Ads by Google X

رواية حب بين نارين الفصل العشرون 20 - بقلم نورهان ناصر

الصفحة الرئيسية

  رواية حب بين نارين الفصل العشرون 20

اللهم إني أستودعك بيت المقدس وأهل القدس وكل فلسطين. اللهم ارزق أهل فلسطين الثبات والنصر والتمكين، وبارك في إيمانهم وصبرهم. اللهم إنا نسألك باسمك القّهار أنْ تقهر من قهر إخواننا في فلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين. 

اللهم  اشف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، وأطعم جائعهم، وانصرهم على عدوهم. اللهم أنزل السكينة عليهم، واربط على قلوبهم، وكن لهم مؤيدا ونصيرا وقائدا وظهيرا. سبحانك إنك على كل شيء قدير؛ فاكتب الفرج من عندك والطف بعبادك المؤمنين.

____________________

حب بين نارين البارت العشرون بقلمي نورهان ناصر


صرخة قوية صدرت منها عقبها دموعها المنهمرة بشدة على وجهها إلى جانـب اهتزاز الباخرة ، وازداد نحيبها أكثر وهي ترى جسده ينزلق ليستقر في البحر ، مدت يدها بارتجاف وحاولت الإمساك به ولكنه مع قوة الدفع افلتت يده وسقط في الماء هي بالأساس لم تكد تصل إليه لأنه كان يجلس خلف سياج الباخرة . 


مجنون !


قالتها لميس بداخل عقلها ثم صرخت بدموع وهي تقول:


_ مراد  مراد ! 


اختفى جسده في الماء وغاب عن ناظريها ، أخذت تبكي بشدة واقتربت من الحافة أمسكت بسياج الباخرة وهي تبحث بعينيها عنه لعلها تلمحه ، مضت دقائق ولم يظهر بعد ألم يكن نائمًا لما لم يستيقظ بعد ...؟.


أخذت تصرخ وهي تنادي عليه بقوة ، انحنت وجلست على ركبتيها وتجاهلت دوار رأسها ورغبتها في التقيئ الآن وأخذت تمعن النظر في البحر لا ترى أي حركة ، أوشكت الشمس على المغيب ، وهو لم يخرج بعد . 


تمتمت لميس ببكاء وهي تنظر إلى المياة : 


_مراد  اطلع والله خايفه لو سامعني أخرج كفايه ، مراد ، مراد إنت عارف إني مش بعرف اعوم ، أرجوك اطلع  ،مراد متوجعش قلبي أكتر ، اطلع .


صمتت قليلًا ابتلعت ريقها وأردفت بدموع:


_ مراد أنا خايفه ماتسبنيش لوحدي أنا بطمن بوجودك معايا طب تعرف هقلع الخمار و ...


_ المفروض ان ده إغراء يعني ولا إيه؟ 


شهقت بقوة وانتفضت بفزع من شدة المفاجأة وعلى إثرها وقعت في البحر من الزُعر ، اقترب مراد منها سريعًا وأمسكها ، ورفع وجهها للأعلى ، تشبثت لميس به بقوه وهو أمسكها جيدًا بينما هي لفت ذراعيها حول رقبته تكاد تخنـقه وهي تبكي وتصيح بإنفعال شديد:


_ منك لله  منك لله هموت مش هسامحك مش هسامحك ، حرام عليك .


صمتت قليلاً ثم تابعت ببكاء شديد ووضعت يداها على وجهها وأخذت تشهق بقوة وتنتفض:


_ أنت ليه بتعمل فيا كدا ؟ 


تمتم مراد بأسف وهو يمسكها جيدًا:


_ أنا آسف إني خوفتك بس ماهو أنتِ اللي مفكرتيش،أنا سباح ماهر وبعرف اعوم كويس وغير ده كله أنا كنت نايم ولما وقعت صحيت ! 


نظرت له لميس بدموع وشهقات جعلت كلماتها تخرج مُـتقطعة :


_ خَــ....ـر...جــ...ـني ... مـ...ـش قـ...ـا..دره أخُـ...ـد نَـ....ـفـ...سي ...طـ....ـلعني مــ...ـن ... هنـ..ـا! 


لف مراد يديه حول ظهرها وتمسك بها جيدًا وضمها لصدره وتمتم بنبرة هادئه حتى يهدأ من روعِها:


_ اتنفسي بس متخافيش .


