رواية تراتيل الهوى الفصل التاسع عشر 19
البارت 19
ركض تاج خارج الشقة وهو ينادي سروة، هبط السلالم مسرعًا حتى وصل للاسفل دون لمحة عنها، تطلع حوله بخوف ولم يجد لها أي أثر فتابع ركضه وهو يسأل الجميع عنها ولكن كل من سأله أخبره أنه لم يرها.
أسرع تاج يركض في كل اتجاه بلا روية حتى وقف يلتقط أنفاسه فمرت من أمامه فتاة أوقفها بأنفاس لاهثة: لو سمحتِ مشوفتيش بنت لابسة بلوزة وبنطلون أسود وشعرها أسود؟
فكرت الفتاة لثانية قبل أن تقول: أيوا شوفتها.
رد تاج بلهفة: فين؟
أشارت له الفتاة: كانت ماشية برة المنطقة ورايحة عند الطريق.
لم ينتظر تاج لسماع المزيد وهو يركض بالاتجاه الذي أشارت إليه حتى وقف وهو ينظر حوله في الزحام عله يراها حتى أخيرا وجدها، كانت تسير بعيدًا عنه نسبيًا ويتضح أنها في غير وعيها لأنها كانت تسير في اتجاه السيارات التي تسير بسرعة كبيرة مجيئًا وإيابًا.
اتسعت عيونه برعب وهو يراها متجهة وسط السيارات التي يمكن أن تصدمها في لحظة، لمح تاج سيارة تقترب من سروة بسرعة كبيرة ولا يفرق بينهما إلا القليل فصرخ باسمها عاليًا.
حين لم تلتفت له، ركض تاج بأقصى سرعة ليده وبمعجزة إلهية استطاع أن يصل ويسحبها إلى أحضانه مبتعدًا السيارة التي انحرفت بعيدًا عن سروة في أخر لحظة قبل أن يتلفظ السائق بعبارات غاضبة وهو يكمل طريقه.
ضمها تاج له بقوة وهو صدره يعلو ويهبط من فرط الإنفعال، أبعدها عنها وهو يتفقدها ليرى إن أصابها أي مكروه ثم تطلع في وجهها الذي خلا من أي تعبير.
قال بقلق: سروة أنتِ كويسة؟
دفعته عنها حتى أنه تفاجأ وكان على وشك أن يتعثر بحجر وراءه.
قالت سروة باستهزاء: كويسة؟ بعد ما ادبحت وأنا عايشة بتسألني السؤال ده!
تنهد تاج بعطف وقال: سروة هو أكيد ميقصدش و...
قاطعته بحقد وهى تدفعه مجددًا من صدره: أنت السبب!
ردد تاج بذهول وهو يتراجع للوراء بسبب دفعها له: أنا؟
استمرت سروة في دفعه بقهر: أيوا ليه ودتني هناك؟ ليه وأنت عارف أنه خلاص بقى مش عايز يشوف وشي! ليه تعمل فيا كدة أنت كمان؟ أنا عملت لكم إيه لكل ده؟
أمسكها تاج من ذراعيها وأدارها وهو يضمها حتى تهدأ ولكن سروة صرخت به بانهيار وهى تبعده عنها: أبعد عني أنا مش طايقك أنا بكرهك! أنا بكره كل حاجة! أبعد عني! سيبني!
استمرت في الصراخ وتاج مازال يضمها له بقوة وبسبب تفوق تاج الجسدي استطاع السيطرة عليها وهى تحاول الإفلات دون جدوى، بدأ الناس ينتبهون لهم بسبب صراخ سروة حتى أن بعضهم تجمع حولهم.
هتف به إحدى الرجال مُحتجًا: ما تسيبها يا أخي حرام عليك!
رفع تاج رأسه وقد انتبه للضجة التي حدثت بسبب صراخ سروة.
رد تاج قائلًا بغيظ: أسيب مين دي مراتي!
