رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الثاني و الخمسون 52 - بقلم نهال مصطفي
معك أريد حياةً أخرى
حياةً لا تشبهني أبدًا
وعالمًا آخر،
أقل قلقًا
عالمًا لا ينتهي بفراقٍ
مهما طحنتهُ رحى الخصام.
•••••••
-بابي دي أول مـرة نتجمع كُلنا عشان نأكل ..
أردفت ” تاليـا ” جملتها بالكثيـر من الفرح وهي تترك ملعقتها بقلب الطبق .. فأجابها عاصي قائلًا :
-بس دي مش فكرتي ، دي فكرة حيـاة ..
فتدخلت داليـا مقترحة :
-بابي هناكل كل يـوم سوا كده !
فـردت حياة وهي تضع في طبق داليـا القليل من الخضروات:
-أيـوه ، وهيكون في مواعيـد ثابته للكـل .. جو كل واحد يأكل في أوضته ده مش هينفع ..
فقال تميـم :
-والله براڤو عليكي يا حيـاة ، عملتي اللي كان نفسي فيه من زمان ..
فسألته حياة بغرابة :
-أنتوا بقالكم كتيـر متجمعتوش هنا ولا أيه ؟!
فـرد بخزى :
-من يوم وفاة بابا الخلافات كترت ، فبقينا نتجنب أي تجمعات ، وكل واحـد بقا ياكل لوحده ..
قالت شمس بحماس :
-وليكم عليـا كل يوم أجازة هعملكم أكل مصري أصيـل ..
فأجابتها حيـاة متحمـسة :
-وأي مأكولات بحـرية دي عليـا أنا ..
فحدجها عاصي بنظـرة جعلتها تبتلع الباقي من كلامها وقال :
-الدكتـورة قالت راحة تامـة ، ولا نسيتي !!
فتدخلت تاليـا بفضول :
-ليـه يا بابي .. هي حياة sick !!
فتبادلت النظرات الطريفة بينهم حتى رد بشـك مصطنع :
-يعني شوية .. ولازم ترتاح الفترة دي ..
داليـا ببراءة :
-هي بتشتكي من أيه ؟!
نظر لحياة كي يستغيث بها لتلحقه من ذلك الاستجواب فقالت بلطف :
-بطني ساعات بتوجعني ..
فقالت داليـا مقترحة :
-عشان أكلتي حاجة ملوثة ؟!
فأسرعت تاليـا قائلة ببراءة :
-أو عشان فيها بيبي .. !
انطلقت همهمات من الضحكات المكتومـة من الجميع حتى تدخلت نوران قائلة بفرحة :
-البنت دي طلعالي .. بتلقطها وهي طايـرة ..
انضم لهم كـريم من الوراء وهو يفرك عينيه :
-أنا مصدقتش عيني لمـا شوفت باب أوضـة السفرة مفتوح ..
ثم اقترب من المائدة التي تضم أشهى المأكولات :
-الله !! مشـاوي وطـرب وكفـته وريش !!
فأشار له تميم :
-اسحب الكرسى واقعد قبـل ما اقضى على الأخضـر واليابس …
شد كريم مقعده واشار لنوران بحماس :
-ناوليني طبق فاضي من جمبك ، أحسن تميم مابيهزرش في الحاجات دي !!
رمقته بلوم ثم مدت له الطبق الأبيض :
-اتفضل ..
أخذ منها الطبق ثم أشار على طبق الريش القريب منها :
-وحتة ضلعة بقا من اللي قُدامك دي ..
زفرت نوران بضيق :
-أبطل أكل وأخدم على جنابك !!
وبختها شمس بنظرة حادة :
-نوران !!
فتدخل كريم ضاحكًا :
-عندها حق يا دكتورة .. أنا الـ طلبـاتي كتيرة ..
فتفوهت نوران :
-أوي ..
فحسم عاصي المعركة :
-أنتوا هتتخانقـوا على الأكل ولا أيه!! اتفضلوا كلوا .
ثم وضع لقمة من الكفتـة بفمه وقال :
-هي عاليـة فين ؟! معقولة لسـه ما رجعتش !!
فتبدلت معالم وجه نوران التي تعلم أنها ذهبت لإعطاء هديـة مراد ، رمقت كريم بتسائل حتى قال بتوجس :
-اليوم عندها كان طويل عندها في الجامعـة .. ممكن تكون خرجت تشـم هوا ولا حاجة .
تدخلت حياة :
-هي مش عيلة صغيـرة يا عاصي ، سيبها على راحتها .. دلوقتِ تيجي .
فاقتراح تميم وهو يخرج هاتفه:
-أنا هكلمها …
•••••••
” بسيـارة مُراد ”
-يامراد عشان خاطري نرجع ، أنا مش عايـزة عداوة بينك وبين عاصي .
توسلته عاليـة بنبرة خائفة بعد ما قطع مراد الطريق الصحراوي متجهًا إلى الاسكندريـة .. فأجابها بحسم :
-عاليـة أنتِ ليكي ساعتيـن بتقولي نفس الكلام ، وأنا بقول لك انسي ..
عارضته بتوجس :
-طيب هات موبايلي اكلمهم فـ البيت ..
-لا بردو ..
تفوهت بنفاذ صبـر :
-يا مراد بقا ..
صمتت للحظات ثم قالت :
-طيب أحنا هنروح فين ؟!
-هنروح اسكندرية .
عاليـة بدهشـة :
-ليـه !
أمسـك بكفها وطبع قبلـة بداخله :
-حابب أقضي يومين حلوين مع مراتي بعيد عن الدوشـة ..
دب الخوف بقلبـها وهي ترمقه بعينيها المرتعدة :
-يعني أيه !!
ضحك مراد بصوته المسموع وسألها مغيـرًا مجرى الحديث :
-عاليـة ، أنا قولت لك قبل كده إني بحبك وبحب براءتك دي !
