Ads by Google X

رواية فطنة القلب الفصل الثالث والعشرون 23 - بقلم سلمى خالد

الصفحة الرئيسية

 رواية فطنة القلب الفصل الثالث والعشرون 23

اللهم إني أستودعك بيت المقدس وأهل القدس وكل فلسطين. اللهم ارزق أهل فلسطين الثبات والنصر والتمكين، وبارك في إيمانهم وصبرهم. اللهم إنا نسألك باسمك القّهار أنْ تقهر من قهر إخواننا في فلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين. 

اللهم  اشف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، وأطعم جائعهم، وانصرهم على عدوهم. اللهم أنزل السكينة عليهم، واربط على قلوبهم، وكن لهم مؤيدا ونصيرا وقائدا وظهيرا. سبحانك إنك على كل شيء قدير؛ فاكتب الفرج من عندك والطف بعبادك المؤمنين.

____________________

فِطْنَة اَلْقَلْبِ

«قطوف الياسمين»


بقلم سلمى خالد " سماسيموو"


سبحانك اللهم بحمدك سبحان الله العظيم

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد


الفصل الثالث والعشرون


( أَلَمْ وَصَدْمَة)

بقت للحظات تحاول استيعاب ما فعله مازن، تتطلع للناظرين حولها، لم طلقها اذًا؟ تحدثت بصوت متحشرج:

_ ليه طلقني مادام كتب كل حاجة باسمي!

نهض ياسين يردف بصوتٍ هادئ مبتسمًا:

_ لأن مازن بيحبك وعمل كل حاجة عشان يحميكي!

:_ من ايه! دا أذني!

قالتها قطوف بصوتٍ ينم على البكاء، في حين تماسك ياسين قبل أن يتمتم بهدوءٍ:

_ الإجابة دي عنده يا قطوف مش عندي للأسف.

بقت دقائق تحاول استيعاب حديثه، ثم حركت رأسها بإيجابية تبتسم بألمٍ قائلة:

_ وأنا مش عايزة الإجابة.

سارت نحو غرفتها تحاول مقاومة دموعها، تلف ذراعيها حولها لعلها تشعر بالأمان الذي فقدته، في حين بقي ياسين مكانه يشعر بحزنٍ على حالهما، لتقطع هذه اللحظة صوت ملك قائلة:

_ مالك يا ياسين؟!

نظر لها ياسين بحزنٍ، ثم قال:

_ لما روحت لمازن لقيته بيتفرج على صور قطوف.. وهي هنا بتعاني من بُعده عنها.. والاتنين اتجرحوا بسبب ظروف أجبرتهم على كده.. وفي النهاية محدش عارف هيرجعوا لبعض ازاي والاتنين فأسوأ حالتهم.

حركت ملك رأسها بحزنٍ، تتمتم بنبرةٍ حزينة:

_ أنا لما بشوفهم بينكشوا في بعض بفرح.. بحس علاقتهم فيها روح.. أول مرة أشوف علاقة ممكن تدمر بالشكل دا وبالطريقة دي.

سار ياسين كي يغادر، يردف بنبرةٍ هادئة:

_ ادعلهم يا ملك.. الاتنين محتاجين لدعوة.

******

:_ هاتي يا ورد الكشكول دا!

قالتها ياسمين وهي تجلس على المقعد موجود بالحديقة، لتركض ورد كي تحضر الكشكول، ولكنها وجدته ممتلأ بالكلمات لتردف بعبوس:

_ دا مليان.

ابتسمت ياسين لها بحبٍ، ثم نهضت تقبل جبينها قائلة:

_ خلاص أنا هدخل اجيب كشكول واجي.. كملي رسم على ما اجي.

حركت ورد رأسها بإيجابية، في حين غادرت ياسمين إلى الداخل كي تحضر كشكولًا جديد، بقت تبحث عنه كثيرًا فلم تجد لتردف بحيرة:

_ كان في كشكول فاضل هنا!

:_ قصدك دا!

انتفضت ياسمين من مكانها تتطلع للواقف خلفها لتجد زين هو من يحمل هذا الكشكول، رددت ياسمين بتوترٍ:

_ آه هو.

