رواية ولما قالوا دي صبيه الفصل الخامس 5
اللهم إني أستودعك بيت المقدس وأهل القدس وكل فلسطين. اللهم ارزق أهل فلسطين الثبات والنصر والتمكين، وبارك في إيمانهم وصبرهم. اللهم إنا نسألك باسمك القّهار أنْ تقهر من قهر إخواننا في فلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين.
اللهم اشف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، وأطعم جائعهم، وانصرهم على عدوهم. اللهم أنزل السكينة عليهم، واربط على قلوبهم، وكن لهم مؤيدا ونصيرا وقائدا وظهيرا. سبحانك إنك على كل شيء قدير؛ فاكتب الفرج من عندك والطف بعبادك المؤمنين.
____________________
5
و لما قالوا دى صبية
الفصل الخامس
فى اليوم التالى …. وصلت فرح الى غرفة الرعاية التى يرقد بها نبيل ، لتنظر له من وراء الزجاج ، لتجد بصحبته كامل بصحبة الطبيب الجراح المسئول عن حالة نبيل ، و عندما نظرت لوجه نبيل وجدته يبتسم لها بوهن و هو يشير اليها باصابعه محيبا اياها ، ليلتفت كامل اليها ، و ما ان رآها التفت الى احدى الممرضات و اسر اليها بشئ ما و هو يشير باصبعه على فرح ، لتقوم بالخروج الى فرح قائلة بابتسامة : اتفضلى معايا يا دكتورة عشان اعقمك ، اخو حضرتك عاوز يشوفك
لتذهب معها فرح حتى انهت تعقيمها ثم دلفت إليهم لتجد ان الجراح الاخر قد انصرف و بقى كامل فى انتظارها و هو يتحدث بمرح مع نبيل ، فقالت : السلام عليكم ، طمنونى اخباركم ايه
كامل بمرح : تعالى يا ستى اتفرجى ، الدكتور بيقول لنبيل الممرضة بعد كده هتغير لك على الجرح ، قال له مش معقول يبقى ابن عمى دكتور و اختى دكتورة و اسيب حد غريب يغير لى على الجرح
فرح بابتسامة تملأ عينيها قبل ان تطل على شفتيها : عاوزنى انا اللى اغير لك على الجرح
نبيل بوهن : ايوة
فرح : و اشمعنى بقى
نبيل : الممرضة هتغيرلى بعملية بحتة ، شغلها بقى و اخدت على كده ، لكن انتى هتغيرى لاخوكى ، فهتغيري لى بالراحة و بحنية و كمان هتبقى خايفة عليا لا اتوجع
لتدمع اعين فرح و هى تستمع لتبرير شقيقها ، فتنحنى لمستوى رأسه لتقبل جبهته قائلة بدلال : و ما خوفتش ان قلب اختك يتوجع و هى بتشوف جرحك
نبيل بابتسامة : لا … مافيناش من سهوكة الله يكرمك ، احسن انا ماسك روحى بالعافية
كامل بسخرية : و لو ما مسكتش روحك هتعمل ايه يعنى مش فاهم
نبيل : اسكت يا كامل بالله عليك ، احسن انا اخدت حتة حضن قبل العملية ، مش عاوز اقول لك على جماله و لا حلاوته ، ثم تنهد بعمق قائلا : الله يسامحك يا بابا
فرح و هى تكشف عن موضع جرحه لكى تقوم بالتغيير عليه فتقول بتعجب : ما الجرح متغير عليه اهوه
كامل ضاحكا : ما الدكتور قال له المرة الجاية بقى ، لانه كان لازم هو بنفسه اللى يكشف عليه و يغيرله علي الجرح المرة دى عشان يتطمن ان كله تمام
لتعيد فرح هندمة ملابس اخيها قائلة : طب طمنونى .. ايه الاخبار