ظهر الإحراج على وجه الرجل وابتعد كما بقية الناس حين أدركوا أنها زوجته، لم يجد تاج حل لثروة سروة إلا أن يحملها على كتفه وهى تركل بقدميها في الهواء وتضرب ظهره بيديها.
سار بها تاج حتى وصل لسيارته والجميع كانوا يحدقون بالمشهد الذي أمامهم ولا يجرؤون على التدخل لأنه بالنسبة لهم هذا أمر خاص بين رجل وزوجته.
فتح باب السيارة وأجلسها بقوة وهو يُحكم حولها حزام الأمان، استدار بسرعة وهو يجلس بجانبها ويُغلق السيارة عليها تحت صراخ سروة الذي لم يتوقف ومحاولاتها الإفلات، بقى تاج صامت يصم أذنه عن ما يسمعه وهو يقود حتى وصلوا أمام العمارة التي يسكنوا فيها حيث اضطر تاج لإعادة نفس المشهد وحمل سروة بنفس الطريقة حتى أخيرًا دخلا إلى الشقة وأغلق الباب ورائه وهو يُلقي بها عن كتفه على الأريكة.
نهضت سروة عن الأريكة وهى تقول بصوت مبحوح من كثرة الصراخ: أنا معملتش حاجة لكل ده معملتش حاجة لأنه يموتني ويدبح قلبي كدة!
حاول التقدم نحوها فرفعت يدها أمامه: أبعد أنت كمان حتى أنت مرحمتنيش خلتني مجرد زبالة تحت رجلك!
نظرت حولها وهى تقول بهستيريا: أنا تعبت! ليه كل ده ليه!
لم تتوقف إلى هنا بل شرعت تُكسر كل ما طالته يداها في الغرفة، جلس تاج على الأريكة وهو يضع رأسه بين يديه تاركًا لها الحرية حتى تعبر عما بداخلها حتى أخيرا توقفت وهى تتنفس بسرعة من الإجهاد الذي تشعر به ثم انهارت واقعة على الأرض.
رفع تاج رأسه بسرعة ولكن هدأت ملامحه حين رأى أنها لم تفقد الوعى، كانت ممدة فقط على الأرض تنظر إلى السقف وهى تبكي بصوت منخفض وقد اُستنزفت كليًا.
نهض تاج وبكل هدوء رفعها بين ذراعيه ثم سار بها إلى غرفة النوم، وضعها على السرير ودثرها ثم سار حتى وصل للناحية الأخرى وتمدد على السرير وهو يضمها وقد وضع رأسها على صدره وأمسك بيدها ويده الأخرى يضمها بها إليه من ظهرها وقد وضع ذقنه أعلى رأسها.
بقيت دموعها تنهمر حتى توقفت عن البكاء، كان تاج صامت حين قال فجأة بصوت رقيق وعلى وجهه ابتسامة شاردة: زمان وأحنا صغيرين فاكر كويس لما كنت في ثانوية عامة وأنتِ لسة طفلة صغيرة بضفاير، كنت خايف أوي مجيبش مجموع في ثانوية عامة وبابا يزعل مني ومع أني عارف أنه مش هيزعل مني أنا بس كنت عايزه يبقى فخور بيا، كانت ليلة أول يوم امتحان وأنتوا كنتوا معزومين عندنا بس أنا قاعد مش عارف أكل ولا على بعضي من الخوف والتوتر، كنتِ الوحيدة اللي لاحظتِ وبعد ما خلصنا دخلت البلكونة لقيتك دخلتِ ورايا وبكل عزم بتسأليني مالي ولما قولتلك لقيت وشك كشر وبكل غضب طفولي قعدتِ تهزقي فيا وإزاي أخاف طالما أما واثق من ربنا وعملت اللي عليا مينفعش أخاف أبدا، لازم أبقى قوي وأواجه كل حدث في حياتي بشجاعة حتى لو كانت الخسارة، قولتيلي أنه اللي يخاف بيخسر وبيفضل طول عمره خسران ومينفعش أبقى ضعيف ورغم صغر سنك إلا أنك يومها عملتيني درس كبير أوي.
كانت سروة ساكنة تستمع إليه فوضع يده أسفل ذقنها ورفع وجهها إليه قائلًا بحنان: من وأنتِ صغيرة كنتِ دايما أكبر من سنك، وقوية رغم كل شيء علمتيني أبقى قوي ولازم دايما أكون رافع رأسي، دلوقتي مينفعش تكوني أنتِ اللي ضعيفة كدة! أنا عارف وفاهم أنه اللي حصلك مش هين ولا أي حد يقدر يستحمله لكن سروة اللي اتعودت عليها حتى في أصعب المواقف كانت هتقف وتواجه مش هتنهزم بالطريقة دي، أنا هفضل جنبك وعلطول مادد لك إيدي بس أنتِ برضو لازم تمسك بإيدي علشان تقدري تخرجي من الوضع ده وتقفي على رجلك من تاني، أنتِ متستاهليش اللي حصل علشان كدة متسحميش لنفسك تفضلي فيه.
رغم لمعان عيون سروة بالدموع تأثرًا مما قاله إلا أن كان هناك للحظات شبح ابتسامة ضعيفة ظهرت على وجهها وهى تحدق إليه، بقيا يحدقان ببعضهما لفترة استمرت لبُرهة حتى اختفت ابتسامة تاج وهو يحدق إليها، تغير الجو فجأة وبدأ قلب سروة ينبض بسرعة حتى أشاح تاج بوجهه عنها وهو يزفر بشدة فوضعت رأسها على صدره بارتباك.
شعرت بشيء من الأمان يتسلل إليها فسكنت وأغلقت عينيها ببطء حتى نامت، نظر لها تاج بابتسامة ودون أن يشعر نام هو أيضا وهما على تلك الوضعية.
استيقظ تاج بعد بُرهة على اهتزاز هاتفه في جيبه فأخرجه ليجد والدته تتصل به، انسحب برفق من جانب سروة وهو يعدل وضعيتها حتى تنام براحة قبل أن يخرج من الغرفة ويجيب على الهاتف.
رد تاج بهدوء: نعم يا ماما؟
قالت سميحة بقلق: إيه يابني بتصل من الصبح مش عارفة أوصلك لقيت سروة؟
أجاب تاج بفتور: أيوا لقيتها الحمدلله وأحنا دلوقتي في البيت.
قالت سميحة بحذر وصوتها يرتجف: تاج اللي قولته ده صحيح؟ س....سروة حد
قاطعها تاج بصوت متصلب: أيوا يا ماما صحيح وده عرفته لما سروة حكت لي.
قالت سميحة ببكاء: خالك من ساعة ما مشيت تعب أكتر وطلبت له الدكتور.
رد تاج بدهشة: طب هو كويس؟ اجي لكم؟
طمأنته سميحة بحزن: أيوا الدكتور شافه بس هو من صدمته مش عارف يتكلم مفيش داعي تيجي يا حبيبي هو نايم دلوقتي بسبب الدوا.
تنهد تاج فقالت والدته بنبرة مختنقة: تاج هتعمل إيه؟
رد تاج بجدية: سروة دلوقتي تعبانة يا ماما ترتاح شوية ونفسيتها تهدى ونشوف هنعمل إيه.
أغلق الهاتف معها ولم تمر ثانية حتى وجد هاتفه يرن برقم غريب.
أجاب تاج بتعجب: أيوا مين؟
أتاه صوت شاب: مش أنت تاج الدين؟
رد تاج باهتمام: أيوا مين معايا؟
قال الشاب بتوتر: أنا اللي جيت لي البيت تسأل على عصام وقولتلي لو عرفت حاجة أكلمك، علشان كدة اتصلت عليك أقولك أني عرفت مكان عصام.
رأيكم وتوقعاتكم يا حلوين ❤️؟
•تابع الفصل التالي "رواية تراتيل الهوى" اضغط على اسم الرواية