صمت قليلًا ثم أردف بهدوء وعينيه عليها :


_ أهدي استرخي أنتِ معايا سيبي نفسك للمايه ترفعك .


نظرت لميس  له بتوتر وهي تبكي وبلا شعور تشبثت به أكثر وأغلقت عينيها وهب تهتف بتلعثم :


_ مش عايزه طلعني بتخنق !   


أنزل مراد يدها التي تخبئ بها وجهها وهمس قائلاً: 


_ فتحي عينك وبصي لي متخافيش أنا معاكي أهو ! 


كانت دقات قلبها مُتسارعة لم يكن الخوف وحده ما طغى عليها ، بل مشاعرٌ أخرى سيطرت عليها أثر قربه منها بهذه الطريقة و شتت كيانها كليًا وأربكتها لذلك رفضت فتح عينيها يكفيها ما هي به إذا كان قلبها يدق بهذه الطريقة وهي لا تراه إذن ماذا يحدث إن فتحت عينيها ، ضغطت على عينيها بقوة وهمست برجاء :


_ مراد طلعني أرجوك ! 


_ طيب تعالي أنتِ فصيلة بجد ! 


أنهى مراد حديثه ثم جعلها تصعد على ظهره ، وطلب منها أن تلف يديها حول عنقه ، من غير أن يطلب كانت لميس تتشبث بعنقه  به بقوة وهي تكاد تخنـقه الأمر الذي جعل مراد يتمتم بتزمر مضحك: 


_ لميس يا ماما براحه هَـتخُـنُقيني كده ومحدش هيطلع فينا انهاردة ! قولتلك استرخي شوي أهدي بقى متوترنيش ! 


وضعت لميس رأسها على ظهره وهدأت حركتها فجأةً ، كما ارتخى ذراعيها المُـلتفان حول رقبته ، شعر مراد بها وبثقل جسدها ، فتح عينيه على آخرهما وهتف بقلق شديد: 


_لميس ..لميس رد عليا ! متهزريش بقى خلاص ! 


توقف مراد عن السباحة وأمسك بها جيدًا ثم أدارها ناحيته رأى وجهها شاحب و مغمضة العينين كما كانت شفاهها زرقاء ، توتر مراد كثيرًا ثم سحبها معه باتجاه الباخرة .


أخرجها أولًا ثم صعد بعدها وضعها مراد على أرضية الباخرة وقام بنزع الخمار عنها وآمال رأسه قليلاً ليستمع لدقات قلبها بتوتر شديد ، ثم هب من جلسته مصعوقًا نبضات قلبها ضعيفة ، وبتوترٍ جلس مرة أخرى ووضع يديه على وجهها وأخذ يضرب على وجنتيها بخفه وهو يهتف بخوف شديد: 


_ لميس ، لميس قومي خلاص إحنا كده اتساوينا قومي بقى طب لو مقومتيش هديك واحدة من بتوع قبلات الحياة أنتِ حرة بقى مترجعيش تزعلي يلا ..


ازداد قلقه أكثر من صمتها بتلك الطريقة وشحوب وجهها أربكه أكثر كان يتوقع بعد حديثه هذا أنها ستنهض ، فهو كان يعتقد أنها ترد له الصاع ، كما فعل بها ولكن لما ستفعل ذلك وهل هي تعني لك شيئًا حتى تغامر بحياتها وترى مقدار حبك أو قلقك عليها يا من كنت تنوي قتلها بالأساس . 


هز مراد رأسه بقوة ينفض تلك الأفكار التي لا وقت لها وهو يطالع وجه لميس الشاحب بعيون متسعة قلقه :


_ لميس لميس رد عليا أنا عارف إنك سمعاني يلا قومي بلاش هزار .


صمت قليلًا يراقب تعبيرات وجهها بعد كلامه لم تتغير قط بل يزداد شحوب وجهها أكثر وأكثر . 


ولسوء الحظ تذكر مراد وضع أخته في تلك الليلة وها قد عاوده شعور العجز و الخوف المُـربك وهو يراها هامدة كالجثـه بلا أية حركة وبأنفاس بطيئة ، تدريجيًا هاجمته الذكريات وأخذت تتدفق على عقله كأنها أمطار غزيرة مصحوبة بذكريات مؤلمة كل قطرة ماء منها تحمل ذكرى تعيسة مؤلمة لقلب صاحبها.


