ياست الحُسن اعصابك….”
نظرت إليه مندهشة بعد ان دللها بهذا الاسم من جديد بنفس النبرة العاشقة التي اشتاقت إليها..
أدرك عاصم صمتها ونظراتها فقال وهو ينزع
السترة ويضعها جانبًا….
“بقالي كتير مندتكيش بالاسم ده…مش كده؟!.. ”
احنت راسها خفرًا بملامح ممتقعة بعنفوان…
فعاد عاصم يسألها….
“اي اللي طلعك هنا….دا سؤال عادي…”
ردت باقتضاب….
“عادي حبيت قعد شوية في اوضتنا…ولا هي
بقت تخصها…”
سالها متعجبًا…. “مين دي؟!!….”
قالت من بين اسنانها….
“اللي في بينك وبينها مكالمات لحد دلوقتي…
رفيدة هانم…”
رد عاصم بايجاز…
“اللي بيني وبين رفيدة شغل…”
رفعت راسها إليه كسهم
حاد…
“امتى كان في بينكم شغل….”
نهض عاصم من مكانه وهو يفتح أول ازرار
قميصة….
“مش مطلوب مني كمان اني اوضح واشرح..قولت
شغل يبقا خلاص شغل….”
وقفت شهد أمامه بوجهٍ محمر
غضبًا وغيظًا….
“محتاج توضح وتشرح ياعاصم…”
توقف عن حل ازرار القميص وهو يقترب منها
بتسلية سائلا بلؤم….
“ليه اي السبب….قوليلي سبب واحد يخليني
اشرحلك….”
خففت من حدتها بعد هذا التقارب
الحسي بينهما….
فبللت شفتيها وهي تقول أمام عيناه
وانفاسه الساخنة….
“مش هتصدقه….وهتكدبني كالعادة….”
مالى عاصم عليها لفرق الطول بينهما ثم سالها
وعيناه تكتسح كيانها باكمله….
“كنتي صدقه لما قولتي في مكتب الظابط انك
مستحيل تفرطي فيا ؟!!…”
بلعت ريقها وهي تغمض عينيها لثانية واحده تستجمع ثبات أنثى تشتهي زوجها الان…..
اومات براسها قائلة بصدق….
“أيوا….مكنش كلام والله….”
قال عاصم باستنكار قاسٍ….
“بس انتي عملتي كده فعلا…إزاي بقا مستحيل…”
رفرفت برموشها الكثيفة بحرج وهي تقول
بضعف…
“كان غصب عني….كنت غبية…وضيعت كل
حاجة من ايدي…”
سالها بقسوة…
“وإيه هو اللي ضاع من إيدك….”
اسبلت عينيها معترفة بقنوط….
“انت…. حبك….وبنتنا….واللي كان بينا….”
مسك عاصم فكها ورفع وجهها لمستوى عيناه
مجددًا وهو يقسو عليها بالقول…..
“اللي بينا كان كدبة من تأليفك انتي….”
نزلت دموعها جراء هذا الضغط العاطفي الذي
يمارسه عليها بمهارة…فقالت بضيق…
“عاصم أرجوك إرحمني.. وأرحم قلبي اللي حبك…”
تركها مجيبًا بملامح جافية….
“قلبك عمره ما حبني ياشـهـد….”
تجرأت ووضعت يدها على خده فوق الشعيرات الكثية للحية سوداء يزداد بها وسامة ووقار….
قالت بصوتٍ مدله بالحب…وعينان تفيضان
بالعشق….
“اثبتلك ازاي اني بحبك…اثبتلك إزاي ان
روحي فيك….واني كنت هموت لو جرالك حاجة
بسببي….والله بحبك افهم بقا… غلط…. بس
دا مش معناه اني مكنتش بحبك….”
نظرت شهد اليه بعينين لامعة بالدموع منتظرة
ردة على حديثها….تفاجئت به صامت لم يبادر
حتى الآن بلمسها كلاهما يقف امام بعضهما
متقاربان الوجوه لكن هي من تبادر بلمسه
ويدها على صدغه….
عينيها ترسل آلاف الاعتذارات وعيناه تستقبل كل
ما ياتي منها بنهم….وبصمتٍ مرهق غامض مـ
شهقت شهد بفزع عندما وجدت ساقيها تتأرجح
في الهواء وخصرها مكبل بين ذراعيه…
اغمضت عينيها وفغرت فمها مستقبلة أول قبلات
منه بضعف انثوي راق له…..
داهم عاصم ثغرها الشهي مقبل كل زاوية منه بقوة
بحرارة بلهفة….دامغ بشرة عنقها بشفتيه تارك علامات
عليها مقبل كل جزءًا بوجهها الصغيرة الجميل بشوق بعشق…بأسف….بوعد جديد….