-لا ماقولتش ..
طالعها بنظـرة مليئة بالحُب :
-بحبـك ..
تسمرت ملامح وجهها محاولة استيعاب الكلمـة حتى غمغمت بشـرود :
-شُكـرًا ..
لم يكبح نفسـه من أن ينفجـر ضاحكًا ثم ختم صوت قهقهته :
-العفـو ..
ثم ألقى نظرة سريعة على ملامحها المتجمدة :
-أيه رأيك تنامي شوية لحد ما نوصـل ، عشان سهرتنا طويـلة الليلة دي ..
هزت رأسها بعدم فهم وقالت بتشتت :
-اه هنام عشان دوخت شويه ..
ثم تكورت لتلتصق بالباب بجابنها وأكملت :
-تصبح على خيـر ..
مراد باعتراض :
-خدي هنا ، أنتِ ناوية تغرقي للصبح ، كلها ساعة وهنوصل ..
ردت بتمرد متعمدة الهرب من سطو نظراته وكلماته وقالت :
-صحيني أول ما نوصل .. متعملش صـوت بقا خليني أنام ..
-نامي يا عالية .. نامي ، عشان أنا جايب معايا بنت أختى ..
•••••••
“عودة إلى القـصر ”
جاءت حياة صحبـة بصحبة شمس التي تحمل بيدها ” صنية ” من المشروبات الدافئة ووضعتها على الطاولة التي تتوسط مجلسـهم ، جلست حياة بجوار زوجها وقالت بمزاح :
-مش كفـاية كلام في الشُغل !!
تدخل كريم الذي خطف مشروبه الدافئ وقال :
-والله بقولهم كده من أول ما قعدنا .. ونشوفلنا فيلم رايق كده نشـوفه ..
وبخه تميم ممازحًا :
-يابني أنت حياتك كلها عبث ..
كريم ممازحًا :
-هو في أحلى من كـده ؟!
ثم غير مجرى الحديث بعد ما يأس من رد مراد وعالية على رسائلـه وقال بزيف :
-زميلة عالية ردت عليـا وقالت انهم في كافيه ومفيش شبكة لانهم شغالين على المشروع الجديد ، ساعة وعالية هتكون في البيت ..
قال تميم بارتياح :
-طيب كويس أنها بخيـر .
أعطت حياة كوب السحلب لعاصي ثم تناولت كوبها .. فشكرها قائلًا :
-تسلم أيدك ..
ارسلت له ضحكة خفيفة :
-يارب يعجبك ..
كررت شمس نفس الفعل مع تميم ولكن كان رده مختصـرًا :
-مرسي يا شمس ..
تجاهلت شمس شكره وقالت بحدة :
-نوران مش كفاية بقا وتاخدي السحلب بتاعك تشربيه فوق وأنتِ بتذاكري ..!!
تمتمت نوران بضيق :
-يادي المذاكرة ..
ثم جهرت متأففة :
-حاضر يا شمس هروح اتنيل اذاكر ..
تدخل كريم بنبـرته الاستفزازيـة :
-بلاش تكشري فـ وش الكتاب عشان ميكشرش هو كمان في وشك ..
أخذت نوران مشروبها وقالت باختناق :
-ينفع تخليك في حالك!!
ضحك الجميع على مناقرات الثنائي المشاكس حتى قال عاصي مناديًا على ابنته :
-تاليـا ، هاتي موبايلي من جوه ..
كادت حيـاه أن تقوم ولكنه أوقفها :
-تاليـا هتجيبه ..
أقبلت تاليـا على أبيها بحماس :
-اتفضل يا بابي ..
مسك عاصي هاتفه ولكن وجده مغلقًا إثر فراغ بطاريتـه ، فتأفف :
-مش وقتك خالص ..
انصرفت نوران لأعلى ثم لحق بها كريم الذي تحجج بدراستـه ، ثم تابعه تميـم الذي أمسك هاتفه ومفاتيحه قائلًا :
-أنا نازل ساعتين وراجع ..
تدخلت شمس بلهفـة :
-تميم رايح فين ؟!
رد باختصار :
-شغل يا شمس ..
مالت حياة على عاصي ووشوشت له :
-ممكن تاخد البنات تنيمهم وأنا هروح مع شمس عشان تديني الحقنة ..
تمتم هامسـًا :
-طيب ما اديهالك أنا ..!!
رمقته بعينيها الفيروزيـه :
-بس بقا عيـب ..
صعدت الجميع لأعلى ، اتجهت شمس مع عالية لغرفتها وما أن انتهت من أداء عملها قالت :
-ارتاحي اليومين دول يا حياة وبلاش حركة كتيـر ..
ابتسمت حياة بطاعة :
-هخلي بالي .. عقبالك أنتِ وتميـم ..
انكمش وجه شمس بضيق وغمغمت :
-ان شاء الله .. اسيبك ترتاحي شوية ..
حياة معارضة :
-هنزل معاكي عشان عاصي مش هيعرف ينيم البنات لوحده .. ده مش بعيد هما اللي ينيموه ..
تبادل الاثنان الضحك والحديث الطريف حتى عادت شمس إلى غرفتها واتجهت حياة إلى غرفة البنات .. فتحت الباب فوجدته كالغارق في شـبر ماء وهو يحاول تمشيط شعره تاليا وقال :
-تعالى شوفي ، كل ما أجيبهم الناحية دي ، يروحوا الناحيـة التانية ..
انفجرت حياة ضاحكة وهي تأخذ منه الفرشاة وتضم تاليا إليها :
-والله قلبي كان حاسس .. اتفضل نام جمب داليـا عشان عندهم مدرسة الصبح ومعاد نومهم فات..
