رواية غوي بعصيانه قلبي كاملة بقلم نهال مصطفي عبر مدونة دليل الروايات
رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الثامن و الاربعون 48
“رسائل لن تصل لـ صاحبها ”
- وأعترف رغم كل هذا الحب الذي كنّا نعيشه ، و رغم كل الوعود بالثبات كنت أعرف أنني سأمضي في الطريق وحدي وسأجيب على كل الأسئلة بمفردي وسأحلم من جديد بدونك ، كنت أعرف أنك ستفلت قلبي ويدي معًا ومع ذلك لم أفرّط في لحظة حب واحدة معك..
••••••
الوقت غير مناسب كي أعرفك، أنت شخص رائع على مايبدو، وأنا متهالكة ، أو في حياة متهالكة ، أعيش بعالم لا انتمي إليه ، لا أدري و لكني أشفق عليك مني ، رُبما لو تقابلنا بزمان آخر لكان هناك فرصة جديدة للحياة معًا .
تنزهت أصابعها فوق سياج صدره الصلب بتردد ، بمحاولة فاشلة منها لتذكر أي ريح أتت بها إلى هنا ! أغتنمت نظرة طويلة من ملامحه النائمة ، وأنامله المُتغلغلة بشعرها كمن يهدأ من قلق صغيرته ويحسسها بوجوده ، كانت أنفاسه خارجة بارتياح شخص حقق مقاصده حتى خلد في نومه أمنًا .
فزعت “عالية” كالملدوغة من جوار ذلك الجسد الذي لم يفصله الهواء وهى ترجع شعرها المُبعثر للخلف ، نهض ” مراد ” إثر حركتها الغريبة عكس الهدوء الذي كانت عليه بقربه ، ما أن تفتحت جفونه بثقلٍ :
-صباح الخير !
-أي خير ده ! أنا بعمل أيه هنا !
كانت ملامحها مُغلفة بالتيـه ، والشرود ، تصمت للحظات بين كل جُملة والثانية ، تبدلت نبرتها لأعلى :
-هو أيه اللي حصل أنا مش فاكرة أي حاجة !
اعتدل ” مراد ” من نومته بضيق :
-ممكن تهدي طيب ، وانا هفهمك ، أنتِ مكبرة الموضوع ليه ، أهدي ممكن !
-أنت استغليت الحالة اللي أنا كنت فيها امبارح ، وقلت …. قلت أما ..
ثم صرخت جازعة :
-أنتَ ازاي تعمل كده ، وازاي سمحت لنفسك تقرب مني وأنا مش في وعيي !
كتم سيل الاتهامات المتدفق من شدقها بأصابع كفه المُلتصقة ببعضهم ، وبرقت عيونها التي لم تكف عن العتاب ، اطلق زفيرًا قويًا كي يتخلص من الشحنات السلبية التي شُحن بها وأشار بعينه ثم تفوه متسائلًا :
-أنتِ أيه مزعلك دلوقتِ ! أنا عملت أي حرام ولا غلط للعصبية دي كلها ؟! هاه !
ثم رفع كفه عن ثغرها كي تتحدث ، أحست بالقلق قبل أن تسرد أوهام رأسها الغريبة :
-استغلتني ! استغليت الحالة اللي كُنت فيها ، ويا عالم ايه اللي حصل بعد كده !
هز رأسه مشفقًا على الحالة التي وصلت إليها حيث أردف بحنو مجبرًا ألا يثير رياح غضبها أكثر :
-استغليت أيه بس ! شوفي هو ياما أنتِ حلمتي بحاجات محصلتش أصلًا ، أو لسه نايمة وده كله تخاريف !
-كمان ! قصدك تقول إني اتجننت !
ربت على كتفها كي يفض تلك الحملة التي شنت عليه فجأة :
-لا أنتِ عاقلة وست البنات ، بس أنا مش عارف أنتِ مكبرة الموضوع ليه ؟
-والله ! لما اصحى وألقى نفسي في حضنك ده عادي !
-اه عادي يا عالية ، فين المشكلة !
زفرت باختناق حد البكاء ، حيث لا تجد سببًا مقنعًا لتلك الحالة التي بها غير وصف الجنـون ، ولكن الأمر خرج عن السيطرة ، حيث ثارت بوجهه :
-الاستغلال ! أنت سمحت لنفسك تعمل حاجة بدون رضايا !
تمتم لنفسه سرًا :
-هو يوم مش فايت ، أنا حاسس .
ثم مسح على شعرها برفق وهو يشير لها ناحية المرآة :
-عالية ، ممكن تبصي على نفسك في المرايا ! دا أنتِ حتى لسه بهدومك !
تفقدت صورتها المعكوسة بالمرآة مما أحست بسنابل الخجل تترعرع بداخلها ، طالعته بنظرة الهزيمة والاعتذار ولكن غرور الأنثى التي خلقن منه بنات حواء ، باغتته بعتب أخر :
-وتبرر أيه وجودك جمبي ! مش ده بردو استغلال يا بيشمهندس !
-أنتِ شكلك مش فاكرة كُنتِ عاملة ازاي بالليل ، وبعدين أنا جمبك لانك أنتِ اللي طلبتي ده ، ورفضتي إني امشي عشان اسيبك على راحتك .
لطخت وجنتيها بحمرة الخجل مع الإنكار :
-أنا مستحيل أعمل كده ! أنت بس بتحاول تبرأ نفسك قدامي .
-والله أنا مش محتاج أبرئ نفسي عشان أدي أسباب واضحة تقنع مراتي انها صحيت لقيتني نايم جمبها !
قال جملته وهو يتأهب ليغادر الفراش التي شنت فيه الحروب النفسية بدل من الجسدية ، ولكنها لم تمنحه الفرصة وتمسكت بذراعه ، لتسائله بخفوت :
-يعني أنتَ نمت جمبي وبس ! محصلش حاجة مش كده !
أسبل عيونه بحماقة مفتعلة :
-حاجة زي أيه مثلًا !
شعرت بالارتباك ثم بررت بحسم :
-طيب دي أول واخر مرة ده يحصل ، ولو حصل تاني أنا مش هعديها .
تحمحم بخفوت متعمدًا العزف على ثورتها المشتعلة بدون سبب :
-هتعملي أيه يعني ؟
تردد كثيرًا حتى قالت :
-انا مستحيل أقعد معاك في نفس الأوضة ، ومن هنا ورايح كل واحد في حاله لحد ما أحدد أنا عايزة أيه !
-بس أنا عارف إنتي عايزة أيه بحالتك دي ؟!
ألتفتت إليه باهتمام :
-أزاي ؟!
-عايزة مختص لحالة التهيؤات الغريبة اللي بتجيلك دي ! ولا أقولك خليها ممكن تنفع في يوم من الأيام .
توقف عقلها عن الاستيعاب للحظات أردفت فيها بحيرة طفلة :
-يعني أيه !
غير مجرى الحديث كي لا يزداد الأمر سوءًا:
-قصدي تسافري أي بلد يومين تغيري جو !
تشبثت برأسها التي طقطقت بوجع الصداع :
-حاسة دماغي هتتفجر ، أنا مالي ! مش مظبوطة في حاجة غلط .
تبسم مراد قائلًا في سره :
-لسه اللي واخدة بالك !!