ابتعد مراد عنها خطوة للخلف وأحنى رأسه ليـدفنـها بين قدميه كالنعامة الهاربة من شيءٍ مخيف وهو يحرك جسده بحركات متوترة  ،وأخذ يهذي بـأشياءٍ لا معنى لها وهو يرى أخته أمامه غارقه في دمـائها وهو لا حول له ولا قوة.


كانت الرؤية ضبابية في البداية وغير واضحة وشيئًا فـشيئًا إتـضحت الرؤية أمامه ، إنه يرى طفلة صغيرة ممددة على الأرض تبكي وتصرخ بقوة وهناك وحشٌ كاثر ذو أنياب حادة يجثو فوقها ، بينما هو يقف في ذات الغرفة في زاوية ما منها عاجزًا عن فعل أي شيء وضع يداه على أذنه وهو يبكي ، هتفت تلك الصغيرة بـكلمة واحدة  "مراد" 


رفع رأسه ونظر نحوها بأعين متسعة إنها أخته حبيبة قلبه ، حاول أن يتحرك لنجدتها ، ولكن قدماه لا تُسعفانه ، نظر إليهما فوجد قدماه مغروزتان في الأرض كأنهما كالجزء منها ، انسابت الدموع من عينيه كشلالٍ وأخذ يبكي ويصرخ بصوت يقطع نياط القلوب .


_ مراد مراد فوق ! ده كابوس فوق يا مراد مش حقيقة ! 


فتح عينيه المُحمرتان من شدة بكائه ونظر إليها ثوانٍ ، ثم أغمض عينيه بقوة وشهقة ألم صدرت عنه  ، ضمته لميس إلى صدرها واحتوته بين يديها وأخذت تربت على ظهره بحنو بالغ وهي تتذكر قبل أن تفيق ذاك الكابوس ..


عودة إلى الوراء


كانت تسير على غير هدىٍ فجأةً تنشق الأرض ليظهر منها بئر عميق وهي معلقة بـحبلٍ صغير ، بكت بشدة ونظرت إلى الأسفل فرأت موجة عاتيه على شكل دوامة مهوله تكاد تبتلعها أخذت تصرخ وتبكي بقوة وهي تنتفض فجأة شعرت بقطرات مياه ساخنه على وجنتيها .


شهقت لميس بقوة وهي تصحو من ذاك الكابوس ووجدت بعض العبرات على خديها ، فتحت عينيها ببطء وصُـعقت بما رأت مراد يجلس ضام قدميه إلى صدره ويدفن رأسه بين ركبتيه ويهذي وتتعالى أصوات صرخاته وجسده يهتز بقوة ، اقتربت منه والتقطت أذنيـها بعض الكلمات .


"لميس أنا مش عارف أساعدك ....رجلي مش راضيه تتحرك .. ..لا لا أبعد عن اختي ..."


تلقائيًـا انهمرت دموعها وأخذت تنهمر بقوة على وجهها عندما فهمت ما به رؤيته لها ممددة على الأرض بلا حركه لاشك ذكرته بأخته ، حزنت لميس بشدة على حاله وأنها السبب في تذكره لتلك الذكرى المـؤلمة ، يا الله هي من جهة ووالدها من جهة أخرى كيف له أن ينسى ذاك اليوم ..أنى له ذلك ؟ 


وضعت يدها على رأسه وأخذت تنادي عليه بصوتٍ مرتفع نسبيًا لكي ينتبه لها و يفق من هذا الكابوس 


عودة إلى الواقع


كانت لميس تضمه لها بقوة وهو يبكي بشدة بين أحـضـانها ويديه مُـتشبثة بثـيابها بقوة ، تنهدت لميس بحزن ثم تمتمت بعـباراتِ الأسف الشديد وهي تقول بصوت باكي: 


_أنا آسفة سامحني والله ما كنت أقصد أفكرك مراد فوق أنا هنا معاك أنت بتحلم فوق ! 


أجابها مراد بحزن شديد وهو يقول بينما يجذبها له أكثر يـكاد يدخلها إلى قفصه الصدري: 


_ لميس أنا تعبان عاوز أنسى...عاوز أنسى ...


منعته غصه مؤلمة عن تكملة باقي حديثه ، ربتت لميس على رأسه بحزن شديد وهي تبكي ثم قالت بصوت جاهدت لإخراجه من حلقها فخرج مُـتقطعًا ضعيفا من بكائها 


_ أنا معاك مش هسيبك هتنسى إن شاء الله.


ابتلعت ريقها وأردفت بدموع :


_ هتنسى هي عند ربنا اللي أرحم مني ، ومنك ومن الناس كلها ، هي عند الرحمن متقلقش عليها هتجتمع بيها يوم القيامة وهتشوفها  .


صمتت وهي تضغط على شفتيها بقوة بينما لازالت تبكي ثم تابعت :


_عروسة في الجنه  إن شاء الله ، ادعيلها بس !!.


_____________________


ألقى بمفاتيحه بإهمال وجلس على الأريكة بتعب أغلق جفونه بإرهاق شديد ، فجأة شعر بسائل ساخن يسير على وجنتيه ، فتح عينيه وكفكف دموعه وأخرج تلك الفلاشة ووضعها أمامه وهو يتذكر لقائه مع ذاك المحامي 


عودة إلى الوراء 


عندما تمتم سعيد بتلك الكلمات ، جال في خاطره هاجس مُـرعب فقال :


_ أنت قصدك .....


جلس سعيد بحزن ووضع الفلاشة على الطاولة المهترئة وتمتم بأسى :


_أيوة إللي جه في بالك صح الفلاشه دي عليها الجريمة البشعة إللي عملها في عيلة مراد ! 


بصوت ضعيف قال العم أحمد : 


_كل حاجه كل حاجه مش كده ؟! 


أومأ سعيد برأسه إيجابا بخزي :


_أيوة جايبه كل حاجه بالتفصيل صحيح التصوير عكس بس ممكن يتظبط و...


نهض العم أحمد عن مقعده وتمتم بضيق شديد: 


_بس متكملش انتوا إيه؟! مبتخفوش من ربكم إيه التفكير ده ؟ 


_ أنا هحكيلك كل حاجه ...هو بعد ما اتأكد إن البوليس قبض على محمد جالي بليل وقالي ..


عودة إلى الوراء


_ كله تمام يا باشا ده فيها تأبيده كده بقى نقول على رأي بشندي في الخالة نوسى خرجَ ولن يعود ! 


ابتسم عز بشر :


_ المهم سيبنا من سيرته الهم دي وقولي جبت المطلوب ..


على الفور أردف سعيد بهدوء:


_ أيوة يا باشا حلال عليك ! 


_جايلك يا سمورتي ! 


_طيب اتفضل يا باشا محدش هنا غيري مراتي وبنتي في البلد عند اهلها ...الدار أمان تعالى وأنا هظبطلك دماغك علشان تنغنغ وتكون فايق .  


ضحك عز بخبث :


_ ليلتنا فُـل ! 


دخلا إلى المنزل واتجه عز إلى المرحاض_ عافانا الله وإياكم _ أخذ المحامي سعيد يسير ببطء إلى المرحاض حتى استمع لصوت المياة ، تنهد بارتياح واتجه إلى الصالة أمسك بجاكيت بدلته وقام بتشغيل الكاميرا الصغيرة التي قد زرعها سابقًا في أزرار البدلة الخاصة بـعز ، وابتسم بخبث شديد ، ثم عاد إلى مكانه وانتظره حتى خرج وقام بإعطاء الدواء له ، تجرع الأخير وابتلع حبات الدواء وتمتم بإنتشاء وهو يقول بجنون 


_هرجع ما هو ملكي ! 


أنهى حديثه ثم غادر ، تمتم سعيد بعد رحيله:  


_وعن قريب رقبتك هتبقى في ايدي يا بتاع سمورتك ! 


عودة إلى الواقع


وقف العم أحمد بتوتر يقول : 


_أنا همشي دلوقت ! 


أردف سعيد بحزن: 


_ وبنتي ؟. 


_متقلقش الموضوع عندي سلام ! 


عودة إلى الواقع


عاد من ذكرياته يقول بضيق :


_ أقوله إزاي بس عليه ياربي  وأنا عارف إنه منسيش ! 


أخرجه من شروده صوت هاتفه ، رد العم أحمد والدموع تنهمر أمام وجهه مارآه لا يتحمله بشر 


_أيوة يا جنار ...


قالت جنار بصدمة:


_ إنت بتعيط؟ إيه إللي حصل مالك؟ 


أجابها العم أحمد وهو يمسح دموعه: 


_ وصلت لسعيد !.  


هتفت جنار بسعادة : 


_طب كويس إيه إللي حصل أكيد وصلت لحاجه ودي دموع الفر....