اتجه نحو سرير صغيرته التي تداعب عروستها .. شد الغطاء عليهم وأخذها بحضنه فأصرت أن تضع العروسة بينهم :
-بابي خليها هنا ما بينا عشان الجو سقعة ..
رد ساخرًا :
-سقعة على العروسـة وأنتِ عادي !! طيب نامي ..
رمقته بعينيها المتسعة :
-احكي لي حدوتـه ..
نادى عاصي على حيـاته ومنقذته :
-حياة ، الحواديت دي بتتحكي ازاي !!
انتهت حياة من طوي شعر تاليـا وقالت ضاحكة وهي تمسك بيده الصغيرة وتتجه نحو مخدعها :
-أنا هحكي لهم ..
مددت بجوار تاليـا ساندة رأسها على كفها فتلاقت أعينيه مع عينيـه المتوقـة لسماع قصـة ما قبل النوم .. أخذت تداعب جدائل شعر تاليـا بحب وقالت :
-كان يا ما كان …….
••••••••
وصل مُراد وعاليـة إلى أحد الفنادق الفاخرة بالأسكندرية .. استلم مراد مفتاح الغرفة ثم عاد إليها :
-يلا !!
أخذت المفتاح من يده :
-ده مفتاح أوضتي ، فين مفتاح أوضتك ؟!
-والله عيب على قسيمة الجواز اللي الموظف ده لسـه شايفها !!
قال مراد جملته بحنق من اسئلة عالية المتكررة التي أصيبت فجاة بالحماقـة .. طافت عينيهـا بذهول :
-آكيد مش هنقعد في أوضـة واحدة ؟! مراد أنا ….
وقف أمامها ليعيق خُطاها المتجهة نحو موظف الاستقبال ، وقال :
-يلا نحـل الموضوع ده فوق ..
-مر اد ؟!!
كانت نبرتها تحمل التوسل أما عنه فكانت طريقة نطقه لاسمها تحمل الكثير من التحذيرات:
-عاليــة .. قدامي .
سبقته الخُطى نحو المصعد وهي تتحاشى النظـر إليه كطفل مشاكسـة أعلنت الحرب على أبيها .. اتخذت وجهة خاطئة عن الغرفة الخاصة بيهم فنادى عليها مُشيراً :
-من هنـا ….
ضرب الأرض بساقيها وسارت صوب ما أشار إليها حتى وصل الثنائي إلى غرفتهم .. دخلت عاليـة ثم تابعها مراد فتوقفت في منتصف الغرفة تعلن اعتصامها :
-هااه ، الأوضة مش فيها غير سرير واحد .. والكنة صغيرة ، هننام فين بقا ؟!
نزع مراد معطفه ثم سترة بدلتـه ووضعهم على المقعده ثم فك رابطة عنقه واتجه ناحيـة الثلاجة وسألها :
-تحبي تشربي حاجة؟!
-لا مش عايـزه ..
أمسك مراد بزجاجة العصير وقفل الثلاجة مرة أخرى فسالها :
-تتعشى ؟!!
-ما أحنا أكلنا في المطعم ..
-يعني مش جعانـة ؟!
-لا يا مراد مش جعانة ولو سمحت متغيرش الموضوع ..
دنى منها متسائلًا :
-عاليـة أنتِ متعصبه ليه ؟!
بدأ التوتر يقاسم تفاصيل وجهها :
-مراد هنام فين ؟! انا بجد تعبانة وعايزة أنا وانت بتشرب مانجا ولا بتفكر في أيه حاجة !!
ثم شدت منه زجاجة العصير :
-وريني!!!! دي ساقعة عليك ، لو سمحت سيبها تسخن شوية ، أنت مش شايف الجو بره !! دي بتمطر تلج !!
ارسل لها ابتسامة خفيفة :
-خلاص اتحلت اهي ..
-هي أيه ؟!
-قصدي في التلج ده ينفع انام انا في مكان وأنتِ في مكان !!
تراجعت للخلف وهي تتأمل تفاصيل وجهه المُقبلة إليهـا :
-قصدك تقول ..
قاطعها مُكملًا :
-ااه هننام على سرير واحد ..
لُطخ وجهها بحمرة الخجل :
-بس بقا يا مراد ما تهزرش .. وبعدين انا ماجبتش هدوم معايا ، الله يسامحك في اللخبطة دي كلها .. وسع كده .
دفعته من أمامها وشرعت ان تفتش في الخزانة عن ملابس يمكن أن تنام بهـا لكن بدون جدوى .. دارت لتجد نفسها تحت مظلته قائلًا :
-الصبح ننزل نجيب كل اللي تحتاجيـه ..
لاحظت اقترابـه منها التدريجي حتى ارتطم ظهرها بأحد ضُلف الخزانـة .. فسألته بتوجس :
-مراد أنت بتقرب كده ليـه ؟!
-بطمن على ابني .. فيها حاجة دي !!
أغرورقت عينيها بدموع الاضطراب :
-بطل هزار ..
شرع بمداعب خُصلة من شعرها متساقطه على وجهها بلطف وقال :
-يبقى ندخل في الجـد على طول ..
تنهدت بارتياح :
-ااه خلينـا في الجـد ، ابعد بقا ..
انخفضت نبرة صوته وهو يقول :
-عارفة أول مرة شوفتك فيها في الحفلة ، جالي أحساس أني عايز أحضنك ..
-عيب يا مراد أنت بتقول أيه ؟!!
انكمشت ملامحـه :
-هو أيه العيب يا عاليـة عشان شكلك هتغلبيني الليلة دي !!
