Ads by Google X

رواية طوق نجاتي الفصل الثاني والعشرون 22 - بقلم ابتسام محمود

الصفحة الرئيسية

 رواية طوق نجاتي الفصل الثاني والعشرون 22

الفصل الثاني والعشرون

يصدح هاتف "عمر" ضجيج رناته يقوم يمد يده بكسل يأخذه، و يجيب بدون أمل في الحياة، حتى أن سمع صديقه في العمل يخبره:

- عمر... هند سحبت فلوس من منطقة ".." في"...".

اخذ أنفاسه بعدما انقشع عنه الشعور بالهزيمة، وأصبح يشعر بالأمل من جديد، كان يتحرك يمينًا ويسارًا بكل طاقة ليستعد لرأيتها، يا لها من مفاجأة سارة خلقت في نفسه البهجة، وتهلّلت أساريره والتمعت أعينه سرورًا، انهى ارتداء ملابسه وترجل سريعًا على السلم، كاد قلبه يقفز من بين أضلعه من فرط سعادته.
           ★********★

- اتفضلي يا نيللي ادخلي في الموضوع على طول.

قال "ريان" جملته بعدما عكست عينه الضيق الذي اعتراه من "نيللي"، حينما وضعت يدها متمسكة بمعصمه بقوة راجيه إياه أن يستمع لها، فقد كانت ترمقه داخل عيناه بنظرات حب وهيام كم بادلته إياها في الماضي .. كم كانت تتمنى إعادة سريان الحب بداخل قلبه من جديد، لكنها وجدت منه النفور والغضب حين سحب يده بقوة رافضًا ملمس كفيها الذي كان بمثابة نيران تحرقه اشتعالا وغضبًا لم يستطع تحملها.. كم تعجب أليس هي نفس الكف الذي كان يعشق ملمسه ويقبله في كل لحظة وهي بجواره ؟ فماذا حدث الآن ؟ لما كل هذا الغضب والنيران ؟! عندما رأت تغير ملامحه؛ زفرت انفاسها بحزن وعينان تفيضان بحور من الندم، صمتت عندما لجم لسانها عن التفوه  والتعبير عن مكنون ما بداخلها من الكلمات، فقد شعرت بوجزه داخل قلبها آلمتها بشدة، وهي كانت على يقن تام أنها المتسببه في تلك العاصفة التي هبت رياح الغضب عليها .. بل هي الجانية في حقه وتستحق ما عليه الآن، ازداد شعورها بالحزن والانكسار، فكانت دموعها تهطل بغزارة ارادت التحرر بحرية، لعلها تستغيث مطالبه منه الرحمه والرأفه لحالتها.. لكن مع نظراته الحاده جعلتها تشعر أن موتها محتوم في تلك اللحظة؛ فلا نجاه ولا مفر منه، فبعدها عنه يعني الموت البطئ .. بلعت ريقها وحاولت اخراج صوتها المبحوح بهمس وترجي:

- ريان ارجوك اديني فرصة واحده بس !!

انكمشت ملامحه بغضب لأصرارها الخوض داخل حديث تم اغلاقه منذ زمن، رد بهدوء عكس ما يدور داخله من حمم بركانية، وهو يلم متعلقاته:

- الواضح أن مافيش عندك كلام جديد تقوليه، بعد أذنك.

كانت تظن أنها تتمكن من العودة للوراء .. إلى حياة الكثير كانوا يحسدوها عليها، ولكنها نسيت انها من اجرمت وباعت حب سنوات مضت، كانت تعتقد بأقل الكلمات إعادة الحب والسعادة، معتمده على رصيد حبها بداخله، لكنها غفلت ان الرصيد مع الجرح والايام قد ينفذ .. ولم تدرك جرم ما فعلته انها بذلك حطمت قلب وعلمته الأسى و القسوة التي لم تذوق منها قطرة من ذي قبل .. نهضت سريعًا بحزن حقيقي وقفت في قابلته تمنعه من الرحيل بعيون دامعه:

- للدرجه دي خلاص مش طايقني؟

اغمض عينه بقوة، وهو يزفر أنفاسه الملتهبه، رفعت يدها باستسلام لكي يهدأ ولو قليلا قائلة: 

- خلاص يا ريان هتكلم في الجديد.... ممكن تقعد؟

القى كل متعلقاته على الطاولة بأهمال وقلة صبر، ثم وضع يده تحت ذقنه منتظر حديثها، فأبلغته على استحياء وبصوت هامس:

- هحكيلك بس اتمنى أنك متفهمنيش غلط....  انااااا مضيت على عقد عرض ازياء ل فرد واحد....

