رواية فطنة القلب الفصل الثاني 2
اللهم إني أستودعك بيت المقدس وأهل القدس وكل فلسطين. اللهم ارزق أهل فلسطين الثبات والنصر والتمكين، وبارك في إيمانهم وصبرهم. اللهم إنا نسألك باسمك القّهار أنْ تقهر من قهر إخواننا في فلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين.
اللهم اشف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، وأطعم جائعهم، وانصرهم على عدوهم. اللهم أنزل السكينة عليهم، واربط على قلوبهم، وكن لهم مؤيدا ونصيرا وقائدا وظهيرا. سبحانك إنك على كل شيء قدير؛ فاكتب الفرج من عندك والطف بعبادك المؤمنين.
____________________
فِطْنَة اَلْقَلْبِ
«قطوف الياسمين»
بقلم سلمى خالد " سماسيموو"
سبحانك اللهم بحمدك سبحان الله العظيم.
الفصل الثاني
( انتقام)
صباحًا...
وصل للمنزل، ترتسم على شفتيه ابتسامة ماكرة، فلن يدعها تلفت بحديثها الساخر هكذا، دلف في هدوء للداخل دون أن يراها بالورشة الخاصة بها، وما أن فُتح الباب حتى رأى ياسمين بوجهه، عبست ملامحها في ضيق، في حين ابتسم مازن في حنو يتمتم بنبرة مستعطفة:
_ ينفع ياسمين تزعل من مازن؟
نظرت له في ضيق، قائلة بأعينٍ تكاد تهرب منها الدموع:
_ وينفع برضو تسيب ياسمين وقت كبير جدًا لوحدها في الجامعة وتروح لوحدها صح!
وضع مازن يده خلف رأسه في حرج، يجيبها بنبرة آسفة:
_ حقك عليا يا ياسمين.. صدقيني حصل ظرف وخلاني أمشي بسرعة.. حتى رجعت الجامعة تاني بس ملقتكيش ورنيت كنسلتي.
مسحت ياسمين دموعها، في حين ابتسم مازن في اتساع متمتمًا:
_ طب قولي كده أي حاجة عايزة انفذها واعملها ليكي علطول.
نظرت له قليلًا ثم أردفت في حيرة:
_ اطلب ايه؟!
اشار بيده قائلًا:
_ أي حاجة.. ها عايزة ايه؟!
بقت دقائق تفكر قليلًا، ثم ابتسمت في اتساع ما أن خطر ببالها فكرة لتردف سريعًا:
_ في وردة اسمها الأوركيد.. هاتها ليا وأنا هسامحك.
قطب مازن جبينه في تعجب، ثم حرك كتفيه في لامبالة قائلًا ببسمة صغيرة:
_ اعتبريها عندك من بكرة.
صفقت ياسمين بيدها في سعادة ثم اضافت بدهشة:
_ صح أنتِ لأول مرة تدخل من غير ما نسمع صوتك أنت وقطوف.
ضحك مازن في مكر، ثم تحدث وهو يرفع يديه لأعلى قائلًا ببراءة:
_ شوفتوا عشان تعرفوا أني بحاول ابطل خناق مع البومة دي.
ضحكت ياسمين عليه، ولكن سرعان ما اختفت عندما رأت يديه بها ضمادة، اندفعت بحديثه القلق:
_ ايدك حصلها ايه؟!
تنهد مازن ما أن تذكر السبب، ثم اجابها ببسمة هادئة:
_ مفيش.. دا اتعصبت إني سبتك لوحدك وكمان روحت لقيت أمي في البيت وقالت كلام نرفزني بس.
نظرت له في عتاب ثم اشارت له بأن يدلف للداخل، في حين دلف مازن وهو ينتظر خروج خاله كي يتحدث معه.
خرج محمد والتعب بات ظاهرًا على ملامحه ولكن يقاوم، فليس محمد العطار الذي يقع بسهولة، علت البسمة على ثغره يهتف بترحيب:
_ منور يا مازن.
نهض مازن احترامًا لخاله يسلم عليه، ثم اردف ببسمة صغيرة:
_ بنورك يا خال.. وحشني.
