رواية تراتيل الهوى الفصل الثالث والثلاثون 33
البارت 33
سرت قشعريرة في جسد سروة بالكامل، وبقيت متجمدة بين أحضانه.
تابع تاج باشتياق: وحشني وجودك في البيت بجد، القعدة فيه من غيرك مش حلوة خالص.
خفق قلبها بشدة بين أضلُعها وذهولها يزداد من حديثه الذي تسمعه منه لأول مرة، ابتعد عنها وهو يبتسم بحنو: نورتِ البيت و..
صمت لثانية وكان على وشك أن يُكمل حين رن هاتفه فاضطر لتركها وهو يتأفف وذهب ليرد عليه، أسندت سروة نفسها قبل أن تقع، ابتسمت بدهشة، تُرجع شعرها وراء أُذنها ،تتسائل بين نفسها منذ متى وتاج يظهر لها مثل تلك المشاعر؟ هل يُعقل أنه يشعر بشيء حقيقي اتجاهها أم أن ذلك مجرد تعود ومودة يُكنها لها؟
عاد تاج بعد قليل وقد تبدلت قسمات وجهه وأضحت هادئة يشوبها بعض العبوس ووقف إلى جانبها يراقبها بهدوء، استغربت سروة ولكنها لم تعلق على الأمر، تابعت حتى انتهت من إعداد الطعام.
جلس تاج في غرفة المعيشة يتناول الطعام ولكن ارتعشت يده قليلا بينما يرفع الملعقة لفمه فأخفضها للطبق مجددًا وهو يتأفف بضيق، اقتربت سروة منها وجلست بجانبه وهي تمسك بالمعلقة وترفعها لفمه.
ناظرها تاج باستغراب فابتسمت له وهي تهز رأسها، فتح فمه فأطعمته بحب دون ملل حتى انتهى ورفع يده يوقفها.
قال تاج بتذمر: كفاية شبعت يا سروة.
اعترضت سروة بعدم تصديق: شبعت إيه ده أنت مكلتش حاجة!
ابتسم ورد بخفة: لا صدقيني كلت وشبعت مش قادر تاني.
تنهدت وهي تحمل الصينية للمطبخ ثم أحضرت له دوائه وقامت بقياس حرارته وتأكدت أنها طبيعية.
نهض تاج وقال بهدوء: أنا هلبس ورايح مشوار مهم، رَوحي أنتِ هخلص واجي لك.
نهضت سروة على الفور تقول باعتراض: مشوار إيه! أنت تعبان ولازم ترتاح على الأقل كام يوم في السرير مش تخرج!
رد تاج بجدية: دي حاجة مهمة يا سروة لازم أروح صدقيني هروح وبعدها هرتاح زي ما أنتِ عايزة.
حاولت إقناعه مجددا: بس يا تاج...
رفع يده ووضعها على شفتيه بينما وضع يده الأخرى على كتفها قائلا بحزم ولكن بنبرة لطيفة: صدقيني مينفعش يتأجل، وأنا وعدتك أهو هخلص وارتاح.
توترت من فعلته البسيطة ورغم عدم اقتناعها إلا أنها استسلمت عن الجدال معه وأومأت برأسها بعدم رضا.
ارتدى ملابسه واستعد ليوصلها أولًا، اقترحت عليه سروة أن تقود هي ولكنه رفض وأصر أنه يستطيع وليس متعب لتلك الدرجة، كان تاج يقود بهدوء وثبات رغم آثار التعب الظاهرة على وجهه.
قالت سروة فجأة تقطع الصمت: صحيح أنا هروح أغير هدومي أنا كمان وأروح الشغل فيه شوية حاجات بخلصها علشان أرجع الشغل.
نظر لها تاج بغموض وقال بنبرة مبهمة: أنتِ هترجعي الشغل قريب أوي؟ يعني بكرة مثلا؟
هزت رأسها: لا يمكن كمان أسبوع ولا حاجة بس بقالي كتير بعيدة فلازم اظبط أموري وأشوف الدنيا الأول أنت فاهم يعني.
أومأ تاج دون أن يرد وأكمل قيادة، بقوا صامتين بقية الطريق، حين هبطت من السيارة ناداها فعادت له وهي تنحني على نافذة السيارة.
أخبرها تاج بنبرة صارمة: لما تخلصي كلميني هاجي اخدك تمام؟
ردت بهدوء: تمام، مع السلامة.
صعدت على الفور للشقة، حين ولجت رأت عمتها تحدق إليها بذهول.
قالت عمتها بذهول: سروة! أنا فكرتك نايمة مرضيتش أدخل اصحيكِ، كنتِ فين بدري كدة؟
توترت سروة وابتسمت بارتباك وهي تجيب: ااه... تاج تعب يا عمتو فجأة وأنا كنت معاه.
تقدمت عمتها إليها بقلق: تاج؟ حصل له إيه؟ أخباره إيه دلوقتي؟
ابتسمت سروة لتطمئنها: متخافيش هي كانت حمى وبقى كويس دلوقتي.