كامل : الدكتور متطمن و بيقول ان كله هيبقى تمام ان شاء الله ، و انه هينقله اوضة عادية فى خلال تلات ايام بالكتير ان شاء الله
فرح و هى تقبل جبهة اخيها : حمدالله على السلامة يا حبيبى ، و ان شاء الله تقوم بالسلامه و تبقى زى الفل
نبيل : نادر عامل ايه دلوقتى
كامل : عاوز يجيلك باى طريقة ، بس احنا مانعينه لحد ما الجرح بتاعه يلم شوية
نبيل : بابا لسه ما عرفش
كامل : لسه ، و بنحاول نعطله على اد ما نقدر ، بس شكله خلاص جاب اخره
لينظر نبيل برجاء لكامل قائلا : ماتسيبهومش لوحدهم يا كامل الله يخليك
كامل بمرح : ااه يا عم ، انت الوحيد اللى هتبقى فى الامان
نبيل : ربنا يستر
فرح بدهشة : انا نفسى اعرف انتو مالكم خايفين كده ليه ، عدت الحمدلله و انت واخوك بخير ، خلاص بقى
كامل و هو يسحب فرح الى الخارج : ياللا بينا احنا عشان نشوف نادر و نتطمن عليه ، كفاية كده النهاردة على نبيل
لينادى نبيل على فرح فائلا : فرح … ، و عندما التفتت اليه قال : ما تنسينيش
فرح بابتسامة : مش هنساك ، ما تقلقش .. مش هقدر
ليقومان بنزع ملابس التعقيم ، ليتوجها سويا الى غرفة نادر ، و ما ان دخلاها حتى قام ابراهيم من مجلسه قائلا بلوم لفرح : برضة جيتى ، هو انا يا بنتى مش قلت لك خليكى انتى و مش لازم تيجى تانى .. خصوصا الليلة دى ، انا خايف عليكى
فرح : خايف عليا من ايه بس يا عمى ، هو يقدر يعمل لى ايه اصلا ، و بعدين لعلمكم بقى ، هو اصلا مش هيسأل عليا و لا حتى هيحاول يعرف عنى اى حاجة الا لو عرف ان نادر هو اللى عمل العملية مش انا
ابراهيم : مش فاهم انتى عاوزة تقولى ايه
فرح بسخرية : يعنى بكل بساطة ، لما ييجى هيبقى كل همه انه يتطمن على نبيل ، و لما يستغرب ان نادر مش موجود ممكن تقولوا له اى حجة لغيابة فى الوقت اللى هيبقى هو موجود هنا
ابراهيم برفض : لا يا فرح يا بنتى ، مش للدرجة دى ابدا ، اكيد هيسال عليكى و هيحب يتطمن على صحتك
فرح بسخرية : لولا ان الرهان حرام يا عمى كنت راهنتك على كلامى ده ، عموما جرب و انت تشوف ، و انا عن نفسى مش هسيب نادر لوحده لحد ما تشوفوا الدنيا هيحصل فيها ايه
ابراهيم : هو هيبقى هنا اكيد على واحدة بالليل كده ، وهو فاكر ان العملية لسه هتتعمل ، و لما ييجى يعدلها المولى
و بالفعل ، كان منصور بالمشفى عند منتصف الليل بصحبة دولت ، و عندما قام بالسؤال عن نبيل فى الاستعلامات .. علم بانه قد دلف الى الرعاية المركزة بعد خروجه من غرفة العمليات ، ليهاتف الطبيب و هو فى قمة غضبه ، و لكنه وجد هاتف الطبيب مغلقا ، ليهاتف ابراهيم و الذى كان لا يزال بصحبة فرح و نادر ليذهب اليهم على الفور و ما ان رآهم حتى صاح بغضب : انتو بتلعبوا بيا يا ابراهيم
ابراهيم و هو يهرول اليه : شششششش انت ناسى انك فى مستسفى
