رواية ولما قالوا دي صبيه الفصل الحادي عشر 11
اللهم إني أستودعك بيت المقدس وأهل القدس وكل فلسطين. اللهم ارزق أهل فلسطين الثبات والنصر والتمكين، وبارك في إيمانهم وصبرهم. اللهم إنا نسألك باسمك القّهار أنْ تقهر من قهر إخواننا في فلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين.
اللهم اشف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، وأطعم جائعهم، وانصرهم على عدوهم. اللهم أنزل السكينة عليهم، واربط على قلوبهم، وكن لهم مؤيدا ونصيرا وقائدا وظهيرا. سبحانك إنك على كل شيء قدير؛ فاكتب الفرج من عندك والطف بعبادك المؤمنين.
____________________
11
و لما قالوا دى صبية
الفصل الحادي عشر
لتنتفض ليلة برعب و هى تحتضن رأس ابنتها و تقول : لا يا كامل حرام عليك ، بنتى مالهاش ذنب ، و انا واقعة فى عرضك تنقذها ، دى مريضة و محتاجة مساعدتك
كامل بجمود : انا مابتعاملش مع نصابين يا ليلة ، و لازم تعرفى انى هبلغ عنك البوليس
ليلة بفزع : بوليس ليه يا كامل
كامل بسخرية : انتى ناسية البيانات المزورة اللى كتبتيها فى استمارة الدخول بتاعة بنتك ، و جوزك اللى مات من سنين
ليلة و هى تنحنى على يد كامل لتقبيلها : ابوس ايدك يا كامل ، انا عمرى ما اذيتك ، انا عملت كده عشان نفسى ان بنتى تعيش زى باقى العيال و تخف و ترجع تضحك من تانى من غير ماتنهج من الوجع
ليدير كامل رأسه بعيدا عنها قائلا : و انا مش هعمل لبنتك العملية
لتقف ليلة امامه مرة اخرى و هى تنشج بالبكاء و كان احمد متشبثا بثيابها و هو يردد اسمها بقلق ، و قالت : انت عمرك ماكنت قاسى كده ، ايه اللى حصل لك
كامل و هو يربت على وجهها ببعض العنف : اللى حصل انى مابقيتش اثق فيكى يا مراة سيد
لتسمع ليلة نداء احمد و هو يقول بصوت عالى : يا ماما ، اصحى فى ايه
لتفتح ليلة عينيها و تتلفت حولها بفزع لتجد نفسها على الفراش المقابل لفراش مى و تنام بجوار احمد الذى يربت على وجهها بقوة و هو يقول بقلق : مالك يا ماما
ليلة و هى تضع يدها على صدرها براحة : أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله
احمد : فيه ايه
ليلة و هى تضم احمد لصدرها و عيناها تترقرق بالدموع : ابدا يا حبيبى ، انا بس كنت بحلم
احمد : انتى كنتى عمالة تعيطى جامد ، فكرت فى حاجة بتوجعك
ليلة و هى تزدرد لعابها : اختك هى اللى واجعانى يا ابنى ، خير يارب ، اللهم اجعله خير ، اكيد ربنا بيدينى انذار ، يا ترى الدنيا هتعمل فيكى ايه تانى يا ليلة
………………
فى احدى المخازن التابعة لمنصور ، كان سيد يقوم بترتيب البضاعة المستلمة و رصها بعناية ليسمع صوت منصور من خلفه و هو يقول : الله ينور يا سيد
ليلتفت سيد الى منصور قائلا بامتنان : الله يباركلنا فيك يا حاج
منصور و هو يتابع العمل بعينيه : و بنتك اخبارها ايه دلوقتى ، بيكلموك
سيد و هو يحك رأسه بكف يده : ايوة ياحاج نحمد ربنا ، بس البت ليلة قالتلى حاجة غريبة كده و مش عارف هى فهمت صح و اللا غلط
منصور : حاجة ايه دى
سيد : ان يعنى المستشفى اللى اديتنا عنوانها دى ، تبقى بتاعة الدكتور كامل ابن الحاج ابراهيم اخوك
منصور بعدم مبالاة : ااه و فيها ايه
سيد : يعنى يا حاج ، اللفة اللى لفيناها دى ، كان بتليفون صغير منك لابن اخوك ، كان …..