أمسكت بالكشكول ثم كادت أن تغادر، ولكن اوقفها زين قائلًا بهدوءٍ:

_ لحظة يا ياسمين عايز اتكلم معاكِ!

تجمدت أقدام ياسمين مكانها، في حين حاول زين الحديث بتوترٍ:

_ هو إيه رأيك فيا!

عقدت حاجبيها بصدمةٍ من سؤاله، لتعلق بذهول:

_ مش فاهمة رأي إزاي!

ازداد توتر زين أكثر، فلم يشعر بمثل هذا التوتر من قبل، حاول الحديث مجددًا قائلًا:

_ رأيك فيا.. أنا بنسبة ليك إيه!

لم تفهم ما يرمي له، لتجيب بشيءٍ من الدهشة:

_ ابن عمي.

:_ يوووه بقولك ايه تتجوزيني يا ياسمين!

قالها زين فجأة عندما شعر بصعوبة توصيل ما يريد لها، في حين تجمد جسد ياسمين مكانه، تتذكر رسائل التهديد الخاصة بجمال، طريقته معها وتهديده المستمر لها، وبالأخص تهديده أنها إذا تزوجت بغيره سوف يقتله، ماضيه مع مازن ومحاولة كتب كتابهما التي باتت بالفشل، هي لا تزال تعاني منها وحتى وإن لم تحبه، فقد جُرح شيء بداخلها، ابتلعت لعابها وهي ترى لهفة الانتظار بعينيه، ولكن أغمضت عينيه بألمٍ هي سئمت من وجود أحد بحياتها فمن رأت به الأمان تزوج بشقيقتها،  ومن عشقها حد جنون لا تريده،  والآن يقف أمامها ايضًا أخر يريد الزواج بها،  شعرت باختناق شديد لتجيب بصوتٍ مختنق:

_ أنا آسفة بس مش هقدر أقبل طلبك.

استدارت كي تغادر، ولكن اوقفها زين مرددًا بصدمة:

_ ليه! مش موافقة بيا ليه!

حاولت التماسك أمامه قائلة:

_ لوسمحت أنا عايزة امشي.. اعتقد اسبابي لنفسي.

كادت أن تغادر ولكن حدثها زين بلطفٍ محاولًا فهم اسبابها :

_ ومن حقي أعرف رفضاني ليه! أنت مشوفتيش مني حاجة وحشة.. ويوم ما اتعصبت عليكي اعتذرت.. قوليلي الأسباب مش يمكن أقدر احلها.. وتوافقي.

تسربت الدموع من عينيها، تردف بصوتٍ متحشرج:

_ أنا همشي دلوقتي!

شعر زين بغضبٍ من طريقتها، ليهدر بعصبيةٍ:

_ مش هتمشي غير لما تقولي سبب!

صرخت به ياسمين تردد بألمٍ:

_ عشان بكرهكم كلكم.. أنا بكرهكم.. أنتم كلكم اذتوني.. ولسه بتأذوا فيا.. سبوني في حالي بقى.

استدارت كي تغادر من الردهة، في حين بقى زين يشعر بذهولٍ من طريقتها، من تقصد بـ ( بكرهكم كلكم)!، لا يزال جسده جامدًا بينما هي غادرت لغرفتها لتبكي، فاق من شروده على يد مهران الذي اردف بنبرةٍ هادئة:

_ لا تحزن يا بُني.

نظر لوالده بحزنٍ، يشعر بغصةٍ أليمة بصدره، يردف باختناقٍ:

_ مزعلش إزاي وهي رفضتني!

ربت على ظهره بحنوٍ، يردف بتشجيع:

_ أن كان بقلبك شيءٍ لها فلا تستلم أبدًا.

تأمل حديث والده وشعر بأنه يخفي شيء، ليردف بنبرةٍ تحمل الشك:

_ حضرتك تعرف حاجة عنها!

صمت مهران قليلًا، في حين تيقن زين من مشاعره، ليردف بتلهفٍ:

_ طب قولي يمكن أقدر احلها.. هي قصدها ايه ببكرهكم!

