رواية القاسي الحنين الفصل التاسع عشر 19
الفصل التاسع عشر
يقف أحمد مصدوما مما سمع من أخيه، لا يتحرك من مكانه ، لا يتكلم ، وماذا سيقول بعد ما قاله حازم ، يحاول استيعاب ما سمعه ، حاول أحمد التماسك حتى يستطيع التصرف.
تحرك أحمد وجلس بجانب أخيه ، وضع يده على كتف حازم حتى يشعره بأنه معه ولن يتخلى عنه .
أحمد بصدمة : أنت بتقول إيه يا حازم ؟ إمتى وإزاى ده حصل ؟
بمجرد ما وضع أحمد يده على كتف حازم حتى ألقى حازم بنفسه داخل أحضان أخيه ، وبكى بكاء شديدا مثل الأطفال ، أدمعت أعين أحمد على حال أخيه.
أحمد بتأثر شديد : اهدى ، وصلى على النبي كده وفهمنى.
جفف حازم دموعه وبدأ يحكى لأحمد ما حدث.
حازم بتأثر شديد : من فترة تعبت وأنا في مؤتمر الغردقة حتى فرح كانت معايا ، والدكتور طلب أشعة وتحاليل وأنا طنشت، قلت شوية إرهاق وخلاص ، بعد كده كل فترة بحس بصداع ، بدأ يزيد الفترة الأخيرة ، قررت إنى أروح أعمل التحاليل دى ، وفعلا رحت المستشفى ولسه النتيجة طالعة من أسبوع.
أحمد : طيب والدكتور قالك الخطوة الجاية إيه ؟
حازم: عملية .
أحمد بذعر : عملية ؟!!!!
حازم بحزن: ولازم في أسرع وقت.
شدد أحمد في احتضانه لعله يهدأ قليلا ويطمئنه من ناحية ، ومن ناحية أخرى يريد أحمد أن يفكر بطريقة صحيحة.
أحمد بحزم : بص يا حازم ، احنا دلوقت لازم نتحرك بطريقة عملية ، من بكرة هبعت التحاليل والأشعة عند واحد صاحبي دكتور بيشتغل في مستشفى في لندن ، وهو هيقولنا نبدأ منين ، وإن شاء الله خير ، متشيلش هم أى حاجة ، أنا معاك.
حازم بابتسامة : ربنا يخليك ليا، بس أنا مش عاوز الكلام ده يوصل لبابا ولا لماما ولا فرح.
أحمد : صحيح فكرتنى، إيه بقى الحوار ده ؟
تنهد حازم وبدأ يقص على أخيه ما حدث.
حازم بحزن : بعد لما اتأكدت من تعبي ، قررت إنى أبعد عنها ، فاتفقت مع الزفتة هبه على الحوار ده ، هى كانت محتاجة فلوس فقلت لها الفلوس مقابل التمثيلية دى ، وطبعا وافقت ، فرح مش لازم ترتبط بواحد زيي، مش ضامن يعيش لبكرة.
أحمد بحزن : ومين فينا ضامن يعيش لثانية كمان ، غلط يا حازم ، أنت تفكيرك مش مظبوط ، أنت متعرفش حالتها عاملة إزاى.
حازم بحزن : عارف كل حاجة ، أنا بتابع مع الدكتور بتاعها من غير ما حد يعرف.
أحمد : طيب وليه العذاب ده بس؟
حازم : عشان لو مت متزعلش عليا ، إنما دلوقت هى هتكرهنى فلو جرالى حاجة مش هيفرق معاها.
أحمد : أنا مش هضغط عليك في الموضوع ده دلوقت ، المهم نشوف موضوع السفر والعملية .
اكتفى حازم بهز رأسه فهو غير قادر على مناقشة أى أحد .
عند فرح
مازالت فرح في المشفى ، ترفض كل شئ متعلق بالحياة، كل يوم تزداد ذبولا، والدتها حزينة مهمومة على ما وصلت إليه بعد الفرحة والسعادة التى كانت تعيش فيها ، تحاول معها بشتى الطرق ولكن دون جدوى .
أمل : وبعدين يا فرح ، أنت كده بتموتى نفسك ، حرام عليك ، لو مش خايفة على نفسك خافى عليا أنا ، مفيش حد يستاهل تعملى في نفسك كده .
كانت فرح تستمع لكل كلمة تقولها والدتها ولكن لا ترد عليها ولا تنظر لها من الأساس ، فهى تنظر للا شئ أمامها ، تريد أن تصرخ في الدنيا كلها ولكنها لا تقدر ، فلم يعد بداخلها أى طاقة .
