رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل السابع والخمسون 57- بقلم نهال مصطفي
أحذر عزيزي الرجل قبـل أن تسقط في بئر غرام إمراة مثلي :
-بأنّي امرأة لم تُخلق للنسيّان .. ستجدني أنتشي في ضِحكاتِك ، أُزهرُ في عروقك وأنبتُ من مسام جلدك .. واسكن بمعصمك وتطوينّي بينَ ذراعيك طيّ الكتابِ للورق ! أرافقك كظلك في كل زمان ومكان تقصده سأكون معك ..
الحب في قاموسي حيـاة ..
ليست مجرد كلمـات تزاحم الصُحف ..
~خُلق القلب عصيـًا 💥💥
••••••
“ريـاح الماضي مهمـا مرت عليها الفصـول لابد من مصادفتهـا لشتاء ينفض كل الأتربة المتراكمـة فوق صناديق أسرارنـا المدفـونة ليظهر الحق الذي حاولنـا قتله بجميـع الطُرق . ”
#فلاش_باگ
في الصباح الباكر دلفت سوزان غرفتها وهي تربط حزام منامتها الطويلة عندما أخبرتها الخادمة بمجيء مراد لعندها .. انقلبت ملهـوفـة إليه وهي تسأله :
-عرفت حاجة عن عاليـة يا مراد !!
ثم اقتربت منه ومسكت كفيه برفق وهي تشير نحو الصالون :
-تعالى أقعد واقف عندك ليـه .. طمني ، وصلت لعاليـة ؟
-عاليـة بخيـر ، ورجعت بيتها كمان .. قلت أجي أطمنك بنفسي .
تنفست سوزان الصعداء وقالت :
-الف الحمد لله على سلامتها .. فرحتني يا مُراد ..
ثم أكملت بنفس ذات اللهفـة :
-طيب هي فين ، أنا عايزة اكلمها اطمن عليها ..
رد بتريث :
-هتكون في القصـر ، ممكن بالليل تروحي تزوريهـا ..
عقدت حاجبيها بتسائل :
-مراد ، أنت عايـز تقول حاجة ! مش عارفـة حاسـة مجيتك وراها سبب تاني .
-بصراحة أيـوة ..
-خير يا مراد ، أحكي .
شرع مُراد في تعريـة القصـة المخفيـة بينه وبين أخيـه وسرد ما حدث أجبر كريم في إجراء تحليـل كهذا .. حتى ختم مراد حديثه الطويل الذي تلقتـه سوزان كقطرات من الغيث على تُربة قلبها الدال لها دومًا :
-حسيت أنك لازم تعرفي حاجـة زي دي ، خالتي عبلة بير أسرار .. وبصراحة مش عارفـة وراها أيه تاني ..
فاقت سوزان من شرودها أثناء مواجهتها للأفعى التي تتلوى باعتراضات ساخرة :
-أنتِ آكيد اتجننتِ يا سوزان !! مين طلع في دماغك الهبـل ده !! أنتِ فكراني هسكت وأعديها …
خيم على ذاكرتها عطر ذكرى صغيرتها التي رضعت منها عند مجيئها وبعدها فقدت رائحتها للأبد .. فباغتت عبلة بصفعة قـوية هبطت على وجنتها بكل قوتها حيث انفجرت صارخة :
-أنتِ فكراني هخاف من الشويتين بتوعك .. أنت خلاص يا عبلة أيامك بقيت محدودة أوي ..
ثم اقتربت منها بشموخ :
-عاليـة وهعرف أرجعها لحضني وأقولك إني مش هسيبك يا عبلة .. وهدفعك تمن كل دقيقة حرمتيني فيها من بنتي..
برزت هزيمتها في صوتها المرتفع المبحوح :
-وأنتِ بقا جاية لحد هنـا عشان تقوليلي الكلمتين الفاضيين دول .. أنت واحدة تعبانة في دماغها يا سوزان ، عايزة تاخد كُل حاجة..
-أنا ياستي زي ما بتقولي، بس اللي عايزه أفهمه بجد .. ليه كنتِ مكبرة في دماغك جوازي من عاصي ابنك !! كنتِ هتستفادي أيه .. أنا بجد نفسي افهم دماغك وتفكيرك المريض ..
خرجت عبلة عن صدمتها فأخذت تدفعها للوراء بجنون :
-امشي ، امشي من هنا مش عايزة أشوفك ، أنتِ واحدة طماعة عايزة تاخد ولادي مني ، بس مش هسمح لك يا سوزان ..
-مش هرحمك يا عبلة ، اتأكد بس وأنا هقتلك بأيدي ..
جاء فريد راكضًا عندما كان يراقب حديثهم من بعيدٍ عندما اشتدت نبـرة الصوت بينهم ، فانصرفت سوزان على الفور واقترب فريـد من عبلة :
-حصل ايه مالك ..
ردت بصوت هستيري :
-طماعة .. واحدة أنانيـة عايـزة تاخد ولادي مني !!
-طيب أهدي أهدي .. تعالى تعالى نشرب حاجة وأحكي لي .
•••••••
“أسيرُ القلب سجينًا ولو ضم براح الكونِ بين يديه .. سيظل تائهًا فلا يعلم إلى أين يذهبُ !! يشعر بغَربة الديار إن خلت من روح يألفها .. و عش عصفور يبهجـه مادام ساكن قلبـه برفقتـه ينعمُ . ”
كانت الساعاتُ تمر بِصعوبة جبال الأرض فوق قلبهـا .. دقائق بليدة وفارغةَ لا تعرف ما يمكن أن تفعله فيها لطالما كانت خاليـة من نور عينيه .. فكيف ستصرف شحوب ليلتها هذه الذي يجتاحُ روحها ..
-منمتيـش ليـه ؟!
أحست ” شمس ” بحركة ” حياة ” المُفرطة بجوارهـا ، فإن حل الليل جنح العناد للسـلم .. ويبدو أن حالـة من حالات الندم خيمت على قلبـها .. اعتدلت شمس على ظهرهـا وألقت سؤالها السابق بنبرة خفيضة بحيث لا تزعج أحد ، فتنهدت حياة بحيـرة واضحة :
-دي أول مـرة أبات فيهـا بعيد عنـه .. قلبي نفسـه يطير ونروحله ..
ثم نظرت للسقف بتمني :
-عايز يكسر السقف الفاصل ما بينـا .
انقلبت شمس للجهـة المُطلة عليها :
-للدرجـة دي بتحبيـه …!!
ابتسمت حياة بدهشـة :
-ليكِ حق تستغـربي ، أنا كمـان مستغربة .. عمري ما اتخيلت إني أحبـه ، تعرفي ؛ عاصي من بعيـد عامل زي البيت الفخم اللي كله أزاز .. بس لما تقربي منـه هتعرفي أد أيـه هو حنين لدرجة أن طوبـة صغيـرة قادرة تكسـره .
بللت شمس حلقهـا الذي جف متأثرًا بلوعـة العشق المدجج بكلمات حيـاة :
-ازاي عرفتِ أنك بتحبيـه !!
سبقت ضربات القلب كلمات اللسان .. فأمسكت حياة قلبها المتراقص تحت عظامهـا وقالت شاردة :
-معنديش فكـرة أمتى قلبي دق له أول مرة .. أنا فجأة لقيتني مش قادرة استغنى عنـه ، روحي متعلقـة بروحـه ، ببقى معاه طفلة مدلعـة بتعرف عليها وأنا معاه وبس ..
ابتسمت شمس باستغراب :
-عمري ما اتخيلت أن شخص زي عاصي تطلع منه المشاعر دي كلها … !!
-الحب بيخلق مننـا أشخاص تانيـة مابنتعرفش عليهم غير مع الشخص المناسب ..
شرعت شمس في البدء بحوارٍ جديد ولكنـها ابتلعت الكلمات بحلقها إثر صوت دق الباب .. نهضت حيـاة بتعجب لتفتح وانشغلت شمس في إلقاء الوشاح على رأسها ، تحت مظلة الاسئلة الحائرة الدائرة بينهم حول هويـة الطارق .. فوجئت حياة بعاصٍ يقف أمام الباب بملامحه الجافـة الخاليـة من أي تعبيرات يمكن أن ترضي حيرتها ، فاندفعت حاسمة قرارها :
-عاصي ، انسى أني اطلع معاك .. أنا هنام هنـا .
رد بجمود :
-اللي يريحك ، بس كنت عايز اسألك فين السـاعة الجولد بتاعتي ؟!
اتسع بؤبؤ عينيها بدهشة :
-والله !! حبكت دلوقت ؟!!
-عندي ميتنج مهم الصبح ، ولازم أحضرله من بالليل ..
ردت بغرابة :
-كان ممكن تختار أي واحدة غيـرها ..
رد ببراءة مفتعلة :
-مينفعش ، أصلي بتفائل بالسـاعة دي أوي ..
رفعت حاجبها بعدم تصديق ثم قالت متأففة بعد ما خيب ظنها في مجيئه لأجلها وهي تتأهب لقفل الباب :
-معرفش .. شوف أنت حطيتها فين !!
اتكئ تميم على السور الحديدي خلفه يراقب من بعيـد خطـة أخيـه .. وعلى المقابل منعت يد عاصي حياة من قفل الباب وقال بجدية :
-حياة الساعة دي مهمة أوي بالنسبـة لي ، لو سمحتي تعالي دوري عليهـا وبعدين انزلي تاني براحتك ..
همست بنبرة خفيضة بحيث لا تصل لآذان صغاره :
-عاصي أنت بتهرج صح !! ماتشوف حطيتها فين ، من أمتى أنا بقرب من حاجتك .
-حياة مش وقت عناد ، تعالى شوفي لي السـاعة فين وانزلي كملي نومك ..
أغمضت جفونها متأففة وهي تنظر لشمس خلفها فقالت بخفوت :
-هروح أدورله عليها وراجعـة ..
ثم تركت الباب مواربًا خلفهـا وسبقتـه الخُطى وهي تضرب الأرض بقدميهـا كالأطفال .. سار عاصي ورائها وهو يغمـز لأخيه ثم همس له بتفاخـر :
-هفضل أعلم فيك لأمتى !!
أشاد تميم انبهار بخدعة أخيه قائلًا :
-مدرسة مدرسـة مفيش كلام !!
شمر عاصي أكمامه بحماس ثم اكمل طريقـه لغُرفتـه .. وتحرك تميم هو الآخر لزوجته كي يُطبق خطة أخيـه .. طرق الباب بخفوت ثم فتحه ببطء فوثبت شمس متقدمـة نحوه عاقدة ذراعيها أمام صدرها وقالت متأففة :
-نعم !! أنت كمان في ساعة ضايعة منك مش لاقيهـا ؟!
حك رأسه قائلًا :
-كان عندي شراب رمادي بخطين سود ، فينـه ؟!
حدجته ساخرة :
-تميم .. أنت فاكرني هبلة زي حياة وهيدخل دماغها الكلام الفارغ ده ؟!!
رد باندفاع :
-ومتبقيش هبلة ليه ؟!!! قصدي ما هي دخلت على حيـاة ، مش أنتوا كبنات كل أفكاركم واحدة ..!!
هتفت بتمرد :
-تميـم عايز أيه !!
تقدم خطوة إليها وقال :
-ممكن نتكلم شوية !!
-هنتكلم في أيه ؟!
تميـم متعمدًا إثارة غيرتها :
-يعني مش عايـزة تعرفي سُهيـر كانت عايزة أيه !!
-والله !!
ختمت كلمتها بصوت قفل الباب بقـوة بوجهه بدون سابق إنذار مما جعله يتلفت حوله يتأكد من رحيـل عاصي كألا يكون محلًا لابتزازه .. وقفت شمس وراء الباب تكتم ضحكتها التي نجحت في إخفاءها عنه ثم قالت بنصر :
-خلي ست سهيـر تنفعـه ..
~” بالطابق الأعلى ”
فتحت حيـاة الدرج المخصص للساعات فوجدت ما يتسائل عنه أمامها ، فأغمضت جفـونهـا معترفة بحماقتهـا وهضمها لأكذوبته .. قفلت الدرج بهدوء ودارت إليه بنيـران غضبها الملتهبـة فوجدته يحكم غلق الباب بالمفتـاح .. اندفعت إليـه باعتراض:
-فاكر أنك لمـا تقفل عليـا بالمفتاح مش هعرف اخرج ..
تجاهـل جمر غضبها المتناثر وتقدم بهدوء ناحيـة الشرفـة والقى منها المفتاح :
-وريني هتخرجي أزاي ؟!
وضعت يديهـا في خصرها وهي تُراقب هدوئه وبروده .. وتجاهله المفتعل لوجودها خاصـة بعد فتحه لجهاز الحاسوب مواصلًا عملـه .. أخذت تفرغ غيظهـا المتوقد بساقها المهتزة بسرعـة .. أطلقت ثاني أكسيد كمدها ولجأت لاستنشاق أوكسجين كيدها الأنثـوي .. استقبلت هدوءه برجاحـه .. وتغافلت عن تجاهله المصطنع .. ونوت أن ترد له الصاع صاعين ..
فتحت خزانـة ملابسها وأخرجت منها منامة من الستان متكونة من سروال قصير للغايـة ، وسترة من نفس اللون بدون أكمـام .. ثم استكملت جمـع مستلزمات زينهـا وهي تدندن ببعض الأغانٍ الغير مفهومة بالنسـبة له ، فانقلبت نظرات الشماتـة لأسهام من الفضول عما ستنتـويه .. فتململ في جلستـه قائلًا في نفسه :
-أنا اللي جبتـه لنفسي ..
حملت حيـاة أغراضها وتوجهت نحو المرحاض بصمت مريب بثّ التساؤل بقلبـه وهو يشجع نفسـه :
-أجمد كده عشان شكلها أعلنت عليك الحرب ..
~” بالطابق السُفلي ”
دقت شمـس باب غُرفـة تميـم بعد حيـرة طويلـة وتفكيـر متقلب ، استقر طقسها أخيرًا على فصـل الإنصات .. ومنحه فرصـة جديدة .. لا تغرسوا الإهمال المتزايد في القلوب ، فتحصدوا الرحيل ، ولا تراهن على شديد التعلق بدوامه ، فحين يُجرح يصبح شديد التخلي بنفس القوة ذاتها في تمسكه ..
كان جالسًا على الأريكة غارقًا في تفكيـره حولها حتى أشرقت شمسها على غرفتـه مرة ثانية، تقدمت بخطوات مترددة بعد قفلها للباب بهدوء حتى جلست بجواره بتشتت ينبعث من ملامحها المهزوزة :
-كانت عايزة أيـه سهيـر ؟!
تحجرت ملامح تميم تحت تراب الصدمة محاولًا استيعاب حقيقـة مجيئها ، ما بين مد وجزر شفتيه قال :
-كانت بتأكد علي حضور ميتنج بكرة ..
رفعت حاجبها بعدم تصديق :
-وبس ؟!!!
رد بتلقائيـة :
-اه والله العظيم ..
ضحكت بهدوء على طريقته :
-من غير ما تحلف .. هصدقك .
ثم أخذت تفرك في كفيها منتظرة إقباله على فتح المزيد من الحديث ولكن دون جدوى ، فبادرت قائلة :
-لقيت الشراب ؟!!
-ااه كان مستخبي في الدرج ..
ثم تنهد متحمسًا وهو يميل ناحيتهـا :
-أسف يا شمس لو بستعجل حاجـة أنتِ مش مستعدة ليهـا .. بس مش عارف أزاي ممكن أهدم السور اللي مابينـا وأنا مش عارف أنتِ عايـزة أيه !
ثم مسح على رأسهـا معتذرًا :
-مش هعمـل حاجة ممكن تضايقك تاني .. تصبحي على خيـر .
طوى جرائد اشتياقه لها في صدره ولجأ للنـوم كي يحميه من نفسـه .. وثب قائمًا نحو فراشـه بعد ما رمى الكرة في ملعبـها وتركها فريسـة بين فكي الندم وجلد الذات .. مرت دقائق طويلة حتى نزعت حجابها وتخلصت من سترتها الطويلة التي تخفي منامتها القطنيـة .. اقتربت منه ثم قفلت باقي الأنوار ومددت على ظهرها بجواره بهدوء لا يتناسب مع صخبهـا ..
أخذت تطالع السقف بدمعـة منثقة من طرف ماضيهـا وقالت :
-أنا اتربيت في بيت بيتعامل مع الحُب كأنه وصمة عـار هتفضل ملازمانا طول العمـر .. بابا طول الوقت كان عنده هواجس أننا لما نكبـر ممكن نكرر خطأ عمتي اللي لمـا كانت سيرتها تيجي الكل بيتكهرب ، يعني أيه تحب وتهرب مع حبيبها !! لكن تتجوز راجل أكبر منها بعشرين سنـة هو اللي عادي !!
اعتدل تميـم على جنبه المطل عليهـا مستمعًا إليها باهتمام يلمع بعينيـه ، فأكملت :
-أنا معرفش يعني أيه حب ومشـاعر ، حتى ماما كانت طول الوقت بتتعامل معانا على أن بابا ده الرجل المخيف اللي لازم نعمله حساب في كل كلمـة ، الصوت ، الكلام ، اللبس لازم يكون واسع ، ولمـا كبرت شوية وبدأت تظهر عليـا التغيرات الطبيعية بتاعت البنات بقيت تتعامل معايا على أن ده جريمـة لازم أخجل منهـا ..
كسا البكاء نبرتها وأكملت :
-ماما كانت من الستات اللي لازم طرحة وعبايـة في البيت ، وبقيت تدخل في دماغي أني كمان لازم أبقى زيهـا .. كانت بتربينا على خوفنا من بابا مش احترامه.. طفلة زيي مكملتش ١٢ سنـة كانت بتتحجب برة وجوة البيت ، متخيل ! كنت دايمـا بدفع تمن حُب عمتي وأنا معملتش حاجة ..
جاءت لتكفكف عبراتها فسبقتها أنامل تميـم الدافئة ، تنهدت بحرقة وأتبعت :
-لما اتوفـوا بقيت نسخة مصغرة من ماما ، بقيت بعمل مع نوران كل اللي اتعمل فيا بس تيتا الله يرحمهـا كانت تعارضني دايمـا وكويس أنها عملت كده .. نظرتي لكل الرجالة كأنهم أعدائي يا تميـم ، أنت جوزي بس أنا غصب عني جوايا مخاوف كتيـر مش عارفة اتخلص منها .. أنا واحدة معرفتش الحب غيـر من الكُتب واستكفيت بيـه كده ..
ضم كفها بحنو :
-ليـه ما قولتيش كده يا شمس !! ليـه مفتحتيش قلبـگ واتكلمنـا وحاولنـا ننسى الموضوع ده مع بعض ..
ردت بشفاه مرتعشـة وهي تنقلب على جانبها تجاهه :
-حالتـي ملهاش علاج يا تمـيم .. أنا بقيت خايـفة ، وكل الرجالة في نظري هما بابا وجوز عمتي ..
فسألها :
-بس وأنتِ معايا أنا محستش إنك خايفـة مني ، بالعكس ..
اتسع بؤبؤ عينيها بدهشـة :
-أزاي !!
أخذ يداعب وجنتها بحب حتى جذبهـا إلى حضنه كي تتخذ منه متكئًا لوجعها :
-مش مهم ، المهم دلوقتِ أنك تبقي أحسن .. وأنا معاكي لحـد ما توصلي لبـر الأمان ..
ما أصعب أن يكون المرء مُرتابًا ، يمضي حياته لا يُصدِق شيء
تمُره الابتسامات يظُنها إهانة .. تعبُره الوجوه كأنها اطاراتٌ تدهسُه .. تُحدِق به الأعين كأنها سهامٌ تخترِقُه ، ما أصعب أن يكون المرء خائِفًا .. يمضي حياتُه محاولًا أن يستجدي بشخصٍ ما يأمنه .
~”عودة إلى غُرفـة عاصي بالطابق الثالث .”
خرجت حياة في كامل أناقتها وزينتـها من المرحاض متجهة ناحيـة المرآة لتدلل خيوط شعرها أمامه وترفعه على هيئة ” كعكة ” بحجم رأسها .. تسللت أنظاره إليها من وراء شاشة الحاسـوب فتحمحم مرتابـًا مندهشًا من جمالها الساحر :
-شكل ليلتنـا صباحي ..
قفل الحاسوب مزفرًا بحماس ووثب يتجول حولها كدبور يدور حولة زهرة الزعفران .. نظرات متأرجحـة كانت من نصيبها فاستقبلتها بتجاهل تام وهي تمسك بطلاء الشفاة الأحمر القاتـم وتمرره فوق ثغرها ليصبح عبارة عن ثمرة كزر تزيدها فتنـة ..
وقف بجوارها محافظًا على ثباتـه بصعوبـة .. سحب جرار معطفه القُطني فبرزت عضلات صدره المنحوتة فوق عظامـه .. نزع سترته ووضعها على المقعد الذي تجلس عليـه .. أمسك بزجاجة عطره ونثـر القليل منها على جسده ثم بين راحتي يده وحكهم ببعض ثم مسح على وجهه ..
ألقى عليها نظرة خبيثة فلم يجـد منها أي اهتمـام .. نهضت من مقعدها متأففـة متجهة صوب السرير .. وقفت حائرة للحظات ثم غيرت اتجاهها وهي تسير متدللة تحت عينيـه وأخرجت من الخزانة لحافًا ووسادة إضافيـة .. وقامت بافتراشهم بالأرض بجوار مخدعـه .. ثم مددت فوق ما فرشتـه فبرزت صحن بطنها المنتفخ قليلًا بصورة مغريـة تتناسب مع قوامها الفاتن .. وضعت كفيها فوق بطنهـا وقفلت جفونهـا بدون إلقاء نظرة واحدة عليه ..
عقد حاجبيه متحسرًا وهو يقتنصها بعدسته الملتهبـة :
-يعني الحلاوة دي كلها للأرض في الأخر ..
تململت في فراشها قليلًا متأففـة بضيق ولم تجيبه ، اكتفى بابتسـامة خبيثـة وهو يرقد في مخدعه متعمدًا إثارة غضبها :
-تعرفي أن نوم الأرض مفيد للحوامل اللي زيك .
انفلقت عينيها بنظرة مطولة حادة تعمد تجاهلها مطلقًا صفيـرًا قويًا وهو يتفقد هاتفـه ، أخذت تنتظر قدومه لإرضائها ولكنـه خيب ظنها .. نهضت فجأة وأمسكت وسادتها وعادت إلى مكانها الخاص بجواره .. وضعت الوسادة كالحد الفاصل بينهم ونامت على طرف السـرير بجانبـه .. أطلق ضحكة مسموعة :
-يعني المخدة دي اللي هتحميكي مني !!
ردت بضيق :
-مش بكلمك ..
ترك الهاتف من يده ووضعه بجواره على الكمود وقال :
-مش مهم ، المهم إنك تحت عيني ..
زفرت بضيق ثم وثبت مقتربـة منه حد تلامس أنفاسه لعظام ترقوتها قاصدة أخذ هاتفـه بدون إذنه ثم عادت لمرقدها مرة أخرى .. رمى الوسادة الفاصلة بينهم أرضًا ثم قال هامسًا :
-وبعدين في فـرك القُطط ده !! عايز أنام .
-براحتي .
-يعني مش تحرش !
-قُلت مش بكلمك !!
ردت بتجاهل وهي تُقلب في هاتفه باحثة عن شيءٍ ما حتى عثرت عليـه ، فعلت ما أخذت الهاتف لأجله ثم أرجعت الهاتف كما كان بنفسه الطريقـة التي أشعلت حممه البركانيـة أكثر ..أخذت تتقلب بجواره حتى نفذ صبـره فلم يعد يتحمل المزيد من كبت حبهـا ، ولكن لكبريائه رأي آخر..
ألقت عليـه نظـرة فوجدته مغلق العينين .. انثنت أصابع قدميهـا وهي تتحسس بطنهـا ثم سألتـه :
-مش متعود تنام بدري كده !
رد بجمود :
-مفيش حاجة أسهـر عشـانها . . وأنتِ مش بتكلميني ، هسهر أعد نجوم الليل لوحدي ؟!
تقلبت كأن ما تنام فوقه لهبًا ولست قطنًا :
-متأكد !
أصدر إيماءة خافتـة جعلت تزفر باختناق ، رفعت ثوبها قليلًا وشرعت في مداعبة بطنهـا التى تتوق شوقًا لقُربه حتى نفذ صبرها فلكزته بعتب :
-طيب مش هتصالحني ؟!
اتسعت ابتسامتـه وهو يفتح عينيه بلهفة :
-لو صالحتك هتزعلي .. فخليني ساكت أحسن .
مالت عينيها نحوه باستغراب :
-ده اللي هو أزاي !!
اقترب منها أكثـر :
-طالعة تجنني الليلة دي ..
-الليلة دي وبس ؟! وبعدين وسع كده أنت فهمت غلط .
عاصي بجفون متدليـة وهو يداعب أرنبـة أنفها :
-وأيه الصح ؟!
-قصدي تتكلم معايا وتعتذرلي وتعترف بخطأك .. وأنا هحاول انسى واسامحك ..
-لا أنا مابفهمش في الكلام ده ، أنا راجل دوغري .
مد يده لشعرى المطوي وحرره كحريتها في بين ذراعيـه ، أخذ يدنو منها تدريجيًا صارخة بدلالٍ :
-لا .. لسـه زعلانـة منك ..
-سيبيني أشوف شغلي واصالحك بقا !
استقبلته بأنفاس محرقـة فسألتـه وهي تندس تحت خيمته بصوتها الطفولي بنظرات تستقبله برجاءٍ لـ يأخذها في نزهة لدهاليز خيالهما اللذيذ :
-ليك كذا يوم بعيـد عني ، أنت بطلت تحبي ؟!
رد متيمًا بمخدر قُربها :
-خوف عليكي مني مش أكتر .. بس واضح كده مفيش مفـر منك .
اندست أناملها بين جدائل شعره بهيام :
-عاصي أنت وحشتني بجد ..
-وأنتِ كمـان .
انحنى فوق رائحة عطرها الذي يعد بالنسـبة له نبيذٌ يُسْكِر رئتيه
ليحتسيـه شهيقًا شهيق .. أغمِضا الثنائي عيونهما ، شرع بمسك خصرها لتراقصه يداه .. مع ألقِاه بكلماتٍ على مسامعها لا يعيش سحرها غيرهم .. ظلت تسقط بين يديه شيئًا فشيئًا ، لم يكف عن شدها إليه .. عن الاندساس بين تفاصيلها التي تسحره .. جعلها تتوه بين يديه ، تسافر بعيدًا إلى عالمها بصرخـة مكتومة بين شطي حبه كأنها تريد تدوين هذه الليلة التي ستطلق عليها اسم ” ليلة التعافي ” وهي تروي روحها منه ، وكأنها تخبـره بلغة جسدها المتحرر في مجرى عشقه :
“أريد جُرعتيّ مِن حُبگ وعينيك الآن ”
•••••••••
كأس من الخمـر وراء الآخر كانت تتجرعـه عبلة بجنـون مغيبة عن الوعى تهذى بكلمات غير مفهومة فاستغل فريد سُكرها وقال :
-هي ازاي المجنونة دي تكلمك كده ، أنا هوديها في داهيـه السـت دي .
تمايلت عبلة بسُكر :
-أنا لازم أرجع القصر ، مش هسيبه لشـوية عيال يمرحوا فيه .
شجعها فريد :
-طبعا ده بيتك ومحدش يقدر يخرجك منه .. بس قوليلي قصدك أيه بتخطف عيالك !
تجرعت عبلة كأس آخر من النبيذ وقالت ضاحكة :
-فاكرة بعد ما ربيت عاليـة وكبرتها هتيجي هي وتاخدها على الجاهز ..
-وتاخد عالية منك ليه ..
ردت عبلة بدون وعى :
-عشان بنتها .. عالية بنت سوزان وانا أخدتها وكبرتهـا وبقيت بنتي أنا مش بنتها هي ..
شد فريد مقعده واقترب من عبلة ليكمل فقرة استدراجها :
-يعني عالية مش بنتك ؟!
خرت عبلة ضاحكة بتغيب عن الواقع :
-وعاصي كمان مش ابني .. بس أنا ربيتهم وكبرتهم يافريد عشان يبقوا الورقة الرابحة اللي أخد بيها كل حاجة في الأخر .. سوزان بقا جاية تهد كل ده على دماغي .
تحمس فريد بمكـر وهو يفتح تسجيل هاتفه :
-قولي كده من الأول أيه حكاية عاصي وعالية ..
••••••••
في كل مرّةٍ أكون فيها بجوارك، يخجل القلب أن يفكر في الغد وما يحمِله من هموم، لقد اجتمعت فيك معاني الرفقة الحقيقيّة، وكنت أرى شعوري الخائف، يزول باطمئنانٍ وهو يتآلف مع خدشٍ سبّبته له الحياة، يزول سريعًا لأنك برفقته .
” بَيننا وَرد وَ أغصان وَ شوارِع وَ حُبّ ..”
خرج عاصي من الحمام برفقتها بعد ما أخذوا حمامهم الدافئ سويـًا .. وشرعت في ارتداء ثياب جديدة وكان هو الأخر مرتديا ” برنصًا ” باللون الأزرق ويقف امام المدفأة يدخن سيجارتـه ..
اقتربت منه ودفنت أنفاسها بجدار عنقـه معبرة عن حالة العشق التي عاشتها تحت ظله .. فشد يدها لمستوى ثغره وقبلها بحب ، فهمست إليـه :
-قوم ألبس حاجة تقيلة عشان متاخدش برد ..
ثنى لفافة تبغـه بمنتصف المطفأة وجذبها لعنده كي تجلس بجواره وأخبرها :
-أعملي حسابك بكرة في ميعاد عند الدكتورة عشان نطمن عليكي أنتِ والبيبي ..
اقتربت منـه وسألته :
-عاصي أنت بجد متحمس للبيبي ده ونفسك تشـوفه وتحضنه زيي بالظبط ..
-وأكتر كمـان ، كفاية إنه منك ..
-طيب سؤال تاني ومعلش استحملني ..
طبع قبلة بنتصف جبينها وقال :
-أنا كلي ليكِ .
طالعته بامتنان :
-مفيش أخبـار تطمني على أخواتي ؟! يعني …
أمسك بذقنها بحب لتلتقي أعينهم :
-أخواتك بخيـر وأعملي حسابك قُريب أوي هتشوفيهم ..
-أوعي تكون بتقول كدة يا عاصي عشان اطمن وخلاص ..
-عاصي دويدار كلمتـه سيف يا سيلا ..
عقدت حاجبيها باستغراب :
-أول مرة تقولي سيلا !!
-لأنك النهاردة شبه البحـر ، وأنا غرقان في كل تفاصيلك .. ده غير التقلبات المزاجيـة اللي أنت فيها ، فـ أنا حاسس أن رسيـل هي اللي قُدامي ..
داهمته بتغنج :
-ياسلام .. وأنت بتحب رسيل أكتر ولا حياة ..
شرد بعيونها غارقًا :
-رسيـل البنت الشقيـة المجنونة اللي قادرة تبهرني كل مرة .. وحيـاة هي الحضن الدافيء اللي بهرب له من دوشة العالم بره .. يعني نقدر نقول إني واقع في غرام الاتنين .
”مُجرد حديث بسيط منك أشعُر و كأنما نجمة تُضيء بداخلي”
بادرت بتقبيله كـرد على مدحه فقطعهم صوت رنين هاتفه الذي كان من أمن القصر :
-في أيه ؟!
-عاصي باشا ، في أوردر أكل هنا باسم معاليـك ؟!
يبدو عليه الاندهاش :
-أنا مطلبتش أكل ..
فتدخلت في حواره بهمس :
-انا طلبت سمك من شوية ..
طالعها باستغراب فبررت بهدوء :
-نفسي فيه ، الله !!
رد على الحارس :
-حاسبه وخده منـه ..
-بس يا فندم ده بـ٩٠٠٠ جنيـه ..
رد متعجبًا :
-ليـه ؟!
ثم سألها :
-أنتِ طلبتي أيه ؟!! يعني ده بجد ؟!
حياة بدلالٍ :
-مش كتير ، هي صنيـة كان عليها أوفـر ..
قفل عاصي مع حارسه باختصار :
-نازلك .. خليه يدخل لجوه .
أخرج المفتاح البديل من خزانتـه ثم هبط لأسفل ليتسلم طلبهـا الغامض والمفاجئ .. ظلت تستعد لاستقبال وجبة الأسماك البحريـة بفرحة عارمـة حتى عاد عاصي حاملًا بيده العديد من الحقائب .. وضعهم فوق الطاولة مذهولًا :
-حياة أنتِ مقتنعة أنك هتاكلي كله ده ؟
أخذت تفتح في الحقائب وتتلهف الأكل بحماس :
-ااه أنا والبيبي .. أصلي جعانة أوي .
-هنا وشفا يا حبيبتي ، بس ده أكل يكفي ١٦ فرد .. وأنتوا اتنين ؟!
تجاهلت تعليقه وجلست على الطاولة لتلتهم الأسماك بانتشاء رهيب جعله يجلس في الزاويـة يُراقبهـا .. طريقة تناولها للجمبري الذي تعشقه .. والاستاكوزا والأسماك المختلفة التي تعشقها .. ظل يتابعها بصمت حتى تجاوزت الحد الطبيعي للطعام فاقترب منها :
-حياتي الأكل موجود بس كفايـة عشان متتعبيش ..
-جعانة يا عاصي .. بص دوق الجمبري هيعجبك أوي ..
-حياة كلتي زيادة ، بكرة هجيب لك تاني بس عشان كده أوڤر ..
تجاهلت أوامره ثم عادت لالتهام شوربة ” السي فود ” بجنون :
-دي أحلى شوربة أكلتها بجد ..
••••••••
~” ظهرًا ”
دخلت ” شمس ” الغُرفـة الخاصة بعاليـة وأختها وظلت تفتعل العديد من الأحاديث الغيـر منمقـة حتى غادرت نوران ، فانفردت بعالية جنبًا وقالت لها :
-عاليـة ، أنا محتاجـة مساعدتك !
-خيـر يا شمس ، مالك ؟!
لُطخت وجنتها بحمـرة الخجل :
-كنت عايزة أروح أي بيوتي سنتـر ، ومفيش غيـرك ممكن يسـاعدني في ده ..
اتسعت ابتسامـة عاليـة بحماس :
-بس كده من عينيـا ، حابة نروح أمتى ..
-بصي عاصي أخد مراته وخرجوا وتميـم كمان خرج ، تيجي نروح دلوقت ..
فكرت عاليـة طويلًا :
-مش عارفة ، عاصي هيوافق طيب ؟! بصراحة خايفـة يعمل مشكلة ماصدقت أقنع مراد يهدا لحد عاصي ما يغير رأيه .. مش عايزاه يعند معايا أكتر ..
-أنا هكلمه ونشـوف رأيه ..