همس عاصم بالقرب من اذنها كالمغيب….
“وحشتني ريحتك….جسمك….صوتك….كلمة
آه من بين شفيفك…..وحشتيني يـا شـهـد…”
سألها وهو يعبث في ازرار سترتها…..
“قوليلي بقلنا قد إيه بعيد عن بعد….”
اجابته بخفوت….. “تلات شهور….”
وضعها على الفراش هامسًا بغيظ مشتعل
برغبات… “وإزاي قدرتي…..إزاي….”
فتحت عيناها ونظرت إليه…”عـاصـم…..انـا…..”
نام جوارها مطل عليها وهو ينزع ربطة
الشعر برفق من رأسها….هامسًا بنبرة
مبهمة….”انتي إيه……”
قالت شهد بنبرة نادمة وهي تتوق عنقه
بكلتا يداها بحب….
“سامحني انا مش قادره أبعد عنك…مش
قادره أعيش من غيرك ياحبيبي….”
توقف عاصم وهو ينظر الى عينيها بنظرة
غريبة بينما يده تداعب غرتها الناعمة
وتبعدها عن جبينها….
“مش هنتكلم في حاجة دلوقتي…النهاردة
هننسى…وبكرة نبقا نشوف…”
سالته بعدم فهم…. “يعني إيه….مش فاهمة….”
قال بسطوة ذكورية وبنظرة مظلمة….
“يعني انتي مراتي وانا عايزك….وانتي كمان
مش كده….”
بهت وجهها بصدمة وكأنه ألقى عليها دلو
من الماء جمدها مكانها…..فسالته بصوت
متحشرج منذهل…
“بس؟!…..”
هز راسه ببرود متابع نزع ملابسها…
“بس !!…..”
ابعدت يده عنها بكبرياء وهي تدفعه
في صدره بعنفوان…
“لا طبعًا…..انا مش موفـ……”
وضع اصبعه على فمها يمنعها من المتابعة
قائلا بخفوت…
“المفروض توافقي… دا لو بتحبيني زي ما بتقولي..”
قالت بتبرم وهي تتبسم بسخرية…
“يسلام…..واللي انت هتعمله ده بقا بدافع الحب…”
رد عاصم بقسوة…
“لا….دا حقي الشرعي إيه هتمنعيني عنه….”
نظرت اليه قليلا بخزي…ثم قالت بنبرة ميته
تدفعه لفعلها…
“لا مش همنعك….خد حقك الشرعي…”
تبادلا مع بعض النظرات في جوٍ مشحون من المشاعر المتناقضة ما بين شوق وكبرياء…مالى يقبلها مجددًا
قبلات حارة عميقة يضع بها مشاعر تضعف الانثى بداخلها حتى تستسلم وترضخ له…وكأنه يحاربها
بسلاح الحب !….
أراد الهروب من النزاع لدقائق باحضانها يأبى ان يعترف بكبرياء انه أشتاق لها بشدة…وانه لا يطيق هذا الهجر أكثر بينهما….
يأبى ان يغفر لها ويرفض البعد عنها !!…..
فالحقيقة للحظة كان يود ان يسامح وينسى
ويطوي الصفح القديمة ويبدأ معها من جديد…
لكنه عجز عن فعلها عرق الرجل الشرقي يحترق
كلما فكر في سفرها مع رجلا اخر غريب عنها…رجلا سمحت له بالتقارب منها وتبادل الاحاديث حول حياتها الشخصية الذي هو جزءًا منها..
ازعجه جدًا رفضها له وعدم تجاوبها معه وكأنه
لا يؤثر على انوثتها أبدًا…وكأنه لا يمتلك زمام مشاعرها وجسدها…كانت باردة…جامدة…رافضة التبادل صامته….لكنها لا تمانع……
سيدة الحسن تعرف جيدًا كيف تضرب الضربة
القاضية لقلبه…..
مالى عاصم عليها مقبل راسها وهو
يقول بانفاس ثقيلة….
“طالما رافضة اوي كده بلاش….مش هاخدك
غصب يعني….”
نهض عاصم من مكانه يسحب سترة الحلة ثم
دلف الى الحمام وتركها خلفه تغلق ازرار سترتها
التي عبث بها منذ قليل وعندما أغلق باب الحمام
عليه…..
تناثر الوجع على وجهها وترقرقت الدموع في
عينيها بغزارة وسالت على وجنتيها بوهن….بينما قلبها ينزف المًا….
لو كان يعلم مدى شوقها إليه ما كان ايقظها
من حلمها الجميل على كابوس غضبه وكبرياؤه
العظيم…
يبدو انهما في قاع جهنم….فهذا ليس حب…
مستحيل ان يكون حب….
………………………………………………………….
