رواية تراتيل الهوى الفصل الثاني و الثلاثون 32
البارت 32
ركضت سروة بسرعة وجلست على ركبتيها أمام سرير تاج، صاحت بهلع والقلق ينهش قلبها: مالك يا تاج؟
كان تاج مستلقي على السرير وجهه احمر ومتعرق بشدة كما ينتفض جسده ويأخذ أنفاسه بصعوبة.
وضعت يدها على جبهته وصُدمت من حرارته المرتفعة: ده أنت مولع نار!
نهضت بسرعة من مكانها وركضت للحمام، أحضرت طبق واسع وملأته بالماء مع بضعة مكعبات من الثلج ومعه منشفة نظيفة كمان بحثت عن قطعة قماش صغيرة لتستخدمها في وضع الكمادات لتاج.
عادت للغرفة بسرعة ولاحظت أن تاج مازال بملابس الخروج ففكرت بحيرة والشعور بالذنب ينهش قلبها منذ متى وهو مريض دون أن يعلم أحد؟
استجمعت قوتها وهي تشده حتى ينهض وتتمكن من أن تخلع عنه سترته ولكن دون فائدة فجسد تاج العضلي ثقيل لا يسع قوة سروة الأضعف أن تُمكنها من جعله ينهض لوحدها، إلا أنها لم تيأس فأدارته على جانبه وخلعت ذراعه اليمنى من السترة ثم كررت فعلتها مع ذراعه اليسرى وشدت السُترة من تحته، رمت جانبًا وهي تزفر بشدة ودثرته بالغطاء ثم على الفور بدأت في صنع كمادات باردة ووضعها على جبينه، ثم بللت المنشفة وبدأت تُمررها على ذراعيه بتمهل وهي تتأمله بشوق مصحوب بالحزن على حاله فهى لم ترى تاج مريض وبهذا الشكل منذ وقت طويل، تعودت على رؤيته قويًا يقف على قدميه بشموخ.
رفعت يدها الأخرى ومررتها في شعره بشوق، عيناها تتأمله بخوف وقلق والشعور بالذنب يغمرها لأنها لم تتحرك قبل الآن وتشعر بالقلق مُبكرًا فمن الواضح أنه مريض منذ وقت ليس بقليل ولم يشعر به أحد، تلوى قلبها حزنًا فبعد كل ما فعله من أجلها لم تكن بجانبه حين مرض واحتاج للمساعدة.
بدأ ينتفض مرة أخرى فسارعت إليه بلهفة وحاولت تدفئته إلا أنه بقى يرتعش فنظرت له سروة بقلة حيلة وهي تشعر بالعجز، حين فكرت فجأة فنهضت على الفور واستقلت جانبه على الناحية الأخرى وضمته إليها وهي تضم رأسه وتمسح عليها بحنان لعله يهدأ، هدأ بعض قليل واستكان في أحضانه فزفرت بارتياح وهي تحمد الله، أراحته على الوسادة مجددًا ونامت على جانبها مقابله وهي تتأمله، رفعت يدها ومررتها على خده بحنان، تأملت ملامحه وهي تتسائل هل كان دائما وسيم بهذا الشكل وهي لم تنتبه؟ أم أن الحب هو من يُغير الملامح في عيون الحبيب؟ فتصبح الملامح محببة مهما كانت صفاتها؟
هفا قلبها اشتياقًا لقربه الذي تشعر أنها حُرمت منه رغم أن ذلك لم يتعد أيام ورغم أنها كانت تراه كل يوم، وإذا كان لديها أي شك في مشاعرها سابقًا فالآن تأكدت منها بشكل تام، أنها واقعة في حبه بالكامل، بشدة....وبيأس تام وتأمل من كل قلبها أن يحبها هو أيضًا ولو نصف ما تحبه، رغم أنها لم تتوقع في يوم من الأيام أن تقع في الحب بهذه الطريقة فكانت دائما ما تعتبره ضعف وتنفر منه إلا أنها حين وقعت في حب تاج تغيرت تلك الفكرة كليًا فأصبحت حتى تحب ذلك الضعف لقد رآها تاج في أسوأ حالاتها وكان هو من مد يده لها في عز ضعفها وأعطاها القوة لتحارب وتُكمل فلم تعد تعتبر ذلك ضعف بل قوة يعطيها لك الحب حتى تستطيع أن تُحب من كل قلبك حتى وإن اعتقدت أنك لم تعد تصلُح للحب!
اقتربت منه وقبلت جبينه ووضعت في قُبلتها تلك كل ما تحمله من مشاعر قلق وحب له، بقيت بجانبه طوال الليل حتى اطمئنت أن الحرارة انخفضت ولم يعد يتشنج أو يرتجف فارتاحت وغفت إلى جانبه بتعب.
