رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الثالث و الخمسون 53 - بقلم نهال مصطفي
لم يخل القلب الذي اعتاد القلق من طرح الأسئلة الشائكة ظنًا منه بأن الأمان الذي يعيشـه يختبئ خلفه شبحًا مخيفًا كأيامـه السابقة .. ليرسو على ضفـة ذلك السؤال حائرًا :
-” هل أحببتني حقاً ؟ أم ان الدنيا رمتني لك عوضًا عن أحدٍ فقدتـه ؟! ”
~خُلق القلب عصيـًا 💥
•••••••
-عُمـرك ما فشلتي تبهريني بجمـالك يا حيـاة !!
مال ناحيـة أذنيهـا وقال جملتـه مغرمـًا مُتيمـًا بجمالها الساحر والخاطف لجمـيع الأنظار .. أطرقت بخفـوت :
-تعرف أن ده كمـان له تفسـير في علم النفس ..
مط عاصي شفته بإعجاب :
-فهميني !!
وضعت ساق فوق الأخـرى بأناقـة وهي تهمس له :
-معنى أنك تشـوف حبيبك كل مـرة أجمـل من اللي قبلها ده معنـاه أن الحُب في قلبك لسـه حي ومتجدد..
ثم ضمت كفه بحب وأكملت :
-ودي من أكتـر الحاجات اللي كنت بتمناها مع الشخص اللي هيكون جوزي.. كنت خايفـة من روتين الجـواز المُلل اللي الكـل بيشتكي منــه .
رفع كفها لمستوى ثغـره وطبع قُبلة رقيقـة عليـه ثم قال :
-اللي يعرفك لازم يحبك كل دقيقة بطـريقـة مختلفـة ، مش كُل يـوم !!
تمتمت بخجـل :
-عاصي بيبصـوا عليـنا !!
-سيبك منهـم ..
على حـدة ارسل هاشم مدكور رسالتـه لهديـر التي تنتظر معـه نتيجـة الإنتقـام من عاصي وقال برسالته :
-أي حكاية البنت اللي معاه دي ؟!!
ردت هديـر كتابة :
-دي مراتـه ..
فأرسـل :
-ملهاش سـكة يعني !!
رفعت هدير حاجبها وكتبت له :
-أنت عايـز أيه !!
ارتسمت ضحكة خبيثـه على وجه هاشم وكتب لهـا:
-هبعدهـا عن طريقـك !!
هدير بسخـرية :
-كان غيـرك أشطر ، عبـلة المحلاوي بجلالة قدرها فشلت في ده !!
أشعل هاشـم سيجارتـه بتحدٍ :
-بس متعرفيش هاشم مدكور لمـا يحط حاجة في دماغه بيعمل أيه !!!
في تلك اللحظـة جاءت مكالمـة هاتفيـة لعاصٍ ، فـ رد مكتفيـًا بكلمـة :
-معاك !!
ثم بعدها الكثيـر من الإيماءة والكلمات التي لا تحس على فهم مغزى المكالمـة ، حدجته حياة بغرابـة على غمـوضه المثير للذهن حتى فتحت هاتفها بعشـوائية لتتسلي بـه ويلهوهـا عن التركيز معه حتى ختم مكالمتـه :
-زي ما قولت لك ، بهدوء وبدون شوشـرة …
قفل هاتفه ثم مده للخلف ليعطيـه لحارسـه الشخصي معتدلًا في جلسـته وقال :
-العرض هيبتدى ..
شـد أعصاب من الجميـع في انتظار المهرجان السنوي والعالمي للمشغولات الذهبية الفاخرة.. وكل علامة تجاريـة تتقدم بأحدث عروضها للموسم الجديد والأشكال التي تميـزها .. عـرض وراء الأخـر والجميـع ينتظر أكثـر العروض التي ستنال إعجاب الجميع والإقبال عليـه …
جاء في المُقدمـة العرض السينمائي لتصاميـم هاشـم مدكور والتي تتطابق مع الفيلم التصويـر الذي قامت بـه هديـر ، مع لحظـة همهمات الجماهيـر وإعجابهـم بالتصاميم المستوحاة لشركات مدكور البعيدة كل البعد عن أشغاله القديمـة ..
في تلك اللحظـة تحولت شكوك عاصي ليقين ناحيـة عدوه اللدود .. تحولت نظرات هديـر لراحة أكبـر وهي تراقب شماتـة هاشم الذي وقف بتفاخـر يُرحب بالضيوف ويشكـرهم على ثقتهم بعروضـه .. نظرة سريعـة كانت من عيني عاصي إلى هديـر التي استقبلتهـا بابتسـامة هادئة وغامضة كأن هناك سـر مجهول بينهـم ..
تفوهت حيـاة بإعجاب :
-ذوقـه حلو .. والتصاميم فيها لمحة تخطف أي حد ..
ثم نظرت إليـه عندمـا لاحظت شروده :
-عاصي !! أنت معايـا ..
-معاكي .. استعدي عشان دورنـا جاي ..
جلس هاشم على مقعده بفظاظـة وهو ينتظر سحق خصمه ومنافسـه الأكبر بالسـوق .. ينتظر تصاميمه المسروقـة التي أن فشلت في تحقيق البلبلة .. يكفي بأنهـا ستفوت الموسم على عدوه .. كتب رسالة نصية لهدير :
-فكريني أحلي لك بؤك ..
ردت هدير بغموض :
-لسـه الأحلى جاي !!
هنـا بدأت بوادر الفيلم التصويـر الخاص بحوريـة البحر ، التي ترتدي أبهظ وأفخم المشغولات المميـزة والساحرة .. من حيث الوجه الإعلاميـة وجمالها الخلاب الذي يمنح التصميم رونقًا خاصًا به إلى براعة وأناقة التصاميم الفنية التي تقوم بعرضها ..
صورة وراء الأخرى ولم يزد الجمهور إلا ابنهار وتسابق على حجز تلك المشغولات الرائعـة .. وفي نفس اللحظة تبدلت نظرات هاشـم إلى الغضب والحقـد .. ولى رأسـه لهدير وكأنه بتوعد لها قائلًا في سـره :
-اااه يا ولاد ال !!!!! أمـا وريتكـم ؟!!!
ربتت هدير على كتف عاصي الذي التفت للوراء فقالت بحفاوة :
-مبروك يا عاصي ..
فقال :
-كله بفضلك !!
اكتفت برسم ابتسـامة خفيفة:
-البزنس بعيد كل البعد عن المشاكل الأسرية !! وأنت عارف أني بعرف أفصـل كويس ..
انعقد حاجبي حيـاة باستغراب وتمتمت :
-عاصي !!
ضم عاصي كفهـا ثم أكمل حديثه مع هدير :
-مشروع العلمين في انتظار ادارتك .. من بكرة لازم تكوني هنـاك ..
ارتدت هدير حقيبتها من ماركة ” شانيل ” وهمت بالمغادرة :
-تمـام .. همشي أنا ..
انصرفت هديـر ودار الحوار بين عاصي وحيـاة كالآتي :
-عاصي هو في ايـه !!
-زي ما سمعتني ..
-فهمني بدل ما أنا مش فاهمة حاجة كده ..
تمتم عاصي موضحًا :
-كل العروض اللي انبهرتي بيها لهاشم مدكور دي من تصميمي .. وللاسف هو سرقها مستغل المشاكل بيني وبين هدير ، وهي رجعت لي في الأول واتفقنـا أنها تنفذ كل كلامه ، وده سبب أني استعنت بيكي فـ التصوير وأحنا مسافرين .. لأن مكنش عندي وقت ولا ثقة في حد غيرك ..
جاء يسـري من الخلف مهللًا :
-مبروك يا بص ، الاستف مش ملاحق على حجـز التصاميـم ، تقدر تقول بالبلدي أنت الهيرو الليلة !!
تقدم هاشم يجر خيبتـه وشظايـا نيـرانه وصافح عاصي بمكر :
-لسـه الجولات جاية كتيـر !!
وقف عاصي مبتسمًا ثم قال :
-يا راجل وأنت لسـه فيك صحة تنزل الملاعب !! أنت على الدكة ..!!
انكمشت ملامح وجه هاشم وهو يمد يده لحياة بنظرات نارية :
-احلى وجه إعلامي شافتـه الكاميـرا ..
رمقت عاصي بحيـرة عن مصافحتـه ، فاقتحمت عاصي كفه مرة أخرى وقال :
-نورت يا هاشـم بيـه ..
رمقه يسـري بشماتـه وهو يقول :
-عارف الطريق ولا أجي أوصل معاليـك ..
طالعه هاشـم بسخط :
-لا عارفـه ..
انصرف هاشم وتلاحقت الصحافة والإعلام على عاصي وحيـاة بمطر من الأسئلة الاستجوابية حول علاقتهم وجمال التصميم التي خطفت الأنظار والقلوب وتنافس الجميع على اقتنائها فوشوشت حياة لعاصي :
-أنا مش بحب الجو ده يالا بينـا ..
-ولا أنا ..
ثم نظر ليسـري نظرة فهم مغزاهـا وتسلل هو وحيـاة بخفة حيث وقف يسري أمام الصحافة قائلًا :
-انا هجاوبكم على كل اسئلتكم .. اتفضلـوا ..
••••••••
” بالقصـر ”
-السـاعة داخلة على واحدة وأنت لسـه اللي جاي !
قالت شمس جملتها وهي تغادر مكتبها وكتابهـا الذي لم تخرج منه بمعلومـة مفيدة بس رأسها المشغـول بغياب تميم .. نزع سترته البنيـة وقال :
-في أيه بس فهميني !
شمس بنفاذ صبـر :
-أنا اللي عايزة أفهم يا تميم ، هو في أيه ؟! بتخرج وترجع متأخر وتبات بره البيت !! أنا من حقي أفهم في أيه ؟! لو وجودي تقيـل عليك قول ونحلهـا ، لكن جو التطنيش ده وتتعامل معايا كأني مش موجودة بصراحة مش عاجبني ..
وقف أمامها بهدوء وهو يضع يـده على وجنتها بلطف وقال بنبرة خفيفة يملأها الغرور :
-كان ممكن توفري كُل المقدمة الطويلة دي ، وتقولي إني بوحشك ..!!
لا توجد كلمـات سهلة وكلمـات ثقيلة كل الكلمات سواء إلا أن تلمس كلمة واحدة نقطة شائكة بالقلب تعمدنـا إخفاءها حتى عن أنفسنـا .. توارت شمس خلف ثرثـرتها الغريبـة :
-أنت فاكر لما تغيـر الموضوع هنسى وهتهرب من الـرد على كلامي !!
-أنا لا غيرت كلامي ولا هربت ، أنا بحاول اترجم عصبيتك دي كلها !!
وضعت يديها بخصرها وقالت معترضـة :
-كمـان !! أنا مش متعصبة ولا حاجة يا بيشمهندس ، هو كل ده عشان بقولك اتأخرت ليـه ؟!
تعمدت سن سيف البرود بوجهها وقال :
-أصل سؤالك مش منطقي ياشمس في وضعنا، يعني اللي تسأل السؤال ده تكون واحدة مستنيـة جوزها بفارغ الصبـر عشان يقضـوا وقت لطيف مع بعض في نهاية يومهم .. أمـا أحنـا مش باين لنـا ليل من نهار !
أحمـر وجهها بدماء الخجل والغضب معًا حتى قالت بتلقائية :
-تصدق أنت صح ، وأنا أصلًا غلطانة أني قلقت عليك وواقفة أعتابك وأنت ولا على بالك ، مقضيها هنا وهناك مع ست سهيـر بتاعتك .. وأنا بصريح العبارة كده ، النظام ده مش عاجبني ..
جلس لينزع على مقعده حذائه وقال بهدوء :
-ولا عاجبني ..
دنت منـه محاولة إخفاء مشاعرها ولكنها فشلت :
-كويس أننا متفقين .. الوضع ده أخرته أيه ؟!
تميم براحة لا يعلم من أين سكنته :
-أنتِ اخترتي تكـوني بعيـد وتتجاهلي مشاعري ، وأنا كمان اخترت مجبركيش على حاجة ..
أكثـر من يثيـر جنون أي إمراة هو استسلام الرجل في ساحـة حُبهـا ، أخذت تعض على أناملهـا حتى قالت بحنقـة وهي تهرب إلى النوم :
-تمام ، اقفل النور عشان عايـزة أنام ..
تأففًا مغلوبًا على أمـره :
-نامي يا شمس ، نامي ..
ثم دنى منها موشوشًا بآذانها :
-المفروض الست العاقلة متغرش ، لأن الغيـرة أعتراف صريح أن في ست احلى
•••••••
-أنا !! أنا تعمل معايا كده ياعاصي !! وديني لأعرفك مين هي عبلة المحلاوي ..
تجوب غرفة الفندق ذهابًا وأيابًا وهي تتحدث مع نفسهـا وثرثر بغمغمات غيـر مفهومة حتى تدخل فريد حاملًا كأسًا من النبيذ :
-روقي دمك يا حبيبتي ، مفيش حاجة مستاهلة!!
-بقا أنا يمنعى من دخول بيتي اللي بنيت فيه طوبة طوبة ؟! هو مش عارف إني ممكن أهـد الدنيـا فوق دماغه !!
قال فريد :
-أهدي يا حبيبتي ده مهما كان ابنك وبكرة يتقبل وجودي في حياتك وتتصافوا .
أخذت من الكأس بتردد ثم قالت :
-أنا بدأت معاك اللعبة دي وعملت عبيطـة ، ولازم نكملها للآخر ..
تبدلت ملامحه الحائرة في دروب الاسئلة:
-قصدك أيه يا حبيبتي ..
-اسمع يا فريد ، أنا مش واحدة هبلة هتصـدق أنك حبيتها عشان تتجوزها!! دا أنا بدور بلاد من مكاني ..
ابتسامة باهته رُسمت على محياه :
-ليه بتقـولي كده !!
-ليـه وأنا غبية عشان أقول غير كده ؟!! أنت جيت لسكتي عشان ترجع بنت عمك اللي أنت بتحبها وكُنت خاطبهـا وتنتقم من عاصي ..
برر فريد مكذبًا كلامها :
-انتِ فاهمة غلط أنا ….
قاطعتـه بحـسم :
-فاكرني مغفلة .. هزعلك ، تستغفلني بمزاجي ممكن هعديهالك .. اسمعني ، أنت عايز بنت عمك وأنا عايـزة ابني ، وكده حددنا أهدافنـا عشان نبقى على نور ..
تردد قائلًا :
-عبلة بس ….
ردت مقاطعـة :
-ايه لسـه مصمم تكذب !! أنت ما بتشوفش نظرتك ليها عاملة أزاي ؟! متقلقش ، هدفنـا واحد .. أحنا مع بعض مش ضد بعض يا فريد ..
فريد بتفكيـر :
-ناويـة على أيـه !!
شردت في بحـور شرها :
-هقول لك .. بس سيبني أرتبهـا ..
••••••••
-عاليـة !! أنتِ هتباتي في الحمام الليلة دي !
أردف مُراد جملتـه وهو يقف خلف باب الحمـام ويطالع ساعة يده قائلًا جملتـه بنفاذ صبـر ، تفوهت عاليـة بتـردد وهى تقف خلف الباب بقلق :
-خلاص ، خلصت أهو !!
فتحت الباب ببطء ثم خرجت إليـه بتوجس ، ألقت نظرة سريعـة على الشموع والعشاء الرومانسي الذي ينتظـرها .. حدجها مُراد باستغراب :
-أيه ده ؟!! أنتِ هتنامي بالجينـز والصوف ده .. وأنا الـ فكرت يعني ..
رفعت عيونها اللامعـة إليه :
-فكرت أيه ؟!
اقترب مراد منها وهو يغازل شعرها البني وقال :
-يعني التأخيـر ده كله في الحمام وراه مفاجأة كده ولا كده !! أنا في مقام جوزك يعني ؟!
ضغطت على شفتيه بإحراج وسألته :
-أنت اتاخرت ليـه ؟!
-قولي أنك زعلتي عشان سبتك الكام ساعة دول ..
قفلت جفونها الفائضة بالحب :
-لا والله مش قصدي ، بطمن عليك بس …
-إذا كان كده وبس ماشي ، روحت الشـركة مضيت شوية أوراق وجيت على طول .. أيه هنقضيها كلام وبس !!
انتفضت بين يديه مذعورة :
-عايزنا نعمل أيه ؟!
-أيه الخوف ده كله ، قصـدي نتعشى ولا هننام بالجـوع ..
-أها .. تمـام نتعشى ..
-عاليـة أنتِ كويسـة ..؟!
-انا كويسة ما تقلقش عليـا ..
طبع قبلة خفيفـة على وجنتها وقال:
-معنديش أهم منـك عشان أقلق عليـه ..
كاد أن يسحبهـا من يدها إلى طاولة العشـاء ولكنها أوقفته بشكل مفاجئ وارتمت بحضـنه بشـوق يقاسـم قلبها وهي تتشبث بأصابعها العشرة بملابسـه وتخبـره :
-أنتَ وحشتني أوي ، ممكن متغبش عني تاني..