تنهد مهران قليلًا ثم قال بنبرةٍ هادئة:

_ إذا اردت أن تعلم فعليك أن تفوز بثقتها كي تخبرك.

علم زين أن والده لن يخبره بشيءٍ، فحرك رأسه بإيجابية يفكر بحديث والده وياسمين معًا، في حين ترك مهران زين وانطلق لغرفة محمد كي يرى الطبيب.

*****

دلفت قطوف إلى غرفتها، وما أن أغلقت الباب حتى انساب دموعها بألمٍ، رنت كلمة طلاقه بأذنها مجددًا، يكاد يجن عقلها لِمَ طلقها اذا لم يحصل على اموالها!

تقدمت نحو الفراش ولكنها وجدت شيئًا مربع مغلف ببتلات الورد، توقفت دموعها قليلًا، وبدأت بالنظر لها في تدقيق، شعرت بزيادة دقات قلبها شيئًا فشيء، وضعت يدها على صدرها تهدئ من دقات قلبها وعلمت أن من أرسله هو مازن ولكن كيف، أمسكت الكتاب تزيل بتلات الورد قطع وراء أخرى، حتى ظهر عنوان ما تمسك فكان كتاب لكاتب يدعى أدهم الشرقاوي بعنوان وليطمئن قلبي، نظرت للكتاب قليلًا فقد كان قديمًا يبدو أنه كان يقرأ به، فتحت أول صفحة منه لتجد أنه كتب خاطرة لها...

( بالأمس كنتِ وطني الجميل، فكنت أخشى احتلاله

واليوم هو مُحتل فأصبحت عاجزًا عن الاقتراب منه.

ولكن بالغد سيعود وطني مجددًا كي يسكن روحي بداخله من جديد..  فتعود عيني تزهر بالسعادة من شمس فؤادكِ المحبوب، و تهدأ نبضاتي من ضمك ليّ يا وطني)

لا تعلم هل تبتسم أم تتألم!، تنظر لأسمه وأسمها الموقع أسفل تلك الخاطرة الصغيرة، مدت أناملها تلامس اسمه، ثم هتفت بألم:

_ وحشتني يا مازن... أنا لجد دلوقتي مش قادرة أتخطى وجودك بحياتي.

جمعت بتلات الورد الجافة ثم وضعتها بعلبة صغيرة جانبًا، ومن ثم جلست على الفراش لتبدأ بأخذ نظرة عامة بداخله ولكنها وجدت أنه بعض الجُمل بالكتاب مخطط عليها بقلم فسفوري، و أول ما وقع بصره عليه..

(من خلالكِ آمنت أن الابتسامة هي أفتك مستحضرات التجميل)

زحفت بسمة أخرى على شفتيها، ولكنها ناقصة للسعادة، بسمة حزينة ألمت قلبها، بدأت بقرأت الكتاب، ولكن تلك المرة هي من بدأت تخطط به بقلمٍ فسفوري ولكن بلونٍ آخر.

****

معالم الحزن أغرقت وجهه بها، فما اصاب اولاده يجعله عاجزًا أمامهم عن الحركة، بقي شاردًا هكذا حتى خرج الطبيب من غرفة محمد، نهض مهران من مكانه يردف بقلقٍ:

_ هل يتحسن معاك؟!

اجابه الطبيب بعملية:

_ مش هكدب عليك يا شيخ مهران.. بس عم محمد تعبان ومحتاج تحاليل واشعة كتير صعب تلاقوها في البلد، لزمًا يسافر القاهرة ويكمل بقيت علاچ هناك.

قطب مهران جبينه بدهشة، يردف بشكٍ:

_ لماذا يحتاج لكل هذا! ألا يستجيب؟

حرك الطبيب رأسه نافيًا ثم قال:

_ لا يا شيخ.. مش حكاية استجابة، بس هو مريض سكر ولزمًا نتعامل معاه بحذر شديد، وكمان لو جتله ازمة ومتلحقش بيحصل حل من الاتنين أما غيبوبة أو اعتلال السكري.. وهو اتصاب باعتلال سكري في الأعصاب وحصل تلف في أعصاب الرجل واحتمال تكون الايدين... لكن بقيت الشلل معرفش إزاي عشان كده هو محتاج راعية بدرجة عالية من الحرص لأن أي سلوك غلط معاه ممكن يأذيه.