استيقظت وهي تشعر بأنفاس حارة تحيط بوجهها ففتحت عيناها ووجدت نفسها تنظر مباشرة لعيون تاج الناعسة.
تيقظت بالكامل وهي تقول بلهفة: عامل إيه دلوقتي يا تاج؟ بقيت كو...
لم يُمهلها أن تُكمل جُملتها واقترب منها وهو يُقبلها بقوة وشغف وقد وضع يده وراء رأسها يشدها إليه، فتحت سروة عينيها على وسعها من الذهول، حاولت الابتعاد عنه من الدهشة إلا أن يده شدت على رأسها وهو يُثبتها في مكانها، في النهاية استسلمت سروة وهي تغمض عيناها وتستجيب له بحب، بعد قليل ازدادت جرأة تاج ويده تهبط لكتفها فابتعدت سروة عنه بسرعة وهي تجلس على السرير وتتنفس بسرعة.
حاولت النهوض فأمسك تاج بذراعها ويسألها بصوت مبحوح: رايحة فين؟
قالت بارتباك: ه..هعملك أكل أنت تعبان ولازم تأكل جيت لقيتك سخن وعملت لك كمادات وغطيتك و..
أدركت أنها تثرثر مثل البلهاء فصمتت وهي تنهض.
قال لها تاج بتعب: مش عايز أكل تعالي اقعدي.
قالت بتوتر وهى تتحاشى النظر إليه: لا طبعا لازم تأكل حد شاور يفوقك لحد ما الأكل يجهز.
خرجت من الغرفة على عجل ودلفت للمطبخ، استندت إلى رخامة المطبخ وهي تخفي وجهها بين يديها، لماذا قبلها تاج؟ لم هناك أي تواصل بينهم منذ تلك الليلة بشكل صريح غير الملامسات العادية في السلام أو قُبلة على الخد بين الحين والآخر ولكن لم يحاول الاقتراب منها بشكل جدي كما حصل منذ قليل.
أخبرت نفسها ألا تتأمل كثيرًا ربما تلك مجرد هلوسة من المرض، بدأت تحضر الطعام وتُعد حساء الخضار من أجلها، كان تقطع الخضار ولم تنتبه إلا بذراعين يحيطان بخصرها، فانتفضت بذعر وكتمت صرخة كانت على وشك أن تنطلق من الخوف، دفن تاج وجهه في عنقها، فارتفعت نبضات قلب سروة وتصارعت أنفاسها.
قالت سروة بتلعثم: ااا... أنت بتعمل إيه؟
رد تاج بصوت منخفض: بعمل إيه يعني؟
ازدردت ريقها بصعوبة وقالت بعتاب: على فكرة خضتني أفرض كنت اتعورت ولا حاجة؟
رفع رأسه وأمسك السكين من يدها ووضعها على منضدة المطبخ ثم أدار سروة له.
علت ابتسامة ثغره وقال بنعومة: تتخضي من إيه؟ هو فيه حد غريب معانا؟ وبعدين أنا جوزك يعني.
ارتبكت أكثر من حديثه الذي لم تعتد عليه ولكن قالت بوجه مستاء: خلاص يلا روح أقعد لحد ما أخلص الأكل.
كان قد انتهى من الاستحمام للتو وارتدى تيشرت رمادي وبنطال أسود وشعره مازال مبللًا بشكل خفيف.
قال بصوت رخيم: لا أنا عايز معاكِ هنا حاسس بالملل لوحدي، إيه رأيك أساعدك؟
نظرت له بريبة فابتسم لها ببراءة أومأت برأسها فتناول السكين يُكمل تقطيع الخضار بينما تُجهز سروة بقية الأشياء، فجأة انطلقت منه صيحة ألم حين جرح إصبعه بالخطأ فأسرعت سروة إليه بهلع وهي تمسك إصبعه وترى الجرح.
نظرت له وقالت بلوم: مش قولتلك ارتاح أنت لسة تعبان شوف عورت نفسك!
بقي ينظر لها وهي تمسك بيده وتنظف وتضمد جرحه باهتمام كبير رغم أن جرح إصبعه لم يكن عميقًا.
حين انتهت رفعت رأسها له وقالت بجدية كبيرة: يلا روح أقعد لحد ما أخلص الأكل ومتتحركش علشان تأكل وبعدها تاخد العلاج وتنام شوية.
لم يرد عليها وهو يتأملها فقطبت باستغراب: مالك؟
على غفلة اقترب منها وهو يحيط جسدها بذراعيه ويضمها له بشدة ويدفن وجهه في شعرها.
سرت قشعريرة في جسد سروة بينما بقت جامدة مكانها.
قال تاج بصوت أجش: وحشتيني.
بقلم ديانا ماريا
•تابع الفصل التالي "رواية تراتيل الهوى" اضغط على اسم الرواية