رفع محمد حاجبه يتمتم بسخرية:
_ والله... ما تتظبط ياض هو أنا خطيبتك.
ضحك مازن على حديث خاله، في حين أكمل محمد بمكر تعلمه مازن منه:
_ قول حصل ايه... بلاش الداخلة دي على خالك يا مازن.. دا أنا بابا يلا.
ابتسم مازن في هدوء، في حين نظر محمد نحو ياسمين ثم قال ببسمة حانية:
_ حضري الفطار يا ياسو بايدكِ الحلو دي.
ابتسمت ياسمين في سعادة، ثم نهضت تعد الطعام في حين اكمل محمد في هدوء:
_ حصل إيه؟!
اجابه مازن بصوتٍ مختنق:
_ أمي جبرتني اشتغل معاك وإلا هتأذي أي حد بحبه.
صمت مازن ولم يرض أن يضفي المزيد، في حين بقى محمد دقائق في صمت ثم قال بصوتٍ هادئ:
_ يبقى تشتغل معايا يا مازن.
نظر له مازن في صدمة، في حين استرسل محمد حديثه:
_ بص يابني أنا هكلمك بصراحة أنا كتبت كل فلوسي باسم قطوف وياسمين وأمك جت وبهدلت الدنيا بعد ما رشت المحامي بتاعي وعرفت اللي في الواصية و حاليًا أمك بتحارب عشان تاخد فلوس اللي فاكرة أنها حقها.. وعشان أأمن أنها متضربنيش في ضهري لزمًا أنت تشتغل معايا.
نظر له مازن في صمت، فقد ذاق عذاب والدته، لم تراعيه حتى، تركت خاله هو من يساعده ويراعيه، بقى دقائق في صمت ثم اردف بنبرة هادئة:
_ خلاص يا عمي ماشي.
تهلل سريره بشدة، وشعر بالسعادة تغمر قبله بعدما ملأه الأمان، وأن مجهوده بالعمل لن يضيع، فاردف بصوتٍ ممتن:
_ شكرًا يا بني... ربنا يبارك فيك.
نهض مازن يقبل رأسه في حنو، يهتف في صدق:
_ أنت الخير والبركة كلها.. وأنا اللي لزمًا أشكرك على انك واثق فيا بالشكل دا.
ابتسم محمد في رضا، ثم نظر له في عمق مردفًا:
_ بص يا بني.. أنا لا ابن امبارح ولا أول حتى.. أنا راجل عدت عليه مراحل كتير... ازمة الفلوس اللي مريت بيه ومراتي اللي توفت وسابت طفلتين وخيانة من كل واحد شكل وأمك اللي بتحاربني رغم انها المفروض تبقى في ضهري..وغيره فاللي شوفته مش قليل بس أنت سبحان الله ربنا خلق فيك شيء حلو هتعرفه لما تدخل وتشيل مسؤولية.. واعتقد إنك فاهم شوية في الشغل بتاعنا مش ناقص غير بس تعرف تتعامل إزاي مع الناس سواء رجاله أو ستات وفاهم قصدي إزاي بالاتنين.
دقق محمد حديثه على النساء، في حين ابتسم مازن بحرجٍ شديد من خاله الذي استرسل حديثه بهدوء:
_ أنا عارف بكل اللي بتعمله... ومش راضي عنه نهائي ولكن أنت مش صغير عشان اعاقبك كبرت وعندنا بقى الصغير الكبير بيعاقبه لكن الكبير... الدنيا هي اللي بتعاقبه على افعاله الغلط كلها... فخلي بالك أنك ممكن تدفع التمن في أغلى الناس ليك لأن الدنيا بتختارهم هما اللي يدفعوا التمن دا عشان ساعتها الخسارة مش هتكون عادية زي ما بيحصلك دلوقتي بالعكس الخسارة بتيجي فأغلى حاجة ليك.
نظر له مازن في هدوء يعتريه الألم، ثم تمتم بنبرة تحمل أنين المعذب من ضميره:
_ طب لو مش حابب اخسر واضحي بحد واتوب عن كل حاجة بس مخسرش أغلى حاجة في حياتي اعمل إيه؟!
اجابه في هدوء:
_ هقولك نصيحة تخليها حلقة في ودنك... كل غلط لزمًا تدفع تمنه مهما كان ايه... والغلط كل ما بيكبر كل ما التمن بيغلى يا مازن.. ولو عايز تقلل مش تخفي ضريبة غلطك توب وأصلح طريقك بايدك وساعتها بدل ما تدفع تمن أغلى حاجة وتقطم ضهرك هتدفع تمن حاجة تساوي قطم ضافر.. أنت متخلقتش في جنة.. ربنا خلقك في دنيا فيها الحلو والوحش ولزمًا تدوق الاتنين.
تأمل مازن حديثه وبات يرن بأذنيه، ثم تذكر حديث نور عن خسارته الشديدة أن لم يبتعد عن هذا الطريق المُظلم، قاطع تفكيره صوت ياسمين التي اردفت بنبرة هادئة:
_ يلا يا بابا يلا يا مازن الفطار جهز.
نهض كلاهما في هدوء، ولكن بداخل كلًا منهما عاصفة لم تنتهِ بعد، جلسوا جميعًا ولكن حل ضجيج عالي ما أن دلفت قطوف للمنزل تردف بصوتٍ عالي:
_ دقيقة وجاية اهوه... بس ايدي مليانة شحم.
ابتسم مازن ساخرًا ثم اردف بصوتٍ ساخط:
_ مش بقولكم أنها بتتغذى على الشحم.
أتت قطوف على صوته، لتسرع بحديثها الفظ معه قائلة:
_ اتصدق ياض أنت محتاج بربع جنية دم يمكن تحس ومتجيش هنا.
رفع مازن حاجبه في غيظ، ثم ابتسم ببرود يجيب:
_ من بعد ما عندكم، ثم دا بيت خالي مش بيتك.
صكت قطوف على اسنانها وهي تسحب الكرسي الخاص بها في عنف، تجلس عليه محاولة السيطرة على اعصابها قبل أن تغرس هذه الشوكة بعنقه، أخذت نفسًا عميقًا كي تهدأ ولكن لم يعطها مازن تلك الفرصة، حتى اردف بصوتٍ ساخر:
_ ألحق يا عمي بنتك فاضل تاكة وتنضم لسلالة التنين المجنح.
دفعت قطوف شوكتها قائلة بعصبية:
_ ماتلم نفسك ياض أنت أنا ساكتة عشان أبويا قاعد إنما هتزود هقل منك.
رفع محمد حاجبه متمتمًا بتهكم:
_ ساكتة عشان ابوكي... لا خدي راحتك يا حبيبتي ولا كأني قاعد قلي منه يلا.
صمتت قطوف على مضض، في حين نهض محمد يردف بصوتٍ هادئ مقتضب:
_ روح على شغل النهاردة وأنا هتصل بمحمود يقولك تعمل ايه.
حرك رأسه في ايجابية، في حين نظرت له قطوف في صدمة قائلة بنبرة مذهولة:
_ متقولش أنه هيشتغل معاك ابو لسان ونص دا.
حرك مازن رأسه ببسمة شامتة، في حين نظرت له قطوق في حدة تردف بصوتٍ يحمل غضبًا شديد:
_ دا هتشيله مسؤولية شغلك يا بابا.. دا هيقعدنا في السيدة نشحت والله أعلم هيعمل ايه تاني.
نظر محمد بعتاب نحو مازن الذي جعلها تردف بتلك الكلمات وعلم أن قطوف رأته بمرة، في حين أردف محمد بصوتٍ حاد:
_ أنا ساكتلك من الصبح إنما هتزودي فيها هوقفك عند حدك يا قطوف.. متنسيش أني ابوكي وقاعد وليا احترامي يا محترمة يا متربية ولا نسيتي.
هبطت بنظرها للأسف ثم تمتمت في حزن:
_ آسفة يا بابا مش هتتكرر.
:_ اتمنى.