لقد بدأ جبل الجليـد ينصهر في حضرة براكين الحب الملتهبـة .. ضمها إليـه بحب ليستريح فؤاده من عذرية حبها الذي تتعلم معه كل شيء كأول مرة وقال ممـازحًا :
-طلعنـا بنعرف نقول كلام حلو أهـو ..
فارقت حضنـه وهي تجفف عبرات شوقها وقالت :
-مُراد ، أنا عارفة أني ناقصني حاجات كتيـر ، ومش عارفـة ازاي ممكن أسعدك ، أنا عاملة زي الطفل اللي بيتعلم المشي ومحتاج حد يسند عليـه طول الوقت لحد ما يقدر يمشي لوحده ..
ثم دنت منه خطوة إضافيـة :
-اعتبرني الطفل ده ، اللي عايـز يتعلم كل حاجـة منك ، قول لي اللي بيسعدك وأنا هعمله .. عرفني ازاي أخليك أسعد راجل في الدنيـا ..
ثم عضت على شفتيها بإحراج وهي تتحاشى النظر إليه :
-أنت أول راجل في حياتي .. وفي حاجات كتيـر أنا معرفهاش ، حتى .. قصدي لما كُنا مع بعض وو ..
ثم تنهدت بارتباك وترجته :
-هتستحمـل سذاجتي وجهلي !!
مسح على شعـرها بحب :
-عاليـة أنتِ كده مميـزة مش عيب فيكي ولا حاجة .. أنا بحبك زي ما أنتِ كده ، عالية بقلبها الأبيض وطيبتها وبراءتها .. أنا بحبك وهفضل أحبك مهما حصل ..
ثم غمـز بطرف عينه ممازحًا :
-وأنا متأكد أنك شطورة وهتتعلمي بسـرعة ..
فضمها إليـه لتقرب وأكمل مداعبتها قائلًا :
-بس بجد ، أنتِ مكنتيش تعرفي أي حاجة عن أمور الجواز دي والحياة العاطفيـة !
-وأنا هعرف منين ؟!
-امم !! الحاجات دي فطرة فينـا وغير كده يعني عمرك ما شوفتي فيلم رومانسي مثلًا كده وكده ؟!
ردت بعفوية :
-الفُرجة على الأفلام دي حرام !!
هز رأسه متحسـرًا :
-ااه قولت لي حرام .. طيب حد من صُحابك اتكلم قُدامك ؟!!يعني البنات بتحب تتكلم ..
ردت بتوجس :
-معنديش صُحاب ..
ضحك ممازحًا :
– أنتِ متعرفيش حاجة عن الأحياء يا بنتي !!
ابتسمت بحيـاء :
-أنا كُنت علمي رياضـة .. مأخدتش أحياء .
أزاح خصلة من شعـرها وراء أذنهـا وقال :
-سيبك من كل ده طيب ، نسأل الاسئلة المهمـة .. حبيتِ وقتنا مع بعض !!
هزت رأسه بإيماءة خفيفة وعيـون مقفولة وقالت بخجل وهي تفتح عينها لتطل عليه :
-أنا حبيتك أنت ، فطبيعي أحب أي حاجة معك ..
الكلِمَات الرقيقة ،إحتِواء مِنْ نَوع آخر .. حملها مراد بشغف ودار بهـا بالغرفة كلها معبـرًا عن فرحته باعترافهـا الصريح وإعلان الحب عليـه ، فمن الآن أصبحت ملكًا له بدون أي حواجز أخرى .. اليوم أعلنت قبولهـا له كـ حبيب ورفيق لدرب العُمـر معًا .. رسى الثنائي بجوار طرف مخدعها حيث بدأت يداها تتسلل لتُحررها مما ترتديه .. فسألته بإحراج :
-مراد ، أنت بتعمل أيه ؟!
-حاسس الصوف ده خانقني وخانقك .. عايز أريح منه ..
تراجعت خطوةً الخلف وغمغمت باسمه قبل أن يُلبي النداء بقُبلة ملتهبـة على شفتيهـا ويعيش معها أجواء أخرى مفعمة بالحيـاة والحب الذي يرمم القلوب المشروخـة ..
••••••••
فاض الدّلالُ من الدّلال تخيّلُوا
كيف النّدَى فوقَ الزّهُورِ تكلّلا
القتلُ في شرعِ الإلهِ محرمٌ
وبشرع حُسنِكَ لا يزَالُ مُحلّلا.
نزعت حياة حذائها ذا الكعب المرتفع على باب القصـر مستندة على ذراع عاصي كي تتخلص من الألم الذي سببه لها .. فمال على أذانهـا قائلًا :
-طيب أشيلك بدل التعب ده كله !
-لا حابـة أمشي جمبك واسند على كتفك .. شعور مختلف وجميـل ..
فمازحها قائلًا :
-وحضني كان زعلك في حاجة ؟!!
تبسمت بحب وأقرت معترفة :
-العالم كله يزعلني ، وحضنك الوحيد القادر يصالحني ..
كاد أن يقبلها امتنانًا عن جمال كلماتهـا ولكنها تراجعت للوراء رافضه :
-بس بقا عيب ، حد يشوفنا على السـلم ..
ارسل لها نظرة توعد ثم قال :
-أنا الليلة مبسـوط ومتحمس أوي ..
ضمت ذراعه إلى صدرها بحب :
-وأنا أسعد واحدة في الدنيـا مادام أنت فرحان ..
لم يكبح رغبته في حملها بين يـديه لتكون بقربه أكثـر فأكثر .. تعلقت بعنقـه ثم قالت :
-غاوي تعب وخلاص !!
أصدر صوتًا نافيـا وهو يقول :
-تؤ !! غاوي قُربك ..