ثم وثب قائمًا :
-هعملك قهوة معايا واشوف لك حاجة للصداع ده ، ارتاحي بس دلوقتِ .. أحم وبلاش تهيؤات من اللي بتجيب صداع دي .
•••••••
“ليه يا قلبي ليه ليه ياقلبى ليه .. بتحلفنى ليه أخبي الحكايه .. و أداري عليه ماوصفلوش عذابي .. وحيرة شبابى وحبه الـ خدنى .. من اهلى وصحابى ”
تلك كانت الكلمات المُغردة بصوت فايزة أحمد من شاشة التلفاز الذي أضاءته ” حياة ” ثم توجهت إلى ركن صناعة القهوة بجناحه الكبير ، أخذت تدندن مع الموسيقى بانسيجام تام حتى تذكرت تفاصيل ليلة أمس ..
-أنا مستنية رأيك في المكرونة على فكرة !
أردفت بتلك الكلمات بعد انتظار طويل لرأيه ولكنه احتفظ به لنفسه دون الكشف عن إعجابه الشديد بصنع يديها ، خاصة أنها احترفت أكثر الأنواع المُحببة لنفسه وهو الجمبري ، اكتفى بهز رأسه مرغمًا :
-اه عادي ..
رمقته بخيبة أمل :
-قصدك أكلي مش حلو ! يعني مش عاجباك ؟! طيب بتاكل منها ليه !
-بجبـر بخاطرك ..
تناول بالشوكة قطعة من الجمبري ووضعها بفمه وما أن مضغها كإنه يريد أن يبتلع بقية كلماته التي يظنها تعبر عن ضعفه ، قطب حاجبيه متعمدًا تجاهل النظر إليها وبمجرد ما ارتشف من كوب الماء فاجئته بسحب المائدة من أمامه بعناد طفلة :
-مش مجبر تاكل حاجة مش عاجباك ، تقدر تتبع قوانين الست عبلة هانم وتكمل نوم .
لم ينكر طيب مذاق الوصفة خاصة أنها المفضلة إليه ، حاول أن يأخذ شوكته ليواصل أكله ولكنها أمتنعت عن ذلك بإصرار وقالت :
-هنزل الأكل تحت ، ما دام مش عاجبك !
رأى بعيونها شرارة التحدي ، فأخمدها بغيث التجاهل :
-براحتك ! زي ما تحبي .
ثارت زعابيب غضبها أكثر ، حملت المائدة الخشبية ووثبت قائمة وما أن خطت خطوتين ثم توقفت لأنها تذكرت ما تقوله :
-ولعلمك بقى أنا مش مستنية جبر خواطر من حد ..
وجوده في حياتها مثل القمر ، قادر على أن يحرك بحر غضبها ورضاها حسب حالته المزاجية ، فاقت من شرودها على صوته الذي يطاردها أينما ذهبت وهو يقول :
-ده أيه الروقان ده على الصبح !
-ومبقاش رايقة ليـه ، أصلًا محدش يقدر ينكد عليـا .
أغلقت التلفاز ثم وثبت قائمةً بعد ما تركت فنجان قهوتها فوق الطاولة الزجاجية وخربشت على باب التشاجر معه ، كأنها تريد الانتقام منه والثأر كبريائها الذي أهانه وقالت بحدة :
-بعد كده تلبس هدومك جوه ، وتراعي أنك في الأوضة دي مش لوحدك .
كانت سجيته قلة الكلام ، قفل زر بنطاله ثم دار إليها بهيئته الفخمة وعضلاته البارزة :
-خايفة تضعفي !
تمالكت أعصابها بأعجوبة ثم قالت بسخرية :
-لا خايفة أحسن تستهوى .
اكتفى بابتسامة خبيثة طرف شفته ثم عاد ليكمل لبسه ، زفرت باختناق كي تتخلص من وجهها الغاضب وترتسم وجهًا مُزيفًا :
-تحب أعمل لك قهوة !
تبدلت ملامحه للدهشة وهو يلقى عليها نظرة سريعة من طرف عينه ، بعدها أكمل ارتداء قميصه ، فركت ” حياة ” كفيها بإحراج ثم قالت بعصبية :
-طيب على فكرة أنا قدمت لك خدمة بتاعة الوفد الإيطالي ، فاكر !
-مش فاهم !
عقدت ذراعيها أمام صدرها بتوجس :
-يعني بقول اني مخدتش مُقابل وكده !
أخذ يقفل في زر قميصه ثم قال :
-وأيه المُقابل اللي عايزاه !
دنت منه خطوة ثم أردفت :
-توافق على خروجة الملاهي ، وأنا أوعدك مش هطلب منك حاجة تاني !
-أممم ، لما أفضى هشوف الموضوع ده !
وقفت أمامه معاندة :
-هما عايزينه النهاردة فـ الويك آند !
-أنا في دماغي ألف حاجة لازم احلها وقلت لما أفضى !
هزت كتفيها بلا مبالاة :
-خلاص ، هاخدهم أنا ونخرج سوا ، عشان واضح أنك مش فاضي تفرح بناتك !
قبض على معصمها بشدة :
-لو فكرتي تخطي خطوة بره البيت ده من غير أذني هتبقى أنتِ اللي اخترتي تشوفي الوش التاني !
ثم ترك معصمها عندما رأي بريق الدمع بعينيها واخفض نبرة صوته :
-أنا بقول فكك من الجو ده وتنزلي تشتغلي معايا ! على الأقل عيني هتبقى عليكِ ٢٤ ساعة .. بدل ما شايفك فاضية كده .
تمسكت بمعصمها بتأوهٍ وهي ترمقه بسخط ، ثم زفرت :
-انا بعد الأيام هنا يوم بعد يوم عشان أخلص من طريقتك المتعجرفة والمستبدة دي !
تجاهل تلفظها به ووقف أمام المرآة لعقد رابطة عنقه وقال باختصار :
-قبل ما انسى ، معادك عند الدكتورة يوم السبت .
-دكتورة أيه ؟!
-أنتِ لازم متابعة وعلاجات تساعدك أنك تفتكري بسرعة .. خليت مديرة مكتبي تحجزلك ، وهنروح سوا .
هنا طَرقت ” سيدة ” الباب ، فسمح لها بالدخول ، تقدمت إليه حاملة مائدة الإفطار :
-فطورك يا سعادت البيه .
-حطيه عندك يا سيدة .
وضعت “سيدة” الطعام مكان ما أشار إليها ثم دنت منه تلك العجوز وقالت بانبهار كمن يطالع حورية البحر خارجة من عالم كرتوني :
-تسمح لي يا بيه أقول لك ، إن ست حياة زي القمر ويا زين ما اخترت والله ، هي الست مها كانت جميلة بس الست حاجة حاجة تانية خالص ..
ثم اندفعت نحوها بغزل :
-يا طعامتك !!
أتاها صوت عاصي المتعجرف :
-سيدة ، انزلي قولي لهدير تجهز عشان في اجتماع مهم النهاردة .
انكمش وجه سيدة حتى غمغمت لنفسها سرًا :
-حد يسيب المهلبية دي ويروح للملوخية !
ثم ارتفعت نبرتها بارتباك :
-حاضر حاضر يا بيه …
هزت حياة رأسها بغضبٍ تسرب من شقوق حروف جملته وقالت باستهتار :
-اااممم هدير ! أحم أنت ناوي تسمع كلامي وترجعها ، يعني مجرد سؤال مش أكتر ! أنا يهمني مصلحة ابنك فـ الأول والآخر .