بعد شهر
خرجت فرح من المشفى بعد تحسن حالتها قليلا ، كان الخروج بناء على رغبتها ،واعتبر الطبيب هذه الرغبة مؤشر إيجابى لتحسنها ، ووافق بعد أن أخذ وعدا من والدتها بأن تتابع جلسات العلاج النفسي معه.
عادت فرح لمنزلها، شعرت بارتياح شديد عندما دخلت غرفتها ، لقد اشتاقت لها كثيرا ، صعدت على السرير وأرجعت رأسها للوراء ، أغمضت عيونها تفكر وتفكر ، لم يعد تفعل أى شئ سوى التفكير، تريد أن ترجع مرة أخرى لطبيعتها ولكن ما حدث ليس هينا، ترك بداخلها جرح وألم كبير لن يلتئم بسهولة.
دخلت عليها والدتها ، وجدتها على هذه الحالة، تنهدت بحزن على ما وصلت إليه ، تدعى الله كثيرا حتى تمر هذه الفترة بسلام .
أمل : نورتى الدنيا يا فرح.
ابتسمت لها فرح ولم ترد ، فهى إلى الآن فاقدة للنطق أو كما يقول الطبيب ممتنعة عن الحديث .
استعد حازم للسفر إلى الخارج لإجراء العملية ، رتب أحمد كل شئ ، كان فارس وكريم معهما في كل خطوة ، كان فارس يسافر ليتابع ترتيبات الإقامة والحجز ، أما كريم كان يتابع الشركة حتى لا يتعطل العمل. بناء على رغبة حازم.
أما عائلة حازم فهم إلى الآن لا يعلمون أى شئ عن مرض حازم ، ولكن يشعرون بوجود شئ غريب يحدث .
ذهب صلاح لشركته، فمنذ سنوات لم يذهب هناك ، ولكن قلبه يشعر بوجود مشكلة كبيرة ، وعزم أمره أن يعلم ما هى.
تفاجأ جميع العاملين بالشركة بوجود صلاح ، ورحبوا به ترحيبا كبيرا ، صعد لمكتب ولده الذى تفاجأ أيضا بوجوده.
أحمد : نورت الشركة يا حج .
صلاح : منورة بيكوا أنت وعلى .
أحمد : تشرب إيه ؟
صلاح : ملوش لازمة ، هما كلمتين ؛ حازم ماله؟
توتر أحمد بشدة وظهر عليه هذا التوتر .
أحمد : ممماله ؟
صلاح بحدة: أخوك في حاجة مش طبيعية ، شغل ما بيروحش، منعزل فى أوضته، مش بيتكلم مع حد إلا أنت ، في حاجة أنا مش فاهمها، و النهاردة لازم أفهم كل حاجة.
أحمد : هو بس متضايق عشان موضوع فرح .
صلاح بانفعال : أحمد ، ماضحكتش عليا ده أنتوا تربيتى ، وفاهمكوا وحافظكوا كويس ، موضوع فرح وانتهى داخلين على شهرين أهو ، وهو إللى سابها و معرفش ليه ، بس مش ده السبب ، انطق وقولى ، أنا قلبي واجعنى على أخوك.
عند هذه الجملة ، وانهار صلاح انهيارا كبيرا، لما يستطع أحمد أن يرى والده هكذا ، جلس أحمد على ركبتيه وقبل يد والده.
أحمد : اهدى يا بابا ، أول مرة أشوفك بتعيط ، أنا هحكيلك كل حاجة ، بس تمسك نفسك عشان كلنا لازم نقوى لإن حازم محتاجنا كلنا.
أغمض صلاح عينيه ، فهو على وشك أن يسمتع لكارثة واستمع لحديث ابنه ، صدم صدمة كبيرة من هول ما سمع ، لم يعلق على حديث ابنه ، لم يعاتبه على أى شئ ، فقط اكتفى بالدعاء .
صلاح بتأثر: رب لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه.
عاد صلاح للمنزل ، صعد لغرفة حازم بهدوء ، استأذن للدخول ، دخل وجد حازم يجلس في شرفة غرفته ناظرا للسماء يناجى ربه ، بمجرد أن رأى والده علم من ملامحه أنه علم كل شئ ، جرى حازم على والده ، وألقى نفسه داخل أحضانه يستمد قوته منه كما يستمدها دائما.
صلاح معاتبا: ليه تشيل الحمل ده لوحدك يا ابنى؟
حازم : مش عاوز أقلقكوا عليا .