قالها وهو يغادر نحو مكتبه، في حين هتفت ياسمين بصوتٍ هادئ دون أن تدخل نفسها بأي حديث مما يحدث فهي لا تحب طريقتهم:
_ عايز شاي يا مازن؟
ابتسم لها يجيب:
_ ياريت بس متنسيش مش بشربه...
:_ مش بيشربه بسكر عشان يليق على سم دمه.
قاطعته قطوف في غيظ، نهضت ياسمين في يأسٍ من شجارهما الغريب، في حين التمعت عين مازن بالغضب ليردف بصوتٍ عالي:
_ يا خالي تعال...
:_ اسكت خلاص.
قالتها قطوف سريعًا قبل أن يكمل، ثم توجهت نحو الأعلى قائلة في حدة:
_ امتى اخلص منك.. دا أنت لو واقع في قرعتي مش هتعمل كده.
ابتسم في استفزاز، ثم قال واضعًا قدم فوق الأخرى:
_ وعاملة نفسك شبح وأنتِ قارعة.
نظرت له في صدمة ثم صرخت بغيظ شديد تتجه نحو غرفتها ثم أغلقت الباب بقوة، في حين ضحك مازن بشدة يردف بنبرة متشفية:
_ ولسه يا قطوف.
مرت دقائق كانت قطوف قد غادرت من المنزل، في حين تسلل مازن في هدوء بعد أن احتسى الشاي وانطلق للورشة الخاصة بقطوف وبها العربة، وفي سرعة بدأ ينظر في الماتور وأجزاء الداخلية الخاصة بالسيارة، شعر ببعض الذهول من اتقان قطوف في ادخال تعديلات بسيطة على سيارة عادية كي تتغير سرعتها عند الحاجة إليها وأيضًا وجود تقنيات الالكترونية بها، حرك رأسه في آسف ثم أردف في آسف:
_ آسف يا قطوف على اللي هعمل شغلك جمدان بس أنا مش هسكت على كلامك اللي زي السم.
أمسك بالمفتاح الخاص بالصيانة وبدأت بفك جزء من السيارة، وما أن انتهى حتى أمسك بحقيبة صغيرة ووضعها بها ثم خبأها في مكانٍ لن تصل له قطوف، ابتسم في مكر يتمتم:
_ ابقي وريني هتجيبي الجزء دا منين.. وأنا واثق أن مفيش غيره معاكِ ومش هتقدري تشتري غيرها.
غادر المنزل سريعًا يتجه نحو العمل، يتذكر كيف كان يذهب مع خاله لمكان العمل وكيف كان يحب يجلس معه، ابتسم لهذه الذكرى الهادئ، وكأنها موج هادئ يمر بسلامٍ أمام شخصٍ هادئ.. صامت.. متأمل.
**
تحركت بالسيارة في سرعة فقد تأخرت عن موعد عملها كثيرًا، ولكن أثناء سيرها اصطدمت سيارتها بفتاة صغيرة في سن السادس عشر، اتسعت حدقتيها في صدمة، وفي سرعة هروالت من السيارة اتجاه الفتاة تردف بنبرة قلقة للغاية:
_ أنتِ كويسة... طب سمعاني؟!
ابتسمت تلك الفتاة بألم، ثم قالت قبل أن تفقد الوعي تمامًا:
_ ياريت الكل يخاف عليا زيك.
اغمضت الفتاة عينيها، في حين عالى صوت مريم وهي تهتف للتجمع البشر من حولها:
_ حد يساعدني انقلها العربية واروح المستشفى بسرعة.
بالفعل قامت سيدتان بحمل تلك الفتاة صاحبة هذا الجسد الهزيل ووضعها في السيارة، وسرعان ما انطلقت بالسيارة قبل أن تحدث مضاعفات تردف لنفسها:
_ ياربي على اللي حصل حبكت يعني يا مريم متشوفيش قدامك البنت.
وصلت بها للمشفى سريعًا، وقامت الممرضات بمساعدتها كي يذهبوا بها إلى الطوارئ، في حين بقت مريم تجلس بالجوار تبكي بشدة على ما حدث، وتذكرت والدتها لتسرع بالرنين على صديقتها المقربة، تمسك الهاتف في توتر، يديها ترتعش بشدة، وما أن اجابت حتى قالت مريم بصوتٍ خائف:
_ قطوف روحي لماما اقعدي معاها وطلعي أي حِجة عشان أنا مش في العيادة ومتخلهاش ترن على العيادة لأنها ممكن ترن هناك وساعتها هتعرف إني مش موجودة.