حرك مهران رأسه يحاول مقاومة تلك الصدمة، تمتم ببسمة هادئة:

_ اشكرك على هذا المجهود.

:_ العفو.

قالها الطبيب مبتسمًا له قبل أن يغادر، في حين جلس مهران على مقعد قريبًا منه يشعر بحزنٍ يمزقه من الداخل على ما يمر به، رفع بصره للسماء ثم قال:

_ يا الله تراني ضعيف.. عاجز أمام أبنائي.. لا أقدر على مساعدتهم.. ساعدهم يارب.

نهض من مكانه يدلف إلى غرفته فهو يعلم أن محمد ينام بهذا الوقت، أغلق الباب فوجد زوجته جالسة تخيط أحد الملابس، جلس على الفراش بأعينٍ ذابلة، في حين نظرت زينة نحو مهران ولكن تعجبت من ملامحه الشاردة، تركت ما بيدها ثم نهضت تجلس جواره تردد بقلق واضعة يدها على كتفه:

_ مهران مالك شارد ليه!

نظر لها مهران بألمٍ لم يخجل من خفائه عنها، يجيبه بصوتٍ تملكه الحزن:

_ اتألم من حال الأولاد.. لم نعد نجتمع كما كنا.. تفرقوا جميعًا.. أصبح كلًا منهم يعاني من ألم غريب ولكنه قاسي عليهم.. ولا أعلم كيف سيتخطون تلك المرحلة.

حركت رأسها بإيجابية  هي ترى ذلك ولكن ما باليد حيلة، ربتت على كتفه قائلة بحنوٍ محاولة التخفيف عنه:

_ متقلقش يا مهران.. اللي خلقهم مش هيسبهم.. ادعلهم بس... العيال عايزين دعوة حلوة كده منك هي اللي تصلح حالهم.

نظر لعينيها ليجد بهما أمل، ابتسم لوجودها جواره، ثم وضع يده على كفها يردف برضا:

_ ادعو الله أن يرزقهم السعادة ويصرف عنهم الحزن.. ويحفظك ليّ يا عزيزتي.

ابتسمت له زينة، ثم نهضت تعود لما كانت تفعله، في حين بقى مهران يفكر بما يحدث حوله، فعليه أن يفعل شيء لهم.

*****

اندمجت بالكتاب بشدة، ولم تشعر بمرور الوقت وأن الليل قد حل أخيرًا، شتت انتباهها صوت هاتفها، امتعض وجهها قليلًا بالضيق، ووضعت الكتاب جانبًا لتنظر إلى المتصل فلم تكن سوى صديقتها، ابتسمت قليلًا تجيب بهدوءٍ:

_ ألو.

:_ قطوف وحشتني.. عاملة إيه!

قالتها مريم بلهفةٍ، في حين اجابتها قطوف بصوتٍ هادئ غريب:

_ الحمدلله يا مريم.. أنتِ عاملة إيه؟!

شعرت مريم بتوترٍ من هدوئها، لتردف ببعض الخوف:

_ الحمدلله.

صمتت مريم ولم تكمل رغبتها بتلك المكالمة، في حين تعجبت قطوف من صمتها لتردف بصوتٍ متعجب:

_ أنتِ رنيتي عشان تسكتي؟!

ابتلعت مريم لعابها، تتمتم بتوتر:

_ لاء.. الصراحة عايزة اقولك بس مكسوفة منك!

قطبت قطوف جبينها بتعجب تشعر بحيرةٍ من طريقة مريم، لتتسأل بتعجبٍ:

_ مكسوفة مني أنا! مكسوفة من إيه؟!

:_ ياسين جه طلب ايدي!

قالتها بخجلٍ شديد، في حين ابتسمت قطوف تردد بحبٍ لها:

_ بجد! مبارك يا حبيبتي ربنا يتمم على خير ويفرح قلبك أنتِ تستاهلي كل الخير.

