رواية تراتيل الهوى الفصل التاسع والعشرون 29
البارت 29
صدم الجميع وشهق البعض بينما صُعق تاج وسروة التي تجمدت مكانها، تشعر كأن دلو من الماء المثلج سُكب عليها، ناظرت روفان التي تنظر لها بخبث كأنها مازالت تستوعب ما سمعته أما تاج فصُدم بشدة واتسعت عيناه فكيف عرفت روفان أمر سري وحساس كهذا؟
شعر برجفة سروة جانبه فأفاق من صدمته بسرعة، قست ملامح وجهه وظهرت الشراسة عليها هادرًا بحدة: إيه الكلام الفارغ ده؟ أنتِ إزاي تتجرئي تقولي حاجة زي دي على مراتي أنتِ اتجننتِ؟
أمالت روفان رأسها جانبًا تحدق إلى سروة بتشفي من مظهرها ثم ردت على تاج ببراءة مصطنعة: ليه هو أنا قولت حاجة غلط مش دي الحقيقة؟
تقدم تاج خطوة للأمام يحكم على قبضة يده بشدة والحنق والغضب يملأن صوته ووجه يقول من بين أسنانه: طعنك في شرف مراتي ده مش هيعدي بالساهل هندمك على كل كلمة كدب قولتيها دلوقتي في حق مراتي!
اغتاظت روفان من دفاع تاج الشرس عن سروة كما لم تتوقع منه فتابعت بحنق غير واعية بما تقوله: كدب؟ هو إيه اللي كدب أنها كانت حامل قبل الجواز ولا أن أبوها دخل المستشفى بسببها وبسبب فضيحتها وأنها واحدة******
شهق الجميع من اللفظ الذي أطلقته روفان على سروة فاحمرت عيون تاج من شدة الغضب وتغيرت ملامح وجهه حتى غدت عنيفة، وغلت دماءه في عروقه حتى أن روفان خافت منه وانتبهت لزلة لسانها الكبيرة، تقدم تاج بخطوات واسعة نحو روفان فتراجعت خطوة للخلف وفي لحظة مباغتة رفع يده لأعلى وهوى بها على وجهها بصفعة قوية حتى أنها صرخت بألم وقد مال وجهها للناحية الأخرى.
أمسك روفان من ذراعها بقسوة حتى أن آهة خافتة أفلتت منها من الألم، رفع تاج ذقنه لأعلى ووجه بصره للجميع وهو يتحدث بصوت عالي واثق يملؤه الكبرياء: الكل هنا يسمع ويركز كويس في كلامي، مراتي اللي هي في نفس الوقت بنت خالي أشرف من الشرف نفسه.
ثم حدق لروفان التي تضع يدها على جانب وجهها بألم وأكمل حديثه من بين أسنانه: وواحدة زيك تيجي تقول عليها كلام زبالة وتحاول تشوه سُمعتها قدام الناس دي حاجة أنا مش هسمح بيها ولا هعديها أبدا! أنا أقطع لسانك قبل ما تفتحي بوقك مرة تانية علشان تقولي نص كلمة عليها!
هزها بعنف كالدمية مُتابعًا بنبرة تهديد: واللي حصل النهاردة أنا مش هعديها وهرفع عليكِ قضية تشهير علشان تتأدبي وميخطرش على بالك تفكري فيها مش بس تجيبي سيرتها!
وضعت روفان يدها الأخرى على ذراعها من المكان الذي يُمسكها تاج لأنه بدأ يؤلمها بشدة تحاول الإفلات منه وهي تقول بعدم تصديق ممزوج باهتياج: أنت بتمد إيدك عليا يا تاج؟ بتمد إيدك عليا وبتقولي أنا الكلام ده!
هزها تاج بقوة أكبر قائلًا باحتقار: وأقطع لك لسانك قولتلك مرة، عُقد النقص اللي عندك تروحي تطلعيها في مكان تاني وعلى حد تاني مش على مراتي! واللي عملتيه النهاردة ميثبتش غير انك واحدة مريضة محتاجة تروحي تتعالجي.
ثم تركها وهو يدفعها حتى كادت تقع، التفت تاج جانبه وهو يوجه حديثه لأحد الأشخاص بجانبه بحدة: جرى إيه يا رفيق أنا جاي الحفلة اتهان أنا ومراتي ولا إيه؟ لو أعرف كدة مكنتش جيت.
استدار وذهب لسروة يمسكها من ذراعها: يلا نمشي.
لحق به رفيق على الفور وهو يمسكه من ذراعه ليوقفه: رايح فين يا تاج؟ أنت بتهزر يعني، صدقني والله مكنتش أعرف أنه حاجة زي دي هتحصل.
ثم نظر رفيق لروفان بصرامة: أنا معزمتش حضرتك ولو سمحتِ بعد الدوشة والإزعاج اللي عملتيهم في الحفلة أنا بطلب منك تمشي وجودك مش مُرحب بيه.
نظرت روفان حولها وقد رأت ذُلها ينعكس في عيون الأشخاص الذين يناظروها بغضب واستياء كما أن تاج أذلها بضربها وحديثه عنها أمام الجميع، اشتعل الحقد داخلها أكثر ولكنها تعلم موقفها الخاسر فالتفتت وغادرت.
تنفس الجميع الصعداء من رحيلها الذي وتر الأجواء ولكن الجو مازال متوتر فما قالته وما حدث ليس سهلًا.
استدار تاج لسروة أخيرًا ليجدها صامتة لا يظهر على وجهها أي تعبير، حاول التقدم منها إلا أن تجمع النسوة حولها منعه، فلقد اجتمعت حولها النساء محاولين التخفيف والترفيه عنها بعد ماحدث وقد أقنعهن موقف وحديث تاج كما أن بعضهن كان يعلم بالعلاقة التي تجمع روفان وتاج فصدقن أن تلك الفعلة فقط حتى تنتقم روفان لنفسها.
لم يكن يستمع تاج لحديث صديقه فقد كان قلقًا على سروة التي لم تُبدي أي ردة فعل، نظر لها مرة أخرى ليجدها غير متواجبة مع النساء وفي لحظة التقت عيناه بعيناها التي قرأ فيهما التوسل للمغادرة فاستاذن من صديقه واعتذر عن متابعة الحفل وأخذها وغادروا.
طوال طريق العودة لم تتحدث سروة بل كانت صامتة تحدق أمامه نظرات تاج تراقبها بقلق، مد يده ليُمسك بيدها التي بجانبها ليجدها باردة كالجليد فشدد عليها حتى يبعث فيها بعض الدفئ، نظرت بجانب عينيها ليده التي تضم يدها ثم عاد تنظر للأمام بصمت، كانت سروة في عالم آخر تشعر بقلبها يكاد ينفجر من شدة الألم وحلقها يسده كتلة ضخمة تمنعها من الكلام وتخنقها.
وصلا للمنزل فهبطت من السيارة على الفور دون انتظاره، تنهد وهو يتبعها، فور أن فتح باب المنزل توجهت على الفور دون كلمة إلى غرفتها فأغلق تاج الباب ورائه ثم تبعها، لم يُرد تركها بمفردها لأنه لم يرتح لصمتها.
كانت تجلس على سريرها فتقدم وجلس بجانبها وهو يضع يده على ظهرها.
حاول الكلام بنبرة هادئة: سروة أنا آسف.
استقام ظهرها على الفور وتصلب جسدها فتابع بفتور متذكرًا روفان: اللي حصل النهاردة بسببي أنا عارف بس أنا هندمها ومش ه....
قاطعتها وهي تدير وجهها له فصمت تاج وقد اتسعت عيناها ذهولًا مما رآه في عيناها، كانت تحدق إليه بعينان تنضجان بالعذاب والألم فتأوه تاج بندم: سروة أنا آس...
رفعت يدها أمام وجهه ترد بصوت مبحوح: أوعى! أوعى تقولي أنك آسف!
تابعت وهي تحدق أمامها تضحك باستهزاء: هتتأسف على إيه ها؟ ده أنا اللي المفروض اتأسف لك! أنا اللي أحرجتك يا تاج.