ردت بارتباك :
-اللي أنت بتقوله ده …
وضع يده على خصـرها فعاشت شعور من يفتح النافذة بليلة قارصة البرودة فيرتعش جسده بأكمله .. برزت عروق عنقها وكادت أن توبخـه ولكنه أسرع بتقبيل شفتيها المرتعشـة ، فهُزم قلبـها خاضعًا لأفعاله التي بثت مشاعر غريبـة بكيانهـا واعترف في استسلامه :
“•أحسستُ بالحُب تجاهك منذُ اليوم الذي لمحتُ فيه الدفء الذي في وجهك و العناق الذي حدث مابين صوتك ومسمعي ، احسستُ بك وشعرتُ أنّ هذا القلب الصّغير الذي أحمله في زوايا صدري يتمدد بحبك يومًا بعد يوم ، لايتبدد شعُوري لك ولاينقص ، بل إنهُ يحتشد في وسط صدري حتّى إنه يفيض من وسط عيني ”
كان لقائهم ناعمًا هادئًا كهدوء طباعهـم .. هى ما زالت تحت تأثيـر تلك المشاعر المجهولة التي صوبت إليها دفعـة واحدة ، وهو كان يتعلـم معها معنى أن يمارس الشخص حبـه لأول مـرة ..
ابتعدت عنه بصعوبة وهي تلهث :
-مراد ، عاصي ..
فك أزرار قميصـه بلهفـة وهو يُقبل على نهرها :
-عاصي مين دلوقتِ ؟!!!!!
وضعت يدها على قلبها تترجاه كي يهدأ وهي تستنذ على الخزانة تأخذ أنفاسها بهدوء حتى عاد إليها رافعًا وجهها إليه :
-ينفع تسيبي لي نفسك خالص !!
-أصـل …..
سألهـا بصوت أنفاسه الذي يتسابق مع كلماته :
-بتحبيني يا عاليـة !!
ردت بتوجس ونبرة متقطعـة :
-مش عارفـة ..
حملها بين يديه معلنـا الحب عليهـا وقال :
-دلوقتِ هتعـرفي ……
••••••••
نهض عاصي من جوار ابنته برفق كألا يزعجها ثم فتح باب الغرفة بحرص وعاد إلى حياة النائمة بجوار داليـا قبل أن تنهي قصتها ، حملها بلطفٍ بين يده وغادر الغـرفـة متجهًا إلى غُرفتـه .. تململت حيـاة بين يديه قائلة بصوت نائم :
-عاصي .. نزلني ، أنا صاحيـة .
مازحها قائلًا :
-طيب فتحي عينك عشان اتأكد أنك صاحيـة ..
تنهدت بدلالٍ وهي تعانقـه بكسـل وطلبت منه :
-قول لي بحبك ..
وضع قدمه على أول درجات السُلم وهمس لها :
-بعشقك ..
فرسمت ابتسامة على وجهها النائم وقالت :
-وأنا كمان ..
ثم استراحت على صدره وسألتـه :
-عندك شغل بكـرة !!
رد عليـها قائلًا :
-يومنـا طويل بكرة ، حفل انطلاق البراند الجديد بالليل .. ولازم تكوني موجودة .
-هناخد البنات ؟!
-مش لازم عشان الحفلات دي بتتأخر ..
فتح باب غُرفتهم ثم ركل الباب بقدمه بعد دخوله .. وضعها على مخدعه بلطفٍ ما كاد أن يبتعد فتشبثت بيده مع انفراج عينيها وسألته متدللة :
-هتروح فين ؟!
طبع قُبلة على ثغرها :
-مش هتأخر ..
اتجه إلى الحمام ونهضت هي من فراشها فتحت خزانة ملابسها لتبدل ” الجينز والصوف ” الذي ترتديه بـ ” بيجامة ” حرير باللون الأسـود ثم عادت إلي مخدعها بسرعة خاصة عندما وصل إلى أذانها صوت فتح الباب .. وقف عاصي أمام المـراة ونثر القليل من العطر حول عنقه ثم على صدره العارٍ مكتفيًا بينطال أسود ثم ضبط درجـة حرارة المدفأة ووصل هاتفه بالكهرباء ثم عاد إليهـا ..
اقتربت منه متدللة وهي تداعب ملامحـه :
-اتأخرت على فكـرة ..
-الخمس دقايق دول .. !!
اتسعت ابتسامتها وهي تخبره:
-وحشتني …
أمسك كفها المتراقص فوق ملامحه وقبله بحرارة :
-وأنتِ كمان ..
-اليوم كان جميل أوي النهاردة .. لمة العيلة حلوة أوي ، وشمس طيبة أوي ، هي اااه تبان شديدة كده بس والله من جواها طيبة ..
ضحك عاصي بخفوت وعقب قائلًا :
-ده أنا مش قادر أبص في وشها من وقت ما زعقت فيا الصبح ..
تبادل الاثنان الضحك حتى قالت :
-بصراحة أنت كنت محتاج يتزعق فيك ..
داعب وجنتها بلطف :
-وأنا كُنت عملت أيه يعني !!
-قول ما عملتش أيه ؟!
قبل أرنبة أنفها وقال بحب :
-كانت أحلى ليلة في عمري ..
أحمر وجنتها بخجل ثم قالت :
-تعرف ، من زمان وأنا بتخيل وبكتب سيناريوهات كتيـرة لليلة دي مع الشخص اللي بحبه ، وأزاي هنقضي أول ليلة لينا مع بعض سوا ، بس عمري ما اتخيلت أني أعيش ليلة ولا في الأحلام زي اللي عشته معاك ..
انتقلت يدها التي تداعب ملامحه إلى صدره العار وأكملت :
-أول جملة كتبتها في أول مرة مسكت فيها القلم ” الحب بيعري القلوب ” .. معاك أنا عشت الجملة دي بتفاصيلها .. ده بيعري القلب والعقل والروح وبيخلينـا نقول كلام ونعمل حاجات عمرنا ما نتخيلها ..
سألها بحب :
-زي أيه ؟!
اقتربت منه أكثر وقالت بجراءة :
-زي ما أنا مستعدة دلوقتِ أحط عيني في عينك وأقول لك إني ” ملهوفـة عليك ” يا عاصي ..
