رواية فطنة القلب الفصل الثالث عشر 13
اللهم إني أستودعك بيت المقدس وأهل القدس وكل فلسطين. اللهم ارزق أهل فلسطين الثبات والنصر والتمكين، وبارك في إيمانهم وصبرهم. اللهم إنا نسألك باسمك القّهار أنْ تقهر من قهر إخواننا في فلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين.
اللهم اشف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، وأطعم جائعهم، وانصرهم على عدوهم. اللهم أنزل السكينة عليهم، واربط على قلوبهم، وكن لهم مؤيدا ونصيرا وقائدا وظهيرا. سبحانك إنك على كل شيء قدير؛ فاكتب الفرج من عندك والطف بعبادك المؤمنين.
___________________
فِطْنَة اَلْقَلْبِ
«قطوف الياسمين»
بقلم سلمى خالد " سماسيموو"
سبحانك اللهم بحمدك سبحان الله العظيم
الفصل الثالث عشر
(بضع كلماتٌ تجعل الضمير، كـجمر حارقة للفؤاد)
هرول مازن نحو الأسفل بسرعة، وبالفعل ما أن وصل للردهة بالأسفل وجد ياسين يقف أعلى السفرة يصرخ، جحظت عين مازن بشدة لأول مرة يرى ياسين هكذا، هدر بصوتٍ عالي لعله يغطي صوته:
_ بتصوت ليه كده؟!
نظر ياسين نحو مازن وكأنه وجد طوق نجاه، ثم قال بصوتٍ يحمل الهلع:
_ ألحقني يا مازن في فار في الأوضة بتاعتي!
:_ نعم! فار!
قالها بصدمةٍ من ياسين، في حين أومأ ياسين برأسه بإيجابية، حدجه مازن بنظرة حادة يردف بغيظٍ:
_ أنت ياض مش في الشرطة.. مشوفتش فيران بحياتك!
حرك ياسين رأسه ببلاهة يجيبه بصوتٍ يحمل فخر:
_ لا عشان عندي صديق من هوايته يصطاد الفيران فأنا كنت بمشي معاه عشان يصطادهم واتخلص منهم.
رمقه مازن بنظرة حادة، ثم بدأ بإمساك المكنسة اليدوية يحاول معرفة أين هذا الفأر، يردد:
_ شوفته فين؟!
اجابه ياسين بتركيز يصوب نظرة نحو المكان الذي رأى به الفأر:
_ هناك ورا البوفيه.
بدأ مازن يزيح بعض الأثاث الخاص بالمنزل، حتى ظهر هذا الفأر فصرخ ياسين قائلًا:
_ ألحق اهوه.. بص اهوه.
ركض مازن خلفه يحاول ضربه ولكنه تفاجأ بحجم هذا الفأر فقد كان ضخمًا، ليردد بفزع:
_ أنت متأكد أن دا فار!
حرك ياسين رأسه يجيبه بتأكيد:
_ أيوة.. ما دا الفار الأصلي.. انما فار كوتو موتو اللي عندنا دا مش فار.. دا أنا كنت بفكر اجيب فار من هنا واوديه لهناك بالقاهرة يمكن يموت من الخضة.
علق مازن ساخرًا:
_ وبعدها تموت أنت من هبلك صح! ما الفار هيفضل معاك وياريت فار صغير دا زي البغل.
نظر له ببعض التفكير ثم قال ببلاهة:
_ معاك حق.
بدأ مازن بمحاولة البحث عن هذا الفأر مرة أخرى وبالفعل ما أن وجده حتى ركض خلفه، ولكن أثناء ركضه انزلقت قدمه ووقع على الأرض يتأوه بعنفٍ، أتى زين على صوت صراخ مازن وضحك ياسين عليه يتساءل بدهشة:
_ هو في إيه!
أجابه ياسين وهو لا يزال يضحك:
_ مازن كان بيحاول يجيب الفار في شوال... بس الفار هو اللي جابه في شوال.