اعتدل من جلسته، واتسع بؤبؤ عينه بذهول... فقالت بتبرير وهي تطقطق اصابعها بتوتر:

- والله يا ريان قبل ما امضي... خالد أكد ليا أنها في مكان مخصص للعرض... اصل بيكون في أمراء بيحبوا يقعدوا براحتهم من غير ما العين تكون عليهم.

فقد ثباته واخرج كل ما بداخله ولم يراعى من يجلسون حوله:

- وصل بيكي الحال عشان الفلوس والشهره تنزلي للرخص ده ؟!

زفرت عينيها الدموع تلقائيا، حاولت اخراج صوتها المتحشرج:

- ريان انت فهمني غلط... انت عرفني كويس.

ابتسم ابتسامه تحمل الكثير من الأوجاع، وأبلغها بعيون بها سحابة من الدموع من القهر على من جعلها في يوم تملك قلبه:

- للأسف أنا كنت عارفك زمان .. او كنت فاكر إني عارفك... دلوقتي اتأكدت إني معرفكيش... نيللي اللي كنت اعرفها... وحبتها واللي كان نفسي اجبلها حته من السماء خلاص ماتت... اتقتلت جوايا... والنهارده بس يوم وفاتها... وانتي اللي كتبتي شهادة وفاتها بأيدك.

انجهشت بالبكاء وهي تحاول منع اخراج كلماته التي كانت بمثابة نصل خنجر مسموم يضعه داخل قلبها:

- لا لا لا اوعى تقول كده يا ريان... والله كنت واثقه فيه... 

ضحك بسخرية وتحدث ببرود لوح ثلج:
- وياترى الثقه دي وصلت لحد فين ياااا.... نيللي... مش نيللي برضو ولا ده كمان غيره.

شعرت بالإهانة الشديدة، كأن من يتفوه بتلك الرصاصات التي يصوبها بداخلها بكل قوته ينكر معرفة هويتها من تكون هي ؟ جففت دموعها المنسابة على وجنتيها بهدوء وأبلغته وهي تنهض وقالت بوجع فشلت في اخفاءه عنه:

- بعتذر لو كنت اخدت من وقتك كتير.

كان يجلس واضع قدم على الأخرى، ويرجع بظهره على مقعده مربع الأيدي، لم يتحرك في جلسته، و أبلغها بحده:

- لما تكوني مع راجل تحترمي وجوده.

- خلاص انا هتصرف.
- اقعدي.

جلست تجفف براحه يدها دموعها وانصعقت حين أكمل "ريان" بدلا منها فيما حدث بعد الاتفاق:

- وطبعا الاتفاق اتحول لغرفة خاصه... 

- انت عرفت ازاي؟!

رد بهدوء ورجوليه حتمت عليه التصرف بعقل:

- خلاص يا نيللي هتصرف، متشغليش بالك بالعقد اللي معاه... واقفلي تليفونك عشان ميوصلش ليكي .. وأنا هحجزلك في فندق تقعدي فيه، واياكي حد يعرف العنوان مهما كان ولا كانت مين، تمام ؟

هزت رأسها بضعف ونهضت معه وهي تشتاق إلى عودتها لطفولتها لتكون اكبر مخاوفها حرمانها من المصروف... ولا تعيش معنى الحزن الحقيقي، ولا تدري ما هو التفكير، ولا تعرف معنى فقدان غالي...

كان "ريان" يسير امامها بطولة الفارع وهي خلفه، اغمضت عينيها لذكرى هجمت رأسها...

حينما كانا جالسين في مطعم ممسكا بيدها بكل حب، وحين أتى موعد الذهاب لم يترك يدها وهو ينهض، فضحكت بفرحة طفله صغيرة

- ايه يا عمري قوم وأنا هقوم وراك.
- استحاله اتحرك واسيب ايدك ثانيه.