كانت مُفعمة بالحب للحد الذي يجعله أن يشاهد الحياة تركض في وجهها ، لم تكن حياةً كانت كارِثةً لا تُغتفر .. أمسك بكفها كي يكف عن مغازلتـه كما فعل حديثهـا وقال :
-ما بلاش الكلام اللي يخلي الواحد يتهور ده !!
قالت بنبرة خفيضة :
-بس ده مش كلام ، دي دعوة صريحة ..
اندست يديه تحت سترتـها كعادته في تدليلها :
-ده أحنا اتطورنا جامد ..
-قولت لك الحُب بيجردنا من كل القيم والمبادىء وبيخليك مش شايف غير حبيبك …
-وأنا مش عارف أشوف غيـرك ..
طرقت باب الممنوع لتغويـه .. فلبى دعوتها التي كان ينتظرها على رحب وهو في قمة سعادتـه .. تشابكت الأيدي وتعانقت الأرواح ولحمت نار العشق الأجساد حتى غمغمت بجملتها الأخيرة قبل أن تسبح معه في بحر الحب بنبرة ناعِمة كأنهَأ منسَوجّة مِنْ الحِرير :
-عاصي ابننا ..
-متقلقيش ..
•••••••
قضت شمس ليلتهـا على مراجل من نار تتوقد ، ساعة وراء الأخرى تنتظر مجيء تميـم ولكن بدون جدوى ..أخذت تجرب الغـرفة ذهابًا وأيابًا .. تُطالع رقمه بالهاتف حتى حسمت قرارها أن تُراسله ولكنه مقفولًا .. خرجت في الشرفة تراقبـه كي تراه عندمـا يأتي ولكن تاخر الوقت كثيـر حتى غرقت في سباتها على أحد المقاعد ..
بالغرفة الثانية تتهامس نوران بالهاتـف :
-يا كريم أنا قلقانة على عاليـة ، عاصي لو قام الصبح ومكنتش في البيت حرفيا هيخرب الدنيا ..
-طيب أعمل أيه !! هي ومراد موبايلاتهم مغلقة !!
تسرب وميض الشك إلى نوران :
-ده اللي يقلق أكتر .. طيب انزل كده اسأل عليهم فالاقسام ولا في المستشفيات اهو نطمن !!
انكمشت ملامح كريم :
-اقسام ومستشفيات وعايزة تطمني ؟!! ده انت بومة .
-هتغلط هغلط !!
-بس ده مش غلط ، ده وصف ..
-كريم .. أنت مهزأ ..
ضحك كريم مستقبلًا أهانتها برحب ثم قال :
-المهم هنعمل أيـه في عالية ومراد !! انا شاكك في حاجة ..
-حاجة ايه ؟!
رمى كريم نفسه على السرير وقال :
-مراد خطف عاليـة .
-نهاره مش فايت . أصلا أخوك سوابق ويعملها .. انا من الأول مكنتش مرتاحة له ، وكل ماافتكر إني جبت له هدية بزعل من نفسي ..
ثم وثبت قائمة وقالت مهددة :
-بص يا كريم أخوك لو مظهرش لحد بكرة .. أنا هروح احكي لعاصي كل حاجة وهقوله أنت اللي ساعدتهم .. وشريك معاهم ..
-لا ياشيخة ، وأنتِ الملاك اللي بجناحات !! ولما يقولك عرفتي منين !!
ارتبكت نوران وقالت :
-كُنت بلمع اُوكر وسمعتكم .. ولا أنت ناوي تفتن عليـا !!
-لا انتٍ تفتني عليا عادي ..
-اه عادي ..
كريم بمزاح :
-انتِ مش جدعة على فكرة ..
ردت بارتباك :
-ولا أنت كمان جدع ، ويالا اقفل ومتتصلش هنا تاني ..
••••••••
” صبـاحًا ”
وتبقى الذكريات هي الملاذ الوحيد لكل ملحمة جميلة عالقة في الذاكرة، غلب عليها الزمن والحب .
قضت ” عاليـة ” وقتًا طويلًا تطالع السقف محاولة استيعاب ما كانت عليه وما عاشته للحظات مسروقـة من اشجار الزمن .. حتى صاحت بصرخة مدوية عندما استوعبت حقيقة انها نائمة بين يديه عاريـة :
-يانهار مش فايت !! انا ايه جابني هنا .. مراد مراد ، اصحى ..
رفع جفونه مخضوضًا :
-عاليـة !! ايه في ايه ؟!
-عاصي هيدبحني يا مراد ..
ثم طافت عينيها بتيـه :
-هو أيه حصل !!
تفهم حالتها ثم ردد اسمها مرة أخرى بنبرة هادئة :
-عالية !
أصدرت صوت إيماءة خافتة وهي تتشبث بالغطاء :
-نعم !!
-نمتي كويس ؟!
-أيوة نمت ..
كاد أن يُزيح الغطاء من فوقها ولكنها صرخت معترضـة وهي تبتعد عنه :
-لا لا لا ..
-طيب وريني وشك طيب ؟!
تدلى الغطاء عن وجهها تدريجيـا وهي في قمة خجلها منه حتى عادت لتختبئ تحته مرة أخرى ولكنه منعها تلك المرة وهو يسألها :
-ما أحنا كنـا حلوين ! حصل أيه !
-مراد ، عاصي هيقضم رقبتي .. انا لازم امشي ..
مسك كفها كي يمنع حركتها :
-عاصي مين على الصبح !!
-انا هنا بعمل أيه ؟!
تحمحم بخفوت :
-اااممم انت شكلك جالك زهايمـر ، أيه رايك نبتدي من أول وجديد !!
صرخت بوجهه بحرجٍ :
-بس يا مراد !
