رواية فطنة القلب الفصل السادس والعشرون 26
اللهم إني أستودعك بيت المقدس وأهل القدس وكل فلسطين. اللهم ارزق أهل فلسطين الثبات والنصر والتمكين، وبارك في إيمانهم وصبرهم. اللهم إنا نسألك باسمك القّهار أنْ تقهر من قهر إخواننا في فلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين.
اللهم اشف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، وأطعم جائعهم، وانصرهم على عدوهم. اللهم أنزل السكينة عليهم، واربط على قلوبهم، وكن لهم مؤيدا ونصيرا وقائدا وظهيرا. سبحانك إنك على كل شيء قدير؛ فاكتب الفرج من عندك والطف بعبادك المؤمنين.
____________________
فِطْنَة اَلْقَلْبِ
«قطوف الياسمين»
بقلم سلمى خالد " سماسيموو"
سبحانك اللهم بحمدك سبحان الله العظيم
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد
الفصل السادس والعشرون
( هل حُلم!)
تنوية: الفصل به مشاهد لا يُنصح لضعاف القلوب بقرأت هذا الفصل واعتذر عن خاتمة... قراءة ممتعة.
زحف ألم صغير إلى رقبتها، فأزعج منامها فتحت عينيها ببطءٍ من هذا الضوء المسلط على بصرها تنظر حولها بتعجبٍ ثم انتفضت فجأة وهي ترى نفسها بالمشفى، نظرت حولها لتجد الممرضة مكانها تجلس ولا يوجد أحد، تقدمت منها تسألها ببعض الصدمة:
_ هو أنا نمت ؟!
نظرت لها الممرضة بتعجب، ثم اجابتها:
_ نمتي من نص ساعة كده أو ساعة مش فاكرة وباباكي جوا بيكمل العلاج والاشعة بتاعته.
حركت قطوف رأسها بإيجابية، ولكن تشعر بوجود خطبًا ما، هي تتذكر أنها ما أن غادرت كان هناك أحد خلفها ووضع المنديل على انفها، ولكن هي الآن بالمشفى مع والدها، هل كانت تحلم بهذا؟!
انتهى والدها من الفحوصات، وعادت قطوف إلى الطبيب مجددًا تتسأل عن حالته، ليجيبها بهدوءٍ:
_ هو بشكل مبدئي في مادة دخلت لجسم الاستاذ محمد سببت الشلل في جسمه كله ماعدا رجليه لأن رجليه من أثر السكر، بس التحاليل هتطلع ونتأكد بنسبة 100% أنه فعلًا شلل السكر موصلش للإيدين.. ونعرف نوع المادة اللي سبب الشلل ونبدأ علاج معاه وبإذن الله هيرجع زي أحسن.
علت الصدمة وجه قطوف، تتطلع نحو والدها الذي يتمنى التحدث ليخبرهم بالحقيقة، نهضت قطوف تسير بوالدها إلى الخارجة مرددة بهدوءٍ:
_ شكرًا يا دكتور.
سارت مع والدها لخارج المشفى، تشعر بتلقي صدمات كثيرة، تنهدت باختناق وهي تحرك المقعد تسير به بالشارع، تردد باختناق:
_ مخنوقة أوي يا بابا وعايزة احكي معاك.
اهتز جسد محمد على المقعد دليلًا على موافقته، لتتوقف قطوف عن الحركة تجلس على مقعد قريب من المشفى، وإلى جوارها والدها، تردد بحيرة تضرب رأسها:
_ أنا حلمت او حصل معايا مش عارفة أن بعد ما خرجت من عندك في واحد كتم نفسي بمنديل وأغمى عليا بس مش عارفة هل أن فعلًا حصل كده ولا لاء.. أنا صحيت لقتني نايمة على الكرسي عادي والممرضة قاعدة وسألتها قالتلي إني غفلت مكاني.
نظر لها محمد بتعجبٍ، في حين وضعت قطوف رأسها بين راحتي يدها تتمتم باختناق أشد:
_ ودلوقتي الدكتور بيقول أن في حد حقن جسمك بمادة سببت الشلل الكلي دا! نفسي أعرف مين عمل فيك كده عشان أكله بسناني.