:_ نعم! أمال أنتِ فين؟!
قالتها في دهشة، في حين اسرعت مريم بالحديث قبل أن تفقد أخر ذرة بثباتها:
_ اعملي اللي بقولك عليه بس عشان خاطري وروحي ليها وأنا هقولك كل حاجة لما اخلص.
أغلقت معها، وهي تحاول السيطرة على توترها الذي يزداد كلما مر الوقت ولم يخرج أحد كي يخبرها ما الذي حدث للفتاة.
***
بالقرب من منزل مريم..
قررت قطوف الصعود وهي تنفخ وفي ضيق قائلة بنبرة حانقة:
_ يعني خارجة اطفش من اللي اسمه مازن دا... عشان أروح اتعك في موضوع تاني... تتشكي في بطنك يا مريم ما أنا عارفة إنك عملتي مصيبة وبتخليني ألهي طنط عشان تصلحي عكك.. من يوم ما عرفتك زمان في الثانوي وأنتِ عكاكة بس لما أشوفك بس هاكلك علقة.
مدت يدها تضغط على زر الجرس، وبقيت دقائق حتى أتت والدة مريم بكرسيها المتحرك كي تفتح الباب بهدوء، وما أن رأت قطوف حتى ابتسمت بحبٍ قائلة بصوتٍ هادئ:
_ قطوف.. وحشتني يا حبيبتي.
ابتسمت قطوف بحبٍ لها، ثم هبطت تقبل جبينها برضا، قائلة بصوتٍ لم يسمعه أحد منها فقد كان رقيقًا:
_ وحضرتك يا طنط ليكِ حضن كبير أوي وحشني ونفسي اديهولك.
ضحكت والدة مريم ثم قالت بصوتٍ مازح:
_ يا بكاشة.. أمال فين مريم هي مش معاكِ.
اختفت ابتسامة قطوف فجأة، مرددة بصوتٍ يحمل بعض التوتر:
_ ها مريم... آه هقولك المزغودة دي عملت ايه طردتني من عيادتها.. يرضيكي يا طنط اطردت وأنا شحطة كده.
حاولت السيدة نهاد أن تتماسك قليلًا ولكنها لم تستطع لتنفلت تلك الضحكة منها، في حين غضبت ملامح قطوف لتردف في سخط:
_ مين هيشهد للعروسة؟
حاولت السيطرة على ضحكتها لتردف بصوتٍ متماسك:
_ لا ملهاش حق لما تيجي ههزقها.
ابتسمت قطوف في اتساع قائلة ببراءة:
_ معلش يا طنط مش هقدر ادافع عنها، بس هي عايز يتشد على ودانها شوية.
حركت قطوف المقعد الخاص بها للداخل، تردف بصوتٍ متحمس:
_ ألا صحيح يا طنط ناوين تتغدوا ايه النهاردة.. لحسن عندنا حتة لحمة راس في البيت خلتني أهرب منه.
ابتسمت نهاد في رضا ثم قالت بنبرة سعيدة:
_ عاملين بانيه ومكرونة.
صقفت قطوف بيدها ثم قالت في سعادة وشهية:
_ أيوة بقى اهو دا الكلام اللي يفتح النفس.
**
داخل المشفى..
دموعٌ لا تزال تجري، قلبٌ يشتعل من التوتر، عينيها تتعلق بالباب لعل أحدهم يخرج ويخبرها أن الفتاة بخير، وكان الله بها رحيمًا فقد خرج أحد الأطباء من الغرفة لتسرع نحوه قائلة:
_ لوسمحت يا دكتور البنت اللي جوا كويسة؟!
حرك الطبيب رأسه لي ايجابية قائلًا:
_ ايوة بخير.. الحمدلله كسر في دراعها بس واصابة صغيرة في الجمجمة.
حركت رأسها ثم دفعت سؤالها قبل أن يغادر:
_ طب ينفع ادخلها.
:_ هتتنقل اوضة عادية حاليًا تقدري تدخلي ليها.. حالتها مستقرة.
قالها وهو يغادر المكان في حين بقت مريم دقائق حتى رأتهم ينقولها على سرير متحرك نحو غرفة لتبقى بها، وبالفعل بقت جوارها مريم حتى فاقت من نومتها، لتبتسم مريم سريعًا تخفى توترها ببراعة، فمن يراها منذ لحظات يتاكد أنها لاتمس مهنة الأخصائي النفسي بصلة، تمتمت في حنو:
_ عاملة ايه يا حبيبتي دلوقت.
حدثتها الفتاة في اقتضاب:
_ بخير.
نظرت لها قليلًا، ثم ابتسمت تكمل حديثها في هدوء:
_ قوليلي بقى اسمك ايه؟!
:_ نور.
قالتها وهي تشيح وجهها بعيدًا، في حين ادركت مريم أن تلك الفتاة تعاني من شيءٍ ما ولكن لا تريد الحديث، قاطع تفكيرها دلوف أحد الضباط يردف بنبرة جادة:
_ ياسين مهران العطار... جاي للأنسة اللي اتخبطت.
توترت مريم قليلًا، في حين قابلت نور هذا ببرودٍ، دلف ياسين الذي يملك العمر تسع وعشرون عامًا، يسير بجسد رياضي، يحمل بشرة خمرية، عينان بنيتان مائل للغامض، شعرًا مصفف ببراعة يعطيه كاريزما، جلس على المقعد يردف في هدوء:
_ مين اللي خبطك؟!
اجابته مريم بصوتٍ مبحوح:
_ أنا.
تعجب ياسين من كونها صدمتها بالسيارة ولم تتركها، فأصبح الأغلب يدهس الناس بسيارتهم ويتركوهم حتى يُفنوا من الحياة، أكملت نور في هدوء:
_ أنا اللي حطيت نفسي قدام العربية.
نظر لها ياسين يرفع حاجبه في تعجب، يتمتم بصوتٍ جاد يحمل التحذير:
_ وقف يا بني متكتبش... أنتِ عارفة كويس إيه اللي هيحصل لو اخدت اقوالك كده.
ابتسمت بسخرية ثم قالت بصوتٍ يعتريه الألم ولكن لم يصل لهما ألم عادي بل جروح لاتزال تنزف بداخل نور، صمت ياسين قليلًا، في حين نظرت له مريم قائلة بصوتٍ هادئ:
_ لو سمحت.. ممكن تكتب أن أنا اللي خبطها وهي تتنازل عن المحضر وكده الموضوع يتحل ولو في تعويض تمام..
نظر لها ياسين وللفتاة التي لم يتعد عمرها السادسة عشر عام، ليردف في هدوء:
_ تمام.
بدأ ياسين بكتابة المحضر بعد أن علم أسمائهن، ثم نهض من مقعده يتحدث بنبرة جادة:
_ هتشرفينا النهاردة يا دكتور مريم عشان نقفل كل حاجة والآنسة نور لما تخف تيجب والدها يتنازل.
ضحكت بسخرية كبير تعجب على أثارها ياسين ومريم، لتردف بصوتٍ بعث الآلام لهما:
_ بابا مسافر يا حضرة الظابط... وأمي معرفش فين ومش معايا وسيلة اتوصل معها.. أنا السنادي طلعت بطاقة ممكن اتنازل لو أمكن.
نظر لها قليلًا، ثم قال في آسف:
_ للأسف أنتِ قاصر لزمًا حد يجي يخرجها.
توترت مريم بشدة، وتحدثت بنبرة تكاد تبكي بها:
_ ثانية طب.. لو دفعت مبلغ التعويض امشي علطول.. أنا مش هينفع أبات هناك.
نظر لها في شفقة، وشعر بالحزن على ملامحها الباهتة، ثم أردف بصوتٍ جاد:
_ تمام.. هاتي مبلغ التعويض وأحنا هنخرج بس هاتي بطاقتك.