-بس أيه يا لولا .. خلاص بقا .. مش كفاية الاصطباحة اللي تقطع الخلف دي !
تشبثت بالغطاء الذي يستر جسدها العارٍ وبللت حلقها بحياء :
-مراد أنت اتعلمت الحاجات دي فين !
انفجر مراد ضاحكًا على براءتها وجمالها المنصب بملامحها المشرقة ، فرمقته باستغراب :
-بتضحك ليـه !!
-افهم بس حاجات ايه ؟!
-خلاص خلاص .. أنت عايز أيه دلوقتِ ؟!
مازحها قائلًا :
-عايز اعرف أنتِ ليه متبتة في الغطا أوي كده ؟!
ثم مال هامسًا في أذانها :
-أنا شوفت كل حاجة على فكرة ..
صرخت في وجهه بحياء وهي تندس تحت الغطاء :
-مراد بس ..
نزل معها تحت الغطاء ليلتقى الحبيبان مرة أخرى فوقعت عاليـة في مصيدته من جديد وشرعت أن تهرب منه ولكنها لم تنجح .. فسألته بخجل :
-يا مراد بقا عايز !!
ضمها إليها من جديد وسألها:
-عايز أعرف بتحبيني ولا لا …
تملصت من حضنه متمردة بدلالٍ:
-لا .. ووسع كده ..
-وأن موسعتش ..
-مراد بقااا ..
ضمها إليه من جديد وقال بخبث :
-بس أنا اخدت الجواب منك ..
-أمتى ده !! أنا ماقولتش حاجة على فكرة ..
بدأت يداه تتنقل بحرية على معالمها وقال :
-لغة الجسد كفيلة أنها تقول كُل حاجة ..
-مراد أنت قليل الأدب ..
انقض شبح حبـه عليها مراوغًا وملاطفًا بقبلات جريئة ومداعبات جعلتها تتوسل إليها ضاحكـة كي يبتعد حتى أصر قائلًا :
-هاا اعترفي .. عايز اسمعها ..
-هي ايه ؟!
-قولي كده بحبك يا مراد ..
حدجته بعيونها اللامعة في الظلام :
-طيب غمض عينك الأول ..
-ياسلام !! مش كفاية ضيق التنفس اللي أحنا فيه ده .
-غمض بس وأنا هقول ..
غمز بطرف عينه مستنشقًا رائحة الغدر :
-مالكيش أمان .. لا
-وانا مش هقول غير لما تغمض ..
-طيب ولو غدرتي ..
ردت ببراءة :
-ثق فيا .. يالا غمض عينك .
أغمض مراد عينيه ملبيًا لطلبها :
-أما نشوف ..
تملصت منه وقالت :
-لا حطت أيدك على عينك .. كده أمان أكتـر ..
حدجها بشكٍ :
-عاليـة ..
توسلت ببراءة :
-يالا …
وضع مراد يديه فوق عينيه وقال منتظرًا كلمتها :
-هااا مسمعتش ..!!
في تلك اللحظة ؛ فرت عالية كالأرنب الهارب من جواره وذهبت إلى الحمام كي تحمي نفسها من نظرات مراد الثاقبـة .. قفلت الباب بعناية حتى أتاها صوته قائلًا :
-مش قولتلك شامم ريحة الغدر !! بس تخرجي ياعالية عشان مش أنا اللي يتلعب عليا الألاعيب بتاعت اعدادية دي ..
تركته يهذي خلف البـاب وهي غاصت في بحر تفاصيـل ليلتها الماضيـة معه .. منذ اللحظة التي أخبرها فيها بأنها أرق فتاة بالعالـم .. ومطر قبلاته التي خدرت روح التمرد بجسدها وأحيت روح الحب حتى سبح الاثنين في بحر هواهم ..
عصرت ذاكرتها كي تتذكر اللحظة التي تجردت من ملابسها أمامه وتفاصيلها ولكن هناك أشياء تسقط من الذاكرة كصعوبة الرحلة ولم تبقى بها إلا لذة الوصول ..
غسلت وجهها عدة مرات حتى اتسعت ابتسـامتها عندمـا غرقت بتفاصيـل ليلتهم الأولى معًا ..
#فلاش باك
ولت ظهرها مُعلنـة حالة النعااس التي أصابتها وقالت بتعب :
-مراد أنا هنام مش قادرة ..
ولى قبلته إلي تفاصيل ظهرها ناصع البياض وأخذ يُغازل فقرات ظهرها ولم يتوقف عن ذلك بل بادر بنثـر العديد من القُبلات على كتفيها ويده التي تُقربها منه شيئا فشيئا.. تململت بدلالٍ وهي ثملة من تأثيـر العشق :
-مراد بس بقى ، عشان هنام ..
رد عليها وهو في مرحلة السُكر :
-الليلة دي مفيش نوم ..
سألته بتمـرد :
-أومال في أيه !!
-عاليـة دي أول ليلة لينـا ، ولازم تكون ليلة مميـزة ..
اعتدلت لتطل بعيونها العسليـة عليه وقالت بدلعٍ :
-مميـزة أزاي ..
جذبها إليه وقال :
-تعالي هقول لك ..
••••••••
عاد تميم إلى غرفته في تمام الساعة السابعة والنصف صباحا فاستيقظت شمس على صوت صـرير الباب حتى وجدته أمامها ، ألقت نظرة سريعـة على الساعة ثم تقدمت نحوه بعواصف غضبها عاقدة ذراعيها أمام صدرها :
-والله !! ما لسـه بدري .. ويا ترى كنت فين ومع مين !
رمقها باستهتار وبداخله سعادة عارمة لأنها نحج في إثارة غضبها وقال :
-كنت في الموقع بتابع كام حاجة كده ..
ثم ابتلع بقية كلماته وقال معاتبًا :
-وبعدين هو تحقيق ولا ايه يا شمس ..