تحرك جسد محمد بتشنجات شديدة، اثارت خوف قطوف لتسرع بتهدأته بمسح على وجهه ويديه قائلة:
_ اهدى يا بابا أنا آسفة.. أهدى خلاص أنت معانا دلوقتي ووسطنا ودي أهم حاجة.
هدأت تشنجاته شيئًا فشيء، في حين شعرت قطوف بمدى معاناة والدها بتلك الفترة التي ابتعد عنهم بها، وقررت العودة إلى المنزل ولكن لا يزال عقلها مشغول بما حلمت به!
**********
وصل مازن إلى معرض السيارات، وصعد سريعًا إلى مكتبه ليجد محمود بانتظاره يردد بأسف:
_ للأسف العميل متحملش الانتظار ومشي يا استاذ مازن.
نظر مازن بغضب يردد بصوتٍ حانق:
_ هو مش قادر يصبر.. العربية عطلت بيا في الشارع واضطريت اجي بالتاكسي.
شعر محمود بالأسف عليه، ليردف محاولًا امتصاص غضبه:
_ أهدى يا استاذ مازن.. حضرتك عارف العملا بتاعنا بيبقى في منهم اللي واخد في وشه وعايز يمشي.
:_استغفر الله العظيم.. اطلبلي قهوة يا محمود خلي دماغ الواحد تروق.
قالها مازن باقتضاب وهو يدلف لمكتبه، في حين طلب محمود القهوة ثم دلف إلى المكتب ليجد مازن يتطلع للهاتف بأعينٍ يملأها الحزن، ردد ببسمةٍ:
_ طب ردها وارجعوا لبعض مادام بتحبوا بعض كده!
لم يرفع مازن بصره عن الصورة، بل أجابه وهو يكبر الصورة عليها:
_ لو في ايدي أرجع كل حاجة زي ما كانت كنت عملتها يا محمود.. بس للأسف نصيبنا نعدي بالمحنة دي.. يا أما نخرج منها سوا يا أما كل واحد لوحده.
شعر محمود بمدى معاناته، ليردف بحزنٍ:
_ هي والدتك السبب!
نظر له مازن مضيقًا عينيه، في حين برر محمود سريعًا:
_ أنا عارف أنها مش بتحب قطوف وعشان كده..
:_ مدام قطوف يا محمود.
قاطعه مازن بنبرة تحمل الغيرة، في حين كبح محمود بسمته يردف بهدوءٍ:
_ مدام قطوف.
نظر مازن للهاتف مجددًا، يجيب بغصة:
_ آه هي السبب فكل حياتي اللي دمرت.. بتستغل إني مش هقدر أأذيها.. وفي نفس الوقت مش قادر أقول لقطوف عشان عارف رد فعلها وان أنا لو مخدتش رد فعل ناحية ميرڤت هانم هي هتزعل.. أنا زي بظبط اللي اتخبط على دماغه وبياخد قرارت غلط في وقت غلط.
أتى العامل بالقهوة ووضعها على المكتب وما أن غادر حتى قال محمود:
_ متقلقش يا استاذ مازن كله هيعدي صدقني وحياتكم هترجع أحسن من الأول.
**********
طرقت باب الغرفة تنتظر أن يخرج ابنها وبعد دقائق وجدته يخرج يتطلع لها بقلقٍ من ملامحها الغريبة، متمتمًا:
_ في إيه يا أمي! أنتِ كويسة؟!
حركت رأسها بإيجابية، تجيبه بأعين تغرقها الدموع:
_ عشان خاطري يا زين ادخل لياسين دا بقاله كام يوم مش بيشوف الشمس ولا حتى عايز ياكل.. روح قوله كلمتين يبردوا ناره.
تأملها زين قليلًا وشعر بالذنب من تقصيره نحو شقيقه، حرك رأسه يغلق الباب خلفه ثم انطلق نحو الغرفة نومهم التي يجتمعون بها، طرق الباب ولم يجد جواب كما توقع، لذا نظر لوالداته ثم قال:
_ اللي هقول عليه حاولي تتماشي معايا فيه وكمان ملك هاتيها وياسمين و ورد وخليهم يجاروني في الكلام فاهمني.
أومأت زينة بإيجابية متلهفة، في حين دلف زين إلى غرفة ياسين فكانت مظلمة بشدة، يجلس على الفراش بيأسٍ لم يراه من قبل به، سار نحو النافذة كي يفتحها ثم اشعل الضوء ونظر لشقيقه الذي لم يتحرك حتى، ليردف ببسمةٍ صغيرة:
_ بقالك كام يوم مش بتسأل قولت اجي أنا وأشوف حرامي الفراخ بتاعنا عامل إيه!
ابتسم ياسين بحزنٍ ثم قال:
_ الحمدلله.
تنهد زين من رد ياسين وعلم أنه بمرحلة الكآبة ولا بد من اللاحق به كي لا يصل إلى الاكتئاب، نظر له بجدية ثم قال بصوتٍ مشجع:
_ ياسين اللي أنت فيه هيعدي.. وهتتجوز اللي بتحبها متقلقش.
نظر له بأعين تتألمان، يردف بصوتٍ مختنق:
_ هتتجوزني وهي ندمانة أنها عرفتني.
ربت زين على كتفه يردف بحنوٍ:
_ يا ياسين قدر موقفها.. دي كانت بتحلم باليوم أوي وفجأة كل أحلامها ادمرت.. هو مش بايدك بس هي كمان مش بايدها فلزمًا نديها وقتها عشان تقدر ترجعها.
نظر له بيأسٍ، يشعر بأن ما يقوله شقيقه مستحيل، ليردف بيأس:
_ وافرض قفلت الصفحة بتاعتي وقررت تبدأ حياتي بعيد عني أرجعها ازاي؟!
ابتسم زين قليلًا ثم قال برضا عما يفكر به:
_ لو بتحبك بجد صدقني صعب تحط نفسها مع حد غيرك.. وأنا بقولك اهوه مريم مش الشخصية اللي تحط نفسها في حاجة تضيعها.
أمسك زين كفه يردف بتشجيع:
_ تعالى..
أخذه زين إلى خارج الغرفة يهبطان إلى الردهة فوجد ياسمين وملك وزينة يتحدثان معًا، تمتم زين بكلماتٍ كانت نسمة هواء عليلة تحضن قلبه بحب:
_ كلهم قاعدين ومسافروش ورجعوا البلد عشان مستنين رجوعك لمريم وتتجوزوا.. كلنا عارفين إنك مش هتستلم وتضيع حياة جديدة من ايدك بسبب لحظة واحدة صعبة هتعدي..
نظر زين إلى والدته التي تمتمت بحبٍ له:
_ يا حبيبي لو نصيبك فيها هتاخدها أسعى بس وأحنا كلنا في ضهرك.
تدخلت ملك تأكد حديثها بقول:
_ ومش هنسيبك وهنساعدك عشان كمان ترجع علاقتكم أحسن من الأول.
أكدت ياسمين حديثهم متمتمة:
_ متقلقش يا ياسين أنا عارفة مريم على أد كده هي قلبها أبيض وهتنسى بس اتمسك بيها وأوعى تسيبها.. كل ما هتحسسها إنك فعلًا عايزها ومش هتستلم كل ما هتخليها ترجعلك هي مسألة وقت.
شعر ياسين بقوة دعمهم، وان جميعهم يريدون هذا الزيج، ركضت ورد نحو ياسين تردف وهي ترفع رأسها لفرق الطول:
_ عمو أنا هقول لطنط مريم أنت بتحبها أد إيه واخليها تيجي تطلب ايدك.
ضحك ياسين بشدة على حديثها، ثم انحنى يحملها بحبٍ مقبلًا ايها، ثم قال:
_ هتخليها تطلب ايدي ازاي يا وردتي.
نظرت له الصغيرة بتفكير ثم قالت:
_ هقولها إنك بتحبها كتير اد البحر كله و إنك بتعيط وعايز تيجي تتجوزك.
علق ياسين بضحك انخرط مع ضحك الجميع عليها:
_ كده هتفضحي عمك يا حبيبتي مش هتجوزيه.
ابتسمت الصغيرة بعدم فهم، في حين نظر لهم ياسين بامتنان يردف بصوتٍ عاد له الدفيء:
_ ربنا ما يحرمني منكوا أبدًا.
*************
وصلت قطوف إلى المنزل وادخلت والدها إلى غرفته كي ينام من ارهاق هذا الطريق في حين كادت قطوف أن تصعد إلى غرفتها ولكن وجدت الباب يدق، تنهدت بتعبٍ ثم سارت إلى الباب حتى فتحته لتجد أحد يمسك بحقيبة مرددًا:
_ الأوردر دا حضرتك طلبتيه من 3 اسابيع وحسابه مدفوع اتفضلي.