رمقتها عالية بنظرة خبيثة :
-طيب لو وافق يعني .. فلنفترض مثلا يعني ، اكلم مراد أقضي معاه وقت لحد ما تخلصي ..
تمايل الفتيـات بمرحٍ :
-ماشي ياستي ، هداري عليكِ أهو ..
-طيب يلا يلا كلمي عاصي بسـرعة نشوف رأيـه ..
•••••••
~بالمطبخ
-“كوباية قهوة يا سيدة ”
دارت نوران إليه بغضب لخلو المطبخ من الخدم ولن يوجد غيرها :
-للدرجة دي مفيش نظـر !!
جلس كريم على طرف المقعد الخشبي :
-نوران .. عاش من شافك ..
ردت بثقـة :
-طبعًا .. ده يعيش ويرقص كمان ، هو أنا شوية ..
-لا شويتين تلاتـة .. المهم هشرب قهوة مظبوطة من أيدك ولا واقعة في ده كمان ؟
ردت بحزم :
-قوم أعمـل لنفسـك ، ولا اتشليت ؟!
تمتم متعجبًا :
-اتشليت ؟!!
-ااه لما تتشل هابقى اكسب فيك ثواب وأعمل لك .
نهض كريم واقترب منهـا بخفة وهو يبحث عن القهوة ولكنـه باغتها بهجومه المفاجئ وهو يدنو منها لتصبح تحت أنفاسه ظهرها للحائط قائلًا بتلقائية :
-من غير لف ودوران وكلام كتيـر ، أنا شكلي وقعت على عيني وأعجبت بيكي ، لو موافقـة قوليلي وهكلم تميم واطلب أيدك منه ..
قيـل قديمًا عن تمرد الفتيات في الحب :
“لا تأتي إليّ دعيني أحب العالم، في السير باتجاهك”
ربما تعجل كريم في عرض طلبـه .. ما زالت تحت سطو صدمتها لا تعي ما يقصده :
-هاا .. لا مش موافقـة ..
-يبقى هكسـر دماغك دي لحد ما توافقي .
هاجمته قائلًا :
-أنت قليل الأدب .. وابعد كده أنت ازاي تقرب مني كده ، لما تميم يرجع أنا هقوله على فكرة .. أنت فاكرني أيـه واحدة من البنات اللي تعرفهم !!
وضع كفه على ثغرها لتكف عن الثرثرة :
-ايه بوتجاز ؟! نوران افهميني انا الدنيا ملخبطة معايـا وعايز أعرف راسي من رجليـا ، فلو سمحتي نتكلم كلام ناس كبيرة وعاقلة .. ها قولتي أيـه ؟!!
ثم رفع يده من فوق فمها منتظرًا ردها :
-عايز تقول أيه ؟!
-في مشاعر جواكِ ناحيتي ولا لا ؟!
ارتبكت قائلة متجاهلة قلبها الذي يصدح :
-كريم أنا لسه صغيرة ومش بفكر في المواضيع دي ..
-نعم ياختي ؟! أنت لسان بس يعني ؟!!! نوران اتظبطي بدل ما اظبطك .
انفجرت بوجهه مستلذة بتمرد الأنثى المراهقـة بداخلها :
-واضح أنك مش جاي تاخد رأيي ، أنت جاي تسمع اللي على هواك وبس ..
رد بخزى :
-افهم من كده أنك رافضـة يكون ما بينـا حاجة رسمي بعد امتحاناتك !
ردت مشدوهة :
-هااه ؟!!
مسح على وجهه بنفاذ صبر :
-هي بتطلب معاكِ غبـاء في أهم سؤال ؟!!!
بللت حلقهـا الذي جف وأخذت تلوح بيدها لتطفيء لوعة وجهها الذي يشع نارًا ونورًا .. فكان ينتظر ردها على أحر من الجمـر ففرقت جمعهم سيدة وهي تهتف بصوت مرتفع :
-تأمر بحاجة يا سي كريم !
•••••••••
وصلت عاليـة وشمس إلى صالون التجميل النسائي ، حيث استأذنت عاليـة منها بذهابها مع مراد إلى أن ينقضي عملهـا .. تقدمت شمس إلى الداخل بخطوات خائفة مهزوزة فأول مرة تأتي لمكان مثل هذا حتى جاءت الموظفـة وأشارت لها على الغرفة ، فأوقفتها شمس بخوف وهي تراقب حرية السيدات بالداخل :
-استنى ، أنا مش هقدر ألبس كده زي الستات دي ، لو سمحتِ عايزة أوضة خاصة بيـا ..
ابتسمت لها الفتاة بهدوء :
-متقلقيش .. المحجبات بيكونوا لوحدهم في مكان مقفول .. اتفضلي .
خرجت عاليـة لمراد الذي ينتظرها بالخارج وقفزت بداخل سيارته معبرة عن فرحتها :
-مبسوطة أنك جيت !
حرك مراد السيارة ولف مقود السيارة متأهبًا للذهاب :
-لغيت ميتنج مهم عندي عشان عيونك .. تحبي نروح فين ؟
-ممكن نلف حبـة كده بالعربيـة ، أيه رأيك ؟
-يا سلام بس كده !! أنتِ تؤمري أمر .
مسكت يده بامتنان ثم أخبرته بحياء يتقاذف بحمرته من وجنتيها :
-وحشتني على فكرة ..
أجابها ممازحًا :
-ما بلاش الكلام اللي يخلي الواحد يروح يدغدغ راس عاصي أخوكي .. أنا محترمه بس عشانك .
اكفهر وجهها بعتب :
-اتكلم على أخويا كويس ..
-سكتنا خالص ، وغيري السيرة دي بقا .. ااه بالمناسبة هقابل تميـم النهاردة عشان نحكي في موضوعنا !
زفرت بتمنى :
-يارب بقا يعرف يقنعه .. مراد عايزة اسالك سؤال ..
-قولي ؟
-أنت وتميم كنتوا صُحاب أوي .. وافتكر عاصي كمان كان الكبير وكنتوا عاملين عصابة في النادي ، أنتوا اتفرقتوا ليـه ؟!!
تنهد مراد متذكرًا مرارة خسارته لرفاق عُمره ثم قال بوجع :
-في بيتنا هابقى أحكي لك ..
-وليـه مش دلوقتِ ؟!
-عشان مش حابب افتكر حاجة تضايقني .. ممكن .
-لا خلاص براحتك ..
ثم غيرت مجرى الحديث متدللة :
-هتعزمني على أيه بقا ؟!!
-كل اللي نفسك فيـه .. شاوري بس ..
ختمت جملته بصرخة حماس منها وهي تهتف بسرعة :
-مراد اقف اقف هنا ..
صف سيارته جنبًا :
-اي الجنان ده ؟!! في ايه .
-تعالى انزل .
-هنروح فين ؟!
-انزل بس ..
سبقتـه الخُطى لتدخل إلى أحد المتجرات الخاصـة ببيع ملابس للمحجبات .. دخل خلفها متسائلًا :
-أحنا هنا ليـه ؟!
طافت عينيها اللامعـة بالمكان بحماس رهيب ثم دنت منه قائلة :
-في خطوة أجلتها كتيـر في حياتي، تسمح تشجعني وناخدها سوا ؟!
-خطوة أيه دي ؟!
دنت منه خطوك إضافية وهي تمسك كفيه :
-مراد ، أنا عايـزة اتحجب ..
”عندما يشعر الإنسان بالمحبّة تتغير جودة الأيام في عينيه للأفضل، تزهو اللحظات، وتتمدد الراحة في كل لحظة، لا يطلبُ المرء أكثر من هذا.. محبّة صادقة دون حاجة أو دافع ..”
لم يصدق مراد مسامعه حتى كررت حديثها مرة ثانيـة فضمها إلى صدره ودفن أنفاسه بشعرها معبرًا عن فرحته :
-حقيقي ده هيبقى أحلى خبـر ؟!
-يعني موافق ؟!
-وأنا بردو ينفع أرفض حاجة زي دي !! أنا الود ودي اخبيكي جوه قلبي والله عشان محدش يشوفك غيري .
-طيب يالا بقا تعالى ساعدني نختار سوا ..
•••••••••
يقود عاصي سيارته عائدًا من عند الطبيبـة وتجلس حياة بجواره تحمل صورة جنينها بسعادة لا توصف ، فسألتها بشغف :
-سمعت صوته النهاردة .. أنا كنت فرحانة أوي وهو بينبض كده جوه بطني ..
ثم أمسك بكفه وأكملت :
-عاصي أنا النهاردة شوفت لمعة في عيونك حلوة أوي أول مرة أشوفها .. ده بجد ولا متهيألي ؟!!!
ابتسامة خفيفة شقت ثغره وقال متأثرًا :
-أنا بعيش معاكِ كل حاجة وكأنها أول مرة يا حيـاة .. أول مرة أعيش لحظة إني هبقى أب من غير خوف ، أن يكون لي ابن من البنت اللي هربت من خيالي واستخبت في حضني .. أنا حاسس إني ملكت الدنيا بيكي ..
-لا استنى كده ، عاصي أيه الكلام الحلو ده ؟!! أنا مش مصدقة ..
رفع كفها لمستوى ثغره وقبلها ثم قال :
-الكلام كله طالع من جوايا، حتى لو مش مترتب بس أنتِ حساه ..
-طيب بالنسبة أنك فرحان وكده ينفع استغلك ومتأكد أنك مش هتزعلني وترفض ..
-طلب أيه ده ؟! سمك تاني ؟!
عاتبته :
-بس بقا متفكرنيش عشان انت وزعته على رجالتك وأنا كان نفسي فيه ..
-هجيب لك تاني ..
-بس بصراحة مش هو ده طلبي ..
-اومال ؟!
غمغمت بصوت خفيض :
-عاليـة ..
احتدت نبرته :
-حيـاة ؟!!!!!!
-عاصي ، اسمعها واسمعه واديهم فرصه أخيرة ، متقفش في طريق سعادة انسان بيحب .. الحب رزق ربنا لقلوبنا على الأرض .. هتيجي أنت وتمنع ده !
رد مسايسًا :
-ااه هشوف ان شاء الله .
-عاصي ..
رد بحدة :
-قلت هابقى أشوف يا حياة ..
-بحبك ..
ثم عادت لتحضن الصورة الضوئية التي بيده وهي ترمقه بأعين متوهجة كالنجوم بصحبة رجل مثير مثله .. جاءه اتصال هاتفي من رجاله ، فأجاب بحرص :
-فينكم ؟!
-أخوات الهانم كلها نص ساعة ويكونوا في القصـر ..
-عظيم.. وأنا في انتظاركم ..
أمام بوابـة القصـر تقف عبلة مثرثرة على رأس موظف الأمن :
-أنت لو مفتحتش الباب ده دلوقتِ أن هقتلك..
-ياهانم دي تعليمات ..
جاء كريم من الداخل على صدى صوتهم بالخارج ، فـتسللت عبلة لقلبه :
-يرضيك وقفتي دي يا كريم ؟!
اشار كريم للموظف :
-انت مش بتفتح الباب ليه ؟!
-دي أوامر عاصي بيه ..
فتحيرت نظرات كريم حتى استقر على رأيه قائلًا :
-افتح الباب ده ..
حاول الحارس أن يجادله ولكنه أصر :
-متشلش هم على مسئوليتي .. افتح الباب ..
صعدت عبلة السيارة بجوار فريد وهي تنتوي شرًا :
-أنا هعرفكم مين هي عبلة المحلاوي .. اتلقـوا اللي جاي مني …
عادت عبلة برفقة فريد الذي أحكم خطته معها .. وعلى جهتين متقابلتين يتقترب عاصٍ من القصـر ، وتقترب السيارة التي يجلس بداخلها رشيد ويونس .. أخوة حيـاة ..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية غوي بعصيانه قلبي ) اسم الرواية