وقفت شمس أمامـه :
-أيوة تحقيق ، من حقي أعرف جوزي راجع ٧ الصبح منين وكان مع مين ..!!
أخرج ملابسه من الخزانة قائلًا متحججًا :
-معلش يا شمس تعالي شوفي الجرح شادد عليـا ..
-روح مكان ما كُنت وخليهم يشوفوا لك الجرح ..
ألقى ملابسـه على السريـر بكلل وهو يصدر تأوهات الألم :
-كانت ليلة متعبـة أوي يا شمس .. ليا كتير مش واخد على ضغط الشغل بالشكل ده ..
ثم أغمض عينيه متأوهًا حتى رق قلبها وأتت بعلبـة الاسعافات الأولية لتغيـر له على جرحه .. ما كادت أن تفك أزرار قميصـه فسالته بعتب :
-كان عليك أيه بالتعب ده كله !!
-كان لازم أعاين الموقع بنفسي عشان الرسم ، وسهير مسابتنيش خالص ، البنت دي جدعة أوي يا شمس ..
رفعت حاجبها بمكر :
-اااه سهيـر !! هي كانت معاك !
-طول الليل نشتغل في العربية يا شمس .. لحد ما بقيت مش حاسس بكتفي من الألم ..
توقفت شمس عن أداء مهمتها وسألته بغضب :
-وهي الانسـة سهيـر ما غيرتش ليه على الجرح بالمرة !!
اشتعلت نيران الغيـرة بوجهها حتى همس لها قائلًا :
-لولا أني عارفك كويس كنت قلت أنك غيرانة من سهير .. وأنا شايف كده أن اي ست هتغير منها ..
ردت بضيق :
-سهيـر دي واحدة فالصـو .. عمرك شوفت دهب بيغيـر من فالصو ؟!
انفجر تميم ضاحكًا ثم قال مكملًا الضغط على وترها الانثوي المتوق بالغيرة :
-بس انا مش شايف كده !!
ارسلت لها أبتسامة زائفـة :
-نام يا تميم ، عشان شكل قلة النوم أثرت على عينك ..
-طيب والجرح !!
-كلم سهيـر تيجي تشوفه ..
أمسك تميـم يدها بعد ما استوت على لهب الغيـرة وشرع أن يكذب كل ما قاله ويسألها ما الذي ستفعله مديرة الشئون القانونية في موقع الإنشاءات ؟! ولكن جاءت نوران في تلك اللحظة بعدما سمحت لها شمس بالدخول ، فتوقفت مترددة :
-عاليـة مجتش من ليلة امبارح ، وأنا قلقانـة عليها أوي ..
•••••••••
فتحت ” حيـاة ” جفونها فوجدت نفسها بين يدي عاصي الذي يحاوطها بأمانه .. رأسها على ذراعه الأيسر وأنامله متغلغلة في شعرها .. ويمينه تربت على بطنها وكأنه يـريد أن يبث الحب بجوف مضغتها الصغيرة المختبئة بين أحشائها ..
مررت أصابعها على وجهه بلطف حتى فتح عيونه وقالت بحب :
-صباح الخيـر ..
نالت جبهتها قُبلة وكان لثغرها النصيب الأكبـر من القُبل وسألها بتوجس :
-في حاجة بتوجعك ..
-أنا والنونو زي الفل ما تقلقش ..
داعب أرنبة أنفها بمزاح :
-تاني مرة نبطل شقاوة عشان بتجرجريني لطرق أنا بحبها ..
التف ذراعها حول عنقـه وقالت بنبرة مفعمة بالنوم :
-وأنا بحب كل حاجة معاك ..
ثم طالعته بنظرة مترددة كمن سيخبـره بشيء :
-عاصي .. عايزة اتكلم معاك في موضوع ..
-موضوع أيه ؟!
-هتفهمني ولا هتقوم تخبط وترزع وتزعق ..
عقد حاجبيه مستنكراً :
-يا سلام !! أنا بعمل الفيلـم العربي ده كله !!
-أنتَ مش بتشوف نفسك ولا أيه ؟!! بتكون شخص تاني أنا بترعب منه ..
داعب خصلات شعرها بحب :
-أنتِ بالذات ماينفعش تخافي مني ، لأني بقف قدامك بضعف وبنسى أصلًا مين هو عاصي دويدار ..
-تعرف ، بفضل أبص لك كتير وافتكر عاصي اللي اتعرفت عليـه قبل كده ، وأسال نفسي أزاي حبيبتك !!
تنهد عاصى قائلًا :
-عشان اللي معاكِ ده مش عاصي دويدار .. ده واحد تاني خالص بكتشفه من جديد معاكي ، أقول لك على حاجة..
-قول ….
-منكرش إني حبيت مهـا ، بس عمري ما اتهزيت قُدامها ، كنت معاها نفس الشخص اللي مع الناس بره .. اقدر أقول أني عشت مع مهـا الحُب .. بس عشت معاكِ الحيـاة ..
ضمته بكل ما تملك من حب وقالت :
-وأنا أوعدك هخليك أسعد راجل في الدنيـا كلها ..
-وجودك جمبي كفاية يا حياة.. ها كنتي عايزة تقولي أيه ..
كانت ستحدثه عن عالية وعلاقتها بمراد ولكنها تراجعت في أخر لحظـة وغيرت مجرى الحديث وأخبرته :
-نفسي في مانجـا عويس ..
-مانجا في الشتـا يا حياة !!
-معرفش بقا اتصـرف ..
أصدر إيماءة خافتة ثم قال :
-حاضر هتصرف .
قبلته في وجنته بسرعة واخبرته :
-بحبك ..
-معنديش أغلى منك .. يلا نقوم كفايـة كسل ..
وثبت قبله بحماس :
-أنا مش كسلانة أنت الكسول .. يالا قوم .