منصور بحدة : ده انا هطربقها على دماغ اللى فيها
ابراهيم : ده بدل ما تتطمن على ابنك
منصور بثورة : طبعا دى اوامر الست الدكتورة
ابراهيم بقلة حيلة : لا حول و لا قوة الا بالله ، يا راجل اتقى الله و وطى صوتك ده شوية ، العيانين محتاجين يناموا و يستريحوا و احنا فى نص الليل ، تعالوا معايا عشان تبصوا على ابنكم و تتطمنوا عليه
منصور بلهفة : هو فاق .. اتكلم يعنى
ابراهيم : ايوة الحمدلله ، و كامل كان عنده بعد المغرب ، و الدكتور بص على الجرح بتاعه و طمننا و قال ان قدامه تلات ايام و يروح اوضة عادية
كانوا قد وصلوا الى شرفة غرفة نبيل بالرعاية المركزة ، ليطل عليه منصور بلهفة لينقر على الزجاج نقرتين ليلتفت اليهم نبيل و هو بين الصحو و المنام ، و عندما راى ابواه ابتسم لهما مطمئنا اياهما ، و عندما لمح الدموع باعين دولت اشار لها باصبعه علامة على انه بخير
دولت : هو عملها امتى يا ابو كامل
ابراهيم متنهدا : عملها امبارح يا ام نبيل
منصور بسخرية : كماان ، و المحروس ابنى لغاية النهاردة الصبح يقوللى اصل العملية هتتعمل بالليل متاخر ، خليك و تعالى الصبح ، بتستغفلونى كلكم ، خلاص للدرجة دى عصيتكم كلكم عليا
ابراهيم بذهول : هى مين دى اللى عصيتنا يا منصور ، هو انت مش هتفوق لروحك بقى ، يعلم ربنا ان البنت و لا كان ليها اى دخل بالكلام ده لا من قريب و لا من بعيد
منصور : اومال ليه ده كله لو مش شورتها
ابراهيم : عشان كلنا عارفين انكم على اعصابكم ، طب بزمتك مش كده احسن ، اديك اهوه لا وقفت قدام العمليات و لا اعصابك تلفت من القلق بسبب الانتظار ، انما فجأة لقيت العملية اتعملت و نجحت كمان ، حقك تحمد ربنا و تبوس ايدك وش و ضهر انك فى غمضة عين اتطمنت على ابنك
دولت و هى تقبل يدها : احمدك و اشكر فضلك يارب ، ربنا يتم فضله علينا للاخر
منصور : اومال البية التانى فين
ليأتيهم صوت كامل و هو يقول : نادر مع اخته يا عمى
منصور بسخرية : بقى بدل ما يقعد مع اخوه و يراعيه ، قاعد لى مع الهانم اللى اتشرطت على ابوه
كامل : الهانم دى اللى هى اخته على فكرة و تبقى بنتك برضة بالمناسبة ، و بعدين اخوه فى الرعاية ، و ممنوع حد يدخل له ، فهو هيقعد هنا يعمل ايه
منصور بعدم اهتمام لحديثه : اندهولى
ابراهيم : طب ما تروح انت اتطمن عليهم بنفسك
منصور : لا … مرة تانية
دولت باحراج : خدنى انا ليها اتطمن عليها يا ابو كامل
منصور بغلظة : اقفى مطرحك .. عاوزة تروحى فين
دولت : اروح اتطمن على اللى انقذت حياة ابنى و اشكرها
منصور بعنجهية : ربنا هو اللى انقذ حياة ابنك مش حد تانى
كامل بسخرية : اللهم قوى ايمانك يا عمى
منصور بحدة : روح اندهلى الزفت ده عشان يروح يستريح ، طالما مالوش عازة فى المستشفى
كامل بجمود : نادر ما ينفعش يسيب المستشفى دلوقتى
منصور بحدة : و ماينفعش ليه بقى ان شاء الله