_ لأ إللي وصلتله دليل حساس جداً وصعب وفوق طاقة البشر يا جنار ...


_ دليل إيه ده ؟ 


قص عليها العم أحمد ما جرى معه في مقابلة المحامي سعيد وعن تلك الكاميرا الصغيرة والفلاشة ...


_ أحمد الدليل ده إحنا في غنى عنه مش لازم يوصل لمراد أبدًا مفهوم إحنا مصدقنا إنه فاق شوي وأنا واثقه إنه بردو لسه فاكر الحادثة ومش ناسيها والفيديو ده هو النار يا أحمد مراد لحد دلوقت لسه بردو عايش في كوابيسه لو الفلاشه دي وصلتله يبقى حرقناه بـإيدينا...


_ من غير ما تقولي أنا مش عارف اتلم على أعصابي من إللي شوفته اطمني الفيديو مش هيوصله إحـنا هَـنـعـتبر إن الدليل ده مش موجود أصلا ! .


_________________________


كان لا زال متشبثًا بها بقوة كأنها سرابٌ وستختفي إن تركها، ربتت على رأسه بحزن شديد وتمتمت بأسف وإحراج من وضعهما :


_ مراد ! قوم معايا لازم تغير هدومك دي ! 


حرك مراد رأسه بحزن : 


_مش عايز ! 


_ بس كده هتبرد ! 


_ سيبيني على راحتي ! 


قالت لميس بمحاولة لتغيير الجو المتوتر:


_ إنت ليه إتأخرت في المياه طلما بتعرف تعوم يعني .


صمتت قليلًا ثم تابعت بمرح :


_ولا لا لازم تخوف الغلبانه لميس وتوقع قلبها صح يا شرير ! 


نهض مراد ورفع رأسه وتمتم بذهول : 


_ شرير !. 


ضحكت لميس برقه :


_ أمال إنت تسمي إللي عملته إيه؟ لا وخلتني أنزل البحر وكنت هتموتـ .


وضع مراد يده على شفتيها وتمتم بنبرة حزينة :


_ متجبيش السيرة دي تاني .


أومأت برأسها وانزلت يده بتوتر وقالت مغيرة  الموضوع ؛ 


_ إنت هتعمل إيه بعد كدا يعني أقصد خطواتك الجاية ؟. 


وضع مراد رأسه على قدمها مرة أخرى وأردف بنبرة هادئة نوعا ما : 


_حاليًا أنا مش عايز أفكر في حاجه خالص ولا تسأليني عن أي حاجه ممكن .


قالها برجاء فتمتمت لميس بهدوء وهمست قائلة: 


_طيب بس قوم خلينا نغير الهدوم دي الأول ! 


_ قومي غيري أنتِ لتبردي و ...


_وأنت كمان  .


صمتت قليلًا تفكر ثم هتفت بمرح :


_عارف لو غيرت هخلع الخمار إللي....! 


ابتسم مراد بخفوت على حديثها الأخير وتمتم بتزمر:


_هخلعلك الخمار  لا ياشيخة كتر خيرك كده ، وهو أنتِ مش واخده بالك إن شعرك باين ولا هي الصدمة فقدتك الشعور ..


شهقت لميس بتوتر ووضعت يدها على رأسها وقالت بغيظ وهي تلكزه على كتفه بخفه :


_ ما انت شيلته أهو يا مستغل الظروف نفسي أفهم إيه مشكلتك مع الخمار بس مش إنت إللي جايبه ! 


قال مراد بشرود:


_ مفيش مشاكل بس بضايق لما بشوفك كده ..يعني أقصد مش واخده راحتك كأن إللي معاك واحد .


صمت قليلًا ثم أردف بسخرية :


_ أجنـبـي ! 


ضحكت لميس وهي تبعد خصلات شعرها خلف أذنيها مكملة ببسمة صغيرة: 


_ إنت قلبك أسود بقى لسه فاكرهالي ده كان كلام وليد اللحظة ! 


تمتم مراد بتهكم: 


_ وياترى الولادة كانت طبيعي ولا قيسريه! 


همست بخفوت :


_ قليل الأدب !.  


نهض مراد فجأةً وقال وهو ينظر للبحر الواسع وها قد أسدل الليل  ستائره عليهم : 


_ سمعتك على فكرة ! 


قالت لميس بخجل وتغيير الموضوع  :


_ أنا هدخل أغير واتوضى ونصلي المغرب أذن من زمان ! 