ابتسمت مريم قليلًا من حديثه تتمتم بصوتٍ يحمل السعادة:

_ يعني مش زعلانة!

أغمضت قطوف عينيها، فبالرغم من محاولتها لمقاومة تلك الفترة ولكن لا تستطع، اجابة صديقتها بنبرة هادئة لم تتغير:

_ لا يا حبيبتي مش زعلانة.. أزعل من إيه بس دا خبر يفرحني ويخليني أبدأ افوق شوية.

ابتسمت مريم براحةٍ، ثم قالت بسعادةٍ:

_ طب خلاص تعالي بكرة بقى عشان عايزة اسأل على كام حاجة ونقعد سوا.

:_ حاضر يا قلبي جاية بكرة.

قالتها بهدوءٍ، لتغلق مريم معها وهي تشعر بالسعادة من ردة فعل صديقتها، في حين اغمضت قطوف عينيها تقاوم تلك الدموع من الهطول، تتذكر تلك اللحظة التي تركها بها فقد كانت تفكر بكيفية القضاء وقت ممتع معه، في حين كان يفكر بطلاقها.

******

تعلم جيدًا أنها ليست بخير، وأن ما تفعله ليس سوى حالة مؤقتة وسوف تنفجر بالجميع، نظرت امامها بأعينٍ باكية، تتذكر عرضه للزواج، تعلم ما بمشاعره اتجاهها عندما لحظت وجود ما تحب بغرفتها وكان يتخفى خلف ابنته، استمعت لصوت طرقات الباب لتزيل دموعها سريعًا تنهض من مكانها لتجد ورد هي صاحبة تلك الطرقات، هبطت للأسفل تستند على ركبتيها، تردد بحنوٍ:

_ ايوة يا حبيبتي.

نظرت لها ورد بحزنٍ، ثم قالت:

_ بتعيطي ليه؟!

تأملت ملامحها قليلًا، ثم نهضت من مكانها تمسك بكف الصغيرة كي تدلف إلى داخل غرفتها، ثم جلست بها على الفراش قائلة بهدوءٍ:

_ بابا اللي بعتك صح!

حدقت بها ورد قليلًا، ثم حركت رأسها بإيجابية، لم تعلم ياسمين اتبتسم أم ماذا تفعل، ولكن لانَّ هذا الاهتمام إلى قلبها، اجابتها ياسمين بجدية قائلة:

_ زعلانة شوية يا قلبي.. تعبت من الناس.. وخايفة حد يزعلني تاني.

ربتت الصغيرة على يدها، تردف بحبٍ:

_ متزعليش يا ماما محدش هيقرب منك.. هقول لبابا يبعد كله عنك عشان متزعليش.

ابتسم ياسمين بحزنٍ، ثم قالت:

_ ياريت ينفع يا حبيبتي.

نظرت لها ورد بعدم فهم، ثم قالت بعفوية:

_ ليه يا ماما! أنا عايزة تعشي مع بابا علطول ونفضل كلنا سوا.

شعر ياسمين بخجلٍ شديد من حديث الصغيرة، في حين كان هناك من يستمع لحديثهما من خلف الباب، يصفق لابنته بسعادة، ولكن اختفت ابتسامته ما أن رأى ياسين قادم يصرخ باسمه، ركض نحوه كي يكمم فمه بيديه، ودلف بهِ إلى غرفته قائلًا:

_ اخرس خالص هتوديني في داهية.

حاول ياسين الحديث، ولكن لم يزيح زين يديه، ليردف بعدها بتأكيد:

_ هشيل ايدي بس متعملش صوت فاهم.

حرك رأسه بإيجابية سريعًا، في حين ازاح زين يديه ولكن ارتفع صوت ياسين قائلًا:

_ بتتجسس على بنات الناس.. هقول لأبوك.

عاد زين يضع يده على فم ياسين ما أن استمع لتلك الجملة، في حين شعر ياسين بالاختناق من يده الموضوعة، ردد زين بغيظٍ:

_ ولا أنا مش قولتلك متعملش صوت!