أغمضت مريم عينيها في غيظ منها، ثم أردفت في حرج:
_ نسيتها في البيت.
مسح ياسين على وجهه، ثم قال بصوتٍ يحمل غضب:
_ يعني كل ما نحلها تعكيها.. هاتي زفت حد يضمنك خلينا نخلص من أم دي قضية.
ادمعت عين مريم سريعًا ثم تحدثت بنبرة باكية:
_ أنت بتتعصب عليا ليه دلوقتي هو أنا ايش عرفني إني هعمل حادثة وانسى البطاقة في نفس اليوم.
زفر ياسين في حدة، يغمغم بسخط:
_ دا عشان حظي الأسود.
احتقن وجهه مريم بغيظ وسط بكاؤها، ثم تمتمت بصوتٍ مغتاظ:
_ على فكرة بقى أنت انسان غير متحضر هاه.
رمش بأهدابه في دهشة، ثم اردف قائلًا:
_ دا اخرك في الشتيمة إنسان غير متحضر... دا أنا حاسس انك بتمدحي فيا.
عبست ملامحها في ضيق، واشاحت بوجهها بعيدًا، في حين رفع ياسين حاجبه بغيظ منها، ليردف ببسمة ماكرة:
_ بتشوحي بوشك... تعالي أنا هخلكي تشوحي بوشك تاني.
جحظت عينيها في خوف، لتتمتم في خوف:
_ لا مش أنا دا دي فقرات رقبتي اتشنجت.
:_ والله! وماله نظبطها... دا أنا عندي العسكري فتح الله على ايد تتلف بحديد يظبط الرقبة والعمود الفقري كله.
قالها ياسين مستمتعًا بتوترها، في تعالى صوت مريم في بكاء مزعج للغاية، وضع يده على اذنيه، في حين وضعت نور يدها السليمة على اذنها من ازعاجها، أردف ياسين في تراجع:
_ خلاص خلاص.. هنروح نتنازل وأنتِ هاتي حد يتنازل.. أبو اللي يهزر معاكوا.
قالها في غيظ منها، ثم غادر الغرفة في حين توقفت مريم عن البكاء تزيل دموعها كالطفلة، ابتسمت نور أثر رؤيتها هكذا ثم غادروا سويًا كي ينهي هذا المحضر.
***
:_ بقى اخرتها يا مريم اجيبك من قسم شرطة.
قالتها قطوف في غيظٍ من مريم، نظرت لها مريم بارهاقٍ بات ظاهرًا عليها، تجيبها وضوء الشمس بدأ يميل للغروب:
_ يا بنتي أعمل ايه... البنت اتخبطت من غير قصد والظابط دا مستلمني.
رفعت قطوف حاجبها، ثم تساءلت في مكر:
_ طب وايه صح حكاية الظابط دا! مش مريحني خالص.
انزعجت مريم من حديثها، وسارت دون أن تجيب، في حين ركضت حلفها قطوف قائلة بصوتٍ يعتريه الضحك:
_ استنى استنى.. بصي البيت بتاعنا فرق شارعين بس وتوصلي تعالي معايا تغسلي وشك وبالمرة اوريكي العربية اللي شغالة عليها وبجددها، لأن لو روحتي بالمنظر دا مامتك هتقلق اوي.
فكرت مريم في حديثها وبالفعل وجدت به الصواب، لتنطلق معها نحو المنزل، وصلت كلتهما للمنزل لتسرع مريم بغسل وجهها وضبط شكلها المبعثر، ثم خرجت من الحمام تتوجه نحو الورشة الخاصة بقطوف وما أن وصلت حتى وجدت ملامحها لا تنذر بالخير، ازدردت لعابها تهمس بتوجس:
_ في إيه!
نظرت لها في حدة، براكين من الغضب باتت ظاهرة على وجهها وكأنها ستنفجر بأي لحظة، تتمتم بصوتٍ مخيف:
_ ابن ال.. ماشي بتلعب في العربية وبتاخد منها القطع الألماني... دا أنا هفتح دماغك الليلة.