بعد عدة أيام أصبحت فجوة البعد بينهما تزداد إتساع
يومًا بعد يوم…التزمت هي الصمت والجفاء معه كم
ظل هو على حالة متجهمًا باردًا نحوها…
لم يقترب منها مرة اخرى ولم يحاول بعد رفضها
له….
الشقة التي كانت تبني عليها امال من الحب أصبحت
سجن مشدد يخنقها يومًا بعد يوم…
الشيء الوحيد الذي هون عليها هذا العذاب الالتقاء
بشقيقيها والجلوس معهم…
كانت تزور شقة حمزة كل يومين تقريبًا هاربة من
هذا الضغط العصبي…بالحديث والمزاح وقضاء يوم لطيف معهم برفقة كيان التي تأتي رغم انف زوجها
المعترض دومًا على بعدها….
اليوم كانت في طريقها الى شقة اخيها لكنها غيرت
الوجهة واجرت اتصال بـ يزن حتى يقلها الى المطعم
المعروض للبيع فبعد تفكير طويل وجدت ان انسب
حل ان تبدأ بالعمل ربما خرجت من تلك الدوامة
قليلا…
أوقف يزن السيارة وأشار لها بهدوء على المطعم
الذي كان صوب عينيها مباشرة….
“وصلنا ياشهد….”
رفعت شعد عينيها عبر النافذة لترى وجهة المطعم
التي كانت تعطي طابع فخم مرموق للمكان….مما جعلها تبتسم باستحسان ثم ترجلت من السيارة
تسأله…”هو دا المطعم يايزن…”
“بظبط هو… اي رأيك…”اوما يزن براسه وهو يخرج
من السيارة بعدها….
قالت شهد….
“مش لما أشوفه الأول من جوا…”
اكتفى بايماءة تعني (معكِ كل الحق)ثم تبعها
للداخل….
شاهدت المكان والذي كان أروع من الوجهة
الخارجية كان منظم نظيف…الديكور عصري
ورائع….العاملين على أعلى مستوى من الكفاءة
وهناك عدة طهاة ذي خبرات…
خلال رحلة اكتشاف كل ركن بهذا المكان استغربت كثيرًا ان يباع وهو يعمل بتلك الكفاءة…حتى ان الموقع أكثر من رائع المطعم يطل على زرقة المياة مباشرة سيكون سياحي في الصيف…ورائع في اجواء الشتاء….
انه مطعم احلامها التي لطالما تمنت الحصول
عليه…..
“أهلا تشرفنا يامدام….”
توقفت شهد مكانها بعد سماع هذا الصوت الرخيم
لرجلا في منتصف الخمسون من عمره..رجلا ثري
بمظهر راقي تشع منه شكيمة الرجال…
إبتسمت شهد مرحبة به وهي تنظر الى يزن
الذي تولى عنها الحديث قائلا…
“انكل شكري صاحب المطعم…..”
ثم اشار عليها وعرف عنها بهدوء…
“ودي يانكل شكري شهد عثمان الدسوقي…اللي
ناويه تشتري منك المطعم….”
صافحها شكري مرحبًا بحفاوة….
“اهلا وسهلا شرفتينا… يارب يكون المكان عجبك..”
بادلته شهد المصافحة مبتسمة وهي تنظر
حولها….
“اكيد عجبني أوي بجد هايل مفهوش غلطة…انا
حتى مستغربة انك ناوي تبيعه…مع ان ما شاء الله ليه زباين…وشغال…”
اجابها شكري بأسلوب عملي….
“ناوي أغير البزنس بتاعي….في مشاريع بتكسب
أكتر….. انا حاسس اني شوفتك قبل كده… انتي
ممثلة…. ولا إعلامية….”
استحت شهد وهي تخبره….
“لا دا ولا ده…. انا شيف… وكنت في مسابقة طبخ
من فترة قصيرة….”
ارجع شكري راسه للخلف مدقق النظر اليها
بتذكر…..
“ايوا افتكرت انتي الشيف المصرية اللي كسبت
في مسابقة(×××××) رفعتي راس بلدك… تعرفي
ان بنتي الصغيرة بقت مغرمة بالطبخ اكتر من الأول
من بعد ما شافتك في المسابقة….”
لمعة عينا شهد بسعادة وتأثرت وهي
تقول بلطف….
“بجد ربنا يخلهالك…. لو عندها موهبة ياريت تخليك
وراها وتدعمها هيكون أفضل ليها في المستقبل..”
اوما شكري براسه باحترام وفخر….
“دا اللي بعمله من بعد ما شوفتك ياشيف…اتفضلي استريحي… ولا تحبي تدخلي المطبخ تشوفي المعدات والشيفات اللي شغالين فيه….”
قالت شهد بحماس متزن…
“ياريت لو مش هنعطلهم يعني…”
“مفيش عطلة ولا حاجة اتفضلوا…”
دلفت الى المطبخ من الداخل حيث الجميع يعمل على قدم وساق… بدقة وشغف عالٍ لإنهاء الطلبات
للزبائن بالخارج….