نهض تاج ورد بغضب: لا طبعا إيه الهبل ده!
هزت رأسها بقوة: هي دي الحقيقة متحاولش تنكر!
تفجرت الدموع التي كانت حبيسة عينيها وهي تُكمل بحسرة ممزوجة بالحيرة: أنا بس عندي سؤال واحد، ليه؟ أنا عملت فيها إيه علشان تعمل فيا كدة؟ أنا أذيتها في إيه علشان تأذيني بالشكل البشع ده؟
توتر تاج ولم يعرف بماذا يجيبها، صمتت سروة لثانية قبل أن تضع يديها على وجهها وهي تنفجر ببكاء حار صوتها يعلو وتشهق بانهيار مثل الطفل الصغير حتى أن صوت بُكائها مزق قلب تاج الذي وقف عاجزًا أمامها لثانية قبل أن يجلس ويضمها لصدره بقوة.
ضمها وهو يمسح على شعرها بحنان يُهدئها والنار تشتعل في قلبه عليها حتى أنه توعد لروفان مرة أخرى على ما فعلته بها لتعود لنقطة الصفر بعد أن تحسنت حالتها، رفعت سروة وجهها المحمر والملئ بالدموع لتاج تهمس بحرقة: أنا ليه بيحصل معايا كدة يا تاج؟ أنا عملت إيه لكل ده؟ أنا مستاهلش كدة والله العظيم ما استاهل كدة.
رد على الفور مؤكدًا بحنان صارم: طبعا متستاهليش كدة، أنتِ تستاهلي أحلى حاجة في الدنيا يا سروة، متخليش تصرفات ناس مش سوية وحقودة زي دي تعمل فيكِ كدة، متخافيش أنا جيبت لك حقك ومحدش هيتجرأ يجيب سيرتك أو سيرة اللي حصل.
تنهدت سروة ولم تتحدث وهي تريح رأسها بتعب على صدره، قال تاج وهو يبعدها وينهض: هجيب لك ماية.
أمسكت سروة بيده وهي تشده فجلس أمامها على ركبتيه، حدقت إليه بعيون متورمة من البكاء قبل أن تقترب منه وتضع جبينها على جبينها هامسة برجاء: ممكن نفضل كدة شوية؟ لو سمحت.
رغم استغراب تاج إلا أنه رضخ لطلبها فأغمضت سروة عيناها براحة، ابتسم تاج وهو يغمض عينيه هو أيضا، فتحت سروة عيناها وهي تتأمل وجه تاج، شعرت بقلبها يتضخم بشعور هي لا تعرفه أو بالأصح لا ترغب في معرفته أو فهمه، مستكينة بقربه ووجوده والنظر له يدفئ قلبها اقتربت سروة منه وقَبلته برقة وهي تضع يدها على جانب وجهه.
فتح تاج عيناه على وسعهما من الصدمة فابتعدت سروة مبتسمة بمزيج من الخجل والنعومة، عيناها تنطق بما لم يستطع لسانها النطق به.
كأن التواصل بالعيون هي لغة تحاورهما فهمها تاج قبل أن يهز رأسه لها كأنه يتأكد من موافقته فأومأت وحرارة وجهها تشتد من الخجل، ابتسم عندها بحنان ووضع يديه على وجهها وقبلها برقة ممتزجة بنعومة سرعان ما تحولت للشغف وسروة تتجاوب معه بعد أن وضعت يديها خلف عنقه.
كان كل شيء يسير على مايرام وطبيعيًا حتى عقد تاج حاجبيه فجأة ولمحات من الماضي تعود إلى عقله على هيئة ذكريات، لقطات من مقطع الفيديو الذي شاهده على هاتف عصام مظهر سروة واقتراب عصام منها تظهر أمام عيناه المنغلقتين فشعر بشيء يقبض على قلبه ويخنقه، ف
تركت يداه وجه سروة وهو ببتعد عنها بقوة وحدة، ناظرها بعيون متسعة من الصدمة وهو يلهث بشدة!
•تابع الفصل التالي "رواية تراتيل الهوى" اضغط على اسم الرواية