تنهدت عمتها براحة ولكنها قطبت بحيرة: أمال هو فين مجاش معاكِ ليه؟ أنتِ سيبتيه لوحده؟
هزت رأسها بالنفي: لا طبعا يا عمتو هو قال عنده مشوار مهم ولازم يروحه ووصلني على هنا الأول بعدين مشي.
قالت عمتها بتفهم: تمام
ثم تنهدت: تعالي يا سروة عايزة أتكلم معاكِ.
ذهبت سروة معها ليجلسوا وهي تتسائل في نفسها بتوتر ماذا تريد عمتها منها.
صمتت عمتها لوهلة قبل ترفع عيناها المليئة بالندم لسروة: أنا آسفة يا بنتي لو معاملتي معاكِ مكنتش تمام لما تاج دخل السجن بس أنا اتضايقت واتصدمت من اللي حصل وده كان رد فعل مني تلقائي أنا مقصدتش اجرحك والله، ربنا يعلم معزتك عندي أد إيه.
لمعت عيون سروة بالدموع تأثرًا وقالت بسرعة لتريح عمتها من الشعور بالذنب: لا ياعمتو متفكريش كدة أنا مزعلتش منك خالص، أنتِ معاكِ حق في اللي عملتيه زي أي أم هتحس لما ابنها يدخل السجن وممكن حياته تتدمر وطبعا هتبقي عايزة له أحسن واحدة مش واحدة...
ثم توقفت عن الكلام وغصة ألم تسد حلقها فسارعت عمتها تقول بعتاب: لا طبعا إيه اللي بتقوليه ده! هو أنا هلاقي لتاج أحسن منك فين؟ تصدقي بالله يا حبيبتي أنا طول عمري نفسي أنتِ وتاج تبقوا لبعض حتى اللي حصل ده مغيرش حاجة بس حكاية السجن دي شتتت عقلي شوية متزعليش مني، أوعي تقولي على نفسك كدة ده أنت أحسن البنات.
ابتسمت سروة بين دموعها وقالت لعمتها بامتنان: شكرا يا عمتو.
ضمتها عمتها إليها وقالت بحنان: شكرا على إيه يا عبيطة ده أنتِ بنتي والله.
أغمضت عيناها براحة بين أحضان عمتها وقد حُل أمر كان عالق بينهم ويؤرق سروة من وقت لآخر تفكر أن عمتها تُحملها ذنب تاج ولم تعد تحبها.
ابتعدت عنها وهي تمسح دموعها وتقول بتساؤل: أمال بابا فين؟
ضحكت عمتها بخفة: ما صدق يرجع الشغل قعدت اتحايل عليه يرتاح شوية كمان يقولي بقيت كويس والقعدة هي اللي بتمرضني.
ضحكت سروة وقالت بسعادة: أنا مبسوطة أنه رجع لشغله تاني، صحيح أنا كمان هغير علشان أروح الشغل أرتب أموري وتاج هيعدي ياخدني.
مسحت على شعرها بحنان: ربنا يسعدكم يا حبيبتي ويهدي سركم.
ذهبت سروة للعمل ورتبت أمورها ثم اتصلت بتاج لتخبره أنها ستمر على صديقة لها تعمل في مستشفى قريبة وأعطته العنوان.
حين دلفت سروة نهضت الطبيبة بترحاب: أهلا يا مدام سروة عاملة إيه؟
ابتسمت سروة لها ومدت يدها لتُسلم ثم جلست أمامها.
قالت الطبيبة بهدوء: أخبارك إيه؟
تنهدت سروة وهي تفكر ثم قالت بحيرة: مش عارفة، مش عارفة بجد!
عقدت الطبيبة حاجبيها وقالت: ممكن توضيح أكتر؟
شردت سروة وهي تجيب: يعني حاسة حياتي بدأت تتظبط شوية وهرجع لشغلي قريب وعلاقتي ببابا بقت زي زمان وأحسن حتى اتصافينا أنا وعمتو بس...
ثم صمتت بتردد فحثتها الطبيبة بتشجيع لتُكمل: بس إيه؟ طب وزوج حضرتك تاج؟ فين من كل ده؟
نظرت سروة إليها واستطاعت عيناها أن تعكس مخاوفها والطريقة التي تشعر بها حيال تاج فقالت الطبيب بلطف: أنتِ خايفة صح؟
اخفضت سروة عينيها إلى الأرض وفركت يديها بتوتر.
قالت بصوت خافت فضح مخاوفها: جدا.....على قد ما أنا مبسوطة على قد ما أنا خايفة.
سألتها الطبيبة بنبرة ذات مغزى لتُخرج ما في داخلها: طب هل لمخاوفك دي أساس من الصحة ولا هي مجرد مخاوف؟
لم تجد سروة إجابة تعطيها للطبيبة فتنهدت الطبيبة ثم قالت بجدية: طيب مدام سروة أنا متفهمة جدا وقلقك لكن أنتِ إنسانة واعية وناضجة لازم تفرقي بين الخوف اللي ليه أسباب مبني عليها والخوف اللي بيعمل حاجز بينك وبين أنك تتخطي الماضي وتعيشي في الحاضر.