كامل بشماته و هو يتمعن فى رد فعل منصور : اصل نادر هو اللى عمل العملية يا عمى … مش فرح
منصور بلهفة : ابنى .. ابنى انا .. اخدتوا حتة من جسم ابنى انا ، مين سمحلكم تعملوا كده ، مين قال انى موافق على حاجة زى دى
كامل : اصل فى حاجات كتير اوى مش لازم نستنى موافقتك عليها يا عمى ، فى اولويات .. زى الموت من الحياة كده ، ما ينفعش نستناك تقسمها بمزاجك
ليزيحه منصور من امامه بعنف و هو يجذب ابراهيم من ملابسه و هو يقول : ودينى عنده .. ودينى لابنى و حسابكم كلكم معايا هيكون عسير
ليمد كامل يده ليزيح قبضة منصور من على ملابس ابراهيم ويقول بحدة : لولا اننا فى المستشفى انا كان هيبقى لى كلام تانى معاك ، ياريت حضرتك تتصرف بتحضر و باحترام للمكان إللى احنا موجودين فيه ، و اتفضل امشى ورايا و انا هوصلك لاوضة نادر
ليلجم منصور غيظه و يسير وراء كامل بعنفوان تدل خطواته على غضب دفين ، و ما ان وصلوا الى غرفة نادر حتى فتحها منصور بعنف ليجد فرح تقف بجوار نادر و هى تساعده على شرب الماء ليزيحها بعنف حتى اصطدمت بالحائط فى حين انحنى على نادر قائلا بحدة : ليه تعمل فى روحك كده ، انا مش حذرتك من الحكاية دى و قلتلك بلاش منها ، فهمنى ليه عملت كده
نادر و هو ينظر لفرح باسف : انا عملت كده عشان انقذ اخويا ، انا اولى باخويا من اى حد تانى يا بابا ، و ما ينفعش ابقى انا الراجل و اسيب اختى البنت هى اللى تتعرض للكلام ده و انا واقف اتفرج عليها
منصور بغضب : اختك البنت اللى اتشرطت على ابوك و اتمسخرت بيه ، ثم مش انت قلتلى انها موافقة
نادر بشجاعة : فرح مالهاش اى علاقة بالكلام اللى قلتهولك ، انا اللى قلت لك كده عشان ماتمنعنيش انى انقذ اخويا قبل ما يفوت الاوان ، و انا اتفقت مع فرح اننا نفهمك كده لحد ما العملية تتم على خير
منصور بفضول : يعنى ايه ، يعنى بتضحكوا عليا من البداية ، اومال ازاى الفحوصات طلعت متطابقة
نادر : متطابقة لانها فحوصاتى انا مش فرح
منصور بوعيد : يعنى الحكاية متدبرة من الاول ، و انا برضة اللى مستغرب انها وافقت بسهولة كده انها تدى اخوك حتة من لحمها ، و اتاريها تمثيلية
ليلتفت منصور الى فرح قائلا بحدة : و يا ترى بقى التمثيلية دى كانت من تأليف مين ، طبعا من تأليفك انتى ، ما هو الموضوع جه على هواكى عشان تنتقمى منى ، مش كده يا دكتورة ، اوعوا تفكروا انى ممكن اصدق ان الكلام ده يطلع من دماغ نادر لوحده ابدا
لتعتدل فرح فى وقفتها و تقول بسخرية : و الله لو التفسير ده هو اللى هيريحك ، فصدق براحتك ان انا اللى الفت السيناريو ده
ليلطمها منصور لطمة بظهر يده لم يدركها احد لمنعها .. اسالت الدماء من شفتيها و اسنانها ، لتنظر له فرح بقوة و تقول بكره : مش جديدة عليك
منصور بحقد : اطلعى برة ، مش عاوز اشوف وشك تانى ، و لا تقربى من ولادى تانى ، صدق اللى فال عليكى قدم نحس ، غورى من وشى