علقت بسمة ساخرة عليه يردد:
_ وأنت يا فالح منزلتش تساعده ليه!
اختفت ابتسامة ياسين وتحول لتوتر يردف بصوتٍ خافت سريع كي لا يسمعه:
_ أنت عايزه يجبني في شوال.
قطب زين جبينه بتعجب لعدم سماعه له، في حين ارتفع صوت مازن المتألم بعدما نهض متوجهًا نحو ياسين:
_ مكسوف تقول لاخوك إنك بتخاف من الفيران.. اخوك حضرة الظابط بيخاف من الفيران.. وخلاني ادور على الفار ولما جريت وراه وقعت.
ضحك زين عليهما، يشعر وكأنهما طفلان وليس راشدين، رمقه مازن بنظرة حاقنة يردف بغيظٍ:
_ أنت بتضحك على ايه!
حاول زين كتم ضحكته يجيبه ببعض السخرية:
_ أصل اللي يشوفكم كده بتجروا ورا حتة فار يقول بتجروا ورا جاموسة.
نظر له ياسين يجيبه ببعض الفزع:
_ لا يا زين دا الفار مش الحجم الطبيعي دا الحجم العائلي دا أنتم لو عاملين عرض على الفيران مش هيبقى بالحجم دا.
حرك زين رأسه بيأسٍ من شقيقه، في حين تسأل مازن وهو لا يزال يضع يده فوق ضهره:
_ امال فين عمي؟!
اجابه زين بهدوءٍ:
_ بيفتح الجامع قبل الفجر بساعة عشان لو حد حابب يصلي قيام الليل.. ودا من حسن حظكم لو غير كده وشاف منظركم كان بهدل الدنيا.
نظر زين نحو ياسين يشير له بسخطٍ:
_ انزل وانجز بلاش فضايح ابوك جاي خلاص!
حرك ياسين رأسه في نفي يردد:
_ لاء مش نازل هاتوا الفار دا واتخلصوا منه انزل غير كده مش نازل.
:_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قالها مهران وهو يدلف للمنزل، في حين حاول ياسين النزول سريعًا من السفرة، ولكنه وقع أرضًا يتأوه من ألم ظهره، فضحك مازن بشدة ما أن رأه يردف بشماته:
_ أحسن تستاهل.. عشان تضحك عليا تاني.
تعجب مهران مما يحدث فتمتم ببعض الدهشة:
_ ما الذي يحدث هنا؟!
وقف ثلاثتهم احترامًا لمهران، يجيب زين اكبرهم بهدوء:
_ مفيش حاجة.. دا في فار ظهر وياسين ومازن بيحاولوا يجبوه عشان البنات متخفش.
حرك مهران رأسه في ايجابية، متفهمًا حديثه، ثم تسأل مرة اخرى:
_ وهل امسكتموه؟!
حرك زين رأسه في نفي، في حين تحرك مهران نحو مكتبه يردد بصوتٍ جاد:
_ حسنًا افتحوا النوافذ وضع السُم كي يغادر سريعًا، ثم أعدوا أنفسكم كي نجتمع.
دلف مهران لمكتبه، في حين قام زين بإحضار السُم وتوزيعه بأرجاء المنزل كي يغادر هذا الفأر.
قطب مازن جبينه بحيرة، يردف بعدم فهم:
_ نجتمع في إيه!!
اجابه ياسين وهو يتطلع حوله كالمجنون خاشية من الفأر:
_ لا دا الحاج مهران بيحب يجمعنا كده بعد الفطار نقعد كلنا نشرب الشاي ويحكلنا حكاية عن سلسلة الأنبياء من أول سيدنا آدم لحد سيدنا محمد صل الله عليه وسلم.. او موعظة كده يعني عشان نغذي روحنا ونتخذ الأنبياء والرسل قدوة لينا.
أحب مازن الفكرة وشعر ببعض الفضول لأجل معرفة ما الذي سيرويه اليوم مهران.
**********
استيقظت قطوف بانزعاج، تستمع لصوت الديوك مع شروق الشمس، فلا تزال الشمس تشرق وبدأ صوت الديوك، تردد بنبرة منزعجة:
_ أنا آه بصحى بدري بس مش كده!
كادت أن تنهض من اعلى الفراش، ولكنها تجمدت مكانها لبضع دقائق تردف بصدمة:
_ أنا مين جبني هنا!
تطلعت حولها بتوترٍ، ولم تجد أحد فنهضت من مكانها سريعًا تدلف للحمام كي تبدل ملابسها بأخرى فضفضة تلف حجابها بأحكام، تتلون ملامحها بخجلٍ كلما تخيلت أن مازن يحملها ويضعها على الفراش، غادرت الحمام، ولكن وجدت مازن يدلف للغرفة بنفس اللحظة وتلقت عينيها بخاصته، قررت تجاهل، تزيح عينيها بحرجٍ، ثم كادت أن تغادر ولكن اوقفها مازن الذي يقف أمام الخزانة يردد بهدوءٍ:
_ اصبري ننزل سوا.. مينفعش تنزلي هنا من غير جوزك وكمان خالي مهران عامل اجتماع بعد الفطار اعملي حسابك فيه.
رجفة سارت بجسدها ما أن استمعت لكلمة جوزك، وقررت ألا تحدثه، و اتخذت حاجز الصمت، تعجب مازن من صمتها الغريب، ثم اوقع نظره نحوها جالسة على الأريكة تنظر ليدها اللتان ترتجفا، ألقى سؤاله بدهشة:
_ أنتِ كويسة؟!
نظرت له بهدوءٍ، ثم اجابته ببسمة صغيرة:
_ آه كويسة.
حرك كتفه بلامبالاة ثم دلف للحمام كي يأخذ حمامًا لعله يزيل ألم ظهره، وما كان سوى دقائق حتى خرج يستعد للهبوط.. ولكن تأوه بشدة عندما حاول أن يربط رباط حذاؤه، قطبت قطوف جبينها بتعجب مرددة:
_ مالك!
حرك رأسه نافيًا، يرد:
_ مفيش.
تقدمت منه قطوف تضع يدها على ضهره ليتأوه مرة اخرى قائلًا بصوتٍ متعب:
_ شيلي ايدك!
ضيقت عينيها قليلًا، فقد تأكدت من وجود خطبًا ما به، رفعت التي-شيرت الخاص به قليلًا دون تفكير، حتى وجدت بقعة باللون الأزرق بظهره، شهقت بصدمة تردد وقد ادمعت عينيها تظن أنها السبب:
_ هو ضهرك ماله! دا بسبب الأرض! أنت نمت على الأرض!
أنزل مازن التي- شيرت سريعًا، يحرك رأسه بنفي سريعًا، يحاول تهدئتها:
_ لا لا لا دا أنا وقعت على ضهري وعمل كده.. اهدي محصلش حاجة.
سيطرت قطوف على دموعها المنهمر، في حين دُهش مازن من طريقتها وأردف ببعض الدهشة:
_ أنتِ غريبة أوي.. يعني من يومين مش طيقاني.. ودلوقتي هتعيطي عشان ضهري وجعني.. أنتِ طبيعية يا قطوف!
ازدردت حلقها بتوترٍ ثم قالت كي تغير الموضوع:
_ يلا عشان ننزل اتأخرنا.
بقي يتطلع لها، أصبحت مسألة صعبة لا يستطيع فهمها، في حين ابعدت قطوف نظرها عنه، لا تفكر سوى بِـ اصلاح ما افسدته معه ولكنها ستجعله يُجن منها دون قصد، فهي فقط تريد أن يعود كما كان يتمسك بها حتى لو أردت هي البُعد.
وصلا أخيرًا لردهة حيث يتجمع الرجال، تقدمت قطوف من مهران تقبل يده، في حين ابتسم برضا لها يردد بنبرة دافئة:
_ اللهم أرحم محمد أخي.. قد أحسن تربيتك.
ابتسمت قطوف ببعض الراحة من تلك الكلمات، ثم أكمل بنبرة جادة:
_ أذهبي مع باقي نساء المنزل في المطبخ كي تعدوا الفطور.
حركت قطوف رأسها وغادرت للداخل تشعر ببعض التوتر لا تعلم ماذا تفعل! تريد البقاء مع مازن، أصبح هو أمانها الآن هو الدرع الذي ستحتمي به.. توقف عقلها قليلًا.. نعم أنه من قالت له مستحيل الآن تختبئ بداخله، وضعت يدها على صدرها تشعر بنبضات قلبها التي تسارعت كلما تذكرته، هل هي تحبه هذا الحب الموجود بالروايات! أم تتعلق به فقط وكلمة أحبك هي كلمة عابرة؟!
وصلت أخيرًا للمطبخ تدلف بهدوءٍ قائلة بصوتٍ هادئ:
_ صباح الخير.
ابتسمت زينة بسعادة لها، تردف بنبرة مبهجة:
_ يسعد صباحك يا زينة البنات.. تعالي كنت مستنياكي تصحي تجوليلي چوزك بيفطر أكل معين!
صمتت قطوف ولم تستطع الاجابة هي لا تعلم ما الذي يحبه مازن، تجهل كل شيء عنه، مر شريط صغير لمحاولته بالحديث معها بهدوء، ولكن هي لم تدع له فرصة، فقط تتشاجر معه.
فاقت من شرودها على صوت زينة تعيد سؤالها، فأجابتها قطوف ببسمة باهتة:
_ بياكل أي حاجة يا عمتو.
ابتسمت زينة باتساع شديد، تردف بنبرة متحمسة:
_ عمتو طالعة منيكِ حلو خالص.
ضحكت قطوف بخفة، ثم تقدمت منها ترى ماذا تفعل!، في حين لاحظت زينة فضولها لتردف بصوتٍ هادئ:
_ دا فرن اللي بنسوى فيه الفطير وعيش والخبيز كله.
حركت قطوف رأسها ثم قالت بحماس:
_ هو احنا هنفطر فطير!
حركت رأسها بإيجابية، تجيبها وهي تضع إحدى الفطائر داخل الفرن:
_ أيوة وبالسمنة البلدي كمان.
صفقت قطوف بحماس، ولكنها اضافت متسائلة:
_ هو ليه محدش بيساعدك أو مش جايبين حد يساعدك مؤقتًا ليه؟!
ابتسمت زينة برضا، تردد بصوتٍ فخور:
_ چوزي ميحبش ستات غريبة تدخل البيت.. وأنا قولتله أنا هشيل البيت بس وقت ما اتعب هچيب حد عشان مقدرش عليه لوحدي.. وهو بصراحة وافق وبقيت لما ابقى كويس اشتغل فيه ولما اتعب اچيب حد.. اقولك على حاچة كده احسن لحسن تيجي واحدة تلف الراجل واكون أنا ادتهولها على الجاهز.
ضحكت قطوف على حديثها، في حين اكملت زينة باقي عملها، ولكن دلفت ياسمين وملك سويًا يضحكان، ابتسمت لهما زينة تردد:
_ اهوه البتين چم وچابوا اللبن.
نظرت قطوف نحو ياسمين التي اردفت بسعادة:
_ روحت وشوفتها وهي بتحلب الجاموسة يا قطوف.. الموضوع فيه شوية Suspense حبيته أوي.
ضحكت قطوف ببعض السخط قائلة:
_ كل دا عشان شوفتي جاموسة بتتحلب!
اجابتها ملك بصوتٍ حماسي:
_ ايه رأيك تيچي معاي ونحلبوا الجاموسة سوا!
جحظت عينيها بصدمة تردد وهي تنفي برأسها:
_ لا لا لا لا مش هعرف ومقدرش.
نظرت لها ملك بخيبة امل، في حين عضت ياسمين على شفتيها ببعض الغيظ تردد ببعض العند:
_ ليه بقى أنا لولا الجرح اللي عندي كنت حلبت الجاموسة عادي! وأنتِ هتحلبي لما أخف
حركت قطوف رأسها بنفيٍ، تجيبها بشكل قاطع:
_ أنا مش بعرف اتعامل ما حيوانات ولا هقدر أحلب نهائي.. فـ شيلي الفكرة دي من دماغك بقى.. لأنك مش هتقدر تخليني احلب جاموسة أو غيرها.
قالت قطوف جملتها ببسمة مستفزة، في حين تطلعت لها ياسمين بقليلًا من العند، ولكن سرعان ما تحول الأمر لبسمة صغيرة ماكرة!
*************
جلسوا جميعًا على السفرة كي يتناولوا الفطور، تطلع مازن نحو الفطير ببعض التوتر، يخشى أن يجبره أحد على تناوله فهو لن يستطيع اخفاء الأمر تلك المرة.
دقائق وحدث ما يخشاه، ووضعت زينة فطيرة، تردد بحماس:
_ كلي دي يا بني.. أنا اللي عملاه بالسمنة البلدي.
ابتلع حلقه في صعوبة، وكاد أن يرفض، ولكن أكملت زينة قائلة:
_ قطوف قالتلي أنك بتحبه!
ابتسم بتوتر يجيبها بصوتٍ هادئ يخفي توتره:
_ الحمدلله.. الفطير بيبقى أحلى فطار.
لم يرغب بالكذب، ولكن بذات الوقت لن يرضى أن تصبح قطوف بمظهرٍ سيء أمامهم، أخذ قطعة من الفطير وتناولها، ثم أسرع لكوب الحليب وتناوله سريعًا ونهض من مكانه مبكرًا، تعجب الجميع من نهوضه، ولم تفكر مرڤت للحظة بأن ترى هل ابنها بخير أم لا! فقط تريد أن تعلم كم الثروة الموجودة هنا، أسرع مازن يردد بصوتٍ متوتر:
_ معلش محتاج اعمل مكالمة شغل نسيتها إمبارح.
أكمل الجميع تناول طعامه بهدوءٍ، ولكن حمل الشك بأعين مهران الذي فهمته زينة على الفور، أسرع مازن نحو الغرفة وأخذ حقنة الأنسولين الخاصة به كي لا يحدث كما حدث قبل سابق.
نهض الجميع وبقيت الفتيات تساعد زينة في تنظيف المكان فماعدا ياسمين لأنها لا تزال تحتاج الى الراحة، اردفت زينة ببعض التعجب:
_ هو جوزك عيان بالسكر!
دُهشت قطوف مما تتفوه به زينة، واجابتها بصوتٍ متعجب:
_ لاء دا بابا الله يرحمه هو الوحيد اللي كان عيان بالسكر، ليه السؤال؟!
حركت زينة كتفاها بحيرة، تجيبها:
_ اصل يا بنتي مأكلش غير نص فطيرة لوحدها لا كل عسل ولا أي حاجة مسكرة وكوباية اللبن شربها من غير سكر.. دا حتى امبارح لما عملت العشا بعد عن الرز وكل الملوخية والطبيخ بس.. بيبعد عن أي أكل فيه نشويات أو سكر.
لم تلاحظ قطوف الأمر، وبقت صامتة شاردة، ثم قالت ببسمة متوترة:
_ لا يا طنط هو بخير معندهوش حاجة.
منحتها زينة ابتسامة طفيفة ثم أكملت زينة التنظيف مع ابنتها.. وبدأ يعدوا ذاتهم للاجتماع مع مهران.
***********
بالردهة..
جلس مهران بمقعده المخصص، والجميع يجلس على مقاعدهم، زين وورد ابنته، مازن وقطوف التي لم تنزل بصراها عن مازن، ياسمين وملك اللتان يتحدثان بمتعة شديدة، وجمال بجوار مهران.. جميعهم يحتسون الشاي.
حمحم مهران قبل حديث، ثم قال بصوتٍ هادئ محبب للأذن:
_ بسم الله.. الصلاة والسلام على أشرف خلق الله.. اليوم يا أولادي سأروي لكم قصة صغيرة ولكنها لمست قلبي وجعلت من مقلتي أن يدمعان.. القصة الأولى تروى عن رجل كل يعمل موظفًا ولكن ما يأخذه مقابل عمله لا يكفي اطفاله وبيته لباقية الشهر، قرر أن يبحث بالقمامة لعله يعود بطعام وبالفعل كان يجد بواقي من الخبز أو من طعامٍ جاهز يأخذها، وبإحدى المرات رأى مديره يمر من أمامه نظر له وألقى عليه السلام ولكنه لم يجيب، فشعر هذا الرجل بالبغضاء والضيق من مديره المتعجرف هذا وقرر تجاهله، مرت أيام كان يجد حقيبة يملؤها الطعام وبعض الأغراض المنزلية جديدة، سعد جدًا بها وظل بحال ميسور حتى استمع بيومٍ بوفاة مديره، ومنذ وفاته انقطعت تلك الحقائق وانعقدت امور بيته وأصبح بضيقٍ أشد، لذا قرر أن يذهب لزوجة مديره المتوفي يطالبها بزيادة مرتبة، وعندما ذهب تعجبت هي من عدم كفاية الراتب وسألته ماذا يفعل سابقًا، فقرر اخبارها بكل شيء وأخبرها بأمر بحثه عن طعام بالقمامة وأمر الحقيبة.. تسألت متى انقطع هذا الحقائب، فأخبره منذ وفاة مديره، هنا ادمعت عين تلك السيدة وبشدة واخبرته أنها ستحل الأمر
ومرت الأيام وبقي ابن مديره هو من يرسل له هذه الحقائق، ولكن كلما عاد الرجل يحدثه أو يخبره كيف الحال لا يرد ولا يحدثه يعطيه الحقيبة ويمشي.. غضب هذا الرجل وقال أن هذا الطفل يشبه ابيه المتعجرف.. وبإحدى المرات صرخ الرجل بابن المدير.. فنظر له يبتسم بحسن نية قائلًا (عذرًا لم استطع سماعك فأنا ضعيف السمع كـ والدي) هنا شحب وجه هذا الرجل وأدرك فاجعة ظنه.
توقف مهران دقيقتين يتطلع لهم جميعًا فمنهم من شحب وجهه، ومنهم من أدمعت عينيه، ابتسم يكمل بنبرة ودودة:
_ احبائي لا عليكم اليوم من سوء ظنكم ولكن يجب عليكم الحذر منه بعد أن علمتم سوءته، فقد أشار الله تعالى بآيته الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم ( إن بعد الظن إثم)، وأيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يقول الله أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني”.
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” أن حسن الظن بالله من حسن العبادة “. أحمد وأبو داود
أحسنوا الظن بالله يا أحبائي ثم أحسنوا الظن بالناس حتى لا يأخذكم الشيطان لطريقٍ مؤلم يجعلك تقف أمام ضميرك مُهلك وأمام الله ألمًا من ظنك... فإذا بدأ عقلك بتفكير وظن السوء استغفر الله وضع عذرًا له وابتعد عن الأمر.
هبطت دمعة من عين قطوف، فهي لم تفعل شيء مع مازن سوى ظن السوء به، وجدت الجميع ينهض فهربت الأخرى إلى غرفتها تبكي بشدة على ما فعلته.. كيف كانت تدمر مازن بسوء ظنها هذا!
***********
غادر ياسين إلى منزل عائلة العياط، حيث هي عائلة مريم، انطلق لهناك كي يراها يريد أن يملأ قلبه ويروي عشقه بها.
وصل أخيرًا للمنزل وظل يدور حوله كمن ضاع منه شيء وبحث عنه، عبست ملامحه عندما لم يستطع رؤيتها، ثم توقفت انفاسه ما أن استمع لصوتٍ غليظ:
_ بتعمل ايه!
ازدرد لعابه بصعوبة، يردف بهمس:
_ سلامًا قول من رب الرحيم.
استدار ياسين للرجل الذي ما أن رأه حتى تهلل سريره يردف بنبرة سعيدة:
_ ايه دا الباشا الظابط ياسين!
تماشى ياسين مع حديث هذا الرجل، مردفًا بجهل عن شخصية هذا الرجل:
_ ايه دا واحد من عيلة العياط.
عبست ملامح هذا الرجل يردف:
_ ايه دا يا ياسين معرفنيش!
بقي ينظر له دون كلمة، في حين تحدث هذا الرجل بنبرة متعجبة:
_ أنا مهاب ابن الحج حسين العياط.
:_ أيوة أيوة.. ما ابوي بعتني ليكم عشان ابعت السلام وتنورونا بالدار.
قالها ياسين كي يهرب من هذا المأزق، فتعالى صوت مهاب بسعادة يردد وهو يصافح يده:
_ ان شاء الله هنجلكم قريب.. وهبقى اتحدث وياك عشان اليوم اللي نيجي فيه.. نورت يا ياسين.. معلش معرفش ادخلك عشان في حريم بالدار جاين من مصر ومش واخدين على طبعنا.
حرك ياسين رأسه متفهمًا، ثم غادر سريعًا قبل أن يقع بمأزق أخر، يفكر كثيرًا كيف سيخبر والده بأن يحضروا عائلة العياط.
************
بالمساء...
تعجب كلًا من مازن وقطوف وياسين وزين و ملك في طلب مهران لهم بالمكتب، يسيران بدهشة نحو مكتبه، طارق مازن الباب وعندما سمع إذن الدخول دلف ومن خلفه قطوف والباقية ثم جلسوا على المقاعد ينظروا نحو مهران الساكن مكانه، وبعدها أردف بنبرة جادة غريبة:
_ من اليوم سوف ترعوا أرضكم والحيوانات والتي هي ورث من جدكم رحمة الله عليه ويجب أن تعملوا معيّ بها.
جحظت عين كلا من ياسين ومازن وقطوف، في حين كانت ملك معتادة على هذا العمل وزين يعلم جيدًا سر طلب والده لهذا الأمر، نظر مازن نحو مهران الذي تتميز ملامحه بهدوءٍ شديد، ثم حاول أن يعلم سبب ما يقول يردد:
_ طب يا عمي احنا منعرفش حاجة في الأرض ولا بنعرف نزرع ولا بنعرف حتى نقطف وردة.. جيب ناس يعملوا الأرض!
رمقه مهران بنظرة غريبة، يتمتم بصوتٍ جاد:
_ لم يرضخ العاملون لي، بل كلًا منهم وجد أرض له وتركوني بهذا الوقت الهام بالزرع ولن استطيع ترك الأرض كل هذا الوقت دون فلاح يراعيها، أو جعل ابنتي تعمل بها بمفردها فأنا لن أقبل بهذا.
وكأن مازن وجد قشة نجاته، يتمتم بصوتٍ متلهف:
_ طب ليه ليه.. هياخد وقت ليه ما ممكن نجيب الفلاحين علطول!
قطب مهران جبينه، يجيبه بتصميم:
_ لن اختار أناس لا أعلم هل هم أهل للثقة أم لا!، ويجب أن تعلموا أن جميعكم سوف يعمل بالأرض ولكن ياسمين هي الوحيدة التي ستبقى دون عمل لأنها لا تزال مريضة.
رمش ياسين بعينيه عدة مرات، يتمتم بنبرة متحسرة:
_ دا أحنا هنشرب المُر بشاليموووه... مش أنا حاولت اشوفك يا مريم.. أكيد البومة اللي أنتِ مأجراها جت تعمل شغلها.
حاول مازن الحديث وسط صمت الكل، ولكن ضرب مهران على الأرض بعنف يردد بنبرة صارمة:
_ انتهى هذا الأمر، جميعكم سيعمل بالأرض غدًا.
يتبع.
•تابع الفصل التالي "رواية فطنة القلب" اضغط على اسم الرواية