فاقت من شرود ذكرياتها على صوته الاجش: 
- اركبي معايا وهبقى اجبلك عربيتك بعدين.
هزت رأسها وهي تتحرك بروح مسلوبة فقدت لذة اي شيء ..
             ★******★

وصل "عمر" أمام مكنة السحب، وابتسم بتفائل برغم وجود الكثير من العقارات من حوله، كان يثق أن هذه المكينه بداية سحب الخيط الرفيع الذي سيصله إلى ما يبحث عنه، اخرج صورتها من جيبه واتجه إلى كل محل في طريقه وإلى كل بناية يسألهم عنها، والجميع نفوا انهم رأوها في هذه المنطقة، لم يقفد الأمل رمق عدة عقارات اخرى وسعى بكل طاقه...
               ★*****★

بعدما اوصل "ريان" "نيللي" فندق ووصى عليها العاملين، ذهب إلى مقر شركتة يدخل ببال مشغول يفكر كيف يتصرف مع هذا الوغد... لكن فزع حين وجد ما يحدف عليه من هذه الهوجائيه، رمقها بحده وقبل أن ينطق أبلغته وهي تقف تضع يدها في خصرها وتتحدث بصوت عالٍ:

- ما الغلطه غلطتي، والخيبه خيبتي، وانا اللى استاهل إني رجعت اشتغل تاني... بص ادى امضيتي اهي باستقالتتتي نهااائي..

امسك الورقة التي رمتها على صدره ورجع خطوه للخلف من تهورها وقال بتعجب:

- ايه يا بنتي ما كنتي زي العسل الصبح...  لسانك اتحول ليه وبقى اطول من برج ايفل؟!

جزت بقوة على أسنانها وهي تغلق كف يدها بعصبيه واجابته من بين أسنانها:
- ربنا يكفيك شر لساني... لأنه هو السم في العسل.

ابتسم على تصرفتها وأبلغها بمشاكسه وهو يمسك يدها حتى يجلسها بدون اي قصد، صرخت بوجهه بقوه:

- هو انت فاكرني زي ام صرم بتاعتك كل اللي يعدي يمسك ايدي... فوووق وشوف بتتكلم مع مين ؟!

تركها وجلس على الأريكة وأبلغها وهو مازال يمازحها:

- خلاص يا ست عبله كامل...
ثم قال بجدية:

- اكلتي؟

ظبطت حجابها وهي تنفي برأسها بكل هدوء، ثم تحولت في ثانيه و قالت بعصبية:

- أكل ازاي؟! ما كل واحد جارر زعنفته وبيتسرمح معاها وأنا الفلبينيه بتاعتكم شايله الشغل كله لوحدي.

رمق المكان الفارغ من كل شيء تعجب اين هو العمل الذين يتركوها به بمفردها، ضحك من داخله وأبلغها بتريث:

- شكلك غيرانه عشان زعنفتك مش معاكي... ما تتصلي عليه يجى يطل عليكى بدل ما قاعدة تحقدي على خلق الله... واهو نشوفه بالمرة ونتعرف على الأسد اللي هيشيل الـ ..

بلع اخر حروفه وهو يمسك هاتفه:

- جعااان جدا تحبي اطلبلك معايا طبق نكد على حقد وغل؟!

القت مفتاح الشركة بوجهه ثم توجهت إلى المكتب اخذت حقيبتها ورحلت عازمه لم ترجع هذا المكان مره ثانيه مهما يحدث....

              ★*****★

بعد مرور شهر

كان الجميع في صراع مع النفس كل منهم يحارب نفسه في ارغام نفسه على البعد وكتم ما بداخله، منهم من يريد الاعتراف بالندم ومنهم يحارب حب يهاجمه ومنهم يريد الوصول إلى ما يريد... فالكل كان يصارع ويجاهد نفسه بدون توقف او فقدان الأمل في الوصول إلى هدفه...
              ★*****★

 يدخل مدير البنك إلى مكتب "عمر" وعلى وجهه الغضب:

- شكلك يا افندي نسيت انت بتشتغل فين وفي اي مكانه وبتتعامل مع اي فئه؟!

وقف "عمر" احتراما له وأبلغه بكل احترام:
- والله يا فندم فقدت اعصابي غصب عني.

رد عليه بعصبية مفرطه:

- تبريرك ده في بيتكم.

تمالك "عمر" اعصابه؛ لأنه قبل أن يكون مديره فهو رجل كبير في السن:
- يا فندم اسمعني.

لوح له بيده بحده:

- ولا عايز اسمع، ولا افهم حتى اللي حصل حصل ليه.... انت تعرف اللي تطاولت عليها وخلتها تمشي بالشكل ده دي مرات مين في البلد؟

خرج "عمر" من عابئة هدوءه وقال بقوه:
- يا فندم دي كانت بتغويني.

رد عليه بقوة وبدون نقاش قائل بأمر:

- عمر قلت مش عايز اسمع اي تبرير، وتتصل حالا تعتذر ليها.

انصدم "عمر" من طلبه فقال بفقدان عقله:
- اعتذر لوحده معندهاش شرف؟!

اجابه بهدوء:
- تحب اقولك ممكن تعمل فيك ايه بمكالمة متسويش ؟

ضحك بقهر من بلد تمشي بالوسطه والظهر:
- من غير ما تقول لأن أنا كمان مش عايز اسمع ولا اعرف... اعتبرني مستقيل واهو عافيتك من مسئولية رفضك ليا.

- يا عمر انت شخص مجتهد وبعتبرك زي ابني ومش عايز اخسرك.

- وترضاها برضو لابنك يكمل بالطريقة دي ؟!

صمت المدير فهو حقا في وضع سيئ لم يجعل "عمر" له اي خيار جلس المدير على اقرب مقعد بخزي وهو يشد ربطة عنقه، ابتسم "عمر" له وابلغه بابتسامة بشوشه:

- ربك كريم متقلقش عليا.

ثم تركه ورحل ببال مشغول اكثر ما هو مشغول، جلس على مقعد سيارته يفكر في كل شيء يحدث له منذ موت زوجته صافي، حزن اليوم عليها اكثر من اي يوم، لو كانت على قيد الحياة كان لم يتحمل كل هذا العائق بمفرده، استغفر ربه ووضع المفتاح ليدير العربه، سمع صوت رنين هاتفه رد سريعا عندما لمح اسم المتصل المسجل بسمسار:

- عندي ليك خبر حلو.
- يبقى لقيتها ؟
- حصل يا باشا تعالى وهوصلك لحد باب الشقه كمان بس اوعى تنسى الحلوه اللي وعدني بيها ؟
- يا سيدي واكتر كمان، انت مش عارف المعروف اللي عملته ليا دلوقتي.

اغلق الخط وتحرك بسرعة كبيرة بعدما تهلل وجهه سرورا واهتز قلبه طرباً وسارت نشوة بالغه في نفسه، ونسى ما حدث له من قليل بعدما حلقت روحه في سماء السعادة ف الان الدنيا اصبحت لا تسعه من فرط فرحته...

وصل "عمر" اخيرا لكنزه السمين كانت قدمه تتسابق الثواني يركض حتى يراها أمام عينه من جديد....

في هذا ذات الوقت استيقظت "هند" من نومها بكسل، مسك هاتفها تفتح موقع خاص بكلياتها .. وما ان وقع عيناها لما منشور؛ في خلال ثواني اتسع بؤبؤ عينيها بصدمة وهي تقرأ المكتوب، القت الهاتف بفزع وذهول غير مصدقة ما رأت منذ لحظات .. تجلت الصدمة على ملامحها.. نهضت من على فراشها تجوب غرفتها كالمجذوبه تلطم على وجهها لتفيق من حالتها، تمنت انها تكون مازالت نائمة وتفيق من هذا الكابوس المزعج، شعرت بهروب الدماء من جسدها... لا تعلم ولا تعرف كيف تتصرف، شعرت انها كالعصفور الذي وقع في فخ صياده وطالته رصاصة بندقيته ووقع مذبوحًا على الأرض .. لا تركة يموت ويرتاح، ولا اخذه يضمد جراحه ويشفيه .. جلست تبكي بحرقه على مصابها .. وفي لحظه خطر على عقلها اخر شخص كانت تتمنى اللجوء له مرة ثانيه، امسكت الهاتف وبحثت عنه واتصلت عليه...

حين صدح صوت رنين هاتفه، كانت هي ايضا تسمع صوت رنين باب منزلها ركضت حتى ترى الطارق من العين السحريه وجدته هو ! نعم هو "عمر" الذي فكرت به منذ ثواني، نبض قلبها فرحا وفتحت الباب والقت بنفسها داخل صدره وقالت وهي تصرخ من شدة البكاء:

- الحقني ... الحقني يا عمر..

تنفس الصعداء رعبا على حالتها وفي نفس ذات الوقت حمد ربه أنه ارسله لها في الوقت المناسب وابلغها بلطف وهو يربت على شعرها:

- اهدي يا هند كل حاجه هتتحل طول ما أنا جنبك..



 •تابع الفصل التالي "رواية طوق نجاتي" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent