رواية قدر و وصال الفصل السابع 7
اللهم إني أستودعك بيت المقدس وأهل القدس وكل فلسطين. اللهم ارزق أهل فلسطين الثبات والنصر والتمكين، وبارك في إيمانهم وصبرهم. اللهم إنا نسألك باسمك القّهار أنْ تقهر من قهر إخواننا في فلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين.
اللهم اشف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، وأطعم جائعهم، وانصرهم على عدوهم. اللهم أنزل السكينة عليهم، واربط على قلوبهم، وكن لهم مؤيدا ونصيرا وقائدا وظهيرا. سبحانك إنك على كل شيء قدير؛ فاكتب الفرج من عندك والطف بعبادك المؤمنين.
___________________
الفصل السابع
رواية قدر ووصال
بقلمي: هدير ممدوح
يظل الإنسان ضائع على أرض الواقع، لا يعلم متى ينتهي من هذا العذاب، فعند سؤاله متى الراحة أخبروه عند أول قدم تُوضع بالجنة فعاش الحياة برضا، وبأنتظاره للجنة.
"صباحًا"
أسفل العمارة التي تقطن بها وداد مازالت السيارة التي بها الشباب واقفة، وكانوا نائمون بداخلها، أستقيظ شاب منهم كان ينام على الأريكة من الخلف على أثر سماع صوت سيارة أخرى؛ توقفت أمام باب العمارة مباشرةً فأعتدل بجلسته ووكز أصدقائه ليستيقظوا تحدث أحدٍ منهم بحدة وقال:
_إيه ياعم في إيه.
أشر له قائلاً:
_بص هناك كده.
دعك عينيه بيده اولًا كي يزل أثر النعاس ونظروا جميعا لتلك السيارة التي هبط سائقها واتجه ليفتح بابها، فتدلى رجل من السيارة ببدلة سوداء رسمية وبيده تبغ ينفث دخانه، وولج للعمارة بهيبة ووقار، انتفض الشاب الذي كان بالسيارة وهو يقول:
_ انا لازم أبلغ أيمن باشا بسرعة يمكن أخته في خطر.
وأخرج هاتفه من جيب بنطاله وجاء برقم ايمن ليهاتفه، وقال وهو ينتظر الرد:
_شهاب روح العمارة شوف إيه اللي هيحصل بسرعة.
و ترجل الذي كان بجانبه متوجهًا إلي العمارة.
🌼🌼
"بمنزل وصال "
كان جالس شقيقها ايمن بملابسه الرسمية، وبيده يحمل فنجان من القهوة يرتشف منه، أستمع لرنين هاتفه الذي كان أمامه أعلى الطاولة فألتقطه واستقبل المكالمة قائلاً :
_أيوة يا محمد في جديد.
رد الشاب "محمد":
_أيوة يا أيمن باشا في واحد دخل العمارة وشكله راجل غني، أنا قلبي بيقولي ان العمارة دي مشبوهة يابيه.
تحدث ايمن بصوتًا حاد قائلاً:
_اتصرف يا محمد ، خرج وصال و صاحبتها من العمارة دي بأي طريقة.
أجاب محمد:
_ماشي يباشا أنا هتصرف، أطمن أنت.
زفر ايمن بعمق وهو يقول:
_وصال أمانة عندك يا محمد، إي حاجة تحصل معاك تقولي فوراً.
محمد بتريث:
_تمام يباشا.
أنهى ايمن المكالمة وتنهد بضيق، فأقتربت منه نجلاء بخطوات بطيئة وقالت:
_أنت عرفت مكان وصال ولا إيه يا ايمن.
حدجها ايمن ببصره وقال بإمتعاض:
_نجلاء أنا بحذرك أنسي وصال خالص أنتي فاهمة، واستقام من مكانه وغادر منزله.
فألقت نجلاء السباب عليه بعدما أختفى من تحت أنظارها .
" في شقة وداد"
ولج الرجل للداخل ، وجلس واضعًا ساق على الأخرى وتابع وهو ينفث دخانه:
_فين البنات دول يا وداد.
أجابت وداد قائلة:
_في الأوضه جوة يا ياسامح بيه، أصل أنا عطيتهم الأمان خفت ليهربوا مني، هروح اخبط عليهم.
هز الرجل رأسه دون أن ينبس ببنت شفة، وكان يقف على مقربة منه إحدى رجاله.
"بغرفة الفتيات"
واقفة قدر أمام المرآه تلف خمارها، بينما جالسة وصال على طرف الفراش تمشط شعر رهف فتحدثت قدر:
-الحمدلله لاقيت خيط أخيط بيه الادناء ده.
ردت وصال قائلة:
_ الحمدلله، ان شاء الله نخلص من ده كله ونشتري كام طقم ليكي أنا عارفة أن هدومي مش هتناسبك.
كادت قدر أن ترد عليها حتى قاطعها صوت الطرق على الباب وقول وداد:
أصحوا يابنات يلا عاوزاكم برة.
غمغت قدر قائلة:
-تمام هنخرج دلوقتي.
عادت وداد مرة أخرى إلى صالون شقتها وخرجوا الفتيات الثلاث بعد دقائق معدودة، وقفوا في دهشة ينظرون إلى ذلك الرجل والذي بجانبه، ونظر لهم الرجل يتفحصهم بدقة آثارت رُعبهم وكأنهم عراه أمامه، وأحست قدر بنظراته فمالت على أُذن وصال قائلة:
_تعالي نرجع الأوضة ناخد الشنط ونمشي من هنا يلا بسرعة.
ردت وصال بتردد:
_مش مفروض نسلم عليها الأول وبعدين نمشي.
كانت قدر تسترق نظرها إلى ذاك الجالس بأرتياح حتى وثب قائمًا يقترب بأتجاهن، فأزدادت ضربات قلبها خوفاً من القادم وأستدارت لتعود وقالت هامسة لوصال:
_يلا تعالي ألحقيني.
أسرع الرجل بخطواته وأمسك معصمها وتحدث قائلاً:
-انا عجباني البت دي ياوداد جهزوها.
نظرت قدر بذعر خلفها لتجد رجل يبدو ببداية قرنه الأربعين ذو ملامح جذابة مختلطة مع تجاعيد وجهه القليلة وقد خط شعره الشيب فقالت قدر منتفضة وهي تنظر بعينه الذي قرأت بها سوء النية:
_أنت أزاي تتجرأ وتمسك أيدي بالطريقة دي.
"عند نجلاء "
أنتظرت مغادرة زوجها وجاءت برقم أحمد على هاتفها لتتصل به انتظرت قليلا حتي جاءها صوته:
_ايوة يا نجلاء
فقالت له بحدة:
_انت فين دلوقتي
رد أحمد بحنق:
_أنا خلاص اهو داخل على العمارة اللي فيها شقتي، هموت وانام .
أجابت نجلاء بنبرة غاضبة:
_يعني إيه، أنت نزلت من اسكندرية.
احمد بلامبالاه:
_ايوة يانجلاء.
هتفت نجلاء بإمتعاض:
_بس ده مكنش اتفاقنا ووصال لسة فـ اسكندرية.
أحمد بتريث عكسها :
_وأنا كنت هعمل إيه يعني ما انا قولتلك على كل اللي حصل.
زفرت نجلاء بقوة وقالت:
_أحنا لازم نبعد قدر عن وصال أنا عاوزاك توصلني لجوز أمها فأسرع وقت.
"أسفل العمارة"
واقف محمد مع صديقه ينتظرون اي خبر منه، وقاطعهم مجيئه المهرولاً إليهم وأخرج الكلام من جوفه دفعة واحدة وقال:
_الشقة دي مشبوهة يا محمد والبنات في خطر.
زفر بعمق فقد تأكد من شكوكه ولكنه ألقى على مسامعه تلك الكلمة:
_انت متأكد
رد شهاب بضيق قائلاً:
_أيوة ياعم انا سمعته بيقول جهزوا البنت دي ياوداد.
جائهم صوت صديقهم الأخر قائلاً:
_طيب هنتصرف ازاي دلوقتي، وهنعمل إيه.
"في الأعلى "
تحدثت وصال وهي تحاول إبعاد ذاك الرجل عن صديقتها فقبضت على يده تحاول نزعها، وهي تصيح بحده:
_أبعد عنها وإلا......
فقالت وداد ساخرة:
_وإلا إيه ياحلوة، الشارع كله مفهوش حد ساكن فيه والعمارة مفيش غيري ساكن فيها حتى خالتك سامية نقلت، فاسمعي الكلام وخلي اليوم يعدي لأن كده كده الباشا هياخد صاحبتك.
"مستحيل " خرجت من جوف قدر الذي ظهر على ملامحها الثبات والقوة عكس داخلها تمامًا وقلبها الذي يكاد ان يتوقف من شدة الخوف فاسترسلت قائلة:
_على جثتي أني أخلي حد يقربلي أنتِ فاهمة.
أقتربت منها رهف والدمع اخذ يتسابق على وجنتيها وقالت بخفوت:
_ماتسبنيش ياقدر زي ماما.
أقتربت منهم وداد قائلة بفظاظة :
_لا بقولك إيه منك ليها، احنا مش هنفضل فالفيلم الهندي ده كتير، وأستدارت ناظرة للشاب الذي جاء مع سامح واسترسلت حديثها، بنبرة خالية من أي رحمة :
قرب ياعماد أمسك الكبيرة وأنا الصغيرة خلي الباشا ياخد البنت دي ونخلص.
وبالفعل اقترب المدعو عماد وقبض على رسغها بقوة ومال على أُذنها قائلاً بخفوت:
_الباشا ياخد صاحبتك وافضالك انا ياجميل.
صرخت وصال قائلة:
_بتقول إيه انت كمان ياحيوان انت والباشا بتاعك ده هتندموا صدقني.
تحدث سامح ببرود يناسب شخصيته:
_سامح المدكور مش بيتهدد ياحلوة، ولسة دورك جاي.
ووجه نظره إلى قدر واسترسل قائلًا:
_يلا ياجميل عشان يومنا طويل وشد على عضدها ليسحبها خلفه فعلى صراخ وصال وبكاء رهف.
صوت صفعة تردد صداها بالمكان وألجم ألسنتهم وهم يرون ذلك السامح متسع العينين ينظر لقدر بأعين أطل منها الغضب ولو كانت تخرج نيران لأحرقتها، بينما لا تعلم هي من أين أتتها تلك القوة فنفضت يدها من بين قبضته ورفعتها وهبطت به على وجهه، طال الصمت ثواني معدودة، حتى آتاهم صوت طرقات قوية على باب الشقة التي كانت النجاة للفتيات.
تحدث سامح ومازالت أعينه على فريسته قائلاً:
_أنتي مستنية حد ياوداد.
انتفضت وداد قائلة:
_لا ياخويا، وانا هستنى مين يعني.
"أفتحي " هكذا استمعت إلى صوته الخالي من أي مشاعر.
تركت وداد يد وصال وهي تخطو للأمام وقالت:
_أتخبى في اي مكان ياسامح بيه، ونظرت للفتيات قائلة بتهديد:
_لو سمعت صوت واحدة فيكم هشوهلها وشها الحلو ده.
بالفعل امتثل سامح لأمرها وتوجه هو وعماد إلى المطبخ للأختباء وتقدمت وصال أمسكت بيد رهف ووقفوا بجانب قدر الساكنة بمكانها.
قامت وداد بفتح الباب لتجد شاباً واقفًا ولم يكن غير محمد الذي هتف قائلاً:
ست وداد، ست وداد في مباحث واقفة تحت قدام العمارة أنا سمعتهم بيتكلموا فالتليفون.
انقبض قلب وداد وقالت:
_كلام اي ده ياواد، انا حتى أول مرة أشوفك هنا.
ابتلع محمد ريقه خوفاً من فشل خطته وقال:
_انا ساكن فالشارع اللي ورا ومتابعك وعارف كل حاجه عنك،استرسل حديثه بغمزة واتمنى اكون ايدك اليمين وتبلي ريقي بحاجة من اللي عندك.
نظرت له بشك، فتابع قائلاً:
_لو مش مصدقاني بصي وشوفي بعينك انا نبهتك.
ألقى جملته وغادر من امامها منتظرا نتائج خطته التي يتمنى نجاحها.
توجهت هي سريعاً للشرفة فوجدت شابان ينظرون للأعلى فهرولت للخارج وهي تدب على صدرها قائلة:
_يامصيبتي ياسامح بيه في مباحث واقفة تحت قدام العمارة.
خرج سامح ومعه عماد وقال بوجه مقتضب وملامح لا تبشر بالخير:
_انا مش هتحرك غير والبنت دي معايا، لازم أدفعها تمن القلم ده غالي.
علا صوت وصال وهي تقول:
_دلوقتي ياست وداد هيبقا في ناس هتسمعنا لو صرخنا احسنل......
قاطعتهم وداد قائلة بتهديد :
_اخرسي لقطعلك لسانك ده يابت.
وتوجهت انظارها إلى سامح وادرفت بترجي:
_أبوس أيدك ياسامح بيه امشي من هنا، انا مش حمل مصايب تانية.
تحدث عماد لرب عمله قائلاً بتأييد:
_وداد عندها حق يباشا احنا لازم نمشي من هنا، كده انت بتوقع نفسك في مصايب أنت في غنى عنها.
كان يعلم انهم معهم كامل الحق فإن قُبض عليه سيتلوث أسمه وسيتضرر عمله خاصةً وانه رجل أعمال.
فغمغم قائلاً ومازال نظره معلقاً على قدر:
_هنمشي ياوداد هنمشي.
وبالفعل مر من أمامهم وخرج هو وعماد صافعًا
الباب خلفه بحدة انتفض على أثرها جسد قدر.
توجهت وصال للداخل جاذبة حقائبهم تحت انظار وداد التي تحدثت ما أن رأتها:
_على فين العزم هو دخول الحمام زي خروجه.
رفعت وصال سبابتها بوجهها وقالت بتهديد:
_والله العظيم لو سمعت صوتك لكون مصوتة، وان مجاش حد على صوتي هخنقك بأيدي دي واريح العالم منك.
صرخت وداد بهم قائلة:
_أطلعوا برة بيتي يلا برة.
غادروا الفتيات العمارة تحت انظار الشباب الذين كانوا بسيارتهم فأسعدهم نجاح خطتهم.
وللمرة الثانية يتلقون ضربة من الحياة، فالطريق صعب المسير، وخاصةً أن لم تكن تعرف أين وجهتك.. فتهيمُ هائمًا على وجهك في الطرقات دون سبيل.
✍🏻هدير ممدوح
لا يعلمون كم من الوقت مر، ولكن الصمت كان رفيقهم.
حتى قاطعه صوت وصال التي قالت بخفوت وندم:
_انا أسفة ياقدر، بسببي عشتي يوم من أسوأ أيام حياتك.
وقفت قدر مكانها وناظرتها بأعين إرتسم بها الغضب والقهر وتحدثت بحدة قائلة:
_قولتلك الست دي مش مظبوطة بلاش نقعد هنا، شوفتي إيه اللي حصل.
وصال بندم:
_انا أسفة ياقدر حقك عليا،أنا بس قلت اهو مكان يحمينا....
لا تعرف كيف خرج صوتها بكل هذه القوة حين قالت بصوت ممزوج بالوجع:
_انا محدش حاسس بيا ياوصال أفهمي انا وصلت بيا ان الحل الأنسب هو الانتحار، وبعدها أرجع استغفر واقول سامحني يارب، الحكاية دايما غير الكل ما شايفها في جزء خفي جوة كل شخص فينا عن الكل.
انسابت دموعها على وجنتيها واسترسلت قائلة:
بنبقا عايشين في ضغط، خوف، قلق، بس بنبين الجزء القوي منا، بنحاول بكل قوتنا.
احتضنتها وصال اثر كلماتها التي مزقت قلبها ولم تستطع قول شيء سوى البكاء، ورهف تنظر إليهم باعين تتلألأ بها الدموع هي لاتفهم الكثير من حديثهم ولكنها تبكي لبكاء شقيقتها.
ألقت وصال بالصمت جانبًا واردفت قائلة ببكاء وهي مازالت تعانقها :
_متقوليش كده ياقدر أنا اتعودت عليكي قوية انتي الحيط اللي بتكي عليه وقت ضعفي وببقا واثقة انه عمره ما هيميل، أو هيجي يوم ويقع.
ابتسمت قدر ساخرة من وسط دموعها:
_وانا اتعمدت أظهر كده ياوصال بس أنا اضعف من ما تتخيلي.
أجابت وصال:
_والله دموعك بتنزل سكاكين على قلبي.
ألقت رهف بجسدها عليهم تحوطهم بيدها الصغيرة أسفل ظهرهم قائلة:
_خلاص بقا، انتو هتزعلوا من بعض؟
تركوا بعضهم وسحبت قدر شقيقتها تعانقها وبيدها الأخرى مسحت دموع وصال قائلة:
-بس أنا مش ببين ضعفي غير ليك زي ما انا سندك أنتي كمان سندي ياوصال قدر مش بتكون كاملة من غير وصال.
ابتسمت وصال قائلة بصوت متحشرج من اثر البكاء:
_ووصال كمان مش بتكون كاملة من غير قدر.
تحدثت رهف بطفولة عفوية:
_طب إيه رايكم تتجوزوا وكده نعيش كلنا مع بعض.
صدرت ضحكة من الفتيات فتذمرت رهف وقالت:
_من شوية كنتو قالبينها نكد ولما أنا اتكلمت بتضحكوا عليا.
تحدثت وصال بوجه فرح مبتسم:
_وكده تبقا رهف ضحكت وصال و قدر.
ابتسمت رهف برضا.
وقالت قدر بِحيرة وقلق غزا ملامحها:
_دلوقتي هنروح فين؟
يتبع....
دمتم بخير
•تابع الفصل التالي "رواية قدر و وصال" اضغط على اسم الرواية