قطبت قطوف جبينها بتعجب وأمسكت بالحقيبة ثم اغلقت الباب وسارت إلى غرفتها تنظر ما الموجود بالحقيبة حتى تذكرت هذا الألبوم الذي صنعته لتوثق تلك اللحظات السعيدة مع مازن به، ابتسمت بألمٍ ثم نظرت له ولتلك الكلمات التي كتبتها، شعرت بأنين يرتفع صوته بداخلها، جلست على الفراش تتطلع لداخل الألبوم ببسمة تحولت لاشتياق، تتأمل ملامح مازن بقلبٍ مكلوم من الألم، أغلقت الألبوم ووضعته بالحقيبة مجددًا تتطلع للسماء واضعة يدها على صدرها قائلة:
_ يارب ريح قلبي من التعب اللي هو فيه.
قررت أن تهبط إلى الحديقة كي تداعب زهورها، وبالفعل هبطت من الغرفة تسير نحو الحديقة، اوقفتها ملك مرددة:
_ أنتِ خارجة تاني يا قطوف؟
استدارت قطوف تجيبها ببسمة باهته وهي تراها تتحدث مع شقيقتها وزينة:
_ لا مش خارجة أنا بس هشوف الورد بتاعي.
حركت ملك رأسها بإيجابية، في حين غادرت قطوف نحو الحديقة تتطلع إلى زهورها بحزنٍ، حتى أتاها صوت تبغضه:
_ دا كان أكتر مشهد نفسي اشوفه... انك تكوني مكسورة.
استدارت قطوف تنظر إلى ميرڤت التي تبتسم بتشفي، ثم قالت بغيظٍ:
_ أنا محدش كسرني.
ضحكت ميرڤت بصوتٍ جعلت ثقة قطوف تهتز، نهضت ميرڤت تقترب منها ثم قالت وهي تقرب اذنها لقلبها:
_ بجد أمال صوت الكسر والوجع دا بسمعه من قلبك ليه؟!
لأول مرة تصمت قطوف بألمٍ حقيقي أمام ميرڤت، في حين أكملت ميرڤت وهي ترفع يدها تدفع قطوف إلى الخلف بخفة قائلة بنبرة قاسية لا تحمل معنى الرحمة:
_ أحلى حاجة مازن عملها فيكي أنه كسرك وبقيتي ضعيف.. بس اقولك على حاجة هو كسرك أحلى كسرة عارفة ليه عشان استنى لما اتعلقتي بيه وبقى أهم حد في حياتك وبعدها رماكي علطول.. بس يا ترى بقى كنت نزوة في حياته ورماكي زي ما رمى بنات كتير في حياته... أنا بقول كان بيجرب نوع جديد في حياته..
أمتلأ عين قطوف بدموع، أصبحت غير قادرة على الرد، نعم تشعر بجرحها الذي لم يبرأ، روحها التي تحترق من الألم، ولكن لم يضغط أحدهم عليها بهذا الحديث من قبل ابتسمت ميرڤت وهي ترى دموعها تهبط ثم مدت اناملها لتسقط أحد دموعها على ابهامها، أغمضت عينيها بتلذذ قائلة:
_ دي أحلى حاجة شوفتها.. دموع.. لا ومش أي دموع دي دموع كسرة قلبك.. ياااه كنت بحلم أكسر مناخيرك دي وحققت أمنيتي و...
صرخت قطوف بها واضعة يدها على أذنها قائلة:
_ بس كفاية.. ارحميني بقى من كلامك.
ابتسمت ميرڤت بتشفي ثم مدت ذراعيها تدفع قطوف حتى سقطت أرضًا تتأوه بشدة وسط بكاؤها، هي في أكثر لحظات هشاشة، والآن انتصرت عليها، أردفت بنبرة منتقمة:
_ بس إيه.. مش عايزة تسمعي حقيقة انك مطلقة.. أن حبيبك رماكي وسابك.. أنه طلقك بأهم وقت بحياتك.. مش عايزة تتأكدي من حقيقة إنك كنت نزوة رخيصة في حياته...