حرك راسه بإيجابية له، ليردف زين بغيظٍ اكثر:

_ بتفضحني يابن العطار.. اصبر عليا هوريك.

حرك ياسين رأسه بنفيٍ، يشعر بخوفٍ مما سيفعله، في حين نظر له زين بحنقٍ، ثم قال بتوعدٍ:

_ هشيل ايدي ولو فكرت بس تفتح بوقك بحرف صدقني مش هخليك تلحق حتى تقرأ فاتحة جوازك... وهخليهم يقرأوا فتحت جنازتك فاهم.

حرك ياسين رأسه بإيجابية مجددًا ليزيح زين يده بحذرٍ، في حين أخذ ياسين انفاسه يزيح زين من طريقه مرددًا:

_ يا عم اوعى عملي فيها هتلر وأنت مش عارف حتى تكلم بت.

ثم أضاف بمكرٍ:

_ وبتتجسس عليها.

مسح زين على وجهه بغيظٍ، يردف بضيق:

_ أنا عارف إنك مش هتخرس..  أكيد أنت عقاب عن الحركة اللي عملتها.

حرك ياسين رأسه ببرود، يردف بصوتٍ مستفز:

_ تستاهل..  حد قالك تتجسس... بابا رباك على كده!

شعر زين بخجلٍ من فعلته، ليردف بتبرير:

_ يا عم مش قصدي اتجسس.. هو يمكن اتصرفت غلط بس صدقني مش نية خالص اتجسس أنا  عايز اطمن عليها.

ربت ياسين على كتفه،  يردف بجدية مزيفة:

_ خلاص يابني اللي اتكسر يتصلح والفضيحة ممكن تتلم.

دفعه زين بيديه في غيظٍ،  يردف بحدة:

_ ايه اللي اتكسر يتصلح دا..  هو أنت قفشني في شقة مفروشة.

ضرب ياسين على كفيه كفتاة الشعبية،  يردد بعدما عوج فمه:

_ لا قفشتك بتتجسس يا خويا.

:_ استغفر الله العظيم... هبقى اتوب يا عم اخرس بقى.

قالها زين بنفذ صبر، في حين حرك ياسين راسه بنفيٍ، يردف بتصميم:

_ ولو ولو لزمًا ابوك يعرف الجريمة الشنيعة دي.

نظر له زين بغيظٍ من طريقته، ليردف بعصبيةٍ:

_ روح قوله واجيب تاريخك الاسود كله قدام ابوك.

توتر ياسين من حديثه ليردف بتوترٍ:

_ ايه يا زين يا حبيبي مالك خدت الموضوع جد كده ليه! ما أنت عارف إني مهزق وبتاع كلام.

رفع زين حاجبه ثم قال:

_ ايوة كده اتظبط.

نهض ياسين من مكانه كي يغادر الغرفة يردد بـ تبرطم:

_ أنا كل شوية حد يظبطني.. هو أنا بدلة بتاخدوا مقاسه.. أنا رايح لبومتي هي الوحيدة اللي بعرف امسك عليها ذِلة وأذلها برحتي.

*****

صباحًا..

وصلت قطوف أخيرًا إلى منزل العزيزي، وصعدت إلى غرفة صديقتها وما أن طرقت الباب حتى انطلقت لها مريم تضمها بحبٍ قائلة:

_ وحشتني يا قطوف أوي.

ضمتها قطوف بحبٍ، تتمتم:

_ وأنتِ أكتر يا قلبي.

امسكت مريم بكفها ليدلفا إلى غرفتها، ثم أمسكت بهاتفه قائلة بنبرة سعيدة:

_ تعالي بقى عشان أنا بقالي يومين محتارة في الفستان اللي هلبسه هنا في قراية الفاتحة.

نظرت لها قطوف بتعجب قائلة:

_ أنتِ هتعملي الخطوبة هنا ولا في القاهرة؟!

اجابتها مريم موضحة:

_ لاء قراية الفاتحة بس هنا ليلة هادية وبسيطة بس عشان نعمل اشهار.. وهناك بالقاهرة هنجيب الدهب ونعمل خطوبة عشان حياتي أنا كانت هناك وحياة ياسين برضو فهمتني.