لتنظر فرح بجمود الى ابيها و لكنها اعتدلت بوقفتها و قالت و هى تسحب حقيبتها استعدادا للرحيل : لو كنت شايف انى نحس عشان جيت بنت مش ولد ، فامى اهيه جابت بدل الولد ما شاء الله اتنين ، و من يوم ما اتجوزت عمو عادل و هى السعادة و الضحكة مافارقوهاش ، تفتكر مين بقى اللى كان نحس على التانى يا منصور بيه
ليقترب منها منصور بحدة و هو ينتوى ان يطيح بها مرة اخرى لولا ان وقف كامل و ابراهيم حائلا بينهم و كان ابراهيم يقول : اوعاك تأذيها تانى يا منصور ، و لكن كامل فعل مالم يكن بحسبان احد ، فقد قام بتوثيق منصور بكلتا يديه و قال له بحدة و هو يسيطر عليه بين يديده : هو انت مش ناوى تتقى الله و تجيبها لبر ابدا ، ايه مالك ، متفرعن و ماشى تقول انا ربكم الاعلى بمناسبة ايه ، ما تفوق بقى و بطل جبروتك ده .. الدنيا ماهياش ماشية على هواك ، كل اللى حواليك كرهوك حتى عيالك
منصور و هو يحاول الفكاك من بين يديه : انا ماليش عيال غير نبيل و نادر
كامل بشماته : حتى دول كرهوك و طلعوا من تحت طوعك ، كفاية بقى احنا كلنا زهقنا من الغل اللى مالى قلبك ده
منصور بحقد : انت اللى محروق بزيادة من ساعة ما خليتها سابتك و اتجوزت غيرك ، و بدل ما تشكرنى انى بعدتها عنك بطمعها ، عمال تغل من ناحيتى و كارهنى و كاره لى الخير
لينظر له كامل باشمئزاز و دفعه بعيدا عنه قائلا : تعرف ، انا بدعيلك من كل قلبى انك تفضل على ضلالك ده لحد ما تموت ، عشان تندم وقتما لا ينفع الندم
ثم رفع اصبعه بتحذير و اكمل قائلا : بس انا بقى بحذرك ... على الله تفكر تأذى فرح لانك لو فكرت بس مجرد تفكير فى ده ، ماحدش هيقف لك غيرى يا … يا عمى
ثم التفت و سحب معه فرح متجها الى الخارج ، لتسير معه فرح دون اى حديث حتى جلست بجواره بسيارته ، و لم تنتبه الا بعد ان توقف بجوار النيل و كان الجو هادئا ، فكان الوقت متأخرا ، و الشوارع تكاد تخلو من المارة ، و انتبهت اليه و هو يقول : كانت بتشتغل سكرتيرة عند ابويا فى مكتبه ، كانت ظروفها على ادها ، لما كنت بروح لبابا المكتب كنت بحب اقعد معاها و نتكلم سوا فى كل حاجة ، كانت بتدرس فى كلية تجارة جنب شغلها عشان تقدر تصرف على روحها ، امها و ابوها كانوا متطلقين ، عاشت مع امها ، و ابوها ما كانش بيصرف عليهم من بعد ما طلق امها و سابهم و ساب روحه لشيطانه و سكره و جريه ورا الستات لحد ما اتحبس بسبب خناقة فى سهرة من سهراته ، و ما كانلهومش مصدر رزق ثابت ، عجبنى اصرارها و اعتمادها على نفسها ، و صدقها مع نفسها و اللى حواليها ، حبينا بعض و اتفقنا نتجوز بعد ما اخلص الجيش ، و فاتحت بابا اللى كان متعاطف جدا مع ظروفها و معجب باخلاقها ، وادانى موافقة مبدأية على طلبى ، و فجأة رجعت فى اجازة من الاجازات مالقيتهاش ، اختفت .. كأنها فص ملح و داب ، كل اللى عرفته انها اتجوزت ، مين و امتى و ازاى ، ماحدش دلنى على حاجة ، لحد ما فى الاخر عرفت ان هو اللى ورا الحكاية من اولها لاخرها ، هددها بامها و انه هيشردهم فى الشارع لو ما سمعتش كلامه و جوزها لواحد من اللى بيشتغلوا معاه و خلى امها عزلت من البيت اللى كانوا عايشين فيه عشان ما اعرفش طريقها