اقتربت من أذنها تهمس بصوتٍ فحيح:
_ مش عايزة تعترفي إنك بقيتي مريضة نفسيًا بسببه وبقيتي أضعف مخلوق في الكون.. وإن مازن حبيب القلب قتل كل الحلو اللي جواكي.. وإن لو جتلك فرصة ترجعوا لبعض هترجعي بدون كرمتك عشان بس تخففي وجع قلبك ومش هيخف...
تراجعت تنظر لجسدها المرتجف، عينيه اللتان تتآكلا من الألم، وجهها المشع بالحُمرة من أثر بكاؤها الذي يزداد من حديثها، أكملت وهي تتطلع لعينيه بقوة وكأنها تخبره بكلا اللغتين الجسد والكلام:
_أنتِ دلوقتي ضعيفة وهتبقي منبوذة عارفة ليه لأن اللي بتحبيه مش طايق وجودك بحياته والأكيد أن مفيش مخلوق هيقبل بوجودك زيه.. ولو قبل هيكسرك زي ما مازن عمل.
نهضت ميرڤت وهي تشعر بلذة الانتقام، في حين نهضت قطوف بصعوبةٍ بالغة، تحاول الاستقامة مما سمعته، تسير بعيدًا عن ميرڤت، تلف ذراعيها حولها، صعدت لغرفتها سريعًا قبل أن يراها أحد ثم أمسكت بإحدى الوسادات تدفن بها وجهها، ثم أطلقت صرخة قوية لعل هذا الألم الذي ينتشر بداخلها أن يتوقف، انتهت الصرخة واختفى صوته رفعت وجهها من الوسادة لترى مازن يقف أمامها اتسعت عينيها تتطلع له بقوة تتأكد من وجوده، ثم اغمضت عينيها وعادت تفتحهما لتجده اختفى من أمامها.
أمسكت رأسها بقوةٍ تشعر بألمٍ يداهمها، بدأت ترى اشياء غريبة حولها، أهلك ذلك أعصابها لتغفو مكانها تحاول الهروب مما سمعته، ومما تراه ولكن ما هو أمر إنها لا تعلم ما الحقيقة.. بل صدقت إنها بالفعل مريضة.
*********
بقى جمال خلف أحد الأشجار ينتظر أي لحظة لخروج ياسمين، يتمنى لو استطاع اختطافها ولكن لابد من أن يصبر كي يحصل عليها، انتفض من مكانه على صوت يردد:
_ مش هتخرج من البيت لوحدها.. الأحسن تدور على طريقة تانية تجيبها بيها.
استدار جمال يتطلع لمن يتحدث فما كانت سوى ميرڤت التي تبتسم بخبث، نظر لها جمال بشكٍ ثم قال:
_ أنتِ مين؟ وليه بتقوليلي كده!
جلست ميرڤت على المقعد الموجود بالحديقة تردف ببرودٍ:
_ أنا مين فمش هتفيدك بحاجة غير فضولك يرتاح ودا ملهوش لزمة... اما بقولك ليه كده فعشان مصلحتنا واحدة وأنت عايز ياسمين وأنا مش عايزها في البيت.
ضيق عينيه قليلًا، لتكمل ميرڤت حديثها بخبثٍ:
_ أنت جربت أكيد كل الطرق عشان توصل لياسمين ومعرفتش وهي مخضعتش ليك... جرب توصلها عن طريق حد.
قطب جبينه بتعجبٍ، ثم ردد متسائلًا:
_ قصدك إيه!
مدت يدها بصورة صغيرة تحمل وجه قطوف تجيبه بشرٍ ظاهر:
_ ياسمين بتخاف على عيلتها أوي وبالأخص اختها أنت بقى هتخطف اختها وتكلم ياسمين وتخلي قطوف تقولها أنها اتخطفت و أنها لزما تيجي لوحدها وساعتها ياسمين هتجيلك بتركع.
نظر لها جمال ببعض السعادة أنه سيحصل على ياسمين، لا تهم الطريقة ولكن الآن سيحصل عليها، أخفى الصورة بجيبه ثم قال:
_ خلاص تمام كده.
نهضت ميرڤت تردف بكلماتٍ جامدة:
_ هبلغك بالمعاد اللي تاخدها فيه على الرقم اللي ورا الصورة.
تركته مغادرة المكان، في حين نظر جمال بعدما اخرج الصورة من جيبه إلى الرقم وغادر هو الأخر ينتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر.
**************
عاد مازن إلى المنزل يشعر بتعبٍ شديد من الأعمال المتراكمة عليه، وخاصةً بعدما صنع عمل خاص به بعيدًا عن عمل خاله، دلف إلى المنزل كي يحمل متعلقاته ويغادر إلى شقته الخاصة، وبالفعل انتهى من حمل كل شيء وما كاد أن يخرج حتى وجد ياسين امامه يعقد حاجبيه بتعجبٍ مرددًا:
_ أنت مسافر؟!
حرك مازن رأسه بنفي، يجيبه:
_ لاء.. بس هروح شقتي اقعد فيها.. وكمان عشان الكل ياخد راحته اكتر.
نظر له ياسين بضيقٍ من حديثه، ثم قال:
_ بقولك إيه خليك قاعد معايا أنا مخنوق ومكتئب من اللي حصلي ومش ناقصة أنت كمان تمشي.
رفع مازن حاجبه يردف بسخرية:
_ كنت الدادة اللي جبتهلك عمتك.
:_ بس يا أخي افتكرلنا سيرة عدلة.
قالها ياسين باشمئزاز، في حين قوس مازن فمه بسخطٍ، يهمس بداخله:
_ أمال لو عرفت أنها هي السبب في اللي حصلك!
عاد مازن يرفع صوته قائلًا:
_ ابعد يا عم خليني أمشي من هنا.
:_ خدني معاك.
قالها ياسين سريعًا، ليدفعه مازن بغيظٍ مرددًا:
_ هو أنا أمك وشبطاني فيا.. غور ياض من وشي.
تمسك ياسين بذراع مازن مرددًا باستفزاز:
_ آه شبطان فيك يلا بقى خدني معاك.
مسح مازن على وجهه يردف بعصبية:
_ دا أنت لو جوز أمي ما هترازي فيا المرازية دي.
ابتسم ببرودٍ له ولا يزال يمسك بيده، في حين نظر مازن له ثم قال بهدوءٍ غريب شعر ياسين بقلقٍ نحوه:
_ عارف يا ياسين كان في واحدة بتيجي من البلد تبيع جبنة وبيض و لما تشوف حد معدي من جنبها.. متحلش أمه غير ومشيلاه بيض وجبنة وممكن يشيلها هي شخصيًا لو فضلت على دماغه.. كانت ولية زنانة زن يكفر سيئات شعب كامل.
نظر له ياسين بتعجبٍ لحكايته، ليردف بتساؤل:
_ هي اسمها ايه؟!
أجابه بهدوءٍ:
_ أسمها أم أحمد.
قطب ياسين جبينه بدهشة ثم قال:
_ طب وأنا مالي بيها!
:_ لا ما أنت طلعت أنيل منها.
قالها مازن بتأكيد، في حين احتقن وجه ياسين بغضبٍ يردف بصوتٍ مغتاظ:
_ اتصدق إني غلطان اني بعبرك وأنت متستهلش.
نفض مازن ذراعه، يجيب حاملًا حقيبته:
_ ما أنا عارف.
:_ بطل برود يلا.
قالها ياسين بغيظٍ، في حين ابتسم مازن ببرود مرددًا:
_ شوف أنا عادي مع كل الناس.. بس لما بشوفك القطبين الجنوبي والشمالي بيمسكوا فيا... سلام يا أم أحمد.
غادر مازن من المنزل، في حين سار ياسين إلى غرفته بوجهٍ عابس محتقن، يفكر في كيفية الانتقام من مازن.
***********
اختتمت تلك الليلة باتصال من ميرڤت تردد فيه بصوتٍ جامد:
_ هتنفذ بكرة.. هي هتخرج من البيت وهتروح المستشفى وهناك انت هتنفذ.
:_تمام.
قالها جمال يغلق معها، يستعد لمهمته بالغد.
************
صباحًا..
انطلقت قطوف إلى المشفى مع والدها، ولكن تذكرت تلك العلامة الموجود بذراعها وكأن أحد غرز بها حقنة، بدأت تشعر بحيرة مما يحدث معها، تتألم بصمت، ترى أشياء غير موجود، يختلف معها الوقت من حين لآخر ولا تشعر به، تنهدت بتعب ثم صعدت للقسم الخاص بوالدها ولكنها وجدت أناس تلك المرة، جلست تنتظر دورها حتى صعد أحدهم لها يرتدي قبعة تخفي وجهه، يردد نحو قطوف قائلًا:
_ يا مدام في حد محتاجك تحت.