اكتفت بالتعلق بعنقه أكثر وهي تتنهد بفيض حبها في جدار رقبته ثم همست متسائلة :
-مفيش خبـر عن أخواتي يا عاصي ..
-أنا مش ناسي على فكرة ، وقريب أوي هتسمعي خبـر يفرحك ..
ابتعدت عنـه بفرحة :
-بجد !! أنت عرفت حاجة ؟!
-رجالتي لقيـوا واحد تبع البلطجية بتوع فريد .. واعترف بالحقيقة وقال انهم عايشين ، وقالوا لفريد انهم ماتوا عشان يخلصوا من شره .. بس لحد اللحظة دي لسـه معرفتش مكانهم .. بس قُرب اوي هعرف وهجمعكم ..
ردت الحياة بوجهها وهي تستقبل خبر وجود أخواتها على قيد الحياة :
-بجد يا عاصي ، يعني مفيش احتمال انهم ….. اووف الحمد لله ، بجد الحمد لله ..
ثم طبعت قُبلة على وجنته وقالت بلهفة :
-أنا بحبك أوي .. ربنا ما يحرمني منك ..
وصل الى أعتاب غرفتهم فأنزلها برفق كي يفتح الباب .. هبطت من تل حبه ووقفت أمام الباب معاندة :
-أنت ماقولتش ليـه أنك بتحبني أنت كمان !!
ابتسم بوجهها وهو يحاول ان يمسك بمقبض الباب ليفتحه :
-من غير ما أقولها .. المفروض تكون اتأكدتي ..
أفشلت محاولته في فتح الباب ووقفت أمامه مترنحة :
-لا أنا بحب اسمعها كل ٣ دقايق .. لما أقولك بحبك .. تقول وانت كمان بتحبني .. بتحبني اوي .. بتحبني أوي أوي .. بتحبي خالص ..
إنّما باللطفِ تبلغُ في القلوبِ مقامًا .. سند يده على الباب المقفول خلفها وانحنى لتقبيل شفتيهـا المتقطرة بالعسـل .. كان تقبيله لها في تلك المرة مختلفًا كمن وقع على بستان من الزهور وأخذ ينفرد بكل زهرة على حـدة ، وكأن حدائق بابل التي أختَفت وجدها مُعلقة على إمرَأة فأقبل عليها لينعم بها .. ذابت بين يديه وتحت سحره حبه المنثور فوق ملامحها كـزبد ذائب فوق الخبز الساخن حتى ختم جولتـه من أفعال الحب قائلًا :
-أنا وقعت في حُبكِ يا حياتي ..
فتحت له باب قصرهم الصغير بعدما روى غرورها الانثـوي وقالت بدلال :
-دلوقتِ وبس اسمح لك تتفضل ..
-ماشي يا ستي ، من حق الجميل يدلع براحتـه ..
ثم أقبل نحوها وقال :
-عندك فكرة هنقضي الليلة ازاي ؟!
فكرت لبرهة ثم قالت :
-أي رأيك ننزل نعمل أكل سوا ..
عقد حاجبيه كأنمـا الفكرة لم ترق له وقال :
-أيه رأيك أنتِ في شاور دافي من أيديكي زي بتاع الصبح ..
هزت رأسها متدللة :
-لا مش موافقـة ..
-ليه بس !
عانقته بدلالِ :
-عشان حبيبي محتاج يتربى شـوية ..
ضحك بصوت مسموع وهي يطوق خصرها:
-كده أنا متربي على فكرة ..
ردت ساخرة :
-ااه اوي .. هغيـر وننزل أعزمك على عشا رايق من أيديـا وهوت شوكليت وأحنا بنسمع أم كلثـوم ، قلت أيه !!
-قلت اللي تشـوفيه ..
غيـر الثنائي ملابسهم ونزلا إلى المطبخ حيث شـرعت حيـاة في إعداد عشاء لهـم .. فتدخل عاصي قائلًا :
-أساعدك في أيـه !
-أيه رأيك في تاكل ريزو بالاستربس الحـار ..
-أي حاجة من أيديكي هاكلها ..
شرعت أن تبحث عن البصل حتى وجدته وقالت له :
-قطع دي .. لحد ما أجهز الرز ..
بدأ في تقطيع البصل بدون نزع القشرة الخارجيـة بأحجام غير متناسقـه حيث عكس فشله الذريع بخبرته بأمور الطهي .. دنت منه حياة بدهشة :
-أنت بتعمل ايه ؟!
-عملت حاجة غلط !!
-أنت معملتش حاجة صح ..
ثم دفعته بجانبها بلطف :
-وسع كده ..
تخلصت مما قطعه بصندوق القمامة ثم أحضرت واحدة أخرى وأخذت تعلمـه كيف يتم تقطيع البصـل بدء من تقشيره ثم تقسيمه لحلقات رفيعة وبعدها لمكعبات .. ألقت نظرة سريعة عليه وقالت :
-على فكرة أنت جاي تعطلني مش تساعدني !!
عقد ذراعيه أمام صدره فبرزت عضلاته قائلًا :
-دي مكنتش بصلة يعني !!
ثم سحب منديلًا واقترب منها وأخذ يجفف دموعها المترقرقة بسبب البصل وقال :
-بقا العيون الحلوة دي تعيط !!
فرغت البصل بداخل الإناء ثم أخذت المنديل منه وقالت :
-كله يهون عشانك .. هاا هتعرف تقلب البصل من غيـر ما تحرقـه ولا خايب في دي كمان ..
-خلي بالك ، أنتِ كده بتقللي من قدراتي ولن اسمح ..
-ربنا يستر ..
مدت له الملعقة الخشبيـة بتحدٍ ثم ذهبت إلى المبرد وأخرجت ” الاستربس ” منـه لتُحمـره وتعد “صوص الريزو ” المميـز.. أخذ يُراقبها بإعجاب يتقاذف من عينيـه حتى سها عنه أمر ما أخصته بحراسته .. ركضت نحوه بلهفة وهي تهدأ النار وتضيف الرز سريعًا قبل أن يغمق لون البصل أكثر وهي تعاتبه :
-شوفت اللي خايفة منه حصل أهو .. لو سمحت هاتلي الباربكيـو اللي هناك ده ..
أحضر لها ما طلبته وأتمت طهي الوجبـة وإضافة لمساتها عليـها حتى حان وقت ضبط الملح .. تذوقت ماء الرز بعناية حتى رفعت نحو ثغره المعلقة :
-دوق كده تمام !!
تذوق الماء رافعًا حاجبه بإعجاب ثم قال :
-هو حلو .. بس حاسس أنه محتاج يحلو شوية !!
غطت حياة طنجرة الرز وألتفت إليه :
-ده اللي هو أزاي يا عاصي بيـه ..
جذبها من خصـرها ورفعها فـوق المطبخ فصرخت مترنحة ورافضة أفعاله الجنونية :
-بتعمل أيه ياعاصي ، بطل بقا ؟!!
لم يكبح مشـاعره كي تقاوم إمراة مثلها بأنوثة مجرمة وبراءة طفلة ودلع جميع النساء كان من نصيبها .. ذلك مزيج خطر على قلب رجل مثله .. مال ناحية الورد ليتذوق عبيـره حتى شفى عليل قلبه من قُربه فقال :
-أيه كده يظبط طعم الرز !!
تدلت برفق وهي تستند على ذراعه وقالت بسعادة متوارية خلف جدار التمرد :
-والله معطلني .. عاصي استناني فوق ..
ساعدها في الهبوط وقال :
-انسي ..
-طيب اقعد مؤدب بقا ..
-انسي بردو دي كمان .
-ياربي منك ..
عادت لتكمل العشاء تحت لمساته ومغازلاته وتحججه الدائم في قربها .. مرت الساعة سريعًا عليهمـا حتى انتهت من إعداد وجبتهم ورصها بالأطباق .. ثم فرغت من صنع المشروب الدافئ ووضعتهم جميعا على المائدة الخشبية وقالت :
-ناكل هنا ولا فوق !!
-من رأيي ناكل هنا وفوق هناكل بردو بس حاجات تانية !
توقف جانب الإدراك عندها وقالت:
-يعني ايه !!
-متاخديش في بالك .. يلا تعالي أقعدي ..
جلس الاثنان على المائدة التي تتوسط المطبخ وشرعا في تناول طعامهم على ألحان صوت وردة الجزائرية وهي ترنم بأغنية ” طب وأنا مالي ”
حتى مال رأسها على كتفه عندمـا ابتدا مقطعًا جديدًا من الغناء ..
الحب ومدفينا .. الورد و مغطينا .. الشمس و طالعة لينا
من فرح الدنيا لينا .. من شهدها بتسقينا .. وبكرة مستنينا
ناسية هنا ناسية
ايام كانت قاسية
ناسياها معاك يا عيونى .. و فاكرنى بخاف يلومونى
ما يلوموا طب وانا مالى طب و انا مالى !!
و انا مالى و انا مالى
مالي …
غنوا و حبوا و حبوا و قولوا
قولوا معانا يا ناس
خليك يا جرح بعيد ده هوانا لسة جديد لسه فى اول عيد ..
و سافري يا احزان سافري يا احزان
مالكيش ما بينا مكان
ساكن قلوبنا امان …
-تعرف بحب الأغنية دي أوي ، كنت بحب اسمعها دايما وأنا قدام البحـر ..
أمسك بكوبه الدافئ وقال :
-وأنا بقيت أحب أسمع كل حاجة قُدامك ، وجودك بيلون الحياة ..
انكمشت ملامحها :
-على فكرة أنت نسيت المانجا .
-مقدرش أنسى .. بس بحاول أجيب لك طلبك ..
وضعت يدها على بطنها وقال بدهاء انثوي :
-على فكرة دي طلبات ابنك يعني ، لتكون فاكر أنها طلباتي ..
لف ذراعه حول خصـرها وقال مراوغًا :
-طيب دي طلبات ابني وعرفناها ، مامته بقا أي طلبها !
بدأ الدلال يتراقص بنظراتها حتى أطرقت بصوت خفيض :
-طلب مامته هتعرفـه فوق مش هنـا ..
فهـم ما تلمح إليـه ولكنها أصيب برغبـة شديدة في سماعها بأذنيـه ، تعمد عدم الفهم وقال :
-لا مش واخد بالي .. !!
-عادي يا عاصي لما نرجع أوضتنا ..
-طيب فهميني طيب !
-عاصي بطل هزار بقا !
تعمد استفزازها أكثر :
-عشان لو حاجة مش مهمـة هروح المكتب اشتغل .
أجبرت على أمرها ثم وشوشت له في أذنه بكلمات لم يسمعها سواهم .. حتى اتسعت ابتسامته بفرحة عارمـة وهو يحملها بين يديه متحمسًا لاستقبال جولة جديدة من الحُب بينهم قائلًا :
-منا عارف ..
•••••••
” صباحًا ”
استيقظت نوران مبكـرًا كي تحضر كوبا من القهوة وتبدأ انجاز من تراكم عليها من مواد دراسيـة .. حتى هبطت إلى المطبخ فوجدت سيـدة .. فجلست على أقرب مقعد وهي تحت تأثير النوم :
-سيدة ما تعمليلي قهوة كده من أيديكي الحلوين دول ..
-من عينيـا يا ست نوران ..
ثم استندت نوران على الطاولة مستندة على ذراعيهـا كي تكمل نومهـا ، فجـاء كريم على عجـل :
-صباح العسل يا سيدة .. ما تعمليلي قهوة ..