_ وهو ينفع نصلي من غير ما نسمع الأذان كنت فاكر أسئلك بس أنتِ نزلتي تحت ! 


ازدادت ابتسامتها مصحوبة بدقات قلبها وأجابته بهدوء حتى يستوعب حديثها : 


_ آه ينفع في حالتنا دي شوف هقولك أمثلة علشان تقدر تفهمني لو إنت مثلاً محبوس في أوضة ومش معاك ساعة ولا أي حاجه علشان تعرف وقت الصلاة وطبعًا لا سمعت آذان ولا غيره وعايز تصلي  ، المفروض تجتهد في معرفة الوقت المقدر للصلاة على حسب ظنك وتصلي وفي الحالة دي صلاتك بتكون صحيحة لأنها عن اجتهاد .


أخذت نفسًا عميقًا ثم تابعت بنبرة غلب عليها الهدوء رغم ارتعاشة صوتها إثر الهواء البارد :


_  أما لو كنت في بيتك وصليت قبل الوقت فبتعيد الصلاة تاني لأن متوفرلك إنك تعرف الوقت سواء من سماع المؤذن أو إنك تجزم في الوقت يعني تكون عارف وقت الصلاة مثلاً بخلاف بقى لو كنت محبوس في مكان بعيد ومفيش جنبك مسجد ولا أي حاجه تستدل عليها  ، ونفس الوضع بردو في حالتنا دي إحنا في وسط البحر وأكيد يعني مفيش مسجد علشان نسمعه فاحنا بنجتهد في معرفة الوقت وكمان عندنا دلائل أهو معانا ساعات وغير ده كله الشمس غربت أهي واختفت من زمان والليل أهو هلّ علينا يبقى ده موعد صلاة المغرب ، فهمت ؟.  


كان يستمع لحديـثها وعلى وجهه ابتسامة عريضة

إنها فتاة صالحة ومثقفة حتمًا ستكون زوجه صالحه لزوجها وأم جيدة لتربية أبنائها على القيم والأخلاق الحميدة إنها كنز لمن يعرفها ، طال صمته ولم يرد عليها بقى يحدق بها فقط ، قلقت لميس عليه وازداد خوفها فاقتربت منه ووضعت يدها على وجهه بترددٍ وقالت:  


_ مراد إنت كويس ! 


فاق من شروده بها على صوتها القلق ، حدث نفسه هل تقلق عليه ؟ نعم لقد كانت خائفة عليه عندما اختفى في الماء وتغلبت  على مخاوفها من أجله واقتربت من الحافة متجاهلة خوفها وأيضًا شعورها بالدوار ، أعادت لميس تكرار سؤالها مرة أخرى وهي تهتف بقلق: 


_مراد مراد إنت سامعني؟ 


رفع مراد يده ووضعها على يدها التي تمسك بوجهه وقال : 


_ أنا كويس روحي يالا غيري وأنا هاجي وراكِ.


ثم إبتسم وتابع قائلاً: 


_ وجهزي المصلى ! 


تمتمت لميس بسعادة: 


_ ماشي ! .


________________________


كانت تقف أمامه تتنفس الصعداء قبل أن تهم بإخباره ما لديها : 


_ يا يازعيم العملية قربت وعز لسه في المستشفى مطلعش !!


رد عليها بهدوئه وهو يدخن السجائر:


_ أنا حاسس إن موت بنته هيأثر على شغلنا معاه ويكأنه بيحبها أوي وهو راهن حياتها لينا تمن لوفائه وفي نفس الوقت منقدرش نتخلى عنه هو ضلع مهم في عصابتنا أنتِ شكلك نسيتي مين إللي جابك هنا ! 


ردت عليه ببرود:


_لا منستش بس اتعلمت البقاء للٔاقوي ولولا كفاءتي مكنتش قدرت أوصل لهنا وأمتلك ثقة الزعيم مرة واحدة ! 


تمتم بهدوء:


_ معاكِ حق وهو ده إللي عاجبني فيك غرورك بنفسك أوي وثقتك دي يا سمر ! 


قالت سمر بجمود:


_العملية هتم اسمحلي أشرف عليها من بعيد ! 


أومأ برأسه وتابع قائلاً: 


_تمام أنا أصلاً محتاجك في شحنة بنات هتيجي بردو مع العملية عايزك تتولي المهمه دي بنفسك 


_ علم وينفذ يا زعيم ! .