ظنت قطوف أنه أحد من أفراد أمن المشفى، وقررت الذهاب معه لترى من الذي يريدها، وما أن هبطت معه إلى الأسفل تنظر حولها بتعجب من عدم وجود أحد، استدارت لفرد الأمن مرددة:
_ هو فين الشخص اللي عايزني؟!
:_ في الحديقة الخلفية.
قالها وهو يسير إلى هناك، شعرت قطوف بقلقٍ منه ثم قالت وهي تتراجع:
_ لا خلاص مش مشكلة مش عايزة أشوفه.
كادت أن تتراجع ولكن يد جمال التي أمسكت بها يكتم انفاسها بقوةٍ بمنديل به مخدر جعلتها لا تشعر بشيء بعد دقائق حاولت الصراخ بها.
***********
وصل مازن إلى منزل خاله، يدلف إلى المنزل بعدما فتحت له ورد، سار إلى الداخل ليجد ياسمين تجلس إلى جوار ورد يلعبا بالألوان المائية، ابتسم لطفولتهما، ثم قال:
_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نظرت له ورد تردد:
_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ثم اضافت متطلعة نحو ياسمين:
_ كده أخدت عشر حسنات يا ماما.
ابتسمت لها ياسمين تحرك رأسها بإيجابية، صفقت ورد بسعادة ولكنها اوقعت علبة الماء على ملابسها لتتسخ جميعها، نهضت ياسمين سريعًا كي تبدل ملابسها ولكن أتى رنين هاتفها الذي كان جوار مازن، هتفت بصوتٍ عالي وهي أعلى الدرج:
_ مين يا مازن؟!
اجابها مازن بعدما أمسك بالهاتف ليرى المتصل:
_ رقم غريب.
:_ طب ممكن ترد مكاني ولو حد أعرفه تجبلي الفون.
قالتها ياسمين سريعًا كي تغادر، في حين اجابه مازن بالموافقة ثم اجاب على الهاتف سريعًا ينتظر رد من على الهاتف ولكن استمع لصوت انفاس مضطربة.
*********
بدأت تذرف الدموع وهي ترى يديه مربوطتان بقوة، تنظر لهذا المجنون الذي يمسك بسكينٍ صغيرة بيده، ضرب جمال كتف قطوف كي تتحدث ولكنها رفضت الحديث، ليهمس بأذنها قائلًا:
_ لو منطقتش... السكينة دي هتتغرس فيكي!
ظلت قطوف صامتة فقط تسيل دموعها دون توقف، لتنفجر عصبية جمال منها، فأسرع بوضع الهاتف جانبًا ولا تزال المكالمة قيد التشغيل، ثم قام بغرس السكين بيد قطوف المربوطة بشرسة لتخضع له، صدر أنين متألم منها، ليبدأ جمال بتشريح يدها بهذه السكين يسير بها وكأنها قطعة جُبن، هنا لم تتحمل قطوف ما يفعله بها، لتبدأ بالصراخ بقوة، تردف بألم:
_ آآآآه ايــــــــــــــــدي.
انتفض مازن من مكانه يهمس باسم قطوف، بينما لم يتوقف جمال لهذا حد بل ظل يكمل وكأنه يرسم خريطة، ينزع السكين ثم يعيدها مرة أخرى كي يزداد تألمها، لم تعد تحتمل هذا القدر ليهتز جسدها بألمٍ قاسٍ، يعلو صراخها دون توقف، تنزف الدماء بغزارة منها وكأنها شلال، أبعد جمال السكين بشكلٍ مؤقت ثم قال بنبرة شرسة:
_ لو عايزة اختك قبل ما أكمل تشريح فيها تجيلي بنفسك في شقة اللي بعتلك عنوانها في رسالة دلوقتي.
همست قطوف بتعبٍ يميل رأسها إلى جانبها، محاولة مقاومة ما فعله خوفًا على شقيقتها :
_ اوعى تيجي!!
اختتم هذه المكالمة بعلو صراخ قطوف مجددًا ولكن تلك المرة أشد عن ذي قبل!!!
•تابع الفصل التالي "رواية فطنة القلب" اضغط على اسم الرواية