حركت قطوف رأسها بتفهم، لتجلس جوار صديقتها يختارا سويًا ما ستحضر به كلتهما، ووقع اختيارها على فستان هادئ للغاية بلون السماوي، يحمل حزام مطرز باللؤلؤ الأبيض اللمع، في حين سترتدي قطوف بلوزة من اللون الأبيض مع جيب من اللون الأسود وحجاب باللون النبيتي.

نهضت مريم تحضر شيئًا ليتناولاه، في حين بقت قطوف بالغرفة شاردة بحياتها التي انتهت فجأة، قررت أن تبعد شرودها لتسير بالغرفة تكتشف معالمها، وبالفعل سارت بها حتى دلفت إلى الشرفة ولكن وقعت عينيها على بعض الزهور التي زرع منها مازن لها، تأملتها بحزنٍ دافين ولكن قاطع تفكيرها صوت مريم وهي تحمل كوب من الحليب بالشوكولا:

_ لسه بتفكري فيه!

استدارت تنظر نحو صديقتها التي طلعها بهدوءٍ، امسكت كوب الخاص بها، ثم اجابتها بألمٍ:

_ أنا مش قادرة اتخطى مازن.. مازن وصل لمرحلة أنه بقى أهم حد بحياتي..

ثم اضافت بنبرة تحمل الحنين:

_ عارفة كل لما تلاقي نفسك لوحدك بس هو ميسمحش بكده ويفضل يونسك.. بيبقى شعور جميل أوي.

عادت نبراتها تأن بألمٍ من جديد، تتمتم بصوتٍ مختنق:

_ بس بيبقى صعب عليكي الفراق.. أصعب حاجة يا مريم إنك تشتاقي لشخص صعب الظروف تجمعكم تاني.

شعرت مريم بمدى معاناة صديقتها، لتربت على كتفها بحنوٍ، هي على دراية كاملة بأن هذا هو الوقت المناسب للاستماع لحديثها فقط.

******

غادرت قطوف منزل العزيزي، وعادت إلى المنزل تجلس بغرفتها، فأصبحت منطوية منذ ما حدث، في حين أكد ياسين على قدوم مازن إلى الحفلة التي ستقام، وبقى الجميع يستعد للذهاب.

****

آتى مساء اليوم التالي واستعدت عائلة مهران للذهاب إلى منزل العزيزي لقرأت الفاتحة واتمم الحفل، وانطلقوا جميعًا، وما أن وصل حتى لقوا استقبال حافل من العزيزي، جلس الرجال سويًا، والنساء جلسوا بداخل المنزل.

بقيت قطوف جالسة بشرودٍ، تشعر بالاختناق من تلك الأجواء، تريد العزلة، اصبحت تكره كل ما يدور حوله، نظرت للجميع بتعبٍ واضح، ثم نهضت تتحدث إلى مريم تخبرها برغبتها في الخروج إلى الحديقة الخلفية للمنزل كي تتنفس قليلًا، لتوافق مريم سريعًا تعلم جيدًا حالة قطوف، وبالفعل غادرت قطوف تقف بالحديقة تستنشق بعض الهواء.

وصل مازن إلى البلدة، وانطلق نحو منزل العزيزي كي يقابل ياسين، فلم يرغب بمقابلة أحد، ولكن خشى من حزن ياسين، وبالفعل ما أن رأه حتى قال له ببسمةٍ:

_ مبارك يا كبير.

ابتسم ياسين يحتضنه بسعادة، مرددًا:

_ كنت متأكد إنك مش هتكسر بخاطري وهتيجي.

بادله مازن الابتسامة ثم انطلق يسلم على خاله مهران ومحمد الذي سعد بالأجواء حوله، ثم انطلق نحو زين يسلم عليه ولكن همس باذنه:

_ أنا هقف بعيد يا زين.. مش قادر استحمل الصوت العالي دا.. لما تيجوا تمشوا رن عليا

حرك زين رأسه بإيجابية، في حين انطلق مازن نحو الحديقة الخلفية، ولكنه صُدم من رؤية قطوف واقفة على بعض خطوات منه تحتضن نفسها، تأمل ملامحها الذابلة وشعر بمدى معاناتها، في حين فتحت قطوف عينيها وهي تشعر بوجود أحد جواره وما أن رأته حتى تجمد جسدها تمامًا.