ارتدى ” جاكت ” بدلته السوداء وقال بخبث بعد ما قرأ سطور الغيرة بعيونها :
-يمكن وليه لا !لسه بفكر .
ثم اتجه نحو المائدة وقال بمكر :
-تعالي نفطر ، ولا أنتِ مالكيش غير في الجمبري !
أحتلت الغيرة والغرابة رأسها فقالت بضيقٍ:
-وأنت مزعلك في أيه الجمبري !
رفع حاجبه مع ابتسامة خفيفة وهو يبدأ في تناول طعامه الصحي :
-مش مزعلني في حاجة ، بس ممكن يزعلك أنت بعدين !
•••••••••
-سيدة ، سيدة !
تلك الكلمات خرجت من شدق ” كريم ” بهمسٍ وهو يركض إليها ، ألتفتت نحوه حتى اقترب منها :
-الفطار ده لمين ؟
-ده بتاع سي تميـم ، دي الست عبلة بنفسها اللي حضرته !
حك ذقنه للحظات ثم قال :
-طيب هاتيه واجري أعمله غيره ! بس يكون سر يا سيدة .
هزت رأسها بالرفض :
-لا طبعـًا ، ست عبلة مأكدة عليـا أني لازم أوصله لأوضة سي تمـيم .
عقد كريم حاجبيه بامتعاض :
-طيب هاتيها وأنا هقنع خالتي بأسبوع أجازة تروحي لأختك بورسعيد ، وأنا بنفسي اللي هوصلك !
ردت الروح بوجه سيدة بحماس :
-ده أنت تأمر .. خد أنتَ الصنية دي وأنا هنزل اعمل غيرها لتميم بيه ، صحة وعافية علي قلبك ..
حمل المائدة عنها ثم انتظر أن تهبط لأسفل حتى تفقد الساحة حوله بحذر وهو يتسلل نحو الغرفـة التي تُقيـم بها ” نوران ” ، دق الباب برفق كانت نوران خارجة من المرحاض تنشف وجهها ، ثم فتحت الباب شاهقة :
-يخرب بيتك هو أنتَ !
-هي دي صباح الخير ! أنتوا الذوق ما عداش عليكِ يا بنتي !
ارتبكت نوران بخوفٍ:
-أش وطي صوتك ، شمس أختى نايمة جوه !
غمز بطرف عينه وسألها بفضول:
-هي مش المفروض تنام فـ أوضة جوزها ولا هما متخانقين ! قولي لي أي الحوار !
زفرت نوران باختناق :
-أنتَ بترغي كتير ومش هتستريح غير لما حد يشوفنـا ! امشي بقى .
مد لها صينية الفطور قائلًا :
-ده أنا جايب لك الأكل بنفسي وقلت نفطر سوا .
أتاها صوت شمس من الداخل المُفعم بالنوم :
-نورا ، واقفة عندك بتعملي أيه !
حملت نوران المائدة منه وهي تدفعه لبعيدٍ ثم عادت إلى الغرفة وقالت بتردد :
-دي الست اللي بتشتغل ، قصدي تمـيم باعت معاها الفطار ووصاها أنك لازم تاكلي كويس .
اعتدلت شمس من نومتها وهي تطوي شعرها على هيئة كعكة عبثية :
-نورا ، أحنا ملناش عيش بعد النهاردة في البيت ده !
-بصي سيبيني أفطر كده الأول عشان أعرف اتناقش مع قراراتك المفاجأة دي ، وبعدين نشوف .
••••••••
في ” الغردقة ”
-الصبر ، الصبر وهتبقي ليا لأخر العمر يا رسيل ، وعاصي بتاعك ده أنا هفرمه !
يقف كطائر النورس على الشط يتلذذ بضحاياه ، واحد تلـو الأخر ، ينفث دخان سيجارته حتى أصبحت كغيمة مُنعقدة من الظُلم فوق رأسه ، اقترب أحد رجاله قائلًا :
-فريد بيه المراكب هتتحرك كمان نص ساعة .
أومئ رأسه بالإيجاب وهو يدهس عقب سيجارته بمقدمة حذائه :
-عايز اسم فريد المصري يغرق البحر والبر .. مش عايز مركب واحدة تنزل تصطاد غير بإذني .
-أوامرك يا بيه ، اه والمحامي اللي طلبته مستنيك في المكتب .
-قدم له حاجة يشربها ، لحد ما أجي له !
ثم ألقى نظرة في شاشة هاتفه كأنه ينتظر أمرًا هامًا وقال :
-يلا جر عجلك أنتَ .
انصرف المساعد الخاص به وآتى قاسم من الخلف قائلًا :
-يعني فات يوم والتاني ومفيش لا حس ولا خبر يا ابن المصري !
عقد فريد ذراعيه وراء ظهره وهو يفرد قامته ويملأ صدره من هواء البحر وأجاب :
-مش كُل حاجة هتتحل بسرعة ! في حاجة اسمها حكمة !
ثم ألتوى ثغره ساخرًا :
-نسيت ! الحكمة دي من ثمة القادة اللي زيي ، مش الشيالين اللي زيك .
لعق قاسم شفتيه متقبلًا شعور الإهانة كي يصل لمراده وبعد ذلك كل شخص سينال عقابه :
-أنا لازم ارجع إيطاليا أول الشهر ! ومش هينفع أرجع من غير رسيل .
شرع فريد أن يجيبه ولكن توقف إثر رنين هاتفه بالاتصال المنتظر ، رد بلهفة حتى آتاه خبر اليقين :
-يونس ورشيد المصري تعيش أنت يا حوت ، ومن الساعة دي أنت الكبير يا كبير .. أنت حوت البحر الأحمر .
اتسعت ابتسامته لما اخترق آذانه ثم هتف فارحًا :
-عفارم عليك يا مرسي ، عدي عليـا عشان أديك حلاوتك .
قاسم باستغراب :
-ماتفرحني معاك !
ضحك فريد بانتصار :
-بهد كل الحيطان اللي ممكن رسيل تتسند عليها ، عشان اسلمها لك لوزة مقشرة ، شوفت أنا بفكر في مصلحتك أزاي !
ثم ربت على كتفه وأتبع :
-تعالى نشوف المحامي عشان نبدأ مشروعنـا الجديد .
••••••••
تطالعه من وراء النافذة بعيون نرجسية ، وبدهشة من رماد ، وبشهقة البحر التي ثارت بجوفها عندما رأته بصحبة ” هدير ” وصعودها السيارة بجواره ، أخذت تقطم في أظافرها بغلٍ وتقول لنفسها :
-وأنا مالي ! مالي أزاي ! ده شخص نرجسي عايز يمتلك كل حاجة لنفسـه ! هو مش وصل للي عايزه واتجوزني ! دلوقتِ بقى يروح يجر ناعم مع الهانـم ! وقال أيه مش عايز حاجة تربطه بيها !
أطلقت زفيرًا قويًا وأكملت :
-الشهر المتفقين عليه قرب يخلص ، وخلاص كل واحد فينا هيروح لحاله ! استحملي .