فرح : اومال عرفت الكلام ده ازاى
كامل بسخرية : فى مرة كنت قاعد هنا ، ده المكان اللى كنت دايما بقعد فيه معاها بعيد عن الكل ، لقيت ايد بتتحط على كتفى و بتقوللى : ازيك يا كامل
التفتت بسرعة لقيتها هى ، و لقيتها …. حامل ، و لما لقتنى بصتلها و سكتت حكتلى على اللى حصل ، و قالت لى انها ماكانتش هتقدر تتحمل تبقى السبب فى بهدلة امها فى اواخر ايامها ، و ان لطف ربنا بيها ان جوزها ابن حلال و بيحبها و بيعاملها بما يرضى الله
يومها فضلت اسمعها لغاية ماخلصت كلامها كله و مشيت ، مافكرتش ابدا من وقتها انى اعرف عنها حاجة ، لكن لسه لغاية دلوقتى موجوع منه ، كرهته ، زى ما انتى كرهتيه و يمكن اكتر ، بس انا كرهت عنجهيته الكدابة و جبروته ، و اللى لغاية دلوقتى مش لاقيله سبب و لا مبرر
يمكن تكونى بتفكرينى بيها ، انتى كمان اعتمدتى على نفسك و رسمتى طريقك و بتحاولى تمشى فيه ، بس يمكن انتى تصميمك و عزيمتك اكبر و اقوى منها
كامل التفت لفرح لقى دموعها نازلة على وشها فقال لها بتعاطف : اول مرة اشوفك بتعيطى ، ايه … اوعى اكون صعبان عليكى ، و اللا يكون اللى عمله مأثر فيكى و اللا فرق معاكى .. ده منصور يا فرح ، ثم احنا كنا متوقعين اللى حصل ده من الاول
فرح بحزن : مش بعيط عشانه ، انا بعيط لانى للاسف حبيت اخواتى و صعبان عليا انه يحرمنى منهم او يبعدهم عنى من تانى
كامل و هو يمد يده ليدير السيارة مرة اخرى : صدقينى .. المرة دى مش هيقدر
اما عند نادر ، فقد ساد الغرفة صمت رهيب بعد انصراف كامل و فرح ، مما زاد فى وضوح انفاس منصور العالية المتلاحقة من شدة الغضب ، فكان يلهث بشدة و كأنه فى حلبة سباق ، و ظل كذلك حتى قال نادر : انا من زمان و انا عارف من ماما ان عندى اخوات بنات .. رغم ان عمرك ما جيبت سيرتهم قدامنا ، بس عمرى ما اهتميت بالحكاية دى ، و اما لقيت انك مش مهتم بيهم و لا بتسأل عليهم ، ماحطيتش فى دماغى ، حتى لما رحمة و ندا اتجوزوا ولاد عمى ابراهيم ، لقيتهم لطاف و طيبين ، بس برضة ما اهتميتش انى اقرب منهم و لا اتعرف عليهم من قريب ، لكن فرح لا يا بابا
منصور بحدة : و اشمعنى يعنى فرح ، تعرفها من امتى و اللا اتعاملت معاها امتى عشان تتمسك بيها أنا مش فاهم
نادر : كفاية انى لجأتلها عشان تساعدنا انا و نبيل و ما اتأخريتس
منصور بغضب : عشان غبى ، رايح لاكتر واحدة بتكره ابوك و عاوزها تساعدك انك تستلطخ ابوك .. تفتكر هتمانع و اللا هتقول لك لا ، دى ماصدقت انها تدينى بالقلم على وشى بايدك
نادر بذهول : دى بنتك و من صلبك زينا بالظبط ، ازاى تتكلم عنها بالشكل ده
منصور : مابحبش البنات و خلفتها ، خيرها كله للغريب ، لكن انت و اخوك عزوتى ، و انتم اللى هتخلدوا اسمى على وش الدنيا
نادر : بس انا مش هقاطع اخواتى و ابعد عنهم من تانى بعد ما ابتديت اقرب منهم عشان طريقة تفكيرك الغريبة دى
منصور بسخرية : اخواتك .. و انت بقى كنت قربت منهم امتى عشان تبعد من تانى يا سى نادر
نادر : اخواتى ما سابونيش من ساعة ما عملت العملية ، دايما كانوا جنبى و ماخلونيش محتاج حاجة
منصور : هو عشان قعدوا جنبك يومين يبقى خلاص السمنة ساحت على العسل ، قال اخواتك قال
نادر : و لما هم مش اخواتى ، روحت ليه تعمل لهم الفحوصات و كنت عاوز تاخد منهم عشان تدى نبيل ، اشمعنى بس افتكرتهم و انت اللى عاوز منهم بدل ما تديهم
منصور بعنجهية : كفاية انهم شايلين اسمى ، هديهم ايه تانى اكتر من كده
كان ابراهيم يجلس فى صمت وصبر شديدين فى انتظار ما ستأوول اليه مناقشتهم حتى نفذ صبره فقال : ده بدل ما تفرح ان ولادك قريبين من بعض و قلبهم على قلب بعض ، يا راجل اتقى الله و انسى بقى ، مش كل بنت فى الدنيا و لا كل ست ابدا هتبقى زى نوال .. اتقى الله فى بناتك بقى و بطل تحملهم ذنب عمره ما كان ذنبهم
ليلتفت له منصور بحدة ناهرا اياه و هو يقول : اسكت يا ابراهيم ، مش عاوز اسمع السيرة دى ابدا
ابراهيم بعند : لا مش هسكت ، و المرة دى بالذات مش هسكت لانك زودتها اوى ، طول السنين اللى فاتت و انا بقول معلش .. معذور ، بكرة يفهم ، بكرة يعقل ، بكرة يعرف قيمة بناته ، بكرة يفرح بيهم و يقرب منهم ، حتى لما جوزت بناتك لولادى قلت فرصة تقرب منهم و تودهم و يودوك ، لكن انت عامل زى تل الرمل اللى كل ما يهب عليهم شوية هوا ماينوبش اللى حواليه غير الرمل اللى يعمى عينيه
لا انت اول و لا اخر واحد يحب و ما يطولش ، نوال اما هربت منك هربت من قسوتك و جبروتك ، ذنبها ايه فاطمة تنتقم منها بدل نوال و تزلها و تعمل اللى عملته فيها ، ذنبهم ايه بناتك تقهرهم و تيتمهم و انت على وش الدنيا ، حتى دولت .. استغليت حوجتها و يتمها عشان تتجوزها و تسيطر عليها ، و اتجوزتها وانت فى ضميرك تعمل فيها زى ماعملت فى فاطمة لو برضة جابت لك بنات ، بس ربنا كان رءوف بيها عشان عالم بظروفها و ان مالهاش حد .. اتقى الله بقى ، انا خلاص نفضت ايدى منك ، و من عمايلك ، بس اعمل حسابك يوم ما هتندم و تفكر تلجألى عشان احنن قلب بناتك عليك ، هقول لك ماكانش ينعز .. كان فى و خلص يا منصور
ليستدير ابراهيم استعدادا للانصراف ، و لكن يستوقفه صوت نادر و هو يقول و هو ينظر الى ابيه بتحدى : عمى ، من فضلك ، بلغ فرح انى مستنيها بكرة
ابراهيم : هبلغها يا ابنى ، و هى حرة ان كانت تيجى و اللا ماتجيش بعد اللى حصل
لتمر الايام و يعلن الطبيب نجاح عملية نبيل و ان جسده قد تقبل الزراعة بنجاح ، و كانت فرح تقوم بزيارة اشقائها فى الاوقات التى تتاكد فيها ان منصور قد غادر الى منزله او عمله ، و اجتمعت بدولت اكثر من مرة و التى عاملتها بود و لطف لم يخلو من بعض الحزازية
و بعد مرور اسبوع استطاع نادر مغادرة المشفى ، اما نبيل ، فظل تحت الرعاية و الاشراف الطبى لاسبوع اخر حتى استطاع هو الاخر مغادرة المشفى مع المتابعة المستمرة مع طبيبه المتخصص
الى ان جاء موعد افتتاح المشفى الخاص بكامل ، و الذى حضره جميع افراد العائلة ما عدا منصور ، الذى تغيب عن الحضور بعد ان علم ان كامل قد دعا فاطمة و زوجها و أبنائهم ، و حضره ايضا نادر و نبيل اللذان توطدت علاقتهما بابناء عمهما خلال محنتهما
و كان نادر و نبيل قد تعرفا بدورهما على احمد و محمود ، و فاطمة و عادل و كان هناك جو من الالفة و البهجة بين الجميع ، حتى اختلى نادر و نبيل بابراهيم بعيدا عن الجميع و قال نادر : بقولك يا عمى
ابراهيم : خير يا ابنى
نادر : كنت عاوز اسألك … مين نوال دى اللى قلت عليها لبابا يوم ماجالى المستشفى
ابراهيم بامتعاض : ده موضوع قديم يا ابنى و اتقفل من زمان
نادر : بس شكله كده عمل عقدة لبابا و مش قادر انه ينساها ، و انا عاوز اعرفها
ابراهيم بتنهيدة : ابوك طول عمره و هو جامد فى معاملته مع اللى حواليه ، مهما كان بيحبهم ، مابيبينش ابدا ده لانه بيبقى فاكر ان ده ضعف
نوال كانت بنت خالتنا ، و كانت امنا اللى مربياها بعد موت ابوها و امها ، و ابوك كان بيحبها و طلبها للجواز ، و فعلا اتخطبوا ، بس كانت بتخاف منه و من قسوته ، فهمته انها موافقة عليه ، و كانت بترتب لهروبها مع اللى بتحبه بجد و اللى كان صاحب منصور من سنين
صحينا فى يوم لقيناها اختفت ، بعد ما سابت جواب لامى انها عملت كده عشان مش عاوزة منصور و ما بتحبوش و بتخاف منه لدرجة الرعب
صمم انه يخطب ويتجوز بعدها بسرعة ، و اتقدم لفاطمة و اتجوزها خلال شهرين تلاتة ، سقاها من العذاب و الاهانة اشكال و الوان لحد ما حصل اللى حصل ، و بعدها بمافيش اتجوز امكم بعد مابيتهم ولع باللى فيه ، و جوزها مات فى الحريقة هو و ابنها اللى كان عمره شهور
نادر بذهول : هى ماما كانت متجوزة قبل بابا
ابراهيم : كانت ارملة يادوب عدى عليها ست شهور ، و مالهاش حد ، لكن كان كل تفكيره وقتها انها سبق لها خلفة الصبيان ، يبقى اكيد هتجيبله هو كمان الصبيان اللى بيحلم بيهم
نادر : انا برضة لحد دلوقتى مش فاهم هو كاره اخواتى ليه
ابراهيم : هو شايف ان الستات كلها خاينة و ان خلفة البنات عار ، و لولا انه عشان يجيب الولد لازم يتجوز ست ، متهيألى ماكانش اتجوز ابدا
•تابع الفصل التالي "رواية ولما قالوا دي صبيه" اضغط على اسم الرواية