-حاضر يا سي كريم .. هتشربها هنـا ولا فوق .
-لا فوق ..
حتى سقطت عينيه على الفتاة النائمة بجواره والتي يغطي الشهر وجهها وقال :
-دي نوران ؟!
-أيوة يا سي كريم !!
تحمس كريـم قائلًا :
-خلاص هشرب القهوة هنـا يا سيدة ..
شد المقعد وجلس بجوارها محاولًا إحداث الكثير من الصخب ولكن دون جدوى لقد غلبها النعاس من جديد حتى تمتم كريم بغيظ :
-دي ماتت شكلها !
ألقى نظرة على سيدة فوجدها مشغولة في صنع القهوة ، قفزت الفكرة إلى رأسه عندمـا وجد أبريق الماء يلمع أمامه بأفكار جنونيـة .. تردد أولًا حتى حسم قراره وقام بسكب كوب المـاء فوق رأسها حتى فزعت صارخة :
-يخربيتك !!
انفجر كريم ضاحكًا حتى جاءت سيدة ووبخته :
-حقا ما ليك حق يا سي كريم !
أخذت نوران تجفف الماء من وجهها وهي تسبه سرًا وعلنـا وهو لا زال غارقـًا في بحر ضحكاتـه .. حتى قالت نوران :
-أنت رخم على فكرة !!
-وببقى أرخم معاكي .. مش عارف فيكي حاجة بتستفزني..
صرخت نوران :
-شايفة يا سيدة !! عاجبك اللي بيعمله ده !!
-هو سي كريم كده بيحب يهزر ..
برر كريم موقفه :
-بفوقك .. في امتحانات بعد ٤ شهور لو كنتي ناسية !
ردت بنفور :
-يابني بس بقا .. بوظت شعري ربنا يسامحك ..
-كده أحلى على فكـرة ..
أحضرت سيدة منشفة ووضعها على رأسها :
-نشفي عشان متاخديش برد ..
أخذت نوران تجفف شعرها ووجهها وهي تلومه :
-مبسوط أنا كده يعني !!
رد بفظاظة :
-جدًا ، قلبي ده بيرفرف من الانبساط ..
في تلك اللحظة صاحت سيدة بدهشة من فوران القهوة وقالت :
-أهي القهوة فارت اللي يسامحكم هعمل غيرها ..
رد كريم :
-على أقل من مهلك يا سوسو ..
انشغلت سيدة في إعادة صنع القهوة من جديد حيث انشغل الثنائي في تبادل الحديث :
-فينك محدش شايفك !
ردت نوران بحنق :
-وياريتك ما شوفتني يا أخي ..
رد بعفوية :
-ليه بس !! دا أنا بحبك ..
رمقته ساخـرة :
-أومال لو بتكرهني كنت هتعمل فيـا أيه !!
-نفس اللي عملته بالظبط ..
خدجته بتوعد :
-يكون في علمك مش بسيب حقي ، يعني ليك واحدة .. خليك فاكر .
-بلاش الجو ده معايا هتخسري .
-كريم ، ما تفكك مني ..
ارتشف باقي كوب الماء ثم قال :
-سمعتي أغنية عمرو دياب الجديدة ..
-مش متابعة ..
-هبعتهالك ..
-مش هسمعها ..
-مبتحبيش عمرو !
سألته نوران بتمرد :
-أنت بتحبه !
-حد مش بيحب يسمع عمرو ؟!
ردت معاندة :
-ااه أنا ..
-هخليكي تحبيـه ..
-تؤ ! الله .. مش عايزة أنا .
-بس أنا عايز ..
-ياسلام .. وأنت مين أصلًا ؟!
جذب فنجان القهوة من يد سيدة التي انتهت من صنعه وقال ممازحًا :
-بكرة هتعرفي …
••••••••
انتهت شمس من حمامها الصباحي ، حيث لفت المنشفة حول جسدها وشعرها وشرعت في وضع المرطبات على ساقيهـا وذراعيهـا ..
فتح تميم عينيه فوجدها قرابة السـاعة التاسعـة فنهض مفزوعـًا مرتديًا نعاله بسرعة كي يلحق أول اجتماع له بشركة دويدار للتعرف على رئيس مجلس الإدارة الجديد.. فتح الباب بدون سابق إنذار أو أن يخطر على بالـه احتماليـة وجودهـا بداخـله ..
لحظـة توقفت بها عقـارب السـاعـة ، حينما فتح البـاب عن طريق الخطأ يُخيل له كمن أدخُل الجنة .. كانت جميلة جدًا رغم البخار الذي كان يشوش الرؤية بينهم إلا أنه لم يستطع حجب شمسها اللامعـة عنه … وقعت علبة المرطب من يدها مرتطمة بالأرض فلا يختلف الوضع كثيـرًا عن حال قلبها …
تمسك أصابعها الخمسة بطرف المنشفة الملتفـة حولهـا وتراجعت خطوتين للوراء .. أما عنه ساقه قلبه إليها ، دخل الحمام متجهًا نحو الصنبور الذي فتحه ثم قفله بدون فائدة .. حتى عادت عينياه مرة أخرى لتشفى منهـا ومراقبة حالتهـا التي تجمدت كل ما بهـا ..
تحرك ناحيـة حوض الماء ليملأه ووضع الكثير والكثيـر من السائل الرغوي كل ذلك ليصارع شعوره القاتل الذي يتحرك نحوها .. حيث كانت جميلة كقصيدة مُبعثرة في عقل شاعر رفضت أن تصاغ …
أخذت تتراجع شيئًا فشيئًا حتى توارت خلف ستارة الحمام تراقب تصرفاته العبثيـة .. “فالروح للروح تدرِي من يناغمهَا
كالطير للطير في الإنشادِ ميالُ ..”