ظل الأثنان يتأملان بعضهما، حتى قاطع هذا الصمت صوت مازن يردف بحنوٍ:

_ عاملة إيه؟!

بقت تنظر له بألمٍ، ليست بخير ولكن لن تستطيع أن تتفوه بهذا، سارت بخطواتٍ ضعيف تجيب بصوتٍ متحشرج:

_ عايشة.

لم يرغب بان تتركه، ليردف سريعًا بنبرةٍ تحمل اللهفة:

_ أنتِ كويسة!

توقفت اقدامها عن الحركة، تشعر برغبتها في البكاء مجددًا، لا تجد وسيلة كي تخرج ما تكنه نفسها، استدارت تنظر له بأعينٍ أغرقتها الدموع تردف بألمٍ:

_ كويسة! وأنت شايف أن بعد اللي حصل ممكن ابقى كويسة!

الآن يعترف أنه عجز عن الرد، نظر لعينيها بندمٍ، يحاول أن يعبر عما تكنه نفسه لها بعينيه، في حين بادلته نظرات من الخذلان، شعر مازن بتأزم الموقف بينهما، ليردف بهدوءٍ:

_ عيشي يا قطوف حياتك بلاش توقفيها.

ابتسمت بسخرية على حالها، تتساقط منها الدموع، تنهزم أمامه فقط، علقت على حديث بكلماتٍ ما كانت سوى جمرات من لهيب أحرقت قلب مازن:

_ أعيش! هو مين قال اني عايشة.. أنا موت من جوا من وقت لما طلقتني..

صمتت قليلًا تحاول التماسك، ولكن لم تستطع، لتنفلت كلماتها الممزوجة ببكاءٍ جعل مازن يكاد يصرخ مما يشعر به:

_ أنا موت من جوايا يا مازن.. في جرح تكتمه عشان النزيف يقف والانسان ميمتش.. بس أنا جرحي فضل ينزف لحد ما موت من جوا وبقيت مش بحس بحاجة غير وجع.

حاول التقدم منها، ولكنها ترجعت إلى الخلف، تحرك رأسها بنفيٍ قائلة:

_ بتقرب ليه! مفيش حاجة بيني وبينك تخليك تقرب.. أنت بكلمة منك بعدت المسافات اللي بينا يا مازن.

:_ عمري في حياتي ما فكرت اوجعك ولا أأذيك.

ابتسمت بألمٍ ترمقه بنظرةٍ تمنى أن يدثر نفسه أسفل حبات الترب، لتردف بكلماتٍ تحمل القهر:

_ وفي النهاية وجعتني.. وأذتني..

استدارت كي تغادر، ولكنها أضافت بصوتٍ يحمل عذابًا، يصرخ قلبها من شظايا ألمٍ قاتلة:

_ أنت مش أول قلم أخده في حياتي... بس أنت كنت اوجع قلم فيهم.

تركته مغادرة إلى الداخل، في حين بقي مازن يشعر بتمزق روحه، كلماتها ليست كجمرة بل براكين انفجرت بداخله تحرق كل شيء، شعر بنفورٍ شديد نحو والدته، يتمنى لو لم تكن والدته لانتقم منها أشد انتقام.

*****

:_ ها الفلوس ممكن تتحول على بكرة!

قالتها ميرڤت للجالس أمامها يحاول التقاط انفاسه من الطريق، ليجيبها بصوتٍ متوتر:

_ هو للأسف مفيش حاجة هتتحول.

نظرت له ميرڤت بشرسة متمتمة:

_ أنت بتقول إيه فلوس إيه اللي مش هتتحول!

ابتلع الأخر لعابه قبل أن يقول بكلماته الصادمة لها:

_ كل حاجة مكتوبة باسم المدام قطوف محمد العطار.

يتبع.


  •تابع الفصل التالي "رواية فطنة القلب" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent