رواية فطنة القلب الفصل السابع عشر 17
اللهم إني أستودعك بيت المقدس وأهل القدس وكل فلسطين. اللهم ارزق أهل فلسطين الثبات والنصر والتمكين، وبارك في إيمانهم وصبرهم. اللهم إنا نسألك باسمك القّهار أنْ تقهر من قهر إخواننا في فلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين.
اللهم اشف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، وأطعم جائعهم، وانصرهم على عدوهم. اللهم أنزل السكينة عليهم، واربط على قلوبهم، وكن لهم مؤيدا ونصيرا وقائدا وظهيرا. سبحانك إنك على كل شيء قدير؛ فاكتب الفرج من عندك والطف بعبادك المؤمنين.
___________________
فِطْنَة اَلْقَلْبِ
»قطوف الياسمين«
بقلم سلمى خالد " سماسيموو"
سبحانك اللهم بحمدك سبحان الله العظيم
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد
الفصل السابع عشر
(غَيْرَة)
تعجب من صمتها الغريب، في حين فركت قطوف يديها بتوترٍ شديد، تتطلع لعينيه بصمتٍ ترك مازن ما بيده ثم قال بحيرةٍ:
_ مالك يا قطوف! في حاجة حصلت؟!
أخذت نفسًا طويلًا ثم قالت بصوتٍ مندفع:
_ آه كنت عايزة فستان احضر بيه لأن مش عندي فستان.
رمش مازن بعينيه عدة دقائق يحاول استيعاب ما قالته، ليردف بغيظٍ:
_ كل دا عشان فستان ما تقولي من الأول بدل ما أنا قاعد نص ساعة بخرج من بوقك الكلام وأنتِ متنحة.
رفعت قطوف حاجبيها بغيظٍ، تردف بحنقٍ:
_ أنتِ بتزعقلي ليه.. أنا اتكسفت اطلب منك من بعد ما بعدت عني وأنا محتاجاك.
صمت مازن قليلًا، يحدق بها بدهشةٍ، في حين توردت وجنتي قطوف خجلًا، أشاحت بوجهها بعيدًا تردف باقتضاب تخفي خلفه خجلها الذي كشفه مازن:
_ روح الحمام خلاص مش عايزة حاجة.
ابتسم مازن بمكرٍ، يتقدم نحوها بهدوءٍ، في حين حاولت قطوف اظهار الثبات، ولكن انقطعت انفاسها كلما اقترب منها، وقف مازن أمامها مباشرةً ثم قال بهمسٍ:
_ اتنفسي يا قطوف.
أخذت انفاسها بصعوبةٍ، تتحاشى النظر له، في حين تمتم مازن ببسمة علت ثغره:
_ ليه لما احتجتني مجتيش علطول!
نظرت قطوف إلى الأسفل بحرجٍ، تجيبه بخفوت:
_ خوفت تكسفني ومترضاش.
أمسك كفها بحنوٍ، يردف وهو يربت عليها بدفءٍ:
_ عمري ما فكرت اكسف حد غريب، هكسفك حد من عيلتي وخاصة أنتِ يا قطوف.
تلون وجهها بحمرة الخجل، ترتجف يدها بين كفه، تحاول سحبها، ولكنه أمسك برفقٍ كي لا تنزعها، نظرت له بتعجبٍ لتجده يتطلع لها بحبٍ، ترك مازن كفها ثم اقترب يهمس جوار اذنها:
_ بعد كده تيجي تطلبي اللي عايزاه مهما حصل بينا فاهمة.
:_ فاهمة.
قالتها بخضوعٍ لأول مرة، ابتسم مازن برضا، يرى قطوف خاضعة لأول مرةً بحياتهما، نظر لها قليلًا ثم قبل جبينها برقةٍ وابتعد عنها، ولكن لم يبق دقيقة بعدها حتى وجدها مغشيًا عليها، اتسعت عين مازن فجأة وهو يراها على الأرض، هبط يضرب وجنتيها بخفةٍ قائلًا بصدمةٍ:
_ قطوف.. قطوف.. يا دي النيلة أنتِ عاملة فيها توم كروز وفي الأخر طلعتي فار مبلول.
حملها بين يديه ليضعها على الفراش، ثم امسك بزجاجة ماء وقام برش بعض الماء على وجهها لتفق وهي تنظر حولها وما أن رأت مازن حتى بكت بقوةٍ، تراجع مازن يردف بصدمةٍ:
_ في إيه أنا مازن!!
ازداد بكاؤها بشدة، ليردف مازن بصوتٍ حنون وكأنه يداعب طفلة:
_ أهدي يا حبيبتي احلف على المصحف إني معملتش حاجة دي بوسة بريئة وراحت لحالها ومش هتتكرر.
نظرت له قطوف بأعينٍ مدمعة، تردف بصوتٍ مبحوح:
_ بجد!
حرك رأسه بايجابيةٍ، يردف بتأكيد:
_ عيب أنا قولتلك حاجة وطلعت كدب.
رمشت بأهدابها قليلًا تفكر، في حين أسرع مازن يردد ببسمة متسعة:
_ مش أنا اتفقت مع ياسين ننزل نجيب فستانك!
:_ لا خلاص هلبس أي حاجة مليش نفس.
قالتها قطوف وهي تنهض من أعلى الفراش، في حين زفر مازن براحةٍ ما أن رأها استعادت وعيها من جديد، يتطلع لها وهي تحضر ملابسها، الآن يعترف ان قطوف تحمل جانب طفولي صغير لم يراه من قبل وهي لم تدع أحد يراه! فقط هو من يراه.
**********
دلفت مريم لغرفتها بتعبٍ، تمسك بساقيها متمتمة بألمٍ وهي تجلس على الفراش:
_ آآه يا رجلي، الله يسامحك يا جدو هو أنا ناقصة مشي.
نزعت حذاؤها ثم كادت أن ترفع قدمها، ولكن رأت وردة حمراء وإلى جوارها ورقة صغيرة، تعجبت من تلك الأشياء ثم مدت يدها تتفحصها تلك الورقة، وبالفعل ما أن فتحتها حتى وجدت..
»ازيك يا بومة عاملة إيه، جتلك النهاردة مخصوص وحطيت الوردة دي عشان خاطر آخر مرة زعقت فيكِ جامد، متزعليش مني يا بومتي.«
ابتسمت مريم بسعادةٍ من هذه الكلمات، ونظرت للوردة بحبٍ تضمها لصدرها بسعادة، مرددة بصوتٍ هامس:
_ مين قال إني زعلت يا ياسين.
**************
حاول أن يغفو ولكن هذا الشعور المرهق لايزال يلازمه، يتذكر دموعها التي انسابت على وجنتيها ما أن ألقى بكلماته القاسية، اعتدال من أعلى الفراش ينظر إلى الأمام بضيقٍ، يردد بصوتٍ مختنق:
_ يوووه كان لزمًا ازعق فيها يعني!
صمت قليلًا يحاول فهم سبب لما فعله معها، فهي لم تفعل شيء يجعله يصيح بها بهذا الشكل، تنهد قليلًا يردف بيأسٍ:
_ شكلك يا زين عايز ترجع لوجع القلب تاني.
نهض من على الفراش، يرتدي جلبابه، ثم انطلق نحو غرفة ياسمين وقبل أن يطرق الباب استمع لضحكت ابنته، زحفت بسمة صغيرة على شفتيه ما أن استمع لصوت صغيرته التي اختفت ضحكتها منذ أن رأت والدتها غارقة بدمائها، استمع لصوتها الصغير يردف:
_ أنا بحبك أوي يا ماما ياسمين.. أنتِ اكتر حد حنين عليا وبيحبني أوي.
:_ عارفة مين كمان بيحبك؟!
:_ مين؟!
:_ بابا بيحبك أوي.
:_ بس أنا زعلانة منه عشان زعقلك!
:_ لا يا قلبي بابا كان خايف عليكِ وأنا غلطت عشان اخدتك بدون ما حد يعرف والمفروض إني اقول لبابا الأول وبعد كده نخرج... لما بابا يزعق معايا تاني أوعي تزعلي منه.. مش هتلاقي يا ورد أحن من الأب عليكي.
حوار صغير دار بينهما استمع له زين دون قصد، طرق الباب بخفةٍ، لتنهض ياسمين من فراشها تتسأل عن هوية الطارق:
_ مين!
:_ أنا زين.
اجابها بهدوءٍ ينتظر خلف الباب، في حين ارتدت ياسمين حجابها ثم فتحت الباب تردف بتعجب:
_ في حاجة حصلت!
حمحم زين بتوترٍ لا يعلم كيف أصيب به، يضع يده بمؤخرة رأسه متمتمًا:
_ أحم لاء بس يعني كنت جاي عشان أعتذر عن اللي حصل مني الصبح.
ابتسمت ياسمين بهدوءٍ، ثم قالت بحزنٍ:
_ ولا يهمك حصل خير، ثم اللي قولته مفهوش غلط.
دُهش زين من طريقتها وكلماتها وعلم بوجود خطبًا ما، ولكن قاطع تفكيره ركض وردة له وهي تحتضنه بسعادة مرددة:
_ بابا اخيرًا صحيت.
احتضنها زين حاملًا إياها بحبٍ، ثم كاد أن يتحدث، ولكن اوقفه صوت هاتف ياسمين، ابتسمت ياسمين بتهذب قائلة:
_ عن أذنك.
شعر زين بالضيق من كونه لم يجد فرصة سانحة له كي يتحدث معها، ولكنه قال بهدوءٍ اخفى خلفه ضيقه:
_ اتفضلي.
تراجع للخلف كي تغلق الباب وبالفعل اغلقته تمسك بالهاتف كي تجيب على المتصل غير معروف الهواية، وما أن اجابت حتى وجدت صوت تعلمه جيدًا:
_ وحشتني يا ياسمين.
ارتجف جسدها بقوةٍ، تعلم هذا الصوت! ولكن من أين أتى برقمها، قاطع وصال تفكيرها صوته مرددًا بفحيح:
_ موحشكيش جمال ولا ايه! كلها أيام وارجع تاني ونتجوز وساعتها مفيش قوة في الأرض هتبعدني عنك يا ياسمنتي.
أغلقت الهاتف تضع يدها على أذنها تمنع صوته المشمئز من النفاذ الى اذنها، تردف ببكاءٍ يزداد:
_ عايز مني إيه! سبني في حالي! سبوني في حالي!
*************
جلست تحتضن نفسها بخوفٍ، تضم ركبتيها لصدرها، تنساب دموعها دون توقف، استمعت لصوت طرقات غرفتها مجددًا، نظرت نحو الباب بخوفٍ ولكنه اختفى ما أن استمعت لصوت قطوف وهي تردف:
_ إيه يا ياسمين افتحي دي أنا قطوف.
نهضت ياسمين سريعًا تزيل دموعها، تفتح الباب بعدما أغلقت عليها بمفتاحٍ، ثم دلفت قطوف تنظر لها بتعجب قائلة:
_ مالك قافلة على نفسك كده ليه؟!
اجابتها ياسمين بتوتر:
_ مفيش بس قاعدة هنا لوحدي وخوفت شوية، فقولت اقفل على نفسي.
اقتنعت قطوف قليلًا لاسيما أن ياسمين منذ وفاة والدتهما وهي تعاني من الجلوس بمفردها، دلفت تردد بدهشة من عدم اعداد ذاتها:
_ انتِ كل دا مجهزتيش!!
:_ مش عارفة ألبس إيه!
قالتها ياسمين بضيقٍ، في حين ابتسمت لها قطوف تذهب نحو الخزانة مرددة بحنوٍ:
_ خلاص أنا هقولك تلبسي إيه.
وبدأت بمساعدتها في اختيار الملابس، وبالفعل انتهى الاختيار على فستان هادئ باللون السماوي، به حزام بدرجة أغمق من لون الفستان، بدأت ياسمين بارتداء الملابس، في حين جلست قطوف على الفراش، تشعر بتردد من رغبتها بالإلقاء السؤال، تحدثت ياسمين وهي تنظر للحزام قائلة:
_ قطوف اربطه من الجنب ولا ورا؟!
لم تستجب لها، في حين نظرت لها ياسمين بدهشةٍ قائلة وهي تتقدم منها:
_ مالك يا قطوف؟!
وضعت يدها على كتفها لتنتبه لها قطوف تنظر لها بوهنٍ، ابتسمت ياسمين مرددة بمكرٍ:
_ اللي واخد عقلك!
عبست ملامح قطوف تردف بحنقٍ:
_ اسكتي يا بت أنتِ.. لا بفكر ولا بنيل أنا بس مش عارفة هنقضي الفرح دا إزاي؟!
نظرت لها ياسمين دون اقتناع، ثم نهضت تردد بيأسٍ من شقيقتها وكبريائها:
_ طب اربطي الحزام.
بدأت قطوف بربط الحزام، ولكنها كانت بالفعل تفكر بمازن، لم تتحمل الصمت طويلًا وهي تنظر لشقيقتها من الحين للأخر حتى اردفت فجأة:
_ هو مازن بيحب إيه؟!
نظرت لها ياسمين فجأةً، ثم ارتفع صوتها بالضحك تردد:
_ واضح أنه فعلًا مش عارفة هنقضي الفرح إزاي!
احتقن وجه قطوف بغضبٍ، في حين توترت ياسمين تردف سريعًا قبل أن تنفجر بها قطوف:
_ معرفش أوي عن مازن، يمكن لما بيطلب الحاجة بعرف أنه بيحبها غير كده معرفش.
هدأت ملامحها ولكن ظهر عليها الاحباط، في حين شعرت ياسمين بإحباط شقيقتها، بقت لبعض الوقت تفكر حتى قالت بتذكر:
_ آه افتكرت، مازن قالي زمان أنه بيحب الطيارة الورق وأنه يطيرها في السما، كانت لعبته المفضلة بس طايرته كسرها بعد ما باباه سافر وسابه لأن هو اللي جابه ليه، وبطل يلعبها.
ابتسمت قطوف بسعادةٍ، تتمتم بامتنان وهي تحتضن شقيقتها:
_ شكرًا يا ياسمين شكرًا بجد.
ابتسمت ياسمين من سعادة شقيقتها وضمتها بحبٍ هامسة لها:
_ أوعي تنكري حبك يا قطوف، مازن يستحق أنه يتحب وأنتِ تستحقي أنك تتحبي وربنا اختاركم لبعض.. اوعى تكابري وحاولي تقربي من مازن يا حبيبتي.
توردت وجنتي قطوف بخجلٍ، فهي لم تتخيل بيومٍ إنها يمكن أن تقع بحب احد وبالأخص مازن، ضحكت ياسمين على خجل شقيقتها، في حين ضربتها قطوف على كتفها قائلة:
_ بس يا بت بقى.
**************
هبط الجميع إلى الأسفل بعدما استعدوا، نظر لهم مهران بفخرٍ وهو يراهم جميعًا يد بيد، أردف بحبٍ لهم وعينيه تشع سعادة:
_ الآن أنا فخورٌ بكم يا أحبابي وأنتم يد بيد واحدة، سنذهب إلى هناك سيرًا.
اترفع صوت ياسين وهو يردد بحنقٍ:
_ ليه يا حاج ما توكتوك يخلصنا تلاتة ورا واتنين يحشروا السواق ونركب ورد فوق التوكتوك تسقف.
ركضت ورد نحو عمها، تردف بسعادة:
_ هركب فوق التوكتوك يا عمو.
نظر لها ياسين ببسمة بلهاء، ثم حملها بين يديه يردف:
_ عايزة تسقفي فوق التوكتوك يا وردتي؟
:_ آه.
قالتها ورد بإيجابية، في حين ارتفع صوت مهران الصارم يردف بحزم:
_ انتهى هذا الحديث، هيا سنذهب سيرًا، هيا.
عبست ملامح ياسين ثم وضع ورد أرضًا، لينطلق الشباب إلى الخارج، تسير زينة وملك وجمال معًا، ومازن وقطوف خلفهم، وياسمين وورد ورائهم، وزين مع والده يمنع نفسه من النظر إلى ياسمين، في حين كاد ياسين أن يسير معهم ولكن اوقفهم قائلًا:
_ ثانية نسيت حاجة هجيبها واجي.
حرك مهران رأسه بيأسٍ، يردف بضيقٍ:
_ هيا نذهب نحن.
انطلق مهران والجميع، في حين عاد ياسين إلى البيت ثم دلف للمطبخ كي يحضر مبتغاه وما أن رأه حتى أردف وهو يخبئه في جلبابه:
_ واخيرًا لقيت للجلابية دي نفع.
اخفى ما يبحث عنه، ثم سار للخارج، ولكنه وجد مكتب والده مفتوح ويوجد صوت به، قطب جبينه وانطلق نحو المكتب ليتفاجأ بميرفت تعبث بالأوراق، احتقن وجه ياسين الذي أردف بحدةٍ:
_ بتعملي إيه عندك!
تركت مرفت الأوراق فجأة، تتطلع له بصدمةٍ فهي لم تشعر به بتاتًا، تمتمت بتلعثم وهي تشير للخارج:
_ أنت مش كنت معاهم.
تقدم ياسين بوجهٍ متهجم، يجيبه بصوتٍ ساخر:
_ وحظك رجعت عشان اشوف عمايلك! بتعملي إيه في مكتب أبويا ومتألفيش حوار عليا عشان عارف أنتِ هنا ليه!
نظرت مرفت للأوراق الموضوعة أمامها، ثم جلست على مقعد والده بأريحية، تبتسم بمكرٍ متمتمة:
_ ويا ترى جيت هنا ليه!
رفع ياسين حاجبه، يردف بسخطٍ:
_ عشان تطمني على ورث اللي جدي سابه هنا وتعرفي تخديه كله مننا وإزاي!
نظرت له قليلًا تضيق عينيها، كيف علم بمخططها؟، في حين استرسل ياسين بنظرةٍ مشمئزة:
_ هو أنتِ فاكرة اني مش عارف كل عمايلك وأنك السبب في جواز قطوف ومازن، وانك خطفتي ياسمين وحاولتي تضيعي مستقبلها وتشوه سمعة اخوكي عشان ورث وطمعك.
اتسعت عين مرفت بصدمةٍ من علمه بكل ما فعلت، في حين احتدت نبرات ياسين يردف بلهجةٍ تحمل التهديد:
_ قسمًا بالله لو عرفت أنك قربتي من حد في العيلة وحاولتي تقربي من مكتب ابويا عشان جشعك دا أنا هفضحك في كل حتة واقول على كل حاجة عملتيه.. فاهمة.
هدر بأخر كلمة في عنف، في حين تلون وجه مرفت بحُمرة الغضب، عينيها تمتلأن بالحقد، تهمس بصوتٍ فحيح وهي تراه يترك الغرفة:
_ أنا هدوقك سم مرڤت العطار عامل إزاي يابن عيلة العطار.
دفعت الأوراق أرضًا ثم تركت إلى غرفتها تفكر كيف ستنتقم منه.
**********
وصل الجميع إلى الزفاف، فكان عُرس بالشارع مقسوم إلى نصفين نص إلى النساء والنص الآخر إلى الرجال، لا يستطيعا رؤية أحد، دلفت زينة ومعها الفتيات، في حين دلف مهران ومعه الفتيان.
وقف مهران يسلم على والد العروس، في حين جلس كلًا من مازن وياسين وزين وجمال على مقاعد، شعر ياسين بمللٍ، يردف بصوتٍ عالي:
_ جعان أكلوني.
اتسعت عين زين بصدمةٍ، في حين نظر مهران لمصدر الصوت ليشير ياسين على مازن بخوفٍ، اتسعت عين مازن بصدمة يحرك رأسه بنفيٍ وأنه لم يفعل ذلك، صك مهران على أسنانه، ثم أكمل حديثه مع الرجل، في حين نهض جمال بيأسٍ من افعال ياسين وغادر إلى الحمام، عاد مهران بنظره نحو ياسين ومازن قائلًا بجدية يعتريها التحذير:
_ سأذهب مع السيد وهدان كي ألقي التحية على أقاربه، إياكم أن أجد مصيبة جديدة من مصائبكم... هيا يا زين.
حرك كلامها رأسه، ليغادر مهران من المكان مع زين، في حين امسك مازن ذراع ياسين يردف بغيظٍ:
_ أنت بتلبسني يالا.. هقولهم أنهم اتحرشوا بيك في بيت حبيبة القلب.
رمقه ياسين بنظرةٍ حانقة، يردف وهو يشيح بيده بضيقٍ:
_ هتذلني بقى عشان لحقتني من الراجل قبل ما يتحرش بيا.
ضرب مازن يد ياسين يتمتم بنبرة حازمة:
_ أنا ربيتك على كده بتشوح بايدك!
اغتاظ ياسين منه وخاصة من ابتسامة مازن الشامتة، لتطرق برأسه فكرة، نظر إلى مازن قليلًا ثم دفعه من أعلى المقعد، شهق مازن والموجودين من وقوع مازن، ليرفع ياسين يده قائلًا:
_ اسفين يا رجالة الواد بس كل حاجة وكان هيزور وضربته بضهره عشان ألحقه بس طلع خفيف.
عاد الجميع للفرح مجددًا، في حين حدج مازن ياسين بنظراتٍ مشتعلة يزمجر بعنفٍ:
_ أنت ياض بتستهبل! ماشي أنا هوريك.
نهض مازن من مكانه يصعد على المسرح، يمسك بالمايك يردف بصوتٍ عالي ماكر:
_ أحلى سلام على أهلى البلد، ومبارك للعرسان، وعشان الليلة حلوة زي دي ياسين العطار قرر يرقص معاكم بالحصان هدية للعرسان يارب تعجبكم.
ترك مازن المايك، في حين اتسعت عين ياسين بصدمةٍ من جنون مازن، وجد أحد الرجال يحضر حصانًا له يردف بسعادة:
_ خد يا استاذ ياسين الحصان أهوه.
نظر له ياسين بغيظٍ يردف بحنقٍ دون أن يستمع له أحد:
_ فرحان أوي يا خويا وكأنه بتسلمني الدرع الجمهورية.. دي هتبقى جنازة مش جوازة.
أمسك ياسين بلجام، ثم نظر إلى مازن بغيظٍ بعدما اقترب منه يهمس بأذنه:
_ ألبس يا معلم.
نظر ياسين له بحنقٍ شديد، ثم قال بصوتٍ عالي وهو يتطلع نحو مازن بمكرٍ:
_ ابن عمي وصحبي لسه أول مرة يجي البلد، وعشان كده هنركب الخيل سوا أنا هتحرك بالخيل وهو هيقف يرقص عليه بالعصاية.
صفق الرجال جميعًا وحيوا مازن، في حين جحظت عين مازن بصدمة، دفعه أحد الرجال إلى ياسين الذي همس لمازن أيضًا:
_ هتلبسني في الحياط.. هلبسك معايا في نفس الحيط.
صك مازن على أسنانه بغيظٍ، ثم قال وهو يرى تطلع الناس لهم:
_ بتركبوه إزاي دا؟!
نظر له ياسين بغرورٍ ثم قال وهو يستعد للركوب الخيل:
_ بص واتعلم.
أمسك ياسين باللجام ثم وضع قدمه وكاد أن يصعد ولكن افلتت قدمه وسقط على الأرض يصرخ بألمٍ، في حين ضحك مازن بشدة يردف من بين ضحكه:
_ ياسين أنت متأكد أنك ظابط يالا!
:_ ظابط غصب عن عينك.
قالها ياسين بغيظٍ يتأوه من الألم، في حين علق مازن ساخر:
_ ظابط نص كم.
تعجب الرجال من سقوط ياسين ليردف أحدهم:
_ أنت مبتعرفش تركب الحصان يا استاذ ياسين!!
ابتلع ياسين لعابه وهو يحاول تذكر كيف يصعد على الحصان، ليردف بجدية:
_ لا طبعًا بعرف بس الجزمة اتقطعت وعشان كده وقعت.. بتحصل بتحصل عادي.
حرك الرجل رأسه ثم قال ببسمة متسعة:
_ طب يلا اطلع بقى حمستونا نشوفكم بترقصوا بالحصان.
:_ أنا عايز أفهم سر السعادة اللي في وشك دي إيه! عشان أنت خنقني من ساعة ما دخلت!!
قالها ياسين بغضبٍ، في حين امسكه مازن يردف بصوتٍ هامس:
_ أخلص خلينا نخلص من التلبيسة السودا دي قبل ما أبوك وزين يجي ويشوف البهدلة دي.. واحمد ربنا أنه راحوا مع ابو العروسة يستقبلوا الناس برة.
تراجع ياسين وأيقن من حديث مازن، وعاد ينظر للحصان مجددًا ليحاول الصعود عليه، وبصعوبة نجح بها، ابتسم بسعادة يردد بحماسٍ:
_yes
مد مازن يمسك بكفه، يردد بحنقٍ:
_ اخلص هي مش ناقصة.
وصعد مازن معه يجلس خلف الحصان، اشتعلت الموسيقى وبدأ الحصان يتراقص على نغمة هذه الموسيقى، ابتسم كلًا من ياسين ومازن على حركات الحصان، ولكن لم تكتمل البسمة، عندما قام أحد الأطفال بضرب الحصان بهذا السوط الخفيف عليه، علا صهير الحصان ورفع قدمه الأمامية، ليسقط مازن من عليه يصرخ بألمٍ، في حين انطلق الحصان بين الناس الذي هربوا من الحصان بصعوبة، صرخ ياسين برعبٍ وهو يمسك باللجام:
_ مش عارف أوجفه ... مش عارف اوجفه.
صعد الحصان على المسرح الخاص بالعرسان، ليركض العريس بعيدًا تاركًا العروس التي صرخت من الرعب وهي ترى ياسين قدم نحوها بالحصان يصرخ قائلًا:
_ ألحقــــــــــــــوني.
سقطت العروس خلف المقعد المخصص لها، ولم تستطع النهوض، في حين أكمل الحصان ركض دون توقف، ليردف ياسين بأعينٍ تكاد تدمع:
_ أبوس ديلك اوقف.. اوقــــــــــــــف.
صرخ بها وهو يرى إحدى السيارات أتية باتجاهه، ولكن افلت منها الحصان وأكمل ركض، لم يجد ياسين حلًا سوى أن يلقي نفسه من فوق الحصان كي لا يبتعد عن الزفاف، وبالفعل ألقى نفسه من فوق الحصان ليسقط أرضًا صارخًا بألم.
أمسك بذراعه الذي انتشر به الألم، ثم نهض عائدًا للزفاف، وما ان دلف حتى وجد العروس تقع بين المسرح والأرض، والناس يحاولون إخراجها، في حين يلتف الناس حول المصابين كي يساعدوهم على النهوض، لم يعلم ما الذي يفعله ولكنه يجب أن يحل الأمر قبل أن ينتشر، ويقع بأزمة أكثر صعوبة مع والده، انطلق نحو العروس كي يرى لِم لم تنهض وبالفعل ساعدوها على النهوض والجلوس بمقعدها، واحضروا العريس كي يجلس مكانه، في حين جلس الناس على مقاعدهم ولكن جميعهم يحاول استيعاب ما حدث.
ابتلع ياسين لعابه، ثم تقدم نحو المايك يردف بتوترٍ:
_ ألف سلامة على المصابين رجالة والله، ومن هنا وجبي كظابط مكافح إني اشكركم على قوتكم دي و يلا على البوفيه يا جماعة بعد الفرهدة دي خلينا ناكل ونكمل عادي..
نظر ياسين للعروس التي بحالة صدمة وإلى جوارها زوجها بنفس حالته، تمتم بتوترٍ:
_ العرسان قومي شهيصوا كده.. شغل يابني اغنية اختيارتي مدمرة حياتي.
هبط ياسين من أعلى المسرح وانطلق نحو البوفيه كي يتناول الناس الطعام، ثم قام بالاتصال على أحد اصدقاؤه بالبلدة كي يحضر طعام وعصير لمن بالزفاف، وبالفعل أحضر لهم الطعام.
_ما الذي حدث! لما العروس بهذه الحالة!
قالها مهران بصدمةٍ وهو يرى فستان العروس بحالة يرثى لها، في حين تقدم والد العروس للداخل يرى حالة ابنته ولكنها لم ترد، ابتلع ياسين حلقه بصعوبة، في حين أتى مازن من خلف يردف بحنقٍ:
_ مش تطمن عليا تشوفني حصل إيه ولا الحصـ...!
صمت فجأة وهو يرى مهران يتطلع لهما مضيقًا عينيه، ثم سأل بشكٍ:
_ ماذا حدث؟!
ابتلع مازن لعابه بصعوبةٍ هو الأخر، ولم يجيب، ليرد الرجل الذي احضر الحصان:
_ استاذ ياسين المفروض يرقص على الحصان ويشعلل الفرح.. بس الحصان حد ضربه وجري مننا وبهدل الدنيا زي ما أنت شايف يا شيخ مهران.
احتدت نظرات مهران يتطلع نحو ياسين ومازن اللذان تراجعا بخوفٍ، همس ياسين بغيظٍ:
_ اتصدق إن السجن أسلم حل للراجل دا عشان يلم لسانه اللي عايز حشه.
عاد مهران بنظره إلى الرجل وقال بصوتٍ صارم:
_ نعتذر عاما حدث.. سوف نستأذن الآن.
ثم نظر إلى مازن وقال بصوتٍ متوعد:
_ هيا سنغادر الآن.
توتر كلًا من مازن وياسين، في حين شعر جمال وزين بأن ما فعله ياسين لن يمر مرور الكرام.
************
:_ أنا لا أفهم ماذا تريد مني!
قالها مهران بصوتٍ حاد مخيف، يضرب بالعصا على الأرض، في حين نكس كلًا من ياسين ومازن رأسهما إلى الأرض، كاد ياسين أن يتحدث، ولكن احتدت نظرات مهران القاتلة يردد:
_ أصمت.. أن تحدثت فسوف اقتلع رأسك من مكانها و أضعها عبرة لمن يفعل مثلك!
صمت ياسين سريعًا، في حين أكمل مهران وهو ينظر إلى كلاهما:
_ لا يوجد راحة لكم بعد الآن سوف تعملون بالأرض طوال الأسبوع وإن لم أجد حصد خلال شهرين فسوف أقضي عليكم.
:_ طب وبنسبة للجمعة هنتشغل برضو!
قالها ياسين بنبرةٍ متسائلة، في حين ضرب مهران بعصاه الأرض، ثم قال بحدة:
_ لا تجعلني اخبرك أنك ستعمل 18 ساعة باليوم.
جحظت عين ياسين بصدمة، ثم وضع يده على فمه مثل الأطفال، في حين نظر مهران إلى زينة يردد:
_ احضري طعام العشاء ثم الشاي هيا.
هرولت زينة سريعًا فزوجها ستنشط غضبًا، في حين صعد الجميع إلى غرافهم، ولكن يحمل الفتيات حالة ذهول.
***********
:_ هو إيه اللي حصل يا مازن؟!
قالتها قطوف بقلقٍ، في حين نظر لها مازن قليلًا ثم سرد لها ما حدث، لترتفع ضحكة قطوف بقوة داخل الغرفة، تأمل مازن ملامحها وهي تضحك بشدة، بشرتها الخمرية التي تلونت بحُمرة الضحك، عينيها اللتان تدمعان من كلماتٍ قالها فأضحكتها، همس مازن دون أن يشعر:
_ ضحكتك حلوة أوي.
توقفت قطوف عن الضحك، تنظر له بخجلٍ، في حين ابتسم مازن وهو يرى خجلها، هتف بصوتٍ رجولي جذاب يتأمل ملامحها الهادئة:
_ اقولك على حاجة يا قطوف.. أنا بحب أشوف كسوفك دا أوي.. بيبقى شكلك حلو فيه.
توردت وجنتيها خجلًا، لتردف باقتضاب محاولة اخراج نفسها من هذا الموقف:
_ والله عشان بتحبوا تشوف الست ضعيفة إنما لما لساني يطول تبقى الست وحشة صح.
تعجب مازن من تحولها المفاجئ، ولكنه ابتسم بهدوءٍ يردف بصوتٍ يحمل حنينًا:
_ خالي قالي مرة قبل كده.. مفيش ست قوية.. ربنا خلقك ضعيفة مهما قويتي على الدنيا كلها هتيجي قدام شخص واحد وتضعفي.. قدام ربنا.. قدام ابوكِ.. اخوكي.. جوزك.. المهم إنك هتضعفي.. وغير كده مفيش ست وحشة.
اتسعت عين قطوف بصدمةٍ، تنتفض من مكانها مرددة بحدةٍ:
_ وعرفت منين أن مفيش ست وحشة يا سي مازن!
:_ حلوة اسي مازن دي.
قالها مازن بغرورٍ، لتنقض قطوف عليه تمسكه من تلابيب جلبابه متمتمة بصوتٍ غاضب يحمل غيرة نسائية:
_ عارف يا مازن يا بن مرفت لو اتكلمت عن ست حتى لو بشكل عام هعمل فيك إيه!
ابتسم بإعجاب لغيرتها، وأردف وهو يتطلع ليدها التي تمسك بتلابيب ملابسه :
_ اعتقد مفيش اسوأ من قلة الأدب دي!
امتلأت عينيها بالغضب، تجيبه بصوتٍ فحيح:
_ لاء في.. متخلنيش اعملك سماد للأرض. وتبقى الغدا بتاعها.
ابتلع مازن لعابه يردف بتوترٍ:
_ سلامًا قولًا من رب الرحيم.. أنتِ هتتحولي ولا إيه؟!
:_ مش عايزني اتحول كده تاني.. يبقى تحافظ على لسانك ماشي يا بابا.
قالتها قطوف وهي تبتعد عنه، تضرب على كتفه بجدية، في حين نظر لها مازن بغيظٍ متمتمًا:
_ ربنا على المفتري.
:_ بتقول حاجة!
قالتها تمسك بسكينٍ جوار طبق الفاكهة، اتسعت عين مازن بذعرٍ يردد:
_ بقول ربنا يحفظك ليا يا مراتي يا حبيبتي.
تركت قطوف السكين، تردف برضا:
_ طب يلا ياسطا فسحني!
:_ ياسطا.. وافسحك.. أنتِ متأكد يا قطوف أنك بنت!
قالها بمازن بذهولٍ، في حين رفعت قطوف حاجبها تردد:
_ إيه متأكدة إني بنت دي! ما كل البنات بتعمل كده مع اجوزهم.
اتسعت عين مازن بصدمةٍ متمتمًا:
_ نعم! بيعملوا كده! أمال فيلم تيتانك دا كان إيه!
اجابته قطوف ببسمة ساخرة:
_ كدب طبعًا.. دا نسبة ضرب الزوجة لزوجها في مصر بقت 28٪.. وأنت بتقول تيتانك.. هو لو في تيتانك دا بجد كان هيبقى دا حال الرجالة ولا الستات.
نظر لها باقتناع، ثم قال:
_ معاكِ حق.
استمع كلاهما لصوت طرقات على الباب يعلن عن النزول لتناوله الطعام، كاد مازن أن يتحرك ولكن شعر بيد قطوف تمسك بكفه، نظر لها بدهشةٍ، لتردف بحرجٍ:
_ ممكن متسبش ايدي أبدًا!
امسك بكفها بحنوٍ، يردف بصوتٍ حنون:
_ عمري ما فكرت اسيبها.. ولا عمري هسيبك.
زحفت بسمة مطمئنة لشفتيها وهي ترى تمسكه به، وشعرت بتلك اللحظة أنها بحاجة له، وأن زواجها به ليس إلا لنعيم لها.
*********
وُضع الشاي للجميع، ليمسك جميعهم بقدحه الخاص، دقيقتين وبدأ مهران بالحديث، يردف بهدوءٍ:
_ اليوم قصتنا صغيرة للغاية، فهي عن الغيرة يا احبائي، وكانت ستنا عائشة زوجة سيدنا محمد تغار بشدة، بإحدى المرات كانت ستنا عائشة تحمل طاجن به الطعام، واتت به إلى الرسول ولكن سمعته يتحدث بثناءٍ على ستنا خديجة رضى الله عنها، فغارت بشدة وألقت الطاجن على الأرض لينشق نصفين، نظر الرسول لما فعلته عائشة وضحك يمسك بالطاجن المقسوم ووضع به الطعام مجددًا ولكنه قال:
- غارت أمكم.
نظر مهران ببسمة نحو مازن الذي سلط بصره على قطوف يبادلان البسمة، ثم استرسل حديثه بهدوءٍ:
_ أن الغيرة شيئًا طبيعي بين الزوجين... ولك الافراط به سوء... لذا عندما ترى زوجتك تغار فأعلم أنك سكنت قلبها، وأن رأيتي زوجك يغار أعلمي أن ما حمل بقلبه اثنى سواكِ.. ولكن يجب أن نتعلم أن كيف نحتوى تلك الغيرة حتى لا يتفاقم الأمر بين الزوجين.. فالغيرة شعور من الغضب يجب احتواؤه بشكلٍ صحيح..
ثم أضاف بنبرةٍ مرحة:
_ اتعلمون أنني لا أستطيع أن احضر احد يساعد عمتكم زينة لأنها تغار بشدة عليّ ويمكن ان تقلعني من المنزل.
ضحك الجميع على حديث مهران، في حين اشار لهم بالنهوض، ولكن وقف مازن يردف ببسمةٍ مهذبة:
_ لو ينفع يا خالي اخد قطوف واخرج اشتري حاجة ونرجع علطول.
حرك مهران رأسه بإيجابيه، ليغادر الأثنان وينهض الجميع عائدين إلى غرافهم.