لقد جُف قلـم الكبرياء ، وروفعت صُحف الحُب وهو يدنو منها تدريجيـا حيث قال :
-مكنتش أعرف أنك هنـا ..
ردت بنبرة مرتعشة :
-طيب ..
اقترب منها أكثر :
-أمشي ؟!
ردت بخفوت :
-امشي .
دنى فأكثـر :
-همشي !!
أغمضت جفونها متهيأة لاستقباله :
-تميم أمشي .
كانت من رقة مشاعرها المرتجفة يتسول الورد رقته .. التف ذراعه السليـم حول خصرها مغمغمًا بهمهمات حارقـة :
-همشي ..
عيناها العسليتان، التي تفتحت بلمساته كانتا ألذ من العسل نفسه .. بات الحب بين مشاعرهم المدفون أكثر شفافية من قطرات المطر .. قُبلة تلي الأخرى فتخدر العقـل ورحل إلى واقعه وحضر القلب بجبروتـه .. كانت بين يديه دَافِئَة كالشَّمسِ كالحُبّ كاليلة مَليئة بالنجوم .. استسلم جبل الجليد تحت شمس الحب فانهـار .. أرخت يدها عن طرف منشفتها وذاب تتراقص كعود الريحان معـه ..
وصل الاثنان لمرحلة خيم فيها فطر الحب على عجاف مشاعرهم .. كل منهما أصبح عبارة عن كرة ملتهبـة من النار لا تنطفئ إلا من غيث الأخر .. حملها بذراعه السليـم متجهـًا إلى مخدعهم الشاهد على قحد أيامهم ، فارتخت سدول منشفتهـا حتى تجردت حبيبتـه من معالم الصلابة والقوة الاتي تسلحت بهما ..
“والبَدْرُ من فَرْطِ الجَمالِ دَنا لكِ
فاحْمَرَّ وجْهُ البَدْرِ من شَيء رَأى”
حقل جديد منها انفتح بين عينيـها ، لا تدري من هي وما وقع عليها وما حل بكيانها لتصبح بهذا الكم المريب من الضعف .. كانت رقتها تنافس رقـة الورد كأنها مقتبسـة منـه .. انفـرد بتملكها وهو يرتوي من كل وردة على حدى .. كل وردة كان لها نصيبها من الحب والقبلات .. تترنح من تحت يده كغصن يداعبه الهواء من فرط ما خيم على جسدها من مشاعر لم تعهدها من قبل .. مر الكثيـر والكثير من الوقت معًا .. يرتوي منها وترتوي منـه حتى أزفت لحظة امتزاج الأرواح فهمس بجدار عنقها بأنفاسـه متمتمًا :
-أنتِ أزاي جميلة كده !!
في تلك اللحظـة جاء صوت سيدة يصدح خلف الباب ففرق شملهم واستعادوا وعيهم :
-يا تميم بيه مش متعود تنام كل ده .. ست سهيـر مستنية تحت في المكتب !!
ثم طرقت الباب مرة أخرى :
-يا تميـم بيـه !!!
•••••••
“عودة إلى الاسكندريـة ”
وصل مراد وعاليـة إلى مكانٍ خلاب ، ككوخ بالطراز الكلاسيكي تحاوطه حديقـة كبيـرة من جميع الاتجاهات .. فسألته عالية المتعلقة بذراعه كالطفلة :
-أحنا جينا هنا ليـه ؟!
-هي دي المفاجأة اللي قولت لك محضرها ..
وقفت أمامه معاندة :
-فهمني طيب ؟!
أخرج المفتاح الخاص بالكوخ الذي قام بتأجيره
-حفلة جواز على الضيق مش فيها غير أنا وأنت وفرقة العزف لو ضايقتنا هنمشيها ..
ثم تقدم خطوتين إلى الداخل :
-واقفة ليـه ؟! تعالى .
طافت عينيها بالمكان الخشبي بانبهار وهي تشيد بإعجابها :
-الله يا مراد، المكان يجنن !!
قبل وجنتها سريعًا :
-ادفع عمره كله عشان بس أشوف الضحكة دي !
طالعته بحب :
-ربنا يخليك ليـا ..
ضمها إلى صدره وقال :
-هسيبك تجهزي ، في طاقم كامل لأمور البنات دي هيجي كمان ساعة ، أكون روحت الشغل خلصت كام حاجة ومش هتأخر عليكي ..
تشبثت في ذراعه بقلق :
-مراد خليـك متسبنيش ..
-حبيبتي مش هتأخر ، ساعتين بس مش أكتر .
ردت بتوجس :
-مش عارفـة ، خليك معايا وخلاص !!
داعب أرنبة أنفها :
-مش هتأخر .
ابتسمت بمرح وهي تلف ذراعيها حول خصـره وتسند رأسها على صدره قائلة :
-ربنا يخليك ليا بجد يا مراد .. أنا لأول مرة أحس أني عايشة ..
قبل شعرها وقال :
-ويقدرني وأسعدك يا حبيبتي .. يالا اسيبك تجهزي ..
فارقته بقلق يأكل قلبها وقالت :
-ماشي .. مستنياك متتأخرش ..
انصرف مراد وأخذت عاليـة تتجول في المكان وتكتشف تفاصيله بانبهار شديد حتى جذب أذانها صوت طرق الباب ، فركضت ملهوفة وهي تقول :
-نسيت أيه يا هندسـة ..
في اللحظة التي فتحت بها الباب فؤجت بفوج ملثم ، ملابسه باللون الأسود يجحبوا ضوء الشمس أمامها وما هتفت :
-أنتوا مين ؟!
فوضع المُخدر على أنفها لتسقط نائمة في نفسه اللحظـة .. تقدم أحدهم وقام بحملها على كتفـه وركضوا جميعهم نحو سياراتهم السوداء التي في انتظارهم ….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية غوي بعصيانه قلبي ) اسم الرواية