صلاح : احنا بنقلق عليكوا من غير حاجة ، المهم مش وقت عتاب ، هتسافر امتى ؟
حازم : كمان أسبوعين إن شاء الله.
صلاح : على خيرة الله ، أنا معاكوا إن شاء الله.
حازم : مش هقولك لا لإنى بجد محتاجك جنبي.
ضمه صلاح إلى أحضانه وشدد من احتضانه : إن شاء الله هتقوم بالسلامة.
رفع حازم نظره للأعلى بمعنى ياااااارب.
بعد أسبوعين
استعد حازم وأحمد وصلاح فقط للسفر ، أما نبيلة فحالتها يرثى لها منذ أن علمت بهذا الخبر ، حاولت كثيرا أن تسافر معهم ولكن حازم رفض وبشدة ، وقفت تودعه بحرارة وسط دموعها التى تهبط مثل الشلال، متعلقة برقبته ترفض أن تتركه .
أحمد بتأثر: خلاص يا ماما هنتأخر على الطيارة.
نبيلة ببكاء : ارجع لى يا حازم ، مستنياك.
حازم بابتسامة حزن : ادعى لى كتير يا ست الكل.
ازداد بكاءها أكثر وأكثر ، أبعدها على عن حازم بصعوبة شديدة .
حازم لأروى : خلى بالك منها يا أروى .
أروى بدموع : في عنيا متقلقش.
حازم بتوسل: اوعى فرح تعرف حاجة لا دلوقتى ولا بعدين .
أروى : حاضر ، إن شاء الله ترجع لنا بالسلامة ، وترجعوا لبعض تانى يارب.
ابتسم لها حازم وألقى نظرة حب على المكان كله ، وركب سيارة أخيه على.
في المطار
كان يقف كريم وفارس ينتظران وصول حازم .
كريم محتضنا حازم: متتأخرش علينا يا صاحبي.
حازم : الشركة أمانة في إيديك أنت وفارس ، لو حصلى حاجة الشركة تفضل شغالة زى ما هى.
فارس بغضب: بعد الشر عنك متقولش كده.
حازم : يلا أشوف وشكوا بخير، سلام عليكم.
فارس وكريم بحزن بالغ: وعليكم السلام ، هتبقى نجيلك دايما ، لا إله إلا الله.
حازم مبتسما : محمد رسول الله.
عند فرح
كالعادة تجلس فرح في غرفتها ، تشعر بانقباضة في قلبها ، لا تعلم من أين هذه الانقباضة ، أحست بضيق كبير ، خرجت خارج الغرفة لعلها تستريح من هذا الضيق ، وجدت والدتها تصلى صلاة العشاء ، ابتسمت لها فرح وجلست بجوارها.
فرح : تقبل الله.
أمل بفرحة : منا ومنك يا قلبي ، حمد الله على سلامتك، أيوة كده اخرجى بره عزلتك دى ، ارجعى تانى نورى دنيتى بصوتك وضحكتك .
فرح : ربنا يخليك يا ماما ، متقلقيش عليا هبقى أحسن إن شاء الله.
أمل بدعاء: إن شاء الله هتبقى زى الفل.
قضت فرح الليل تحكى مع والدتها ، تريد أن تخرج مما كانت فيه ، تريد حياة جديدة، بل تريد فرح جديدة.
في الصباح
استيقظت فرح مبكرا ، عازمة على بداية جديدة ، التحدى على وجهها ، قضت الليل كله تفكر في شكل حياتها ، يبدو وأنها فرح جديدة غير فرح السابقة، بالطبع ما مرت به ليس هينا.
فرح : صباح الخير يا ماما.
أمل بسعادة : صباح الفل والورد والياسمين ، عاملة إيه النهاردة؟
فرح : الحمد لله أحسن كتير.
أمل باستغراب: لابسة كده ورايحة على فين ؟ لسه بدرى على معاد الدكتور.
فرح بحزم : لا أنا مش هروح لدكاترة خلاص ، أنا دكتورة نفسي ، ولازم أقف على رجلى عشان نفسي وعشانك.
أمل : طيب رايحة على فين؟
فرح بإصرار وتحدى : رايحة آخد حقي من الدنيا 🤔
يا ترى فرح ناوية على إيه ؟ وحق إيه إللى هتاخده؟ وهتاخده من مين وإزاى؟؟؟؟؟
•تابع الفصل التالي "رواية القاسي الحنين" اضغط على اسم الرواية