كان المطبخ شاسع يلمع من شدة النظافة…مجهز
على أعلى مستوى من المعدات الحديثة الرائعة
ذات اهمية…كان يماثل هذا المطبخ الأمريكي التي عملت به في المسابقة….
انبهرت جدًا بالمكان واحبت كل ركن في هذا المطعم
الذي تخطى مخيلتها في روعته…..
جفلت ملامحها فجأة عندما رأت أحد العاملين يصيح في المطبخ باسمها والباقية بدأوا يصفقوا لها بحرارة
متسعين الاعين فاغرين الفم برؤيتها…
نظرت شهد الى يزن بتساؤل متعجبة من هذا
التصرف فابتسم هو الآخر وصفق معهم هامسًا
لها بجذل….
“شهرتك عدت الحدود مش مصدقين انهم شايفين شهد عثمان الدسوقي…”
ضحكت وخجلت في ان واحد وهي تشكرهم بأمتنان ثم سلمت على الجميع والبعض التقط
معها الصور التذكاريّة…
وتبادلوا معها أطراف الحديث وكانت راقية وحسنة
الخلق في الرد المتواضع على اسئلة فضولية
تخص المسابقة والأحكام…..
خرجت من المطعم بأكمله بعد قضاء ساعتين
تقريبًا……
سألها يزن بحيرة وهما يقفا امام سيارته الفارهة..
“اي ياشهد أول ما سمعتي سعر المطعم…وشك
لونه اتخطف…هو انتي مش معاكي المبلغ…لو مش معاكي انا ممكن اكملك واحد على فكرة…”
ارجعت خصلة من شعرها للخلف وهي تنظر الى المطعم بريبة….”يزن في حاجة غلط هنا….”
بلع يزن ريقه بتوتر
سائلا..
“اي الغلط….مش فاهم…”
قالت شهد بنبرة ونظرة مرتابة….
“يعني المطعم في موقع كويس جدًا…شغال كويس
صاحبه عايز يبيعه تمليك عشان هيغير البزنس بتاعه
كل ده تمام جميل…بس السعر غريب….إزاي بمبلغ
زي ده….دا ربع تمنه…..حرفيًا دا ربع تمنه…انت مستوعب مطعم بالمنظر ده في ايام زي دي
يتباع بـسعر ده….أكيد عليه مشاكل… ”
أخذ يزن أنفاسه ببعضٍ من الراحة وهو
يضيق عيناه قائلا لها بمزاح غليظ….
“أو ممكن يكون مسكون….”
زمت شفتيها مستهجنة… “انت بتهزر….”
أكد يزن وهو يقول بنبرة حماسية
مبتهجة….
“طبعا بهزر اصلا اي المشاكل اللي عليه مفيش
حاجة عليه كله في السليم هغرقك انا يعني…”
هزت شهد راسها قائلة ببعض التردد…
“أكيد مش قصدي كده….بس يعني انا محتاجة
أفكر اكتر من كده بعد السعر اللي سمعته…وكمان
لازم أقول لعاصم على الخطوة دي….”
رفع يزن حاجبه جافلا….. “تقولي لعاصم !!…”
نظرت شهد له بحزم مؤكدة بثقة….
“ايوا هقوله قبل حتى ما مضي العقود…هاخد
رأيه…..يعني هو ليه نظرة تانية وفاهم السوق عني…ويمكن لو وافق هيكون معايا وانا بمضي العقود…”
اوما يزن براسه متفهمًا…..
“زي ما تحبي….اركبي العربية ثواني وراجع…”
تنحى يزن جانبًا ورفع الهاتف على اذنه والذي
كان خطه مفتوح على رقم عاصم الذي استمع
للكل شيءٍ منذ بداية دخولهما للمطعم !!…
قال يزن بهمسًا حذر….
“انا كده عملت اللي عليا ياكينج…وزي ما
طلبت نفذت….”
اتى صوت عاصم الخشن يأمر بصلابة…
(روحها يايزن…ومنين ماتتصل بيك وتنوي تمضي
العقود بلغني عشان اكلم شكري….)
انصاع يزن لأوامره…..
“ماشي كلامك…هروحها وارجع على الصاغة…”
أغلق يزن الخط واستقل السيارة في مقعد
القيادة منطلق بها وهو يقول لها بهدوء….
“هرجعك شقتك….وهرجع على الصاغة تاني…”
اومات شهد براسها بعينين شاردتين….
بينما على الناحية الاخرى خلف المكتب كان عاصم
يعبث في القلم بيده وعلى محياه إبتسامة صغيرة
معبرة عن الكثير…

 

google-playkhamsatmostaqltradent