استمعت لها سروة باهتمام وتركيز فتابعت: أنتِ حكيتِ لي اللي حصل بينك وبين جوزك المرة الأخيرة اللي قربتوا فيها من بعض.
ظهر الألم على وجه سروة فأكملت: طبعا أنتِ خايفة جدا حاجة زي دي تتكرر وتحسي بالرفض من ناحيته ده خوف مفهوم بس ملوش أساس من الصحة لأسباب كتيرة منها أنه جوزك متمسك بيكِ وعايزك وحاول يبين لك بكل الطرق الحقيقة دي صح ولا لا؟
أومأت سروة دون تردد وكلام الطبيبة يتردد في رأسها فابتسمت الطبيبة وتابعت حديثها: طالما كدة يبقى مفيش داعي أنك تخافي من تكرار ردة الفعل وزي ماهو شرح لك فعلا دي كانت صدمة مش نفور فعلي منك لأنه لو كان نفور مكنش حاول معاكِ تاني وكان وافق على الطلاق حل ليكِ وليه قبل منك لكن واضح أنه متأكد من قراره ومشاعره، اللي حصل في الماضي هو في الماضي يا مدام سروة أنتِ دلوقتي في الحاضر وقدامك المستقبل كله متسمحيش للماضي اللي راح يأثر على اللي جاي، ادي نفسك فرصة وعيشي الحاضر بدون خوف ولا قلق وادي لجوازك فرصة، اللي حصلك مش سهل طبعًا لكن بفضل الله ودعم جوزك قدرتِ تتخطيه علشان كدة لازم تدفنيه للأبد ومتسمحيش لعقلك أنه يرجعه تاني، لازم تقدري قيمة نفسك وتفهمي أنه مكنش ذنبك ولا علشان حصلك كدة فده بيقلل منك بالعكس أنتِ مش ظالمة أنتِ مظلومة اتظلمتِ وعلشان كدة ليكِ ثواب كبير عند ربنا للظلم اللي وقع عليكِ، لازم تبصي في المرايا كل يوم وتحي نفسك أنها قدرت تصمد على كل الصعاب دي اللي مش أي حد يستحملها علشان كدة أنتِ قيمتك عالية أوي ولازم ترجعي تقدري نفسك من تاني زي الأول واللي حصل كان عثرة في طريق حياتك مش نهاية ليها، جوزك بيقدرك يا مدام سروة وبيمد لك إيده بكل ثقة، يا ترى ردك عليه هيكون إيه؟
بقى كلام الطبيبة يتردد في رأس سروة بعد خروجها، كانت تسير شاردة وهي تفكر، بالفعل لو كان تاج ينفر منها لم يكن ليتكبد عناء ومشقة محاولة إقناعها بإكمال زواجهم حتى محاولاته طوال الفترة الماضية في التقرب منها، وضعت يدها على شفتيها، وتقربه منها في الصباح يثبت ذلك أيضا، هل تستطيع أن تدع الخوف عنها وتطرده من قلبها وتترك نفسها بالفعل لتحب تاج بالكامل دون خوف؟ لتتقدم في علاقتهم بثقة؟ لتعيش معه دون قلق أو تفكير زائد في الماضي؟
كانت شاردة فلم تنتبه إلا وهي تصطدم بشخص عابر.
قالت سروة باعتذار وهي تنظر ترفع رأسها: أنا آسفة أوي مخدتش بالي.
أمسك الشخص بيدها فحدقت له سروة باستغراب ممزوج بالذهول لجرأته.
قال بخبث: ولا يهمك يا جميل هو أنا أطول اخبط في قمر كدة كل يوم؟
حاولت سروة افلات يدها وأجابت بانزعاج: لو سمحت بلاش الكلام ده وسيب إيدي.
لم يفلتها الشخص بل شد على يدها أكثر بمكر: ليه بس يا قمر أنا زعلتك في حاجة ما تيجي بس نقعد في مكان شوية مع بعض.
ازداد ضيق سروة وهي تشد يدها منه دون فائدة وصاحت به بحدة: قولتلك سيب إيدي بدل ما أناديلك الأمن أنت مبتفهمش!
أتى صوت من وراء الرجل يقول بغضب: هي مش قالتلك تسيب إيدها يا******.
نظرت سروة وراء الرجل لتجد تاج يتقدم إليهم بخطوات سريعة، عيناه تلمع بشراسة وقسمات وجهه مُظلمة بالغضب الشديد، استدار الرجل وعلى غفلة منه رفع تاج يده بسرعة وهبط بلكمة قوية على وجه الرجل الذي وقع أرضًا وهو يصرخ ويمسك بوجهه الذي ينزف فتراجعت سروة للوراء وهي تصرخ وقد وضعت يديها على فمها.
•تابع الفصل التالي "رواية تراتيل الهوى" اضغط على اسم الرواية