ركضت قطوف تتوجه نحو المكتب لتهرول خلفها مريم في قلق، تدلف للسيارة معها قبل أن تغادر بها، فهي تعلم أن ملامح قطوف هكذا تقلع طبول حرب وليس غضب عادي
**
أمسك بصدره يشعر بوخزه حادة تألمه، يشعر وكأن نمل يسير في جسده، تذكر أنه لم يأخذ الأنسولين اليوم، وهذا ما تسبب به الآن من اعراض قاسية، حاول النهوض ولكن سقط أرضًا فاقدًا الوعي تمامًا.
**
وصلت قطوف الأجانس الخاص بعائلة العطار، تسير وكأنها برق وليست انسانة عادية، في حين ركضت مريم خلفها في صعوبة ، وما أن فتحت قطوف الباب حتى صرخت بمازن قائلة:
_ أنا ياض مش محذرة من ان حد يلعب في العربية دي.
جلس بأريحية على مقعده قائلًا برود:
_ بجد! لسه عارف منك.
:_ يا نن عين أمك.. هوأنا يا قاتل يا مقتول النهاردة.
قالتها وهي تمسك بالمزهرية التي جوارها تقذفها عليه، في حين هبط مازن سريعًا أسفل المكتب قبل أن تصيبه يتمتم في صدمة:
_ دي اتجننت.
:_مين دي اللي اتجننت ياللي بتقول على السكر أكر.. دا أنا فاضل تاكة واقطعك ومش هوزعك على الكلاب لاء خسارة يدوقك لحمك دا أنا هحطك في ماية النهار.
قالتها وهي تحاول أن تزيل يد مريم التي تحاوط خصرها وهي تقف من الخلف، في حين تبدلت ملامح مازن لينهض من مكانه يقترب منها ولكن امسكه محمود في سرعة يقذفها مازن بأحد ديكورات المكتب قائلًا بنبرة غاضبة:
_ دا أنتِ ليلتك مش فايتة يا بنت العطار.. أنا بقول على السكر أكر.. حوش اللي اللي مبتعرفش تعمل حاجة في حياتها غير لسانها يطول على البني أدمين.
:_ ياض.. ياض مخلنيش انفخك.
اندفعت منها هذه الكلمات، في حين تقبض عليها مريم بقوة قائلة بصوتٍ مجهد متألم من بعض اللكمات:
_ ياجدعان ما تخلصونا بقى من دي ليلة، أنا لسه خارجة من قسم ومحضر.
صك مازن على اسنانه، ليزمجر في حدة:
_ تنفخي مين يا شبر ونص.. دا أنا هعمل منك صوابع محمرة بس لما الواد دا يسبني.
بدأ يشعر محمود بنهج شديد من أثر ابعده لمازن عنها، بالرغم من قوة محمود إلا أن مازن يتميز بالطول والقوة، صرخت به قطوف في حدة:
_ مش هسيبك النهاردة... دا أنت عايز لتر بنزين وتتحط أنت وأمك فيه ونولع فيكم.
:_ اللتر هشربهولك يا بت يمكن تنضفي... ولا من كتر الشحم الاسود بقيتي غلوية.
قالها بنبرة مستفزة، لتسرع مريم بزيادة أمسك قطوف فهي تعلم انفجار قطوف به ولكن تفاجأت بها تردف بصوت حاد:
_ اتصدق انك عيل... وأنا اللي جايبة لنفسي التهزيق عشان واقفة بتخانق مع اللي زيك.
ابتسم ساخرًا يقف في وجهها بعد أن افلت محمود يده قائلًا بتهكم:
_ هوش يا بت شايفة عندها كرمة من الأصل.
كادت ان تنطق ولكن هدر محنود بصوتٍ عالي قائلًا:
_ ألحق الحاج محمد يا استاذ مازن!
يتبع.
جماعة أنا مقدرة إني بعيدة عن المجال.. بس مش لدرجة أني انزل والتفاعل تحت الصفر الرواية دي انا بعدل في اسلوبي جدًا وحطه كوميدي وفي حاجات كتير لسه.
•تابع الفصل التالي "رواية فطنة القلب" اضغط على اسم الرواية