**********
_ مالك ساكتة ليه؟!
نظر لها مازن بتعجب يردف بتلك الكلمات، في حين اجابته قطوف بحرجٍ:
_ اصل دي أول مر نخرج سوا فيها!
نظر لها قليلًا ثم قال بضحكٍ:
_ اتصدقي صح!
ضحكت قطوف على تعليقه، ثم سار سويًا، حتى ظهر القمر، لتردف قطوف بحبٍ لملامح السماء النقية:
_ القمر جميل أوي.
أكد مازن حديثها، يردد بخفوتٍ:
_ فعلًا من حق المنفلوطي يناجي القمر.
نظرت له قطوف بتعجبٍ، متسائلة:
_ أنت بتقرأ للمنفلوطي؟!
حرك راسه بايجابية، يردد بهمسٍ يتناسب مع نسمات الهواء الباردة:
_ آه.. بحب القراءة.. تحبي تسمعي مناجاة القمر.
حركت رأسها بإيجابية، ليردف مازن قائلًا:
_ أيها الكوكب المطل من علياء سمائه، أأنت عروسٌ حسناء تشرف من نافذة قصرها، وهذه النجوم المبعثرة حواليك قلائد من جمانٍ، أم ملك عظيم جالس فوق عرشه؟ وهذه النيرات حورٌ وولدان أم فصٌّ من ماسٍ يتلألأ، وهذا الأفق المحيط بك خاتمٌ من الأنوار أم مرآة صافية؟ وهذه الهالة الدائرة بك إطارٌ أم عينٌ ثرَّةٌ ثجَّاجةٌ وهذه الأشعة جداول تتدفق أم تنُّور مسجورٌ؟ وهذه الكواكب أشررٌ يتألق؟
أيها القمر المنير
إنك أنرت الأرض وهادها ونجادها، وسهلها ووعرها، وعامرها وغامرها، فهل لك أن تشرق في نفسي فتنير ظلمتها، وتبدد ما أظلها من سُحُبِ الهموم والأحزان؟!
أيها القمر المنير
إنَّ بيني وبينك شبهًا واتصالًا، أنت وحيد في سمائك، وأنا وحيد في أرضي، كلانا يقطع شوطه صامتًا هادئًا، منكسرًا حزينًا، لا يلوي على أحد ولا يلوي عليه أحد، وكلانا يبرز لصاحبه في ظلمة الليل فيسايره ويناجيه، يراني الرائي فيحسبني سعيدًا؛ لأنه يغترُّ بابتسامةٍ في ثغري وطلاقةٍ في وجهي، ولو كُشف له عن نفسي ورأى ما تنطوي عليه من الهموم والأحزان، لبكى لي بكاء الحزين إثر الحزين، ويراك الرائي فيحسبك مغتبطًا مسرورًا؛ لأنه يغترُّ بجمال وجهك، ولمعان جبينك، وصفاء أديمك، ولو كشف له عن عالمك لرآه عالمًا خرابًا، وكونًا يبابًا، لا تهبُّ فيه ريحٌ، ولا يتحرَّك شجرٌ، ولا ينطق إنسانٌ، ولا يَبْغَمُ حيوانٌ.
أيها القمر المنير
كان لي حبيبٌ يملأ نفسي نورًا، وقلبي لذةً وسرورًا، وطالما كنت أناجيه ويناجيني بين سمعك وبصرك، وقد فرق الدهر بيني وبينه، فهل لك أنْ تحدثني عنه وتكشف لي عن مكان وجوده؟ فربما كان ينظر إليك نظري، ويناجيك مناجاتي، ويرجوك رجائي. وهأنذا كأني أرى صورته في مرآتك، وكأني أراه يبكي من أجلي كما أبكي من أجله، فأزداد شوقًا إليه وحزنًا عليه.
أيها القمر المنير
ما لي أراك تنحدر قليلًا قليلًا إلى الغروب كأنك تريد أن تفارقني، وما لي أرى نورك الساطع قد أخذ في الانقباض شيئًا فشيئًا، وما هذا السيف المسلول الذي يلمع من جانب الأفق على رأسك؟
قف قليلًا لا تغب عني، لا تفارقني، لا تتركني وحيدًا، فإني لا أعرف غيرك، ولا آنَسُ بمخلوقٍ سواك.
آهٍ! لقد طلع الفجر ففارقني مؤنسي، وارتحل عني صديقي! فمتى تنقضي وحشة النهار ويُقْبِلُ إليَّ أنس الظلام؟
استمعت قطوف لمازن، وإلى مناجاة القمر، نظرت له بعدما انتهى، لتردد ببسمةٍ:
_ الله جميلة أوي مناجاة القمر .
ابتسم مازن لها، يردف وهو يتطلع للسماء:
_ محدش يعرف بموضوع القراءة دا.. أو بمعنى أصح مفكرتش اشارك حد غيرك بيه.
ابتسمت له قطوف ثم قالت بتساؤلٍ:
_ بس اشمعنى مناجاة القمر اللي حاسه كده بتحبها وبتقولها بطريقة غريبة بس مريحة؟!
بادلها الابتسامة ولكن انحدرت تلك الابتسامة وهو يرى ملامحها الملتاع، في حين كانت تنظر إلى تلك الدراجة النارية التي تقود بسرعةٍ عليهما، ولكن قبل أن تصرخ بالابتعاد سقطت أرضًا بعدما اصطدمت بتلك الدراجة النارية!!
يتبع.
•تابع الفصل التالي "رواية فطنة القلب" اضغط على اسم الرواية