شدت الستائر وعادت إلى التلفاز وأمسكت بالريموت :
-وبعدين هو عرض عليـا الشغل ! فيها أيه لو نزلت اشتغلت معاه ! فرصة كويسة بردو ، جايز أعرف أفهمه … وبعدين أنتِ مالك مركزة معاه كده ليـه هو حر ! عايزة تفهميه ليـه خليكِ في حالك .
اختلط الأمر برأسها حتى رمت الريموت بضجر وتفوهت محتجة :
-وقال أيه أكلي مش عاجبه ! ومتخرجيش ومتروحيش ! طيب يا سي عاصي هوريك أنتَ بتتعامل مع مين ، عشان أنا مش الجارية بتاعتك .
نيران مندلعة بأعلى ونيران نشبت بالأسفل ، حيث أخذت نوران تتلوى كالطائر الذييح من شدة الوجع مستغيثة بأختها :
-ألحقيني يا شمس ، بطني بتتقطع .
ركضت شمس نحو أختها بلهفة :
-نورا مالك ؟! ردي عليـا في أيه !
صرخت نوران بألم :
-سكاكين في بطني يا شمس الحقيني !
تناولت شمس كوب المياة من فوق المائدة وأخذت لمونة عصرتها بالماء وبكف مرتعش قالت :
-آكيد من اللانشون اللي أكلتيه ، اشربي الليمون يفسد مفعول أي حاجة متسممة دخلت جسمك ، هكلم الإسعاف حالًا …
ركضت شمس كالمجنونة مقتحمة غُرفة تمـيم الغارق في عقد اتفاقيات شغله المجهول ، عند دخولها قفل جهاز الحاسوب ، فلم تمنحه الفرصة ليسألها عما بها ولكنها سبقته قائلة :
-نورا أكلت حاجة متسممة كلم الإسعاف بسرعة .
هنا أحس كريم الذي يترقبها من بعيدٍ بحركة مريبة خاصة صوت نوران المتعالي ، ركض إلى الغرفة فوجدها تتلوى وجعًا ، اندفع إليها بلهفة وحملها بين يده ، خرجت شمس وتميم من الغرفة فالتقى الجميع في ساحة الطابق ، هتف تميم :
-كريم خدها على اقرب مستشفى وانا جاي وراكم .
ركض كريم على الفور ثم تابعته شمس وهي تناجي ربها أن لا يُريها سوءًا بأختها ، خرجت عبلة من غُرفتها إثر ذلك الصخب المنتشر بساحة القصر ، فـ تبدلت ملامحها عندمـا رأت تميم يصيح مُناديًا على ” سيدة ” كي تخبر السائق أن يأتي إليه ، دوما ما يحوم القاتٰل حول مسرح الجريمة ، اقتربت منه عبلة حائرة تتمايل مُتسائلة بخبث :
-هو في أيه !
رد مجبورًا :
-أخت شمس أكلت حاجة متسممة ..
ثم صاح بجزعٍ :
-يلا يا سيدة ..
ازدرى أعينها وهي تلعن ذلك الحظ في نفسها سرًا حيث صاح بوق شيطانها الآثم بداخلها :
-فلتت منها المرة دي يا تمـيم بس على مين !
انتظرت حتى رحيل تميـم ثم هرولت إلى غرفة ” عاليـة ” وسرقت طبق العسل من فوق المائدة وعادت إلى غرفتها كي تسكب محتواه وتمحو آثار جريمتها ..
في تلك اللحظة نزلت ” حياة ” إلى غُرفة الفتيات ، دخلت الغرفة بهدوء فوجدتهن غائصات بسبات عميق ، شرعت في إيقاظهن ومداعبتهن حتى تسألت تاليا بصوتها النائم :
-أنطي ! هنروح الملاهي زي ما وعدتينا!
فكرت حياة للحظات ثم قالت بتوجس :
-هنروح يا روحي ، أنا جايه أصحيكم عشان نكسب وقت وناخد اليوم من أوله ..
انقض عليها الفتيات بحماس ثم هتفت أحداهن :
-يس ، تحيا أنطي حياة … بابي جاي معانا صح ؟
أطرقت بخفوت :
-هو بيعتذر منكم لانه عنده شغل ، بس قال لي إنه معندوش مانع نخرج سوا ، وكمان ساب لنا فلوس كتير عشان نجيب كل اللي نفسنا فيه …
داليـا بفرحة وهي تعانقها :
-أنطي أنا بحبك أوي ، ممكن متمشيش تاني ، خليكي معانا هنا .
تاليا بتوسل :
-بليـز يا أنطي خليكي معانا ، متمشيش خالص …
لم تمنحها داليا فرصة للوعود الكاذبة بل أطرقت بحماس طفولي :
-هنروح فين ..؟؟
تشجعت تاليا وقالت :
-نروح الأول الملاهي نلعب كتير ، وبعدين نروح المول نشتري حاجات كتيرة وألعاب ، وبعدين نروح ماك نتغدى ، وبالليل نروح سينما .. أيه رأيك يا أنطي !
تحمحمت حياة بقلق وتمتمت :
-اتفقنا وربنا يستر على اللي هيعمله أبوكم فيـا …
اقتحمت عبلة الغُرفة ، فتبدلت ملامحها إلى آخرى غاضبة عندما رأت حركة عجيبة بالغرفة ، تسللت للداخل متسائلة :
-علي فين كده !
هتفت داليـا :
-هنخرج نروح الملاهي .. بس سوري حضرتك مش هينفع تيجي معانا .
طالعت حياة بحقد ثم رسمت ابتسامة مزيفة :
-ليه يا حبيبتي !
تقدمت تاليا واضعة كفيها في خصرها بجزل طفولي :
-عشان أحنا حابين نكون بنات مع بعض وهنلعب سوا ، وحضرتك ست كبيرة مش هينفع .
كتمت حياة فم الصغيرة برفق ثم قالت مبررة لعبلة التي بدا الانزعاج عليها :
-أممم قصدها هنتحرك كتير وممكن تتعبي .
رمقتها عبلة بحقد :
-عاصي يعرف أنكم خارجين ..؟
أجابتها بثقة :
-أكيد يعرف ، مش هخرج من غير أذن جوزي يا عبلة هانم أنا بردو بفهم في الاصول ..
هزت رأس الحية أفكارها ثم اقتربت من حياة وسألتها :
-قوليلي يا حياة ، باباكي بيشتغل أيه ! حد معروف في الوسط يعني ! أعرفه .
تخبطت أطرافها بلون الحيرة وظُلمة الاستجواب الذي وقعت فريسته بدون سابق إنذار ، كادت أن تجيبها بأي قصة وهمية ولكن أنقذتها تاليا قائلة بعفوية :
-ناناه أحنا مستعجلين أوي ، ممكن نأجل الكلام دا لوقت تاني !
ثم شدت حياة من كفها وقالت بمرح :
-تعالي يا أنطي قوليلي ألبس أيه ، يلا يلا مش عايزين نتأخر .
•••••••
-أحنا جينا هنـا ليـه ؟!
ذلك السؤال الأخير الذي أردفته ” هدير ” بعد وقوف السيارة أمام المشفى ، رفع عاصي حاجبه بهدوء :
-محتاجين نطمن على صحة البيبي ..
تعربدت الغصة بصدرها:
-ولا قصدك تتأكد إذا كُنت حامل ولا لا !
تحمحم برزانة وثبات :
-أنتِ مالك خايفـة كده ليـه !
للكلمة وقع أحد من السيفِ على قلبها ، انفجرت هدير بوجهه :
-أنتَ مكذبني وكمان مستغرب أنا كده ليـه ! مش بعيـد لما تتأكد تقول مش ابنك ..
-أنا كلامي واضح يا هدير ! أنتِ اللي بتلفي وتدوري .. ومتعصبة من مفيش ..
وقفت على نصل كلماته الحادة :
-الهانـم بتاعتك امبارح تغلط فيـا ، وأنت جاي دلوقتِ تتهمني في شرفي وإني بتبلى عليك ، وعايزني مبقاش متعصبـة !
تجاهل كل ما قالته وتوقف على أعتاب جُملتها الأولى :
-قصدك حياة ! وهي حياة مالها بيكي ؟
-مالهـا ؟!!
أردفت كلمتها ثم أتبعتها بضحكة ساخرة وأكلمت :
-أنت بس دلعتها لحد ما ملكت البيت وعملت نفسها صاحبة مكان ، وبعدين أنتَ اللي متلفش وتدور عليـا ، أكيد حكت لك هي قالت أيه بالليل !
هز رأسه وبداخله فضول لا يوصف خاصة إن تعلق الأمر بتلك القطة المُشاكسة ، زفرت هدير باختناق :
-يلا يا عاصي ، أنا همشي معاك للأخر لحد ما تعرف مين اللي بتحبك ومين اللي جاية تغفلك !
قالت جملتها ثم هبطت من السيارة بغضب فرغته في بابها وهي تدفعه بقوة وانتقام ، دلف الأخير من سيارته مُتبعًا خُطاها حتى وصلت إلى قسم النسا والتوليد بالمشفى ، مجرد ما أدلى اسمه للممرضة ، سمحت له بالدخول على الفور .
مرت عدة دقائق على الفحص وإجراء التحاليل اللازمة ، كان يجلس على فوهة بركان ثائر ، يتوسل إلى ربه أن يكون خبر حملها أكذوبة من صنعها ، مرت العديد من الدقائق حتى جاءت الطبيبة وبعدها هدير بوجهها الضاحك ، أردفت الطبيبة برسمية :
-هو الحمل مش مستقر ، فلابد من حقن التثبيت دي ، ومع الراحة التـامة طبعًا ، بس متقلقيش ، وأسبوعين كده وأشوفك تاني ، أهم حاجة الراحة ثم الراحة ، مش هوصيك بقى يا عاصي بيه ، دلع المدام ونفسيتها أهم شيء ..
وضعت هدير ساق فوق الأخرى وقالت بانتصار :
-وصيه عليـا بقى يا دكتور ، عشان دايمًا مزعلني ، ولا أيه يا حبيبي !
بات كلماتها تغتصب غضبه المكبوت ، حتى فزع فجأة متأهبًا للرحيل بدون أي مقدمات ، أخذت هدير ” الروشتة ” من الطبيبة ثم لحقت بخطواته الواسعة ، فلم يتحمل سماع المزيد حول موضوع حملها ، هنـا جاءه اتصالًا من عبلة وهو توبخه :
-أنتَ أزاي تسمح بالمهزلة دي ياعاصي !
-حصل أيه !
-يعني أيه الهانم تاخذ البنات ويخرجوا مع السواق لوحدهم ! أنت ناسي أن أعدائك في كل حتة ! يا خسارة فكرتك أذكى من كده ! اتحمل بقى نتيجة ثقتك العمياء في الهانم بتاعتك .
الفصل الثامن والعشرون
” الجزء ٢ من الفصل ”
“رسائل لن تصل لـ صاحبها ”
-استوعبـت كل مصائبي في الحياة إلا لوعة رحيلك ، ما زلت أقاتـل في مرحلة اللا تصديق ، أنه لكابوس مـا حتمـا سينتهى بـ صوتك وعيناك ، ما زلت انتظر اتصالك في مواعيدنـا اليوميـة ، مع كل رنة لهاتفي انتفض كما كنت ، ما زلت اتوهم بأن كل رقم مجهول .. هو أنت ..
أنت رحلت ، لِمَ لا يرحل شبح انتظارك المُقيـم بي !
••••••••
سيأتي نهار يُغير كل خرائط فكرك ، وقراراتك ، وأيامك ، قد تظن يومًا أن جميع مصائر حياتك بيدك وحدك ولكن فجأة قد تكتشف ضعفك وأن المرء مهما ركض في شتى الطُرق إلا أنه مسير ، قانون الاختيار خدعة ابتكرها غرور النفس البشرية .
تتوالى المصائب فوق رأسها ، كل يوم بكارثـة أثقل من الأخرى تحلُ على بُنيتها الهشة ، المتحطمة من جمة الحوادث بحياتها ، مرت عقارب الساعة على قلبها ببطء ، حتى خرج الطبيب من غُرفة العمليات ، اندفعت شمس نحوه متلهفة لأخبار أختها :
-طمني يا دكتور ، أختى جوه عاملة أيه .
وقف كريم وتميم بجوارها حتى سرق الأول مجرى الحديث :
-هي مالها يا دكتور كانت كويسة !
نزع الطبيب المسك الطبي من وجهه وقال :
-حالة تسمم ، أكلت حاجة مسممة ، بس نسبة بسيطة اللي دخلت معدتها ،وكمان لحقناها بسرعة ..
ذرفت العبرات من عيني شمس :
-طيب هي كويسة دلوقتِ !
-عملناها غسيل معدة ، ساعتين وهتفوق ، اطمنوا .
تتفست شمس الصعداء وهى تضع يدها على صدرها ، أردف تمـيم :
-في خطر على حياتها يا دكتور ؟
الدكتور برتابة قبل أن ينصرف :
-هي تجاوزت مرحلة الخطر ، بس هتبقى تحت عينيا يومين كده لحد ما نطمن عليها .
ذهب الطبيب بينما شمس التي لم تستطع التحمل على ساقيها أكثر جلست على أقرب مقعد ، تحدث تميـم إلى كريم وهو يمد له بطاقته البنكية :
-كريم انزل احجز أوضة عشان شمس ترتاح فيها ، وخلص مصاريف المستشفى ، واطلبنا غدا لانها مأكلتش حاجة من الصبح .
غادر كريم لينفذ ما طلبه بطاعةٍ ، ثم ولى تميم وجهه ناحية شمس وأخذ يربت على كتفها بحنو :
-استهدي بالله يا شمس .. هتبقى زي الفل .
كفكفت دموعها المنهمرة وقالت بقلة حيلة :
-أنا ماليش غيرها يا تميم ، نورا بنتي قبل ما تبقى أختى ، بابا وماما سابوها وهي ست شهور أنا اللي كُنت بعملها كل حاجة ، أنا مش متخيلة ، مش متخيلة اني ممكن اخسرها في يوم ، أنا مابقتش حِمل خسائر تانية .
لأول مرة تمتد أنامله لوجنتيها ويتلقى أبهامه عبرات حزنها المُتقطرة ، مسح دموعها برفق وقال بنبرة خفيضة :
-كل حاجة هتبقى كويسة ، أنا جمبگ يا شمـس ومش هسيبك مهمـا حصل .
••••••••
بداخل كُل أنثى طفلة صغيرة ، فراشة ، مجرد ما تقع على بستان ورودها تحلق هنا وهناك وكأنها ملكت زمام الحياة ، ومنحت للورد ألوانه .. قضت حياة مع الفتيات ساعات من المرح والسعادة ، أخذت تتنقل معهن في كل مكان وتركض وتمرح وتضحك كطفلة غير مكترثة بالعشرين عام الفارق بينهم .. اقترحت تاليا بحماس :
-حياة ، تعالى نجرب دي كمان .
رمقت حياة لعبة قطار الموت فانقبض قلبها ورفضت رفضًا قاطعًا :
-مستحيل يا حبيبتي ، دي مرعبة أوي ، أحنا خلينا في الحاجات السهلة ، تيجوا نركب العربيات تاني !
تنهدت داليـا بأسف :
-يا خسارة ! بابي لو كان موجود مكنش هيرفض خالص .
انكمشت ملامح حياة بقلق وتمتمت :
-أيه لازمتها السيرة دي دلوقتِ !
-أنتِ بتكلمي نفسك يا حياة !
-هااه لا معاكم ، أنتوا مش جعانين ولا أيه !
قالت حياة جملتها وهي تنكث على ركبتيها كي تبقى في مستواهم ، تمسكت الصغيرة ببنطها وأردفت بعفوية :
-أنا عصافير بطني بتزقزق من الجوع .
قبلت وجنتها بحب :
-يا روحي أنتِ ! هناكل فين بقا ؟
وضعت داليا سبابتها على ثغرها المزموم وأصدرت إيماءة خافتة :
-برجر ..
ولت وجهها لتاليـا :
-توتي موافقة ؟!
ردت بحماس :
-يس !
-اتفقنا ، يبقى برجـر .
ما كادت أن تقف وتستدير خلفها فأرتطمت بجلادها ، بحصنها المنيع ، وسور سجنها ، لحظة توقف فيها الزمن وعقلها عن التفكير ، تصلبت تعابيـر وجهها ، وأصيبت شفتيها بداء الارتعاش ، رفـع حاجبـه بملامحـه الغاضبـة :
-بتتحـديني يا حياة !
تهيج قلبـها بوجوده ، اخذت نفسًا طويلًا مع ابتسامـة مخادعة وقالت ببرود مزيف وقالت بنيرة خافتـة :
-كُنت متأكدة أنك هتيجي !
ثم جهرت بصوتها :
-مش قولت لكم يا بنات أن بابي حنيـن وهيخلص شغله بسرعة ويجي يقضـي معانا اليـوم ! ولا أيه يا بـ.. بـابي !
هلل الفتيات بفرحةٍ وهن يمدحن في ما فعلتـه حياة وكم السعادة البالغة المتدفقة من أعينهـم ، ثرثرتهم العبثـية جعلته يبتلـع ما يرقد على لسانه من شتائم ، لاحظت حياة ملامحه المكتظة بالغضب ، وقالت بقلق :
-مش نفسكـم في فشـار ، يلا نجيـب !
أفشـل مُخططها فـ الفرار منه عندما غرز أنامله في ذراعها المُتعري وقال بجفاء وبنظراته الثاقبة :
-روحوا أنتو هاتوا الفشار يا بنات ..
حدجته بتوجسٍ :
-أروح معاهم !!
ألجمها بنظرة حادة أخرستها ، ركضوا الفتيات نحو بائع الذرة وتركوها لوحدها في مواجهة الأسد ، بللت حلقها الذي جف وقال بتوسل :
-ممكن اتكلم !
جز على فكيه بامتعاض :
-أنا مش قلت لا مفيش خروج !
حاولت أن تهدئ الأمر وألا تثير عواصف غضبه ، تكلمت بصوتها الخفيض :
-ممكن نأجل أي خناق لـ بالليل ! يعني ننبسط دلوقتِ ونفرح وكأن مفيش حاجة حصلت ، ولمـا نروح هسيبك تتخانق براحتك وتنكد عليـا وكل اللي نفسك فيه !
عض على شفته بجزعٍ :
-بتستفزيني !
-خالص والله ! بس حرام تكسر بخاطر البنات ، أديك شايف هما مبسوطين أزاي ، يعني قصدي عديها المرة دي عشان ميبقاش شكلي وحش ، بليـز وافق ! وليك عليـا أول ما نروح هنقوم خناقة من اللي قلبگ يحبها .. قلت أيه !
كان أسلوبها في التحاور كطفلة لم تبلغ السبع سنوات ، خفوت صوتها ، توسلها إليه ، رقتها في تهدئة ثورتها العارمة ، تسرب وميض من الضحك لقلبه أخمد تلك النيران المتوهجة ، حتى أمطرت بغيث قُبلتها المباغتة على وجنته عندما رأت الفتيات يقتربن منهم وقالت بترجي :
-بليـز خليك لطيف قدام البنات ، بلاش تخوفهم منك أكتر من كده .. خليك طبيعي .
رفع حاجبه بإعجاب :
-طبيعي ! أفتكري أنتِ اللي اخترتي .
هتفت تاليـا بسعادة :
-بابي ، هتتغدى معانا مش كده !
داعبت حياة شعر الصغيرة وقالت بتردد :
-طبعًا يا حبيبتي وهيروح معانا المول كمان نشتري كل اللي نفسكم فيه ، مش كده يا بابي !
صاحت داليـا :
-بابي عيد ميلاد ناناه الاسبـوع الجاي ، لازم نجيب لها هدية .
ارتدى نظارته الشمسية وقال بفظاظة مزيفة :
-تمـام ، يلا بينـا .
ركضوا الفتيات خلفهم ولكنها فوجئت به يمسك بكفها رغم عنها بعد ما كانت ستسبقه الخطى ولكنه أفشـل مُخططها ، همس في آذانها قائلًا :
-حسابك بالليـل .. متنسيش !
تبسمت بقلق :
-المهم متنساش أنت …
تحرك الجميع نحو السيارة ، أشار عاصي للسائق أن يعود للقصر ، وأخذ منه المفاتيح ، فتح الباب لبناته ثم فتح الباب الأمامي لها برسميـة ، تعجبت من فعله ولكنها صعدت بدون استفسار ، دار الناحية الأخرى وجلس بجوارها وشرع في قيادة سيارته ، بدأ الفتيات يأكلن في الفشار حتى تفوهت داليـا :
-كويس يا بابي أنك جيت ، عشان أنطي حياة محدش يعاكسها تاني ..
برقت حياة عيونها لداليـا كي تصمت ولكن أكملت تاليـا سرد الأحداث باندفاع :
-تعرف يا بابي كل حد يعدي من جمبنا كان لازم يقولها أيه القمر ده ، لحد ما زهقنـا وسبنـا المكان ومشينا .
لاحظت جمر الغضب توقد بوجهه ، فأخذت تبرر له :
-عادي يعني البنات بيبالغوا بس ، أطفال هناخد على كلامهم !
تجاهل حديثها وركز مع البنات وقال بغلٍ :
-وأيه كمان ! أحكوا احكوا ..
اندفعت تاليـا :
-بس أنا يابابي كُنت بزعق لهم وأقولهم أنتوا متعرفوش دي مجوزة مين ولا ايه ، بابي هيضربكم جامد لو شافكم .
ضرب موقد السيارة بكفه من شدة الغضب ، ألتصق كتف حياة بالبـاب وهي تغمغم :
-ليلتي سودة أنـا عارفة …
•••••••
” بمكتب عاصي ”
دخلت مديرة مكتبه إلى يسري وهي تطلع على بعض الرسائل بالحاسوب وتقول :
-مستر يسري ، بكلم عاصي بيه مش عارفة أوصله وفي إيميلات مهمة لازم يشوفها .
تناول يسري الجهاز من يدها بعد ما اطلع على الرسائل والاتفاقيات ، رفع رأسه :
-ابعتي لي كل الفايلات دي على الايميل بتاعي ..
-طيب وعاصي بيه !
-أنا هعرفـه .. أمشي أنتِ دلوقتِ .
أردف يسري جُملته الأخيـرة بعد ما رأى اتصالا تليفونيـا باسم ” عبلة ” انتظر حتى انصرفت الفتاة حتى رد قائلًا :
-اتفضلي يا هانـم ..
جلست أمام التسريحة وهى تتأمل التجاعيـد عن طرف عينيها إثر زوال العمليات التجميلية وقالت بضيق :
-مش عاجبني يا يسري !
-أزاي بس معاليكِ أنا في الخدمة ..
-البنت اللي اسمها حياة دي ، هي مطولة ولا أيه !
تحمحم يسري بخفوت :
-القلب وما يريد يا هانم ، وشكلها عاجبه البيـه ..
وضعت ساق فوق الأخرى وقالت بخبث :
-بس مش عاجباني ، وما دام مش عجباني يبقى ملهاش عيش في بيتي !
-والله يا هانم أنا عبد المأمور !
أومأت بمكر ثم غيرت مجرى الحديث :
-سيبك منها دلوقتِ ، وقولي أيه أخبار الشغل !
-مش خير معاليكِ ، عاصي بيه مُصر يفض الشركة مع آندرو وبنته ، ودي خسارة لينا في جميع الحالات ..
فزعت عبلة كالملدوغة وهي تفارق مقعدها :
-ده اتجنن ولا أيه!
-أهو كله من تحت راس اللي اسمها حياة دي !
رفعت حاجبها بتخابث :
-لا أنتَ تحكي لي الموضوع بالتفصيل …
•••••••
انتهوا الجميع من تناول وجبة الغدا مع تبادل الضحكات والمرح بينهم ، ظل يراقب تصرفات حياة العفوية وهي تعتني ببناته والأُلفة العجيبة بينهن ، مسحت فم داليـا المُلطخ ” بالكاتشب ” وقالت بمزاح :
-نوال لو شافت العبث ده هتنيمنا في الجنينة !
انطلقت داليا مقترحة :
-بابي ممكن ميس نوال دي متجيش تاني ، وأنطي حياة هي اللي تذاكرلنـا .
أشعل سيجارته وقال بهدوء :
-بس حياة مش فاضية يا حبيبتي ..
تاليـا ببراءة :
-لا هي فاضيـة .. مش حضرتك فاضية !
-طيب وأنا مين يذاكرلي !
جملة أردفها عاصي فـ نزلت على رأسها كدلو الماء المُثلج ، أمتزجت نظرتها المندهشة مع نظرته الماكرة ، حتى قطعت داليـا صمتهم بذهول :
-حضرتك بتذاكر زينا يا بابي ! الله بجد ! ممكن نيجي نذاكر معاكم ..
تحمحمت حياة وقالت مبررة :
-بابي بيهزر يا حبيبتي ، قصده أننا بنشتغل بالليل تبع الشركة وكده !
ثم اقترحت :
-يلا مش هنشتري فساتين عشان عيد الميلاد .. !
لم يعرف السبب وراء اتباعها والهدوء الحال بكيانه ! كان أمرًا مستحيلًا حتى مسّه طيفها ووجودها الخفيف على الروح ، فصار ممكنًا وسهلًا .. فـكم من جدارٍ جامدٍ تهاوى أمام دفءٍ صادق وحنون .
وثب الجميع للتنقل بالمـول ، كان متعمدًا أن يوازي خطواته بخطواتها ، الإمساك بيدها بدون مبرر ، ربما كان يوجه رسالة واضحة للعالم أنه تخصه ، أثناء تنقلهم ألتقى عاصي بشخص يعرفه ، فوقف وتبادل السلامات حتى قدمها له :
-دي حياة مراتي ..
ثم ولى وجهه إليها وأكمل :
-هاشم بيه مدكور ، أشطر بيزنس مان في الوطن العربي .
-بنتعلم منك يا عاصي بيه ..
رمق ” هاشم” حياة بنظرة غير مريحة ثم تبسم بمكر :
-تشـرفنـا يا هانم .
بادلته بابتسامة مُجاملة ثم بعدت أنظارها المُربكة عنه ، سلم هاشم على داليا وشرع في تقبيلها ولكن فزعت حياة من تصرفه وشدت الفتاة إليها وقالت بحدة :
-سوري حضرتك ، بس ممنوع حد يسـلم على البنات بالطريقة دي !
أحمر وجه هاشم بغضب أخفاه وراء ابتسامته المصطنعة :
-سوري يا هانـم بس دول أطفال وفي مقام أحفادي !
-بس مش أحفادك !
تشبثت بيد الفتيات وقالت بصرامة لعاصي :
-هندخل المحل هنـا ، ماتتأخرش عليـنا .
لم ينكر اندهاشه بتصرفها الغامض ، وطريقة حمايتها للفتيات ، تسرب بداخله شعور المسئولية نحوهم والفخر إليها ، فاق من بحرها وعاد إلي هاشم قائلًا :
-هنشوفك أكيد في عيد ميلاد عبلة هانـم .
-الدعوة وصلتني إمبارح ، وطبعا شرف ليـا !
صافحه عاصي برسميـة ثم استأذن منه لينصرف ويلحق بعائلته ، لعق هاشم شفتيـه بمكرٍ :
-قدرك الحلو وقعك في طريقي مرتين ! استحملي يا حلوة .
-“أنتِ عملتي كده ليـه ؟!”
أتاها صوته الرخيـم من الخلف وهي تتفقد الفساتين المُعلقة بإعجاب ، أغمضت جفونها إثر الخضة ثم دارت إليه وقالت بعتاب :
-مش صح أي حد كده يبوس ويحضن البنات ! ده هيأثر على نفسيتهم بالسـلب !
عقد حاجبيه بامتعاض :
-بس ده راجل أد جدهم ، يعني عادي !
جزت على فكيها بغضب :
-لا مش عادي ! أنت مدخلتش جوه نيته عشان تعرفه ، ولو سمحت ابعد بناتك عن العك اللي أنت عايش فيه ، أنا مش هسمح لك تأذي براءة روحهم وقلبهم بالمجتمع العقيم اللي أنتوا فيه !
مجرد ما أنتهت جملتها عادت إلى تفقد الفساتين مرة أخرى ولكن الفارق هنا أن مزاجها بات معكرًا مما جعلها ترى الجميع بلون واحد ، أخذت تقلبهم بملل لاحظه عاصي في نفس اللحظة التي خطفه فستانًا فُصل خصيصًا إليها ، همس لفتياته ببعض الكلمات حتى صاحت داليـا بعفوية وهي تشير على الفستان :
-شوفي دي يا حياة ! يجنن .
اقتربت من الفستان المُعلق باندهاش شادرة في سحر ألوانه وجماله وقفت أمامه طويلًا حتى أتاها صوته قائلًا :
-هينطق عليكي !
رجت رأسها بعدم اهتمام :
-عادي ، أصلًا مش حابة اشتري حاجة أنا بتفرج بس !
-وهتحضري الحفلة بأيه ؟
انكمش وجهها بغرور أنثوي :
-مش لازم أحضر ، كفاية هديـر هتحضر .
ابتلع ابتسامته عندما لمح وميض الغيـرة معلقًا بحروف كلماتها ، أشار للفتاة بالمحل أن تحضر الفستان كي تقيسه ، مرت دقيقتين حتى جاءت المساعدة إليها :
-اتفضلي قيسي الفستان يا هانم !
-فستان أيه ! أنا مخترتش حاجـة !
أردفت حياة جملتها بإنكار حتى أشارت الفتاة إليه وقالت :
-البيـه اللي اختار .
زفرت مجبرة وتحركت نحو ” البروڤا ” كي تقيس الفستان ، مرت العديد من الدقائق وهو ينتظرها بلهفـة لا يعلم سببها ، خرجت المساعدة من الغرفـة فاستغل الأمر واقتحم الغُرفة ، أدلى الستار خلفه وأخذ يتأمل تفاصيل ظهرها الساحرة المُغطاة بجدائل شعرها، أحست بوجوده من رائحته والعجيب بالأمر أنها اعتادت وجوده حتى بات حضوره لا يرعبها ، دارت نحو الجهة التي بها المرآة وشرعت في تأمل نظراته إليها ، حتى ألتقطت أنظارهم بالمرآة ، خفق قلبها واشتهتها جوارحه خاصة عندما ارتدت الفستان الفاتن لجمالها !
لملم شعرها المبعثر ناحية كتفها فبرز ” التاتو” المرسوم على هيئة حوت بكتفها ، هندلت الفستان من الأمام فلـم يتبقى لها سوى جراره كي ترى صورته بوضوح ، لمعت عيناه ولم يتحكم في شهوة يده للمس الحوت المقيـم بظهرها ، أبدى إعجابه به :
-جميـل الحوت المرسوم !
أخذ يداعبـه بإبهامه بلطف بدون أي إعتراض منها حتى تسللت أنامله بخفة دبت القشعريرة بكيانها ، كان يريد أن يرمي عليها نظرة فضولية ولكنه ومن غير قصد رمى قلبه بجوار حوتها ، رست أنامله عند جرار فستانها الكائن بأخر ظهرها وسحبه لأعلى برفق حتى أغمضت جفونها من شدة الأحاسيس المباغتة التي هجمت عليها للحد الذي خنق أنفاسها ..
ما انتهى من قفل الفستان فأرجع أوتار شعرها مرة أخرة بهيام ألتف حول قلبـه .. ثم طالعها بالمرآة قائلًا :
-الفستان الحلو ولا أنتِ اللي محلياه !
كانت تقاوم كي تغتال تلك المشاعر المجهولة التي تعلقت بروحها ، ضربات قلبها السريعة التي أرخت أعصابها وحطمت عنادها ، اكتفت بهز رأسها بمعاناة كي لا ينكشف أمرها أمام رجل مثله ، يعلم بخبايا وظواهر الأنثى ببراعة ، جاءت المساعدة إليها ففوجئت بوجود ” عاصي ” فأطرقت بأسف :
-حضرتك ممنوع تدخل البروڤا ..
تبسم بتفهم :
-متزعليـش ، بس عشان مراتي متعودة إني بساعدها في كل لبسها ، فـحسيت أنها محتاجاني !
برقت حياة بنفي وعلى المقابل تبسمت الفتاة بإحراج :
-ربنا يخليكم لبعض يا فندم بس دي تعليمات .
-فاهم فاهم ، المهم مش هوصيكي ، أحلى وأغلى حاجه عندك تطلع للهانـم .. هثق فيكي ياااااا
ثم طالع اسمها على بطاقة التعريف وأكمل :
-يا عبيـر ..
لم يمنحها فرصـة للاعتراض بل انصرف سريعًا إثر نداء الفتيات عليه ، تقدمت إليه داليـا :
-بابي تعالي شوف إحنا اخترنا أيه .
••••••••
الأمر أشبه بأحدٍ قذف حجرًا بالخطأ فـ أصاب كل جروحك المحشوة بقلبك .. تكورت حول نفسها وضمت ساقيها إلى صدرها ونطقت بسؤال يتـيم لنفسهـا :
-أنتِ عايزة أيه يا عاليـة ! ليه رجعتي مع مراد ! وليـه تصرفات العيـال دي ! أنتِ عمرك ما كنتِ كده ، ومراد شخص ناضج لو اتحمل الهبل بتاعك ده يوم ، مش هيتحمله التاني !
ثم مسحت عبراتها المنكبة من عينيها :
-أنتِ اللي نمتِ في حضنه بإرادتك لانك كنتِ مرعوبة من الوحدة ، ما صدقتي تلاقي حد يطبطب عليكِ ، طيب بتلوميه ليـه ، ما هي حاجة واحدة هتريحك ، مراد بالنسبـة لك أيه ! هل مجرد ونس لوحدتك ولا حاجة مهمـة وكبريائك ناكر ده ؟
نهضت من فراشها بتكاسـل وتذكرت أحد المحاضرات الدينية التي حضرتها:
– «إِذَا بَاتَتِ المَرْأَةُ، هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حتَّى تُصْبِحَ»
خفق قلبها خشية من غضب الله وهي تتفقد هيئتها بالمرآة :
-يا رب أنت عارف إني تايهة ، ومش عارفة أنا عايزة أيه ! أنا متأكدة أنه شخص كويس بس أنا خايفة ، خايفة اسلم له قلبي اتوجع ، يا ربي أنا مش حمل الذنب ده .. أنا اللي قررت أكمل يبقى اتحمل ، مراد رجل وله عذره ومفيش راجل يتحمل المعاملة دي ! ومش ده جزاته انه برأني قدام أهلى ..
تمددت يدها إلى رابطة شعرها وسحبتها ببطء حتى حررت خصلاتها المموجة ثم تحركت نحو الخزانـة وأخرجت فستانًا قصيرًا للغايـة وقالت مبررة :
-اتحملي نتيجة اختيارك يا عاليـة ، حتى ولو مراد مش شخص كويس وطمعان فيـا ، أنا كمان طمعانـة في سند ليا في الحياة دي ، محتاجة ولد يملى فراغ حياتي ، لازم اطلع من العلاقة دي كسبانة بدل ما اطلع منها وحيدة وارجع لمكان ما كُنت .
بدلت ملابسها وهي ترتجف ، ولكن ما تنتظره يستحق التضحية ، جلست أمام التسريحة لتضع بعض مستحضرات التجميل وتخفي آثار البكاء وهي تمرر حُمرة قلبها فداء طفلٍ تختلسه من بين أنياب الحيـاة ، عندما انهت عملها أنارت هاتفها وحدثته بنبرة خائفـة مرتعشة :
-مراد ، أنت فين !
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية غوي بعصيانه قلبي ) اسم الرواية