نهض عاصي وأول شيء فعله فتح هاتفـه .. أخرجت حياة ملابسـه من الخزانـة ثم اقتربت نحوه وطوقت ذراعه :
-غلط أول ما تصحى من النـوم تمسك الموبايل ..
-معلش مستني بس رسالة مهمة ..
فتح تطبيق ” الواتساب ” ثم انعقد حاجبيه متعجبًا :
-نشوف عاليـة باعتة ايه ..
فتح رسالة عاليـة الصوتيـة فأتاه صوت مراد قائلًا :
-أنا رديت مراتي يا عاصي .. وهي معايا دلوقت ..
اشتعل الغضب بوجهه كاشتعال النيـران بالغابـة ، أخذت حياة الهاتف من يده على صوت صرخته :
-ابن المحلاوي بيلوي دراعي ..
سحبت حياة عنوة كي يجلس على أقرب المقاعد :
-عاصي قبل ما تتعصب ممكن نتكلم الاول ..
-هاتي الموبايل يا حياة ، وديني ما هرحمه .. مش أنا اللي يتلوي دراعي ..
-وأنت ليـه واخد الموضوع كأنه لوي دراع .. عاصي هسألك سؤال .. لو حصلت ظروف بينا اجبرتنا اننا نبعد ، هتتصرف أزاي ؟!
رد غاضبًا :
-أحنا فـ أيه ولا أيه يا حياة ..
-معلش رد .. هتسيبني أيعد عنك !!
-لا طبعًا …
-هو ده بالظبط اللي عمله مراد ، بيدافع عن حبـه ، كل شيء فـ الحب مباح يا عاصي .. على فكرة …
أغمض جفونه وولى وجهه الناحية الأخرى ، فقفزت حياة لتلك الجهة وأكملت :
-ده الموضوع اللي كنت عايزة اكلمك فيه وأجلته لـ بالليل .. عاليـة هي كمان بتحبـه ، يبقى ليه مصمم تفرق ما بينهم !!
جهر قائلًا :
-هما اللي معرفوش يحافظوا على بعض يا حياة ، هو هان أختي ، ولما جيه وطلب أيدها أنا رفضت ، مش عايز أختى تتعرض لـلأهانة تاني ..
بررت حياة :
-يعني الراجل دخل البيت من بابه ، وأنت رفضت من قبل ما تاخد رأي صاحبة الشأن ، وبصراحة انا مش هلومه على اللي عمله ، لان ده كان هيبقى نفس تصرفك لو حد فكر يقف بينا ..
ثم وضعت كفها على وجنته وقال برقـة :
-مش معقولة عاصي اللي شوفت معاه حُب اسطوري وعشت معاه كل المشاعر الجميلة دي ، يقف في طريق اتنين بيحبوا بعض ..
كبح غضبه :
-بس مش بلوي الدراع يا حياة ، ده بيتحداني ..
-قلت لك الحب مايعرفش قوانين .. أهدى يا عاصي مراته وردها ، أنت مزعل نفسك ليـه !! عشان خاطري ولو بتحبني بلاش تبوظ فرحتهم ببعض .. عشان خاطري ..
ثم نظرت في عينيه بترجي :
-أوعدني ..
رد بملل :
-خلاص يا حياة ..
-عاصي اوعدني أنك مش هتقف في طريقهم ..
ثم جذبت كفه ووضعته على بطنها وقالت :
-أحنا مستنين هدية جميلة من ربنا .. خليـه يجي في بيئة كلها حب .. انسى الكراهية والانتقام .. عشان ابننا بلاش تزعل أختك ..
جذبها لحضنه وقبل رأسها بحنان ثم قال متعجبًا :
-أنتِ ازاي كده !!
-كده ازاي ؟!
-جميلة ..
-ده عشان معاك وبس .. هتجيب لي مانجـا ..
استغل عاصي الأمر وقال :
-بس ليـا شـرط .. !
•••••••••
حـل المسـاء وذهب عاصي بصُحبة حياة لحضور حفل انطلاق العلامة التجاريـة الخاصـة بأحد فروع شركات دويدار المتخصصة بصناعة المجوهرات النفسية..
جلس عاصي وحياة بالصف الأول .. وخلفهـم هديـر التي جاءت من سفرها على موعد حضور الحفـل لتشاهد تحطيم ” ماركة ” دويدار بنفسها ربما يشفى غليـل صـدرها .. وبالصف الأول من الجهة الأخرى جلـس المنافس الاكبـر لعاصي وهو ” هاشم مدكور ” الذي ينتظر لحظة انتقامه من ذلك العاصي الذي لم يغلبـه أحد لهذه اللحظـة ..
وعلى الجهـة الأخرى وصلت عبلة برفقـة فريد إلى القصـر وأخذ السائق يصدر الكثير من ” تلكسات ” السيارة أمام البوابـة ليفتح له أحد الحراس .. حتى ظهر واحد منهم ، فهبطت عبلة من سيارتها ونهرته :
-ايه اطرشت !!! كل ده ؟! يالا افتح البوابة دي وحسابك معايا لما ادخل ..
أطرق الحارس باسف :
-مش هينفع أفتح يا مدام عبلة !
-يعني ايه ؟!
ثم صاحت :
-انت اتجننت ؟!!!! بقولك افتح يا *****
ثم جاءه فريد الذي وبخه قائلًا :
-انت آخر يوم ليك هنا عشان تعرف تتكلم مع الهانم ازاي ..
رد الحارس مبررًا :
-دي تعليمات عاصي بيه ..
سالته عبلة باندهاش :
-يعني أيه تعليمات عاصي بيه ؟!
رد الحارس :
-مأكد علينا ممنوع دخول حضرتك أنت وجوزك .. أنا أسف يا عبلة هانم بس دي أوامر البيـه ….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية غوي بعصيانه قلبي ) اسم الرواية