منصور مقاطعا : و انت فاكر ان ابن اخويا نسيلى انى حرمته من مراتك
سيد ببعض الغضب : كلام ايه ده يا حاج اللى بتقوله
منصور : بقول ان من ساعة ماحصل اللى حصل زمان و انا و ابن اخويا مافيش مابيننا عمار ، و لو كنتو روحتوله عادى كده ماكانش هيقبل ياخد البت و لا يعالجها و اللا كان ممكن يبنجها و يموتها فى العملية عشان ينتقم منك و من امها
سيد برعب : كلام ايه ده يا حاج ، ليه ، هى البلد مافيهاش قانون
منصور : قانون ايه ، عيلة صغيرة و حالتها حرجة و ماتت فى العملية ، ايه دخل القانون بقى ، انما لما مراتك تقول انها ارملة و انها اتبهدلت من بعدك هى و عيالك ، هتصعب عليه و هيعمللها اللازم كله و من غير و لا مليم
سيد باقتناع : انا كده فهمت ، انا برضة استغربت لما البت ليلة حكيتلى و مابقيتش فاهم ليه اللفة دى كلها ، بس كده انت عندك حق ، و جميلك على راسى من فوق كمان
منصور بسخرية قبل ان ينصرف : خليه على راسك ، و خد بالك من المخزن ، اوعى تسهى عنه
………………….
سيد بنبرة غضب و هو يحادث ليلة على الهاتف : ماقلتلك على اللى فيها ، انتى ليه مش عاوزة تفهمى
ليلة : انا فهمت ، بس مش مقتنعة ، طب لو اللى قاله ده حقيقى ، ماقالش لبنته ليه ، ماكان ممكن يبعتنا لبنته و كانت الليلة برضة هتخلص من غير كل الكدب ده ، انا من ساعة الحلم اللى حلمته و انا مش متطمنة يا سيد
سيد بتنهيدة : استهدى بالله يا بنت الحلال واهدى كده ، و بعدين يعنى احنا مش شيوخ يا ليلة عشان احلامنا تتحقق
ليلة : يمكن ماتتحققش بحذافيرها يا سيد ، بس انا بقلق من الاحلام بتاعتى ، و حاسة انى بعمل حاجة غلط ، مخنوقة ياسيد ، و حاسة انى متكتفة و مش عارفة اتصرف
سيد : انتى بس ركزى مع البت و مصلحتها و بطلى قلق مامنوش داعى
ليلة بقلة حيلة : حاضر يا سيد ، حاضر ، و ربنا يسترها علينا من عنده و مايفضحناش
……………..
فى منزل ابراهيم ، كان ابراهيم جالسا حين اتى عليه كامل و هو يحمل كوبين من الشاى و وضعهما على منضدة صغيرة امامهما و قال : كوبايتين شاى بقى انما ايه .. وصاية
ابراهيم بحب : تسلم ايدك يا ابنى ، عقبال ما اشربه فى بيتك كده من ايد مراتك ان شاء الله
كامل بابتسامة : ان شاء الله يا بابا
ثم قال بفضول : الا قولى يا بابا ، فاكر حضرتك ليلة اللى كانت شغالة معاك زمان
ابراهيم بدهشة : و دى ايه اللى فكرك بيها دلوقتى يا ابنى
كامل : هو لما جوزها مات ، مات فى شغل مشترك بينك و بين عمى و اللا شغل يخص عمى لوحده
ابراهيم باستغراب : هو سيد مات .. لا إله إلا الله ، امتى حصل الكلام ده
كامل باستغراب : هو حضرتك ماكنتش تعرف و اللا ايه
ابراهيم : ابدا يا ابنى ، انا اول مرة اسمع الكلام ده ، انما انت عرفت منين الكلام ده
كامل و هو يرتسف الشاى : من ليلة
ابراهيم : و انت شفتها فين
ليقص كامل على ابيه ماحدث ، ليقول ابراهيم : لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم ، و الله يا ابنى لو كنت اعرف كنت اتكفلت بيها هى واولادها و ماسيبتهاش فى الضيقة دى ابدا ، بس يعنى عمك اقتنع اهو بقيمة بنته و شطارتها
كامل بسخرية : ما اعتقدش يا بابا
ابراهيم : ماتعتقدش ايه بقى ، ماهو باعتلها الناس على اسمها اهو
كامل : الحقيقة يا بابا انا مش هاضم الحكاية دى و لا عارف ابلعها ، و متأكد ان عمى له هدف تانى خالص من ورا الحكاية دى
ابراهيم : ماتبقاش شكاك زيادة عن اللزوم ، و مش كل ما هيعمل حاجة هنسئ الظن بيه
كامل ضاحكا : انت اللى طيب بزيادة يا عم ابراهيم
ابراهيم : اصله يعنى هيستفيد ايه مش فاهم
كامل بشرود : مش يمكن بيحاول يكسب بنط عند فرح
ابراهيم : و لو .. مش وحش برضة
كامل : و لما ليلة تحكى اللى حصل معاها بطريقة تتفهم ان المقصود منها انها تفهمك انها لوحدها
ليعتدل ابراهيم بانتباه قائلا : لوحدها ازاى مش فاهم
كامل : يعنى ، انها اترملت و اتبهدلت هى و ولادها و ان مابقالهاش حد و ان الدنيا جاية عليها بزيادة
ابراهيم بعتاب : جرى ايه يا كامل ، اوعى تكون دماغك بتوزك انك ……
كامل مقاطعا : بتوزنى لايه بس يا بابا
ابراهيم : يعنى يا ابنى انك توصل القديم من تانى
كامل : انا مابقيتش خالى يا بابا عشان اعمل كده
ابراهيم : و انت لو كنت خالى كنت هتعمل ايه
كامل بتنهيدة : برضة ماكنتش هعمل غير اللى عملته ، صدقنى انا شيلت ليلة من حساباتى من زمان ، بس لما تجيلى المستشفى بحالتها دى و بعد ما خطبت فرح و يبقى عمى اللى باعتها يبقى الحكاية فيها ان
ابراهيم : مش فاهم
كامل : مفكر انى لما هشوف ليلة هحنلها ، و ده طبعا المفروض انه هيبوظ صورتى قدام فرح فنسيب بعض
ابراهيم : ياااااه على دماغك ، ايه يا ابنى اللفة دى كلها ، لا طبعا ما اعتقدش
كامل بسخرية : طب ممكن تفكرنى اخر مرة عمى اهتم بحد غلبان و اللا عيان عشان يعمل معاه كده ، بلاش … يعنى الراجل يموت فى حادثة تبع الشغل و بدل ما يعوض اهله لانها اصابة عمل ، يقوم يستغل جهلهم و حوجتهم ، و يمرمط مراته و ابنه اللى لسه عيل و يشغلهم عنده عشان يعرفوا يلاقوا لقمة ياكلوها ، يقوم دلوقتى الحنية دى فجأة كده ليه ، رغم ان البنت مريضة من زمان
ابراهيم : ايوة يا ابنى ، بس مش يمكن يكون بس بيحاول يعمل حاجة كويسة يقرب بيها من فرح
كامل بتنهيدة : و الله يا بابا اتمنى ، بس زمن المعجزات خلص من زمان
…………………….
فى منزل منصور … كان نبيل يجلس مع اخيه فى غرفتهما و هما يرتبان سويا خطواتهما القادمة فى الجامعة ، بعد ان تم قبولهما بكلية التجارة
نادر : طب هنروح نجيب الجدول من اول يوم ، و اللا نصبر شوية و اللا ايه
نبيل بهدوء و هو يستند برأسه الى حافة الفراش من ورائه مغمض العينين و يدلك جبهته برفق : احنا هنبتديها صبر من اولها ، ايه ، انت غيرت رأيك و مابقيتش عاوز تدرس فى الجامعة زى ماكنت بتقول و اللا ايه
نادر : لا طبعا ماغيرتش رأيى و لا حاجة ، بس اقصد ان اول يوم بتبقى الدنيا فوق بعضها و احنا لسه مانعرفش حد هناك
نبيل : ما هو عشان مانعرفش حد فلازم نعتمد على نفسنا من اولها
نادر : هو انا ليه حاسك مش مظبوط ، انت تعبان ؟
نبيل : عندى صداع جامد اوى
نادر : طب ما تاخد مسكن
نبيل : اخدت و ماعملليش حاجة
نادر بقلق : ايه ، محتاج نروح لدكتور
نبيل : لو ما راحش لبكرة هبقى ………..
وفجأة نهض نبيل مسرعا الى الحمام و قام بافراغ جميع ما بمعدته وسط ارهاق و توجع شديد ، و نادر يقف بجواره و هو يسند كتفيه و يربت على ظهره بحنان ممتزج بقلق و عندما انتهى نبيل ، قام نادر بمساعدته فى غسل فمه و وجهه و هو يقول : الدنيا ابتدى يبقى فيها لسعة برد ، لا تكون خدت برد ، و اللا تقلت فى الاكل و اللا ايه
نبيل باعياء : مش عارف
نادر بفضول : طب هو انت اول مرة يحصل كده و اللا حصلت و انت ماقلتش
نبيل : حصلت اكتر من مرة بعد ما خلصنا امتحانات المعهد
نادر بعتاب : طب و ليه ماقلتش يا نبيل ، المفروض كنت قلت طالما اتكررت ، و كنا روحنا لدكتور ، او حتى كنت قلت لاختك و اللا لكامل عشان نتطمن على الاقل
نبيل : مش عاوز ، انا تعبت ، و زهقت من دايرة الدكاترة و الادوية دى ، مش هقدر ادخلها تانى
نادر : و هو انت عشان مصدع شوية يبقى لازم فى حاجة وحشة ، بس احنا برضة لازم نتطمن ، و بعدين ما انت كنت لسه بتقول لو الصداع ماراحش لبكرة هتروح للدكتور
نبيل : انا ماقلتش كده ، انا بس كنت هقول انى هغير نوع المسكن
نادر ببعض الحدة : تبقى بتهزر ، احنا هنروح للدكتور يا نبيل ، الكلام ده ما ينفعش يتسكت عليه
نبيل : ممكن تسيبنى انام يا نادر ، يمكن اروق شوية
نادر : طب اعمللك حاجة سخنة تشربها
نبيل : لا ، مش عاوز ، انا هحاول انام ، اطفى انت بس النور و سيبنى لوحدى شوية ، يمكن انام
نادر بتنهيدة : ماشى .. انا هخرج اقعد برة شوية ، لو احتجت حاجة انده عليا انا مش هنزل
ليخرج نادر مغلقا الباب وراءه بعد ان اظلم الغرفة ، ليجد والده و والدته يجلسان سويا امام التلفاز فالتفتت اليه والدته قائلة : اومال نبيل نام و اللا ايه
نادر : ااه ، قال انه مصدع شوية و هيحاول ينام
دولت : طب كويس ، شكله مش عاجبنى بقاله كام يوم
منصور : و انت قررت هتعمل ايه فى الكلية ، هتروح و اللا ايه
نادر : ااه يا بابا ان شاء الله
منصور و هو يدعى عدم الاهتمام : بتشوف اخواتك البنات اليومين دول و اللا مابقيتوش تروحوا عندهم
نادر : لا بشوفهم ، كنا معزومين على العشا عند مامتهم من كام يوم
منصور بانتباه : و مين اللى كان عازمكم
نادر : احمد
دولت : هم على طول بيعزموكم يا نادر ، ماتبقى يا ابنى تعزمهم عندنا مرة
نادر بتردد : ماينفعش يا ماما ، و بعدين عادى يعنى ، دول اخواتنا ، و ان كان على احمد ، انا و نبيل بنعزمه برة ، و ساعات بنروح النادى ، بنتصرف يعنى
منصور : و مين بقى كانوا معاكم فى العزومة دى
نادر : كلهم ، حتى كمان عمى و كامل
منصور : و ايه المناسبة بقى للمة دى
نادر بحمحمة : كامل كان عاوز بحدد معاد الجواز
منصور و هو يومئ برأسه باستهزاء : امممم ، ربنا يهنى سعيد بسعيدة
نادر : انا هقعد فى البلكونة شوية
منصور بسخرية : ااه و ماله ، ماهو انت مابقيتش تقدر تقعد معانا
ليذهب نادر الى الشرفة دون ان يعلق بأى كلمة و ما ان جلس بمفرده حتى قام بالاتصال على فرح و ما ان اجابته حتى قال : ازيك يا فرح
فرح : اهلا يا نادر ، ازيك عامل ايه و ازى نبيل
نادر و عينه تراقب مدخل الشرفة خشية ان يسمعه اى من والديه : مانا بكلمك عشان عاوز اسألك على حاجة تخص نبيل
فرح بفضول : ماله نبيل
نادر : انا اكتشفت النهاردة انه بقاله فترة بيعانى من صداع و كمان بيرجع
لتصمت فرح و عندما طال صمتها قال نادر : فرح انتى معايا
فرح ببهوت : الكلام ده من امتى يا نادر
نادر : اللى عرفته انه من واحنا فى الامتحانات
فرح : و ازاى ماتقولوش حاجة زى كده ، ده الدكتور محذر و منبه ، و بعدين هو عمل الفحوصات الدورية اللى الدكتور كان كاتبها و اللا لا
نادر : عملها و المفروض ان النتيجة كمان طلعت
فرح : يعنى ايه المفروض ، ماهو يا طلعت يا ماطلعتش
نادر بامتعاض : اصلى ما روحتش معاه و هو بيستلم النتيجة ، يومها انا روحت اخلص اجراءات فى الكلية عشانى انا و هو ، و هو راح عشان يستلم النتيجة لوحده ، و بعدها لما سألته ، قاللى كله تمام
فرح بلهجة اصرار : تجيبهولى و تبجوا المستشفى حالا ، انا عندى نبطشية
نادر : بس هو مش راضى يكشف
و قص عليها نادر الحوار الذى دار بينه و بين نبيل فقالت فرح : خلاص .. سيبنى انا اتصرف
نادر : طب ممكن ماتقوليلهوش انى قلتلك حاجة ، مش عاوزه ياخد منى موقف و لا يخبى عليا تعبه ، ده لولا انى كنت موجود و لاحظت انه تعبان و كمان رجع قدامى ، يمكن ماكانش قاللى حاجة
فرح بتنهيدة : ماشى يا نادر ، انا هشوف هعرف اتصرف ازاى ، بس هى التحاليل كانت فى نفس المستشفى و اللا فى حتة تانية
نادر : ايوة
فرح : خلاص ، انا هتصرف
بعد انتهاء المكالمة ، اتجهت فرح على الفور الى مكتب كامل الذى يصر على تواجده بالمستشفى اثناء نوبات العمل الليلية التى تكون من نصيبها ، و ما ان وصلت لمكتبه حتى طرقت الباب بلهفة و دخلت فور سماعها السماح بالدخول ، و ما ان رآها كامل حتى هب من مكانه بقلق قائلا : ايه يا فرح .. مالك ، وشك اصفر كده ليه ، ايه اللى حصل
لتقص عليه المحادثة التى تمت مع شقيقها ليقول كامل : لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، تفتكرى الفحوصات كان فيها حاجة و نبيل عارف و مخبى
فرح : مش عارفة ، بس احنا عشان نفهم لازم نعرف نتيجة الفحوصات الاخرانية
كامل : دى بسيطة ، انا ممكن اكلم دكتور المعمل و اعرف منه
فرح : و هو ممكن يقول لك
كامل : انا هكلم الدكتور الجراح بتاعه ، و هو هيتصرف ، اعتقد اننا كوننا علاقة مش بطالة وقت العملية ، و لو لا قدر الله فيه حاجة اكيد مش هيخبى
فرح بدموع : لو طلع فيه حاجة ، المرة دى مش هتبقى سهلة ابدا يا كامل ، ده كده المخ
كامل بمواساة : اهدى شوية و اجمدى حبة ، احنا مش هنبنى نتايج على احتمالات و غير اكيدة كمان و نقوم الدنيا من غير دليل
فرح : طب اتصل بالدكتور دلوقتى ، على الاقل لو فى حاجة نقدر نتصرف بسرعة
………………..
بعد مرور ساعة من الزمن و بمنزل منصور ، كان يعلو صوت جرس الباب ، ليذهب نادر مستطلعا الزائر ليتفاجئ بكامل و فرح أمامه فيقول بصدمة : فرح .. اهلا يا فرح اتفضلى
فرح بلهفة : فين نبيل
نادر و القلق يعلو ملامحه : ايه اللى حصل
فرح و هى تتقدم لداخل المنزل : نبيل لازم ييجى معانا المستشفى حالا
نادر بفزع و هو يجول بعينيه بين فرح و كامل : ليه يا فرح ، انتو عرفتوا حاجة
ليأتى منصور من الداخل على صوت الجلبة التى حدثت و عندما يرى فرح و كامل سويا يقول بسخرية : ايه ده ، الدكتورة و الدكتور جايين بنفسهم لحد بيتى ، يا ترى خير
ليتقدم كامل الى منصور و يقول بهدوء : احنا جايين لنبيل يا عمى
منصور باستغراب : و اشمعنى يعنى ، ماله نبيل
كامل : للاسف يا عمى ، احنا عرفنا ان نبيل تعب تانى و مخبى عن الكل ، و ده طبعا بيأخر فى العلاج و عشان كده انا و اخته جايين ناخده معانا عشان نقدر نلحق الموضوع
منصور بعدم تصديق : ايه الكلام الفارغ ده ، ما خلاص .. عمل العملية و خف و بقى زى الفل ، انتو هتبشروا عليه ليه تانى
دولت بأسى و لهفة وهى تضع يدها على صدرها : لا يا منصور ، نبيل مش طبيعى خالص بقاله فترة ، حتى اللقمة مابقاش ياكل عدل ، و وشه متغير و دبلان ، و كل ما اسأله يقوللى مصدع و مابنامش كويس
ليلتفت اليها منصور قائلا بحدة : و ماقولتيليش الكلام ده ليه قبل كده ، و افرضوا حتى ان ده حصل ، مش معنى كده ابدا انكم تيجوا و عاوزين تاخدوه زى اللى قابضين عليه
كامل بتعقل : نبيل عارف انه تعبان و مخبى و كمان عرفنا من اخوه انه رافض العلاج
منصور و هو ينظر لنادر : و انت كمان كنت عارف ، و هو انا يعنى اخر من يعلم ، ازاى تخبوا عليا حاجة زى كده ، بقى رايح تقول للدكتورة و الدكتور اللى عامليننى عدو ليهم و تخبى عليا انا ابوك و ابوه
نادر و الدموع تملأ عيناه : انا ماعملتش غير انى قلقت على اخويا و حبيت اعرف هو ماله و اتطمن عليه ، و ربنا قال .. و اسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون .. و هم اهل الذكر مش انت
فرح موجهة كلامها لنادر : لو سمحت يا نادر ، احنا كده بنضيع وقت ، فين نبيل اندههولى
منصور بغضب : انتى اتجننتى ، و مين قاللك انى هسمحلك انتى و اللا هو انكم تاخدوه منى
فرح بجمود يعتليه الغضب : نبيل ماهواش محل نزاع اصلا مابيننا ، انا مش عاوزة غير انه يقتنع انه يتعالج ، عاوزين نلحقه و على الاقل نعرف الورم وصل لانهى مرحلة
منصور و كأنه لم يستوعب الحدث : هو عشان تعبان شوية يبقى الورم رجعله تانى ، و اللا انتى بس اللى عاوزة تبانى انك فاهمة و عارفة كل حاجة و تعملى كبيرة عليا
كامل بغضب : هو انت مافيش فايدة فيك ، بنقوللك ابنك تعب تانى ، ده بدل ماتساعدنا اننا نعالجه و اقف ترازى فينا و تعاند و خلاص
منصور بغضب : مش اما اعرف الاول انتو جيبتوا الكلام ده منين
كامل : من الفحص الاخير اللى عمله و خبى نتيجته عن الكل
منصور : و لما هو خبى نتيجته ، سيادتكم بقى جيبتوا الكلام ده منين
كامل بفروغ صبر : لما نادر شك فى التعب اللى جاله و كلم اخته بلغها ، كلمنا الدكتور المعالج بتاعه ، و اللى عرفنا منه النتيجة
منصور بصدمة : و ازاى الدكتور مايبلغنيش حاجة زى كده
كامل و هو يزفر انفاسه : لان نبيل اقنعه انه هيسافر برة يعيد الفحوصات دى من تانى و هيعرض النتايج على دكاترة متخصصين هناك ، يعنى مبيت النية انه مايتعالجش من اساسه
ليهتز منصور بوقفته ليتهاوى متكئا على الجدار قائلا ببهوت : يعنى ايه ، المرض الخبيث رجعله من تانى
كامل بحزن : للأسف المرة دى الاحتمال الاكبر انه فى المخ
لتشهق دولت شهقة عالية و هى تضع احدى كفوفها على فمها و تقول : ابنى .. ابنى يا كامل ، ازاى كده ، ازاى بسرعة كده ، احنا مالحقناش نفوق
كامل باشفاق على دولت : ان شاء الله لو بدأنا العلاج بسرعة يمكن الحالة ماتتأخرش و تستجيب للعلاج
فرح بفروغ صبر : فين اوضته يا نادر ، عاوزة اتكلم معاه
نادر و هو يمسح عينيه من أثر البكاء : تعالى يا فرح اتفضلى ، انا مش عارف ازاى ماخرجش على الدوشة دى كلها
ليأخذها متجها الى غرفته مع اخيه و يقوما بالدلوف الى الحجرة ، و ما ان اضاء الانوار حتى تفاجئوا بنبيل ملقى ارضا دون حراك و وجهه ملئ بالدماء ، لتهرع فرح اليه و هى تصرخ على كامل لنجدتها ، ليقوم كامل و نادر بحمله من الارض و وضعه على الفراش مرة اخرى و هو غائب عن الوعى ، لتسرع فرح بتنظيف وجهه من الدماء لتكتشف انها نزيف من الانف ، و بعد جس نبضاته ، رفعت وجهها لكامل و قالت بصوت يخنقه العبرات : محتاجين الإسعاف تيجى تنقله بسرعه ، النبض ضعيف اوى
و قبل ان تمر نصف ساعة ، كانت سيارة الاسعاف تحمل نبيل متجهة به الى المشفى المتخصص و الذى قد قام نبيل باجراء الجراحة السابقة بداخله ، و كان فى استقبالهم الطبيب المتابع لحالة نبيل ، و الذى اسرعوا بادخاله الى قسم الحالات الحرجة بالرعاية المركزة
و كانت فرح و كامل قد اصرا على الدلوف معه الى الداخل للوقوف على حقيقة التطورات الخاصة بالحالة ، ليقول كامل موجها حديثه للطبيب : انا مش عارف ازاى يكون الورم بالحجم اللى اكتشفتوه ده و ما حدش اكتشفه قبل كده
الطبيب : للاسف نبيل الحالة اللى كان الكبد بتاعه بيمر بيها خلانا ربطنا كل الاعراض بيه و بس ، لكن لما بعد العملية الفحوصات كانت لسه بتطلع ان الجسم فيه اورام ، ابتدينا نفحص الجسم بالكامل ، لحد ماحددنا مكان الورم
و خصوصا ان نبيل ماكانش متعاون معانا ابدا فى الفحوصات الاخرانية ، لدرجة انه كان رافض انه يعملها اصلا ، لحد ما قلت له .. خلاص براحتك ، بس انا لازم اكلم منصور بية عشان اخلى مسئوليتى قدامه ، لولا كده ماكانش عمل الفحوصات من الاساس
فرح : و النزيف اللى جاله من مناخيره ده بسبب الورم مش كده
الطبيب : للاسف ايوة ، الورم ضاغط بشده على المخيخ و حجمه مش صغير ابدا زى ما الأشعة موضحة ، و نزيف الانف ده مش اول مرة تحصل له ، لكن يمكن تكون دى اول مرة يصاحبها فقدان وعى ، و ده رحمة من ربنا لان الالم المصاحب ليه بيبقى شديد جدا
كامل : طب حضرتك هو الورم من انهى درجة
الطبيب باسف : للاسف من الدرجة الاولى
فرح بصدمة : يعنى ايه ، مافيش علاج ، مافيش عملية
الطبيب : طبعا العملية موجودة ، لكن للاسف فى حالة نبيل .. نسبة نجاحها مابتتعداش تلاتين فى المية
لتنشج فرح بالبكاء وسط مراقبة منصور و دولت و نادر من خلف الزجاج الفاصل بينهم بقلق بالغ ، لتقول دولت ببكاء : اخته بتعيط اوى ليه كده ، ابنى ماله ، حد يطمنى عليه
و بعد مشاورات و مداولات بين كامل و فرح و الطبيب ، تخرج فرح و دموعها مازالت تملأ عينيها ، و ما ان تلاقت عينيها مع منصور حتى قالت بقهر : طول عمرى بكرهك و مش مسامحاك على اللى عملته معايا ، لكن النهاردة كرهى ليك زاد اضعاف ، حرمتنا من بعض و لما افتكرتنى عشان مصلحتك اللى مامشيتش زى ما انت عاوز ، حاولت انك تفرقنا من تانى بغلك و عنجهيتك ، و ادينا هنفارق غصب عننا كلنا
منصور ببهوت : اخوكى ماله يا بنتى
فرح بغل وهى تحاول خفض نبرة صوتها : بقى اخويا دلوقتى ، و بقيت بنتك كمان ، انا عمرى ماكنت و لا هكون بنتك ، حاولت تسرق حتة من كبدى قبل كده من غير ما تفكر حتى فى مستقبلى و لا رد فعلى ، و النهاردة ، النهاردة الحارة سد ، بس لو كنت اقدر اديله حتة من مخى كنت اديتهاله عن طيب خاطر ، بس اكيد مش عشانك ، لأ ، عشانه هو ، عشان حبيته و حبنى ، عشان نضيف مش شيطان زيك
كان نادر يراقب ردود افعال والده و هو يخشى ان ينال من فرح ، و لكنه تفاجئ بوالده و هو يتلفت حوله بتيه ثم استقر بصره مرة اخرى على نبيل من خلف الزجاج و قال : كان خف ، كان بقى كويس ، و خلاص الغمة اتزاحت ، ليه كده ، ليه تانى ، ولادى ….
ليسقط منصور ارضا و هو يمسك صدره بالم واضح على وجهه ليسرع كامل و نادر و دولت اليه بينما تنظر له فرح باستياء و كره و تتركهم عائدة الى الداخل مرة اخرة لتظل بجوار نبيل
•تابع الفصل التالي "رواية ولما قالوا دي صبيه" اضغط على اسم الرواية