________________________


كان يجلس على المقعد بيده صورة لفتاة وهو يبكي بشدة:


_يا ترى أنتِ فين يا سمر وعايشه ولا ، منك لله يا عز الـكـ...


صمت قليلاً ثم تابع ببسمة:


_ أنتِ بنتي القوية الذكية أنتِ ما اخدتيش كورسات  ملاكمه وفنون الدفاع عن النفس علي الفاضي أنا وديتك بإيدي لأحسن مدربه عشان تضربك كويس بجانب الكاراتيه أنتِقوية ومش هتسمحي لحد يأذيكِ وأنا واثق إنك عايشه . 


أنهى حديثه وهو يتذكر شيء ما


عودة إلى الوراء


_ بابا بابا عايزاك في موضوع مهم ومستعجل 

حياة أو موت 


_ خير يا بنتي حصل إيه؟ 


غمغمت سمر بنبرة حزينة :


_بابا حصل موقف معايا في الجامعه وفي شباب ضايقوني وأنا ضعيفه مش عارفه أدافع عن نفسي ! 


استرعى حديثها كامل انتباهه ليردف سعيد بقلق :


_ حد منهم عملك حاجه ؟


_لا يا بابا بس لإيمتي هسكت عن المهزله دي؟ عايزة أتعلم فنون قتاليه يا بابا أنا مضمنش المرة الجايه يعملولي إيه وأنا ضعيفه كده !


_ بعد الشر يا قلب أبوكِ من بكرة لأخدك بنفسي وأوديك عند أحسن مدربه وتدربي معاها علي كل اللي أنتِ عايزه تتعلميه وااللي يقرب منك مش بس تكـسري دراعه لا اكسـري عنقه ! 


_ بحبك يا بابا ومتقلقش بنتك بعون الله .


صمتت قليلًا ثم أردفت بمرح :


_بعد إعادة التأهيل هتكون حاجه تاني خالص ومش هسمح لحد إنه يضايقني تاني وهعلم الشباب دول درس عمرهم ماينسوا أبدًا ! 


_ this my girl


عودة إلى الواقع


تنهد سعيد بحزن من أثر تلك الذكرى وقال وهو ينظر للصورة:


_ يا تري يا بنتي لسه زي ما إنتي ولا الأيام غيرتك ! .


_____________________


كانت تراقبه من وراء الباب وهو يصلي بخشوعٍ ويبكي بشدة بعد أن انتهوا من الصلاة حدثها برغبته أنه يريد الاختلاء بنفسه قليلًا ، أومأت برأسها بحزن وتركته ولكن الفضول والقلق انتاباها وبالأخص شعور القلق والخوف عليه تخشى أن يغرق في كوابيسه من جديد خافت عليه ، لما لا تقولها صريحة بلا أي مبررات لما تَحطُ أعزارًا واهية .


هي قلقه عليه لأن أمره يهمها ،لما لا تعترف في قرارة نفسها أنها تكن له المشاعر ، ببساطة لأنها لا ترى طريق يجمعهما حياتهما محفوفة بالنيران من كل جانب لا جدوى من المحاولة ، لما تعترف وتعلنها صريحة وهي تعلم النهاية لا أمل لا تريد أن تعلق آمالها على حبالٍ مهترئة يكفي أن تحتفظ بمشاعرها بينها وبين نفسها  .


صرخ قلبها بهياج والنيران تلتهمه ، أولستِ مؤمنة ألم تقرأي قول الله تعالى 

"لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا"من قال لك أن تلك هي النهاية من قال ، لا أحد ، الغيب بيد الله وحده .


أفاقت من شرودها على تساقط عبراتها التي أخذت تنهمر مع كل دمعة تنزل من عينيه وشعرت بألم في قلبها والضيق لا ترغب برؤيته ضعيفًا هكذا ، تذكرت عندما كان يتشبث بها بقوة عندما بكى في صدرها واستمعت لنحيبهِ وصرخاتهِ التي أصمّت قلبها وجعلته يحتـ"ـرق بلهيبهِ .


أدارت نفسها وأولته ظهرها و عضّت على شفتيها بقوة حتى تمنع شهقاتـها من الوصول إلى مسامعه واتجهت إلى سطح الباخرة وجـثت على ركبتيها ورفعت رأسها ونظرت للسماء حالـكـة السواء إلا من نجومٍ صغيرة تلمع لمعًا في السماء وكأنها تخبرها أن في وسط تلك الظُلمة هُـناك بصيص أمل تمسكِ به .


_  قاعدة كده ليه ؟ 


قالها مراد وهو يجلس بجوارها وينظر إلى وجهها رأى احمرار خدودها وانفها علم أنها كانت تبكي وبعد أن سمعت صوته خانتها عبرةٌ عرفت طريقها لتستقر على وجنتها ، مد مراد يده بهدوء وأزالها بحنان ، فتحت عينيها بعد أن شعرت بيده على وجنتها ، وبمجرد أن وقعت عيناها عليه ، اندفعت تجاهه وعانقته بقوة.


أخذت تبكي بشدة وهي تتشبث بثيابهِ من الخلف بقوة ، تفاجأ مراد من حركتها إلا أنه لم يملك سوى أن يطوّقها بذراعيه وعانقها هو الآخر بشدة وكأن كلاهما كانا في حاجـةٍ لهذا العناق أكثر من أي وقتٍ مضى ، فقط عناق صامت لا يرغب أحدهما في الحديث وقطع هذه اللحظة التي لن تتكرر، يريدان أن يشعرا فقد بالدفء والحنان والأهم من كل هذا هو الـحُـبّ.  


_____________________


_ هل ستبقى فيروز بمصر؟ 


هتفت بها الخالة فاطمة عندما رأت أختها تجلس شاردة كعادتها منذ أيام ، تنهدت جنار بهدوء تمسح ما بين عينيها بارهاق :


_ أخبرتني أنها ستتأخر في العودة قليلًا يحتاجونها هناك ! 


_وهل ستتركُكِ يا أختي كل هذه المدة ؟


ابتسمت جنار وهي تربت على يد اختها بلطف :


_أنتِ معي هُنا أليس كذلك؟ أم أنك

تفكرين بالعودة أنا لن أمنعك ! 


_ لا عزيزتي أنا لن أتركك سأبقي معك حتى تأتي فيروز إن شاء الله .


صمتت قليلًا ثم أردفت بمرح :


_ أم أنكِ قد مللتِ مني؟ 


_ أنتِ لا أحد يمُـل منكِ حبيبتي ! 


___________________


كان مستلقيا على قدميها وهو يغمض عينيه بينما كانت تنظر له بحزن شديد وتتمنى بداخلها لو في إمكانها نزع ذاك الحزن عن صدره وإخراج تلك الذكرى المـؤلمة من رأسه ليرتاح من عذابـ"ـه ولو لبعض الوقت ...


_ مراد أحسن دلوقت ! 


فتح مراد عينيه ونظر إليها بعمق رآه قلقها عليه واضحًا ، شرد قليلًا وهو يتذكر عندما وقع في البحر ....


استيقظ مذعورا ليجد نفسه مستقرًا في المياة ... أخذ يفكر كيف وصل إلى هنا ألم يكن نائمًا ...


ضحك داخله بصمت وهو يقول لذاته:


_ هو في عاقل ينام عندالحافة  .


أسكت تلك الأصوات في داخله عندما جالت في خاطرهِ فكرة شيطـ"ـانيه وهي إرعاب تلك المسكينة  ، ظن مراد أنها مجرد مزحه طريفة إلا أنه كان وراء تلك المزحة أمرًا يريد مراد التأكد منه ، كتم أنفـاسه ، هو معتاد على ذلك يمكنه البقاء أسفل المياه لمدة سبع دقائق كامله بالإضافة إلى أنه سباح ماهر .


وعندما قرر الاقترب من سطح المياه ، تفاجأ بحديثها وبكائها الشديد عليه وما أضحكه وأفسد عليه الإستمتاع بفكرته هو قولها له تلك الجملة "طب بص هقلع الخمار" ، لم يقدر على البقاء أكثر وانفجر ضاحكًا بقوة وهو يصعد إلى السطح فجأةً فقام بإفزاعها ، وتسبب في سقوطها .


افاقته من شروده وهي تضع يدها بتردد على وجهه فبعد أن طال صمته ولم يجب عليها ظنت أنه قد غفى ، فأخذت تمرر يدها على شعره ولا شعوريًا أخذت تلعب فيه بصمتٍ.


- بحبك ! 


نظرت لميس له بصدمه و ......

  •تابع الفصل التالي "رواية حب بين نارين" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent